نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار9%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 430

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • اهداء:٥

  • كلمة المؤلف٧

  • آية الولاية٩

  • الفصل الأوّل في رواة خبر نزولها في علي وأسانيده من رواة الخبر من الصحابة والتابعين١٢

  • أشهر مشاهير رواة الخبر من العلماء١٣

  • من نصوص الخبر في الكتب المعتبرة١٨

  • من أسانيده المعتبرة٣٩

  • ١ - رواية ابن أبي حاتم٣٩

  • ٢ - رواية ابن أبي حاتم أيضاً٤٠

  • ٣ - رواية ابن جرير الطبري ٤ - رواية ابن مردويه٤١

  • ٥ - رواية الحاكم النيسابوري٤٢

  • ٦ - رواية ابن عساكر٤٤

  • فوائد مهمة الاولى: استنباط الحكم الشرعي من القضيّة٤٥

  • الثانية: رأي الإمام الباقر في نزول الآية٤٦

  • الثالثة: الخبر في شعر حسّان وغيره الرابعة: قول النبي في الواقعة: من كنت مولاه فعلي مولاه٤٧

  • الخامسة: دعاء النبيّ بعد القضيّة السادسة: إنّ الخاتم كان عقيقاً يمانيّاً أحمر٤٨

  • الفصل الثاني في دلالة الآية على الإمامة٤٩

  • الفصل الثالث في دفع شبهات المخالفين٥٣

  • النظر في هذه الكلمات ودفع الشبهات ١ - لا إجماع على نزول الآية في علي وتصدّقه اعتراف القاضي العضد٥٩

  • اعتراف الشريف الجرجاني٦٠

  • اعتراف التفتازاني اعتراف القوشجي٦١

  • ٢ - إنّ القول بنزولها في حق علي للثعلبي فقط وهو متفرّد به٦٣

  • ٣ - المراد من الولاية فيها هو النصرة بقرينة السّياق٦٥

  • ٤ - مجي الآية بصيغة الجمع، وحملها على الواحد مجاز٦٦

  • ٥ - الولاية بمعنى الأولويّة بالتصرّف غير مرادة في زمان الخطاب٦٧

  • ٦ - إنّ التصدّق في أثناء الصّلاة ينافي الصلاة٦٨

  • آية التطهير٧١

  • الفصل الأوّل في تعيين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولاً وفعلاً المراد من « أهل البيت » من الصحابة الرواة لحديث الكساء٧٦

  • من الأئمّة الرواة لحديث الكساء٧٧

  • من ألفاظ الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها٧٨

  • ممّن نصَّ على صحّة الحديث٨٥

  • ما دلّت عليه الأحاديث٨٦

  • الفصل الثاني في سقوط القولَين الآخَرَين٨٨

  • ترجمة عكرمة ١ - طعنه في الدين ٢ - كان من دعاة الخوارج٨٩

  • ٣ - كان كذّاباً ٤ - ترك الناس جنازته٩٠

  • ترجمة مقاتل ترجمة الضحّاك٩١

  • الفصل الثالث في دلالة الآية المباركة على عصمة أهل البيت٩٢

  • الفصل الرابع في تناقضات علماء القوم تجاه معنى الآية فمن الطائفة الاُولى٩٤

  • ومن الطائفة الثانية ومن الطائفة الثالثة٩٨

  • اعتراف ابن تيميّة بصحّة الحديث٩٩

  • سقوط كلمات ابن تيميّة١٠٢

  • تناقض ابن تيميّة١٠٦

  • كلام الدهلوي صاحب التحفة١١٠

  • آية المودّة١١٣

  • الفصل الأول في تعيين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المراد من « القربى »١١٦

  • ذكر من رواه من الصحابة والتابعين١١٧

  • ومن رواته من أئمّة الحديث والتفسير١١٨

  • نصوص الحديث في الكتب المعتبرة١٢١

  • الفصل الثاني في تصحيح أسانيد هذه الأخبار١٣٨

  • ١ - ترجمة يزيد بن أبي زياد١٤٢

  • ٢ - ترجمة حسين الأشقر١٤٧

  • ٣ - ترجمة قيس بن الربيع١٥٠

  • ٤ - ترجمة حرب بن حسن الطحّان١٥٢

  • تتمّة١٥٣

  • الفصل الثالث في دفع شبهات المخالفين١٥٥

  • ١ - سورة الشورى مكّيّة والحسنان غير موجودين١٥٩

  • ٢ - الرسول لا يسأل أجراً١٦٢

  • ٣ - لما ذا لم يقل: إلّا المودّة للقربى؟١٦٤

  • ٤ - المعارضة١٦٦

  • الفصل الرابع الأخبار والأقوال أدلّة وشواهد أُخرى للقول بنزول الآية في أهل البيت١٦٧

  • الردّ على الأقوال الأُخرى١٧٣

  • الجهة الأُولى: جهة السند١٧٤

  • والجهة الثانية: في فقه الحديث١٧٧

  • تنبيهان١٧٨

  • دلالة الآية سواء كان الإستثناء متّصلاً أو منقطعاً١٨٢

  • الفصل الخامس دلالة الآية على الإمامة والولاية ١ - القرابة النسبية والإمامة١٨٦

  • ٢ - وجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة١٩٦

  • ٣ - وجوب المحبّة المطلقة يستلزم الأفضليّة١٩٧

  • ٤ - وجوب المحبّة المطلقة يستلزم العصمة٢٠١

  • دحض الشبهات المثارة على دلالة الآية على الإمامة٢٠٣

  • آية المباهلة٢١٥

  • الفصل الأوّل في نزول الآية في أهل البيت عليهم‌السلام ذكر من رواه من الصحابة والتابعين٢١٨

  • ومن رواته من كبار الأئمّة في الحديث والتفسير٢٢٠

  • من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة٢٢٣

  • تنبيه٢٢٧

  • كلمات حول السند٢٤٠

  • الفصل الثاني محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة ١ - الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر٢٤١

  • ٢ - الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة٢٤٢

  • ٣ - الإخفاء والتعتيم على اسم عليّ!!٢٤٧

  • ٤ - التحريف بحذف اسم عليٍّ وزيادة « وناس من أصحابه »٢٤٨

  • ٥ - التحريف بزيادة « عائشة وحفصة »٢٤٩

  • ٦ - التحريف بحذف « فاطمة » وزيادة: « أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده»٢٥٠

