تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118759 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40
٤١

يتناول هذا الباب بيان الرؤية السائدة اليوم في تعليل الصلح من خلال فصلين.

الفصل الأول وهو مكرس لبيان أقوال المستشرقين في الحسنعليه‌السلام إذ عرضوه شخصية منهارة كان هدفه من الصلح هو الحصول على مال يؤمِّن له حاجات حياته المترفة ويلبي طلبات زوجاته الكثيرات.

الفصل الثاني مكرس لبيان أقوال الإسلاميين من القدامى والمحدثين في الكوفيين زمن الحسن إذ عرضوهم انهم ضعفاء متخاذلون متفرقون بل كان بعضهم / كالمختار الثقفي / يفكر في تسليم الحسن لمعاوية فاضطر الحسن لمصالحة معاوية وتسليمه الحكم في العراق ليحافظ على حياته.

وانتهى البحث في كلا الفصلين إلى ان المستشرقين والإسلاميين كانوا قد استندوا في تحليلاتهم إلى روايات ذكرتها مصادر التاريخ الإسلامي المبكرة كطبقات ابن سعد وانساب الاشراف للبلاذري وتاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها.

وقد رفض الشيعة بل السنة أيضا / كما هو الحق / الروايات الطاعنة في شخصية الحسن انطلاقا من الإيمان بعصمة الحسن أو الإيمان بانه من الشخصيات المعروفة في المجتمع الإسلامي بعلمه وتقواه.

اما الروايات الطاعنة في الكوفة فقد قبِلَها أكثر الباحثين الشيعة وكل الباحثين السنة من المؤرخين القدامى والمحدثين ولكن البحث توصل إلى ان الروايات الطاعنة في الحسنعليه‌السلام أو الكوفيين هي من وضع الامويون ثم تبنى ترويجها والزيادة فيها العباسيون ومن سايرهم من الأخباريين نكاية بالحسنيين الثائرين وتطويقا لمرجعية الامام الصادق الآخذة بالتوسع وبالكوفة مركز كلا الحركتين في الثلث الأول من القرن الثاني الهجري.

٤٢

الباب الأول / الفصل الأول

المستشرقون : الحسن عليه‌السلام شخصية ضعيفة منهارة

أنحى الباحثون المستشرقون باللائمة على الحسنعليه‌السلام لأنه صالح وتنازل عن الحكم لخصمه معاوية بشروط ولم يف له بشيء منها ، وقد وصفوه بانه لم يكن رجل الساعة المطلوب ، ولم يكن ابنا جدير لعليعليه‌السلام ، وانه كان شخصية متخاذلة انصرف إلى ملذاته وشهواته ، وفيما يلي ما عثرنا عليه من كلماتهم في هذا السبيل :

الدكتور فيليب حتي اللبناني 1886 ـ 1978 :

قال : «ولكن الحسن الذي كان يميل إلى الترف والبذخ لا إلى الحكم والإدارة لم يكن رجل الموقف فانزوى عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها معاوية».(1)

الراهب اليسوعي البلجيكي لامنس 1862 ـ 1937 :

تبنت الموسوعة الإسلامية(2) تحت عنوان : (الحسن) بن علي بن أبي طالب ما كتبه المستشرق البلجيكي (لامنس) المتخصص بالتاريخ الإسلامي(3) عن الحسنعليه‌السلام قال :

__________________

(1) حتي ، فيليب ، العرب ، ص 78 كتبه بالانجليزية وطبع لاول مرة لندن سنة 1937 م.

(2) أشرف على تأليفها فنسنك وآخرون وكتبت باللغة الانكليزية وترجمت إلى الفرنسية والالمانية ثم ترجمت إلى اللغة العربية ونحن ننقل من النسخة العربية.

(3) قال عبد الرحمن بدوي في موسوعته عن المستشرقين ، لامنس : مستشرق بلجيكي ، وراهب يسوعي

٤٣

«الحسن اكبر أبناء علي من فاطمة بنت رسول الله ويلوح ان الصفات الجوهرية التي كان يتصف بها الحسن هي الميل إلى الشهوات والافتقار إلى النشاط والذكاء. ولم يكن الحسن على وفاق مع أبيه وإخوته عندما ماتت فاطمة ولما تجاوز الشباب.

وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق ، فأحصي له حوالي المائة زيجة عدّاً. وأَلصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المِطلاق ، وأوقعت عليّاً في خصومات عنيفة. واثبت الحسن كذلك انه مبذر كثير السرف فقد اختص كلّاَ من زوجاته بمسكن ذي خدم وحشم. وهكذا نرى كيف كان يبعثر المال أيام خلافة علي التي اشتد عليها الفقر. وشهد يوم صفين دون ان تكون له فيها مشاركة إيجابية.

ثم هو إلى ذلك لم يهتم أي اهتمام بالشؤون العامة في حياة أبيه.

