تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182485 / تحميل: 5897
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان(١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.

ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.

وإن لم يأت بشي‌ء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(٢) .

ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.

ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(٣) .

مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤٢١

وللشافعي قولان :

أحد هما : هذا.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(١) .

وقد وافقنا على أنّها مضمونة(٢) .

أمّا عندنا : فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير، وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٣) .

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها - تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ، كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا ، فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة ٩٧٥ : لو قال : دفع إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه‌ ؛ لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥١ و ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ و ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ و ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ و ٧٢.

(٣) نفس المصادر.

٤٢٢

ولو قال : أخذتُ منه ألفاً وديعة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.

وقال أبو حنيفة : إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ، فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه(٢) . وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو ذكره على الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة(٤) .

وعلى قول بعض الشافعيّة يجي‌ء(٥) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(٦) .

ولو قال : أودعني ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال ، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.

وكذا إذا قال : نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي(٧) .

وقال أبو يوسف : لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ، ويريدون : بالقبض(٨) .

وهو غلط ؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٥) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يجري » بدل « يجي‌ء ».

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٧) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، المغني ٥ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢١.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٠.

٤٢٣

وأقرضني.

المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم

مسألة ٩٧٦ : إذا قال : لك هذه الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله(١) الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : قوله : « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ](٣) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(٤) .

وردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه(٥) .

ولو قال : « هذه الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.

وإذا ثبت أنّها عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع(٦) في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « فله » بدل « وله ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) الوسيط ٣ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فيقبل » بدل « فيرجع ».

٤٢٤

فإن قيل : قوله : « هذه الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا : إنّ قوله : « هذه الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ، وهو جائز.

مسألة ٩٧٧ : الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(١) في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ، ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلّا دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

وهذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(٣) .

ومن الشافعيّة مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ الموهوب له.

وهذا قاله على القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ، وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(٤) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اشتراطه » بدل « كونه شرطاً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

٤٢٥

ولو قال : وهبتُه وخ رجتُ منه إليه ، فقد تقدّم(١) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

وكذا لو قال : وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(٢) ، وإلّا كان إقراراً به.

مسألة ٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه(٣) منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

ولو قال : إنّي أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشي‌ء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(٤) ، كان له إحلافه ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو إسحاق : إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(٦) .

والشافعي لم يفرّق بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

وكذا قبض الثمن والرهن والوقف.

وكذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ‌

____________________

(١) في ص ٣٨٢ ، ضمن المسألة ٩٤٤.

(٢) وهو لزوم الهبة بالإيجاب والقبول ، راجع : الهامش (٣) من ص ٣٨٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أخذه » بدل « حازه ».

(٤) في « ج » : « على أنّي قبّضتُه ». وكذا في « ث ، ر » بدون « على ».

(٥) مختصر المزني : ١١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، البيان ٨ : ١٠١.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤.

٤٢٦

وإنّما أقررتُ على ر سم الشهادة لأقبض ، كان على الـمُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

ولو شهدت البيّنة بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.

مسألة ٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن له تحليف الـمُقرّ له ، فإن نكل حلف المـُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.

ولو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ، وذلك غير معتاد.

والوجه عندي : تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه الـمُقرّ له برئ ، فكان له إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة ٩٨٠ : يصحّ الإقرار بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.

٤٢٧

وكذا البحث في جميع العقود والإيقاعات.

ولو أقرّ ثمّ قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.

وكذا لو قال : كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.

ولو قال : كنتُ مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(١) ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.

والأمارة إنّما تثبت بإقرار المـُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

ولو شهد الشهود على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى الـمُقرّ خلافَه ، لم يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة الـمُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة الـمُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة الـمُقرّ له.

مسألة ٩٨١ : إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك ، كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم‌

____________________

(١) الظاهر : « توكيل » بدل « وكيل ».

٤٢٨

لا يشهدون على زائل العقل ولا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

ولو كان الـمُقرّ مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم قولٌ آخَر : يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(٢) .

لكنّ المشهور عندهم : الأوّل(٣) .

وكلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

وقد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

ولا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.

مسألة ٩٨٢ : لو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

٤٢٩

لا ينافي ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المـُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا ، فهل يغرم المـُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين [ فيما ](١) إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه(٢) .

ونقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ، ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(٣) ، وليس الثاني رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً فيها(٤) .

ولو أخّر ذكر الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إقراره ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، والبيان ١٣ : ٤٤١ ، والمغني ٥ : ٢٨٩.

٤٣٠

لا يتنافيان ، فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.

ومنهم مَنْ قال : إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.

وفي الغرم لزيدٍ القولان(١) .

قيل : إذا غرّمنا المـُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ، غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ، وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه(٢) .

مسألة ٩٨٣ : لو قال : هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها زيد من عمرو‌ ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ الـمُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

وهل يغرم الـمُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل(٣) - لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٠ و ٣٣٢.

٤٣١

وكذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.

والثاني : إنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شي‌ء ، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(١) .

وقطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(٣) .

وقد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(٤) ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المـُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٢.

(٢) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٢٨٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بينا ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٤٣٢

إذا سلّمها الـمُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم(١) .

