تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182491 / تحميل: 5897
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وتاريخ ابن معين، والمعرفة والتاريخ للفسويّ...

أقوال العلماء في هشام بن عمّار

قال العجليّ: هشام بن عمّار الدمشقيّ: صدوق. (تاريخ الثقات 459 / 1741). وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ثقة. (تهذيب الكمال 30: 247). وقال أبو حاتم، عن يحيى بن معين: كيّس كَيْس. (الجرح والتعديل للرازيّ 9 / الترجمة 355).

وقال الدار قطنيّ: صدوقٌ كبير المحلّ. (تهذيب الكمال 248).

وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: صدوق. (الجرح والتعديل للرازيّ 9 / الترجمة 355).

مات هشام بن عمّار سنة خمس وأربعين ومئتين، وقيل غير ذلك.(1)

الوليد بن مسلم القرشيّ الدمشقيّ مولى بني اُميّة

وعن الوليد هذا، روى هشام بن عمّار الحديث، له ترجمة واسعة في كتب الرجال ممّا يشير إلى علوّ منزلته عندهم.(2)

____________________

(1) تاريخ البخاريّ 2: 382.

(2) طبقات ابن سعد 7: 470، وتاريخ الدوريّ 2: 634، وطبقات خليفة 317، وتاريخ البخاريّ الكبير 8 / الترجمة 2532، وثقات العجليّ 466، والجرح والتعديل 9 / الترجمة 70، والكنى للدولابيّ 2: 71، ورجال صحيح مسلم 185، والأنساب للسمعانيّ 5: 338، وتاريخ أبي زُرعة الدمشقيّ 1: 168 ومواضع كثيرة....

٢٨١

روى عن: عليّ بن حوشب الفزاريّ، وعنه روى الوليد الحديث. ومالك ابن أنس، واللّيث بن سعد، وسفيان الثّوريّ، وعبد الله بن لهيعة، ومحمّد بن عجلان، وعبد الملك بن جُرَيجْ، وأبي إسحاق الفزاريّ...

روى عنه: هشام بن عمّار - وهو الذي روى الحديث عن الوليد بن مسلم وأحمد بن حنبل، وأبو خَيْثمة زهير بن حرب، وبقيّة بن الوليد - وهو من أقرانه، وعبد الله بن وهب المصريّ - وهو من أقرانه، وعليّ ابن المدينيّ، وعبد الله بن الزبير الحُمَيديّ، والليث بن سعد - وهو من شيوخة، ونعيم بن حمّاد، وإسحاق بن راهوَيه، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وغيرهم كثير.

والقول في الرجال الذين روى عنهم، أو رَوَوا عنه، مِثل القول في هشام ابن عمّار.

قول العلماء فيه

ذكره ابن سعد في الطبقة السادسة وقال: ثقة كثير الحديث والعلم. (طبقات ابن سعد 7: 326 / 3926).

قال العجليّ: الوليد بن مسلم الدمشقيّ ثقة. (تاريخ الثّقات 466 / 1778).

وقال إبراهيم بن المنذر الخراميّ: قدِمتُ البصرة، فجاءني عليّ ابن المدينيّ، فقال: أوّل شيء أطلب، أخرِجْ إلَيّ حديث الوليد بن مسلم.

فقلت: يا ابن أمّ، سبحان الله ؛ وأين سماعي من سماعك؟! فجعلتُ آبى ويُلحّ، فقلتُ: أخبرني إلحاحكَ هذا ما هو؟ قال: اُخبرُك الوليدُ رجلٌ وعنده علمٌ

٢٨٢

كثير ولم أستمكن منه...، قال: فأخرجتُ إليه، فتعجّب من فوائده وجعل يقول: كان يكتب على الوجه (المعرفة والتاريخ 2 / 422).

وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي مروان بن محمّد: إذا كتب حديث الأوزاعيّ عن الوليد بن مسلم، فما تبالي مَن فاتَك.(1)

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قال لي أحمد بن حنبل: كان عندكم ثلاثةٌ أصحاب الحديث: مروان بن محمّد والوليد وأبو مُسْهِر (تاريخ أبي زرعة 7 / 384).

وقال يعقوب الفسويّ: كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إسماعيل بن عيّاش، والوليد بن مسلم، فأمّا الوليد فمضى على سنّته، محموداً عند أهل العلم، مُتقِناً صحيحاً، صحيحَ العلم...(2) .

وأخباره طويلة يظهر منها فضله ومنزلته عند علماء عصره.

مات الوليد بن مسلم سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل خمس وتسعين ومائة.(3)

عليّ بن حوشب: عليّ بن حوشب الفزاريّ، أبو سليمان الدمشقيّ.

وعنه روى الحديث الوليد بن مسلم، ورواه عليّ بن حوشب عن مكحول.

روى عن: أبيه حوشب، ومكحول الشاميّ، وأبي سلاّم الأسود، وأبي قبيل المعافريّ المصريّ.

____________________

(1) الجرح والتعديل 9 / الترجمة 70.

(2) المعرفة والتاريخ 2: 423.

(3) طبقات ابن سعد 7: 327.

٢٨٣

روى عنه: الوليد بن مسلم، وزيد بن عبيد الدمشقيّ، ويحيى بن صالح الوُحاظيّ، وأبو توبة الربيع بن نافع الحلبيّ...

