تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118757 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

لم يُحكم له به ؛ لإمكان إحداثه بعد بناء الجدار بنزع لَبِنةٍ وإدراج أُخرى.

ولو كان الحائط مبنيّاً على خشبةٍ طويلة طرفها تحت الحائط المتنازع فيه وطرفها الآخَر تحت حائطٍ آخَر ينفرد به أحدهما ، كان ذلك ظاهراً أنّه لـمَن بعض الخشب في ملكه والجدار المبنيّ عليها تحت يده ، فيحلف ، ويُحكم له به.

وإن كان الحائط غيرَ متّصلٍ ببناء أحدهما ، بل كان منفصلاً عنهما معاً حائلاً بين ملكيهما لا غير ، أو متّصلاً ببنائهما معاً ، فهو في أيديهما ، فإن أقام أحدهما بيّنةً أنّه له قُضي له به ، وإن لم يكن لأحدهما بيّنةٌ حلف كلّ واحدٍ منهما للآخَر على النصف الذي في يده ، وحُكم به لهما ، وكذا إن نكلا معاً ؛ عملاً بظاهر اليد.

وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، أعدنا اليمين على الحالف في النصف الذي في يد صاحبه ، فإن حلف قُضي له بالجميع ، وإن نكل ونكل الآخَر فهو لهما.

هذا إن حلّفنا كلّ واحدٍ منهما على النصف الذي في يده.

وللشافعي في الحلف وجهان :

أحدهما : إنّ كلّ واحدٍ منهما يحلف على النصف الذي يسلم له ، وهو أظهر وجهيه.

والثاني : إنّه يحلف كلّ واحدٍ منهما على الجميع ؛ لأنّه ادّعى الجميع(١) .

فإن قلنا بالثاني فإذا حلّف الحاكمُ أحدَهما على الجميع ، لم يمنع ذلك حلف الآخَر عليه ، بل يحلّفه الحاكم على الجميع أيضاً ، فإن حلف الآخَر أيضاً على الجميع قسّم الجدار بينهما ؛ لأنّه لا أولويّة في الحكم به لأحدهما دون الآخَر ، وإن نكل الآخَر بعد أن حلف الأوّل على الجميع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٨.

١٠١

حُكم للحالف به من غير يمينٍ أُخرى.

ولو حلف الثاني على النصف بعد أن حلف الأوّل على الجميع والتماس الحاكم من الثاني الحلف على الجميع أيضاً ، احتُمل عدمُ الاعتداد بهذه اليمين ؛ حيث إنّه حلف على ما لم يحلّفه الحاكم عليه. والاعتدادُ ؛ حيث إنّ طلب الحلف على الجميع يستلزم طلب الحلف على أبعاضه ، فإن قلنا : يُعتدّ بها ، كان النصف بينهما ، مع احتمال أنّه للثاني خاصّةً.

وإن التمس الحاكم من الثاني الحلفَ على الجميع ، فقال : أنا لا أحلف إلّا على النصف ، كان في الحقيقة مدّعياً للنصف.

تذنيب : كلّ مَنْ قُضي له بالحائط إمّا بالبيّنة أو باليمين أو بشاهد الحال فإنّه يُحكم له بالأساس الذي تحته.

مسألة ١٠٩٦ : إذا لم يكن الحائط متّصلاً ببناء أحدهما أو كان متّصلاً بهما معاً وكان لأحدهما عليه بناء‌ كحائطٍ مبنيّ عليه ويعتمد عليه وتداعياه ، حُكم به لصاحب البناء - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ وضع البناء عليه بمنزلة اليد الثابتة عليه ، وهو نوعٌ من التصرّف فيه ، فأشبه الحمل على الدابّة والزرع في الأرض ، ولأنّ الظاهر أنّ الإنسان لا يُمكِّن غيرَه من البناء على حائطه ، وكذا لو كانت له سترة على الحائط ؛ قضاءً للتصرّف الدالّ بالظاهر على الملك.

مسألة ١٠٩٧ : لو كان لأحدهما على هذا الجدار المحلول عنهما أو المتّصل بهما جذوعٌ دون صاحبه‌ ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : لا يُحكم بالحائط لصاحب الجذوع ؛ لأنّه لا دلالة عليه(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) ، ولأنّ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٤٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٨.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المسألة ٤ من كتاب الصلح.

(٣) الأُمّ ٣ : ٢٢٥ ، مختصر المزني : ١٠٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٩ ، المهذّب =

١٠٢

العادة السماح بذلك للجار ، وقد ورد النهي عن المنع منه(١) .

وعند مالك(٢) وأحمد أنّه حقٌّ على مالك الجدار ، ويجب التمكين منه ، فلم تترجّح به الدعوى كإسناد متاعه إليه وتجصيصه وتزويقه(٣) .

والوجه عندي : الحكم به لصاحب الجذوع - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لما تقدّم من دلالة الاختصاص بالتصرّف على الاختصاص بالملكيّة ، ولأنّهما لو تنازعا في العرصة والجدار لأحدهما ، حُكم بها لصاحبه.

والنهي لو ثبت صحّته عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لكان محمولاً على الكراهة ؛

____________________

= - للشيرازي - ٢ : ٣١٧ ، الوسيط ٤ : ٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦ ، و ٨ : ٢١٠ ، البيان ١٣ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٨ ، مختصر الخلافيّات ٣ : ٢١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ / ١٠٠٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٣ / ١١٦٦ ، المغني ٥ : ٤٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٨.

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٧٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٠ / ١٣٦ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٥ / ٣٢ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣١٤ - ٣١٥ / ٣٦٣٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٥ / ١٣٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٨ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٤ : ٢٢٢ / ١٨١٥٧ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٧ / ٨٩٠٠.

(٢) في المصادر التي تأتي الإشارة إليها ذيلاً : إنّ رأي مالك هو أنّه تترجّح الدعوى بوضع الجذوع ويُحكم بالجدار لصاحب الجذوع ، راجع : الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ / ١٠٠٤ ، وعيون المجالس ٤ : ١٦٥٢ - ١٦٥٣ / ١١٦٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١ ، والإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، والمغني ٥ : ٤٣ ، والشرح الكبير ١٢ : ١٦٨.

(٣) المغني ٥ : ٤٣ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٧٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٩ ، الوسيط ٤ : ٦٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٢ - ١٦٥٣ / ١١٦٦ ، مختصر الخلافيّات ٣ : ٢١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ / ١٠٠٤ ، حلية العلماء ٨ : ٢١٠.

١٠٣

لأصالة البراءة ، على أنّ النهي عن المنع منه لا يمنع كونه دليلاً على الاستحقاق ؛ لأنّا نستدلّ بوضعه على كون الوضع مستحقّاً على الدوام حتى لو زالت جازت إعادتها.

ولأنّ كونه مستحقّاً مشروطٌ له الحاجة إلى وضعه ، ففيما لا حاجة إليه له منعه من وضعه ، وأكثر الناس لا يتسامحون به ، ولهذا لـمّا روى أبو هريرة الحديثَ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طأطئوا رءوسهم كراهةً لذلك ، فقال : مالي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمينّ بها بين أكتافكم(١) ، وأكثر العلماء منعوا من التمكّن من هذا(٢) .

ولأنّ الأزج يرجّح به فكذا هذا ؛ لجامع الاشتراك في التصرّف.

ولأنّهما لو تنازعا في الحائط وثبت بالبيّنة لأحدهما ، حُكم بالأساس [ له ](٣) ؛ لأنّه صار صاحب يدٍ فيه ، فإذا [ اقتضى ](٤) الجدار على الأساس الترجيحَ في الأساس ، وجب أن [ تقتضي ](٥) الجذوع على الجدار الترجيحَ في الجدار.