وقال آخَرون منهم بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(٢) .

مسألة ٩٨٤ : إذا باع عيناً وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم يُقبل قوله على المشتري.

وهل يغرم القيمة للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(٣) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(٤) .

ويبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلّا فلا.

ولو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ](٥)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « الأمة » بدل « الجارية ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فقد يكون ». وذلك تصحيف.

٤٣٣

صاحب اليد ثمّ جاء آ خَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة ٩٨٥ : لو قال : غصبتُ هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم(١) ، فيُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

وهل للثاني تحليفه؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا : نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن(٢) نكل رُدّت اليمين على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

ومنهم مَنْ قال : إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ، أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ، ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف(٣) .

وإن قلنا : لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.

وإن قال الـمُقرّ : لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

وكذا لو كذّباه وحلف لهما على نفي العلم.

____________________

(١) في ص ٣٧٩ ، المسألة ٩٤٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لو » بدل « إن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢ - ٥٣.

٤٣٤

٤٣٥

الفصل الخامس : في ا لإقرار بالنسب

وفيه قسمان :

الأوّل(١) : الإقرار بالولد

مسألة ٩٨٦ : يشترط في الـمُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق(٢) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :

الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.

ولو قدمت امرأة من بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره‌ ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

ولا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

ولو نفى نسب ولده باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

____________________

(١) يأتي القسم الثاني في ص ٤٥٣.

(٢) في ص ٢٥١ وما بعدها.

٤٣٦

الثالث : أن يصدّقه الـمُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف المدّعي ويثبت نسبه.

وكذا لو قال رجل لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً ، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.

ولو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وعلى ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(٢) .

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره‌.

مسألة ٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته‌ وكان الصبي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

٤٣٧

مجهولَ النسب ، لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً والـمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(٣) فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.

ولو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره ، كذا هنا.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣.

(٣) الدقعاء : عامّة التراب. وقيل : التراب الدقيق على وجه الأرض. والمُدقَع : الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب ٨ : ٨٩ « دقع ».

٤٣٨

التصديق شرطاً على ا لإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(٢) .

مسألة ٩٨٨ : يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع الـمُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(٣) نسبه ممّن صدّقه ، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.

ولو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم يقبل.

ولو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام ، وإلّا فلا.

قالت الشافعيّة : وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

٤٣٩

لأنّ ذلك مظنون ، وا لبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف الظنّ والظاهر(١) .

قالوا : ولا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ](٢) المشرقيّ بالمغربيّة(٣) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع واليقين دون الظاهر.

ولو استلحق صغيراً مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.

مسألة ٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.

وإن كان بالغاً فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.

ولو استلحق عبداً في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ، وإقراره باطل.

وإن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.

وكذا إن كان بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.

والأقرب : عتقه ؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

ويحتمل عدمه ؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٠.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٤ ، المغني ٩ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٩ : ٦٥.

٤٤٠

ولو كان العبد مشهورَ النسب بالغير ، لم يثبت نسبه. وفي العتق احتمال.

مسألة ٩٩٠ : إذا أقرّ بالولد وحصلت الشرائط ، ثبت النسب بينه وبين الولد ، وكذا بين الولد وبين كلّ مَنْ يثبت بينه وبين الولد المشهور(١) ، وبه قال الشافعي(٢) .

وحكي عن مالك : إنّه إن شاع بين الناس أنّه استلحق مَنْ ليس ولداً له ، لم يلحقه وإن اجتمعت الشرائط التي تقدّمت(٣) .

واعلم : أنّ انتفاء التكذيب في البالغ غير كافٍ في الالتحاق ، بل المعتبر تصديقه ، فلو أقرّ ببنوّة البالغ فسكت البالغ لم يثبت النسب ، ولم يكن كافياً في الالتحاق ، بل يعتبر أن يصدّقه.

ولو استلحق بالغاً عاقلاً فصدّقه الولد ، ثبت النسب على ما قلناه.

فإن رجعا ، فالأقرب : إنّه لا يسقط النسب ؛ لأنّه يثبت بتصادقهما ، والنسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالمواطأة والاتّفاق على رفعه ، كما لو ثبت بالفراش.

ويحتمل رفع النسب ؛ لأنّه ثبت لا بالفراش ، بل بمجرّد الإقرار ، فإذا رجعا عنه وجب أن يبقى الأمر على ما كان عليه قبل الإقرار ، كما لو أقرّ بمالٍ ورجع وصدّقه الـمُقرّ له.

وللشافعيّة وجهان(٤) كالاحتمالين.

____________________

(١) أي : المشهور النسب.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣٠٨ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، البيان ١٣ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٤.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

٤٤١

مسألة ٩٩١ : إذا كان له جارية ذات ولد فقال : هذا ولدي من هذه الجارية ، ثبت نسبه مع الإمكان.

وهل تكون الجارية أُمَّ ولدٍ؟ فيه إشكال ينشأ : من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك ، فلا تكون أُمَّ ولدٍ ، أو أنّه استولدها بشبهةٍ أو بإباحة المولى ، فلا تكون أيضاً أُمَّ ولدٍ ، ومن أنّ الظاهر أنّه استولدها في الملك ؛ لأنّه حاصل محقّق ، والنكاح غير معلومٍ ، والأصل فيه العدم ، وكذا الأصل عدم الشبهة وعدم الإباحة.