الأقوال في عليّ بن حوشب

قال أبو زرعة الدمشقيّ: قلت لعبد الرحمان بن إبراهيم(1) : ما تقول في عليّ ابن حوشب الفزاريّ؟ قال: لا بأس به، قلتُ: ولِمَ لا تقول ثقة ولا تعلم إلاّ خيراً؟ قال: قد قلتُ لك إنّه ثقة.(2)

وذكر ابن حبّان عليّ بن حوشب في كتاب (الثقات) قال: من أهل الشام، يروي عن مكحول، روى عنه الوليد بن مسلم.(3)

مكحول: مكحول بن عبد الله أبو عبد الله الدمشقيّ، من سبي كابل لسعيد ابن العاص. وأخباره تطول نذكر موجزها بحسب حاجة البحث:

روى عن: أنس بن مالك، وواثلة بن الأُسْقع، وابن عمر، وأبي أمامة، وسعيد

____________________

(1) عبد الرحمان بن إبراهيم الدمشقيّ المعروف بدُحَيْم ابن اليتيم الاُمويّ بالولاء، مولى آل عثمان بن عفّان. قال العجليّ وغيره: ثقة! كان يختلف إلى بغداد، سَمِعوا منه فذُكِرَ الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: مَنْ قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب الناس عنه، لم يسمعوا منه (تاريخ الثّقات للعجليّ 287 / 928).

العجب من العجليّ وغيره يوثّقون هذا الرجل، والقيد في التوثيق هو صدقه وعدم تعمّد الكذب، وأن لا يكون فحّاشاً، وقد وجدنا الرجل قد عمد إلى تكذيب حديث متواتر وأفحَشَ في سبّ من يرويه! هذا وهو مولىً لآل عثمان، فكيف لو كان أمويّاً أصالةً.

(2) تهذيب الكمال 20: 419.

(3) كتاب الثقات 4: 127 / 3241.

٢٨٤

بن المسيّب، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعروة بن الزبير، وطاووس ابن كيسان، وكريب مولى ابن عبّاس...

روى عنه: عليّ بن حوشب، الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، ومحمّد ابن إسحاق بن يسار - صاحب السّيرة والأوزاعيّ، وعبد القدّوس الشاميّ، وأُسامة بن زيد اللّيثيّ، والحجّاج بن أرطاة، وابن شهاب الزّهريّ، وعدد كبير ممّن ذُكروا في الثقات.

وأمّا مَن روى عنهم فقد ذكرنا بعض أسمائهم، وهم أشهر من أن يُعرَّفوا.

القول في مكحول: قال العجليّ: تابعيٌّ، ثقة. سمع من واثلة وأنس، وأبي هند الداريّ، ويقال: إنّه لم يسمع من أحدٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من هؤلاء.(1)

وقال يونس بن بُكير، عن محمّد بن إسحاق: سمعت مكحولاً يقول: طفتُ الأرض كلّها في طلب العلم.(2)

عن الزهريّ: العلماء أربعة: سعيد بن المسيّب بالمدينة، وعامر الشعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.(3)

____________________

(1) تاريخ الثقات للعجليّ 439 / 1628.

(2) تاريخ ابن معين 2: 346 / 5239.

(3) الجرح والتعديل للرازيّ 8 / الترجمة 1867، حلية الأولياء 5: 179. 4 - منهاج السنّة النبويّة لابن تيميه 4: 140.

٢٨٥

النتيجة

ثبت صحّة سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ. إلاّ أنّ ابن تيميه قال فيه: «حديث موضوع باتّفاق أهل العلم».(4)

تعقيب: وقولنا فيه هنا مثل قولنا في البحوث السابقة، فهو وبكلّ يسرٍ يُطلِق لفظه الذي اشتُهِر به «موضوع باتّفاق أهل العلم»، وتارةً أُخرى: «باتفاق أهل المعرفة بالحديث» من غير ذكر لبعض أهل العلم والمعرفة أولئك، بل ولا ذكر واحدٍ منهم! ولو بُعث الرجل قبل البعث الأكبر والقيامة العظمى، وسئل: ما تقول في رجال سند الحديث الذي أخرجه البلاذريّ، هل هم شيعة روافض؟ أم إنّهم عاشوا في بيئة محترقة في التشيّع!

فنقل بعضهم الحديثَ عن الآخرَ تقيّة؟ أم هم مجهولو الحال؟ ونحن على ثقة أنّه إذا أراد أن يجيب ضاقت به السّبل ؛ فنقول: فأمّا التشيّع، فهم بعيدون كلّ البعد من ذلك. وأمّا البيئة، فهم من أهل الشام من دمشق حاضرة الدولة الأُمويّة، وفيهم من هو أُمويّ تثور ثائرته وهو في بغداد بعيداً عن أنصاره، وذلك لمّا ذُكرت الفئة الباغية.

وأمّأ حالهم: فقد أظهرت المصادر حُسْنَ حالهم. مع ملاحظة أنّا لم نرجع فيهم إلى مصدر شيعيّ.« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلّا الضّلاَلُ فَأَنّى‏ تُصْرَفُونَ) .(1)

شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ 2: 272 / 1008، قال: وهذا الحديث

____________________

(1) يونس: 32.

٢٨٦

رواه جماعة عن أميرالمؤمنين، منهم زِرّ بن جُبيش الأسديّ.(1)

____________________

(1) طبقات ابن سعد 6: 104، والمصنّف لابن أبي شيبة 13 / الرقم 15738، وتاريخ ابن معين 2 / 172، وتاريخ الثقات للعجليّ 261، وطبقات خليفة 237 / 983، وتاريخه 288، ومسند أحمد 5: 129، وتاريخ البخاريّ الكبير 3 / الترجمة 1495، والمعارف 427، والجرح والتعديل للرازيّ 3 / الترجمة 2817، ورجال صحيح مسلم 54، وإكمال الإكمال 4: 183، وأُسد الغابة 2: 300، والإصابة 1: 577.