تذنيب : لا فرق بين الجذع الواحد في ذلك وما زاد عليه‌ عند عامّة أهل العلم في الدلالة على الاختصاص والمنع منها.

ورجّح مالك بالجذع الواحد(٦) ، كقولنا.

وفرّق أبو حنيفة بين الجذع الواحد والجذعين فما زاد ، فرجّح بما زاد على الواحد ؛ لأنّ الحائط يبنى لوضع الجذوع عليه ، فرجّح به الدعوى ،

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ١٠٢.

(٢) راجع المغني ٥ : ٤٤ ، والشرح الكبير ١٢ : ١٦٩.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤ و ٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قضى يقضي ».

(٦) حلية العلماء ٥ : ٢٦ ، البيان ١٣ : ١٩٣ ، وراجع أيضاً الهامش (٢) من ص ١٠٢.

١٠٤

كبناء الأزج ، بخلاف الجذع الواحد ؛ لأنّ الحائط لا يبنى له في العادة(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوضع يتبع الحاجة ، وقد تدعو إلى وضع الواحد ، وإنّما استدللنا باختصاص التصرّف ، وهو ثابت في الواحد كثبوته في الأزيد.

مسألة ١٠٩٨ : ولا يُحكم بالحائط المحلول عنهما أو المتّصل بهما [ بالخوارج ](٢) وهي الصُّور والكتابات المتّخذة في ظاهر الجدار بلَبِناتٍ تخرج أو بجصٍّ أو آجرٍ أو خشبٍ ، ولا بالدواخل ، وهي الطاقات والمحاريب في باطن الجدار ، ولا بأنصاف اللَّبِن ، وذلك لأنّ الجدار من لَبِنات مقطعة ، فتُجعل الأطراف الصحاح إلى جانبٍ ، ومواضع الكسر إلى جانبٍ ، أو أنصاف اللَّبِن من أحد الجانبين ومن الآخَر الشكيك(٣) والمدر - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٤) - لأنّه لا بدّ وأن يكون وجه الحائط إلى أحدهما وإن كانا [ شريكين ](٥) فيه ، ولا يمكن أن يكون إليهما ، فبطلت دلالته ، وجرى مجرى تزويق الحائط.

وقال مالك وأبو يوسف : يُحكم به لمن إليه وجه الحائط ؛ لأنّ العرف‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٢٦ ، البيان ١٣ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢ ، المغني ٥ : ٤٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٩ ، وراجع أيضاً الهامش (٤) من ص ١٠٢.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالدواخل ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) لم نجده في اللغة.

(٤) الأُم ٣ : ٢٢٥ ، مختصر المزني : ١٠٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ١٣ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٠ - ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٨ ، روضة القضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ / ١٠٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٠٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، المغني ٥ : ٤٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦ (٩)

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شركاء ».

١٠٥

والعادة قاضيان بأنّ مَنْ بنى حائطاً فإنّه يجعل وجه الحائط إليه(١) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ العادة جارية بأنّ وجه الحائط يُجعل إلى خارج الدار ليشاهده الناس ، فلا يكون في كون وجهه إلى أحدهما دليلٌ.

مسألة ١٠٩٩ : لو كان الحاجز بين الدارين أو السطحين خُصّاً فتنازعا فيه‌ ، فعند علمائنا أنّه يُحكم به لمن إليه معاقد القِمْط التي تكون في الجدران المتّخذة من القصب وشبهه ، وأغلب ما يكون ذلك في السور بين السطوح ، فتُشدّ بحبال أو بخيوط ، وربما جعل عليها خشبة معترضة ، ويكون العقد من جانبٍ والوجه المستوي من جانبٍ - قال ابن بابويهرحمه‌الله : الخُصّ الطُّنّ(٢) الذي يكون في السواد بين الدور ، والقِمْط هو شدّ الحبل(٣) - وبه قال مالك وأبو يوسف(٤) .

واختلف النقل عن الشافعي.

فقال بعض أصحابه عنه : إنّ معاقد القِمْط مرجّحة ، يُحكم بالخُصّ لمن المعاقد إليه - كما قلناه - لأنّه إذا كانت المعاقد إليه فالظاهر أنّه وقف في ملكه وعقد(٥) .

ولما رواه العامّة عن جارية التميمي أنّ قوماً اختصموا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خُصٍّ ، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم ، فحكم به لمن تليه معاقد‌

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ / ١٠٠٣ ، التلقين : ٤٣٣ ، المعونة ٢ : ١٢٠٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦ - ٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ١٣ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١ ، روضة القضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، المغني ٥ : ٤٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٩.

(٢) الطُّنّ - بالضمّ - : الحزمة من الحطب والقصب. لسان العرب ١٣ : ٢٦٩ « طنن ».

(٣) الفقيه ٣ : ٥٧ ، ذيل ح ١٩٧.

(٤) البيان ١٣ : ١٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٨ ، المغني ٥ : ٤٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٦٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١.

١٠٦

القِمْط ، ثمّ رجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره ، فقال : « أصبتَ وأحسنتَ »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جابر عن الباقرعليه‌السلام عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنينعليهم‌السلام أنّه قضى في رجلين اختصما [ إليه ] في خُصٍّ ، فقال : « إنّ الخُصّ للّذي إليه القِمْط »(٢) .

وسأل منصور بن حازم الصادقَعليه‌السلام عن حظيرة بين دارين ، فذكر أنّ عليّاًعليه‌السلام قضى [ بها ] لصاحب الدار الذي من قِبَله القماط(٣) .

والقول الثاني للشافعي : إنّه يرجّح من الوجه المستوي مَن المعاقد تليه ، لا مَنْ إليه المعاقد(٤) .

وليس بمشهورٍ ، والقول المشهور عنه - وبه قال أبو حنيفة - أنّه لا ترجيح لأحدهما على الآخَر ؛ لأنّ كونه حائلاً بين الملكين علامةٌ قويّة في الاشتراك(٥) .

وهو ممنوع.

تذنيبان :

الأوّل : لو كان الأزج مبنيّاً على رأس الجدار ، رُجّح به‌ ؛ لأنّه تصرّفٌ من صاحبه في الجدار ، فيقضى له بملكيّته.

وقال الشافعي : لا يقضى له بذلك ؛ لاحتمال بناء الأزج بعد تمام الجدار(٦) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٥ / ٢٣٤٣.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٧ / ١٩٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٦ / ١٩٦ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢١.

(٥) الأُمّ ٣ : ٢٢٥ ، مختصر المزني : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٢٥ ، البيان ١٣ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٠ - ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٨.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢.

١٠٧

الثاني : قد بيّنّا أنّه يُرجّح بالجذوع الموضوعة عليه.

وقال الشافعي : لا يُرجّح بذلك ، والجدار في أيديهما معاً ، فيحلفان ويكون الجدار بينهما ، ولا تُرفع الجذوع عنه ، بل تُترك بحالها ؛ لاحتمال أنّها وُضعت بحقٍّ(١) .

مسألة ١١٠٠ : لو تنازع صاحب العلوّ والسُّفْل في السقف المتوسّط بين علوّ أحدهما وسُفْل الآخَر‌ ، فإن لم يمكن إحداثه بعد بناء العلوّ - كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلوّ - جُعل لصاحب السُّفْل ؛ لاتّصاله ببنائه على سبيل الترصيف.