وللشافعي قولان(١) كهذين.

وللمسألة خروج ظاهر عند الشافعيّة على قولَي تقابل الأصل والظاهر.

وما الأظهر من الخلاف في المسألة؟

قال جماعة منهم : إنّ الثاني أظهر ، وهو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر.

لكنّ الأوّل أقرب إلى القياس ، وأشبه بقاعدة الإقرار ، وهي البناء على المتيقّن(٢) (٣) .

ولو قال : إنّه ولدي منها ولدَتْه في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

وللشافعيّة فيه طريقان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٢) في « العزيز شرح الوجيز » ونسخة بدل في هامش « ج » : « اليقين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤٢

أحدهما : القطع بثبو ت أُمّيّة الولد ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.

وأصحّهما عندهم : إنّه على القولين ؛ لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثمّ يشتريها فتلد في الملك(١) . ولا بأس به عندي.

ولو قال : إنّه ولدي استولدتها به في ملكي ، أو عَلِقَتْ في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ قطعاً ، وانقطع الاحتمال.

وكذا لو قال : هذا ولدي منها وهي في ملكي منذ عشر سنين ، وكان الولد ابنَ سنةٍ.

هذا كلّه مفروض فيما إذا لم تكن الأمة مزوّجةً ولا فراشاً عند الشافعي(٢) ، أمّا إذا كانت مزوّجةً لم ينسب الولد إلى السيّد ، ولم يعتد باستلحاقه ؛ للحوقه بالزوج.

وإن كانت فراشاً له ، فإن أقرّ بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالإقرار عند الشافعي(٣) ، فلا يعتبر فيه إلّا الإمكان.

ولا فرق في الإقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحّة أو في المرض ؛ لأنّ إنشاءه نافذ في الحالين.

مسألة ٩٩٢ : لو كان له جاريتان لكلّ واحدةٍ منهما ولد ، فقال : ولد إحداهما ولدي ، فللأمتين أحوال :

أ - أن لا تكون واحدة منهما مزوّجةً ولا فراشاً للسيّد ، فيؤمر بالتفسير والتعيين ، كما لو أقرّ بطلاق إحدى امرأتيه ، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه ، وكان حُرّاً وورثه.

ثمّ إن صرّح بأنّه استولد أمةً في النكاح ، لم تصر أُمَّ ولدٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤٣

وإن أضافه إلى وطئ شبهةٍ ، فكذلك على الأقوى.

وللشيخرحمه‌الله فيه قول(١) .

وللشافعيّة قولان(٢) .

ولو قال : استولدتها بالزنا ، مفصولاً عن الاستلحاق ، لم يُقبل ، ولحق به النسب ؛ عملاً بأوّل كلامه.

وفي حُرّيّته إشكال ، الأقرب : ذلك.

وفي أُمّيّة الولد للشافعيّة قولان ، كما إذا أطلق الاستلحاق(٣) .

وإن وصله باللفظ ، قال بعض الشافعيّة : لا يثبت النسب ولا أُمّيّة الولد(٤) .

وينبغي أن يخرّج ذلك عندهم على [ قولَي ](٥) تبعيض الإقرار(٦) .

وقد سبق(٧) البحث في مثله.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الولد الآخَر يكون رقّاً.

وكذا لو كانا من أمةٍ واحدة.

ولو ادّعت الأمة الأُخرى أنّ ولدها هو الذي استلحقه ، وأنّها التي استولدها ، فالقول قول السيّد مع يمينه ؛ لتمسّكه بالأصل ، وكذا لو بلغ الولد‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٤٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ و ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قول ». وما أثبتناه كما في المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٧) في ص ٤٠٢ ، المسألة ٩٦٣.

٤٤٤

وادّعى ، فإن نكل السيّد حلف المدّعي ، وقُضي بمقتضى يمينه.

ولو مات السيّد قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين عند الشافعيّة(١) .

والأقرب عندي : القرعة.

فإن عيّن الورثة ، كان حكمُ تعيينهم حكمَ تعيين المولى في النسب والحُرّيّة والإرث عندهم(٢) .

وتكون أُمّ المعيّن مستولدةً إن ذكر السيّد ما يقتضي الاستيلاد ، وإلّا سُئلوا ، وحكم بيانهم حكم بيان المورّث ، فإن قالوا : لا نعلم أنّه استولدها ، فعلى الخلاف فيما إذا أطلق المستلحق استلحاقه.

ولو لم يكن وارثٌ أو قال الورثة : لا نعلم ، حُكم بالقرعة قطعاً عندنا ؛ لأنّه أمر مشتبه.

وقالت الشافعيّة : يُعرض الولدان على القافة ، فأيّهما ألحقوه به لحق ، والحكم في النسب والحُرّيّة والإرث كتعيين المُورّث أو الوارث عندهم ، وفي الاستيلاد كما لو أطلق الاستلحاق(٣) .

قالت الشافعيّة : ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه ، أو بأن يراه قبل الدفن ، أو بأن يرى عصبته فيجد الشبه ، فإن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٥ - ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦.