روى عن: عليّ بن أبي طالب، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذرّ الغفاريّ، والعبّاس بن عبد المطّلب، وحذيفة بن اليمان، وأُبيّ بن كعب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وأبي وائل شقيق بن سَلَمة الأسديّ وهو من أقرانه، وعائشة.

روى عنه: عديّ بن ثابت وقد روى عنه الحديث -، وإبراهيم النّخعيّ، وحبيب بن أبي ثابت، وإسماعيل بن أبي خالد، وعامر الشّعبيّ، والمنهال بن عمرو الأسديّ، وأبو إسحاق الشّيبانيّ، وشمر بن عطيّة، وعاصم بن بَهْدَلة...

القول فيه: قال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن مَعين: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ 3 / الترجمة 2817)، وذكره محمّد بن سعد في الطبقة الأُولى من تابعي أهل الكوفة وقال: كان ثقة كثير الحديث. (طبقات ابن سعد 6: 105).

قال العجليّ: زرّ بن حُبَيْش، من أصحاب عبد الله بن مسعود وعليّ، ثقة.

(تاريخ الثقات للعجليّ 165 / 458). وفي (رجال ابن داود: 157 / 620).

قال: كان فاضلاً، ومن أصحابنا. مات زرّ سنة إحدى وثمانين.

عديّ بن ثابت: روى الحديث عن زرّ بن حبيش.

روى عن: زرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صُرَد الخزاعيّ أمير التوّابين الذين خرجوا للطلب بثأر الحسينعليه‌السلام ، وأبيه ثابت، والبراء بن عازب، وزيد بن وهب الجهنيّ، ويزيد بن البراء بن عازب، وأبي راشد صاحب عمّار بن ياسر، وعبد الله بن أبي أوفى... =

٢٨٧

قال: عن الأعمش، عديّ بن ثابت، عن زِرّ بن حُبَيْش قال: قال أميرالمؤمنين: «ضمّني رسول الله إليه وقال: أمرني ربّي أن أُدنيك ولا أُقصيَك، وأن تسمع وتعي، وحقٌّ على الله أن تعي». فنزلت« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) قال: ورواه أيضاً عنه: ابنُه عمر، عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، وأعلّمك لتعي، وأُنزلت علَيّ هذه الآية:« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » ، فأنت الأُذن الواعية لعلمي يا عليّ، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتى المدينة إلاّ من بابها».

- وأيضاً شواهد التنزيل 2: 274 / 1009: فقد ذكر رواة حديث الأُذن الواعية: بُرَيدة الأسلميّ، مكحول - خمس روايات، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، ابن عبّاس، سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس، أنس بن مالك. قال وورد أيضاً عن الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الحسن، وأبي جعفر، وغيرهم.

____________________

= روى عنه: سليمان الأعمش - الذي روى عنه حديث الأُذن الواعية، وأبان بن تغلب، وأبان بن عبد الله البَجَليّ، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وشعبة بن الحجّاج، وأبو إسحاق الشيبانيّ، وعليّ بن زيد بن جُدعان، وفضيل بن مرزوق، ومسعر بن كدام، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة (الجرح والتعديل للرازيّ 7 / الترجمة 5).

وقال العجليّ: عديّ بن ثابت الأنصاريّ، ثقة ثبت... وكان شيخاً عالماً... (تاريخ الثقات للعجليّ 330 / 1115).

وقال أبو حاتم: صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصّهم (الجرح والتعديل للرازيّ 7: 5).

وذكره ابن حبّان في كتاب (الثّقات 2: 417 / 3192).

مات عديّ بن ثابت سنة 116 هـ.

٢٨٨

المصادر

(ومن المصادر التي ذكرت نزول الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام )، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ أو زيادة:

أسباب النزول للواحديّ: 294، وتفسير الطبريّ 29: 56، والكشّاف للزمخشريّ 4: 151، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ 30: 107، وتفسير ابن كثير الحنبليّ 4: 413، والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ الحنفيّ 3: 110، والدرّ المنثور للسيوطيّ الشافعيّ 6: 260، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 319، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ 1: 67، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ الشافعيّ: 318 / ح 363 و 364، والمناقب للخوارزميّ الحنفيّ: 282 - 283 / ح 276 - 278، وكفاية الطالب للگنجيّ الشافعيّ: 108، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم: 22، ومناقب عليّ لابن مردويه: 337 - 339 / ح 565 - 572، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 123، وكنز العمّال للمتّقيّ الهنديّ 6: 408، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3: 95، وفرائد السمطين للجوينيّ الشافعيّ: الباب 40 / الحديث 166، والطرائف لابن طاووس: 93، ومطالب السَّؤول لابن طلحة الشافعيّ: 20، وكشف اليقين للعلاّمة الحليّ: 388، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ 4: 1405، ومجمع الزوائد للهيتميّ 1: 131، ولباب النقول للسيوطيّ: 225، وغاية المرام لهاشم البحرانيّ: 366، ومفتاح النَّجا للبدخشانيّ الحارثيّ: 40.

٢٨٩

حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».

قال ابن تيميه وحديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» أضعف وأوهى ؛ ولهذا إنّما يُعدّ في الموضوعات وإن رواه الترمذيّ! وذكره ابن الجوزيّ وبيّن أنّ سائر طُرقه موضوعة.(1)

وقال في موضع آخر: وممّا يروونه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، قال: وهذا حديث ضعيف، بل موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولكن قد رواه الترمذيّ وغيره، ومع هذا فهو كذب!(2)

لقد وصلنا مع هذا الرجل إلى حدّ أنّه لو قال: إنّ عليّ بن أبي طالب لم يُخلق بعد، وإنّما ذكره الترمذيّ أو تفرّد به مسلم، ومع ذلك فلا صحّة لما ذكر إذ لم يتابعه البخاريّ، أو نفى وجودَه أبو الفرج..، لَما استغربنا قوله!