وإن أمكن إحداثه بعد بناء العلوّ بأن يكون السقف عالياً فيثقب وسط الجدار وتوضع رءوس الجذوع في الثقب فيصير السقف بينهما ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : يُقرع بين صاحب العلوّ وصاحب السُّفْل فيه إذا لم تكن هناك بيّنة ، فمَنْ خرج اسمه حلف لصاحبه ، وحُكم له به ؛ لإجماع الفرقة على أنّ كلّ مجهولٍ تُستعمل فيه القرعة. ثمّ قال : وإن قلنا : يُقسم بين صاحب البيت وصاحب الغرفة ، كان جائزاً(٢) .

وقال الشافعي : يُحكم به بينهما ؛ لأنّه في يدهما معاً ، فالقول قول صاحب البيت في نصفه مع يمينه ، وقول صاحب الغرفة مع يمينه في نصفه ؛ لأنّه حاجز بين ملكيهما غير متّصلٍ ببناء أحدهما اتّصالَ البنيان ، فكان بينهما ، كالحائط بين الملكين ، وكلّ واحدٍ منهما ينتفع به ، فإنّه سماء لصاحب السُّفْل يظلّه ، وأرض لصاحب الغرفة تُقلّه ، فاستويا فيه. وبه قال‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٩ ، وراجع أيضاً الهامش (٣) من ص ١٠١.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩٨ ، المسألة ٨ من كتاب الصلح.

١٠٨

أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : يُحكم به لصاحب السُّفْل ؛ لأنّ السقف على ملك صاحب السُّفْل ، فكان القولُ قولَه فيه ، كما لو تنازعا سرجاً على دابّة أحدهما ، فإنّ القولَ قولُ صاحب الدابّة(٢) .

ويبطل بحيطان الغرفة ، ولا يشبه السرج ؛ لأنّه لا ينتفع به غير صاحب الدابّة ، فكان في يده ، وهنا السقف ينتفع به كلاهما على ما تقدّم.

وهذا القول حكاه أصحاب مالك مذهباً له عنه(٣) .

وحكى الشافعيّة عن مالك أنّه لصاحب العلوّ(٤) .

ولا بأس به عندي ؛ لأنّه ينتفع به ، دون صاحب السُّفْل ، وينفرد بالتصرّف فيه ، فإنّه أرض غرفته ويجلس عليه ويضع عليه متاعه ، ويمكن‌

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٢٦ ، مختصر المزني : ١٠٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٨ - ٣٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣١٧ ، الوسيط ٤ : ٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٨ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢ - ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٩ ، المغني ٥ : ٤٥ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٧١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٩ ، المعونة ٢ : ١١٩٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٨.

(٢) روضة القُضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٩ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ ، المغني ٥ : ٤٥ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٧١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٦ ، التلقين : ٤٣٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٩ ، المعونة ٢ : ١١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٢ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ ، المغني ٥ : ٤٥ ، الشرح الكبير ١٢ : ١٧١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٩ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ ، وأيضاً في المغني ٥ : ٤٥ ، والشرح الكبير ١٢ : ١٧١.

١٠٩

وجود بيتٍ لا سقف له ، ولا يمكن وجود ملكٍ لا أرض له.

مسألة ١١٠١ : لو تنازع صاحب البيت والغرفة في جدران البيت ، حُكم بها لصاحب البيت مع يمينه‌ ؛ لأنّ الحيطان في يده ، وهو المنتفع بها.

وإن تنازعا في جدران الغرفة ، فهي لمن الغرفة في يده.

والأوّل لا يخلو من إشكالٍ ؛ لمشاركة صاحب الغرفة له في الانتفاع والتصرّف معاً ، بل تصرّفه وانتفاعه أكثر.

مسألة ١١٠٢ : لو تنازع صاحب علوّ الخان وصاحب سُفْله ، أو صاحب علوّ الدار وصاحب سُفْلها في العرصة أو الدهليز‌ ، فإن كانت الدرجة وشبهها في صدر الخان أو الدار أو في الدهليز ، جُعلت العرصة والدهليز بينهما ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهما فيهما يداً وتصرّفاً من الممرّ ووضع الأمتعة وغيرهما.

قال الجويني : ولا يبعد أن يقال : ليس لصاحب العلوّ إلّا حقّ الممرّ ، وتُجعل الرقبة لصاحب السُّفْل(١) .

ولكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(٢) .

وإن كانت الدرجة في دهليز الخان أو في الوسط ، فمن أوّل الباب إلى المرقى بينهما ؛ لأنّه في تصرّفهما.

وفيما وراء ذلك للشافعيّة وجهان :

أصحّهما : إنّه لصاحب السُّفْل ؛ لانقطاع الآخَر عنه ، واختصاص صاحب السُّفْل باليد والتصرّف.

والثاني : إنّه يُجعل بينهما ؛ لأنّه قد ينتفع به صاحب العلوّ بإلقاء الأمتعة فيه وطرح القمامات(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٩.

(٢) كما في المصدرين في الهامش السابق.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٤٦ ، حلية العلماء ٨ : ٢١١ ، =

١١٠

والمعتمد عندي : الأوّل.

وإن كانت الدرجة خارجةً عن خطّة الخان والدار ، فالعرصة بأجمعها لصاحب السُّفْل ، ولا تعلّق [ لصاحب العلوّ ](١) بها بحالٍ.

قالت الشافعيّة : ومثال ما إذا كانت الدرجة في وسط الخان لا في صدره ولا خارجة عنه الزقاقُ المنقطع إذا كان فيه بابان لرجلين ، أحدهما في وسطه والآخَر في صدره ، فمن أوّله إلى الباب الأوّل بينهما ، وما جاوزه إذا تداعياه فعلى الوجهين(٢) .

وقد عرفت مذهبنا فيه فيما تقدّم(٣) .

مسألة ١١٠٣ : إذا تنازع صاحب العلوّ وصاحب السُّفْل في الدَرَج‌(٤) فادّعاها كلٌّ منهما ، فإن كانت دكّة غير معقودةٍ أو كانت سُلّماً ، حُكم بها لصاحب العلوّ ؛ لأنّها في انتفاعه خاصّةً.

وإن كانت معقودةً تحتها موضع ينتفع به صاحب السُّفْل ، فالأقرب : إنّها لصاحب العلوّ أيضاً ؛ لأنّ الدرجة إنّما تُبنى للارتقاء بها إلى العلوّ ، ولا تُبنى لما تحتها بالعادة ، بل القصد بها السلوك إلى فوق ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّها بينهما ؛ لأنّ صاحب السُّفْل ينتفع بها [ بظلّها ](٥) وصاحب العلوّ ينتفع بها ويرتقي عليها ، فهي كالسقف يتنازعه صاحب العلوّ‌

____________________

= التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٩ ، البيان ١٣ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٩ - ٤٦٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « للعلوّ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٤٦ ، البيان ١٣ : ١٩٤.

(٣) راجع ص ٥١ وما بعدها.

(٤) الدَرَج : مصطلح يطلق على الآلة التي يستعان بها للصعود.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بظلّه ». والصحيح ما أثبتناه.

١١١

والسُّفْل(١) .

وقد سبق(٢) كلامنا في السقف ، وأنّ الأولى الحكم به لصاحب العلوّ ، مع قيام الفرق بينهما ؛ لأنّ السقف يُبنى للبيت وإن لم يكن له غرفة ، بخلاف الدرجة.

وبعضهم فصّل فقال : إن كان تحتها بيت يقصد بنيانها عليه كانت بينهما ، وإن كان تحتها عقد صغير يوضع فيه الحُبّ أو شبهه فوجهان(٣) .

