تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182599 / تحميل: 5901
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في الهدايا على أن يحتال على أبي جعفرعليه‌السلام في مسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر أبوجعفرعليه‌السلام قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له يسأل أبا جعفر، فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : قتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ عمدا أو خطأ؟ عبدا أو حرا؟ صغيرا أو كبيرا؟ مبدئا أو معيدا؟ من ذوات الطير أو من غيرها؟ من صغار الصيد أو من كبارها؟ مصرا عليها أو نادما؟ بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا؟ محرما للعمرة أو للحج؟ قال: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس وتحير الناس تعجبا من جوابه ونشط المأمون، فقال: يخطب أبوجعفر؟ فقال أبوجعفر: نعم يا أمير المؤمنين، ثم قال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لعظمته وصلى الله على محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال جل ذكره: " وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل بنت عبدالله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم، فقال: المأمون: قد زوجت فهل قبلت؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : قد قبلت هذا لتزويج بهذا الصداق.

١٠١

ثم أولم المأمون وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام، قال: فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاوباتهم فإذا بالخدم يجرون سفينة من فضة فيها نسائج من أبريسم مكان القلوس(١) مملوة غالية فخضبوا لحى أهل الخاص بها، ثم مدوا إلى دار العامة فطيبوهم.

فلما تفرقوا قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت من قتل الصيد، فقال أبوجعفرعليه‌السلام : نعم يا أمير المؤمنين إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة فإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم وليس عليه قيمته لانه ليس في الحرم فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لانه في الحرم وإذا كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما، وإن كانت بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فإطعام ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، فإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا أن ينحره في حج إن كان بمنى حيث ينحر الناس وإن كان في عمرة ينحر بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة يتصدق وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطاء فليس عليه شئ إلا الصيد فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، خطاء كان أو تعمدا، وكلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه وإن كان ممن عاد فينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة فإن دل على الصيد وهو محرم فعليه الفداء والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة والنادم عليه لا شئ عليه في الآخرة بعد الفداء فإذا أصاب الطير ليلا وفي وكره خطاء فلا شئ عليه إلا أن يتعمد فإذا تصيد بليل أو نهار فعليه الفداء بمنى(٢)

__________________

(١) القلس - بالفتح -: حبل ضخم للسفينة من خوص او غيره جمعه قلوس - بضم القاف -.

(٢) كذا في النسختين. وفى تفسير على بن ابراهيم بعد قوله "فعليه الفداء" "والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى".

حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة.

١٠٢

فأمر المأمون أن يكتب ذلك ثم دعا أهل بيته فقرأ عليهم ذلك وقال لهم: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب، قالوا: لا والله ولا القاضي، فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت كنت أعلم به منا، ثم قال: ويحكم إن أهل هذا البيت خلوا من هذا الخلق أو ما علمتم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلا غيرهما، أو ما علمتم أن عليا آمن بالنبي وهو ابن عشر سنين(١) فقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طفلا غيره إلى الايمان أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم، قال: ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفرعليه‌السلام ثلاثة أطباق بنادق زعفران ومسك معجون بماء الورد في جوفهما رقاع على طبق رقاع عمالات والثاني ضياع طعمة لمن أخذها والثالث فيه بدر(٢) ثم أمر أن يفرق طبق العمالات على بني هاشم خاصة والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء والذي عليه البدر على القواد، وما زال مكرما لابي جعفرعليه‌السلام أيام حياته حتى كان يقدمه على ولده - تم الخبر -(٣) .

وروى عن علي بن محمد العسكري، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما اسربي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها أربعة أركان وأربعة أبواب كلها من استبرق أخضر، قلت: يا جبرئيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟ فقال: حبيبي محمد هذه صورة مدينة يقال لها: قم يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمدا وشفاعته للقيامة والحساب يجري عليهم الغم والهم والاحزان و

__________________

(١) في بعض نسخ الحديث [ وهو ابن اثنى عشر سنة ] وفى بعضها [ وهو ابن تسع سنين ].

(٢) البدر - بكسر الباء وفتح الدال -: جمع بدرة وهى كيس يجعل فيه الدرهم والدينار.

(٣) رواه على بن ابراهيم القمى في تفسيره ص ١٦٩ ط ايران ١٣١٣ ورواه المؤلف في الارشاد في ذكر فضائل الجوادعليه‌السلام باب طرف الاخبار والطبرسى في الاحتجاج ص ٢٤٥ ط النجف والطبرى في دلائل الامامة ص ٢٠٦ والاربلى في كشف الغمة ص ٢٨٥. والمسعودى في اثبات الوصية ص ١٦٩ ط طهران ١٣٢٠ - وط النجف وط النجف ص ١٨٣ عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ريان ابن شبيب خال المأمون.

١٠٣

المكاره، قال: فسألت علي بن محمد العسكريعليه‌السلام متى ينتظرون الفرج؟ قال: إذا ظهر الماء على وجه الارض(١) .

حديث محمد بن على بن موسى الرضاعليهم‌السلام وعمه عبدالله بن موسى علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي قال: لما مات أبوالحسن الرضاعليه‌السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفرعليه‌السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عمه عبدالله بن موسى وكان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة فجلس، وخرج أبوجعفرعليه‌السلام من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل جدد بيضاء فقام عبدالله فاستقبله وقبل بين عينيه وقام الشيعة وقعد أبوجعفرعليه‌السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض وقد تحيروا لصغر سنه فابتدر رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد فغضب أبوجعفرعليه‌السلام ثم نظر إليه فقال: يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزوجل فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم، فقال له عمه: أستغفر الله يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا فإن حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله، فتعجب الناس وقالوا: يا سيدنا أتأذن لنا ان نسألك؟ قال: نعم فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة(٢) فأجابهم فيها وله تسع سنين(٣) .

محمد بن الحسن، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزاز

__________________

(١) رواه الحسن بن محمد بن الحسن القمى المتوفى سنة ٣٧٨ في تاريخ قم ص ٩٦ [ من ترجمته المطبوع ] عن أبى مقاتل سبل الديلمى نقيب الرى عن أبى الحسن على بن محمدعليهما‌السلام .ونقله المجلسى من الاختصاص في المجلد الرابع عشر من البحار ص ٣٣٧.

(٢) يستبعد أن يكون في وسع السائلين أن يسألوا عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد و إن كان الامامعليه‌السلام يقدر على جواب أزيد منها ومن المحتمل أن يكون لفظه " ألف " من زيادة النساخ.

(٣) رواه السيد المرتضى في عيون المعجزات والسروى في المناقب على ما في التنقيح.

ونقله المجلسى في البحار ج ١٢ ص ١٢٠.

١٠٤

عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة درهم؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة ويسبحه مائة تسبيحة ويحمده مائة تحميدة ويهلله مائة تهليلة ويصلي على محمد وآل محمد مائة مرة ثم يقول: اللهم زوجني من حور العين إلا زوجه حوراء وجعل ذلك مهرها فمن ثم أوحى الله إلى نبيه أن سن مهر المؤمنات خمسمائة ففعل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(١) محمد بن عبدالله عن بعض أصحابه قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواه من رغبة فيما حرم عليهم ولا رهبة فيما أحل لهم ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله لهم وأباحه لهم تفضلا منه عليهم لمصلحتهم وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم ثم أباحه للمضطر وأحله له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به فأمر أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك(٢) .

ثم قال: أما الميتة فإنها لا يدنوا منها أحد ولا يأكل إلا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته(٣) وانقطع نسله ولا يموت إلا فجأة، وأما الدم فإنه يورث أكله الاصفر(٤) ويبخر الفم وينتن الريح ويسيئ الخلق ويورث الكلب(٥) والقسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمه وعلى من صحبه.

وأما لحم الخنزير فإن الله مسخ قوما في صورة شئ شبه الخنزير والقرد والدب وكان من الامساخ ثم نهى عن أكل مثله لكي لا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته.

__________________

(١) رواه الكلينى في الكافى المجلد الخامس ص ٣٧٦.وفيه عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل عن الحسين بن خالد.ورواه الصدوق في العلل ص ١٧٠ وفيه على ابراهيم عن ابيه عن على بن معبد عن الحسين بن خالد ورواه ايضا في العيون في باب علل الاشياء.

(٢) البلغة - بالضم -: ما تبلغ به من العيش. (النهاية)

(٣) في بعض النسخ [ وأوهنت قوته ].

(٤) ولعل المراد بالماء الاصفر الاستسقاء.

(٥) الكلب - بالتحريك -: داء يعرض الانسان شبه الجنون. (النهاية)

١٠٥

وأما الخمر فإنه حرمها لفعلها وفسادها وقال: إن مدمن الخمر كعابد وثن ويورثه الارتعاش ويذهب بقوته ويهدم مروء‌ته ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء و ركوب الزنا ولا يؤمن إذا سكر ان يثب على حرمه(١) .