وبويع الحسن بالخلافة في العراق بعد مقتل عي فحاول أنصاره أَن يقنعوه بالعودة إلى قتال أهل الشام ، وقَلَبَ هذا الإلحاح من جانبهم خُطط الحسن القعيد الهمة فلم يَعُد يفكر الال في التفاهم مع معاوية كما أدى إلى وقوع الفرقة بينه وبين أهل العراق. وانتهى بهم الأمر إلى اثخان إمامهم اسما لا فعلا بالجراح. فتملكت الحسن منذ ذلك

__________________

شديد التعصب ضد الإسلام ، يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين. ولد في مدينة خنث ، (Gent) وبالفرنسية ، (Gand) في بلجيكا في أوّل يوليو سنة 1862 م. وجاء إلى بيروت في صباه ، وتعلم في الكلية اليسوعية ببيروت. وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878 م ، فامضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير (في جبل لبنان) ، طوال عامين. ثم قضى خمسة أعوام في دراسة الخطابة واللغات. وفي 1886 م صار معلماً في الكلية اليسوعية ببيروت. وسافر إلى انجلترة ، وإلى لوفان. ووصل إلى فيينا في 1896 م. وعاد إلى بيروت 1897 م ، حيث عيَّن معلماً للتاريخ والجغرافية في كلية اليسوعيين. ولمَّا أسس (معهد الدروس الشرقية) ضمن كلِّية اليسوعيين في 1907 م ، صار فيه أستاذاً للتاريخ الإسلامي. ولمَّا توفي لويس شيخو في 1927 م ، خلفه لامنس على إدارة مجلة المشرق ، وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت. ولهم مجلة دينية شعبية تبشيرية أخرى تدعى (البشير) ، وقد تولَّى لامنس إدارتها مرتين قبل ذلك بزمان طويل : مرة في 1894 م ، ومرة أخرى من 1900 م إلى 1903 م. وكان لامنس يكتب في هاتين المجلتين مقالات كثيرة ، يكتبها بالفرنسية ، ثمَّ يتولَّى غيره ترجمتها إلى العربية ، وتنشر باللغة العربية. وتوفي لامنس في 23 أبريل 1937 م. وإنتاج لامنس يدور حول موضوعين رئيسيين : (أ) السيرة النبوية (ب) بداية الخلافة الأموية. لكن له إلى جانب ذلك كتب ودراسات حول موضوعات متفرقة في العقيدة الإسلامية ، وتاريخ سوريا وآثارها.

٤٤

الوقت فكرة واحدة هي الوصول إلى اتفاق مع الأمويين. وترك له معاوية ان يحدد ما يطلبه جزاء تنازله عن الخلافة. ولم يكتف الحسن بالمليوني درهم التي طلبها معاشا لأخيه الحسين بل طلب لنفسه خمسة ملايين درهم أخرى ودَخَل كورة في فارس طيلة حياته. وعارض أهل العراق بعد ذلك في تنفيذ الفقرة الأخيرة من هذا الاتفاق ، بَيْدَ انه أُجيب إلى كل ما سأله حتى ان حفيد النبي اجترأَ فجاهر بالندم على أَنه لم يضاعف طلبه وترك العراق مشيعا بسخط الناس عليه ليقبع في المدينة.

وهناك عاد إلى حياة اللهو واستسلم للذات ووافق معاوية على ان يدفع نفقاته ولم يطلب في مقابل ذلك الا أمرا واحدا هو الا يخِلّ الحسن بأمن الدولة. وكان قد أَجبره من قبل عن الجهر بتنازله عن الخلافة في اجتماع عُقِدَ في (اذرح).

ولم يعد معاوية يشغل باله به ، ذلك انه كان واثقا من قعود همته وإيثاره للدعة.

ومع هذا فقد استمر الانقسام في البيت العلوي ، ولم يكن الحسن على وفاق مع الحسين وان اجتمعا على مناهضة ابن الحنفية وغيره من أبناء علي.

وتوفي الحسن في المدينة بذات الرئة ولعل إفراطه في الملذات هو الذي عجل بمنيته. وقد بذلت محاولة لإلقاء تبعة موته على رأس معاوية.

وكان الغرض من هذا الاتهام وصم الأمويين بهذا العار ، وتبرير لقب الشهيد أو (سيد الشهداء) الذي خلع على ابن فاطمة هذا التافه الشأن.

ولم يجرؤ على القول بهذا الاتهام الشنيع جهرة سوى المؤلفين من الشيعة أو أولئك الذين كان هواهم مع العلوية بنوع خاص. وقد أعطى هذا الاتهام في الوقت نفسه فرصة للإيقاع بأسرة الأشعث بن قيس المبغضة من الشيعة ، لما كان لها من شأن في الانقلاب الذي حدث يوم صفين ، وما كان معاوية بالرجل الذي يقترف إثما لا مبرر له.