ولو تنازعا في السُّلَّم وهو غير خارجٍ عن الخان ، فإن كان منقولاً - كالسلاليم التي تُوضع وتُرفع - فإن كان في بيتٍ لصاحب السُّفْل فهو في يده ، وإن كان في غرفةٍ لصاحب العلوّ فهو في يده ، فيُحكم به في الحالين لكلّ مَنْ هو في يده.

وإن كان منصوباً في المرقى ، فهو لصاحب العلوّ ؛ لعود منفعته إليه وظهور تصرّفه فيه ، دون الآخَر ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : إنّه لصاحب السُّفْل ، كسائر المنقولات(٥) .

وهو المعتمد عندي ، ولهذا لا يندرج السُّلَّم الذي لم يُسمر تحت بيع الدار.

ولو كان السُّلَّم مسمراً في موضع المرقى ، فهو لصاحب العلوّ ؛ لعود‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٥ ، بحر المذهب ٨ : ٤٧ ، البيان ١٣ : ١٩٥.

(٢) في ص ١٠٧ وما بعدها ، المسألة ١١٠٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣١٧ - ٣١٨ ، بحر المذهب ٨ : ٤٧ ، حلية العلماء ٨ : ٢١١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٩ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٠.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣١٨ ، البيان ١٣ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٣ - ١٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٦٠.

١١٢

فائدته إليه ، وكذا الأخشاب المعقودة في المرقى ، وكذا إن كان مبنيّاً من لَبِن أو آجر أو شبههما إذا لم يكن تحته بيت.

ولو تنازعا في البيت الذي تحت الدرجة ، احتُمل اختصاص صاحبِ السُّفْل به كسائر البيوت ، وصاحبِ العلوّ ؛ لأنّ ملك الهواء يستتبع ملك القرار والشركة فيه.

ولو تنازعا في السقف الأعلى للغرفة ، فهو لصاحب الغرفة ؛ لاختصاصه بالانتفاع به ، دون صاحب السُّفْل.

* * *

١١٣

الفصل الخامس : في اللواحق‌

مسألة ١١٠٤ : قد بيّنّا أنّ الصلح يصحّ عن الإنكار كما يصحّ عن الإقرار.

وخالف فيه الشافعي ومَنَع من صحّة الصلح عن الإنكار(١) . وقد سلف(٢) دليله وضعفه.

وربما احتجّ بعضهم : بقولهعليه‌السلام : « الصلح بين المسلمين جائز إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً »(٣) وهذا الصلح قد أحلّ الحرام ؛ لأنّه لم يكن له أن يأخذ من مال المدّعى عليه وقد حلّ بالصلح(٤) .

وهو ضعيف ؛ لأنّ المعنى الذي ذكروه آتٍ في الصلح بمعنى البيع ؛ لأنّه يحلّ لكلّ واحدٍ منهما ما كان محرَّماً عليه ، وكذا الصلح بمعنى الهبة ، فإنّه يحلّ للموهوب له ما كان محرَّماً عليه ، والإسقاط يحلّ له ترك أداء ما كان واجباً عليه.

ولأنّ الصلح الصحيح هو الذي يحلّل ما كان حراماً لولاه ، كغيره من العقود ، والصلح الفاسد لا يحلّ به الحرام ، والمراد المنع من صلحٍ يتوصّل به إلى تناول المحرَّم مع بقائه بعد الصلح على تحريمه ، كما لو صالحه على استرقاق حُرٍّ أو شرب خمرٍ ، أو إذا كان المدّعي كاذباً في دعواه أو المنكر في إنكاره ، ويتوصّل الكاذب إلى أخذ المال بالصلح من غير رضا الآخَر باطناً ، فإنّه صلحٌ باطل.

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٢٦.

(٢) في ص ٢٦.

(٣) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٥.

(٤) راجع المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠ ، والبيان ٦ : ٢٢٦.

١١٤

ولأنّه يباح لمن له حقٌّ يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقدره أو دونه ، وإذا حلّ له ذلك من غير اختياره ولا علمه ، فلأن يحلّ برضاه وبذله أولى.

ولأنّه يحلّ مع اعتراف الغريم ، فلأن يحلّ به مع جحده وعجزه عن الوصول إلى حقّه إلّا بذلك أولى.

ولأنّ المدّعي هنا يأخذ عوض حقّه الثابت له ، والمدّعى عليه يدفعه لدفع الشرّ عنه وقطع الخصومة ، وليس في الشرع ما يدلّ على تحريم ذلك في موضعٍ.

ولأنّ الصلح مع الإنكار يصحّ مع الأجنبيّ ، فصحّ مع الغريم ، كالصلح مع الإقرار ، بل هو أولى ؛ لأنّه إذا صحّ مع الأجنبيّ مع غناه ، فلأن يصحّ مع الخصم مع حاجته إليه أولى.

واحتجاجهم بأنّه معاوضة(١) ، قلنا : إن أردتم أنّه معاوضة في حقّهما فهو ممنوع ، وإن أردتم أنّه معاوضة في حقّ أحدهما فمسلَّم ؛ لأنّ المدّعي يأخذ عوض حقّه من المنكر ؛ لعلمه بثبوت حقّه عنده ، فهو معاوضة في حقّه ، والمنكر يعتقد أنّه يدفع المال المدفوع لدفع الخصومة والمنازعة وتخليصه من شرّ المدّعي ، فهو إبراء في حقّه ، وغير ممتنعٍ ثبوت المعاوضة في حقّ أحد المتعاقدين دون الآخَر ، كما لو اشترى عبداً شهد بحُرّيّته ، فإنّه يصحّ ، ويكون معاوضةً في حقّ البائع ، واستنقاذاً في حقّ المشتري.

إذا ثبت هذا ، فإنّما يصحّ الصلح لو اعتقد المدّعي حقّيّة دعواه ، والمدّعى عليه يعتقد براءة ذمّته ، وأنّه لا شي‌ء عليه للمدّعي ، فيدفع إلى المدّعي شيئاً ليدفع عنه اليمين ويقطع الخصومة ويصون نفسه عن التبذّل وحضور مجلس الحكم ، فإنّ أرباب النفوس الشريفة والمروءات‌

____________________

(١) راجع المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠ ، والبيان ٦ : ٢٢٦.

١١٥

والمناصب الجليلة يترفّعون عن ذلك ، ويصعب عليهم الحضور للمنازعة ، ويرون دفع ذلك عنهم من أعظم مصالحهم ، والشرع لا يمنع من وقاية النفس وصيانتها ودفع الشرّ عنها ببذل الأموال ، والمدّعي يأخذ ذلك عوضاً عن حقّه الثابت له في زعمه ، ولا يمنعه الشرع من ذلك أيضاً.

ولا فرق بين أن يكون المأخوذ من جنس حقّه أو من غير جنسه ، ولا بين أن يكون بقدر حقّه أو أقلّ ، فإن أخذ من جنس حقّه بقدره فهو مستوفٍ لحقّه ، وإن أخذ دونه فقد استوفى بعض حقّه وترك البعض.

وإن أخذ من غير جنس حقّه ، فقد أخذ عوضه ، فيجوز أن يأخذ أزيد حينئذٍ.

وإن أخذ من جنس حقّه أزيد ، فالأقرب : الجواز.

ومَنَع منه بعضُ الجمهور ؛ بناءً على أنّ الزائد لا عوض له ، فيكون ظالماً(١) .

وهو غلط إذا رضي الدافع باطناً وظاهراً ، وقد سبق(٢) .