محاكمة الحديث سنداً ومتناً

حكم ابن تيميه على الحديث بالضعف، والحديث الضعيف يحتجّ به ما لم يأت ما يُبطله كما هو مقرّر عند العلماء بالحديث وأُصوله. وليت ناصبيّته وقفت عند الحدّ هذا! فإنّه رتّب على تضعيفه للحديث أن جعله من الموضوعات، مع إقراره بذكر الترمذيّ للحديث، وجعل مدار إبطال الحديث هو ابن الجوزيّ. ونذكّر بحديث ردّ الشمس وحكمه عليه بالكذب ؛ لأنّ مداره - كما زعم هو -

____________________

(1) منهاج السّنّة 4: 138.

(2) علم الحديث لابن تيميه 526.

٢٩٠

عبيد الله بن موسى، وقال عنه: يروي الموضوعات. ثمّ طعن بابن عقدة الذي قال عنه: وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، والقول هذا لشيخه أبي الفرج.

فكان مدار ابن تيميه: أبا الفرج لا غير! وتكلّمنا هناك عن سند الحديث فكان من العلوّ بمكان، وذكرنا أنّ للحديث أسانيد أُخرى رفيعة.

وتحوّل بعد كلّ ذلك إلى القطع بأنّ الحديث مكذوب، وإن رواه الترمذيّ وغيره!

وليس لمثل ابن تيميه، ولا أبي الفرج أن يحكما على مثل الحكيم الترمذيّ وعلى نهجه الضالّ، سلك تلميذه الذهبيّ في تكذيب الحديث، إلاّ أنّ الأخير، تعامل مع الحديث بمحاكمة سنده، فخدشه ظنّاً منه أنّه بذلك يُبطل الحديث.

قال الحاكم في المستدرك: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب حدّثنا محمّد بن عبد الرحيم الهرويّ بالرملة، حدّثنا أبو الصّلت عبد السلام بن صالح، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه. وأبو الصّلت ثقة مأمون، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول: سألتُ يحيى بن مَعين عن أبي الصّلت الهرويّ فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش: «أنا مدينة العلم»؟! فقال: قد حدّث به محمّد بن جعفر الفَيديّ، وهو ثقة مأمون. سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القبانيّ إمام عصره ببخارى يقول: سمعت صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ يقول وسُئل عن أبي

٢٩١

الصّلت فقال: دخل يحيى بن معين، ونحن معه، على أبي الصّلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تَبِعْتُه فقلت له: ما تقول - رحمك الله - في أبي الصّلت؟ فقال: هو صدوق، فقلت له: إنّه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها»، فقال: قد روى هذا - أي حديث مدينة العلم - ذاك الفَيْديّ عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصّلت.(1)

قال الذهبيّ في التلخيص: بل موضوع. قال الحاكم: وأبو الصّلت ثقة مأمون. قال الذهبيّ: لا والله، لا ثقة ولا مأمون.(2)

ومن طريق آخر: قال الحاكم: حدّثنا بصحّة ما ذكره الإمام أبو زكريا، حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن تميم القنطريّ، حدّثنا الحسين بن فهم، حدّثنا محمّد بن يحيى بن الضريس، حدّثنا محمّد بن جعفر الفيديّ، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنهم ا قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

قال الحسين بن فهم: حدّثناه أبو الصّلت الهرويّ عن أبي معاوية.

قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمان ثقة مأمون حافظ.

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 137 / 4637.

(2) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك.

٢٩٢

ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوريّ بإسنادٍ صحيح.(1)

قال الذهبيّ: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل، وأحمد هذا دجّال كذّاب!(2)

قال الحاكم: حدّثني أبو بكر محمد بن عليّ الفقيه الإمام الشاشيّ القفّال ببخارى وأنا سألته، حدّثني النّعمان بن هارون البلديّ ببلد من أصل كتابه، حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّانيّ، حدّثنا عبد الرزّاق، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عبد بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمان بن عثمان التّيميّ قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فَمن أراد العلم فليأت الباب».(3)

لقد وجدنا ابن تيميه قد حكم على الحديث بالكذب، وحجّته في ذلك أن أبا الفرج قد حكم بذلك، فأغنى نفسه عن البحث، إذ عادته المنتظمة كما ذكرنا في غير هذا الموطن أنّه يكذّب الحديث، وذريعته فيه أنّه كذب عند أهل العلم والمعرفة بالحديث. وإلاّ لاذ بأبي الفرج، فطوّقه ذلك الأمر واستراح.

وأمّا تلميذه الذهبيّ فقد وجدناه في تلخيصه للمستدرك: إمّا أن يوافق الحاكم، أو يسكت عن الحديث، أو يخدش سنده بأيّ ثمّة خدش. لكنّ نائرته اضطرم أُوارها في «حديث الطير»، فحمل على الحاكم نفسه! وكذلك في حديث

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 137 / 4638.

(2) التلخيص للذهبيّ، هامش المستدرك 3: 137 / 4638.

(3) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 138 / 4639.

٢٩٣

«مدينة العلم» فقد حكم عليه بالوضع، ولم يقف عند الحدّ هذا، بل حلف بالله تعالى أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون!