محمد بن الحسين أحمد بن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي سليم الديلمي، عن أبي بصير(٢) قال: أتيت أبا عبداللهعليه‌السلام بعد أن كبرت سني وقد أجهدني النفس فقال: يا أبا محمد ما هذا النفس؟ فقلت له: جعلت فداك كبر سني ورق عظمي واقترب أجلي مع أني لست أدري ما أصير إليه في آخرتي، فقال: يا أبا محمد إنك لتقول هذا القول؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أقوله؟ فقال: أما علمت أن الله تبارك وتعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول؟ قلت: جعلت فداك كيف يكرم الشباب منا ويستحيى من الكهول؟ قال: يكرم الشباب منكم أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، فهل سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني فإنا قد نبزنا نبزا(٣) انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت به الولاة دماء‌نا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء، قال: فقال: الرافضة؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم بل الله سماكم، أما علمت أنه كان مع فرعون سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينون بدينه فلما استبان لهم ضلال فرعون وهدى موسى رفضوا فرعون ولحقوا بموسى فكانوا في عسكر موسى أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم اجتهادا إلا أنهم رفضوا فرعون فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد نحلتهم ثم ذخر الله هذا الاسم حتى

__________________

(١) رواه الكلينى في الكافى كتاب الاطعمة الحديث الاول.ورواه الصدوق في العلل ص ١٦٥. وفى الامالى في المجلس الخامس والتسعين.ورواه العياشى في تفسيره على ما في ج ١ ص ٤٣٤ من تفسير البرهان ج ١٤ ص ٧٧٢ من البحار.وقوله " يثب على حرمه " الوثوب كناية عن الجماع. وزاد في جميع نسخ الحديث بعد قوله: " على حرمه " " وهو لا يعقل ذلك والخمر لا يزداد صاحبها الا كل شر ".

(٢) هو أبومحمد يحيى بن القاسم الاسدى الكوفى من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام تابعى مات سنة خمسين ومائة بعد أبى عبداللهعليه‌السلام . وقد يطلق على ليث بن البخترى والظاهر المراد ههنا الاول.

(٣) النبز: اللمز بما يقبح ومنه قوله تعالى: " لا تنابزو بالالقاب ". - وبالتحريك -: اللقب

١٠٦

سماكم به إذ رفضتم فرعون وهامان وجنودهما واتبعتم محمدا وآل محمد يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت جعلت فداك زدني، قال: افترق الناس كل فرقة واستشيعوا كل شيعة فاستشيعتم مع أهل بيت نبيكم فذهبتم حيث ذهب الله واخترتم ما اختار الله وأحببتم من أحب الله وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم ابشروا فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم و المتجاوز عن مسيئكم من لم يلق الله بمثل ما أنتم عليه لم يتقبل [ الله ] منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال؟ قلت: جعلت فداك زدني، فقال: إن الله وملائكته يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق عن الشجر في أوان سقوطه وذلك قول الله تعالى:( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض (١) ) فاستغفارهم والله لكم دون هذا العالم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (٢) ) والله ما عنى غيركم إذ وفيتم فيما أخذ عليكم ميثاقكم من ولايتنا وإذ لم تبدلوا بنا غيرنا ولو فعلتم لعيركم الله كما عير غيركم في كتابه إذ يقول:( وما وجدنا لاكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (٣) ) ، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (٤) ) فالخلق والله غدا أعداء غيرنا وشيعتنا، وما عنى بالمتقين غيرنا وغير شيعتنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟.

__________________

(١) الشورى: ٣ أى ينزهونه تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات متلبسا بحمد ربهم.

(٢) الاحزاب: ٢٣. والنحب: الموت والنذر. و " قضى نحبه " أى أدرك ما تمنى من الموت أو القتل فذلك قضاء النحب.

(٣) الاعراف: ١٠٢. " ان وجدتا " " إن " مخففة من المثقلة واللام للفارقة أى علمنا وعند الكوفيين " ان " للنفى واللام بمعنى الا.

(٤) الزخرف: ٦٧.

١٠٧

قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) (١) فمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبيين ونحن الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون، فتسموا بالصلاح كما سماكم الله فوالله ما عنى غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد جمعنا الله وولينا وعدونا في آية من كتابه فقال: قل يا محمد:( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الالباب (٢) ) فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار (٣) ) فأنتم في النار تطلبون وفي الجنة والله تحبرون(٤) فهل سررتك يا أبا محمد؟.

قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فأعاذكم من الشيطان فقال:( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) (٥) والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: والله لقد ذكركم الله في كتابه فأوجب لكم المغفرة فقال:( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا (٦) ) قال: قلت: جعلت فداك ليس هكذا نقرؤه إنما نقرء " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا(٧) " قال: يا أبا محمد فإذا

__________________

(١) النساء: ٧١، وقوله تعالى " رفيقا " تميز ولذلك لم يجمع.قوله " فمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبيين " كذا في نسخة من النسختين وفى الاخرى " فمحمد وأهل بيتهعليهم‌السلام في هذا الموضع النبيين " وعلى كلتا النسختين " النبيين " كان على سبيل الحكاية.

(٢) الزمر: ٩. وروى البرقى في المحاسن في حديث قالعليه‌السلام : " نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا اولوا الالباب ".

(٣) ص: ٦٢.

(٤) أى تكرمون وتتنعمون وتسرون.

(٥) الحجر: ٤٢. والاسراء ٦٥.

(٦) الزمر: ٥٣.

(٧) هكذا في النسختين وليست هذه الزيادة في منقوله في البحار ولا في روضة الكافى وعلى فرضه لعل المراد انا فهمنا من الاية أن الله يغفر ذنوب الجميع فاجابعليه‌السلام أنه اذا غفر الله ذنوب جميع الخلق فمن يعذب بعدئذ. والعلم عند الله

١٠٨

غفر الله الذنوب جميعا فمن يعذب، والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا، وإنها لخاصة لنا ولكم فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: والله ما استثنى الله أحدامن الاوصياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته إذ يقول:( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم (١) ) والله ما عنى بالرحمة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: قال علي بن الحسينعليهما‌السلام ليس على فطرة الاسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس من ذلك براء فهل شفيتك يا أبا محمد(٢) .

أبوأحمد، عن رجل، عن أبي عبدالله أو أبي جعفرعليهما‌السلام قال: اجتمع رجلان يتغديان مع أحد ثلاثة أرغفة ومع واحد خمسة أرغفة قال: فمر بهما رجل فقال: السلام عليكما فقالا: وعليك السلام الغداء رحمك الله، فقال: فقعد وأكل معهما فلما فرغ قام فطرح إليهما ثمانية دراهم، فقال: هذه عوض لكما بما أكلت من طعامكما قال: فتنازعا بها فقال صاحب الثلاثة: النصف لي والنصف لك وقال صاحب الخمسة: لي خمسة بقدر خمستي ولك ثلاثة بقدر ثلاثتك، فأبيا وتنازعا حتى ارتفعا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فاقتصا عليه القصة فقال: إن هذا الامر الذي أنتما فيه دني ولا ينبغي أن ترفعا فيه إلى حكم، ثم أقبل عليعليه‌السلام إلى صاحب الثلاثة فقال: أرى أن صاحبك قد عرض عليك أن يعطيك ثلاثة وخبزه أكثر من خبزك فارض به، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا أرضي إلا بمر الحق، قال: فإنما لك في مر الحق درهم فخذ درهما وأعطه سبعة، فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين عرض علي ثلاثة فأبيت وآخذ واحدا؟ ! قال: عرض ثلاثة للصلح فحلفت أن لا ترضى إلا بمر الحق وإنما لك بمر الحق درهم، قال: فأوقفني على هذا، قال: أليس تعلم أن ثلاثتك تسعة أثلاث؟ قال: بلى، قال: أوليس تعلم أن خمسته خمسة عشر ثلثا؟ قال: بلى

__________________

(١) الدخان: ٤٢ و ٤٣.

(٢) رواه الكلينى في روضة الكافى ص ٣٣. ونقله المجلسى من الاختصاص في المجلد الحاديعشر ص ٢٢٣. وقوله: " براء " - ككرام - وفى بعض النسخ [ برآء ] - كفقهاء - وكلاهما جمع برئ.

١٠٩

قال: فذلك أربعة وعشرون ثلثا، أكلت أنت ثمانية وأكل الضيف ثمانية وأكل هو ثمانية فبقي من تسعتك واحد أكله الضيف وبقي من خمسة عشره سبعة أكلها الضيف فله بسبعته سبعة ولك بواحدك الذي أكله الضيف واحد(١) .

حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام مع ابليس

القاسم بن محمد الهمداني قال: حدثني أبوإسحاق إبراهيم بن محمد بن [ أحمد بن ] إبراهيم الكوفي قال: حدثنا أبوالحسين يحيى بن محمد الفارسي، عن أبيه، عن أبي عبدالله، عن أبيهعليهما‌السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر فقلت له: يا قنبر ترى ما أرى؟ فقال ضوء الله عزوجل لك يا أمير المؤمنين عما عمى عنه بصري، فقلت: يا أصحابنا ترون ما أرى؟ فقالوا: لا قد ضوء الله لك يا أمير المؤمنين عما عمى عنه أبصارنا، فقلت: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لترونه كما أراه و لتسمعن كلامه كما أسمع فما لبثنا أن طلع شيخ عظيم الهامة، مديد القامة، له عينان بالطول فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقلت: من أين أقبلت يا لعين؟ قال: من الانام فقلت: وأين تريد؟ قال: الانام، فقلت: بئس الشيخ أنت، فقال: لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله لاحدثنك بحديث عني عن الله عزوجل ما بيننا ثالث، فقلت: يا لعين عنك عن الله عزوجل ما بينكما ثالث؟ قال: نعم إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت إلهي وسيدي ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني؟ فأوحى الله تبارك وتعالى: بلى قد خلقت من هو أشقى منك فانطلق إلى مالك يريكه، فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الاعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا فقال لها: اهدئي فهدأت ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى فقال لها: أخمدي فخمدت إلى أن انطلق بي إلى

__________________

(١) رواه الكلينى في باب النوادر من كتاب القضايا من الكافى الحديث العاشر. ورواه المؤلف أيضا في الارشاد فصل قضايا علىعليه‌السلام . ونقله المجلسى في البحار ج ٢٤ ص ١٥ من الاختصاص.

١١٠

الطبق السابع وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الاولى فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عزوجل فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك أن تخمد وإلا خمدت، فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم فأمرها فخمدت فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها، فقلت: يا مالك من هذان؟ فقال: أوما قرأت على ساق العرش و كنت قبل قد قرأته قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته ونصرته بعلي، فقال: هذان من أعداء اولئك أو ظالميهم - الوهم من صاحب الحديث.(١)

باب القياس

المعلى بن محمد [ بن جعفر ]، عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن أول من قاس إبليس فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين ولو علم إبليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه.

ثم قال: إن الله عزوجل خلق الملائكة من النور وخلق الجان من النار وخلق الجن - صنفا من الجان - من الريح وخلق صنفا من الجن من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم أجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور أبصر وعقل وفهم وبالنار أكل وشرب ولولا أن النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام ولولا أن الريح في جوف ابن آدم يلهب نار المعدة لم يلتهب، ولولا أن الماء في جوف ابن آدم يطفئ حر نار المعدة لاحرقت النار جوف ابن آدم، فجمع الله ذلك في آدم الخمس الخصال و كانت في إبليس خصلة فافتخر بها على آدمعليه‌السلام (٢) .

مناظرة مؤمن الطاق مع أبى حنيفة في الطلاق

يعقوب بن يزيد البغدادي، عن محمد بن أبي عمير قال: قال أبوحنيفة لابي جعفر مؤمن الطاق: ما تقول في الطلاق الثلاث؟ قال: أعلى خلاف الكتاب والسنة؟ قال: نعم، قال أبوجعفر: لا يجوز ذلك، قال أبوحنيفة: ولم لا يجوز ذلك؟ قال: لان التزويج عقد بالطاعة ولا يحل بالمعصية، وإذا لم يجز

__________________

(١) نقله المجلسى من الكتاب في البحار ص ٣٨٨ من المجلد التاسع.

(٢) نقله المجلسى في البحار ج ١٤ ص ٤٧٧ من الاختصاص.

١١١

التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية وفى إجازة ذلك طعن على الله عزوجل فيما أمر به وعلى رسوله فيما سن، لانه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما وفي قولنا من شذ عنهما رد إليهما وهو صاغر.

قال أبوحنيفة: قد جوز العلماء ذلك، قال أبوجعفر: بئس العلماء الذين جوزوا للعبد العمل بالمعصية و استعمال سنة الشيطان في دين الله ولا عالم أكبر من الكتاب والسنة، فلم تجوزون للعبد الجمع بين ما فرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ولا تجوزون له الجمع بين ما فرق الله من الصلوات الخمس؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة، وقد قال الله عز وجل:( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) (١) المتعدي لحدود الله بإفراقه.

ما تقول يا أبا حنيفة في رجل طلق امرأته على سنة الشيطان، أيجوز له ذلك الطلاق؟ قال أبوحنيفة: خالف السنة وبانت منه امرأته وعصى ربه، قال أبوجعفر: فهو كما قلنا إذا خالف سنة الله عمل بسنة الشيطان ومن أمضى سنته فهو على ملته ليس له في دين الله نصيب، قال أبوحنيفة: هذا عمر بن الخطاب وهو من أفضل أئمة المسلمين، قال: إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه وأجزنا لكم ما استعجلتموه.(٢) قال أبوجعفر: إن عمر كان لا يعرف أحكام الدين، قال أبوحنيفة: وكيف ذلك؟ قال أبوجعفر: ما أقول فيه ما تنكره، أما أول ذلك فإنه قال: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء ولو سنة والامة على خلاف ذلك.

وأتاه أبوكيف العائذي(٣) فقال: يا أمير المؤمنين إني غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي؟ فقال: إن كان قد دخل بها فهو أحق بها وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها وهذا حكم لا يعرف، والامة على خلافه.

وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج إن شاء‌ت والامة على خلاف ذلك، إنها لا تتزوج أبدا حتى تقوم البينة أنه مات أو كفر أو طلقها.

__________________

(١) الطلاق: ٢.

(٢) نقله الحجة الامينى في الغدير المجلد السادس ص ١٧٨ الطبع الثانى من مسند أحمد ج ١ ص ٣١٤ وصحيح مسلم ج ١ ص ٥٧٤ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٣٣٦ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٩٦.وتفسير القرطبى ج ٣ ص ١٣٠.

(٣) في بعض النسخ [ ابوكيف العابدى ].

١١٢

وإنه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد، وقال: لولا ما عليه أهل صنعاء لقتلتهم به.

والامة على خلافه.

واتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها، فقال له عليعليه‌السلام : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها، فقال: لولا علي لهلك عمر.

واتي بمجنونة وقد زنت فأمر برجمها، فقال له عليعليه‌السلام : أما علمت أن القلم قد رفع عنها حتى تصح، فقال: لولا علي لهلك عمر.

وإنه لم يدر الكلالة فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بها فلم يفهم عنه فسأله ابنته حفصة أن تسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلالة فسألته، فقال لها: أبوك أمرك بهذا؟ قالت: نعم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: إن أباك لا يفهمها حتى يموت، فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين(١) .

جزء فيه اخبار من روايات اصحابنا وغيرهم

روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة قيل: وكيف ذلك؟ قال: يشفع فيهم فيشفع حتى يبقى الخادم فيقول يا رب خويدمتي قد كانت تقيني الحر والقر فيشفع فيها.(٢) وروي(٣) ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب وأنجب النجباء من أهل بيت النبوة.

وروي أن للمنافق أربع علامات: قساوة القلب، وجمود العين، والاصرار على الذنب، والحرص على الدنيا.(٤) حدثني سهل بن زياد الادمي قال: حدثني عروة بن يحيى، عن أبي سعيد المدائني قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : ما معنى قول الله عزوجل في محكم كتابه:( وما كنت بجانب

__________________

(١) نقله المجلسى من الكتاب في البحار المجلد الرابع ص ١٤٤.

(٢) رواه العياشى في تفسيره ونقل منه المجلسى في المجلد الثالث من البحار ص ٣٠٧. و أيضا في ص ٣٠٥ من الاختصاص. والقر: البرد.

(٣) أى عن الصادقعليه‌السلام .

(٤) نقله المجلسى في البحار الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر ص ٢٣. وروى الصدوق في الخصال أبواب الاربعة من علامات الشقاء جمود العين. الحديث.

١١٣

الطور إذ نادينا ) (١) فقال:عليه‌السلام كتابا لنا كتبه الله يا أبا سعيد في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام صيره معه في عرشه أو تحت عرشه فيه يا شيعة آل محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، من أتاني منكم بولاية آل محمد أسكنته جنتي برحمتي.(٢) حدثني محمد بن جعفر بن أبي شاكر، عمن حدثه، عن بعض الرجال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: جزى الله المعروف إذا لم يكن يبدأ عن مسألة فأما إذا أتاك أخوك في حاجة كاد يرى دمه في وجهه مخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله ثم والله لو خرجت له من جميع ما تملكته ما كافيته.(٣) بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أبوبكر محمد بن إبراهيم العلاف الهمداني بهمدان قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر بن موسى بن شاذان البزاز قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز المعروف بابن المطبقي، وجعفر الدقاق قالا: حدثنا أبوالحسن محمد بن الفيض بن فياض الدمشقي بدمشق قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله ابن أخي عبد الرزاق قال: حدثنا عبدالرزاق بن همام الصنعاني قال: حدثنا معمر بن راشد قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جده قال: لما قدم السيد والعاقب اسقفا نجران في سبعين راكبا وافدا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنت معهم فبينا كرز يسير - وكرز صاحب نفقاتهم - إذ عثرت بغلته فقال: تعس من نأتيه الابعد يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) فقال له صاحبه وهو العاقب: بل تعست وانتكست(٥)

__________________

(١) القصص: ٤٦.

(٢) نقله المجلسى من الكتاب في البحار الجزء الاول ص ١١٩ من المجلد الخامس عشر.

(٣) روى نحوه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٣.