  • ١ - سعيد بن عنبسة الرازي ٢ - الهيثم بن عدي٢٥٢

  • الفصل الثالث في دلالة آية المباهلة على الإمامة٢٥٥

  • * استدلال الإمام الرضا عليه‌السلام٢٥٧

  • الفصل الرابع في دفع شبهات المخالفين * أمّا إمام المعتزلة، فقد قال:٢٦٨

  • * وقال ابن تيميّة(١) :٢٧٠

  • * وقال القاضي الإيجي وشارحه الجرجاني:٢٨١

  • * وقال ابن روزبهان:٢٨٢

  • * وقال عبدالعزيز الدهلوي ما تعريبه:٢٨٤

  • * والآلوسي:٢٨٩

  • * وقال الشيخ محمّد عبده:٢٩٠

  • تكميل٢٩١

  • قوله تعالى « إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ »٢٩٧

  • الفصل الأوّل نصوص الحديث ورواته في كتب السُنّة رواته من الصحابة٣٠٠

  • من رواته من الأئمّة والحفّاظ٣٠١

  • من ألفاظ الحديث في أشهر الكتب٣٠٤

  • الفصل الثاني في بيان صحّة الحديث٣١٤

  • من أسانيده الصحيحة٣١٥

  • الفصل الثالث في دفع شبهات المخالفين * ابن الجوزي * الذهبي٣٢٠

  • * ابن كثير * أبو حيّان٣٢١

  • * ابن روزبهان * ابن تيميّة٣٢٢

  • * الدهلوي٣٢٥

  • * الآلوسي٣٢٦

  • أقول: ١ - كلماتهم في ما يتعلّق بالسند٣٢٨

  • تنبيهات٣٣٣

  • ٢ - مناقشاتهم في الدلالة * أمّا أبو حيّان فقال:٣٣٦

  • * وأمّا ابن روزبهان فقال: * وأمّا الدهلوي فقال:٣٣٧

  • * وأمّا الآلوسي فقال:٣٣٨

  • * وأمّا ابن تيميّة:٣٤٠

  • معنى الآية المباركة٣٤١

  • المؤكّدات في ألفاظ الحديث٣٤٥

  • أحاديث أُخرى عليٌّ راية الهدى٣٤٦

  • عليٌّ العَلَم٣٤٨

  • يأخذ بكم الطريق المستقيم٣٥٠

  • طاعته طاعة رسول الله من فارقه فارق رسول الله٣٥١

  • عليٌّ منه بمنزلته من ربّه باب حطّة٣٥٢

  • نتيجة البحث٣٥٣

  • الفصل الرابع في الجواب عن المعارضة ١ - حديثُ الإقتداء بالشيخين٣٥٥

  • التحقيق في أسانيده٣٥٦

  • كلمات الأئمّة في بطلانه٣٥٩

  • ٢ - حديث الإقتداء بالصحابة التحقيق في أسانيده٣٦٢

  • كلمات الأئمّة في بطلانه٣٦٥

  • ٣ - لا أُوتينَّ بأحد يفضّلني على أبي بكر وعمر إلاَّ جلدته حدّ المفتري٣٦٦

  • التحقيق في سنده ومدلوله٣٦٧

  • قوله تعالى « وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ »(١) ٣٦٩

  • الفصل الأوّل نصوص الحديث ورواته في كتب السُنّة٣٧٢

  • من أسانيد الخبر ١ - رواية الحبري ٢ - رواية أبي نعيم الأصبهاني٣٧٣

  • ٣ - رواية الحاكم الحسكاني٣٧٤

  • الفصل الثاني في الشواهد * حديث السؤال عن الكتاب والعترة٣٧٩

  • * حديث السؤال عن أربع٣٨٠

  • * حديث: لا يجوز الصراط إلّا من معه كتابُ ولاية عليٍ٣٨٢

  • الشاهد لحديث الجواز٣٨٦

  • الحديث كما رواه جماعة من أكابر المحدّثين الحفّاظ٣٩١

  • الفصل الثالث في دفع شبهات المخالفين * ابن تيميّة٤٠٠

  • * ابن روزبهان * الآلوسي٤٠٢

  • * الدهلوي٤٠٣

  • قوله تعالى « والسابقون السابقون اولئك المقرّبون »(١) ٤٠٧

  • الفصل الأوّل في رواة خبر تفسير الآية وأسانيده٤١٠

  • من أسانيده في الكتب المعتبرة٤١١

  • من أسانيده المعتبرة٤١٣

  • الفصل الثاني في دفع شبهات المخالفين٤١٦

  • الفهرس٤٢٣

  • البداية
  • السابق
  • 430 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • المشاهدات: 134345 / تحميل: 4086
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الفصل الثاني

محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة

ولمـّا كانت قضيّة المباهلة، ونزول الآية المباركة في أهل البيت دون غيرهم، من أسمى مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام الدالّة على إمامته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد حاول بعض المتكلّمين من مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك، كما سنرى بالتفصيل.

لكنْ هناك محاولات بالنسبة إلى أصل الخبر ومتنه، الأمر الذي يدلّ على إذعان القوم بدلالة الحديث على مذهب الإماميّة، وبخوعهم بعدم الجدوى فيما يحاولونه من المناقشة فيها

وتلك المحاولات هي:

١ - الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر

فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله!! مع ما فيه من الأدلّة على النبوّة وظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان أذكر منهم ابن هشام(١) وتبعه ابن سيّد الناس(٢) ، والذهبي(٣) وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود، وهي ملخّص عبارة الأوّل:

« ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد في شهر ربيع

____________________

(١). السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٥٩٢.

(٢). عيون الأثر في المغازي والسير ٢ / ٢٤٤.

(٣). تاريخ الإسلام - المغازي -: ٦٩٥.

٢٤١

الآخر أو جُمادى الأُولى سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أنْ يدعوهم إلى الإسلام قبل أنْ يقاتلهم، ثلاثاً، فإنّ استجابوا فاقبل منهم وإنْ لم يفعلوا فقاتلهم.

فخرج خالد حتّى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كلّ وجه ويدعون إلى الإسلام، ويقولون: أيّها الناس أسلموا تسلموا، فأسلم الناس ودخلوا في ما دُعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلّمهم الإسلام، وكتب إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك.

فكتب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُقْبِل ويُقْبِل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه وفدهم، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة وأمّر عليهم قيس بن الحصين.

فرجعوا إلى قومهم في بقيّة من شوّال أو في ذي القعدة، فلم يمكثوا إلّا أربعة أشهر، حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ».

٢ - الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة

وهذا ما حاوله آخرون، منهم:

*البخاري - تحت عنوان: قصة أهل نجران، من كتاب المغازي -:

« حدّثني عبّاس بن الحسين، حدّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: جاء العاقب والسيّد - صاحبا نجران - إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يريدان أنْ يلاعناه. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيّاً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنّا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أمينا ولا تبعث معنا إلّا أميناً، فقال: لأبعثنّ معكم رجلاً أميناً حقّ أمين.

٢٤٢

فاستشرف له أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: قُم يا أبا عبيدة بن الجرّاح، فلمـّا قام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا أمين هذه الأُمّة.

حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفةرضي‌الله‌عنه قال: جاء أهل نجران إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ابعث لنا رجلاً أميناً. فقال: لأبعثنّ إليكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ، فاستشرف له الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجرّاح »(١) .

أقول:

قد تقدّم حديث حذيفة بن اليمان، رواه القاضي الحسكاني بنفس السند لكنّ البخاري لم يذكر سبب الملاعنة! ولا نزول الآية المباركة! ولا خروج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام !

ولا يخفى التحريف في روايته، وعبارته مشوّشة جدّاً، يقول: « جاء يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل » فقد جاءا « يريدان أن يلاعناه » فلا بُدّ وأن حَدَثَ شيء؟ « فقال أحدهما لصاحبه » فما الذي حَدَث؟!!

لقد أشار الحافظ ابن حجر في شرحه إلى نزول الآية وخروج النبيّ للملاعنة بأهل البيتعليهم‌السلام ، لكنّها إشارة مقتضبة جدّاً!!

ثمّ قال: « قالا: إنّا نعطيك ما سألتنا » والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسأل شيئاً، وإنّما دعاهما إلى الإسلام وما جاء به القرآن، فأبَيا، فآذنهم

____________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ٢١٧. ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٢٤٣

بالحرب، فطلبا منه الصلح وإعطاء الجزية، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب عليعليه‌السلام .

ثمّ إنّ البخاري - بعد أن حذف حديث المباهلة إخفاءً لفضل أهل الكساء - وضع فضيلة لأبي عبيدة، بأنهما قالا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ابعث معنا رجلاً أميناً » فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح...

لكنْ في غير واحدٍ من الكتب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل إليهم عليّاًعليه‌السلام ، وهذا ما نبّه عليه الحافظ وحاول رفع التعارض، فقال: « وقد ذكر ابن إسحاق أنّ النبيّ بعث عليّاً إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، وهذه القصّة غير قصّة أبي عبيدة، لأنّ أبا عبيدة توجّه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعليٌّ أرسله النبيّ بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. والله أعلم »(١) .

قلت:

ولم أجد في روايات القصّة إلّا أنّهما « أقرّا بالجزية » التزما بدفع ما تضمّنه الكتاب الذي كتبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم، ومن ذلك: ألفا حُلّة « في كلّ رجبٍ ألف، وفي كلّ صفرٍ ألف » وهذه هي الجزية، وعليها جرى أبو بكر وعمر، حتّى جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك! وكان ممّا كتب: « إنّي قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حُلّة لوجه الله! »(٢) .

ثمّ إنّ رجوعهما إلى قومهما كان في بقيّة من شوّال أو ذي القعدة(٣) فأين

____________________

(١). فتح الباري - شرح صحيح البخاري - ٨ / ٧٧.

(٢). فتوح البلدان: ٧٧.

(٣). عيون الأثر ٢ / ٢٤٤، وغيره.

٢٤٤

رجب؟! وأين صفر؟!

فما ذكره الحافظ رفعاً للتعارض ساقط.

ولعلّه من هنا لم تأتِ هذه الجملة في رواية مسلم، فقد روى الخبر عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: « جاء أهل نجران إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! ابعث إلينا رجلاً أميناً، فقال: لأبعثنّ إليكم رجلاً أميناً »(١) .

ثمّ إنّه قد تعدّدت أحاديث القوم في « أمانة أبي عبيدة » حتّى أنّهم رووا بلفظ « أمين هذه الأُمّة أبو عبيدة »، وقد تكلّمنا على هذه الأحاديث من الناحيتين - السند والدلالة - في موضعه من كتابنا بالتفصيل(٢) .

*ابن سعد، فإنّه ذكر تحت عنوان « وفد نجران »: « كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران، فخرج إليه وفدهم، أربعة عشر رجلاً من أشرافهم نصارى، فيهم العاقب وهو عبدالمسيح ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا، وكثر الكلام والحجاج بينهم، وتلا عليهم القرآن، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنْ أنكّرتم ما أقول لكم فهلُمّ أُباهلكم، فانصرفوا على ذلك.

فغدا عبدالمسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: قد بدا لنا أنْ لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم على

وأشهد على ذلك شهوداً، منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، والمغيرة بن شعبة.