وقبل الولوج في نقد سند الحديث، نذكّر بما أوردناه بشأن رجال علم الحديث والرجال وما أصابهم من جرح وتعديل علماء زمانهم أو ما هو قريب من ذلك. فإنّ يحيى بن مَعين هو من أقران أحمد بن حنبل، وهو ممّن يَخبت ابن تيميه وابن الجوزيّ والذهبيّ لإمامته ولا يتجاوزون قوله، فهو عندهم عدل أحمد بن حنبل، وقد قال فيه أبو زرعة(1) : لم يُنتفَع به - أي بيحيى - لأنّه كان يتكلّم في الناس(1) ! ويروى هذا عن عليّ بن المدينيّ،(3)

____________________

(1) أبو زُرعة: عمرو بن جابر الحضرميّ، مصريّ، تابعيّ ثقة (تاريخ الثّقات للعجليّ 362 / 1252، و 498 / 1952).

(2) تاريخ يحيى بن معين 1: 8.

(3) عليّ بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المدنيّ: مات بسرّ مَنْ رأى سنة عدل أربع وثلاثين ومائتين. علمٌ ثبت حافظ، إمام أهل الحديث والرجال ثقة، عدل، حادّ الذكاء، واسع المعرفة، مستقيم الأمر، ضابط لما يرويه، وإليه المنتهى في معرفة علل الحديث النبويّ مع معرفة بنقد الرجال مع ورعٍ وتقوى، وهوشيخ البخاريّ وعنه شحن صحيحه بالحديث، وقال عنه: ما استصغرت نفسي بين يدي أحدٍ إلاّ بين يدي عليّ بن المدينيّ. ولمّا سئل البخاريّ: ما تشتهي؟ قال: أن أقدم العراق وعليٌّ حيّ فأجالسه.

تلقّي المدينيّ العلم عن: حمّاد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرزّاق ابن همّام، وغُنْدر، وعبد الرحمان بن مهديّ، وابن عُلَيّة، ويوسف بن يعقوب الماجشون، والدّراورديّ، وعبد الله بن وَهْب، والوليد بن مسلم... =

٢٩٤

من وجوه(1) . وقال: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن يحيى بن معين.(2)

ووقع أبو داود فيه، فلمّا أُنكر عليه قال: من جرّ ذيول الناس جرّوا ذيله!(3)

وقد قال يحيى بن مَعين عن نفسه: إنّا لنطعن على أقوام لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مئتي سنة! هذا هو بعض شأن يحيى بن مَعين، حُكْم علماء عصره عليه، وحكمه على نفسه! وسؤالنا لابن الجوزيّ، وابن تيميه: فهلاّ اقتديتما به فتركتما الناس لله! ألم يصلكما قول إمامكما وحكمه في سند حديث مدينة العلم؟ وماذا سيكون جوابكما إذا حشرتما وجاء أبو الصّلت وغيره

____________________

= روى عنه: البخاريّ، وأبو داود. وروى عنه: سفيان بن عيينة، ومعاذ بن معاذ - وهما من شيوخه ؛ وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة - وهما من أقرانه. وروى عنه أبو داود، والترمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجة في التفسير له بواسطة: الذّهليّ، والجوزجانيّ، والحسن بن عليّ الخلاّل، والحسن بن الصباح البزّار...

تلقّى العلم عنه خلق كثير، منهم: ابنه عبد الله، وأحمد بن منصور الرماديّ، وصالح جزرة، وعبد الله البغويّ، والباغندي، وأبو يعلى الموصليّ، وأبو حاتم الرازيّ...

قال أبو حاتم الرازيّ: كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان الإمام أحمد لا يسمّيه، إنّما يكنّيه ؛ تبجيلاً له.

انظر في: الطبقات الكبرى 7: 308، وتاريخ البخاريّ الكبير 3: 2 / 248، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3: 1 / 193، وتاريخ بغداد 11: 458 / 473، والفهرست لابن النديم 331، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبليّ 2: 81...

(1) تاريخ يحيى بن معين 1: 8.

(2) تهذيب الكمال للمزّيّ 31: 564.

(3) نفسه.

٢٩٥

يطالبون بحقّهم؟ وهل هناك كفّارة؟! ثمّ ما تقولان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعليّعليه‌السلام وهما يشكوانكما؟!

ومع كلّ ما ذكرناه، يبقى ابن معين له شأنه في هذا الميدان، وهو لكما ألزم إذ جعلتموه حجّةً بينكما وبين الله تعالى.

وابن معين عاصر أبا الصّلت ورآه وسمعه، فالحكم له ومن هو في طبقته، لا لكما! فهلاّ حملتما على ابن معين لا على الحاكم، وقد كان ابن معين في سند الحديث، وهو الذي حكم بصدق الحديث، وصدّق أبا الصّلت ووثّقه؟!

وزاد أن قوّى وثاقة الحديث فذكره من طريق الفيديّ عن أبي معاوية عن الأعمش مثلما رواه أبو الصّلت، وكان جوابه هذا حينما أُشكِل عليه وسئل عن أبي الصّلت وروايته لحديث مدينة العلم.

فلِمَ أغمضتم عيناً عن الفيديّ، الذي جعله ابن معين حجّةً أخرى في تصديقه الحديث لوثاقة الفيديّ عنده، وعلّقتم الحديث الثاني على أحمد؟! ولَيتكم وقفتم عند تضعيف أحمد! وإنّما ذهب بكم الأمر إلى القول فيه: دجّال كذّاب! وهو من أعظم ما يُرمى به المرء بعد الإسلام، وهو الباب لكلّ الخطايا. ولذا قرّروا الأخذ بروايات أهل الأهواء والبدع، وقالوا في رجال الحديث: لئن يخرّ أحدهم من السماء أهونُ عليه من أن يكذب.