(٤) التعس: الهلاك والعثار والسقوط والشر والانحطاط. والفعل كمنع وسمع. فاذا خاطبت قلت: تعست - كمنعت - واذا حكيت قلت: تعس - كسمع -. وفى بعض نسخ الحديث [ فقال كرز: تعس الابعد يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] والابعد: الخائن والمتباعد من الخير.

(٥) انتكس فلان أى وقع على رأسه.

١١٤

فقال: ولم ذلك؟ قال: لانك أتعست النبي الامي أحمد، قال: وما علمك بذلك؟ قال: أما تقرأ من المفتاح الرابع(١) من الوحي إلى المسيح أن قل لبني إسرائيل: ما أجهلكم تتطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها وأهلكم وأجوافكم عندي كالجيفة المنتنة يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الامي الذي يكون في آخر الزمان صاحب الوجه الاقمر والجمل الاحمر المشرب بالنور، ذي الجناب الحسن والثياب الخشن، سيد الماضين عندي وأكرم الباقين علي، المستن بسنتي، والصائر في دارجتي، والمجاهد بيده المشركين من أجلي، فبشر به بني إسرائيل ومر بني إسرائيل أن يعزروه وأن ينصروه، قال عيسى صلى الله عليه: قدوس قدوس، من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني؟ قال: هو منك وأنت منه وهو صهرك على امك، قليل الاولاد، كثير الازواج، يسكن مكة من موضع أساس وطى إبراهيم، نسله من مباركة وهي ضرة امك في الجنة، له شأن من الشأن، تنام عيناه ولا ينام قلبه، يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة، له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشمس(٢) حيث يغرب، فيه شرابان من الرحيق والتسنيم،(٣) فيه أكاويب عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين، يوافق قوله فعله وسريرته علانيته، فطوبى له وطوبى لامته، الذين على ملته يحيون وعلى سنته يموتون ومع أهل بيته يميلون، آمنين مؤمنين مطمئنين مباركين ويظهر في زمن قحط وجدب فيدعوني، فترخى السماء عزاليها(٤) حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها، وابارك فيما يضع فيه يده، قال: إلهي سمه، قال: نعم هو أحمد وهو محمد رسولي إلى الخلق كافة، وأقربهم مني منزلة وأحضرهم عندي شفاعة، لا يأمر إلا بما احب وينهى لما أكره.

__________________

(١) في بعض النسخ [ من المصباح الرابع ].

(٢) في بعض النسخ [ مغرب الشمس ].

(٣) التسنيم هو عين في الجنة وهو اشرف شراب في الجنة.

(٤) الجدب - كالقتل - مصدر: ضد الخصب. وأصابهم الجدب أى الفقر والقحط. " فترخى السماء عزاليها " اشارة إلى شدة وقع المطر. والعزالى جمع عزلاء وهى مصب الماء من القربة ونحوها.

١١٥

قال له صاحبه: فأنى تقدم بنا على من هذه صفته(١) ؟ قال: نشهد أحواله وننظر آياته فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة ونكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا وإن يكن كاذبا كفيناه بكذبه على الله عزوجل، قال: ولم إذا رأيت العلامة لا تتبعه؟ قال: أما رأيت ما فعل بنا هؤلآء القوم أكرمونا، ومولونا ونصبوا لنا الكنائس وأعلوا فيه ذكرنا، فكيف تطيب النفس بالدخول في دين يستوي فيه الشريف والوصيع، فلما قدموا المدينة قال من رآهم من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل منهم، لهم شعور وعليهم ثياب الحبر، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متناء عن المسجد فحضرت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلقاء المشرق فهم بهم رجال من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنعهم، فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: دعوهم فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه وناظروه، فقالوا: يا أبا القاسم حاجنا في عيسى، قال: هو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فقال أحدهما: بل هو ولده وثاني اثنين وقال آخر: بل هو ثالث ثلاثة: أب وابن وروح القدس وقد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول: فعلنا وجعلنا وخلقنا ولو كان واحدا لقال: خلقت وجعلت وفعلت فتغشى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها " فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم - إلى آخر الآية - " فقص عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القصة وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: قد والله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم.

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل قد أمرني بمباهلتكم، فقالوا: إذا كان غدا باهلناك فقال القوم بعضهم لبعض: حتى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس أم بأهله من أهل الصفوة والطهارة(٢) ؟ فإنهم وشيج الانبياء وموضع نهلهم(٣) فلما كان

__________________

(١) في بعض النسخ [ فأين تعدينا على من هذه صفته ].

(٢) في بعض النسخ [ أم بالقلة من أهل الصفوة والطهارة ].

(٣) الوشيج هو ما التف من الشجر والوشيجة: عرق الشجرة وليف يفتل ثم يشد به ما يحمل والوشيج جمع وشيجة ووشجت العروق والاغصان: اشتبكت وفى القاموس الوشيج: اشتباك القرابة والواشجة: الرحم المشتبكة.

١١٦

من غد غدا النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيمينه علي وبيساره الحسن والحسينعليهما‌السلام ومن ورائهم فاطمة صلى الله عليها، عليهم النمار النجرانية(١) وعلى كتف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف ولا لين،(٢) فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما(٣) ونشر الكساء عليهما وأدخلهم تحت الكساء وأدخل منكبه الايسر معهم تحت الكساء، معتمدا على قوسه النبع(٤) ورفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة واشرأب الناس ينظرون واصفر لون السيد والعاقب وكرا حتى كاد أن يطيش عقولهما، فقال أحدهما لصاحبه: أنباهله؟ قال: أوما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم [ أ ] وبقي كبيرهم ولكن أره أنك غير مكترث وأعطه من المال والسلاح ما أراد، فإن الرجل محارب وقل له: أبهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله وفضل أهل بيته، فلما رفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى السماء للمباهلة قال: أحدهما لصاحبه: وأي رهبانية؟ ! دارك الرجل، فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل ولا مال، فقالا: يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا؟ قال: نعم، هؤلاء أوجه من على وجه الارض بعدي إلى الله عزوجل وجهة وأقربهم إليه وسيلة، قال: فبصبصا(٥) يعني ارتعدوا وكرا وقالا له: يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف وألف درع وألف حجفة وألف دينار كل عام على أن الدرع والسيف والحجفة عندك إعارة حتى يأتي من وراء‌نا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا و شاهدنا فيكون الامر على ملاء منهم فإما الاسلام وإما الجزية وإما المقاطعة في كل عام، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد قبلت ذلك منكما أما والذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لاضرم الله عزوجل عليكم الوادي نارا تأجج حتى يساقها إلى من وراء‌كم في أسرع من طرفة العين فأحرقتم تأججا، فهبط عليه جبرئيل الروح الامينعليه‌السلام فقال:

يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماوات وأهل الارض لساقطت السماء كسفا متهافتة ولتقطعت الارضون زبرا سائحة فلم

__________________

(١) النمرة - كفرحة -: الحبرة، وشملة فيها خطوط بيض وسود. (القاموس).

(٢) القطوان - بالتحريك وآخره نون موضع بالكوفة منه الاكسية. وفى بعض النسخ [ قرطف ] وفى القاموس القرطف - كجعفر -: القطيفة. وفى بعضها [ قرطق ] بالقافين وفى القاموس: القرطق - كجندب -: ليس معروف، معرب كرته.

(٣) كسح البيت: كنسه والشئ قطعه وأذهبه.

(٤) النبع - بتقديم النون على الباء الموحدة -: شجر للقسى وللسهام. (القاموس)

(٥) في اللغة: بصبص الكلب أى أدخل ذنبه بين رجليه، وبصبص فلان: تملق.

١١٧

تستقر عليها بعد ذلك، فرفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يديه حتى رئي بياض إبطيه، ثم قال: وعلى من ظلمكم حقكم وبخسني الاجر الذي افترضه الله فيكم عليهم بهلة الله تتابع إلى يوم القيامة(١) .

حدثني محمد بن علي بن شاذان وقال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أبوالعباس ثعلب قال: حدثنا أحمد بن سهل أبوعبدالرحمن قال: حدثنا يحيى بن محمد بن إسحاق بن موسى قال: حدثنا أحمد بن قتيبة أبوبكر، عن عبدالحكم القتيبي، عن أبي كيسة ويزيد بن رومان قالا: لما اجتمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت ام سلمة رضي الله عنها وكانت بمكة فقالت: يا بنت أبي امية كنت كبيرة امهات المؤمنين وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقمؤ(٢) في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل الوحي في بيتك، قالت لها: يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنت زوارة ولامر ما تقولين هذه المقالة؟ قالت: إن ابني وابن أخي أخبراني أن الرجل(٣) قتل مظلوما وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاعون، فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعل الله أن يصلح بين فئتين مشاجرتين؟ فقالت: يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين؟ فلقد كنت أشد الناس عليه وأن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد تابعه المهاجرون والانصار، إنك سدة بين رسول اللهعليه‌السلام وبين امته وحجابة مضروبة على حرمه، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه(٤) ، وسكني عقيراك فلا تضحى بها،

__________________

(١) أخرجه رضى الدين احمد بن ابى القاسم بن سعد الدين سيد بن طاووس في كتابه سعد السعود ص ٩١ عن كتاب تأويل ما انزل من القرآن الكريم في النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأليف ابى عبدالله محمد ابن العباس المعروف بالحجام بهذا السند أيضا.