كما ان الحسن المستهتر كان قد اصبح مسالما منذ أمد طويل وكانت حياته عبئاً على بيت المال الذي أَبهظته مطالبه المتكررة. ومن اليسير ان نعلل ارتياح معاوية وتنفسه الصعداء عندما سمع بمرض الحسن. وربما كانت وفاته عام 49 هـ بالغا من العمر الخامسة والأربعين».(1)

__________________

(1) الموسوعة الإسلامية فنسك وآخرين ج 7 ص 401 ـ 402.أقول : من كلامه هذا يتبين لنا ان

٤٥

جرهارد كونسلمان الاماني المعاصر :

وكرر (جرهارد كونسلمان) في كتابه (سطوع نجم الشيعة) (Gerhard Konslman) كلمات لامنس بقوله : لقد باع (الحسن) المنصب الذي تركه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لنسله من اجل المال ويقال انه مات بالسل والهزال.

وقد حاولت شيعة علي في القرون اللاحقة تجميل صورة هذا الزعيم الضعيف التعس ، فقد اجتهدت في جعل الحسن ضمن شهداء المذهب الشيعي ، فنشأت لذلك رواية تقول ان الحسن قتل بتدبير معاوية ولكن من المستبعد ان يكون معاوية ضالعا في موت الحسن ، فمثل هذه الجريمة غير الضرورية لن يقدم بها الخليفة أدرك تماما أين الرجل المهم وأين الرجل الذي صار في الظل).(1)

بروكلمان الالماني 1956 ـ 1868 (Corl Brockelmann ) :

وقال (بروكلمان) في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) : ان الحسن لم يكن رجل الساعة الذي تحتاجه الدولة فقد رفض ان يقود جنده في هجوم على خصمه.

اوكلي 1894 (Simon Ockley ) :

يرى في كتابه (HITORY OF THE SARACENS P347) : ان الحسن لم يكن مؤهلا للموقف حيث كان يميل إلى السلم وينظر إلى دماء المسلمين نظرة رعب يصعب علينا تصورها.

سايكس 1867 ـ 1945 (Sykes Perly Molesworth Sir ) :

ويرى (سايكس) في كتابه (HISTORY OF PERSIA) ان الحسن غير جدير بان يكون ابنا لعلي لأنه شغل بملذاته بين نسائه واكتفى بإرسال اثني عشر ألف جندي

__________________

الدكتور البدوي كان على صواب حين قال في حق لامنس انه : (يفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها. ويعد نموذجاً سيئاً جداً للباحثين في الإسلام من بين المستشرقين).

(1) جرهارد كونسلمان ،سطوع نجم الشيعة (Star Shia Sarface) ، ترجمه من الالمانية محمد أبو رحمة ، طبع مكتبة مدبولي القاهرة ط 2 : 1414 ـ 1993.

٤٦

كطليعة لجيشه بينما احتفظ بقلب الجيش في المدائن حيث ظل يبتزه في الحدائق وخاف ان يجرب حظه في ميدان القتال.(1)

الكاتب العراقي هادي العلوي :

وكتب هادي العلوي(2) : ان هذا الرجل (يقصد الحسنعليه‌السلام ) يتعذر عليه ان يخوض صراعا سياسيا أو عسكريا وكان من المنتظر والطبيعي ان ينسحب بمجرد ان يؤول إليه الأمر ، وانه لم يمارس بعد الصلح أي نشاط معارض وقد تفرغ الحسن لحياته الشخصية وعاش كما قال عنه أبوه بين جَفنة وخِوان كأي فتى من فتيان قريش المنعمين.

ثم يستطرد العلوي قائلا : ان الدفاع عن صلح الحسن من نتائج الأيديولوجيا(3)

ثم يقول : ومعاوية الذي تراجع الحسن أمامه كان زعيما عظيما وقد دخل التاريخ كواحد من الأباطرة العظام بجميع لمقاييس وفي شتى العصور(4)

سند المستشرقين في حكمهم السلبي الآنف الذكر هو روايات في مصادر تاريخية إسلامية مهمة

استند الباحثون المستشرقون في تكوين هذه الرؤية السلبية عن الحسنعليه‌السلام إلى روايات أوردتها مصادر تاريخية إسلامية أمثال الطبقات الكبرى لابن سعد ت 230 هـ وتاريخ الطبري ت 310 هـ وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية لابن كثير. وقد أوردنا في الفصل السابع من الباب الثالث من هذا الكتاب نماذج منها.

__________________

(1) الخربوطلي ،العراق في ظل الحكم الأموي ، ص 74.

(2) أدرجناه ضمن المستشرقين على الرغم من كونه مسلما شيعيا ولكنه تبنى الفكر الماركسي في الايديولوجيا ومنهم المستشرقين في البحث.