فرجعوا إلى بلادهم، فلم يلبث السيّد والعاقب إلّا يسيراً حتّى رجعا إلى

____________________

(١). صحيح مسلم ٧ / ١٣٩.

(٢). راجع: الجزء الحادي عشر، من الصفحة: ٣١٥ إلى الصفحة ٣٣٨ من كتابنا.

٢٤٥

النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيّوب الأنصاري.

وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى قبضه الله »(١) .

*وقال الطبري - في ذكر الوفود في السنة العاشرة -: « وفيها قدم وفد العاقب والسيّد من نجران، فكتب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب الصلح »(٢) .

ثمّ قال في خروج الأُمراء والعمّال على الصدقات: « وبعث عليّ بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم »(٣) .

*وقال ابن الجوزي: « وفي سنة عشر من الهجرة أيضاً قدم العاقب والسيّد من نجران، وكتب لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب صلح »(٤) .

* وقال ابن خلدون: « وفيها قدم وفد نجران النصارى، في سبعين راكباً، يقدمهم أميرهم العاقب عبدالمسيح من كندة، وأُسقفهم أبو حارثة بن بكر بن وائل والسيّد الأيهم، وجادلوا عن دينهم، فنزل صدر سورة آل عمران، وآية المباهلة، فأبَوا منها، وفرقوا وسألوا الصلح، وكتب لهم به على ألف حُلّة في صفر وألف في رجب، وعلى دروع ورماح وخيل وحمل ثلاثين من كلّ صنف، وطلبوا أن يبعث معهم والياً يحكم بينهم، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح، ثمّ جاء العاقب والسيّد وأسلما »(٥) .

____________________

(١). الطبقات الكبرى ١ / ٣٥٧ - ٣٥٨.

(٢). تاريخ الطبري ٣ / ١٣٩.

(٣). تاريخ الطبري ٣ / ١٤٧.

(٤). المنتظم في تاريخ الأمم - حوادث السنة العاشرة ٤ / ٣.

(٥). تاريخ ابن خلدون ٤ / ٨٣٦ - ٨٣٧.

٢٤٦

٣ - الإخفاء والتعتيم على اسم عليّ!!

وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم عليّعليه‌السلام .

* فحذفوا اسمه من الحديث، كما في الرواية عن جدّ سلمة بن عبديشوع المتقدّمة.

* بل تصرّف بعضهم في حديث مسلم، وأسقط منه اسم « عليّ »، كما سيأتي عن ( البحر المحيط )!!

* والبلاذري عنون في كتابه « صلح نجران » وذكر القصة، فقال:

« فأنزل الله تعالى:( ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) - إلى قوله: -( الْكاذِبِينَ ) فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما، ثم دعاهما إلى المباهلة، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين، فقال أحدهما لصاحبه، اصعد الجبل ولا تباهله، فإنّك إنْ باهلته بؤت باللعنة. قال: فما ترى؟ قال: أرى أنْ نعطيه الخراج ولا نباهله »(١) .

* وابن القيّم اقتصر على رواية جدّ سلمة، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره، قال: « وروينا عن أبي عبدالله الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه، قال يونس - وكان نصرانيّاً فأسلم -: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران » فحكى القصّة إلى أن قال:

« فلمـّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملاً على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له وفاطمة

____________________

(١). فتوح البلدان: ٧٥ - ٧٦.

٢٤٧

رضي الله عنها تمشي عند ظهره، للمباهلة، وله يومئذٍ عدّة نسوة »(١) .

* وكذا فعل ابن كثير في تاريخه(٢) .

* واختلف النقل عن الشعبي على أشكال:

أحدها: روايته عن جابر بن عبد الله، وفيها نزول الآية في عليٍّ وفاطمة والحسنين.

والثاني: روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ!! رواه عنه جماعة، وعنهم السّيوطي، وقد تقدّم.

وجاء عند الطبري بعد الخبر عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، وليس فيه ذكر عليٍّ: « حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال: فقلت للمغيرة: إنّ الناس يروون في حديث أهل نجران أنّ عليّاً كان معهم!

فقال: أمّا الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أميّة في عليّ، أو لم يكنْ في الحديث»(٣) .

والثالث: روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ! وإضافة « وناس من أصحابه »!! وهو ما نذكره:

٤ - التحريف بحذف اسم عليٍّ وزيادة « وناس من أصحابه »

وهذا الخبر لم أجده إلّا عند ابن شبّة، عن الشعبي، حيث قال:

« حدّثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الفزاري، عن عطاء بن السائب، عن

____________________

(١). زاد المعاد في هدى خير العباد ٣ / ٣٩ - ٤٠.

(٢). البداية والنهاية ٥ / ٥٣.

(٣). تفسير الطبري ٣ / ٢١١.

٢٤٨

الشعبي، قال: قدم وفد نجران، فقالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أخبرنا عن عيسى قال: فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغداً حسن وحسين وفاطمة وناس من أصحابه، وغدوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ما للملاعنة جئناك، ولكن جئناك لتفرض علينا شيئاً نؤدّيه إليك »(١) .

فإذا كان المراد من « وغدا حسن » أنّهم خرجوا مع رسول الله ليباهل بهم، فقد أخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل بيته « ناساً من الصحابة »!!

وإذا كان قد خرج مع النبي « ناسٌ من أصحابه » فلماذا لم يجعل الراوي عليّاً منهم في الأقلّ!!

لكنّ الشعبي - إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة عنه - معروف بنزعته الاموية، ولعلّ في أحد الروايات التي نقلناها سابقاً عن تفسير الطبري إشارة إلى ذلك وقد كان الشعبي أمين آل مروان، وقاضي الكوفة في زمانهم، وكان نديماً لعبد الملك بن مروان، مقرّباً إليه، وكلّ ذلك وغيره مذكور بترجمته في الكتب، فلتراجع.

٥ - التحريف بزيادة « عائشة وحفصة »

وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي، قال: « وفي لفظٍ: أنّهم وادعوه على الغد، فلمـّا أصبح صلّى الله عليه وسلّم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعليّ رضي الله عنهم وقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي

وعن عمررضي‌الله‌عنه ، أنّه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لو لاعنتهم يا رسول الله بيد مَن كنت تأخذ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.

____________________

(١). تاريخ المدينة المنورة ١ / ٥٨١ - ٥٨٢.

٢٤٩

وهذا - أي زيادة عائشة وحفصة - دلّ عليه قوله تعالى:( وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) وصالحوه...»(١) .

٦ - التحريف بحذف « فاطمة » وزيادة: « أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده»

وهذا لم أجده إلّا عند ابن عساكر، وبترجمة عثمان بالذات!! من تاريخه، قال:

« أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي، أنبأنا أبو الحسن العتيقي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا أبو الحسين أحمد بن قاج، نا محمّد بن جرير الطبري - إملاء علينا - نا سعيد بن عنبسة الرازي، نا الهيثم بن عدي، قال: سمعت جعفر بن محمّد، عن أبيه في هذه الآية( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعليّ وولده »(٢) .

ورواه عنه: السيوطي(٣) والشوكاني(٤) والآلوسي(٥) والمراغي(٦) ساكتين عنه!! نعم قال الآلوسي: « وهذا خلاف ما رواه الجمهور ».

____________________

(١). إنسان العيون - السيرة الحلبية ٣ / ٢٣٦.

(٢). تاريخ دمشق - ترجمة عثمان بن عفّان -: ١٦٨ / ١٦٩.

(٣). الدرّ المنثور ٢ / ٤٠.

(٤). فتح القدير ١ / ٣٤٨.

(٥). روح المعاني ٣ / ١٩٠.

(٦). تفسير المراغي ٤ / ١٧٥.

٢٥٠

أقول:

كانت تلك محاولات القوم في قبال حديث المباهلة، وتلاعباتهم في لفظه بغضّ النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث بـ « قيل » و « روي » ونحو ذلك ممّا يقصد منه الإستهانة به عادةً.

هذا، والأليق بنا ترك التكلّم على هذه التحريفات - زيادةً ونقيصةً - لوضوح كونها من أيدٍ أُمويّة، تحاول كتم المناقب العلويّة، لعلمهم بدلالتها على مزايا تقتضي الأفضليّة، كما حاولت في ( حديث الغدير ) و ( حديث المنزلة ) ونحوهما.

وفي ( حديث المباهلة ) أرادوا كتم هذه المزيّة، ولو بترك ذِكر أصل القضيّة! أو بحذف اسم عليٍّ أو فاطمة الزكيّة،

ولولا دلالة الحديث على الأفضليّة - كما سيأتي - لَما زاد بعضهم « عائشة وحفصة » إلى جنب فاطمة!!

بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه المزيّة في أهل البيتعليهم‌السلام ، فوضع على لسان أحدهم - وهو الإمام الباقر، يرويه عنه الإمام الصادق - ما يدلّ على كون المشايخ الثلاثة في مرتبة عليٍّ!! وأنّ وُلْدهم في مرتبة وُلده!!