(٢) في النهاية فيه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقمؤ إلى منزل عائشة كثيرا. أى يدخل.

(٣) اريد به عثمان بن عفان.

(٤) البذخ - من باب تعب -: التكبر والفخر والعلو وباذخه فاخره وما يأتى من المؤلف من أنه بمعنى النفخ ليس في كتب اللغة ولعله استعمل في الاصل بهذا المعنى ثم استعمل في الكبر تجوزا ثم صار حقيقة فيه كما أشار اليه المجلسى. وفى رواية ابن أبى الحديد في شرح النهج " فلا تندحيه "وقال في شرحه: اى لا تفتحيه ولا توسيعه بالحركة والخروج، يقال: ندحت الشئ اذا وسعته، ومنه يقال: فلان في مندوحة عن كذا أى في وسعة. تريد قول الله تعالى: " وقرن في بيوتكن " في سورة الاحزاب: ٣٣. وفى بعض النسخ [ تبدحيه ] بالباء فأنه من البداح وهو المتسع من الارض. و عقيراك من عقر الدار وهو أصلها. وقولها: " وسكنى عقيراك فلا تضحى بها " في شرح النهج ومعانى الاخبار واحتجاج الطبرسى " وسكن عقيراك فلا تصحريها " أى لا تبرزيها، أو لا تجعليها بالصحراء وهو الاظهر.

١١٨

الله من وراء هذه الامة، قد علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانك ولو أراد أن يعهد إليك فعل، قد نهاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الفراطة في البلاد(١) ، إن عمود الاسلام لا ترأبه النساء إن انثلم، ولا يشعب بهن إن انصدع(٢) حماديات النساء غض بالاطراف، وقصر الوهادة(٣) وما كنت قائله لو أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر، إن بعين الله مهواك وعلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تردين قد وجهت سدافته وتركت عهيداه،(٤)

__________________

(١) الفراطة في البلاد، السعى والذهاب كما يأتى معناه من المؤلف وفى شرح النهج والمعانى والاحتجاج " الفرطة " وقال ابن أبى الحديد: الفرطة في البلاد: اى عن السفر والشخوص من الفرط وهو السبق والتقدم، ورجل فارط أتى الماء أى سابق.

(٢) قولها: " عمود الاسلام لا ترأبه النساء ان انثلم " يعنى لا تصلحه اذا انشق وانصدع. و في شرح النهج " عمود الاسلام لا يثأب بالنساء ان مال ولا يرأب بهن ان صدع ".

وفى رواية المؤلف في كتاب الجمل " عمود الاسلام لا يقام بالنساء ان انثلم ولا يشعب بهن ان انصدع ".

(٣) كذا لكن الصحيح كما في شرح النهج " وحماديات النساء غض الاطراف وخفر الاعراض وقصر الوهازة " وفى معانى الاخبار " حماديات النساء غض الابصار وخفر الاعراض وقصر الوهازة ".وفى كتاب الجمل " غض الاطراف وخفر الاعطاف وقصر الوهادة وضم الذيول " وفى الاحتجاج " غض الاطراف وضم الذيول والاعطاف " وقال ابن أبي الحديد: غض الاطراف: جمعها.وقولها " خفر الاعراض " الخفر: الحياء والاعراض جمع عرض وهو الجسد، يقال: فلان طيب العرض أى طيب ريح البدن. وقال: ومن رواه الاعراض - بكسر الهمزة - جعله مصدرا من أعراض عن كذا.وقولها: " قصر الوهازة " قال ابن قتيبة: سألت عن هذا فقال لى من سألته: سألت عنه أعرابيا فصيحا فقال: الوهازة الخطوة. والوهادة يأتى معناها من المؤلف لكن لا مناسبة لها بسياق الكلام وإن كان في لسان العرب.

(٤) قال ابن ابى الحديد: ناصة قلوصا أى رافعة لها في السير. والنص: الرفع ومنه يقال: حديث منصوص أى مرفوع. والقلوص من النوق: الشابة وهى بمنزلة الفتاة من النساء.والمنهل: الماء ترده الابل.قولها: " إن بعين الله مهواك " أى ان الله يرى سيرك وحركتك.والهوى: الانحدار في السير من النجد إلى الغور.قولها: " وعلى رسوله تردين " أى تقدمين في القيامة.قولها: " وجهت سدافته " السدافة: الحجاب والستر، هى من أسدف الليل اذا ستر بظلمته كانها أرخى ستورا من الظلام، ويروى بفتح السين. و "وجهت " أى نظمتها بالخرز والوجيهة: خرزة معروفة وعادت العرب ان تنضم على المحمل خرزات اذا كان للنساء. قولها: " وتركت عهيداه " لفظة مصغرة مأخوذة من العهد مشابهة لما سلف من قولها: عقيراك. انتهى.وفى النهاية في حديث ام سلمة لعائشة " وتركت عهيداه " العهيدى - بالتشديد والقصر - فعيلى من العهد كالجهيدى من الجهد والعجيلى من العجلة.

١١٩

اقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علي، اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر(١) قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع، ثم قالت: لو ذكرتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسا في علي صلوات الله عليه لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الحبب(٢) أتذكرين إذ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهن فخرج سهمى وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد(٣) ومعه عليعليه‌السلام ويحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك، فقلت: بأنك هجمت عليها فقلت له: يا علي إنما لي من رسول الله يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني فأخبرتني أنه قال لك: أتبغضيه فما يبغضه أحد من أهلي ولا من امتي إلا خرج من الايمان أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم.

ويوم أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرا وأنا أجش له جشيشا(٤) فقال: ليت شعري أيتكن

__________________

(١) " قاعة الستر " يأتي معناها من المؤلف.

(٢) الحية الرقشاء: الافعى التى في ظهرها خطوط ونقط وتوصف بالاطراق كما يوصف به الاسد والنمر والرجل الشجاع.وذلك لان الحية تقع على الذكر والانثى كما قاله الجزرى ولعله كناية عن سمها او استغفالها وأخذها دفعة كما قاله المجلسىرحمه‌الله .والحبب تنضد الاسنان وفى بعض النسخ [ ذات الخبب ] ولعله تصحيف.

(٣) القديد - كزبير - اسم موضع قرب مكة. (مراصد الاطلاع).

(٤) جشه: دقه وكسره كأجشه. وبالعصا: ضربه بها، والجشيش: السويق وحنطة تطحن جليلا فتجعل في قدر ويلقى فيه لحم أو تمر فيطبخ. (القاموس)

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

وقال بعض الشافعيّة : لا يلزمه شي‌ء(١) .

وهو خطأ.

ولو قال : علَيَّ ألف أو على زيد أو على عمرو ، لم يلزمه شي‌ء.

وكذا لو قال على سبيل الإقرار : أنتِ طالق أوّلاً. وإن ذكره في معرض الإنشاء طُلّقت ، كما لو قال : أنتِ طالق طلاقاً لا يقع عليك.

ولو كان في يده عبد وجارية ، فقال : أحد هذين لزيدٍ(٢) ، صحّ الإقرار ، وطُولب بالتعيين ، فإن قال : له العبد ، نظرتَ في(٣) الـمُقرّ له ، فإن صدّقه سلّم العبد إليه. وإن قال : لي الجارية دون العبد ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه في الجارية ، وأمّا العبد فقد ردّ إقراره ، وفيه وجهان :

أحدهما : يقرّ في يده.

والثاني : ينزعه الحاكم ، فيكون في يده.

مسألة ٩٤٢ : لو قال : غصبتُ هذا العبد من أحد هذين ، صحّ هذا الإقرار - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الإقرار بالمجهول يصحّ ، كذا يصحّ الإقرار لمجهولٍ.

ثمّ يُطالب بالبيان ، فإن قال : لا أعرف عينه ، فإن صدّقاه على ذلك انتُزع العبد من يده ، وكانا خصمين فيه. وإن كذّباه وادّعى كلّ واحدٍ منهما أنّه يعلم أنّه غصبه منه ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه أعلم بما يعلمه ، فإذا حلف انتُزع منه ، وكانا خصمين فيه. وإن نكل حلف المدّعي ، وكان بمنزلة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لفلان » بدل « لزيد ».

(٣) الظاهر : « إلى » بدل « في ».

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

٣٨١

الإقرار له.

إذا ثبت هذا ، فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ ، حُكم له به. وإن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً ، تعارضت البيّنتان. وإن لم يكن لكلّ واحدٍ منهما بيّنةٌ ، حلف كلّ واحدٍ منهما وقسّم ، أو وقف حتى يصطلحا. وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، حُكم به للحالف.

هذا إذا لم يبيّن ، فأمّا إذا بيّن فقال : هو لهذا ، فإنّه يكون له ، ولا يغرم للآخَر قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر ، بخلاف قوله : هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.

فإن قال الآخَر : احلفوه أنّه ليس لي ، فإن قلنا : إنّه لو عاد وأقرّ(١) للآخَر لم يغرم له ، لم نحلفه ؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شي‌ء. وإن قلنا : يغرم ، عرضنا عليه اليمين ، فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل حلف المدّعي وغرم.