(3) الخربوطلي ،العراق في ظلم الحكم الأموي ص 74.

(4) الثقافة الجديدة تسلسل 223 سنة 1990 م تموز السنة 37 العدد 9. ومن الغريب ان العلوي؟ هذا عرفه أصدقاءه بالتقشف والزهد والبساطة في العيش يعتقد بمعاوية هذا المعتقد ، ولابد انه قد قرأ عنه سفكه لدم حجر بن عدي وأصحابه وتشريده العراقيين وسجنهم وقطع ايديهم لا لشيء الا لتوليهم علياعليه‌السلام ، فهل ان زعامة تقوم على مبدأ كهذا جديرة بالاحترام!.

٤٧

الباب الأول / الفصل الثاني

الإسلاميون : الكوفيون متفرقون متخاذلون

الإسلاميون القدامى

أبو حنيفة الدينوري ت 282 هـ :

قال أبو حنيفة الدينوري : (لما رأى الحسن من أصحابه الفشل ارسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية).(1)

ابن واضح اليعقوبي 284 هـ :

قال اليعقوبي : (فلما رأى الحسن ان أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالَحَ معاوية).(2)

ابن جرير الطبري 310 هـ :

وقال الطبري في تاريخه : فلما رأى (أي الحسنعليه‌السلام ) تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح.(3)

__________________

(1) الدينوري ،الاخبار الطوال ، ص 320 ، دار إحياء الكتب العربي القاهرة 1960 م.

(2) اليعقوبي ،تاريخ اليعقوبي ، دار صادر بيروت ، ج 2 ص 215.

(3) الطبري ،تاريخ الطبري ، ج 3 ص 330 ، مؤسسة الاعلمي بيروت 1983. ومثله ابن مسكويه ،تجارب الامم ، دار سروش للطباعة طهران 2001 م ، ج 1 ص 388. وكذلك ابن كثير في تاريخه.

٤٨

ابن الاثير ت 620 هـ :

روى ابن الاثير في الكامل قال : قيل للحسنعليه‌السلام ما حملك على ما فعلت؟ فقال : كرهتُ الدنيا ، ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم احدا ابدا الا غُلِب ، ليس احد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى ، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر.(1)

قال ابن الاثير : وكان الذي طلب الحسن من معاوية ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف ألف وخراج دارابجرد من فارس وان لا يشتم عليا فلم يجبه إلى الكف عن شتم علي ، فطلب ان لا يشتم وهو يسمع فأجبه إلى ذلك ، ثم لم يفِ له به أيضا ، واما خراج دارابجرد(2) فان أهل البصرة منعوه منه وقالوا هو فيئنا لا نعطيه أحدا وكان منهم بأمر معاوية أيضا.(3)

ابن كثير ت 774 هـ :

قال ابن كثير : لما مات علي ـ قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن عليرضي‌الله‌عنه ليمانعوا به أهل الشام فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم ، ولو كانوا يعلمون لعظموا ما أنعم الله به عليهم من مبايعتهم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيد المسلمين ، وأحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي آرائهم.(4)

__________________

(1) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 407 ، دار صادر بيروت 1966 م.

(2) ولاية بفارس (مراصد الاطلاع).

(3) ابن الاثير ،الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 405.

(4) ابن كثير ،البداية والنهاية ، ج 8 ص 17 ، دار إحياء التراث العربي بيروت 1988 م ،أقول : لم يكن ابن كثير حياديا في موضعين من كلامه الأول : حين جعل بيعة أهل العراق للحسن رد فعل لبيعة الشاميين لمعاوية ، والحال ان معاوية قد بايعه الشاميون سنة 38 هـ بعد ان خلع عمرو بن العاص علياعليه‌السلام على مواصلة قتال عليعليه‌السلام وعلى الغارة على اطراف الكوفة ، الثاني : ذمه لأهل الكوفة وانهم خذلوا الحسنعليه‌السلام في الوقت الذي يقول القسطلاني فيارشاد الساري في شرح صحيح البخاري (ج 4 ص 411) قال الكرماني : وقد كان الحسن يومئذ احق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفا. ، انظر أيضاعمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج 16 ص 239.

٤٩

الشيخ المفيد 412 هـ :

قال الشيخ المفيد احد مراجع الشيعة في أخريات القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس في كتابه (الإرشاد) ما خلاصته : (كتب معاوية إلى الحسنعليه‌السلام في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ، فلم يثق به الحسنعليه‌السلام وعلم احتياله بذلك واغتياله ، غير انه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له ، وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه ، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة).(1)

أقول : يتضح من كلام الشيخ المفيد ان الامام الحسن كان مضطرا إلى الصلح بسبب ضعف البصائر في حقه وفساد الجيش عليه وقد فصل تلميذه السيد المرتضى رأيه هذا فيما يلي :

السيد المرتضى 436 هـ :

وكتب من بعده تلميذه السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء) ما خلاصته : (فإن الذي جرى منهعليه‌السلام من أمر الصلح كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بيِّنا جليّاً ، لان المجتمعين له من الأصحاب وان كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة غير صافية ، وقد كانوا صبَوا إلى دنيا معاوية ، فأظهروا لهعليه‌السلام النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ، وأحسعليه‌السلام بهذا منهم قبل التولج والتلبس ، فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت ...