مسألة ١١٠٥ : إذا ادّعى على غيره مالَ الأمانة ، فأنكر أو اعترف‌ ، ثمّ صالح عنه إمّا بجنسه أو بغير جنسه ، جاز ، كالمضمون ؛ عملاً بعموم قوله تعالى :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين »(٤) .

فلو ادّعى على رجلٍ وديعةً أو قراضاً أو لقطةً أو غيرها من الأمانات ، أو ادّعى تفريطاً في وديعةٍ أو في قراضٍ أو غير ذلك فصالح ، جاز ؛ لما‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١ - ١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢.

(٢) في ص ٣٧ - ٣٨ ، المسألة ١٠٤٥.

(٣) النساء : ١٢٨.

(٤) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٢٠.

١١٦

تقدّم.

مسألة ١١٠٦ : قد ذكرنا أنّه يصحّ الصلح من الأجنبيّ عن المنكر أو المعترف‌ ، سواء اعترف الأجنبيّ للمدّعي بصحّة دعواه أو لم يعترف ، وسواء كان بإذنه أو بغير إذنه.

وقال أصحاب الشافعي : إنّما يصحّ إذا اعترف للمدّعي بصحّة دعواه(١) .

وهو بناءً على أنّ الصلح عن الإنكار باطل ، وقد بيّنّا بطلانه.

ثمّ إن كان الصلح عن دَيْنٍ ، صحّ ، سواء كان بإذن المنكر أو بغير إذنه ؛ لأنّ قضاء الدَّيْن عن غيره جائز بإذنه وبغير إذنه ؛ فإنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة قضيا عن الميّت ، فأجازه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وإن كان الصلح عن عينٍ بإذن المنكر فهو كالصلح منه ؛ لأنّ الوكيل يقوم مقام الموكّل ، وإن كان بغير إذنه فهو افتداء للمنكر من الخصومة واعتياض للمدّعي(٣) ، وهو جائز في الموضعين.

وإذا صالح عنه بغير إذنه ، لم يرجع عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه أدّى عنه ما لا يلزمه أداؤه ، ولأنّه لم يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدّعي ، فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره!؟ ولأنّه متبرّع بأدائه غير ما يجب عليه.

وقال بعض الحنابلة : يرجع. ويجعله كالمدّعي(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٢٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٣.

(٢) مرّ تخريجه في ج ١٤ ، ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) وص ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٣) في النسخ الخطّيّة : « من المدّعي » بدل « للمدّعي ».

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ١٤.

١١٧

وهو غلط ؛ لأنّه يجعله كالمدّعي في الدعوى على المنكر ، أمّا أنّه يجب له الرجوع بما أدّاه فلا وجه له أصلاً ، وأكثر ما يجب لمن قضى دَيْن غيره أن يقوم مقام صاحب الدَّيْن ، وصاحب الدَّيْن هنا لم يجب له حقٌّ ، ولا يلزم الأداء إليه ، ولا يثبت له أكثر من جواز الدعوى ، فكذلك هنا.

ويشترط في جواز الدعوى أن يعلم صدق المدّعي ، فإن لم يعلم لم يجز له دعوى شي‌ءٍ لا يعلم ثبوته.

وإذا صالح عنه بإذنه ، فهو وكيله ، والتوكيل في ذلك جائز.

ثمّ إن أدّى عنه بإذنه رجع عليه ، وهذا قول الشافعي(١) ، وإن أدّى عنه بغير إذنه متبرّعاً لم يرجع بشي‌ءٍ.

وإن قضاه محتسباً بالرجوع ، احتُمل الرجوع ؛ لأنّه قد وجب عليه أداؤه بعقد الصلح ، بخلاف ما إذا صالح وقضى بغير إذنه ، فإنّه قضى ما لا يجب على المنكر قضاؤه.

مسألة ١١٠٧ : إذا صالحه على سكنى دارٍ أو خدمة عبدٍ ونحوه من المنافع المتعلّقة بالأعيان ، صحّ‌ بشرط ضبط المدّة ، ولا يكون ذلك إجارةً ، بل عقداً مستقلّاً بنفسه ، خلافاً للشافعي(٢) .

فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شي‌ءٍ من المنفعة ، انفسخ الصلح ، ورجع بما صالح عنه.

وإن تلف بعد استيفاء بعض المنفعة ، انفسخ فيما بقي من المدّة ، ورجع بقسط ما بقي.

ولو صالحه على أن يزوّجه جاريته ، لم يصح ؛ لأنّ البُضْع لا يقع في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٣ ، البيان ٦ : ٢٢٨ ، المغني ٥ : ١٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، البيان ٦ : ٢٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨.

١١٨

مقابله شي‌ء.

وقال بعض الجمهور : يصحّ ، ويكون المصالَح عنه صداقها(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمرٍ يُسقط الصداقَ ، رجع الزوج بما صالَح عنه. فإن [ طلّقها ](٢) قبل الدخول ، رجع بنصفه.

وإن كان المعترف امرأةً فصالحت المدّعي على أن تزوّجه نفسها على أن يكون بُضْعها عوضاً ، لم يصح ، خلافاً لبعض الحنابلة(٣) .

وكذا لو كان الصلح عن عيبٍ في مبيعها فصالحته على نكاحها ، قال : فإن زال العيب رجعت بأرشه ؛ لأنّ ذلك صداقها ، فرجعت به ، لا بمهر مثلها ، وإن لم يزل العيب لكن انفسخ نكاحها بما يُسقط صداقَها ، رجع عليها بأرشه(٤) .

وهو مبنيّ على جواز جَعْل البُضْع عوضاً في الصلح.

مسألة ١١٠٨ : قد بيّنّا أنّه يصحّ الصلح عن الدَّيْن ببعضه مع الرضا الباطن‌ ؛ لأنّ كعباً تقاضى ابن أبي حدْرد دَيْناً - كان له عليه - في المسجد ، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إليهما ثمّ نادى : « يا كعب » قال : لبّيك ، فأشار إليه أن ضَع الشطر من دَيْنك ، قال : قد فعلتُ يا رسول الله(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طالب ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) المغني ٥ : ١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧.

(٤) المغني ٥ : ١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٧ - ٨.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٢ / ١٥٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ٦٧ - ٦٨ / ١٢٨.

١١٩

وفي الذي أُصيب في حديقته فمرّ به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ملزوم ، فأشار إلى غرمائه بالنصف ، فأخذوا منه(١) .

وهذا يدلّ على تسويغه مع الرضا الباطن.

ولو قال : على أن توفيني ما بقي ، صحّ أيضاً عندنا.

ومَنَعه الحنابلة ؛ لأنّه ما أبرأه عن بعض الحقّ إلّا ليوفيه بقيّته ، فكأنّه عاوض بعض حقّه ببعضٍ(٢) . وهو ممنوع.

ولو كان له في يد غيره عيناً ، فقال : قد وهبتك نصفها فأعطني نصفها ، صحّ ، واعتُبر في ذلك شروط الهبة.

ولو أخرجه مخرج الشرط ، صحّ عندنا.

خلافاً للشافعي وأحمد ؛ لأنّه إذا شرط الهبة في الوفاء ، جَعَل الهبة عوضاً عن الوفاء ، فكأنّه عاوض بعض حقّه ببعضٍ(٣) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ.