وقد علمتم صحّة ووثاقة الحديث الأوّل، فعلامَ علّقتم الحديث الذي بعده على أحمد وطعنتموه بُمديٍّ ما طعنتم بها الكفّارَ والخوارج؟! فماذا أعددتم ليوم

٢٩٦

غدٍ؟! و« سَيَعْلَمُونَ غداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ) .(1)

وأبو الفرج عند ابن تيميه، هو مدار تكذيب حديث مدينة العلم، وأبو الفرج مات سنة (597 هـ)، وأبو الصلت توفّي سنة (236 هـ)، فالفاصلة الزمنيّة بينهما هي (361) سنة!

وأمّا الذهبيّ الذي حلف بالله أنّ أبا الصّلت لا ثقة ولا مأمون، فإنّه مات سنة 748 هـ، وبذا تكون الفاصلة الزمنيّة بينه وبين أبي الصّلت هي (512) سنة فقط! وبين الذهبيّ وبين أحمد بن عبد الله المتوفّى سنة 271 هـ، الذي قال عنه الذهبيّ: إنّه كذّاب دجّال، (477) سنة.

وليس بين ابن تيميه المتوفّى سنة (728 هـ) وبين أبي الصّلت أكثر من (492) سنة، وأمّا بينه وبين أحمد بن عبد الله فأقلّ من ذلك، فهي لا تزيد على (457) سنة! فَلْيَحكم المنصفون.

وبين ابن تيميه، وأبي معاوية الضّرير (533) سنة، وبين الذهبيّ وأبي معاوية (533) سنة.

وفي الحديث الذي ذكره الحاكم، وفي طريقه الحسين بن فهم، وجدنا الذهبيّ قد رحم نفسه فلم يحلف بالله تعالى بتضعيفه بل قال بإسقاطه! كما فعل بشأن أبي الصّلت.

وقد مرّ بنا قول الحاكم فيه: إنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ. فقد نعته

____________________

(1) القمر: 26.

٢٩٧

بما نعت به أبا الصلت وزاد: حافظ. لكنّ الذهبيّ لم تطاوعه نفسه. وربّما نسي! فقد قال عنه في كتاب آخر له: الحسين بن فهم، صاحب محمّد بن سعد (صاحب الطبقات الكبرى)، قال الحاكم: ليس بالقويّ!(1) وتابعه ابن حجر فقال عنه عينَ عبارة الذهبيّ!(2)

وهذا أشكل وأعضل ما نجده في منهجيّة كتابة التاريخ والتراجم، وهو اللاّموضوعيّة وعدم التجرّد عن العصبيّة والهوى، وعبادة الأشخاص على أسمائها، حتّى لَتجد كتباً ربّما كثرت أجزاؤها هي عينها لسابقين مع تغيير عنوان الكتاب اللاحق، ليس أكثر! وإلاّ قولُهما مناقض تماماً لما ذكره الحاكم في حديث مدينة العلم، إذ أفرده من سلسلة السند فأقامه حجّةً لأهل العلم، وذلك هو قوله: ليعلم المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم ثقة مأمون حافظ.

ولم يكن الحسين بن فهم من أقران الذهبيّ، ولا ابن حجر، ولا هما قريبا عهد به، فإنّ الفاصلة الزمنيّة بين الذهبيّ وابن فهم هي (459) سنة، وأمّا بين ابن حجر وابن فهم فهي (563) سنة! وما يدرينا فلعلّ الحسين بن فهم ممّن قال عنهم ابن معين قد حطّوا رحالهم في الجنّة!

من أخبار الحسين بن فهم

الحسين بن محمّد بن عبد الرحمان بن فهم بن مُحرز بن إبراهيم، أبو عليّ.

____________________

(1) ميزان الاعتدال للذهبيّ 2: 308 / 1266.

(2) لسان الميزان لابن حجر 2: 308.

٢٩٨

سمع: يحيى بن مَعين، ومصعباً الزبيريّ، ومحمّد بن سعد كاتب الواقديّ، وأبا خَيثمة زُهير بن حرب، ومحمّد بن سلاّم الجُمحيّ...

روى عنه: أحمد بن معروف الخشّاب، وأبو عليّ (الطوماريّ، وأحمد ابن كامل... ؛ وكان ثقةً، وكان عسراً في الرواية متمنّعاً إلاّ مَن أكثر ملازمته، وكان حسن المجلس مفتياً مفنناً في العلوم، كثير الحفظ للحديث مسنده ومقطوعه ولأصناف الأخبار والنّسب والشّعر، والمعرفة بالرجال، وكان يقول: صحبت يحيى ابن مَعين وأخذت عنه معرفة الرجال، وصحبت مصعب بن عبد الله - الزبيريّ ت 236 هـ، له (نسب قريش) - فأخذت عنه النّسب، وصحبت أبا خيثمة فأخذتُ عنه المسند، وصحبت الحسن بن حمّاد سجّادة فأخذت عنه الفقه.(1)

ترجمة أبي الصّلت(2) :

عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة، أبو الصّلت الهرويّ، مولى عبد الرحمان بن سَمُرة القرشيّ. سكن نيسابور، ورحل في طلب الحديث إلى البصرة والكوفة والحجاز واليمن.(3)

وهو خادم عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام أديبٌ فقيه عالم.(4)

____________________

(1) تاريخ بغداد 8: 92 / 4190.