وقد صرحعليه‌السلام بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة بألفاظ مختلفة ، وقال إنما هادنت حقناً للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهل والمخلصين من أصحابي ...

__________________

(1) الشيخ المفيد ،الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، ص 191 ، دار المفيد بيروت 1993 م.

٥٠

أوَ ليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمغوَل كان معه أصاب فخذه. فشقه حتى وصل إلى العظم وانتزع من يده وحملعليه‌السلام إلى المداين وعليها سعيد بن مسعود عم المختار ، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ولاه إياها فأدخل منزله ، فأشار المختار على عمه ان يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي سنة. فأبي عليه وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد أئتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنسى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحفظه في ابنب بنته وحبيبه ثم أن سعد بن مسعود أتاهعليه‌السلام بطبيب وقام عليه حتى برئ وحوله إلى بعض المدائن. فمن ذا الذي يرجو السلامة بالمقام بين أظهر هؤلاء القوم عن النصرة والمعونة؟.

أقول :

اما الذي ضربه في مظلم ساباط فهو من الخوارج ممن انتظم في حلقات الإرهاب التي قتلت أباه علياعليه‌السلام ، واما ما نسب إلى المختار الثقفي فهو مما افتري عليه رحمه الله تعالى.

الشيخ الطبرسي 548 هجرية :

وكتب من بعده الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن : ووقع الصلح بين الحسن ومعاوية في سنة 41 هجرية ، وإنما هادنهعليه‌السلام خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره(1)

احمد بن علي الطبرسي ت 560 هـ صاحب كتاب الاحتجاج :

روى مرسلا عن زيد بن وهب الجهني قال : «لما طُعِن الحسنعليه‌السلام بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت ما ترى يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فان الناس متحيرون ، فقال الامام الحسنعليه‌السلام أرى والله ان معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي ، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في

__________________

(1) الطبرسي ، الفضل بن الحسن ،إعلام الورى بأعلام الهدى ، ترجمة الحسنعليه‌السلام ، ص 213 ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم 1417 هـ.

٥١

أهلي خيرا من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أويمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت.(1)

ابن أبي الفتح الإربلي ت 692 هـ :

وكتب من بعده ابن أبي الفتح الاربلي قال :

وكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وبعث بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة (منها) أن يترك سب أمير المؤمنينعليه‌السلام والقنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يعترض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق حقه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده على الوفاء به.

فلما استتمت الهدنة قال في خطبته : إني مَنّيتُ الحسن ، وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.(2)

ابن طباطبا ت 701 هجرية :

قال : اما أهل الكوفة والبصرة فكان أهل البيت مذعورين منهم لما جرى منهم على أمير المؤمنينعليه‌السلام والحسن والحسينعليهما‌السلام من الخذلان والغدر وسفك الدماء.(3)

__________________

(1) المجلسي ،بحار الانوار ، ج 44 ص 21 ، مؤسسة الوفاء بيروت 1983 م. عن الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 290.

(2) ابن أبي الفتح الإربلي ، كشف الغمة ، ج 2 ص 138 ، دار الاضواء بيروت 1985 م.

(3) محمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي ،الفخري في الاداب السلطانية ، ص 144 ، دار القلم العربي 1997 م.

٥٢

مشاهير المتأخرين من الباحثين الشيعة

والكلام الانف الذكر لدى متقدمي المؤرخين هو المشهور اليوم عند كتّاب الشيعة المحدثين.

العلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين :

كتب الشيخ راضي آل ياسين من علماء الشيعة المعاصرين في كتابه (صلح الحسن) المطبوع سنة 1952 م ، وهو افضل كتاب في موضوعه وقد حذا حذو الشيخ المفيد وتلميذه السيد المرتضى في وجهة تحليل دوافع الصلح :