مسألة ٩٤٣ : لو كان معه عشرة أعْبُد ، فقال : هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً ، صحّ الاستثناء ؛ لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح ، وكذا الاستثناء ؛ لأنّ مقتضاه تجهيل الـمُقرّ به ، وهو غير قادحٍ في الإقرار.

ثمّ يُطالَب بالبيان ، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ ، صحّ تعيينه ، وكان القولُ قولَه ، فإن عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.

ولو عيّن ما للمُقرّ له جاز ، وكان الواحد الفاضل له.

فإن خالفه الـمُقرّ له وقال : ليس هذا الذي استثنيتَه ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ ذلك البيان لإقراره ، وهو أعلم بما أقرّ به واستثناه.

فإن هلك منها تسعة وبقي واحد ، فالوجه : إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فأقرّ ».

٣٨٢

في الباقي - وهو أصح ّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار ، وتفسيره لا يرفع جميع ( ما أقرّ به )(٢) وإنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعنى يرجع إلى التفسير ، وجرى ذلك مجرى ما لو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ غانماً ، ثمّ مات الكلّ إلّا غانماً ، كان غانم للمُقرّ ، ولم يُبطل ذلك إقراره ، كذا هنا.

والثاني لهم : لا يُقبل منه أن يدّعي أنّه له ؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلى أن لا يجعل للمُقرّ له شيئاً(٣) .

مسألة ٩٤٤ : إذا أقرّ بمالٍ لزيدٍ ، لزمه ، وكان مؤاخذاً بإقراره‌ - وهو المشهور من مذهب الشافعي(٤) - عملاً بمقتضى الإقرار.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يلزمه حتّى يُسأل الـمُقرّ عن سبب اللزوم ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة ، والإقرار ليس موجباً في نفسه ، وأسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء ، فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً ، وهذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل ، وكما لو أقرّ بأنّ فلاناً وارثه ، لا يُقبل حتى يبيّن جهة الوراثة(٥) .

ولو قال : علَيَّ ألف درهم وإلّا لفلان علَيَّ ألف دينار ، لزمه(٦) [ و ](٧)

____________________

(١) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « الـمُقرّ به ».

(٣) نفس المصادر في الهامش (١) ما عدا التهذيب.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٦) في روضة الطالبين ٤ : ٤٣ هكذا : « لزمه ألف درهم ».

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه للسياق.

٣٨٣

هذا (١) للتأكيد.

ولو قال : وهبتُ منك كذا وخرجتُ منه إليك ، لم يكن مُقرّاً بالقبض ؛ لجواز أن يريد بالخروج منه الهبة.

وقال القفّال : إنّه يكون مُقرّاً بالقبض ؛ لأنّه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ عنه(٢) .

ولو قال : وهبتُه ، ثمّ قال : لم أقبضه ، سُمع منه ذلك ، وكان دعوى ترك الإقباض مسموعةً ؛ لأنّ الهبة لا تستلزم الإقباض ، لكن لا تلزم إلّا به.

وكذا الرهن والوقف وكلّ ما يشترط فيه القبض.

ولو قال : وهبتُه وملّكته ، ثمّ ادّعى نفي الإقباض ، لم تُسمع منه ؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض ، إلّا أن يعتقد مذهب مالك ، فتُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة المجرّدة عن الإقباض(٣) .

مسألة ٩٤٥ : لو أقرّ الأب بعين ماله لولده ، لم يكن له الرجوعُ في إقراره‌ ، فإن رجع لم يُقبل منه ؛ لأنّ الأصل بقاء الملك للمُقرّ له ، وبه قال بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : له الرجوع ؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ، ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع ، كالهبة ، فيثبت له الرجوع ؛

____________________

(١) أي الكلام الأخير.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٧٣ / ١١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٢٩ ، التفريع ٢ : ٣١٢ ، التلقين : ٥٥٠ ، المعونة ٣ : ١٦٠٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٥ ، البيان ٨ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١٩ ، المغني ٦ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٢٧٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

٣٨٤

تنزيلاً للإقرار على أضعف المِلْكين وأدنى السببين ، كما يُنزّل على أقلّ المقدارين(١) .

وقال آخَرون : إن أقرّ بانتقال الملك منه إلى الابن ، فإنّه يثبت له الرجوع. وإن أقرّ بالملك المطلق ، لم يكن له الرجوع(٢) .

ولو أقرّ في وثيقةٍ بأنّه لا دعوى له على فلان ولا طلبة بوجهٍ من الوجوه ولا سببٍ من الأسباب ، ثمّ قال : إنّما أردت في عمامته أو في قميصه ، لا في داره وبستانه ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يُقبل بمقتضى القياس ؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ(٣) . وهو محتمل.

ويشكل بما إذا قال : كلّ هذه الدراهم لزيدٍ ، ثمّ قال : لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣ - ٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤.

٣٨٥

الفصل الرابع : في تعقيب الإقرار بما يرفعه‌

وفيه بحثان :

الأوّل : في الاستثناء.

مسألة ٩٤٦ : الاستثناء جائز في الإقرار وغيره‌ - والأصل فيه قوله تعالى :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلّا إِبْلِيسَ ) (١) وقوله تعالى :( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّا خَمْسِينَ عاماً ) (٢) وهو كثير في القرآن والسنّة ولسان العرب - بشرط اتّصاله بالمستثنى منه وعدم استغراقه له ، فإن سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثنى ، لم يصح.

والرواية عن ابن عباس(٣) متأوّلة ، وكذا قولهعليه‌السلام : « إن شاء الله »(٤) .

ولو كان الاستثناء مستغرقاً بطل ، فلو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة ، كان الاستثناء لغواً ، وتثبت العشرة ؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب ، وعدم انتظامه بين أرباب اللسان.

____________________

(١) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.

(٢) العنكبوت : ١٤.

(٣) وهي تجويزه تأخير الاستثناء ، راجع : المعتمد ١ : ٢٤٢ ، وإحكام الفصول : ١٨٣ ، والمستصفى ٢ : ١٦٥ ، والمنخول : ١٥٧ ، والمحصول في علم الأُصول ١ : ٤٠٧ ، والإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٤٩٥ ، والتحصيل من المحصول ١ : ٣٧٣ - ٣٧٤.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٣١ / ٣٢٨٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٤٧ و ٤٨.

٣٨٦

والأصل فيه أنّه رجو ع وإبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة ، فكان باطلاً.

وقواعد الاستثناء خمس :

الأوّل : حكم الاستثناء والمستثنى منه متناقضان ، فالاستثناء من النفي إثبات ، وبالعكس.

الثاني : الاستثناء المتكرّر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه.

ولو خلا عن حرف العطف ، فإن زاد الثاني على الأوّل أو ساواه عادا معاً إلى المستثنى منه ، كما في العطف ، وإن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلى الاستثناء الأوّل ، والاستثناء الأوّل إلى المستثنى منه ، وتناقضا.

الثالث : إذا ورد الاستثناء عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها على البعض ، فالأقوى : عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة إلّا مع القرينة.

الرابع : الاستثناء من الجنس جائز إجماعاً ، ومن غيره جائز على الأقوى.

الخامس : الاستثناء المستوعب والزائد باطل إجماعاً ، وأمّا الأقلّ فإنّه جائز ، سواء زاد المستثنى على الباقي أو ساواه أو نقص عنه.

وقال ابن درستويه وأحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلّا الأقلّ من الباقي ؛ لأنّه لم يوجد في كلام العرب إلّا ذلك ، واللغة توقيف ، ولأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل المتكلّم عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلّا في القليل ، أمّا المساوي والأزيد فتبعد الغفلة عنه والنسيان له(١) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٦ ، إحكام الفصول : ١٨٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥٠٢.

٣٨٧

وهو يبطل بقوله تعالى :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) وهو يقتضي كون الغاوين أقلَّ على ما ذهبوا إليه.

وقال في موضعٍ آخَر :( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) وذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ ، وهو تناقض.

وقال الشاعر :

أدّوا التي نقصت تسعين من مائة

ثمّ اطلبوا حكماً بالحقّ مقوالا(٣)

وهذا استثناء للتسعين من المائة ، أو هو في معنى الاستثناء.

مسألة ٩٤٧ : لا خلاف في أنّ الاستثناء من الإثبات نفي ؛ لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني ، وهو الصرف ، والصرف إنّما يكون من الإثبات إلى النفي ، وبالعكس ، ولأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثنى منه على وجهٍ لولاه لدخل فيه ، ولا ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل ، وهو العدم في جميع الأشياء ، فإذا أخرج بعض الجملة من الحكم الإثباتي ، بقي على أصالة العدم ، فكان نفياً.

وأمّا الاستثناء من النفي فهو إثبات عند المحقّقين ؛ لأنّه إخراج من النفي ، ولا خروج عن النقيضين ، فيكون مثبتاً ، ولأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا : « لا إله إلّا الله » توحيداً ، ولما كان كافياً في الإسلام ، ولا خلاف في الاكتفاء به ؛ فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جاءه الأعرابي وتكلّم بهذه اللفظة وبالشهادة بالرسالة لهعليه‌السلام حكم بتمام إسلامه ، ولو لم يكن الاستثناء من‌

____________________

(١) الحجر : ٤٢.