ولو قال : صالحني بنصف دَيْنك علَيَّ أو بنصف دارك هذه ، فيقول : صالحتك بذلك ، صحّ عندنا ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) - ومَنَع منه بعض الشافعيّة والحنابلة(٥) - لأنّه إذا لم يجز بلفظ الصلح خرج عن أن يكون صلحاً ، ولا يبقى له تعلّقٌ به ، فلا يُسمّى صلحاً ، وأمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي صلحاً ؛ لوجود اللفظ و [ إن تخلّف ](٦) المعنى ، كالهبة بشرط الثواب ، وإنّما يقتضي لفظ الصلح المعاوضةَ إذا كان هناك عوضٌ ، أمّا مع عدمه فلا ، وإنّما معنى الصلح الرضا والاتّفاق ، وقد يحصل من غير عوضٍ ، كالتمليك‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤.

(٣ - ٥) المغني ٥ : ١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤‌

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يختلف ». والمثبت هو الصحيح.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلّفاته غالبها متداولة كثير النفع، وللناس عليها تهافت زائد، ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير.

وتوفي صبيحة يوم الخميس ٢٣ من صفر سنة ١٠٣١ »(١). .

(٥٥)

رواية الشيخاني القادري

ورواه السيّد محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري بقوله:

« أخرج أحمد عن عمرو بن شاس الأسلميرضي‌الله‌عنه - وهو من أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن، فجفاني في سفري، حتى وجدت في نفسي عليه، فلمـّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ناس من أصحابه، فلمـّا رآني أحدّ لي عينيه - يقول حدّد إليَّ النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله.

قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي لفظٍ أخرجه ابن عبد البر: من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي رواية: إن بريدة تكلّم في علي بما لا يحبّ رسول الله، وذلك أنّه أخذ جاريةً من الخمس، فبلغ ذلك إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً! من بغض علياً فقد

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢.

٢٤١

بغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم قال: يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي »(١). .

عبارته في صدر كتابه

هذا وتعرف شخصيّة القادري وقيمة كتابه ( الصراط السويّ ) ممّا ذكره في صدره، وهذه عبارته:

« أما بعد فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خبال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر

واعلم أنّ الفحول قد قُبِضَت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته، وهزمته كثرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب التي صنّفها أصحاب البدعة، كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب إنْ شاء الله تعالى، ويلوح لك شرارها من بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب. وذلك إمّا لاندراس محبّة آل بيت النبي من قلوب الصالحين من أهل السنة، والعياذ بالله من تلك الفتنة، أن لنقصٍ في الإِيمان وتردّد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم ظاهر في أمر الدين.

والدليل على ذلك أني سمعت من جماعةٍ لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة، من بني الحسن والحسين،

__________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٤٢

فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخر مثاقلاً بدينار

ثم نودي في سري الروضة، بين القبر الشريف والمنبر، بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتابٍ أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الإِختصار ».

الاعتماد على رواية القادري

ثم إنّ الرشيد الدّهلوي يعتمد في كتابه ( غرّة الرّاشدين ) على رواية القادري في إثبات دعوىً له حول أبي حنيفة فيقول:

« وقال السيّد محمود القادري -قدس‌سره - في كتاب حياة الذّاكرين: قيل: إنّ رجلاً أتى أبا حنيفة - رحمة الله عليه - وقال: أخي توفّي وأوصى بثلث ماله لإِمام المسلمين، إلى مَن أدفع؟

فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانقي، وكان يبغض أبا حنيفة، كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعيرحمه‌الله .

فحلف السائل - كذباً - أنّه ما أمرني بهذا السؤال.

فقال أبو حنيفة -رحمه‌الله -: إدفع الثلث إلى جعفر بن محمّد الصادق، فإنّه هو الإِمام الحق.

فذهب السائل وأخبر أبا جعفر الدوانقي بذلك.

فقال أبو جعفر: بهذا عرفت أبا حنيفة منذ قديم، إنّه يرى الحق لغيرنا.

ثم دعا بأبي حنيفة وسقاه السمّ في الطعام، ففهم أبو حنيفة ذلك، فقام ليخرج، فقال له أبو جعفر: إلى أين يا أبا حنيفة؟ فقال: إلى أين تأمرني؟ فأمره بالجلوس إلى أنْ عمل السم فيه. فخرج ومات شهيداً في الطريق.

ولا تنافي بين هذا الخبر وما روي من أن السبب فتواه بإعانة محمد

٢٤٣

وإبراهيم، فتلك الفتوى كانت السّبب في حبسه وهذا الجواب السبب في قتله ».

(٥٦)

رواية ابن باكثير المكّي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وقال: حسن غريب.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - إنه كان يبغض علياً، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تبغض علياً؟ قال: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أحبّ إليّ من علي.

وفي رواية: علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم بعدي.

خرّجهما أحمد بن حنبل ».

كما روى ابن باكثير حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المشتمل على فضائل عشر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية. وقال في آخره:

« خرّج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة ذكرها أبو إسحاق وغيره »(١). .

__________________

(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٤٤

عبارته في صدر كتابه

ولننقل عبارة ابن باكثير في صدر كتابه المذكور ليظهر اعتبار أحاديثه، فإنّه قال فيه:

« فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد الثمينة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة، ممّا هو مختصٌ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطمية، وأذكره بلفظ الإِجمال. ثم ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثم ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلَّفاتهم وقنّتوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب ويوصل إليه بأحسن نمط واُسلوب، سالكاً في ذلك طريق السّداد ومقتصراً فيه على ما به يحصل المراد، تاركاً للتطويل المملّ، سالماً من نقص الإِختصار المخلّ.

فجاء - بحمد الله تعالى - من أحسن تأليف في هذا الشأن، وأتقن مصنَّف سلك فيه طريق الإِتقان، جمع مع سهولة تناوله البديع حسن البيان، وحوى مع تناسب مسائله وتناسق وسائله عذوبة الموارد للظمآن، وتتبّعت فيه غالب ما صحّ نقله من الأحاديث ويعمل بمثله في الفضائل ويحتجّ به في القديم والحديث، وتركت ما اشتدّ ضعفه منها. ولم نجد له شاهداً يقوّيه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفّاظ من الموضوع الذي يجب أنْ ننقّيه.

وأتيت بالمشهور في كتب التواريخ عند نقل القصص والأخبار، وربّما دعت الحاجة إلى الإِشارة لبعض الوقائع روماً لطريق الإِختصار، واكتفيت بالحوالة على الكتب المؤلَّفة لذلك الفن، فإنّها تغني عن التطويل بذكره في كتابنا، لقصد الإِيجاز مهما أمكن.

٢٤٥

فدونك مؤلّفَاَ يجب رقم سطوره بخالص الإِبريز، ومصنَّفاً يتَعيَّن أنْ يقابل بالتكريم والتعزيز، ويحقّ له أنْ يجرّ ذيل فخره على فرق كلّ مؤلَّف سواه، ويسمو على كلّ مصنَّف بما جمع فيه وحواه، إذ هو سفينة بجواهر نعوت أهل البيت قد شحنت، وفي بحار فضائلهم الجمة قد عامت، وعلى جوديّ شمائلهم استوت واستوطنت، يضوع من أرجائها نشر مناقبهم العاطر، ويلوح في شمائلها بدر كواكبهم الزاهر.

تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرُّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين، ممّا تفرّق في سواه من نصوص العلماء ومؤلفات الأئمة القدماء.