قال : (وازدادت بصيرة الحسن بخذلان القوم له)(1) . (وكان للحسن في مسكن بقية من جيش لا تجد المعنويات سبيلها إليه الا بالمعجزة بعد النكبة التي أصيب بها هذا العسكر بخيانة قائده وفرار ثمانية آلاف من افراده). (واما النسبة العددية فقد كان اكبر عدد بلغه جيش الحسنعليه‌السلام حينما زحف به إلى لقاء معاوية عشرين ألفا أو يزيدها قليلا وكان جيش معاوية الذي عسكر به على حدود العراق ستين ألفا ، فللحسن يومئذ ثلث أعداد جيش معاوية) وجاءت عملية الفرار التي اجتاحت معسكر مسكن والتي انهزم بها ابن العم (عبيد الله بن عباس) ورب ابن عم ليس بابن عم كما يقول المثل العربي ـ بثمانية آلاف فتصاعدت النسبة صعودا مريعا ، وبقي الحسن في معسكريه جميعا على الخمس من معسكر معاوية وإذا اعتبرنا هنا القاعدة العسكرية الحديثة التي تنسب القوة المعنوية إلى الكثرة العددية بنسبة ثلاثة إلى واحد رجعنا إلى نتيجة مؤسفة جدا هي نسبة واحد إلى خمسة عشر. وإذا نظرنا إلى جيش الحسن الذي بقي ينازل معاوية في مسكن وحده على ضوء هذه القاعدة رأيناه ينازل عدوا يعده خمسة وأربعين ضعفا بالضبط).

ثم قال : وأي غضاضة على «الزعيم» إذا فسد جيله ، أو خانت جنوده ، أو فقد مجتمعه وجدانه الاجتماعي.

__________________

(1) آل ياسين ،صلح الحسن عليه‌السلام ، 133.

٥٣

العلامة المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله :

كتب في مقدمته لكتاب حياة الامام الحسن للشيخ باقر شريف القرشيرحمه‌الله (1)

(كان من دهاء معاوية عزمه ان يحتفظ بصورة الإسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده يتجاهر بشرب الخمر والأغاني ولا يقتل النفس المحترمة ويلعب بالفهود ولا يضرب المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهي ولا بأس بلك فانه (كسرى العرب) وما احتفظ بشعائر الإسلام الا لحاجة في نفس يعقوب بقي على ظاهر الإيمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين فلما استشهد سلام الله عليه تنفس الصعداء وغمرته المسرة وأمكنته الفرصة من اللعب على ال حبل وتدبير الحيل ولكن بعد ان بويع الحسنعليه‌السلام والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه وشيعته ومواليه ، ومنهم الرؤوس والضروس والانياب والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد انه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل قد يقال انه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله إلى ابن هند آكلة الاكباد؟

اقلق معاوية واقض مضجعه التفكير بهذه النقاط ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها فلجأ إلى عاملين :

أولهما : المال الذي يلوي أعناق الرجال ويسيل في لعبه لعاب الرجال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه وامسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله اميرا حتى على قيس بن سعد بعث إليه بأكثر من خمسمائة ألف؟ ووعده عنه مجيئه إليه بمثلها(2) . وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل

__________________

(1) القرشي ، الشيخ باقر شريف ،حياة الامام الحسن عليه‌السلام ، 1952 م.

(2)أقول : نحن نستبعد ان يصدر ذلك من عبيد الله بن العباس وهو وأخواه عبد الله وقثم اعتمدهم عليعليه‌السلام في دولته لينهضوا بالتعليم بما علمهم أيام العزلة فجعل عبد الله على البصرة وقثم على مكة

٥٤

بارز من الشيعة ورجالهم وابطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه الا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدي وامثالهم.

الثاني وهي حيلة في تأثيرها الشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليه الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح وذلك ان المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال اما العامة فلا ينالهم شيء منه ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في اقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس الجمل وصفين ونهروان فأصبحت الدعوة إلى الحرب ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة.

وهنا تأزمت ظروفه سلام الله عليه وحاسب الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لا يهما الرجحان.

فوجد انه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو اما ان يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وان كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك الا تظلم الناس لبني أمية وظهورهم لهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ بالأمس قتلوا عثمان عينَ الأمويين وأميرَ المؤمنين (كما يقولون) واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين (يا لها من رزية). ويتهيأ لبني أمية قميص ثان فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية والناس رعاع ينعقون

__________________

وعبيد الله على اليمن. ثم ان عبيد الله موتور فقد قتل بسر ولدين له ، وفيشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج 2 ص 17 ـ 18 قال وروى أبو الحسن المدائني : اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية بعد صلح الحسنعليه‌السلام ، فقال له ابن عباس ، أنت أمرت اللعين السيء الفدم ان يتقل ابني؟ فقال : ما أمرته بذلك ، ولوددت انه لم يكن قتلهما ، فغضب بسر ونزع سيفه ، فألقاه ، وقال لمعاوية ، اقبض سيفك ، قلدتنيه وأمرتني ان أخبط به الناس ففعلت ، حتى إذا بلغت ما أردت قلت لم أهو ولم آمر. فقال : خذ سيفك إليك ، فلعمري انك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف ، قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله : اتحسبني يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابني! هو أحقر وألام من ذلك ولكني والله لا أرى لي مقنعا ولا أدرك ثارا الا ان أصيب بهما يزيد وعبيد الله. فتبسم معاوية وقال : وما ذنب معاوية وابني معاوية! والله ما علمت ولا أمرت ، ولا رضيت ولا هويت. واحتملها منه لشرفه وسؤدده ، ولو كان عبيد الله قد استجاب لمعاوية ومال إلى معسكره بالمال لكان معاوية يواجهه بها ولا يتركها له ، والذي نراه انه الرواية من وضع الأخباريين في العهد العباسي.

