تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182468 / تحميل: 5896
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

إلّا إذا دلّت القرينة عليه ، كما لو أمره بالبيع في سوقٍ بعيدٍ من بلدٍ آخَر يضيع الثمن بترك قبضه ، أو لا يتمكّن الموكّل من قبض الثمن ، أو يقول له : بِعْه على مَنْ كان من الغرباء ولا تصاحبه ، ففي مثل ذلك يكون مأذوناً له في القبض ، فإن دفع السلعة إلى المشتري ولم يقبض ، كان ضامناً ؛ لأنّ ظاهر حال الموكّل أنّه إنّما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه ، ولا يرضى بتضييعه ، ولهذا يُعدّ مَنْ فَعَل ذلك مضيّعاً مفرّطاً.

وإن لم تدلّ القرينة عليه ، فإن دلّت على المنع ، لم يجز له القبض إجماعاً.

وإن لم تكن هناك قرينة تدلّ على أحدهما ، لم يملك القبض أيضاً ؛ لأنّ الوكالة بالبيع مغايرة للوكالة بالقبض ، وأحدهما غير الآخَر ، وغير دالٍّ عليه بإحدى الدلالات الثلاث ، فيكون القبض غيرَ مأذونٍ فيه ، والموكّل إنّما أذن بالبيع ، وقَبْضُ الثمن أمرٌ وراء البيع ، وليس كلّ مَنْ يرتضي للبيع يرتضي لقبض الثمن ، فقد لا يأتمنه عليه.

وأصحّهما عند الشافعيّة(١) : أنّه يملكه ؛ لأنّه من توابع البيع ومقتضياته ، فالإذن في البيع إذْنٌ فيه وإن لم يصرّح به(٢) .

مسألة ٦٩٩ : إذا وكّله في البيع ، فقد قلنا : إنّه لا يملك قبض الثمن ، لكن يملك تسليم المبيع إلى المشتري إن كان في يده - وهو قول أكثر الشافعيّة ٣ - لأنّ البيع يقتضي إزالة الملك ، فيجب التسليم. ولأنّ تسليم المبيع إلى المشتري من تمامه وحقوقه.

____________________

(١) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. والظاهر هكذا : « وهو أحد وجهي الشافعيّة ، وأصحّهما عندهم ».

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨١

وقال بعضهم : فيه وج هان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك تسليم المبيع(١) ؟.

واتّفقوا على أنّ الوكيل بعقد الصرف يملك القبض والإقباض ؛ لأنّه شرط صحّة العقد ، وكذا في السَّلَم يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال ، ووكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم(٢) .

وعندي في ذلك كلّه نظر ، والوجه : أنّه لا يملك القبض بحالٍ.

مسألة ٧٠٠ : إذا وكّله في البيع ، لم يملك قبض الثمن على ما تقدّم(٣) ، ويملك تسليم المبيع إلى المشتري ، لكن لا يسلّم قبل أن يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن ، كان ضامناً.

وقال بعض العامّة : إن قلنا : لا(٤) يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري ، لم يكن ضامناً ، وإن قلنا : يملك قبض الثمن ، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه ، فإن سلّم قبل قبضه كان ضامناً(٥) .

والتقدير الأوّل يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن ، وهو ضعيف.

أمّا لو أذن له في البيع بثمن مؤجَّل ، فهنا يسلّم المبيع ؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع على الثمن عند تأجيل الثمن.

ويجي‌ء للشافعيّة قول : إنّه لا يجوز له التسليم ، لا لغرض الحبس ، لكن لأنّه لم يفوّض إليه(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) في ص ٧٩ ، المسألة ٦٩٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « لم » بدل « لا ».

(٥) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

٨٢

ثمّ إذا حلّ الأجل ، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلّا بإذنٍ مستأنف.

مسألة ٧٠١ : الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن ، ولا يملك قبض الثمن على ما اخترناه ، ولا يملك إبراء المشتري من الثمن ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ إبراء الموكّل يصحّ ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. ولأنّ الإبراء ليس من البيع ولا من تتمّته ، وهو مغاير للبيع وغير لازمٍ له ، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلاً فيه. ولأنّ فيه إضراراً بالبائع ، والوكيل منصوب لمصلحته ، لا لفعل ما يتضرّر به. ولأنّه مغاير للبيع حقيقةً ، وغير مستلزمٍ له ولا لازم ، فكان كالإبراء من غير الثمن.

وقال أبو حنيفة : الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن ، برئ ، وضمنه الوكيل ؛ لأنّ حقوق البيع تتعلّق بالوكيل ، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط(٢) .

وهو باطل ؛ فإنّه إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.

ويبطل ما قاله بأمين الحاكم والوصي والأب ، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع ، ولا يملك الإبراء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ - ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

٨٣

مسألة ٧٠٢ : إذا وكّ له في البيع فباعه بثمنٍ حال وقلنا : له قبض الثمن أو جعل له الموكّل(١) ذلك ، فلا يسلّم المبيع حتى يقبض الثمن ، كما لو أذن فيهما.

ولكلٍّ من الوكيل والموكّل مطالبة المشتري بالثمن على كلّ حال - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الموكّل يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن ، فجاز له المطالبة به ، كسائر ديونه التي وكّل فيها.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة بالثمن ؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل ، دون الموكّل ، ولهذا يتعلّق مجلس الصرف والخيار به ، دون موكّله(٣) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ مجلس العقد من شروط العقد وهو العاقد ، فيتعلّق به ، وأمّا الثمن فهو حقّ الموكّل ومالٌ من أمواله ، فكان له المطالبة به.

مسألة ٧٠٣ : إذا وكّله في البيع ومَنَعه من قبض الثمن ، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.

ولو مَنَعه من تسليم المبيع ، فكذلك.

وقال بعض الشافعيّة : هذا الشرط فاسد ؛ فإنّ التسليم مستحقّ‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « الموكّل له » بدل « له الموكّل ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٧ - ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

٨٤

بالعقد (١) .

ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم : إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتى أنّه يسقط الجُعْل المسمّى فيه ، ويرجع إلى أُجرة المثل ؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع ، والامتناع من التسليم ، فكان الجُعْل مقابلاً بشي‌ءٍ صحيح وشي‌ءٍ فاسد ، فليفسد المسمّى.

وقيل : المسألة مبنيّة على أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم ، أم لا؟ إن قلنا : لا ، فعند المنع أولى. وإن قلنا : نعم ، فكذلك ؛ لأنّه من توابع البيع وتمام العقد ، كالقبض ، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد ، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه ، والممنوع منه تسليمه.

نعم ، لو قال : امنع المبيع ، فهذا الشرط فاسد ؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ إثبات اليد عليه ، وفرقٌ بين أن يقول :

لا تسلّمه إليه ، وبين أن يقول : أمسكه وامنعه منه(٢) .

وأمّا الوكيل بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ واشترى في الذمّة ، فسيأتي الكلام في [ أنّ ](٣) المطالبة على مَنْ تتوجّه؟ وإن سلّمه إليه واشترى بعينه أو في الذمّة ، فالقول في أنّه هل يسلّمه؟ وهل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ وكيل البائع هل يسلّم المبيع ويقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع؟.

وجزم بعض الشافعيّة هنا بتسليم الثمن وقبض المبيع ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. ولأنّ الملك في الثمن لا يتعيّن إلّا بالقبض ، فيستدعي إذناً جديداً ، وأمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك(٤) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٥

ومَنْ طرد الخلاف مَ نَع العرف الفارق بين الطرفين. ولو كان المعنى الثاني معتبراً ، لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً ، ولم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو في الذمّة ، بل ذكروا الوجهين وأطلقوا فيهما(١) .

مسألة ٧٠٤ : إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكّل أو إلى الوكيل المأذون له أو إلى المطلق إذا جوّزنا له قبض الثمن ، فالوكيل يسلّم المبيع ، سواء أذن له الموكّل أو لا ، أو مَنَعه ؛ لأنّ المشتري إذا دفع الثمن ، صار قبض المبيع مستحقّاً ، وللمشتري الانفراد بأخذه ، فإن أخذه المشتري فذاك ، وإن سلّمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري ، ولا حكم للتسليم.