ثم لمـّا كمل حُسنه البهيّ وتهذيبه، وتمّ بحمد الله تعالى تفصيله وتبويبه، سمّيته: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل، لكي يطابق اسمه مسمّاه، ويوافق رسمه المعنى الذي نويناه، والمبنى الذي بنيناه، لأنّي ألَّفته راجياً به السّلامة من ورطات يوم القيامة والخلوص من ندامة ذلك المقام، مؤمَّلاً من فضل الله تعالى أن أحرز ببركته سائر الآمال، وأفوز بأسنى المطالب والحال والمآل، لأنّ حبّهم هو الوسيلة العظمى، وتقرّبهم في كلا الدارين يوصل إلى كل مقامٍ أسنى ».

ترجمة ابن باكثير

وترجم المحبّي لابن باكثير بقوله:

« الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي الشّافعي. من اُدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جليّ، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الأوفاق والزابرجا يد عاليه، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ

٢٤٦

السّلطاني بالحرم الشّريف، بدلاً عن شريف مكّة.

ومن مؤلَّفاته: حسن المآل في مناقب الآل، جعله باسم الشريف إدريس أمير مكّة وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكّة. ودفن بالمعلّاة »(١). .

وفي ( تنضيد العقود السنّية ) لدى النقل عن ابن باكثير: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ».

(٥٧)

رواية البدخشي

ورواه ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشي في كتبه الثلاثة.

ففي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ):

« أخرج أحمد عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن، على أحدهما: علي بن أبي طالب. وعلى الآخر: خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإذا افترقتم فكلّ واحدٍ منكما على جنده. قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة. فاصطفى علي امرأة من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجلٍ فأمرتني أنْ اُطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٤٧

بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الديلمي عن علي - كرّم الله وجهه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: يا بريدة: إن عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

( وفيه ): « أخرج الترمذي - واللّفظ له - والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرنا بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدؤا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا. فأعرض عنه رسول الله. ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ عند أحمد مرفوعاً -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الخطيب والرّافعي، عن عليّ كرّم الله وجهه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعة، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ

٢٤٨

المؤمنين ».

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، إذْ أتاه تسعة رهط ».

فرواه إلى آخره ثم قال: « أقول: هذا حديث حسن، بل صحّحه بعضهم. وهو شامل لمناقب جمّة، يلزم لأهل العلم حفظه »(١). .

وفي ( نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار ):

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -

فأقبل إليهم رسول الله - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢). .

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون، إني لجالس إلى ابن عباس ».

ولا يخفى أنّه ذكر هذين الحديثين في القسم الأول من المقصد الأول من الكتاب، وقد نصّ في أول هذا القسم على أن أحاديثه « لم يختلف في صحّتها العلماء الأعلام ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. حم عن عمران بن حصين ».

( وفيه ): « ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ت وحسّنه. ك عن عمران بن

__________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الاطهار: ٢٢.

٢٤٩

حصين »(١). .

ترجمة البدخشاني

ومحمد بن معتمد خان البدخشي من أجلّة العلماء في الهند، ترجم له اللكهنوي ووصفه بالشيخ العالم المحدّث أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » وذكر كتبه(٢). .

ثم أنّه يعدّ من الأعلام المحققين وأعيان المعتمدين من أهل السنّة، فالرّشيد الدهلوي يصرّح بكونه من عظماء أهل السنة، ويستند إلى مؤلّفاته في مقابلة أهل الحق، ويستشهد بها على كون أهل السنّة موالين لأهل البيت الطّاهرين. والمولوي حيدر علي الفيض آبادي يذكره من علماء أهل السنّة الأعلام القائلين بلعن يزيد بن معاوية، وينص على اعتبار كتبه. و ( الدهلوي ) نفسه يقول في جواب سؤالٍ وُجّه إليه في تلقيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « المرتضى »:

« قد كُنّي في الأحاديث الصحيحة بأبي تراب، وأبي الريحانتين، وقد روي وثبت تلقيبه بذي القرنين، ويعسوب الدين، والصدّيق، والفاروق، والسّابق، ويعسوب الاُمّة، ويعسوب قريش، وبيضة البلد، والأمين، والشريف، والبار، والمهتدي، وذي الاُذن الواعية.

والميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي، المؤرّخ المشهور لهذا البلد - يعني دهلي - ذكر تلقيبه بالمرتضى في رسالتيه في فضائل الخلفاء وفضائل أهل البيت، وهاتان الرسالتان من عمدة تصانيفه. لكنّ الفقير لا يتذكّر الآن أنّه إلى أيّ حديث استند في ذلك.

__________________

(١). تحفة المحبين بمناقب أهل البيت الطاهرين - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٢٥٠

وفي حديث أنس بن مالك في قصة تزويج سيّدة النساء، وخطبة أبي بكر الصدّيق وعمر الفاروق منها، لفظ يفهم منه كون أمير المؤمنين المرتضى والمختار، أي في هذا الأمر، يعني تزويج سيّدة النساء رضي الله تعالى عنها منه. » انتهى نقلا عن مجموع فتاوى ( الدهلوي ) الموجود عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي.

(٥٨)

رواية محمد صدر العالم

ورواه الشيخ محمد صدر العالم في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:

« أخرج أحمد: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».

وقال: « أخرج الديلمي: عن بريدة قال قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر.

وأخرج ابن أبي شيبة: عن عمران بن حصين قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج أحمد عنه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج الطّيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم عنه مثله.

وأخرج الترمذي - وقال حسن غريب - والطبراني والحاكم - وصححه - عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وانا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

٢٥١

و أخرج الخطيب والرّافعي عن علي - كرّم الله وجهه - قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أن أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي ومعك لواء الحمد، وأنت تحمله من بين يديَّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة محمد صدر العالم

ومحمد صدر العالم من كبار العلماء الأجلّة من أهل السنّة ترجمه صاحب ( نزهة الخواطر ) بالشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين. ثم ذكر مصنّفاته ومنها معارج العلى(٢). .

وكتابه من الكتب الممدوحة المقبولة عندهم. وقد أثنى عليه وعلى كتابه معاصره شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي - والد ( الدهلوي ) - في قصيدةٍ أنشأها وأرسلها إلى صدر العالم، بعد أن وقف على كتابه المذكور وهي موجودة في كتابه ( التفهيمات الإِلهيّة )، وبترجمته في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٧ ).

(٥٩)

رواية أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله أحمد بن عبد الرّحيم الدهلوي - وهو والد

__________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٥.

٢٥٢

( الدهلوي ) - وأثبته في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في غير واحدٍ من كتبه.

فروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث عمران بن حصين عن الترمذي(١). .

وروى في كتابه ( إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء ) حديث عمرو بن ميمون بطوله، المشتمل على حديث الولاية، المذكور في الكتاب مراراً، عن الحاكم والنسائي(٢).

ولم نجد منه طعناً في سند الحديث

فيا للعجب كلّ العجب من ( الدهلوي ) كيف خاض في غمار عقوق والده وشيخه المهذّب، ورجّح على اتّباعه تقليد الكابلي الجالب على نفسه وأتباعه أمّر العطب، وكأنّه لم يقرع سمعه قول عليعليه‌السلام : نحن أهل بيت ما عادانا بيت إلّا خرب، وما نبح علينا كلب إلّا جرب؟!

ترجمة أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

وشاه وليّ الله الدّهلوي إمام علماء الهند في عصره في العلوم المختلفة، تجد الثناء العظيم عليه في الكتب المؤلّفة بتراجم رجال تلك الدّيار وفي غيرها، مثل ( اتحاف النّبلاء ) و ( أبجد العلوم ) و ( نزهة الخواطر ٦ / ٣٩٨ - ٤١٥ ). كما أنّه ترجم لنفسه في كتابٍ أسماه ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضّعيف )، كما أن ابنه ( الدهلوي ) وسائر علماء الهند المتأخرين كلّهم عيال عليه في شتّى البحوث.