(٢) الحجر : ٣٩ و ٤٠.

(٣) لم نهتد لقائله ، وورد البيت بتفاوت يسير في الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٨ ، والعُدّة في أُصول الفقه ٢ : ٦٧١ ، والحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، والمغني ٥ : ٣٠٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، والمبسوط - للطوسي - ٣ : ٨.

٣٨٨

النفي إثباتاً لم يكن ذلك إثباتاً لله تعالى.

وقال أبو حنيفة : الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت والحكم بالنفي ، وهو نفي الحكم(١) .

وليس بصحيح ؛ لما تقدّم.

مسألة ٩٤٨ : إذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا تسعة ، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثنى منه ، والمناقض للثبوت عدم.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا واحداً ، لزمه تسعة ، وهو قول أكثر العامّة(٢) .

وقال مالك منهم : لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الأُلوف ، وإنّما يصحّ استثناء الآحاد والعشرات من المئين والأُلوف(٣) .

ونُقل عنه أيضاً أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً(٤) .

وكلاهما باطل ؛ لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء ولما ورد به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة واستعمال أهل اللغة.

مسألة ٩٤٩ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية ، فهو إقرار بتسعة ، والمعنى : إلّا تسعة لا تلزم إلّا ثمانية تلزم ، فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة ، فإذا استثنى تسعةً من العشرة فقد نفى التسعة من العشرة المثبتة ، فيبقى المثبت واحداً ، فإذا استثنى من التسعة المسقَطة ثمانيةً ، بقي الساقط واحداً لا غير ، وعلى هذا.

والطريق فيه وفي نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات وكلّ ما هو نفي ،

____________________

(١) المحصول في علم الأُصول ١ : ٤١١ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٤٩ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥١٢ ، التحصيل من المحصول ١ : ٣٧٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣.

٣٨٩

فيسقط المنفيّ من المثبت ، فيكون الباقي هو الواجب ، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة وكذا الثمانية تجمعهما وتُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع ، تبقى تسعة.

ولو قال : عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة ، وهكذا إلى الواحد ، فعليه خمسة ؛ لأنّ الأعداد المثبتة ثلاثون ، والمنفيّة خمسة وعشرون.

وطريق تمييز المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلى العدد المذكور أوّلاً ، فإن كان زوجاً فالأوتار منفيّة والأزواج مثبتة ، وإن كان وتراً فبالعكس ، وذلك بشرط أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي الطبيعي ، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً ، وبالعكس.

مسألة ٩٥٠ : لو قال : ليس لفلان علَيَّ شي‌ء إلّا خمسة ، لزمه خمسة.

ولو قال : ليس علَيَّ عشرة إلّا خمسة ، لم يلزمه شي‌ء عند الأكثر ؛ لأنّ « عشرة إلّا خمسة » عبارة عن خمسة ، فكأنّه قال : ليس له علَيَّ خمسة(١) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يلزمه خمسة ؛ بناءً على أنّ الاستثناء من النفي إثبات(٢) .

والتحقيق أن نقول : إنّ هذا القول صالح للأمرين ؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب - وهو : عشرة إلّا خمسة - لم يلزمه شي‌ء ، وإن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك السلب في الخمسة ، لزمه خمسة ، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان ، ويُقبل تفسيره مع اليمين.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٠

مسألة ٩٥١ : لو كرّر الاستثناء من غير عطفٍ وكان الثاني مستغرقاً ، صحّ الأوّل ، وبطل الثاني ، فلو(١) قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا عشرة ، بطل ، ولزمه خمسة ؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة ، بطل الاستثناء الثاني أيضاً ؛ إذ لا يمكن عوده إلى المستثنى منه الأوّل ، وإلّا لم يبق شي‌ء ؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل وخمسةٍ بالثاني ، ولا إلى الاستثناء السابق عليه ؛ لأنّه مستوعب له ، فوجب الحكم ببطلان الاستثناء الثاني ، فيبقى(٢) اللازم في ذمّته خمسة.

ولو كان الاستثناء الأوّل مستغرقاً ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة ، فالأقرب : إنّه يلزمه أربعة ، ويصحّ الاستثناءان معاً ؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره ، وآخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً ، ويصير كأنّه استثنى من أوّل الكلام ستّةً ؛ لأنّ « عشرة إلّا أربعة » في تقدير « ستّة » فيصير قوله : « له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة » في تقدير « له علَيَّ عشرة إلّا ستّة » وهو أحد وجوه الشافعيّة(٣) .

والثاني : إنّه يلزمه عشرة ، ويبطل الاستثناء الأوّل ؛ لاستغراقه ، والثاني ؛ لبطلان المستثنى منه(٤) .

____________________

(١) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « فلو ».

(٢) في « ج ، ر » : « فيكون » بدل « فيبقى ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩١

وهو غلط ؛ إذ لا يمك ن العدول إلى الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل على الصواب.

والثالث لهم : إنّه يلزمه ستّة ؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل ؛ لاستغراقه ، فيكون وجوده كعدمه ، ورجع الاستثناء إلى أوّل الكلام(١) .

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا خمسة ، فعلى الوجه الثاني يلزمه عشرة ، وعلى الآخَرين خمسة.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة ، لزمه أربعة ؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد ، ولا يمكن عود الثاني إلى الأوّل ؛ لأنّه مستوعب ، ولا إبطال أحدهما ؛ إذ الأصل الإفادة ، فيرجعان إلى المستثنى منه.

مسألة ٩٥٢ : إذا كرّر الاستثناء مع العطف ، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه ، فإن استوعبا معاً بطل الثاني.

فلو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة وإلّا أربعة ، لزمه واحد.

وكذا لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة وأربعة ، لزمه واحد ، وكانا جميعاً مستثنيين من العشرة.

ولا فرق بين أن يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.

فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا أربعة وإلّا أربعة ، لزمه اثنان.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا أربعة وإلّا خمسة ، لزمه واحد.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا سبعة وإلّا ثلاثة ، لزمه العشرة ؛ لأنّ الواو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٢

تجمعهما وتوجب الاست غراق ، هذا عند بعض الشافعيّة(١) .

وعند بعضهم ما اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً ؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه ، والثاني مثل العدد الباقي ، فهو المستغرق(٢) .

والأصحّ عندهم : الثاني ؛ لأنّه إذا قال : له عندي عشرة إلّا سبعة ، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة ، فإذا قال : وإلّا ثلاثة ، أو قال : له علَيَّ عشرة إلّا سبعة وثلاثة ، كانت الثلاثة هي المستغرقة ، فوقعت باطلةً(٣) .

وفرّق بعضهم بين قوله : عشرة إلّا سبعة وثلاثة ، وبين قوله : عشرة إلّا سبعة وإلّا ثلاثة ، فقَطَع في الصورة الثانية بالبطلان ؛ لأنّهما استثناءان مستقلّان(٤) .

مسألة ٩٥٣ : إذا كان في الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر ، ففي الجمع بينهما وجهان - كما في الصورة السابقة - أصحّهما : عدم الجمع - وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، ونصّ عليه الشافعي(٥) - لأنّ الواو العاطفة وإن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ ، والاستثناء يدور على اللفظ ، مثلاً : لو قال : له علَيَّ درهمان ودرهم إلّا درهماً ، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة ؛ لأنّه استثنى درهماً من درهمٍ ، وإن جمعنا لزمه درهمان ، وكان الاستثناء من ثلاثة.

ولو قال : له علَيَّ ثلاثة إلّا درهمين ودرهماً ، إن لم نجمع لزمه درهم ، وصحّ استثناء الدرهمين ، وإن جمعنا لزمه ثلاثة ، وكان الاستثناء مستغرقاً.

ولو قال : له ثلاثة إلّا درهماً ودرهمين ، فإن لم نجمع لزمه درهمان ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٣

وإن جمعنا فثلاثة.

و لو قال : له درهم فدرهم ودرهم إلّا درهماً ودرهماً ودرهماً ، لزمه ثلاثة على الوجهين ؛ لأنّا إن جمعنا ، جمعنا في الطرفين : الاستثناء والمستثنى منه ، وإن لم نجمع كان مستثنياً درهماً من درهمٍ.

مسألة ٩٥٤ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة أو ستّة ، قال بعض الشافعيّة : يلزمه أربعة ؛ لأنّ الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فصار كما لو قال : علَيَّ خمسة أو ستّة ، لم يلزمه إلّا خمسة(١) .

والوجه : إنّه يلزمه خمسة ؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته ، واستثنى خمسةً ، واستثناء الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فيبقى الأصل على الثبوت.

ولو قال : له علَيَّ درهم غير دانق ، فإن نصب « غيراً » كان استثناءً للدانق من الدرهم ، ولزمه خمسة دوانيق ، وإن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ ؛ لأنّ معناه : علَيَّ درهم لا دانق.

وحَكَم أكثر الشافعيّة بأنّه استثناء ، سواء نصب أو رفع ؛ لأنّ السابقَ إلى الفهم الاستثناء ، فيُحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب(٢) .