٤٤٥

عجزنا عن الاستفادة من القائف ؛ لعدمه ، أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما [ عنه ] أو أشكل الأمر عليه ، أقرعنا بينهما لنعرف الحُرّ منهما(١) .

فأمّا عندنا فإنّه يُحكم بالقرعة من رأس ، ولا يُنتظر بلوغ الولدين - عندنا وعندهم(٢) - حتى ينتسبا ، بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولدٍ ولا قائف هناك ؛ لأنّ الاشتباه هاهنا في أنّ الولد أيّهما ، فلو اعتبر الانتساب ربما ينسب كلّ واحدٍ منهما إليه ، فلا يرتفع الإشكال.

ولا يُحكم عندهم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث ؛ لأنّ القرعة عندهم على خلاف القياس ، وإنّما ورد الخبر(٣) - عندهم - بها في العتق ، فلا تُعمل في النسب والميراث(٤) .

وعندنا أنّها تجري في كلّ أمرٍ مشكل بالنصّ عن الأئمّةعليهم‌السلام (٥) .

ومع القرعة عندهم هل يوقف نصيب ابنٍ بين مَنْ خرجت له القرعة وبين الآخَر؟ للشافعيّة وجهان ، والأظهر عندهم : إنّه يوقف(٦) .

وأمّا الاستيلاد فهو على التفصيل السابق.

وعندنا القرعة تنفذ في النسب وتوابعه من الميراث وغيره.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٣) أي خبر القرعة ، راجع صحيح مسلم ٣ : ١٢٨٨ / ١٦٦٨ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٦ / ٢٣٤٥ ، وسنن أبي داوُد ٤ : ٢٨ / ٣٩٥٨ و ٣٩٦١ ، وسنن الترمذي ٣ : ٦٤٥ / ١٣٦٤ ، وسنن البيهقي ١٠ : ٢٨٥ - ٢٨٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٦ ، البيان ١٣ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٥) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣ ، النهاية - للطوسي - : ٣٤٦.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

٤٤٦

وأمّا الاستيلاد فإن لم يوجد من السيّد ما يقتضيه ، لم يثبت.

وإن وُجد ، فهل تحصل أُمّيّة الولد في أُمّ ذلك الولد بخروج القرعة؟

ذكر الجويني للشافعيّة وجهين.

ثمّ قال : المذهب أنّها لا تحصل ؛ لأنّها تبع النسب ، فإذا لم نجعله ولداً لم نجعلها أُمَّ ولدٍ.

والذي أورده الأكثر أنّها تحصل ؛ لأنّ المقصود العتق ، والقرعة عاملة فيه ، فكما تفيد حُرّيّته تفيد حُرّيّتها(١) .

وهو الذي نذهب نحن إليه.

وهل يفتقر في إخراج الأُمّيّة لإحداهما إلى قرعةٍ أُخرى ، أم تثبت بحكم القرعة الأُولى؟ الأقوى عندي : الثاني - وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) - إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التي خرجت لولدها.

مسألة ٩٩٣ : كلّ موضعٍ يثبت الاستيلاد فيه فالولد حُرّ الأصل لا ولاء عليه ، وكلّ موضعٍ لا يثبت فعليه الولاء ، إلّا إذا نسبه إلى وطئ شبهة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له إذا مَلَكها بعد ذلك.

وإذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيّد ، ورث الولد أُمّه وعُتقت عليه ، وهذا إذا تعيّن لا بالقرعة.

وإن كان معه وارثٌ آخَر ، عُتق نصيبه عليه ولم يَسْرِ.

هذا كلّه حكم الحالة الأُولى في الأمتين ، و [ هي ](٣) أن لا تكونا مزوّجتين.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هو ». والصحيح ما أثبتناه.

٤٤٧

ب : أن تكون الأمتان مزوّجتين ، فإنّه لا يُقبل قول السيّد ، وولد كلّ أمةٍ ملحق بزوجها وإن كانتا فراشاً للسيّد ، فإن كان قد أقرّ بوطئهما ، لحقه الولدان بحكم الفراش.

ج : لو كانت إحداهما مزوّجةً ، لم يتعيّن إقراره في الأُخرى ، بل يُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن في ولد المزوّجة لم يُقبل ، وإن عيّن في ولد الأُخرى قُبِل ، وثبت(١) نسبه.

وإن كانت إحداهما فراشاً له ، لم يتعيّن إقراره في ولدها ، بل يؤمر بالتعيين ، فإن عيّن في ولد الأُخرى لحقه بالإقرار ، والولد الآخَر ملحق به بالفراش.

مسألة ٩٩٤ : لو كان له جارية لها ثلاثة أولاد ، فقال : أحد هؤلاء الثلاثة ولدي ، ولم تكن الأمة مزوّجةً ولا فراشاً للسيّد قبل ولادتهم ، عندهم(٢) - فإنّها لو كانت مزوّجةً كان الولد للزوج ولم يلتفت إلى إقراره ، وإن كانت موطوءةً للمولى ثبت الولد بالفراش ، لا بالإقرار ، عندهم(٣) - فحينئذٍ يطالَب بالتعيين ، فمَنْ عيّنه منهم فهو نسيب حُرّ وارث. والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مرَّ.

ثمّ إن عيّن الأصغر منهم ، ثبت نسبه ، وكان الأكبران رقيقين ، ولكلّ واحدٍ منهما أن يدّعي أنّه الولد ، والقول قول المنكر مع يمينه.