مسألة ٧٠٥ : قد بيّنّا أنّه ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلى المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل إن أذن له أو لغيره ، فلو سلّمه إلى المشتري قبل ذلك ، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن متساويين.

ولو كان الثمن أكثر ، لم يكن عليه إلّا القيمة ؛ لأنّه لم يقبض الثمن ، فلا يكون مضموناً عليه ، وإنّما يضمن ما فرّط فيه ، وهو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.

ولو كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله ، فالأقوى أنّه يغرم جميع القيمة حيث فرّط فيها ، كما لو لم يبع بل أتلفها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يغرم القيمة ، ويحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ - ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٦

ولو باع بغبْنٍ فاحش بإذن الموكّل ، احتُمل الوجهان.

أمّا الأوّل : فظاهر.

وأمّا الثاني : فقياسه أن لا يغرم إلّا قدر الثمن ؛ لصحّة البيع به بالإذن. فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكّل ، واستردّ ما غرمه.

البحث الثالث : فيما يملك الوكيل بالشراء

مسألة ٧٠٦ : الوكيل بالشراء إذا اشترى ما وُكّل فيه ، مَلَك تسليم ثمنه‌ ؛ لأنّه من تتمّته وحقوقه ، فهو كتسليم المبيع في الحكم ، والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع ، الوجه عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع : لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلّا فلا.

فإن اشترى عبداً ونقد ثمنه ، فخرج العبد مستحقّاً ، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.

ولو اشترى شيئاً وقبضه وأخّر دفع الثمن إلى البائع لغير عذرٍ فهلك في يده ، ضمن. وإن كان لعذرٍ - مثل أن مضى لينقده فهلك ، أو نحو ذلك - فلا ضمان عليه ؛ لأنّه في الصورة الأُولى مفرّط ، دون الثانية.

مسألة ٧٠٧ : إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً(١) أو كلّيّةً.

فإن كانت كلّيّةً - مثل أن يقول : وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ ، أو يطلق على الأصحّ كما قلنا - اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب ، عند‌

____________________

(١) يأتي حكمها في ص ٩٢ ، المسألة ٧١١.

٨٧

علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة ، كما أنّ الإطلاق في البيع يقتضي سلامة المبيع ، حتى أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يشتري العمياء والمقعدة والمقطوعة اليدين والرِّجْلين ؛ لعموم أمره ، كالمضارب(٢) .

وهو خطأ بما تقدّم. ولأنّه إذا أسلم في شي‌ء موصوف استحقّ السليم منه.

والفرق واقع بين الوكيل والمضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح والمعيب ؛ لأنّ صاحب المال أمره أن يشتري ذلك للتجارة وطلب الربح ، وذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم ، فلهذا كان له شراؤهما ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّه يقتضي السلامة ؛ لجواز أن يريد المالك القنية والانتفاع ، والعيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك ، وإنّما يقتنى ويدّخر السليم دون المعيب.

وقد ناقض أبو حنيفة نفسَه في أصله ؛ فإنّه قال في قوله تعالى :( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٣) : لا تجوز العمياء ولا المقطوعة اليدين والرِّجْلين(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٦ / ١٧٥٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٦٤ / ١٨٧١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٩ ، المبسوط - للسرخسي - =

٨٨

مسألة ٧٠٨ : لو اشتر ى الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه ، صحّ البيع ؛ لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر ، وليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن ؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه ، فلا يجوز تكليفه به ، ويعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.

ويقع البيع للموكّل - وهو قول أكثر الشافعيّة(١) - كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.

وقال الجويني : لا يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع وإن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى(٢) .

ويفارق مجرّد الغبن ؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم(٣) ، فلو صحّ البيع ولزم الموكّل للزم ، ولحقه الضرر ، والعيب يُثبت الخيار ، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.

وحيث يقع عن الموكّل وكان الوكيل جاهلاً بالعيب ، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه ؛ لأنّه المالك.

وهل يملك الوكيل الردّ بالعيب؟

أمّا عندنا : فلا ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، وهو مغاير للردّ ، فلا يملكه ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال أكثرهم : إنّه يملك الردّ ، وينفرد الوكيل بالفسخ ؛ لأنّ الموكّل‌ أقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه. ولأنّه لو لم يكن له الردّ وافتقر إلى

____________________

= ٧ : ٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

(١) الوجيز ١ : ١٩١ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

٨٩

استئذان الموكّل ، فربما لا يرضى الموكّل ، فيتعذّر الردّ حينئذٍ ؛ لكونه على الفور ، ويبقى المبيع في عهدة الوكيل ، وفيه ضرر عظيم(١) .

ونمنع إقامة الموكّل له مقامه في جميع الأشياء ، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد ، وهو مضادٌّ للفسخ.

ونمنع كون الخيار على الفور.

سلّمنا ، لكن بالنسبة إلى المالك ، فإذا علم بالعيب ، اختار حينئذٍ على الفور إمّا الفسخ أو الإمضاء ، كما لو اشترى شيئاً فغاب ولم يعلم بعيبه إلّا بعد مدّةٍ ثمّ ظهر على العيب.

ولأنّا لو لم نُثبت الردَّ له ، لكان كسائر الأجانب عن العقد ، فلا أثر لتأخيره. ولأنّ مَنْ له الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه ، فهلاّ كانت مشاورة الوكيل(٢) عذراً؟!

وأيضاً فإنّه وإن تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في العقد أو نواه ، على أنّ في كون المبيع للوكيل وفي تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له خلافاً سيأتي.

مسألة ٧٠٩ : لو كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه ، كان له الرد ، وللموكّل أيضاً الردّ ؛ لأنّ الملك له.

وإن حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل ورضي بالعيب ، لم يكن للوكيل ردّه ؛ لأنّ الحقّ له ، بخلاف عامل المضاربة إذا اشترى المعيب جاهلاً بعيبه ، فإنّ له الردَّ وإن رضي ربّ المال بالعيب ؛ لأنّ له حقّاً في العين ، ولا يسقط حقّه برضا غيره.

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

(٢) أي : مشاورة الوكيل للموكّل.

٩٠

وإن لم يحضر الموكّل وأراد الوكيل الردَّ ، فقال البائع : توقّف حتى يحضر الموكّل فربما يرضى بالمعيب ، لم يلزمه ذلك ؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه.

فإن أخّره بناءً على هذا القول فلم يرض به الموكّل ، لم يسقط الردّ وإن قلنا بأنّ الردّ على الفور ؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.

وإن قال البائع : موكّلك قد علم بالعيب فرضيه ، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ ، فإن لم تكن له بيّنة ، لم يستحلف الوكيل إلّا أن يدّعي علمه ، فيحلف على نفيه عند الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يستحلف ؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين(٢) .

وفيه إشكال من حيث إنّه لا نيابة هنا ، وإنّما يحلف على نفي علمه ، وهذا لا ينوب فيه عن أحد.

وإن أقرّ بذلك ، لزمه - عندنا - في حقّ نفسه ، دون موكّله ، فيمينه في حقّه دونه.

وقال ابن أبي ليلى : إنّه لا يردّ حتى يحضر الموكّل ويحلف(٣) .

فإن ردّ الوكيل فحضر الموكّل ورضي بأخذه معيباً ، افتقر إلى عقدٍ جديد ؛ لخروجه عن ملكه بالردّ ، فلا يعود إلّا بالعقد.

ولو قال الموكّل : قد كان بلغني العيب ورضيت به ، فصدّقه البائع ، أو‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣.

٩١

قامت به بيّنة ، بطل الردّ ، وعلمنا أنّه لم يقع موقعه ، وكان للموكّل استرجاعه ، وعلى البائع ردّه عليه ؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ ، إلّا أن نقول : إنّ الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل.

وإن رضي الوكيل بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ ، فله ذلك إن صدّقه البائع على أنّ الشراء له ، أو قامت به بيّنة.

وإن كذّبه ولم تكن له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له ، فليس له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَن اشترى شيئاً فهو له ، ويلزمه ، وعليه غرامة الثمن ، وبهذا قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : للوكيل شراء المعيب ؛ عملاً بالإطلاق(٢) .

مسألة ٧١٠ : لو اشترى الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب ، فإن كان بإذن الموكّل ، فلا ردّ هنا لا للوكيل ولا للموكّل إجماعا ، كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.