مسألة ٩٥٥ : الاستثناء حقيقة في الجنس ، مجاز في غيره‌ ؛ لتبادر الأوّل إلى الفهم ، دون الثاني ، ولأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما يتحقّق في الجنس ، وفي غيره يحتاج إلى تقديرٍ ، ومع هذا إذا استثنى من غير الجنس ، سُمع منه وقُبِل ، وكان عليه ما بعد الاستثناء.

فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، أو : إلّا عبداً ، صحّ عند علمائنا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.

٣٩٤

- وبه قال الشافعي و مالك(١) - لوروده في القرآن العزيز :

قال الله تعالى :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلّا إِبْلِيسَ ) (٢) استثناه من الملائكة ، ولم يكن منهم ؛ لقوله تعالى :( إِلّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) (٣) .

وقال تعالى :( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلّا سَلاماً ) (٤) و( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) (٥) وأمثال ذلك كثيرة.

وقال النابغة :

وقفت فيها أُصيلالاً أُسائلها

أعيت جواباً وما بالرَّبْع من أحد

إلّا الأواريّ لَأْياً ما أُبيّنها

والنؤْي كالحوض بالمظلومة الجَلَد(٦)

وقال الشاعر :

وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس(٧)

واليعافير : ذكور الظباء ، والعيس : الجِمال. والأواريّ : المعالف.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، التلقين : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.

(٢) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.

(٣) الكهف : ٥٠.

(٤) مريم : ٦٢.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) ديوان النابغة الذبياني : ١٤ - ١٥.

(٧) ورد البيت في تهذيب اللغة ١٥ : ٤٢٦ ، والكتاب - لسيبويه - ٢ : ٣٢٢.

٣٩٥

وقال أبو حنيفة : إن استثنى مكيلاً أو موزوناً جاز ، وإن استثنى عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ لم يجز.

وبالجملة ، لا يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس ، إلّا في المكيل والموزون والمعدود ، فيستثنى بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس(١) .

وقال محمّد بن الحسن وزفر : لا يجوز الاستثناء من غير الجنس - مطلقاً - بحال - وبه قال أحمد بن حنبل - لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، ولم يتناول اللفظ إلّا جنسه ، فلم يصح استثناؤه منه(٢) .

والمرجع في ذلك إلى اللغة ، دون ما ذكروه.

ونمنع أنّ الاستثناء مطلقاً ما حدّوه ، فقد قيل : معنى الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ(٣) ، وذلك حاصل في غير الجنس.

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٤ / ١٩١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ - ١٧١٠ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٣ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١٠ / ١٠٤٨ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ - ١٢٥٣.

(٣) انظر : التبصرة في أُصول الفقه : ١٦٥ ، واللمع في أُصول الفقه : ٩٥.

٣٩٦

مسألة ٩٥٦ : إذا ثبت صحّة الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوبا ، أو : إلّا عبداً ، وشبهه ، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب والعبد بما لا يستغرق ، فإن فسّره بالمستغرق بطل التفسير ، كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً وقيمته ألف درهم ؛ لأنّه رجوع ونقض لما اعترف به أوّلاً.

وهل يبطل الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ ، فكأنّه تلفّظ به ، ولا ريب في أنّه لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً ، بطل الاستثناء ، وكذا لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ثوباً قيمته ألف ، فكذا إذا استثنى الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب ، فيبطل الاستثناء ، ويلزمه الألف ، ومن أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ ، وإنّما الخلل فيما فسّر به اللفظ ، فيقال له : هذا التفسير غير صحيحٍ ، ويُطالب بتفسيرٍ صحيحٍ.

وللشافعيّة وجهان(١) كهذين ، والأوّل أصحّ عند الجويني(٢) .

مسألة ٩٥٧ : إذا قال : له علَيَّ ألف إلّا درهماً ، فقد استثنى المعيّن من المبهم.

فإن قلنا بأنّ الاستثناء من غير الجنس باطل ، اقتضى كون الألف دراهمَ ؛ لصحّة الإقرار والاستثناء ، وإنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.

وإن قلنا بالجواز سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً ، طُولب بتفسير الألف ؛ لأنّ المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع ، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شي‌ء في الذمّة بالإجمال ، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه ، بطل التفسير ؛ لاشتماله على الاستثناء المستوعب ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦.

٣٩٧

ويقال له : الاستثنا ء قد صحّ بحكم الإطلاق ، ففسّر ذلك بما يبقى بعد الدرهم منه شي‌ء.

ويحتمل إلزامه بما فسّر به الألف ، فيبطل الاستثناء ؛ لأنّه إذا بيّن المـُقرّ به ، كان الاستثناء رافعاً لجميعه ، فيبطل.

ولو استثنى المجهول من المعلوم ، صحّ ، وطُولب بالبيان ، كما إذا قال : له علَيَّ عشرة دراهم إلّا شيئاً ، فيُطالَب بتفسير الشي‌ء ، ويُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة ، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. وفي الاستثناء الوجهان.

ولو استثنى المجهول من المجهول ، صحّ الإقرار والاستثناء ، وطُولب بالتفسير فيهما على وجهٍ لا يستوعب ، فإن استوعب فالوجهان ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا شيئاً ، طُولب بتفسير الألف والشي‌ء ، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشي‌ء بما لا يستغرق الألف من الجنس الذي بيّنه.

ولو قال : له علَيَّ شي‌ء إلّا درهماً ، فقد استثنى المعلوم من المجهول ، فيفسّر الشي‌ء بما يزيد على الدرهم وإن قلّ ، كما تقدّم في قوله : علَيَّ ألف إلّا درهماً ، ولا يلزم من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.

قال بعض الشافعيّة : مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان(١) .

ويشكل في استثناء المعلوم من المجهول.

مسألة ٩٥٨ : لو اتّفق اللفظ في المستثنى منه والاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ شي‌ء إلاّ شيئاً ، أو : له علَيَّ مالٌ إلّا مالاً ، فالأقوى : صحّة الإقرار‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٣٩٨

والاستثناء ؛ لوقوعه على القليل والكثير ، فلا يمتنع حمل الثاني على أقلّ ما يتموّل ، وحمل المستثنى منه على الزائد على أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يبطل الاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة(١) .

ولا معنى لهذا التردّد ؛ فإنّ فيه غفلةً ؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل ، وإن صحّحناه ألزمناه [ أيضاً أقلّ ما يتموّل ، فيتّفق ](٢) الجوابان.

قيل : يمكن أن يقال : حاصل الجواب لا يختلف ، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ ، فإنّا إذا أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلّا بتفسير اللفظ الأوّل ، وإن لم نبطله طالبناه بتفسيرهما. وله آثار في الامتناع من التفسير ، وكون التفسير الثاني غير صالحٍ للاستثناء من الأوّل ، وما أشبه ذلك(٣) .

مسألة ٩٥٩ : قد بيّنّا أنّه إذا فسّر المجهول بالمستوعب ، بطل التفسير.

مثلاً : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، أو : ألف إلّا درهماً ، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد قيمته على ألف درهم أو يساويه ، فإنّ التفسير يبطل.

وهل يُطالب بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقى معه شي‌ء من الألف ، أو لا؟ مبنيّ على بطلان الاستثناء ببطلان التفسير ، إن قلنا : يبطل ، لزمه الألف ، ولم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر ، وإن قلنا : لا يبطل الاستثناء ، طُولب بتفسيرٍ يُسمع ، فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، صحّ الاستثناء على ما تقدّم ؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً ، فتكون قيمته مستثناةً من الألف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إبقاء ما يتموّل فسبق ». وذلك تصحيف ، والمثبت من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٣٩٩

مسألة ٩٦٠ : إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم إلّا درهما ، قال بعض(١) علمائنا : إن قلنا : إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلى الجميع ، صحّ ، ولزمه درهم واحد ؛ لأنّ الواو تقتضي الجمع ، لأنّها للعطف ، فتجمع بين المتفرّقين ، كما تجمع واو الجمع في الأسماء المتفرّقة ، فيصير كأنّه قال : له علَيَّ درهمان إلّا درهماً ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

والحقّ : بطلان الاستثناء ، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلى الجُمل السابقة أو إلى الأخيرة ؛ لأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما احتمل مع اشتماله على التناقض في الجمع ؛ لجواز إرادة الأكثر ، فإذا قال : جاء المسلمون إلّا زيداً ، كان لفظ المسلمين صالحاً لما عدا زيدٍ ، كما صلح لذلك ، فجاز الاستثناء ، ويكون(٣) بالاستثناء قد بيّن مراده.

أمّا إذا جاء بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة على كلّ فردٍ فردٍ ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء ، كما لو قال : جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلّا زيداً ؛ لاشتماله على التناقض الصريح ، بخلاف ما لو قال : جاء المسلمون إلّا زيداً ، كذا هنا إذا قال : له درهم ودرهم إلّا درهماً ، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته ، وهو تناقضٌ صريح.

مسألة ٩٦١ : قد بيّنّا أنّه يجوز الاستثناء من الاستثناء ، فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين ، لزمه تسعة.

والأصل في جواز الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى :( قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلّا آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا

____________________

(١) الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٠.

(٢) التنبيه : ٢٧٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « فيكون » بدل « ويكون ».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501