وإن عيّن الوسط ، فالأكبر رقيق.

وأمّا الأصغر فمبنيّ على استيلاد الأمة ، فإذا لم نجعلها مستولدةً فهو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٣.

٤٤٨

رقيق كالأُمّ.

وإن جعلنا ها مستولدةً فيُنظر إن لم يدّع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشاً له بالأوسط ، فيلحقه الأصغر ويرثه.

وإن ادّعى الاستبراء ، فيبنى على أنّ نسب ملك اليمين هل ينتفي بدعوى الاستبراء؟ وسيأتي الخلاف فيه في اللعان.

فإن قلنا : لا ينتفي ، فهو كما لو لم يدّع الاستبراء. وإن قلنا : ينتفي ، فلا يلحقه الأصغر.

وفي حكمه للشافعيّة وجهان :

أظهرهما : إنّه كالأُمّ يُعتق بوفاة السيّد ؛ لأنّه ولد أُمّ الولد ، وأُمّ الولد إذا ولدت من زوج أو زنا عُتق ولدها بعتقها.

والثاني : إنّه يكون قِنّاً ؛ لأنّ ولد أُمّ الولد قد يكون كذلك ، كما لو أحبل الراهن الجاريةَ المرهونة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له فبِيعت في الحقّ فولدت أولاداً ثمّ مَلَكها وأولادها ، فإنّا نحكم بأنّها أُمّ ولدٍ له على الصحيح عندهم ، والأولاد أرقّاء لا يأخذون حكمها.

وأيضاً فإنّه إذا أحبل جاريةً بالشبهة ثمّ أتت بأولادٍ من زوج أو زنا ثمّ مَلَكها وأولادها ، تكون أُمَّ ولدٍ على قولٍ ، والأولاد لا يأخذون حكمها ، فإذا أمكن ذلك لم يلزم من ثبوت الاستيلاد أن يأخذ الولد حكمها بالشكّ والاحتمال(١) .

ولصاحب الوجه الأوّل أن يقول : الأولاد في الصورتين المذكورتين وُلدوا قبل الحكم بالاستيلاد ، والأصغر وُلد بعد الحكم بالاستيلاد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٤٩

على أنّ بعض الشافعيّة حكى في صورة الرهن وجهاً : أنّ الأولاد يأخذون حكمها ، ولا يبعد - عندهم - أن يجي‌ء مثله في صورة الإحبال بالشبهة(١) .

وقد ذكر بعضهم وجهاً آخَر فيما إذا لم يدّع الاستبراء : إنّه لا يثبت نسبه ، ويكون حكمه حكمَ الأُمّ يُعتق بموت السيّد ؛ لأنّ الاستبراء حصل بالأوسط(٢) .

وإن عيّن الأكبر ، فالقول في حكم الأوسط والأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا عيّن الأوسط.

ولو مات السيّد قبل التعيين ، عيّن وارثه.

ويحتمل القرعة عندنا.

فإن لم يعيّن الوارث أو لم يكن ، عُرضوا على القائف ، عند الشافعي - وهو غلط عندنا - فإن تعذّر معرفة القائف ، فالقرعة(٣) .

ونحن نقول بالقرعة ابتداءً لمعرفة الحُرّيّة وثبوت الاستيلاد على ما سلف(٤) .

واعترض المزني : بأنّ الأصغر حُرٌّ بكلّ حال عند موت السيّد ؛ لأنّه إمّا أن يكون هو الـمُقرّ به ، أو يكون ولدَ أُمّ الولد ، وولد أُمّ الولد يُعتق بموت السيّد - عندهم - وإذا كان حُرّاً بكلّ حال ، وجب أن لا يدخل في القرعة(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٤) في ص ٤٤٤.

(٥) مختصر المزني : ١١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٥٠

لكن عندنا لا يتحرّر ولد أُمّ الولد بموت السيّد.

قالوا : وإنّما لم يدخل في القرعة ؛ لأنّه ربما تخرج القرعة على غيره ، فيلزم إرقاقه(١) .

واختلف أصحاب الشافعي في الجواب عنه.

فقال بعضهم : إنّه حُرٌّ ، ولا يدخل في القرعة ليرقّ إن خرجت لغيره ، بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه ، ويقتصر العتق عليه(٢) .

ومَنَع آخَرون حُرّيّته [ بناءً ](٣) على أنّها(٤) وإن كانت أُمَّ ولدٍ فولد أُمّ الولد يجوز أن يكون رقيقاً(٥) . وهذا مذهبنا.

لكنّ الأظهر عندهم الأوّل(٦) .

وهو عين الوجه الأوّل المذكور فيما إذا عيّن الأوسط وادّعى الاستبراء بعده وقلنا : إنّه ينتفي به النسب.

ثمّ إذا أقرعنا بينهم وخرجت القرعة لواحدٍ منهم فهو حُرٌّ.

والمشهور : إنّ النسب والميراث لا يثبتان عندهم(٧) ، كما في المسألة الأُولى.

وحكي عن المزني أنّ الأصغر نسيب بكلّ حال ؛ لأنّه بين أن يكون هو المراد بالاستلحاق ، وبين أن يكون ولد أمته التي صارت فراشاً له بولادة مَنْ قبله(٨) .