وإن لم يأذن له ، فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك ، أو قلنا : إنّه يملكه؟ يحتمل عدمه ؛ لإقدامه على شراء المعيب عالماً بعيبه ، فلا يكون له الردّ ، وبه قال الشافعي(٣) .

ويحتمل أن يكون له الردّ ؛ لأنّه نائب عن الموكّل ، وللموكّل الردّ ؛ لجهله ، فكذا للوكيل.

أمّا الموكّل فهل له الردّ؟ للشافعيّة وجهان :

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٢

أحدهما : المنع ؛ لأ نّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد ولواحقه ، فيكون اطّلاعه على العيب كاطّلاع الموكّل ، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون على قولَي شراء الغائب.

وأصحّهما عندهم : أنّ له الردَّ - وهو المعتمد - لأنّ اطّلاعه ورضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ للموكّل ، فكذا اطّلاعه في الابتداء(١) .

وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل ، أو ينفسخ العقد من أصله؟ للشافعيّة وجهان(٢) .

والقائل بالانتقال إلى الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلى أن يتبيّن الحال ، وإلّا فيستحيل ارتداد الملك من الموكّل إلى الوكيل.

وهذه الاختلافات متفرّعة على وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب ، ومذهب الشافعيّة [ خلافه ](٣) (٤) .

والوجه : أن نقول : إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه وصدّقه على ذلك ، لكن لا وقوعاً لازماً ، بل بمنزلة عقد الفضولي ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا اشترى المعيب يكون قد اشترى ما لم يوكّل فيه ، فيكون فضوليّاً ، ولا يقع العقد عن الوكيل ؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب وأجاز عقد وكيله ، كان الملك له ، فدلّ على أنّه يقع عن الموكّل ، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.

مسألة ٧١١ : إذا كانت العين شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة ، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ - ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٩٣

لم يكن له الردُّ با لاستقلال ؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولى ، ولأنّ المالك قطع نظره بالتعيين ، وربما رضيه على جميع صفاته ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.

وللشافعيّة وجهان :

هذا أحدهما ؛ لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ له الردَّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب(١) .

فروع :

أ - لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له : اشتر عبداً هنديّاً ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه : أنّه يملك الرد ؛ لأنّه اشترى ما لم يؤذن له فيه.

لكن الأقرب : المنع ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل ، فلا ينتقل خيار الردّ إلى الوكيل.

ب - لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة وظهر عيبها أنّه متى يقع عن الموكّل؟ ومتى لا يقع؟

والقياس عندهم يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولى.

نعم ، لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به وهو عالم به ، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولى ؛ لجواز تعلّق الغرض بعينه(٢) .

ج - لو وكّله في الشراء مطلقاً وعيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء ، فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك والعدمُ.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٤

قال بعض العامّة : فیه وجهان مبنيّان على ما إذا علم عيبه بعد شرائه ، إن قلنا : يملك ردّه ، فليس له شراؤه ؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولى. وإن قلنا : لا يملك الردّ هناك ، فله الشراء هنا ؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره واجتهاده في جواز الردّ [ فكذلك ](١) في الشراء(٢) .

والوجه عندي : أنّه يجوز له شراؤه ، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب ، فلا ردّ. وإن لم يكن قد علم ، كان له الردّ ، ولا يضرّه علم الوكيل ؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل ، سواء قلنا : إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع ، أو لا.

ونمنع الملازمة بين جواز الردّ بعد العقد ومنع الشراء ؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ والشراء معاً.

مسألة ٧١٢ : جميع ما ذكرنا في الحالتين - أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها - مفروض فيما إذا اشترى الوكيل بمالٍ في الذمّة ، أمّا إذا اشترى بعين مال الموكّل ، فحيث قلنا هناك : لا يقع عن الموكّل ، فهنا لا يصحّ أصلاً ، وحيث قلنا : يقع ، فكذلك هنا.

وهل للوكيل الردّ؟ أمّا عندنا : فلا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : نعم(٣) .

ويمكن أن يكون الوجهان عندهم مبنيّين على المعنيين السابقين ، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد ولواحقه ، فنعم. وإن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما لزمه العقد وصار المبيع كَلّاً عليه ، فلا ؛ لأنّ المشترى‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٢ - ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٥

بملك [ الغير ] (١) لا يقع له بحال(٢) .

مسألة ٧١٣ : إذا ثبت الردّ للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب قبل اطّلاع الوكيل أو بعده ورضيه ، سقط عن الوكيل ، بخلاف عامل القراض ؛ فإنّه يبقى له الردّ وإن رضي المالك لحظّه في الربح ، ولا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل وتقصيره ، فإذا أخّر أو صرّح بالتزام العقد ، فله الردّ ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله ، على إشكالٍ من حيث إنّه نائب ، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.

والأظهر عند الشافعيّة : المنع(٣) .

وإذا قلنا بأنّه ليس له العود إلى الردّ أو أثبتنا له العود ولم يعد ، فإذا اطّلع الموكّل عليه وأراد الردّ ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء ، أو نواه وصدّقه البائع عليه. وإن كذّبه ، ردّه على الوكيل ، ولزمه البيع ؛ لأنّه اشترى في الذمّة ما لم يأذن فيه الموكّل ، فينصرف إليه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : أنّ المبيع يكون للموكّل ، والردّ قد فات ؛ لتفريط الوكيل ، فيضمن للموكّل(٤) .

والذي يضمنه قدر نقصان قيمته من الثمن ، فلو كانت القيمة تسعين والثمن مائةً ، رجع بعشرة ، ولو تساويا فلا رجوع ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال الأكثر منهم : يرجع بأرش العيب من الثمن ؛ لفوات الردّ بغير تقصيره ، فكان له الأرش ، كما لو تعذّر الردّ بعيبٍ حادث ، إلّا أنّ هناك‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العين ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ - ٥٤٣.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

٩٦

يؤخذ الأرش من البائع ؛ لتلبيسه ، وهنا من الوكيل ؛ لتقصيره(١) .

ولو التمس البائع من الوكيل تأخير الردّ حتى يحضر الموكّل ، فقد قلنا : إنّه لا تجب عليه الإجابة ؛ لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له ، فلا يكلّف تأخيره.

فإن أخّر كما التمسه البائع ، فحضر الموكّل ولم يرض به ، قال بعض الشافعيّة : المبيع للوكيل ، ولا ردّ ؛ لتأخيره مع الإمكان(٢) .

وقال بعضهم : له الردّ ؛ لأنّه لم يرض بالعيب(٣) .

ولو ادّعى البائع رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ ، ففي إحلافه خلاف سبق(٤) .

فإن قلنا بالحلف فعرضت اليمين على الوكيل ، فإن حلف ردّه ، ثمّ إن حضر الموكّل وصدّق البائع ، فله استرداد المبيع من البائع ؛ لموافقته إيّاه على الرضا قبل الردّ ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : لا يستردّ ، وينفذ فسخ الوكيل(٦) .

وإن نكل ، حلف البائع ، وسقط ردّ الوكيل ، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع ، فذاك. وإن كذّبه ، قال بعض الشافعيّة : لزم العقد الوكيل ، ولا ردّ ؛ لإبطال الحقّ بالنكول(٧) .

مسألة ٧١٤ : هذا كلّه في طرف الشراء ، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً ، ردّه عليه إن لم يعلمه وكيلا ، ثمّ هو يردّ على الموكّل. وإن علمه وكيلاً ، ردّه على الموكّل خاصّةً.

وقال بعض الشافعيّة : إن شاء ردّه على الوكيل ، وإن شاء ردّه على‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٤) في ص ٩٠ ، ضمن المسألة ٧٠٩.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

٩٧

الموكّل ، فإذا ردّه على الوكيل ردّه على الموكّل(١) .

وهو ممنوع ؛ لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.

وهل للوكيل حطّ بعض الثمن للعيب؟ للشافعيّة قولان(٢) .

ويحتمل أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّه مأمور بالبيع ، وأن يكون له ؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن مثل السلعة ، وثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.

ولو زعم الموكّل حدوث العيب في يد المشتري ، وصدّق الوكيل المشتري ، ردّ المشتري على الوكيل ، ولم يردّ الوكيل على الموكّل عند الشافعيّة(٣) .