وضعوه على لسان الأئمّة من أهل البيتعليهم‌السلام ليروج على البسطاء من الناس!!

وكم فعلوا من هذا القبيل على لسان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وأوّلاًدهم، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل(١) !

____________________

(١). ذكرنا في بعض بحوثنا المنشورة نماذج من ذلك، ويا حبّذا لو تُجمع وتُنشر في رسالة مفردة، والله الموفّق.

٢٥١

إنّ ما رواه ابن عساكر لم يخرّجه أحدٌ من أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم، ولا يُقاوم - بحسب قواعد القوم - ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم، ونصّ الحاكم على تواتره، وغيره على ثبوته.

بل إنّ هذا الحديث لم يعبأ به حتى مثل ابن تيميّة المتشبّث بكلّ حشيش!

إنّ هذا الحديث كذبٌ محضٌ، باطلٌ سنداً ومتناً ولنتكلّم على اثنين من رجاله:

١ - سعيد بن عنبسة الرازي

ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها، وهو كذّاب، ذكره ابن أبي حاتم فقال: « سعيد بن عنبسة، أبو عثمان الخزّاز الرازي سمع منه أبي ولم يحدّث عنه، وقال: فيه نظر.

حدّثنا عبدالرحمن، قال: سمعت علي بن الحسين، قال: سمعت يحيى بن معين - وسُئل عن سعيد بن عنبسة الرازي - فقال: لا أعرفه.

فقيل: إنّه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان، فقال: هذا كذّاب.

حدّثنا عبدالرحمن، قال: سمعت عليّ بن الحسين يقول: سعيد بن عنبسة كذّاب.

سمعت أبي يقول: كان لا يصدق »(١) .

٢ - الهيثم بن عدي

وقد اتّفقوا على أنّه كذّاب.

____________________

(١). الجرح والتعديل ٤ / ٥٢.

٢٥٢

قال ابن أبي حاتم: « سُئل يحيى بن معين عن الهيثم بن عديّ، فقال: كوفيّ وليس بثقة، كذّاب.

سألت أبي عنه، فقال: متروك الحديث »(١) .

وأورده ابن حجر الحافظ في ( لسانه ) فذكر الكلمات فيه:

البخاري: ليس بثقة، كان يكذب.

يحيى بن معين: ليس بثقة، كان يكذب.

أبو داود: كذّاب.

النسائي وغيره: متروك الحديث.

ابن المديني: لا أرضاه في شئ.

أبو زرعة: ليس بشئ.

العجلي: كذّاب.

الساجي: كان يكذب.

أحمد: صاحب أخبار وتدليس.

الحاكم والنقّاش: حدّث عن الثقات بأحاديث منكَرة.

محمود بن غيلان: أسقطه أحمد ويحيى وأبو خيثمة.

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء.

كذّب الحديث - لكون الهيثم فيه - جماعة كالطحاوي في « مشكل الحديث » والبيهقي في « السنن » والنقاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات(٢) .

____________________

(١). الجرح والتعديل ٩ / ٨٥.

(٢). لسان الميزان ٦ / ٢٠٩.

٢٥٣

أقول:

هَب أنّ ابن عساكر روى هذا الخبر الموضوع في كتابه « تاريخ دمشق » فإنّ هذا الكتاب فيه موضوعات كثيرة، كما نصّ عليه ابن تيميّة(١) وغيره، فما بال السيوطي ومن تبعه يذكرونه بتفسير القرآن الكريم وبيان المراد من آيةٍ من كلام الله الحكيم؟!!

____________________

(١). منهاج السنّة ٧ / ٤٠.

٢٥٤

الفصل الثالث

في دلالة آية المباهلة على الإمامة

« إعلم أنّ يوم مباهلة النبيّ صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوماً عظيم الشأن، اشتمل على عدّة آيات وكرامات.

فمن آياته: إنّه كان أوّل مقام فَتَح الله جلّ جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة في هذه الملّة الفاضلة عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته: إنّه أوّل يوم ظهرت لله جلّ جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزّة، بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلّة والجزية، ودخولهم عند حكم نبوّته ومراداته.

ومن آياته: إنّه كان أوّل يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهيّة والقدرة النبويّة بمن كان يحتجّ عليه بالمعقول والمنقول والمنكرين لمعجزاته.

ومن آياته: إنّه أوّل يوم أشرقت شموسه بنور التّصديق لمحمّد صلوات الله عليه من جانب الله جل جلاله، بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخصيص أهل بيته بعلوّ مقاماتهم.

ومن آياته: إنّه يوم كشف الله جلّ جلاله لعباده أنّ الحسن والحسين عليهما أفضل السلام، - مع ما كانا عليه من صغر السنّ - أحقّ بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر الله جلّ جلاله فيه أنّ ابنته المعظّمة فاطمة

٢٥٥

صلوات الله عليها أرجح في مقام المباهلة من أتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أنّ مولانا علي بن أبي طالب نفس رسول الله صلوات الله عليهما، وأنّه من معدن ذاته وصفاته، وأنّ مراده من مراداته، وإن افترقت الصورة فالمعنى واحدٌ في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته: إنّه يومٌ وَسِمَ كلّ من تأخّر عن مقام المباهلة بوَسمٍ يقتضي أنّه دون من قُدِّم عليه في الإحتجاج لله عزّ وجلّ ونشر علاماته.

ومن آياته: إنّه يوم لم يجرِ مثله قبل الإسلام في ما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.

ومن آياته: إنّه يوم أخرس ألسنة الدعوى، وعرس في مجلس منطق الفتوى، بأن أهل المباهلة أكرم على الله جل جلاله من كلّ مَن لم يصلح لِما صلحوا له من المتقرّبين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة يومُ بيانِ برهان الصادقين، الّذين أمر الله جلّ جلاله باتّباعهم في مقدّس قرآنه وآياته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة يومٌ شهد الله جلّ جلاله لكلّ واحد من أهل المباهلة بعصمته مدّة حياته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة أقرب في تصديق صاحب النبوّة والرسالة من التحدّي بالقرآن، وأظهر في الدلالة، الّذين تحدّاهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا:( لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) (١) ، وإن كان قولهم في مقام البهتان، ويوم المباهلة ما أقدموا على دعوى الجحود، للعجز عن مباهلته، لظهور حجّته وعلاماته.

____________________

(١). سورة الأنفال ٨: ٣١.

٢٥٦

ومن آياته: إنّه يوم أطفأ الله به نار الحرب، وصان وجوه المسلمين من الجهاد والكرب، وخلّصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس، وعتقها من رقّ الغزو والبؤس لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.

ومن آياته: إنّ البيان واللّسان والجَنان اعترفوا بالعجز عن كمال كراماته »(١) .

واستدلّ علماء الإماميّة بآية المباهلة، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إليها الإمام عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقط على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

* استدلال الإمام الرضاعليه‌السلام

وأمّا وجه دلالة الآية على الإمامة، فإنّ الإماميّة أخذت ذلك من الإمام أبي الحسن عليّ الرضاعليه‌السلام ، فقد قال الشريف المرتضى الموسوي طاب ثراه:

« حدّثني الشيخ - أدام الله عزّه - أيضاً، قال: قال المأمون يوماً للرضاعليه‌السلام :

أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام يدلّ عليها القرآن.

قال: فقال له الرضاعليه‌السلام : فضيلته في المباهلة، قال الله جلّ جلاله:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) .

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين فكانا ابنيه،

____________________

(١). الإقبال بصالح الأعمال: ٥١٤.

٢٥٧

ودعا فاطمة فكانت - في هذا الموضع - نساءه، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عزّوجلّ.

وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجلّ من رسول الله صلى عليه وآله وسلّم وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلى عليه وسلّم بحكم الله عزّوجلّ.

قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع، وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنيه خاصّة، وذكر النساء بلفظ الجمع، وإنّما دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته وحدها، فلِمَ لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه وبكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره، فلا يكون لأمير المؤمنينعليه‌السلام ما ذكرت من الفضل؟!

قال: فقال له الرضاعليه‌السلام : ليس بصحيح ما ذكرت - يا أمير المؤمنين - وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره، كما يكون الآمر آمراً لغيره، ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، وإذا لم يدعُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً في المباهلة إلّا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها تعالى في كتابه، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.

قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال »(١) .

* وقال الشيخ المفيد - بعد أن ذكر القصّة -: « وفي قصّة أهل نجران بيانٌ عن فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مع ما فيه من الآية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعجز الدالّ على نبوّته.

ألا ترى إلى اعتراف النصارى له بالنبوّة، وقطعهعليه‌السلام على

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٣٨.