٥٥

مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب؟

اما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم ان الحسن هو الذي ألقى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ شرمة.

بل كان نظر الحسنعليه‌السلام في قبول الصلح ادق من هذا وذاك ، أراد ان يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارات نفسه قبل ان يكون غالبا أو مغلوبا وبدون ان يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء.(1)

وهكذا وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين وقال (ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي)

المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدررحمه‌الله وتلميذه المرجع السيد كاظم الحائري :

وقال المرجع المعاصر السيد كاظم الحائري يبين رأيه في مبررات إقدام الامام الحسنعليه‌السلام على الصلح مع معاوية ثم يذكر ضمنا رأي أستاذه المرجع الراحل الشهيد محمد باقر الصدررحمه‌الله في الموضوع.

__________________

(1)أقول : كانت مبادرة معاوية للصلح هي ان يبقى الحسنعليه‌السلام على بلاده وان يبقى معاوية على بلاده وتوقف الحرب وفي خيار الرفض يأتي كلام الشيخرحمه‌الله . وفي حالة قبولها لا تستلزم ان يسلم الحسن ملك العراق الا في حالة كون الحسنعليه‌السلام لا يثق بجيشه وبالوضع العام للكوفيين وهو التعليل المشهور ، ومنه تعليل الشيخرحمه‌الله وفي قبال التعليل المشهور هناك تعليل آخر قدمناه في هذا الكتاب وهو ان الحسنعليه‌السلام يعلم ان قبوله للصلح بصيغة معاوية معناه تكريس الانشقاق وجهل أهل الشام بحقيقة إمامة الهدى التي يمثلها عليعليه‌السلام ولا علاج لهذا الجهل الا بعلاج الانشقاق واختلاط الناس وفضح معاوية انه كان كاذبا في دعواه وليس من طريق لذلك الا ان يتنازل الحسنعليه‌السلام عن الحكم بشروط يضعها هو ويلتزمها معاوية ، وهنا يأتي احتمال ان يغدر معاوية بالحسنعليه‌السلام وينقض شروطه ولم يخف هذا الاحتمال عن الحسنعليه‌السلام ولكنه سيكون غدرا ونقضا بعد فوات الأوان ، وتفصيله في الباب الثاني من هذا الكتاب.

٥٦

قال : (وبالحقيقة هناك تفسيران يفسران اقدام الامام على إبرام الصلح مع معاوية أحدهما خاص والآخر عام.

أما التفسير الخاص : فهو ما بينه أستاذنا السيد الشهيد حول المرض الذي كانت الأمة مبتلاة به ، وهو مرض الشك ، حيث كانت الأمة تشك في طبيعة الصراع الذي كان ناشبا بين الامام الحسنعليه‌السلام ومعاوية وتصوره صراعا من اجل حيازة السلطة ، وليس صراعا بين الحق ممثلا بالإمام الحسنعليه‌السلام والباطل ممثلا بمعاوية.

وليس من سبيل لمعالجة هذا المرض الا بمصالحة معاوية لأن الصلح وحده هو القادر على كشف حقيقة معاوية وإذا ما كشفت الأمة حقيقة معاوية سوف تدرك أن حربه على الامام الحسنعليه‌السلام انما هي حرب ظالمة ، وأن الامام الحسنعليه‌السلام انما يدافع عن الحق وعن الرسالة وليس عن السلطان والجاه والرئاسة ، وبالتالي فانه سوف يصار على تعرية بني أمية وكشف زيفهم وضلالهم ، وبهذا يزال مرض الشك الذي كانت الأمة مبتلاة به فلا تشك بعدئذ بحقانية الأئمة في دفاعهم عن الرسالة ولا تصدق بشعارات بني أمية الكاذبة الزائفة.(1)

وأما التفسير العام : فهو الذي يفسر نهوض الأئمة بالأمر على أساس الأمر الواقع ، فالإمامعليه‌السلام لا ينهض بالأمر الا عندما تتوافر لديه قوة ومقدرة تكفي لإنجاح مهمته وفق المقاييس المعقولة ، ولا يشترط في هذه القوة أن تكون اكبر من قوة العدو من الناحية المادية ، بل يكفي أن تكون متوافرة على شروط القوة المعنوية الأخرى ، والإمام الحسنعليه‌السلام لم يحصل على هذه القوة حتى بالحد الأدنى الذي يمكن ان تستمر بواسطته المجابهة ، ولهذا اضطر إلى إيقاع الصلح مع معاوية(2) :