والوجه : إنّه مع عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ على عدم السبق ، ويستقرّ البيع للمشتري مجّاناً.

هذا إن علم المشتري بالوكالة. وإن لم يعلم ، ردّ على الوكيل.

تذنيب : هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق على المالك؟ سيأتي.

فإن قلنا : له ذلك فلو اشترى أباه فظهر معيباً ، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً فيه ؛ لأنّه لا يعتق على الموكّل قبل الرضا بالعيب.

البحث الرابع : في تخصيصات الموكّل

مسألة ٧١٥ : يجب على الوكيل تتبّع تخصيصات الموكّل ، ولا يجوز له العدول عنها ولا التجاوز بها ، إلّا في صورة السُّوق على ما يأتي(٤) ، بل‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٤) في ص ٩٨.

٩٨

يجب النظر إلى تقييد ات الموكّل في الوكالة.

ويشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال : بِعْ على زيدٍ ، لم يجز له بيعه من غيره ؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين ، فقد يرغب إلى شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته ، وإمّا لخلوّ ماله عن الشبهات ، فقد يكون أقرب إلى الحِلّ وأبعد عن الشبهة ، وإمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته إيّاه شيئاً ، أو لإمكان استرداده منه ، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له الموكّل ، كان موقوفاً ، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع ، وإلّا فلا.

تذنيب : لو قال : بِعْه من زيدٍ بمائة ، لم يجز بيعه على غيره بأزيد إلّا أن يجيز.

مسألة ٧١٦ : لو عيّن له زماناً ، لم يجز له التخطّي ولا العدول عنه‌ ، فإذا قال : بِعْه اليوم ، أو يوم كذا ، لم يجز له التقديم ولا التأخير ؛ لأنّه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ، دون ما قبله وما بعده ، فإن قدّم أو أخّر ، وقف على الإجازة.

ولو عيّن له مكاناً من سُوقٍ ونحوه ، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه أكثر والنقد فيه أجود والمتعاملون فيه أسمح ، لم يجز له البيع في غيره.

وإن لم يكن له غرض ، فالأقرب : جواز بيعه في غيره ؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير باعثٍ إليه ، وإنّما الغرض والمقصود تحصيل الثمن ، فإذا حصل في غيره ، جاز ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يجوز التعدّي ؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح‌

٩٩

لا يطّلع عليه (١) .

وهو غير محلّ النزاع ؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفى الغرض بالكلّيّة ، أمّا لو جوّزنا حصول غرضٍ صحيح ، فإنّه لا يجوز له التعدّي.

ولو نهاه صريحاً عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه ، لم يجز له التعدّي إلى المنهيّ عنه إجماعاً.

ولو قال : بِعْه في بلد كذا ، احتُمل أن يكون كقوله : بِعْه في السُّوق الفلاني ، حتى لو باعه في بلدٍ آخَر ، جاء فيه التفصيل : إن كان له غرض صحيح في التخصيص ، لم يجز التعدّي ، وإلّا جاز ، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلى غير المعيّن ، وكذا الثمن يكون مضموناً في يده ، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ ، يبيعه في ذلك البلد ، فلو نقله صار ضامناً.

مسألة ٧١٧ : الموكّل إذا أذن للوكيل في البيع ، فإمّا أن يُطلق ، أو يُقيّد.

فإن أطلق ، فقد بيّنّا أنّه يُحمل على البيع بثمن المثل بنقد البلد حالّاً.

وإن قيّد فقال : بِعْه بمائة درهمٍ ، لم يجز له البيع بأقلّ ، فإن باع بالأقلّ ، كان موقوفاً ؛ لأنّه غير مأذون فيه ، ويكون الوكيل هنا فضوليّاً ، إن أجاز المالك البيعَ صحّ ، وإلّا فلا ، وكان للموكّل فسخ البيع.

وقول الشيخرحمه‌الله : « إذا تعدّى الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل ، كان ضامناً لما تعدّى فيه »(٢) لا ينافي ما قلناه.

ولو باعه بأكثر من مائة درهمٍ ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس‌ - مثل : أن يبيعه بمائة درهمٍ وثوبٍ - جاز عند علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً ، وسواء كانت الزيادة

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٩٣ - ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٨ ، البيان ٦ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٦.

(٢) النهاية : ٣١٩.

١٠٠

قليلةً أو كثيرةً ، و سواء كانت الزيادة من الأثمان أو لا ؛ لأنّها زيادة تنفعه ولا تضرّه.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ بيعه بمائةٍ وثوبٍ - في أحد الوجهين - لأنّه من غير جنس الأثمان(١) .

وكونه من غير جنس الأثمان لا ينافي كونها زيادةً. ولأنّ الإذنَ في بيعه بمائة إذنٌ في بيعه بزيادة عليها عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بمائة لا يكره الزيادة عليها بثوبٍ ينفعه.

ولو باعه بمائة دينار ، أو بمائة ثوب ، أو بمائة دينار وعشرين درهماً ، أو بمهما كان غير ما عيّن له ، لم يجز ؛ لأنّ المأتيّ به غير المأمور بتحصيله ، ولا هو مشتمل على تحصيل ما أُمر بتحصيله ، والوكيل متصرّف بالإذن ، فإذا عدل عن المأذون فيه ، كان فضوليّاً.

ويحتمل عندي قويّاً : جواز بيعه بأكثر من المائة ولو من غير الجنس ، إلّا أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم خصوصاً إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بدرهمٍ رضي مكانه بدينارٍ ، فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهمٍ ودينارٍ ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوبٍ ؛ لأنّه من غير الجنس.

ويحتمل عندي مع الزيادة الجواز.

ولو باعه بالأزيد ولو قلّ - مثل أن يبيعه بمائة درهمٍ ودرهمٍ - صحّ ؛ لأنّ المقصود من التقدير أن لا ينقص منها في العرف.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، البيان ٦ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠ ، المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٧.

١٠١

وقال بعض الشافعيّة : إذا أمره ببيعه بمائة درهم ، لم يجز أن يبيعه بالأزيد(١) ، سواء كان من الجنس أو لا ، وسواء نهاه عن الزيادة أو لم ينهه ؛ لأنّه لم يرض بعهدة ما فوق المائة. ولأنّ البيع بالمائتين غير البيع بالمائة ، ولهذا لو قال : بعت بمائة درهمٍ ، لم يصح القبول بمائتين ، كما لا يصحّ القبول بمائتي دينار.

والأولى الصحّة. والتغاير مسلّم ، لكنّ الإذنَ في أحدهما إذنٌ في الآخَر بطريق الأولى ، بخلاف القبول ؛ لأنّ من شرطه المطابقةَ ، فعلى هذا البيعُ بعرضٍ يساوي مائة دينارٍ كالبيع بمائة دينارٍ.

فروع :

أ - لو أمره ببيعه بمائة ونهاه عن البيع بالأزيد ، لم يكن له البيع بالأزيد قطعاً ؛ لاحتمال تعلّق غرضه بذلك ، فلا يجوز التخطّي.

ب - لو أمره ببيعه بمائة وهناك مَنْ يرغب بالزيادة على المائة ، جاز له بيعه بالمائة امتثالاً لأمره.

ويحتمل المنع ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وترك الزيادة مضرّة به.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : الجواز ؛ لموافقته صريح إذنه.

والثاني : المنع ، كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل وهناك مَنْ يرغب بالزيادة ٢.

ج - لا فرق بين أن يكون المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا إذا لم يقصد إرفاقه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠٢

فلو قال : بِعْه من زيدٍ بمائةٍ وقصد إرفاق زيدٍ ، لم يبع بأكثر ، فإن باع كان فضوليّاً.

وإن لم يقصد إرفاقه ، بل قصد سهولة معاملته أو خلوص ماله عن الشبهة أو بُعْده عنها ، جاز أن يبيع بأكثر من المائة ، كما لو أطلق.

ولو جهل الأمر ، لم يبعه إلّا بالمائة ، مع احتمال الأزيد.

د - لو قال : بِعْ بكذا(١) ، ولا تبعه(٢) بأكثر من مائة ، لم يبِعْ بالأكثر ،

ويبيع(٣) بها وبأقلّ ؛ لاحتمال أمره الشيئين ، وشموله لهما.