__________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ١٦٨.

(٢). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ٤٤٨.

٢٥٣

(٦٠)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليمني الصّنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) فقد قال بشرح:

« قل من المدح بما شئت فلم

تأتِ فيما قلته شيئاً فرّيا

كلّ من رام يداني شأوَه

في العلى فاعدده روماً أشعبيّاً »

قال: هذه كالفذلكة لِما تقدّم من فضائله، كأنّه قال: إذْ قد عرفت أنّه أحرز كلّ كمالٍ، وبذّ في كلّ فضيلةٍ كملة الرجال، فقل ما شئت في مدحه، كأنْ تمدحه بالعبادة، فإنّه بلغ رتبتها العليّة، وبالشّجاعة فإنّه أنسى ما سبقه من أبطال البريّة، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود وأنّه الذي فيه المنتهى.

وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللّسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله - كما قد أشرنا إليه سابقاً - وكيف ينحصر لنا وقد قال إمام المحدّثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحدٍ من الفضائل الصحيحة ما ثبت للوصيّعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنّة قد شرّقت وغرّبت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. وإشارة إلى ما لم نورده سابقاً:

فمن ذلك: أنّه من الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمنزلة الرأس من البدن، كما أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: عليّ منّي

٢٥٤

بمنزلة رأسي من بدني.

ومن ذلك: أنّه باب حطّة، كما أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن ذلك: أنه من النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه، كما أخرجه أحمد والترمذي وأبو حاتم، من حديث عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

وقال محمد بن إسماعيل بشرح:

« كلّما للصحب من مكرمة

فله السّبق تراه الأوليّا »

قال: « وقد اختصّه الله ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ولا تفنى بفناء اللّيالي والأيّام. مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره، كما أخرجه العلّامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الاُمة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الذي كان لواه معه في كلّ زحف. وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره. وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وكاختصاصه بخمسٍ، كما أخرجه أحمد في المناقب، وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد.

وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهو من حديث عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذا أتاه ».

٢٥٥

ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير

ومحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني المتوفى سنة ١١٨٢ فقيه، محدّث، متكلّم، من أئمّة اليمن، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، ترجم له وأثنى عليه:

١ - الشوكاني في ( البدر الطّالع ٢ / ١٣٣ ).

٢ - صدّيق حسن في ( التاج المكلّل: ٤١٤ ).

(٦١)

رواية الصبّان المصري

ورواه محمّد الصبّان المصري صاحب ( إسعاف الراغبين ) قال:

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

ترجمة الصبّان

وترجم لأبي العرفان محمد بن علي الصبّان المصري الشّافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ في ( معجم المؤلّفين )(٢). عن عدّةٍ من المصادر، قال: « عالم،

__________________

(١). اسعاف الراغبين - هامش مشارق الأنوار: ١٥١.

(٢). معجم المؤلفين ١١ / ١٧.

٢٥٦

أديب، مشارك في اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة والحديث ومصطلحه والهيئة وغير ذلك. ولد وتوفي بالقاهرة » ثم ذكر تصانيفه، وعدّ منها ( إسعاف الراغبين ) و « الحاشية على شرح الأشموني ) المتداول في الحوزات العلميّة والأدبيّة.

(٦٢)

رواية العجيلي

ورواه أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي حيث قال بشرح:

« والله قد آتاه خمساً تنقل

أحبّ من دنياكم وأفضل »

قال: « أخرج السيطوي -رحمه‌الله - في الكبير عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمّتي فأبى عليّ. وأعطاني لك: أنّ أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنت وليّ المؤمنين بعدي ».

وقد أثبت الحديث الشّريف في كلام له بشرح:

« واقرأ حديث إنّما وليّكم

واسمع حديثاً جاء في غدير خم »

فقال بعد ذكر الغدير وقصّة الحارث الفهري: « وهو من أقوى الأدلّة على أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أولى بالإِمامة والخلافة والصّداقة والنصرة والاتّباع، باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم. وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمـّا قضى حجّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه، كبريدة، فإنّه كان

٢٥٧

يبغضه، ولمـّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً، فقصّه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع - يا بريدة - في علي. فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي ».

ترجمة العجيلي

والعجيلي توجد ترجمته في:

١ - نيل الأوطار ١ / ١٢٩.

٢ - حلية البشر ١ / ١٨٠ عنهما معجم المؤلفين ١ / ٢٧٩.

٣ - التاج المكلّل: ٥٠٩ وقد وصفه بقوله: « الشيخ العلّامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز، لم يزل مجتهداً في نيل المعالي، وكم سهر في طلبها الليالي، حتى فاز ».

(٦٣)

رواية محمد مبين اللكهنوي

ورواه المولوي محمد مبين بن محبّ الله بن ملا أحمد عبد الحق بن ملا محمد سعيد بن قطب الدين السهالي، في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« ومنها: أنّه - صلّى الله عليه وسلّم - أمّره على الجيش، وأعلم القوم بخصوصيّته وأخبرهم بولايته: أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه -. فمضى في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا

٢٥٨

عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا لقينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا ورجعوا بدؤا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ أحمد: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي»(١). .

ترجمته وعبارته في صدر كتابه

ذكره صاحب ( نزهة الخواطر ) وعنونه بـ « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محب اللكهنوي، أحد الفقهاء الحنفيّة » ثم ذكر كتابه وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥(٢). .

ومن المناسب أن نورد نصّ كلامه في صدر كتابه، ليظهر اعتبار الأحاديث الواردة فيه. فإنّه قال: « أما بعد، فلا يخفى عليك أن محبّة آل سيد الكائنات جزء الإِيمان، ولا يتمّ إلّا بمودّتهم بالجنان وتعظيمهم بالأركان، ورعاية

__________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٤٨.

(٢). نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٢٥٩

حقوقهم بالصّدق والإِيقان، قال الله في القرآن:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وفسّر بالنبيّ المصطفى وعلي المرتضى والحسنين وفاطمة الزهراء،عليهم‌السلام .

فلا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من مودّتهم ولا يخلو مسلم من محبّتهم. قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ألا من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ولم يشم رائحة الجنّة. وقال في علي الوصي: لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وإنّني في زمانٍ قد كثر فيه القيل والقال، وقلّ العلماء وكثر الجهّال، كلّ بضاعة أهل الزمان المخاصمة والجدال، وقد اكتفوا بما فهموا بزعمهم من ظاهر المقال، من غير أنْ يكون لهم اطّلاع على حقيقة الحال فإنّ السُّنّي من يكون مشغوفاً بحبّ آل النبي، وإلّا فهو المنافق الشقي. ومن اللطائف: أن أعداد السّنّي بحسب الحساب مساوية لحبّ علي، فمن لا يكون في قلبه حبّ عليّ لا يكون معدودا من السنّي

... حداني صدق النيّة على أنْ أؤلّف رسالةً مشتملةً على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى، متضمنّة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى، وقد وشّح به المحدّثون صحائفهم، والأولياء تصانيفهم، والعلماء كتبهم.

وما استخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي، والكتب الموثوقة كجامع الاُصول لابن الأثير وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشّريفة والقصص الصحيحة، وجمعتها في هذه الرسالة، وأعرضت عن الصحائف المتروكة والموضوعات المطروحة وما التفتُّ إلى ما كان باطلاً أو ضعيفاً ».

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392