(2) سنن الدار قطنيّ 1: 110، والجرح والتعديل 6، الترجمة 257، وتاريخ بغداد 11: 46 / 5728، مطالب السؤول 214، ورجال ابن ماجة 15، 51، وتهذيب الكمال للمزّيّ 18: 73 / 3421.

(3) تاريخ بغداد 11: 46، وتهذيب الكمال 18: 73.

(4) تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 73.

٢٩٩

روى عن: عليّ بن موسى الرضا، الثامن من أئمّة أهل البيت النبيّ عليه وعليهم السلام، ومحمّد بن خازم أبي معاوية الضّرير، ومالك بن أنس إمام المذهب المالكيّ، وعبد الرزّاق بن همّام(1) ، وسفيان بن عُيَينة(2) ، وعبد السلام بن

____________________

(1) محمّد بن خازم تأتي ترجمته، ومالك أشهر من أن يعرّف، والرضاعليه‌السلام فرع الشجرة العلويّة الطاهرة. وعبد الرزّاق بن همّام بن نافع الحِمْيَريّ الصنعانيّ، عالم اليمن حافظ كبير، له: المصنّف، وتفسير القرآن العزيز، توفّي سنة إحدى عشرة ومائتين.

روى عن: أبيه، ومَعْمَر بن سليمان، وعبيد الله بن عمر، وابن جُريج، وحجّاج بن أرْطأة، والأوزاعيّ، والسّفيانَين، ومالك.

قال العجليّ: يمانيّ، ثقة وكان يتشيّع. (تاريخ الثّقات 302 / 1000).

روى عنه: شيخاه: مُعتمر وسفيان بن عينية، وأبو أسامة وهو أكبر منه، وأحمد، وابن معين وإسحاق، ومحمّد بن رافع، وأحمد بن صالح المصريّ (شيخ البخاريّ: توفّي سنة ثمان وأربعين ومئتين، مضت ترجمته في الحديث الذي أنكره ابن تيميه «حديث ردّ الشمس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمل حملةً منكرةً على سنده، وجرح أحمد هذا»، قال ابن سعد: قفة، من الطبقة الخامسة من أهل اليمن - وذلك بلحاظ سنة وفاته -، ومثله ذكر خليفة بن خياط في (طبقاته 521 / 2673).

قال عبد الرزّاق: جالَسنا مَعمراً سبعَ سنين. (الجرح والتعديل 6 / 38).

قال أحمد بن صالح: قلت لأحمد بن حنبل: رأيتَ أحداً أحسنَ حديثاً من عبد الرزّاق؟ قال: لا. (تهذيب الكمال 2: 829).

و قال عبد الوهّاب بن همّام: كنتُ عند معمر فذكر أخي عبد الرزّاق، وقال: خليق إن عاش أن تُضرب إليه أكباد الإبل. (تهذيب الكمال 2: 829).

وقال أبو صالح محمّد بن إسماعيل: بلغنا ونحن عند عبد الرزّاق أنّ ابن معين. وأحمد بن حنبل تركوا حديث عبد الرزّاق، فدخلنا من ذلك غمّ شديد، فلمّا كان وقت الحجّ وافيت بمكّة يحيى بن =

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان(١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.

ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.

وإن لم يأت بشي‌ء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(٢) .

ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.

ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(٣) .

مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤٢١

وللشافعي قولان :

أحد هما : هذا.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(١) .

وقد وافقنا على أنّها مضمونة(٢) .

أمّا عندنا : فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير، وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٣) .

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها - تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ، كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا ، فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة ٩٧٥ : لو قال : دفع إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه‌ ؛ لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥١ و ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ و ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ و ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ و ٧٢.

(٣) نفس المصادر.

٤٢٢

ولو قال : أخذتُ منه ألفاً وديعة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.

وقال أبو حنيفة : إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ، فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه(٢) . وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو ذكره على الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة(٤) .

وعلى قول بعض الشافعيّة يجي‌ء(٥) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(٦) .

ولو قال : أودعني ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال ، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.

وكذا إذا قال : نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي(٧) .

وقال أبو يوسف : لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ، ويريدون : بالقبض(٨) .

وهو غلط ؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٥) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يجري » بدل « يجي‌ء ».

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٧) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، المغني ٥ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢١.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٠.

٤٢٣

وأقرضني.

المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم

مسألة ٩٧٦ : إذا قال : لك هذه الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله(١) الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : قوله : « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ](٣) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(٤) .

وردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه(٥) .

ولو قال : « هذه الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.

وإذا ثبت أنّها عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع(٦) في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « فله » بدل « وله ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) الوسيط ٣ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فيقبل » بدل « فيرجع ».

٤٢٤

فإن قيل : قوله : « هذه الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا : إنّ قوله : « هذه الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ، وهو جائز.

مسألة ٩٧٧ : الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(١) في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ، ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلّا دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

وهذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(٣) .

ومن الشافعيّة مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ الموهوب له.

وهذا قاله على القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ، وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(٤) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اشتراطه » بدل « كونه شرطاً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

٤٢٥

ولو قال : وهبتُه وخ رجتُ منه إليه ، فقد تقدّم(١) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

وكذا لو قال : وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(٢) ، وإلّا كان إقراراً به.

مسألة ٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه(٣) منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

ولو قال : إنّي أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشي‌ء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(٤) ، كان له إحلافه ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو إسحاق : إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(٦) .

والشافعي لم يفرّق بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

وكذا قبض الثمن والرهن والوقف.

وكذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ‌

____________________

(١) في ص ٣٨٢ ، ضمن المسألة ٩٤٤.