نعم ، لا يبيع بأقلّ من ثمن المثل.

ولو كانت المائة أقلّ من ثمن المثل ، باع بها لا بالأقلّ.

ه- لو قال : بِعْه بمائةٍ ولا تبعه بمائةٍ وخمسين ، لم يبِعْ بأقلّ من مائةٍ ولا بمائةٍ وخمسين ؛ للنهي. وله بيعه بأزيد من مائةٍ وأقلّ من مائةٍ وخمسين ، وله بيعه أيضاً بأزيد من مائةٍ وخمسين.

وللشافعيّة في بيعه بأزيد من مائةٍ وخمسين وجهان ، أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه نهاه عن زيادة خمسين فما فوقها أولى(٤) .

و - البحث في طرف المشتري كالبحث في طرف البائع ، فلو قال له : اشتر كذا بمائة ، فله أن يشتري بما دونها ، إلّا مع النهي ، فلا يصحّ ؛ لأنّه خالفه ، وصريح قوله مقدَّم على دلالة العرف. وكذا لو قصد الإرفاق للبائع ، وليس له أن يشتري بأزيد من مائة.

____________________

(١) فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كذا ».

(٢) في « خ » : « لا تبع ».

(٣) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « بِيع ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠٣

ولو قال : اشتر بمائة ، ولا تشتر بخمسين ، جاز له أن يشتري بما بين مائة وخمسين ، ولا يشتري بخمسين ؛ لأنّ إذنه في الشراء بمائة دلّ عرفاً على الشراء بما دونها ، خرج منه المحصور بصريح النهي [ و ] بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن.

وفيما دونها للشافعيّة وجهان(١) .

والوجه عندي : الجواز ؛ لأنّه لم يخالف صريح نهيه ، فأشبه ما إذا زاد على الخمسين.

مسألة ٧١٨ : لو وكّله في بيع عبدٍ بمائة فباع نصفه بها ، أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ ، جاز ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة العرف ، فإنّ مَنْ رضي بمائة ثمناً للكلّ رضي بها ثمناً للنصف ، ولأنّه حصّل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضرّه ، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائةٍ وثوبٍ أو عبد أو نصف عبدٍ.

إذا ثبت هذا ، فله بيع النصف الآخَر ؛ لأنّه مأذون له في بيعه ، فأشبه ما لو باع العبد كلّه بمثلَي ثمنه.

ويحتمل المنع ؛ لأنّه قد حصل للموكّل غرضه من الثمن ببيع نصفه ، فربما لا يؤثّر بيع باقيه ؛ للغنى عن باقيه بما حصل له من ثمن نصفه.

وكذا لو وكّله في بيع عبدين بمائة ، فباع أحدهما بالمائة ، صحّ.

وهل له بيع الآخَر؟ فيه الاحتمالان السابقان.

ولو وكّله في بيع عبدٍ بمائة ، فباع نصفه بأقلّ منها ، لم يجز ؛ لأنّه غير المأذون فيه.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٣٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٧.

١٠٤

وإن وكّله مطلقاً ، فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ ، لم يجز ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز ، كما إذا أطلق الوكالة ؛ بناءً على أصله في أنّ للوكيل المطلق البيعَ(٢) .

وهو غلط ؛ لما فيه من الضرر على الموكّل ببيع بعضه ، ولم يوجد الإذن فيه نطقاً ولا عرفاً ، فلم يجز ، كما لو وكّله في شراء عبدٍ ، فاشترى نصفه.

ولو قال : اشتره بمائة دينارٍ ، فاشتراه بمائة درهمٍ ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو قال : بِعْه بمائة درهمٍ ، فباعه بمائة دينارٍ.

والأقرب : الجواز.

ولو قال : اشتر نصفه بمائة ، فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة ، صحّ ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً.

ولو قال : اشتر نصفه بمائة ولا تشتر جميعه ، فاشترى أكثر من النصف وأقلّ من الكلّ بمائة ، صحّ على ما تقدّم في البيع ؛ لأنّ دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كلّ ما زاد على النصف ، خرج الجميع بصريح نهيه ، فيبقى ما عداه على مقتضى الإذن.

مسألة ٧١٩ : لو وكّله في شراء عبدٍ موصوفٍ بمائة ، فاشتراه على الصفة بدونها ، جاز ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً ، فلو خالف في الصفة أو اشتراه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٢٩٩ ، المغني ٥ : ٢٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٥ ، المغني ٥ : ٢٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٨.

١٠٥

بأكثر منها ، لم يلز م الموكّل.

ولو قال : اشتر لي عبداً بمائة ، فاشترى عبداً يساوي مائةً بدونها ، جاز ؛ لأنّه لو اشتراه بمائةٍ جاز ، فإن اشتراه بدونها فقد زاده خيراً ، فيجوز.

وإن كان لا يساوي مائةً ، لم يجز وإن كان يساوي أكثر ممّا اشتراه به ؛ لأنّه خالف أمره ، ولم يحصل غرضه.

مسألة ٧٢٠ : لو قال له : بِعْه إلى أجل ، وبيّن قدره ، فامتثل ، صحّ.

وإن باع حالّاً ، فإن باع بما يساويه حالّاً ، لم يصح ؛ لأنّه يكون ناقصاً عمّا أمره به ، فإنّ ما يشترى به الشي‌ء نقداً أقلّ ممّا يشترى به نسيئةً.

وإن باعه بما يساويه نسيئةً إلى ذلك الأجل الذي عيّنه ، فإن لم يكن هناك للموكّل غرض في النسيئة بأن يكون في وقتٍ لا يؤمن فيه من النهب أو السرقة ، أو كان لحفظه مئونة في الحال ، صحّ البيع ؛ لأنّه زاده خيراً وقد أحسن إليه ، وقال تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : المنع ؛ لأنّه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ، أو يخاف من التعجيل خروجه في النفقة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّا فرضنا انتفاء الأغراض بأسرها ؛ إذ الكلام فيه.

وإن كان هناك غرض صحيح ممّا ذكرناه أو غيره ، لم يصح البيع ؛ لأنّه قد خالف ما أمره ، فيكون فضوليّاً فيه ، إن أجازه صحّ ، وإلّا فلا.

فروع :

أ - لا فرق فيما ذكرناه بين ثمن المثل عند الإطلاق ، وبين ما يقدّره‌

____________________

(١) التوبة : ٩١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٨٤ ، البيان ٦ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٨.

١٠٦

من الثمن بأن قال : بِعْ بمائةٍ نسيئةً ، فباع بمائةٍ نقداً.

ب - لو قال : بِعْه بكذا إلى شهرين ، فباعه به إلى شهر ، ففيه ما قدّمناه في النسيئة والحالّ.

ج - لو قال : اشتر حالّاً ، فاشتراه مؤجَّلاً ، فإن اشتراه بما يرغب به فيه(١) إلى ذلك الأجل ، لم يصح الشراء للموكّل ؛ لأنّ الثمن يكون أكثر ، فيكون فضوليّاً في هذا الشراء.

وإن اشتراه بما يرغب به فيه حالّاً إلى ذلك الأجل ، فللشافعيّة وجهان ، كما في طرف البيع(٢) .

والحقّ أن نقول : إن كان له غرض بأن يخاف هلاك المال وبقاء الدَّيْن عليه أو غير ذلك من الأغراض ، لم يصح ، وإلّا جاز.

وقال بعض الشافعيّة : هذا إذا قلنا : إنّ مستحقّ الدَّيْن المؤجَّل إذا عجّل حقّه ، يلزمه القبول ، أمّا إذا قلنا : لا يلزمه القبول ، لا يصحّ الشراء هنا للموكّل بحال(٣) .

وخرّجوا عليه أنّ الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشترى نسيئةً بثمن مثله نقداً ، جاز ؛ لأنّه زاده خيراً ، والموكّل بسبيلٍ من تفريغ ذمّته بالتعجيل(٤) .

د - إذا وكّله في البيع نسيئةً ، ولم يعيّن الأجل ، صحّ عندنا ، وحُمل الإطلاق على المتعارف بين الناس. ولو عيّن له ، لم تجز الزيادة. وفي النقصان قولان.