ثمّ جرى أصحاب الشافعي على دأبهم في الطعن على اعتراضاته‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) في « ر » بدل « على أنّها » : « لأنّها ».

(٥ - ٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

٤٥١

متبادرين.

وقال بعض الشافعيّة : لكنّ الحقّ المطابق لما تقدّم أن يُفرَّق بين ما إذا كان السيّد قد ادّعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر ، وبين ما إذا لم يدّعه ، ويساعد(١) في هذه الحالة ، وإذا ثبت النسب ثبتت الحُرّيّة لا محالة(٢) .

وحيث لا نحكم بثبوت النسب فهل يوقف الميراث؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّا نتيقّن أنّ أحدهما ابنه وإن لم تُفد القرعة تعيينَه عندهم ، فأشبه ما إذا طلّق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ، حيث يوقف نصيب امرأةٍ.

والثاني : لا ؛ لأنّه إشكال وقع اليأس عن زواله ، فأشبه ما إذا غرق المتوارثان ولم يعلم هل ماتا معاً أو على التعاقب ، لا توريث ولا وقف.

وهذا أصحّ عند أكثر الشافعيّة(٣) .

واختار المزني الوقفَ.

ثمّ اختلفت الرواية عنه في كيفيّته ، ففي بعضها : إنّه إذا كان له ابن معروف النسب يُدفع إليه ربع الميراث ، ويُدفع ربعه إلى الأصغر ، ويوقف النصف. وفي أُخرى : إنّه يُدفع نصف الميراث إلى معروف النسب ، ويوقف النصف للمجهول(٤) .

والرواية الأُولى مبنيّة على ما ذهب إليه المزني من أنّ الأصغر نسيب‌

____________________

(١) أي يساعد المزني.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٣٢٥ - ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٥.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩.

٤٥٢

بكلّ حال (١) ، فهو والمعروف ابنان يقيناً ، فيُدفع النصف إليهما ، ويوقف النصف بينهما وبين الأكبرين ، فيجوز أن يكونا ابنين أيضاً ، ويجوز أن يكون واحد منهما ابناً ، ويجوز أن يكون الأوسطَ ، دون الأكبر.

والرواية الثانية اختيار منه للشافعي جواباً على أنّه لا يثبت نسب واحدٍ منهم على التعيين ، لكن نعلم أنّ فيهم ابناً ، فيوقف النصف له ، ويُدفع النصف إلى الابن المعروف(٢) .

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أبا حنيفة قال : إذا مات المُقرّ قبل البيان لم يُقرع ، ويكون الأصغر حُرّاً كلّه ، ويُعتق من الأوسط ثلثاه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالتين - وهُما : إذا عيّنه أو عيّن الأكبر - رقيق في حالةٍ واحدة - وهي : إذا عيّن الأصغر - ومن الأكبر ثلثه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالةٍ واحدة - وهي : إذا عيّن فيه - رقيق في حالتين ، وهُما : إذا عيّن الأوسط أو الأصغر.

قال : ويُعتق من الأُمّ ثلثاها ؛ لأنّه قد عُتق ثلثا ولدها(٣) .

مسألة ٩٩٥ : إذا أقرّ ببنوّة صغيرٍ ، لم يكن ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُم ، سواء كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة أو بالزنا ، أو غير مشهورةٍ بأحدهما ؛ لأنّ الزوجيّة والنسب أمران متغايران غير متلازمين ، فلا يدلّ أحدهما على الآخَر بالمطابقة ولا بالتضمّن ولا بالالتزام.

وخالف فيه أبو حنيفة ، فقال : إن كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً بزوجيّة أُمّه ، وإن لم تكن مشهورةً فلا(٤) .

____________________

(١) راجع الهامش (٨) من ص ٤٥٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٩.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٠.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٠٨ / ١٩٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٨ ، المغني ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٦.

٤٥٣

ولو عيّن أحد الولدين في الاستلحاق ثمّ اشتبه ومات ، أو لم يعيّن وكانا من جاريةٍ له ، استُخرج بالقرعة ، وكان الآخَر رقّاً له ، ويثبت الاستيلاد لأُمّ مَنْ أخرجته القرعة على ما تقدّم.

ولو كان للجاريتين زوجان ، بطل إقراره.

ولو كان لإحداهما زوجٌ ، انصرف الإقرار إلى ولد الأُخرى.

القسم الثاني (١) : الإقرار بغير الولد من الأنساب.

مسألة ٩٩٦ : إذا أقرّ مَنْ يلحق النسب بغيره ، مثل أن يقول : أخي ، كان معناه أنّه ابن أبي أو ابن أُمّي. ولو أقرّ بعمومة غيره ، كان النسب ملحقاً بالجدّ ، فكأنّه قال : ابن جدّي.

ويثبت النسب بهذا الإلحاق بالشرائط السابقة وبشروط أُخَر زائدة عليها :

أ : أن يصدّقه الـمُقرّ به أو تقوم البيّنة على دعواه وإن كان ولدَ ولدٍ.

ب : أن يكون الملحق به ميّتاً ، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به وإن كان مجنوناً.