٢٥٨

امتناعهم من المباهلة، وعِلمهم بأنّهم لو باهلوه لحلّ بهم العذاب، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجّة عليهم، وأنّ الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بأنّه نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبيّ عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام، وأنّ الله جلّ ذكره جعله وزوجته وولديه - مع تقارب سنّهما - حجّةً لنبيّه عليه وآله السلام وبرهاناً على دينه، ونصّ على الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه، وأنّ فاطمةعليها‌السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والإحتجاج؟!

وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأُمّة، ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه، وهو لاحق بما تقدّم من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام الخاصّة به، على ما ذكرناه »(١) .

* وهكذا استدلّ الشريف المرتضى، حيث قال: « لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دُعي إليها وجعل حضوره حجّة على المخالفين، واقتضائها تقدّمه على غيره، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أنْ يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّةً فيه إلّامن هو في غاية الفضل وعلو المنزلة.

وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك

ونحن نعلم أنّ قوله( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه هو الدّاعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره، كما لا يجوز أنْ يأمر نفسه وينهاها،

____________________

(١). الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٦٩.

٢٥٩

وإذا كان قوله تعالى:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لابدّ أنْ يكون إشارةً إلى غير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجب أن يكون إشارةً إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديهعليهم‌السلام في المباهلة »(١) .

* وقال الشيخ الطوسي: « أحد ما يستدلّ به على فضلهعليه‌السلام ، قوله تعالى:( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) إلى آخر الآية.

ووجه الدلالة فيها: أنّه قد ثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلى المباهلة، وأجمع أهل النقل والتفسير على ذلك، ولا يجوز أنْ يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّةً إلاّمن هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة، ونحن نعلم أنّ قوله:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لا يجوز أن يعني بالمدعوّ فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه هو الداعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره، كما لا يجوز أنْ يأمر نفسه وينهاها.

وإذا كان قوله تعالى:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لابدّ أن يكون إشارةً إلى غير الرسول، وجب أن يكون إشارةً إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولدهعليهم‌السلام في المباهلة »(٢) .

وقال بتفسير الآية: « واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان أفضل الصحابة من وجهين:

____________________

(١). الشافي في الإمامة ٢ / ٢٥٤.

(٢). تلخيص الشافي ٣ / ٦ - ٧.

٢٦٠

أحدهما: إنّ موضوع المباهلة ليتميّز المحقّ من المبطل، وذلك لا يصحّ أنْ يُفعل إلّا بمن هو مأمون الباطن، مقطوعاً على صحّة عقيدته، أفضل الناس عند الله.

والثاني: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله مثل نفسه بقوله:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (١) .

* وقال الإربلي: « ففي هذه القضيّة بيان لفضل عليّعليه‌السلام ، وظهور معجز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ النصارى علموا أنّهم متى باهلوه حلّ بهم العذاب، فقبلوا الصلح ودخلوا تحت الهدنة، وإنّ الله تعالى أبان أنّ عليّاً هو نفس رسول الله كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكمال والعصمة من الآثام، وإنّ الله جعله وزوجته وولديه - مع تقارب سنّهما - حجّةً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرهاناً على دينه، ونصّ على الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه، وأنّ فاطمةعليها‌السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدّعاء إلى المباهلة والإحتجاج، وهذا فضل لم يشاركهم فيه أحد من الأُمّة ولا قاربهم »(٢) .

* وقال العلّامة الحلّي: « أجمع المفسّرون على أنّ( أَبْناءَنا ) إشارة إلى الحسن والحسين، و( أَنْفُسَنا ) إشارة إلى عليٍّعليه‌السلام ، فجعله الله نفس محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد المساواة، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرّف أكمل وأولى بالتصرّف، وهذه الآية أدلّ دليلٍ على علوّ رتبة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّه تعالى حكم بالمساواة لنفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه تعالى عينه في استعانة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١). التبيان في تفسير القرآن ٢ / ٤٨٥.

(٢). كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ٢٣٣.

٢٦١

في الدعاء، وأيّ فضيلةٍ أعظم من أن يأمر الله نبيّه بأنْ يستعين به على الدعاء إليه والتوسّل به؟! ولمن حصلت هذه المرتبة؟! »(١) .

أقول:

وعلى هذا الغرار كلمات غيرهم من علمائنا الكبار في مختلف الأعصار فإنّهم اسدلّوا على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بطائفتين من الأدلّة، الأُولى هي النصوص، والثانية هي الدالّة على الأفضليّة، والأفضليّة مستلزمة للإمامة، وهو المطلوب.

وخلاصة الإستدلال بالآية هو:

١ - إنّ الآية المباركة نصٌّ في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لأنّها تدلّ على المساواة بين النبيّ وبينهعليه‌السلام ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرّف، أكمل وأولى بالتصرّف.

٢ - إنّ قضية المباهلة وما كان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قولاً وفعلاً - تدلّ على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذلك لوجوه منها:

أوّلاً: إنّ هذه القضيّة تدلّ على أن عليّاً وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام ، أحبّ الناس إلى رسول الله، والأحبيّة تستلزم الأفضليّة.

قال البيضاوي: « أي يدع كلّ منّا ومنكم نفسه وأعزّة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة »(٢) .

فقال الشهاب الخفاجي في حاشيته: « ألصقهم بقلبه، أي: أحبّهم وأقربهم إليه ».

____________________

(١). نهج الحقّ وكشف الصدق: ١٧٧.

(٢). تفسير البيضاوي بحاشية الشهاب ٣ / ٣٢.

٢٦٢

وقال: « قوله: وإنّما قدّمهم ...، يعني: أنّهم أعزّ من نفسه، ولذا يجعلها فداءً لهم، فلذا قدّم ذكرهم اهتماماً به. وأمّا فضل آل الله والرسول فالنهار لا يحتاج إلى دليل »(١) .

وكذا، قال الخطيب الشربيني(٢) ، والشيخ سليمان الجمل(٣) ، وغيرهما.

وقال القاري: « فنزّله منزلة نفسه لِما بينهما من القرابة والأخوة »(٤) .

وثانياً: دلالة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل البيت، لمـّا أخرجهم للمباهلة: « إذا أنا دعوت فأمّنوا ».

قال أُسقفهم: « إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من جباله لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة »(٥) .

فإنّ ذلك يدلّ على دخلٍ لهم في ثبوت نبوّته وصدق كلامه، وفي إذلال الخصوم وهلاكهم لو باهلوا فكان لهم الأثر الكبير والسهم الجزيل في نصرة الدّين ورسول ربّ العالمين، ولا ريب أنّ من كان له هذا الشأن في مباهلة الأنبياء كان أفضل ممّن ليس له ذلك.

قال القاساني: « إنّ لمباهلة الأنبياء تأثيراً عظيماً سببه اتّصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إيّاهم به، وهو المؤثّر بإذن الله في العالم العنصري، فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا في الهيئات الواردة

____________________

(١). حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ٣ / ٣٢.

(٢). السراج المنير في تفسير القرآن ١ / ٢٢٢.

(٣). الجمل على الجلالين ١ / ٢٨٢.

(٤). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٨٩.

(٥). الكشّاف ١ / ٣٦٩، تفسير الخازن ١ / ٢٤٢، السراج المنير في تفسير القرآن ١ / ٢٢٢، المراغي ٣ / ١٧٥، وغيرهم ممّن تقدّم أو تأخّر.

٢٦٣

عليه، كالغضب، والحزن، والفكر في أحوال المعشوق، وغير ذلك من تحرّك الأعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم، وانفعال النفوس البشريّة منه كانفعال حواسّنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا، فإذا اتّصل نَفسٌ قُدسيٌّ به كان تأثيرها في العالم عند التوجّه الاتصالي تأثير ما يتّصل به، فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانيّة منه بما أراد.

ألمْ تَر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسهعليه‌السلام بالخوف، وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية؟ »(١) .

أقول:

فكان أهل البيتعليهم‌السلام شركاء مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا التأثير العظيم، وهذه مرتبة لم يبلغ عشر معشارها غيرهم من الأقرباء والأصحاب.

وعلى الجملة، فإنّ المباهلة تدلّ على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأفضل هو المتعيّن للإمامة بالإتّفاق من المسلمين، كما اعترف به حتّى مثل ابن تيميّة(٢) .

ونتيجة الإستدلال بالآية المباركة وما فعله النبي وقاله، هو أنّ الله عزّوجلّ أمر رسوله بأن يسمّي عليّاً نفسه، كي يبيّن للناس أنّ عليّاً هو الذي يتلوه ويقوم مقامه في الإمامة الكبرى والولاية العامّة، لأنّ غير الواجد لهذه المناصب لا يأمر الله ورسوله بأن يسمّيه نفسه.

هذا، وفي الآية دلالة على أنّ « الحسنين » إبنا رسول الله صلّى الله عليه

____________________

(١). تفسير القاسمي ٢ / ٨٥٧.