مسألة ٧٢١ : لو وكّله في الشراء بخيار أو في البيع به ، فاشتراه منجّزاً أو باعه منجّزاً ، كان فضوليّا ؛ لأنّه خالف ما أُمر به ، فإن أمضاه الموكّل‌

____________________

(١) في « ث ، ر » : « بما يرغب فيه ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « بما يرغب فيه به ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٨.

١٠٧

صحّ ، وإلّا فلا.

ولو أمره بالشراء بخيارٍ له ، فجَعَله للآخَر أو في البيع ، لم يلزم ، وكان فضوليّاً ؛ لأنّه خالف أمره ، وربما كان له غرض في ذلك صحيح.

أمّا لو قال : اجعل الخيار للآخَر ، فجَعَله له ، أو قال : اجعل الخيار للجميع ، فجَعَله للموكّل خاصّةً ، احتُمل الصحّة ؛ لأنّه زاده خيراً ، وهو الأقوى. والمنع ؛ للمخالفة.

مسألة ٧٢٢ : لو سلّم إلى وكيله ديناراً ليشتري له شاةً موصوفة ، فاشترى الوكيل بالدينار شاتين كلّ واحدةٍ بتلك الصفة تساوي ديناراً ، صح الشراء ، وحصل الملك للموكّل فيهما ؛ لأنّه إذا أذن له في شراء شاة بدينارٍ فإذا اشترى شاتين كلّ واحدةٍ منهما تساوي ديناراً بدينار ، فقد زاده خيراً مع تحصيل ما طلبه الموكّل ، فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة بدينار ، فباعها بدينارين ، أو بشراء شاة تساوي ديناراً بدينار ، فاشتراها بنصفه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ الشاتين معاً لا تقعان للموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له إلّا في شراء واحدة ، ولكن يُنظر إن اشتراهما في الذمّة ، فللموكّل واحدة بنصف الدينار ، والأُخرى للوكيل ، ويردّ على الموكّل نصف دينارٍ ، وللموكّل أن ينتزع الثانية منه ، ويقرّر العقد فيهما ؛ لأنّه عقد العقد فيهما له. وإن اشتراهما بعين الدينار ، فكأنّه اشترى واحدةً بإذنه ، وأُخرى بغير إذنه ، فيبنى على أنّ العقود هل تتوقّف على الإجازة؟

إن قلنا : لا تتوقّف ، بطل العقد في واحدة ، وفي الثانية قولا تفريق الصفقة.

وإن قلنا : تتوقّف ، فإن شاء الموكّل أخذهما بالدينار ، وإن شاء اقتصر‌

١٠٨

على واحدةٍ ، وردّ الأُخرى على المالك(١) .

واستشكله بعض الشافعيّة ومَنَعه ؛ لأنّ تعيين واحدة للموكّل أو بطلان العقد فيها ليس بأولى من تعيين الأُخرى ، والتخيير شبيه بما إذا باع شاةً من شاتين على أن يتخيّر المشتري ، وهو باطل(٢) .

ونقل الجويني فيما إذا اشترى في الذمّة قولاً ثالثاً : إنّ الشراء لا يصحّ للموكّل في واحدةٍ منهما ، بل تقعان للوكيل(٣) .

ولو كانت كلّ واحدةٍ من الشاتين تساوي أقلّ من دينارٍ ، لم يلزم الشراء ، وكان فضوليّاً وإن كان مجموعهما تساوي أكثر من الدينار ؛ لأنّه لم يمتثل ما أمره به.

ولو كانت إحداهما تساوي ديناراً والأُخرى تساوي أقلّ من دينارٍ ، صحّ الشراء ؛ لأنّه امتثل وزاد خيراً.

واعلم أنّ الشافعي ذكر في كتاب الإجارات هذه المسألة ، وقال : إذا أعطاه ديناراً وقال : اشتر به شاةً ، فاشترى به شاتين ، ففيها قولان :

أحدهما : ينتقل ملك الشاتين معاً إلى الموكّل.

والثاني : ينتقل ملك إحداهما إلى الموكّل ، وملك الأُخرى إلى الوكيل ، ويكون الموكّل فيها بالخيار إن شاء أقرّها على ملك وكيله ، وإن شاء انتزعها(٤) .

قال القاضي أبو الطيّب من أصحابه : لا وجه لهذا القول ، إلّا أن يكون‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٢ ، البيان ٦ : ٣٩٥ - ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٤) الأُم ٤ : ٣٢.

١٠٩

على قولٍ محكيٍّ عن الشافعي في المبيع الموقوف(١) .

وذكر أبو حامد أنّه إذا اشترى ذلك في الذمّة ، وقع للموكّل في أحد القولين و [ تقع ](٢) إحداهما للوكيل في القول الآخَر ، وللموكّل أخذها(٣) منه.

قال أبو العباس بن سريج : إنّ ذلك جارٍ مجرى الأخذ بالشفعة ؛ لتعلّقه بملكه ، ومشاركته له في العقد(٤) .

فأمّا إذا اشتراهما بعين مال الموكّل ، ففي أحد القولين يقع الكلّ للموكّل. وعلى القول الآخَر لا يصحّ العقد في الشاتين(٥) ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقع الملك للوكيل والثمن عين ملك الموكّل(٦) .

والأوّل عندهم أشبه ؛ لأنّ المسألة إذا دفع إليه ديناراً وقال : اشتر به شاة.

والقول الصحيح عند الشافعيّة أنّ الشاتين تقعان للموكّل(٧) . وهو مذهبنا أيضاً نصّ عليه الشيخ في الخلاف(٨) .

وقال أبو حنيفة : تقع للموكّل إحدى الشاتين بنصف دينار ، وتقع الأُخرى للوكيل ، ويرجع الموكّل عليه بنصف دينار ؛ لأنّ الموكّل لم يرض إلّا بأن تلزمه عهدة شاة واحدة ، فلا تلزمه شاتان(٩) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « وقع ». والأنسب ما أثبتناه. وفي المصدر بدلها : « يقع ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أخذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٤.

(٥) في المصدر : بطلان العقد في إحدى الشاتين.

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٩٨ ، البيان ٦ : ٣٩٧.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ١٠٨ ، الهامش (١)

(٨) الخلاف ٣ : ٣٥٣ ، المسألة ٢٢ من كتاب الوكالة.

(٩) بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٣ ، المغني ٥ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير =

١١٠

واحتجّ الشيخ رحمه‌الله بحديث عروة البارقي ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى عروة ابن الجعد البارقي ديناراً وقال له : « اشتر لنا به شاة » قال : فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعت منه شاةً بدينار ، وأتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدينار وبالشاة ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وصنعت كيف؟ » فحدّثته ، فقال : « اللهمّ بارك له في صفقة يمينه »(١) .

ولأنّه فَعَل المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضرّ ، فوقع ذلك كلّه له ، كما لو قال : بِعْه بدينار ، فباعه بدينارين.

وما ذكره أبو حنيفة يبطل بالبيع.

مسألة ٧٢٣ : قد بيّنّا أنّه يصحّ شراء الشاتين للموكّل ؛ استدلالاً بحديث عروة البارقي ، فإذا باع الوكيل إحدى الشاتين من غير إذن الموكّل ، فالوجه عندي : إنّ بيعه يقع موقوفاً على إجازة الموكّل إن أجازه نفذ ، وإلّا بطل.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع - كما قلناه - لأنّه لم يأذن له في البيع ، فأشبه ما إذا اشترى شاةً بدينارٍ ثمّ باعها بدينارين. ولأنّه باع مال موكّله بغير أمره فلم يجز ، كما لو باع الشاتين معاً.

والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّه إذا جاء بالشاة ، فقد حصل مقصود الموكّل ، فلا فرق فيما زاد بين أن يكون ذهباً أو غيره ، هذا إذا كانت الباقية تساوي ديناراً(٢) .

____________________

= ٥ : ٢٣١ ، وانظر : المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٦٥ ، والهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤١ ، وبدائع الصنائع ٦ : ٣٠ ، والاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٩ - ٢٦٠.

(١) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥)

(٢) البيان ٦ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

١١١

وبالصحّة قال أحمد ؛ لحديث(١) عروة البارقي(٢) .