ج : أن لا يكون الملحق به قد نفى المُقرّ به ، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته ، فإشكال ينشأ : من أنّه لو استلحقه المورّث بعد ما نفاه باللعان وغيره ، لحق به وإن لم يرثه عندنا ، ومن سبق الحكم ببطلان هذا النسب ، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه ، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث ، لا ما يتضرّر به.

وللشافعيّة فيه وجهان كهذين ، لكنّ الأوّل عندهم أشبه(٢) ، وهو‌

____________________

(١) مرّ القسم الأوّل في ص ٤٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

٤٥٤

الأقوى عندي.

د : صد ور الإقرار من الورثة الحائزين للتركة ، فلو أقرّ الأجنبيّ لم يثبت به النسب.

ولو مات مسلم عن ابنٍ كافر أو قاتل أو رقيق ، لم يُقبل إقراره عليه بالنسب ، كما لا يُقبل إقراره عليه بالمال.

ولو كان له ابنان : مسلم وكافر ، لم تعتبر موافقة الكافر.

ولو كان الميّت كافراً ، كفى استلحاق الكافر عند العامّة(١) .

ولا فرق في ثبوت النسب بين أن يكون الـمُقرّ به كافراً أو مسلماً.

مسألة ٩٩٧ : لو مات وخلّف ولداً فأقرّ ذلك الولد بابنٍ آخَر للميّت ، ثبت نسبه.

ولو خلّف ابنين أو جماعة أولاد ذكور أو إناث أو ذكور وإناث ، لم يكن بُدٌّ من اتّفاقهم جميعاً.

وكذا تعتبر موافقة الزوج والزوجة ؛ لأنّهما من الورثة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

وفيه وجهٌ آخَر لهم : إنّه لا تعتبر موافقتهما له ؛ لأنّ الزوجيّة تنقطع بالموت ، ولأنّ المُقرّ به النسب ، ولا شركة لهما فيه(٣) .

ويجري مثل هذا الخلاف في العتق(٤) .

ولو مات وخلّف بنتاً لا غير ، ورثت الجميع عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

(٤) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦.

٤٥٥

فلو أقرّت بولدٍ آخَر ذكر أو أُنثى ، ثبت النسب عندنا.

وفصّل الشافعيّة فقالوا : إن كانت حائزةً بأن كانت معتقةً ثبت النسب بإقرارها ، وإن لم تكن حائزةً ووافقها الإمام فوجهان جاريان فيما إذا مات مَنْ لا وارث له ، فألحق الإمام به مجهولاً(١) .

والخلاف مبنيّ عندهم على أنّ الإمام له حكم الوارث أو لا؟

قال بعض الشافعيّة : إنّه يثبت النسب بموافقة الإمام.

ثمّ هذا الكلام فيما إذا ذكر الإمام ذلك لا على وجه الحكم ، أمّا إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا : إنّه يقضي بعلم نفسه ، ثبت النسب ، وإلّا فلا(٢) .

ولا فرق عندهم بين أن تكون حيازة الـمُلحِق تركة الـمُلحَق به بواسطةٍ أو بغيرها بأن كان قد مات أبوه قبل جدّه والوارث ابن الابن فلا واسطة(٣) .

مسألة ٩٩٨ : لو خلّف ابنين بالغين فأقرّ أحدهما بأخٍ ثالث ، لم يستقل بالإقرار ، ولم يثبت النسب إن لم يوافقه الآخَر ، وكان للثالث مشاركة المُقرّ في الميراث دون الآخَر.

وإنّما لم يثبت نسبه ؛ لأنّ المنكر يُقدَّم قوله مع عدم البيّنة ، فلا يثبت النسب بالنسبة إليه ولا بالنسبة إلى الـمُقرّ أيضاً ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، بل يشارك بالنسبة إلى حصّة المُقرّ ، فيأخذ ثلث ما في يده ، وهو فضل ما في يد المُقرّ عن ميراثه.

ولا فرق بين أن يُقرّ أحدهما بأب أو أخ.

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، البيان ١٣ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٦ - ٦٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٥٦

ونقل الجويني وجهاً آخَر : إنّه ينفرد ، ويُحكم بثبوت النسب في الحال ؛ لأنّ أمر النسب خطير ، فالظاهر من حال كامل الحال من الورثة أنّه يعتني به ولا يجازف فيه(١) .

ولو كان أحد الولدين صغيراً وأقرّ البالغ ، فعلى ما اخترناه من عدم ثبوت النسب بقول الواحد - وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) - ينتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ ووافق البالغ ثبت النسب حينئذٍ.

وإن مات قبل البلوغ ، فإن لم يكن الميّت قد خلّف سوى الـمُقرّ ثبت النسب ، ولا يحتاج إلى تجديد الإقرار ، وإن خلّف ورثةً سواه اعتبر موافقتهم.

فإن كان أحد الوارثين مجنوناً ، فهو كما لو كان أحدهما صبيّاً.

مسألة ٩٩٩ : لو خلّف وارثين بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارثٍ ثالث وأنكر الآخَر ، قال الشافعي : الذي أحفظه من قول المدنيّين في مَنْ خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بأخٍ : إنّ نسبه لا يلحق ، ولا يأخذ شيئاً ؛ لأنّه أقرّ له بمعنى إذا ثبت وَرِث ووَرَّث ، فإذا لم يثبت بذلك عليه حقٌّ ، لم يثبت له. قال : وهذا أصحّ ما قيل عندنا(٣) .