(٢). نصّ عليه في مواضع من منهاجه، انظر مثلاً: ٦ / ٤٧٥ و ٨ / ٢٢٨.

٢٦٤

وآله وسلّم، وهذا ما نصّ عليه غير واحدٍ من أكابر القوم(١) .

وقد جاء في الكتب أنّ عليّاًعليه‌السلام كان الكاتب لكتاب الصلح(٢) وأنّه توجّه بعد ذلك إلى نجران بأمر النبي لجمع الصّدقات ممّن أسلم منهم وأخذ الجزية ممّن بقي منهم على دينه(٣) .

ثمّ إن أصحابنا يعضّدون دلالة الآية الكريمة على المساواة بعدّةٍ من الروايات:

كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريدة بن الحصيب عندما شكا عليّاًعليه‌السلام : « يا بريدة! لا تبغض عليّاً فإنّه منّي وأنا منه » ولعموم المسلمين في تلك القصّة: « عليّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم من بعدي »(٤) .

وقوله وقد سئل عن بعض أصحابه، فقيل: فعليّ؟! قال: « إنّما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي »(٥) .

وقوله: « خُلِقت أنا وعليٌّ من نورٍ واحد ».

وقوله: « خُلِقت أنا وعليٌّ من شجرةٍ واحدة »(٦) .

وقوله - في جواب قول جبرئيل في أُحد: يا محمّد! إنّ هذه لهي المواساة -: « يا جبرئيل، إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما »(٧) .

____________________

(١). تفسير الرازي وغيره من التفاسير، بتفسير الآية.

(٢). سنن البيهقي ١٠ / ١٢٠، وغيره.

(٣). شرح المواهب اللدنيّة ٤ / ٤٣.

(٤). هذا حديث الولاية، وقد بحثنا عنه بالتفصيل سنداً ودلالةً في الجزء الخامس عشر من كتابنا.

(٥). كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: ١٥٥.

(٦). حديث النور، وحديث الشجرة، بحثنا عنهما بالتفصيل سنداً ودلالةً في الجزء الخامس من كتابنا.

(٧). مسند أحمد ٤ / ٤٣٧، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١، تاريخ الطبري ٣ / ١٧، الكامل في التاريخ ٢ / ٦٣ ومصادر أُخرى في التاريخ والحديث.

٢٦٥

أقول:

وستأتي أحاديث أُخر فيما بعد، إن شاء الله.

وممّا يُستدلّ به أيضاً: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة بضعة منّي » حيث استدلّ به غير واحدٍ من أئمّة القوم بأفضليّة فاطمة على أبي بكر وعمر، لكونها بضعةً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أفضل منهما بالإجماع(١) ، فإنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل منها بالإجماع كذلك.

ثمّ إنّ غير واحدٍ من أعلام أهل السنّة اعترف بدلالة القصّة على فضيلةٍ فائقةٍ لأهل البيتعليهم‌السلام .

قال الزمخشري: « وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساءعليهم‌السلام »(٢) .

وقال ابن روزبهان: « لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلّمة، ولكنْ لا تصير دالةً على النصّ بإمامته »(٣) .

أقول:

فلا أقلّ من الدلالة على الأفضليّة، لأنّ هذه الفضيلة غير حاصلة لغيره، فهو أفضل الصحابة، والأفضليّة تستلزم الإمامة.

ومن هنا نرى الفخر الرازي لا يقدح في دلالة الآية على أفضليّة علي عليّ سائر الصحابة، وإنّما يناقش الشيخ الحمصي في استدلاله بها على

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٣٢، فيض القدير ٤ / ٤٢١، المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٣٤٨.

(٢). الكشّاف ١ / ٣٧٠.

(٣). إبطال الباطل - مع إحقاق الحق - ٣ / ٦٣.

٢٦٦

أفضليّته على سائر الأنبياء، وسيأتي كلامه في الفصل الخامس.

وتبعه النيسابوري وهذه عبارته: « أي: يَدْعُ كلٌّ منّا ومنكم أبناءه ونساءه ويأت هو بنفسه وبمن هو كنفسه إلى المباهلة، وإنّما يعل إتيانه بنفسه من قرينة ذِكر النفس ومن إحضار من هم أعزّ من النفس، ويعلم إتيان من هو بمنزلة النفس من قرينة أنّ الإنسان لا يدعو نفسه.( ثُمَّ نَبْتَهِلْ ) : ثمّ نتباهل

وفي الآية دلالة على أنّ الحسن والحسين - وهما ابنت البنت - يصحّ أن يقال: إنّهما ابنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم وعد أنْ يدعو أبناءه ثمّ جاء بهما.

وقد تمسّك الشيعة قديماً وحديثاً بها في أنّ عليّاً أفضل من سائر الصحابة، لأنّها دلّت على أنّ نفس علي مثل نفس محمّد إلّا في ما خصّه الدليل.

وكان في الريّ رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي - وكان متكلّم الاثني عشرية - يزعم أنّ عليّاً أفضل من سائر الأنبياء سوى محمّد. قال: وذلك أنّه ليس المراد بقوله:( وَأَنْفُسَنا ) نفس محمّد، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، فالمراد غيره، وأجمعوا على أنّ الغير كان عليّ بن أبي طالب

وأُجيب بأنّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أنّ محمّداً أفضل من سائر الأنبياء فكذا انعقد الإجماع بينهم - قبل ظهور هذا الإنسان - على أنّ النبيّ أفضل ممّن ليس بنبيّ. وأجمعوا على أنّ عليّاًعليه‌السلام ما كان نبيّاً

وأمّا فضل أصحاب الكساء فلا شكّ في دلالة الآية على ذلك، ولهذا ضمّهم إلى نفسه، بل قدّمهم في الذكر »(١) .

____________________

(١). تفسير النيسابوري - هامش الطبري - ٣ / ٢١٤ - ٢١٥.

٢٦٧

الفصل الرابع

في دفع شبهات المخالفين

وتلخّص الكلام في الفصل السابق في أنّ الآية المباركة دالّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنْ لم يكن بالنصّ فبالدلالة على العصمة على الأفضليّة للأحبيّة والأقربيّة وغيرهما من الوجوه ولم يكن هناك أيّ مجالٍ للطعن في سند الحديث أو التلاعب بمتنه

فلننظر في كلمات المخالفين في مرحلة الدلالة:

* أمّا إمام المعتزلة، فقد قال:

« دليل آخر لهم: وربّما تعلّقوا بآية المباهلة وأنّها لمـّا نزلت جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وأنّ ذلك يدلّ على أنّه الأفضل، وذلك يقتضي أنّه بالإمامة أحقّ، ولا بدّ من أن يكون هو المراد بقوله:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) ، ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلّا وهو يتلوه في الفضل.

وهذا مثل الأوّل في أنّه كلام في التفضيل، ونحن نبيّن أنّ الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يكن في المباهلة.

قال شيخنا أبو هاشم: إنّما خصّصصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقرّب

٢٦٨

منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل، ودلّ على ذلك بأنّهعليه‌السلام أدخل فيها الحسن والحسينعليهما‌السلام مع صغرهما لِما اختصّا به من قرب النسب، وقوله:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) يدلّ على هذا المعنى، لأنّه أراد قرب القرابة، كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم: أنّه من أنفسهم.

ولا ينكر أن يدلّ ذلك على لطف محلّه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشدة محبّته له وفضله، وإنّما أنكّرنا أن يدلّ ذلك على أنّه الأفضل أو على الإمامة »(١) .

أقول:

ويتلخّص هذا الكلام في أُمور:

الأوّل: إنّ الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وهذا - في الواقع - تسليمٌ باستدلال الإماميّة بالآية على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكون الإمامة في من ليس بأفضل لم يرتضه حتّى مثل ابن تيمية!

والثاني: إنّ عليّاً لم يكن في المباهلة.

وهذا أيضاً دليل على تمامية استدلال الإماميّة، وإلّا لم يلتجؤا إلى هذه الدعوى، كما التجأ بعضهم - كالفخر الرازي - في الجواب عن حديث الغدير، بأنّ عليّاً لم يكن في حجّة الوداع!

والثالث: إنّه لم يكن القصد إلى الإبانة عن الفضل، بل أراد قرب القرابة.

وهذا باطلٌ، لأنّه لو أراد ذلك فقط، لأخرج غيرهم من أقربائه كالعبّاس، وهذا ما تنبّه إليه ابن تيميّة فأجاب بأنّ العبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين،

____________________

(١). المغني في الإمامة: ٢٠ القسم ١ / ١٤٢.

٢٦٩

فاعترف - من حديث يدري أو لا يدري - بالحقّ.

هذا، ولا يخفى أنّ معتمد الأشاعرة في المناقشة هو هذا الوجه الأخير، وبهذا يظهر أنّ القوم عيال على المعتزلة، وكم له من نظير!!