وعندنا أنّ بيع الفضولي يقع موقوفاً ، ولا يلزم من إجازة بيع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله له ملكه لذلك ، فجاز أن يجيز عقد الفضولي. وأيضاً جاز أن يكون عروة وكيلاً عامّاً في البيع والشراء.

وعند الشافعي يُخرَّج على هذا ما إذا اشترى [ الشاة بدينار وباعها ](٣) بدينارين ، ويقال : هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي ، فعلى الجديد يلغو ، وعلى القديم ينعقد موقوفاً على إجازة الموكّل(٤) .

لكن فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من تقرير البارقي على الشراء والبيع يعطي صحّة وقوع العقد ، ولا يكون باطلاً في أصله.

واحتجّ أبو حنيفة(٥) للشافعي على أحد قوليه - من وقوع إحدى الشاتين للوكيل - بأنّ الشاتين لو وقعتا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما باع إحداهما قبل مراجعته ؛ إذ الإنسان لا يبيع مال الغير ، كيف! وقد سلّم وتصرّف الفضولي ، فإن حكم بانعقاده ، فلا كلام في أنّه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك وإجازته ، فلمّا باع إحداهما دلّ على أنّها دخلت في ملكه(٦) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ عروة لـمّا عرف أنّ الاحتياج إلى الشاة للأُضحية لا إلى أزيد ، حصّل المطلوب وباع فضوليّاً وسلّم المبيع وقبض‌

____________________

(١) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة : « لرواية » بدل « لحديث ».

(٢) المغني ٥ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشاتين بدينار وباعهما ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٩.

(٥) كذا قوله : « أبو حنيفة ». والظاهر أنّها إمّا تصحيف كنيةٍ أُخرى ، أو زائدة.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢.

١١٢

الثمن كذلك ، ويكون موقوفاً على الإجازة ، فلمّا رضي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبيع وما فَعَله البارقي ، لزم.

ولو سلّمنا أنّ إحداهما دخلت في ملكه ، لكنّها لا تتعيّن ما لم يختر الموكّل واحدةً منهما ، أو يجري بينهما اصطلاح في ذلك ، وإذا لم تكن التي ملكها متعيّنةً ، فكيف يبيع واحدةً على التعيين!؟.

والقائلون بالصحّة احتجّ مَنْ ذهب منهم إلى صحّة بيع إحدى الشاتين : بالحديث ، ومَنْ مَنَع حَمَل القضيّة(١) على أنّ عروة كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيع أمواله ، فيبيع إذا رأى المصلحة فيه(٢) .

لكن في هذا التأويل بحث ؛ لأنّه إن كان قد وكّله في بيع أمواله ، لم يدخل فيه ما يملكه من بَعْدُ.

وإن قيل : وكّله في بيع أمواله وما سيملكه ، وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه ، إلّا أن يقال : ذلك الخلاف فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه بالتوكيل ، أمّا إذا جَعَله تابعاً لأمواله الموجودة في الحال ، فيجوز ، وهذا كما أنّه لو قال : وَقَفْتُ على مَنْ سيولد من أولادي ، لا يجوز. ولو قال : على أولادي ومَنْ سيولد ، جاز.

ولو قال له : بِعْ عبدي بمائة درهم ، فباعه بمائة وعبد أو ثوب يساوي مائة درهم ، قال ابن سريج : إنّه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين ، وأولى بالمنع ؛ لأنّه عدل عن الجنس الذي أمره بالبيع به ، إن منع منه فليمنع في القدر الذي يقابل غير الجنس - وهو النصف - أو في‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « القصّة » بدل « القضيّة ».

(٢) البيان ٦ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٢.

١١٣

الجميع ؛ كي لا تتفر ّق الصفقة؟ فيه قولان(١) .

إن قلنا : في ذلك القدر خاصّةً ، قال بعضهم : إنّه لا خيار للبائع ؛ لأنّه إذا رضي ببيع الجميع بالمائة كان راضياً ببيع النصف بها ، وأمّا المشتري إن لم يعلم كونه وكيلاً بالبيع بالدراهم فله الخيار. وإن علم فوجهان ؛ لشروعه في العقد مع العلم بأنّ بعض المعقود لا يسلم له(٢) .

مسألة ٧٢٤ : لو دفع إليه ألفاً وقال : اشتر بها بعينها شيئاً ، فاشترى شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه في ثمنه ، لم يلزمه‌(٣) ، وكان الوكيل فضوليّاً ، إن رضي المالك بالبيع جاز ، وإلّا فلا - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه أمره بعقدٍ ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، والوكيل أتى بعقدٍ لا ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، ويلزم أن يؤدّي ألفاً أُخرى ، وقد لا يريد لزوم ألفٍ أُخرى.

ولو قال : اشتر في الذمّة وسلِّم هذا في ثمنه ، فاشترى بعينه ، لم يلزم أيضاً ، وكان الوكيل فضوليّاً ؛ لأنّه ربما يريد حصول ذلك المبيع له ، سواء سلّم ما سلّمه إليه أو تلف ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

وفي الثاني : أنّه يلزم الوكيل ؛ لأنّه زاد خيراً حيث عقد على وجهٍ لو تلف ما سلّمه إليه لم يلزمه شي‌ء آخَر(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٣) فيما عدا « ث » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٠ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٠ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١١٤

ولو سلّم إليه ألفاً وقال : اشتر كذا بألف ، ولم يقل : بعينه ، ولا قال : في الذمّة ، بل قال : اصرف هذا في الثمن ، فالأقرب : إنّ الوكيل يتخيّر بين أن يشتري بعينها أو في الذمّة ؛ لأنّه على التقديرين يكون آتياً بالمأمور به ، ويجوز أن يكون غرضه من تسليمه إليه مجرّد انصرافه إلى ثمن ذلك الشي‌ء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يشتري بالعين ، فإن اشترى في الذمّة لم يصح ، ويكون بمنزلة ما لو قال : اشتر بعينه ؛ لأنّ قرينة التسليم تشعر به(١) .

وهو ممنوع.

مسألة ٧٢٥ : إذا وكّله في بيع عينٍ أو شرائها ، لم يملك العقد على بعضه‌ ؛ لأنّ التوكيل إنّما وقع بالجميع ، وهو مغاير للأجزاء. ولأنّ في التبعيض إضراراً بالموكّل ، ولم يأذن له فيه ، فإن فَعَله(٢) كان فضوليّاً.

أمّا لو أذن له في بيع عبيدٍ أو شرائهم ، مَلَك العقد جملةً وفرادى ؛ لأنّ الإذن تناول العقد عليهم جملةً ، والعرف في بيعه وشرائه العقد على واحدٍ واحدٍ ، ولا ضرر في جمعهم ولا إفرادهم. ولو كان أحدهما أنفع ، وجب المصير إليه ؛ لأنّ الوكيل منصوب للمصلحة.

ولو نصّ على الجمع ، فقال : اشتر لي عبيداً صفقةً واحدة ، أو : بِعْهم كذلك ، أو على التفريق ، فقال : اشتر لي عبيداً واحداً واحداً ، أو : بِعْهم كذلك ، وجب الامتثال ، فإن خالف كان فضوليّاً ؛ لأنّ تنصيصه على أحدهما‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٧ ، الوسيط ٣ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ - ١٣٥ ، البيان ٦ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ث ، ج » : « فَعَل ».

١١٥

بعينه يدلّ على ثبوت غرضٍ له فيه ، فلا تجوز مخالفته ، ولم يتناول إذنه سوى ما عيّنه.

وإن قال : اشتر لي عبدين صفقةً ، فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما وأجاز الآخَر ، جاز.

وإن كان لكلّ واحدٍ منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين [ بأن ](١) أوجبا له البيع فيهما وقَبِل ذلك منهما بلفظٍ واحد ، صحّ.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّ عقد الواحد مع الاثنين عقدان(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ القبول من المشتري ، وهو متّحد ، والغرض لا يختلف.

ولو اشتراهما من وكيلهما وعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما ، مثل أن يقول : بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بمائتين ، فقال : قبلت ، صحّ.

ولبعض العامّة وجهان(٣) .

ولو لم يعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما ، صحّ عندنا - خلافاً لبعض العامّة(٤) - ويقسّط الثمن على قدر القيمتين.