وقد عرفت أنّ الذي نصير نحن إليه ثبوت الميراث بالنسبة إلى الـمُقرّ ، فيأخذ ما فضل عن نصيبه ممّا في يده خاصّةً.

وأمّا عدم النسب فإجماعٌ ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، فلا يمكن إثباته‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٨ - ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) مختصر المزني : ١١٤.

٤٥٧

في حقّ الـمُقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ؛ لأنّ شهادة الواحد لا يثبت بها نسب.

إذا عرفت هذا ، فإنّالـمُقرّ له يشاركالـمُقرّ في الميراث بالنسبة ، فلو كان الميّت قد خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بثالثٍ وأنكر الآخَر ، فالتركة في قول المنكر نصفان بينه وبينالـمُقرّ ، وفي قولالـمُقرّ أثلاث وفي يده النصف ، فيدفع منه السدس الذي فضل في يده إلى الثالث ، ويكون للمُقرّ الثلث ، وللمنكر النصف ، وللثالث السدس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وابن أبي ليلى(١) - لأنّه أقرّ بمالٍ تعلّق(٢) بسببٍ لم يحكم ببطلانه ، فوجب أن يلزمه المال ، كما لو أقرّ ببيع شقصٍ له وأنكر المشتري وحلف ، فإنّ الشفعة تثبت فيه. وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ على أبيه وأنكره الآخَر.

وقال أبو حنيفة وأحمد(٣) : يأخذ الثالث نصف ما في يدالـمُقرّ (٤) .

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٠ - ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٨ - ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، المعونة ٢ : ١٢٥٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، المغني ٥ : ٣٢٦ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٤.

(٢) في « ج » : « يتعلّق ». وفي الطبعة الحجريّة : « متعلّق ».

(٣) في المغني والشرح الكبير وكذا العزيز شرح الوجيز نُسب إلى أحمد القول المنقول عن مالك آنفاً ، لاحظ الهامش التالي.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٣٠ : ٧٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٣ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٨ ، البيان ١٣ : ٤٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، المعونة ٢ : ١٢٥٦ - ١٢٥٧ ، المغني ٥ : ٣٢٦ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٥.

٤٥٨

وقال الشافعي : ليس للمُقرّ له شي‌ء من الميراث لا من حصّةالـمُقرّ ولا من أصل التركة - وبه قال ابن سيرين - لأنّه أقرّ بنسبٍ لم يثبت ، فوجب أن لا يثبت له ميراث ، كما لو أقرّ بنسب معروف النسب(١) .

والملازمة ممنوعة ، والفرق ظاهر بين مشهور النسب وغيره.

مسألة ١٠٠٠ : لو أقرّ أحد الولدين الرشيدين بثالثٍ وأنكر الآخَر ثمّ مات المنكر ولم يخلّف إلّا أخاهالـمُقرّ ، فالأقرب : إنّه يثبت النسب والميراث - وبه قال الشافعيّة في أظهر الوجهين(٢) - لأنّ جميع الميراث قد صار له.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّ إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل(٣) .

ويجري هذا الخلاف فيما إذا خلّف المنكر غير الـمُقرّ وارثاً فأقرّ ذلك الوارث(٤) .

والوجهان عند بعض الشافعيّة مبنيّان على الوجهين في استلحاق مَنْ‌

____________________

(١) الأُمّ ٦ : ٢٢٥ ، مختصر المزني : ١١٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٨٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٩ ، الوسيط ٣ : ٣٦١ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٥٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢١ / ١٠٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٠ / ١١٩٦ ، المغني ٥ : ٣٢٥ ، و ٧ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٠٥.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٤ ، الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، البيان ١٣ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ٣١٤ ، الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٧١ ، البيان ١٣ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٥٩

نفاه المورّث (١) .

و لو أقرّ أحد الابنين وسكت الآخَر ثمّ مات الساكت وخلّف ابناً وأقرّ الابن ، ثبت النسب قطعاً عندنا ، وهو ظاهر.

وكذا عند الشافعي ؛ لأنّ إقراره غير مسبوقٍ بتكذيب الأصل(٢) .

مسألة ١٠٠١ : إذا مات وخلّف ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه ، فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب وأنكر المجهول نسب المعروف المُقرّ له ، لم يلتفت إلى إنكاره ، ولم يتأثّر بقوله نسب المشهور ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وفيه وجهٌ آخَر لهم : إنّ الـمُقرّ يحتاج إلى البيّنة على نسبه ؛ لأنّه قد اعترف بنسب المجهول وقد أنكر المجهول نسب الـمُقرّ ، فالمجهول ثبت نسبه بإقرار المنفرد بالميراث.

لكنّ الأوّل أصحّ عندهم(٤) .

وفي ثبوت نسب المجهول عند الشافعيّة وجهان : المنع ؛ لأنّ الـمُقرّ ليس بوارثٍ بزعمه.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم وعندنا - أنّه يثبت ؛ لأنّا قد حكمنا بأنّه وارث حائز للتركة(٥) .

ولو أقرّ بأُخوّة مجهولٍ ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالثٍ وأنكر الثالث نسب الثاني ، ففي سقوط نسب الثاني للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢.

(٢) الوجيز ١ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٧.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501