* وقال ابن تيميّة(١) :

« أمّا أخذه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة، فحديث صحيح، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقّاص، قال في حديث طويل: « لمـّا نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي ».

ولكنْ لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضليّة.

وقوله: ( قد جعل الله نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإتّحاد محال، فبقي المساواة له، وله الولاية العامة، فكذا لمساويه ).

قلنا: لا نسلّم أنّه لم يبق إلّا المساواة، ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع، لأنّ أحداً لا يساوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا عليّاً ولا غيره.

وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة، قال تعالى في قصّة الإفك:( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) وقد قال في قصّة بني إسرائيل:( فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) أي: يقتل بعضكم بعضاً، ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين، ولا أنْ يكون مَن عبدالعجل مساوياً لمن لم يعبده.

____________________

(١). أوردنا كلامه بطوله، ليظهر أنّ غيره تبع له، لئلّا يظنّ ظانّ أنّا تركنا منه شيئاً له تأثير في البحث!

٢٧٠

وكذلك قد قيل في قوله:( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (٣) أي: لا يقتل بعضكم بعضاً، وإنْ كانوا غير متساويين.

وقال تعالى:( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) (٤) أي، لا يلمز بعضكم بعضاً فيطعن عليه ويعيبه، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعضٍ هذا الطعن، مع أنّهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة، ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم.

ومن هذا الباب قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (٥) أي: يقتل بعضكم بعضاً.

وإذا كان اللفظ في قوله:( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) كاللفظ في قوله:( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) ( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) ونحو ذلك، مع أنّ التساوي هنا ليس بواجب، بل ممتنع، فكذلك هناك وأشدّ.

بل هذا اللفظ يدلّ على المجانسة والمشابهة، والتجانس والمشابهة يكون بالإشتراك في بعض الأُمور، كالإشتراك في الإيمان، فالمؤمنون إخوة في الإيمان، وهو المراد بقوله:( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) وقوله:( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) .

وقد يكون بالإشتراك في الدين، وإنْ كان فيهم المنافق، كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر، وإنْ كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد، وقوم موسى كانوا( أَنْفُسَنا ) بهذا الإعتبار.

قوله تعالى:( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) أي: رجالنا ورجالكم، أي: الرجال الّذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والرجال الّذين هم من جنسكم، والمراد التجانس في القرابة فقط؛

٢٧١

لأنّه قال:( أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال، فعُلم أنّه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة، ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء، ودعا فاطمة من النساء، ودعا عليّاً من رجاله، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسباً من هؤلاء، وهم الّذين أدار عليهم الكساء.

والمباهلة إنّما تحصل بالأقربين إليه، وإلّا فلو باهلهم بالأبعدين في النسب وإنْ كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود، فإنّ المراد أنّهم يدعون الأقربين كما يدعو هو الأقرب إليه.

والنفوس تحنو على أقاربها ما لا تحنوا على غيرهم، وكانوا يعلمون أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويعلمون أنّهم إنْ باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم، واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم وإلّا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في نعمةٍ ومال، وهذا موجود كثير، فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين، فلهذا دعا هؤلاء.

وآية المباهلة نزلت سنة عشر، لمـّا قدم وفد نجران، ولم يكن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بقي من أعمامه إلّا العبّاس، والعبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين، ولا كان له به اختصاص كعليّ.

وأمّا بنو عمّه فلم يكن فيهم مثل عليٍّ، وكان جعفر قد قُتل قبل ذلك، فإنّ المباهلة كانت لمـّا قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر، وجعفر قُتل بمؤتة سنة ثمان، فتعين عليّرضي‌الله‌عنه .

ولكونه تعيّن للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه، لا يوجب أن يكون مساوياً للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شيء من الأشياء، بل ولا أنْ يكون

٢٧٢

أفضل من سائر الصحابة مطلقاً، بل له بالمباهلة نوع فضيلة، وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين، ليست من خصائص الإمامة، فإنّ خصائص الإمامة لا تثبت للنساء، ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة.

وأمّا قول الرافضيّ: « لم يكن المقصود لم يكن المقصود إجابة الدعاء، فإنّ دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده كافٍ، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يُستجاب دعاؤه لدعا المؤمنين كلّهم ودعا بهم، كما كان يستسقي بهم وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، وكان يقول: وهل تُنصرون أو تُرزقون إلّا بضعفائكم؟! بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم!

ومن المعلوم أنّ هؤلاء وإن كانوا مجابين، فكثرة الدعاء أبلغ في الإجابة، لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاء لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل!

ونحن نعلم بالإضطرار أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وابن مسعود وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا أعظم الناس استجابةً لأمره، وكان دعاء هؤلاء وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاء، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذهم معه، لأنّ ذلك لا يحصل به المقصود.

فإنّ المقصود أن أُولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الّذين هم أقرب الناس إليهم، فلو دعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قوماً أجانب لأتى أولئك بأجانب، ولم يكن يشتدّ عليه بنزول البهلة بأُولئك الأجانب، كما يشتدّ عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فإنّ طبع البشر يخاف على

٢٧٣

أقربيه ما لا يخاف على الأجانب، فأمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنْ يدعو قرابته وأن يدعو أُولئك قرابتهم.

والناس عند المقابلة تقول كلّ طائفة للاُخرى: ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبيّاً لم يرضَ أولئك، كما أنّه لو دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم الأجانب لم يرضٍ أولئك المقابلون له، ولا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله.

فقد تبيّن أنّ الآية لا دلالة فيها أصلاً على مطلوب الرافضيّ.

لكنّه - وأمثاله ممن في قلبه زيغ - كالنصارى الّذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة، ثمّ قدحه في خيار الأُمّة بزعمه الكاذب، حيث زعم أنّ المراد بالأنفس المساوون، وهو خلاف المستعمل في لغة العرب.

وممّا يبيّن ذلك أنّ قوله:( نِساءَنا ) لا يختصّ بفاطمة، بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلّا فاطمة، فإنّ رقيّة واُم كلثوم وزينب كنّ قد توفّين قبل ذلك.

فكذلك( أَنْفُسَنا ) ليس مختصّاً بعليّ، بل هذه صيغة جمع، كما أنّ( نِساءَنا ) صيغة جمع، وكذلك( أَبْناءَنا ) صيغة جمع، وإنّما دعا حسناً وحسيناً لأنّه لم يكن ممّن ينسب إليه بالبنوّة سواهما، فإنّ إبراهيم إنْ كان موجوداً إذ ذاك فهو طفل لا يُدعى، فإنّ إبراهيم هو ابن مارية القبطيّة التي أهداها له المقوقس صاحب مصر، وأهدى له البغلة ومارية وسيرين، فأعطى سيرين لحسّان بن ثابت، وتسرّى مارية فولدت له إبراهيم، وعاش بضعة عشر شهراً ومات، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّ له مرضعاً في الجنّة تتمّ

٢٧٤

رضاعته، وكان إهداء المقوقس بعد الحديبيّة بل بعد حنين »(١) .

أقول:

كان هذا نص كلام ابن تيميّة في مسألة المباهلة، وقد جاء فيه:

١ - الإعتراف بصحّة الحديث.

وفيه ردّ على المشكّكين في صحته وثبوته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - الإعتراف باختصاص القضيّة بالأربعة الأطهار.

وفيه ردّ على المنحرفين عن أهل البيتعليهم‌السلام ، المحرّفين للحديث بنقص « عليّ » منهم أو زيادة غيرهم عليهم!!

٣ - الإعتراف بأنّهم هم الّذين أدار عليهم الكساء.

وفيه ردّ على من زعم دخول غيرهم في آية التطهير، بل فيه دلالة على تناقض ابن تيميّة، لزعمه - في موضع من منهاجه، دخول الأزواج أخذاً بالسياق، كما تقدّم في مبحث تلك الآية.

٤ - الإعتراف بأنّ في المباهلة نوع فضيلة لعلي.

وفيه ردٌّ على من يحاول إنّكار ذلك.

ثمّ إنّ ابن تيميّة ينكر دلالة الحديث على الإمامة مطلقاً بكلام مضطرب مشتمل على التهافت، وعلى جوابٍ - قال الدهلوي عنه -: هو من كلام النواصب!!

* فأوّل شيء قاله هو: إنّ أحداً لا يساوي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

____________________

(١). منهاج السنة ٧ / ١٢٢ - ١٣٠.