مسألة ٧٢٦ : إذا أمره بشراء سلعةٍ ، لم يكن له أن يشتري غيرها ، فلو أمره بشراء جاريةٍ معيّنة أو عبدٍ معيّن ، فاشترى غير ما عيّن له ، فإن كان قد سمّاه أو نواه وصدّقه البائع وقف العقد على الإجازة ، وكان الوكيل فضوليّاً ؛ لأنّه اشترى له شيئاً لم يأذن له فيه ، فلا يلزمه ، ولا يقع عن الوكيل ، سواء‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٢ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٠.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٠.

١١٦

اشتراه بعين مال الم وكّل أو في ذمّته.

وإن أطلق العقد ولم يضفه إلى الموكّل ولا نواه ، فإن اشترى بالعين ، احتمل الوقوف على الإجازة ، فإن أجازه(١) المالك صحّ ، وإلّا بطل ؛ لحديث(٢) عروة البارقي ، فإنّه باع مال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشراء بالعين كبيع مال الغير ، وأقرّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له. ولأنّه تصرّفٌ له مجيزٌ ، فصحّ ، ووقف على الإجازة كالوصيّة بالزائد على الثلث ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

وفي الأُخرى : يبطل - وبه قال الشافعي - لأنّه عقد على مال مَنْ لم يأذن له في العقد ، فلم يصح ، كما لو باع مال الصبي ثمّ بلغ فأجاز ، وقد نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده ، فقال : « لا تبع ما ليس عندك »(٣) يعني ما لا تملك(٤) .

وإن اشترى في الذمّة ثمّ نقد ثمنه ، وقع البيع للوكيل ؛ لأنّه تصرّفٌ صدر من بالغٍ عاقلٍ غير محجورٍ عليه ، فصحّ ، ووقع للوكيل حيث لم ينو الموكّلَ ولا سمّاه ولا اشترى ما أذن له فيه.

وقال بعض الشافعيّة : إذا اشترى بمالٍ في ذمّته للموكّل ، فالشراء صحيح ؛ لأنّه إنّما اشترى بثمنٍ في ذمّته ، وليس ذلك ملكاً لغيره ، ويقع البيع للوكيل(٥) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « أجاز ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥)

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٧ / ٢١٨٧ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٣ / ٣٥٠٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٤ / ١٢٣٢ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ و ٣١٧ و ٣٣٩ ، مسند أحمد ٤ : ٤٠٣ / ١٤٨٨٧ و ١٤٨٨٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٢٩ / ٥٤٠ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٣٨ / ١٤٢١٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٣ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٣٠٩٧ - ٣٠٩٩ ، و ٣١٠٢ و ٣١٠٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨.

(٥) المغني ٥ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

١١٧

وقال بعضهم : لا يصحّ للموكّل ولا للوكيل ؛ لأنّه عقده على أنّه للموكّل ، فلم يقع عن الوكيل ، والموكّل لم يأذن له فيه ، فلم يقع عنه(١) .

وعن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّ الشراء للوكيل ؛ لأنّه اشترى في ذمّته بغير إذنه ، فكان الشراء له ، كما لو لم ينو غيره.

والثانية : إنّه يقف على إجازة الموكّل - كما قلناه نحن - فإن أجازه ، صحّ ؛ لأنّه اشترى له وقد أجازه فلزمه ، كما لو اشترى بإذنه. وإن لم يُجزه ، قال : يلزم الوكيل ؛ لأنّه لا يجوز أن يلزم الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن في شرائه ، ولزم الوكيل ؛ لأنّ الشراء صدر منه ، ولم يثبت لغيره ، فيثبت في حقّه ، كما لو اشتراه لنفسه(٢) .

وليس بحقٍّ ؛ لأنّه اشترى لغيره ، فإذا لم يرض الغير ، بطل العقد.

وهذا الحكم في كلّ مَن اشترى شيئاً في ذمّته لغيره بغير إذنه ، سواء كان وكيلاً للّذي قصد الشراء له ، أو لم يكن وكيلاً.

مسألة ٧٢٧ : إذا قال له : بِعْ هذا العبد ، فباع عبداً آخَر ، فهو فضوليّ في بيع الآخَر ؛ لأنّه غير مأذونٍ له فيه ، فكان كالأجنبيّ بالنسبة إليه ، فإن أمضى المالك البيعَ ، صحّ ، وإلّا بطل ؛ لأنّ المالك لم يرض بإزالة ملكه عنه.

وقال الشافعي في أحد القولين : إنّه باطل(٣) .

وأمّا الشراء : فإن وقع بعين مال الموكّل ، فهو كالبيع. وإن كان في الذمّة ، فإن لم يسمّ الموكّلَ ولا نواه ، فهو واقع عن الوكيل ؛ لجريان‌ الخطاب معه ، وإنّما ينصرف إلى الموكّل بشرط أن ينويه أو يوافق إذنه.

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٨ - ٢٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١١٨

وقال الشافعي : إذا نواه ، لم يعتبر بالنيّة ، ووقع الشراء للوكيل ، لأنّه لم يوافق أمره ، فلغت النيّة(١) .

وليس بجيّد.

قال : ولو سمّاه ، فوجهان :

أحدهما : إنّه يبطل العقد رأساً ؛ لأنّه صرّح بإضافته إلى الموكّل ، وامتنع إيقاعه عنه ، فيلغو(٢) . وهو الذي اخترناه.

والأظهر عندهم : إنّه يقع عن الوكيل ، وتلغو تسمية الموكّل ؛ لأنّ تسمية الموكّل غير معتبرة في الشراء(٣) ، فإذا سمّاه ولم يمكن صرف العقد إليه ، صار كأنّه لم يسمّه(٤) .

ونحن نمنع وقوعه عن الوكيل ؛ لأنّه لم يشتر لنفسه.

هذا كلّه فيما إذا قال البائع : بعت منك ، فقال المشتري : اشتريته لفلان ، يعني موكّله ، فأمّا إذا قال البائع : بعت من فلان ، وقال المشتري : اشتريته لفلان ، فظاهر مذهب الشافعيّة بطلان العقد ؛ لأنّه لم تجر بينهما مخاطبة ، ويخالف النكاح حيث يصحّ من الزوج ووكيل الزوج على هذه الصفة ، بل لا يجوز إلاّ ذلك ، وللبيع أحكام تتعلّق بمجلس العقد ، كالخيار وغيره ، وتلك الأحكام إنّما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين ، فاعتبر جريان المخاطبة بينهما ، والنكاح سفارة محضة(٥) .

ونحن لا فرق عندنا بين أن يوجب ويخاطب الوكيل أو يوجب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشرع » بدل « الشراء ». والمثبت كما في المصدر.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤.

١١٩

للموكّل في البطلان.

مسألة ٧٢٨ : وكيل المتّهب بالقبول يجب أن يسمّي موكّله‌ ، وإلّا وقع عنه ؛ لجريان الخطاب معه ، ولا ينصرف بالنيّة إلى الموكّل ؛ لأنّ الواهب قد يقصده بالتبرّع بعينه ، وما كلّ أحد تسمح النفس بالتبرّع عليه ، بخلاف المشتري ، فإنّ المقصود فيه حصول العوض ، هكذا قاله بعض الشافعيّة(١) ، ولا استبعاد في هذا القول.

البحث الخامس : في التوكيل بالخصومة

مسألة ٧٢٩ : الوكيل بالخصومة إمّا أن يتوكّل عن المدّعي أو عن المدّعى عليه.

فإن كان وكيلاً عن المدّعي ، مَلَك الدعوى وإقامة البيّنة وتعديلها والتحليف وطلب الحكم على الغريم والقضاء عليه. وبالجملة ، كلّ ما يقع وسيلةً إلى الإثبات.

وأمّا الوكيل عن المدّعى عليه فيملك الإنكار والطعن في(٢) الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها وتبيينها والحكم بها. وبالجملة ، عليه السعي في الدفع ما أمكن.

ولو ادّعى المنكر في أثناء حكومة وكيله الإقباضَ أو الإبراءَ ، انقلب مدّعياً ، ومَلَك وكيله الدعوى بذلك وإقامة البيّنة(٣) وطلب الحكم بها من الحاكم ، ومَلَك وكيل المدّعي الإنكار لذلك والطعن في بيّنة المشهود عليه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « على » بدل « في ».

(٣) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة زيادة : « عليه ».

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501