(٢) وهو لزوم الهبة بالإيجاب والقبول ، راجع : الهامش (٣) من ص ٣٨٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أخذه » بدل « حازه ».

(٤) في « ج » : « على أنّي قبّضتُه ». وكذا في « ث ، ر » بدون « على ».

(٥) مختصر المزني : ١١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، البيان ٨ : ١٠١.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤.

٤٢٦

وإنّما أقررتُ على ر سم الشهادة لأقبض ، كان على الـمُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

ولو شهدت البيّنة بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.

مسألة ٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن له تحليف الـمُقرّ له ، فإن نكل حلف المـُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.

ولو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ، وذلك غير معتاد.

والوجه عندي : تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه الـمُقرّ له برئ ، فكان له إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة ٩٨٠ : يصحّ الإقرار بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.

٤٢٧

وكذا البحث في جميع العقود والإيقاعات.

ولو أقرّ ثمّ قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.

وكذا لو قال : كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.

ولو قال : كنتُ مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(١) ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.

والأمارة إنّما تثبت بإقرار المـُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

ولو شهد الشهود على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى الـمُقرّ خلافَه ، لم يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة الـمُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة الـمُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة الـمُقرّ له.

مسألة ٩٨١ : إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك ، كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم‌

____________________

(١) الظاهر : « توكيل » بدل « وكيل ».

٤٢٨

لا يشهدون على زائل العقل ولا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

ولو كان الـمُقرّ مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم قولٌ آخَر : يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(٢) .

لكنّ المشهور عندهم : الأوّل(٣) .

وكلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

وقد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

ولا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.

مسألة ٩٨٢ : لو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

٤٢٩

لا ينافي ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المـُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا ، فهل يغرم المـُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين [ فيما ](١) إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه(٢) .

ونقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ، ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(٣) ، وليس الثاني رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً فيها(٤) .

ولو أخّر ذكر الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إقراره ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، والبيان ١٣ : ٤٤١ ، والمغني ٥ : ٢٨٩.

٤٣٠

لا يتنافيان ، فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.

ومنهم مَنْ قال : إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.

وفي الغرم لزيدٍ القولان(١) .

قيل : إذا غرّمنا المـُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ، غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ، وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه(٢) .

مسألة ٩٨٣ : لو قال : هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها زيد من عمرو‌ ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ الـمُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

وهل يغرم الـمُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل(٣) - لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٠ و ٣٣٢.

٤٣١

وكذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.

والثاني : إنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شي‌ء ، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(١) .

وقطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(٣) .

وقد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(٤) ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المـُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٢.

(٢) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٢٨٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بينا ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٤٣٢

إذا سلّمها الـمُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم(١) .

وقال آخَرون منهم بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(٢) .

مسألة ٩٨٤ : إذا باع عيناً وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم يُقبل قوله على المشتري.

وهل يغرم القيمة للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(٣) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(٤) .

ويبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلّا فلا.

ولو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ](٥)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « الأمة » بدل « الجارية ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فقد يكون ». وذلك تصحيف.

٤٣٣

صاحب اليد ثمّ جاء آ خَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة ٩٨٥ : لو قال : غصبتُ هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم(١) ، فيُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

وهل للثاني تحليفه؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا : نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن(٢) نكل رُدّت اليمين على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

ومنهم مَنْ قال : إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ، أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ، ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف(٣) .

وإن قلنا : لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.

وإن قال الـمُقرّ : لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

وكذا لو كذّباه وحلف لهما على نفي العلم.

____________________

(١) في ص ٣٧٩ ، المسألة ٩٤٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لو » بدل « إن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢ - ٥٣.

٤٣٤

٤٣٥

الفصل الخامس : في ا لإقرار بالنسب

وفيه قسمان :

الأوّل(١) : الإقرار بالولد

مسألة ٩٨٦ : يشترط في الـمُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق(٢) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :

الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.

ولو قدمت امرأة من بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره‌ ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

ولا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

ولو نفى نسب ولده باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

____________________

(١) يأتي القسم الثاني في ص ٤٥٣.

(٢) في ص ٢٥١ وما بعدها.

٤٣٦

الثالث : أن يصدّقه الـمُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف المدّعي ويثبت نسبه.

وكذا لو قال رجل لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً ، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.

ولو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وعلى ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(٢) .

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره‌.

مسألة ٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته‌ وكان الصبي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

٤٣٧

مجهولَ النسب ، لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً والـمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(٣) فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.

ولو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره ، كذا هنا.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣.

(٣) الدقعاء : عامّة التراب. وقيل : التراب الدقيق على وجه الأرض. والمُدقَع : الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب ٨ : ٨٩ « دقع ».

٤٣٨

التصديق شرطاً على ا لإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(٢) .

مسألة ٩٨٨ : يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع الـمُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(٣) نسبه ممّن صدّقه ، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.

ولو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم يقبل.

ولو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام ، وإلّا فلا.

قالت الشافعيّة : وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

٤٣٩

لأنّ ذلك مظنون ، وا لبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف الظنّ والظاهر(١) .

قالوا : ولا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ](٢) المشرقيّ بالمغربيّة(٣) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع واليقين دون الظاهر.

ولو استلحق صغيراً مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.

مسألة ٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.

وإن كان بالغاً فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.

ولو استلحق عبداً في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ، وإقراره باطل.

وإن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.

وكذا إن كان بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.

والأقرب : عتقه ؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

ويحتمل عدمه ؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٠.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٤ ، المغني ٩ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٩ : ٦٥.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501