٢٧٥

ونحن أيضاً نقول: إنّ أحداً لا يساويه لولا الآية والأحاديث القطعيّة الواردة عنه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عليٌّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم بعدي »(١) وقوله - في قصة البراءة -: « لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لوفد ثقيف -: « لَتُسلِمنّ أو لأبعثنّ عليكم رجلاً منّي - أو قال: نفسي - ليضربنّ أعناقكم وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم » قال عمر: فوالله ما تمنّيت الإمارة إلّا يومئذ، فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا، فالتفت إلى عليّ فأخذ بيده وقال: « هو هذا، هو هذا »(٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزّلاً إيّاه منزلة نفسه: « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » فاستشرف له أبو بكر وعمر وغيرهما، كلّ يقول: أنا هو؟ قال: لا، ثمّ قال: « وكنْ خاصف النعل » وكان قد اعطى عليّاً نعله يخصفها(٤) .

إلى غير ذلك من الأحاديث، وقد سبق ذكر بعضها أيضاً.

فإذا كان هذا قول الله وكلام الرسول، فماذا نفعل نحن؟!

* ثمّ إنّه أنكر دلالة لفظ « الأنفس » على « المساواة » في لغة العرب،

____________________

(١). هذا حديث الولاية، وهو من أصحّ الأحاديث وأثبتها، وقد بحثنا عنه سنداً ودلالةً في الجزء الخامس عشر من أجزاء كتابنا.

(٢). وهذا أيضاً من أصحّ الأحاديث وأثبتها، راجع: مسند أحمد ١ / ٣، ١٥١، وصحيح الترمذي ، والخصائص للنسائي، والمستدرك على الصحيحين، وراجع التفاسير في سورة البراءة.

(٣). راجع: الإستيعاب ٣ / ١١٠٩، ترجمة أمير المؤمنين.

(٤). أخرجه أحمد ٣ / ٣٣، والحاكم ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١، والنسائي في الخصائص ١١٢ ح ١٥٠، وابن عبدالبر وابن حجر وابن الأثير بترجمته، وكذا غيرهم.

٢٧٦

فقال بأنّ المراد منه في الآية هو من يتّصل بالقرابة واستشهد لذلك بآياتٍ من القرآن.

لكنْ ماذا يقول ابن تيميّة في الآيات التي وقع فيها المقابلة بين « النفس » و « الأقرباء » كما في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) (١) وقوله:( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ ) (٢) فكذلك آية المباهلة.

غير أنّ « النفس » في الآيتين المذكورتين مستعملة في نفس الإنسان على وجه الحقيقة، أمّا في آية المباهلة فهي مستعملة - لتعذّر الحقيقة - على وجه المجاز لمن نُزِّل بمنزلة النفس، وهو عليّعليه‌السلام ، للحديث القطعي الوارد في القضيّة.

* ثمّ إنّه أكّد كون أخذ الأربعة الأطهارعليهم‌السلام لمجرّد القرابة، بإنّكار الإستعانة بهم في الدعاء، فقال: « لم يكن المقصود إجابة الدعاء، فإنّ دعاء النبي وحده كافٍ »!

لكنّه اجتهاد في مقابلة النصّ، فقد روى القوم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهم: « إذا أنا دعوت فأمّنوا»(٣) ، وأنّه قد عرف أُسقف نجران ذلك حيث قال: « إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أنْ يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها » أو: « لو سألوا الله أنْ يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها »(٤) .

* ثمّ قال ابن تيميّة: « لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل فإنّ المقصود أن أُولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً كأبنائهم ونسائهم ورجالهم.

____________________

(١). سورة التحريم ٦٦: ٦.

(٢). سورة الزمر ٣٩: ١٥، وسورة الشورى ٤٢: ٤٥.

(٣). تقدّم ذكر بعض مصادره.

(٤). الكشّاف، الرازي، البيضاوي وغيرهم، بتفسير الآية.

٢٧٧

وذا كلام النواصب كما نصّ عليه الدهلوي في عباراته الآتية.

وحاصل كلامه: أنّه إنّما دعاهم لكونهم أقرباءه فقط، على ما كان عليه المتعارف في المباهلة، فلا مزيّة لمن دعاه أبداً، فلا دلالة في الآية على مطلوب الشيعة أصلاً، لكنّهم كالنصارى ...!

لكنّه يعلم بوجود الكثيرين من أقربائه - من الرجال والنساء - وعلى رأسهم عمّه العبّاس، فلو كان التعبير بالنفس لمجرّد القرابة لدعا العبّاس وأوّلاًده وغيرهم من بني هاشم!

فيناقض نفسه ويرجع إلى الإعتراف بمزيّةٍ لمن دعاهم، وأنّ المقام ليس مقام مجرّد القرابة ...!! انظر إلى كلامه:

« ولم يكن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بقي من أعمامه إلّا العباس، والعباس لم يكن من السابقين الأوّلين، ولا كان له به اختصاص كعليّ، وأمّا بنو عمّه فلم يكن فيهم مثل عليّ فتعين عليٌّرضي‌الله‌عنه ، وكونه تعيّن للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه لا يوجب بل له بالمباهلة نوع فضيلة ».

إذن!! لا بدّ في المباهلة من أن يكون المباهَل به صاحب مقامٍ يمتاز به من غيره، ويقدّمه على من سواه، وقد ثبت ذلك لعليّعليه‌السلام بحيث ناسب أنْ يأمر الله ورسوله بأنْ يعبّر عنه لأجله بأنّه نفسه، وهذا هو المقصود من الإستدلال بالآية المباركة، وبه يثبت المطلوب.

فانظر كيف اضطربت كلمات الرجل وناقض نفسه!!

* غير أنّه بعد الإعتراف بالفضيلة تأبى نفسه السكوت عليها، وإذْ لا يمكنه دعوى مشاركة زيد وعمر وبكر ...!! معه فيها كما زعم ذلك في غير موضع من كتابه فيقول:

٢٧٨

« وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين ».

وهكذا قال - في موضعٍ من كتابه - حول آية التطهير لمـّا لم يجد بُدّاً من الإعتراف باختصاصها بأهل البيت

لكنّه غفل أو تغافل أنّ هذه المشاركة لا تضرّ باستدلال الشيعة بل تنفع، إذ تكون الآية من جملة الدلائل القطعيّة على أفضليّة بضعة النبيّ فاطمة وولديه الحسنينعليهم‌السلام من سائر الصحابة عدا أمير المؤمنينعليه‌السلام - كما دلّ على ذلك حديث: « فاطمة بضعة منّي » وقد بينّا ذلك سابقاً - فعليُّ هو الإمام بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالآية المباركة والحديث القطعي الوارد في شأن نزولها.

*وقال أبو حيّان:

( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) .

أي: يدع كلٌّ منّي ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة. وظاهر هذا أنّ الدعاء والمباهلة بين المخاطب بـ « قل » وبين من حاجّه، وفُسّر على هذا الوجه ( الأبناء ) بالحسن والحسين، وبنساءه فاطمة، والأنفس بعليّ. قاله الشعبي. ويدلّ على أنّ ذلك مختصٌّ بالنبيّ مع من حاجّه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقّاص، قال: لمـّا نزلت هذه الآية( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللهمّ هؤلاء أهلي.

وقال قوم: المباهلة كانت عليه وعلى المسلمين، بدليل ظاهر قوله( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) على الجمع، ولمـّا دعاهم دعا بأهله الذين في حوزته، ولو عزم نصارى نجاران على المباهلة وجاؤا لها لأمر النبيّ صلّى الله

٢٧٩

عليه وسلّم المسلمين أن يخرجوا بأهاليهم لمباهلتهم.

وقيل: المراد بـ( أَنْفُسَنا ) الإخوان. قاله ابن قتيبة. قال تعالى:( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: إخوانكم.

وقيل: أهل دينه. قاله أبو سليمان الدمشقي.

وقيل: الأزواج.

وقيل: أراد القرابة القريبة. ذكرها علي بن أحمد النيسابوري.

قال أبو بكر الرازي: وفي الآية دليل على أنّ الحسن والحسين إبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقال أبو أحمد ابن علّان: كانا إذ ذاك مكلَّفين، لأنّ المباهلة عنده لا تصحّ إلّا من مكلّف.

وقد طوّل المفسّرون بما رووا في قصّة المباهلة، ومضمونها: أنّه دعاهم إلى المباهلة وخرج بالحسن والحسين وفاطمة وعليّ إلى الميعاد، وأنّهم كفّوا عن ذلك ورضوا بالإقامة على دينهم، وأنْ يؤدّوا الجزية، وأخبرهم أحبارهم أنّهم إنْ باهلوا عُذّبوا وأخبر هو صلّى الله عليه وسلّم أنّهم إنْ باهلوا عُذّبوا، وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوّته شاهد عظيم على صحّة نبوّته.

قال الزمخشري: فإنْ قلت »(١) .

أقول:

لعلّ تقديمه حديث مسلم عن سعدٍ في أنّ المراد من( أَنْفُسَنا ) هو عليٌّعليه‌السلام يدلّ على ارتضائه لهذا المعنى لكنّ الحديث جاء في الكتاب محرّفاً بحذف « عليّ »!!

____________________

(١). البحر المحيط ٢ / ٤٧٩ - ٤٨٠.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430