وقد نقل الشيخ علي الكوراني رؤية الشهيد الصدر بقوله : قال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدرقدس‌سره : تصاب المجتمعات بعدة أمراض كما يصاب الأفراد ، ومن الأمراض التي أصيب بها المجتمع الإسلامي إبان إمامة الحسنعليه‌السلام هو

__________________

(1)أقول : وهذا التحليل لدوافع الصلح قد بذر بذرته العلامة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين وقد ذكرنا كلامهقدس‌سره في المقدمة.

(2) الحائري ، السيد كاظم ،القيادة الإسلامية .

٥٧

مرض (الشك في القيادة) وهذا الداء ظهر في أواخر حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام . حيث واجه أيام خلافته عدة حروب ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الأمة ، فأخذ الناس يشكون هل أن المعارك التي تخاض معارك رسالية أم أنها معارك قبلية أو شخصية؟ وقد عبر أمير المؤمنينعليه‌السلام عن ظهور هذا الداء الاجتماعي في عدة مرات منها في خطبته المعروفة بخطبة الجهاد التي ألقاها على جنوده المنهزمين في مدينة الأنبار حيث قال لهم والألم يعصر قلبه : (ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا ، وسرا وعلانا ، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم ، وملكت عليكم الأوطان). واستفحل (الداء) واشتد في حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، فلم يكن باستطاعته في مثل هذه الظروف والمجتمع المصاب بهذا الداء أن يخوض معركة مصيرية تنتهي بالنصر على خصمه المتربص به ، فإذا أضفنا إلى هذا شخصية الخصم معاوية الذي كان بإمكانه أن يبدو أمام الناس بمظهر الحاكم الملتزم بالدين وكذلك تعدد انتماءات المقاتلين مع الإمام الحسنعليه‌السلام حتى أبدى بعضهم استعداده لمعاوية أن يسلم له الإمامعليه‌السلام حيا ، وطعنه بعضهم طعنة غادرة ، إذا جمعنا هذا وغيره من الظروف عرفنا لماذا صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية).(1)

باحثون آخرون من الشيعة المعاصرين :

وهناك باحثون وكتاب آخرون من الشيعة تبنوا الرؤية السائدة نفسها أمثال العلامة الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام الحسن ، والسيد محمد جواد فضل الله في كتابه حياة الامام الحسن والشيخ مهدي البيشوائي في كتابه سيرة الأئمة والشيخ احمد زماني في كتابه حقائق بنهان وغيرهم.

__________________

(1) العاملي ، الانتصار ، دار السيرة لبنان 1422 م ، ج 8 ص 137 ـ 139.أقول : وفي ضوء البيانين المعبرين عن رأي الشهيد الصدررحمه‌الله ، مراد الشهيد الصدررحمه‌الله ، بالأمة الشاكة هم أهل العراق لان أهل الشام ما كانوا يشكون في حقانية معاوية بوصفه ثقة الخليفتين عمر وعثمان وقد ولي لهما ست عشرة سنة وإذا كان هناك شيء من الشك عن بعضهم فقد إزالته الاعلام الكاذب مدة خمس سنوات في حرب صفين وما بعدها ثم كيف يشكون وقد تحولوا إلى قتلة للأبرياء من النساء والاطفال سالبين اموالهم في غاراتهم!

٥٨

الشيخ مهدي البيشوائي :

كتب الشيخ البيشوائي رأيه ضمن حديثه عن الحسنعليه‌السلام في كتابه عن سيرة الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام وهو احدث ما كتب (الطبعة الأولى سنة 1423 هجرية) انطلاقا من الرؤية السائدة في الصلح وقد أفاد من الكتب التي كتبت قبله قال (وينبغي القول عموما ان الامام الحسنعليه‌السلام لم يصالح في الواقع بل فرض عليه الصلح أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأخرى بحيث أوجدت وضعا جعل الصلح أمرا ضروريا مفروضا على الامام ، ولم ير حلا غير ذلك بحيث لو كان أي شخص يعيش طظروفه لما كان يختار غير الصلح والهدنة ...

فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي لان الروم الشرقية كانت تتحين الفرصة المناسبة ...

ومن ناحية السياسة الداخلية لم يكن يتمتع أهل العراق لا سيما الكوفيون منهم بالاستعداد النفسي للقتال وكانت حروب الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة ولدت عند أصحاب الامام علي حنينا إلى السلم والموادعة وقد برز ذلك حين دعاهم الحسن للتجهز لحرب الشام كانت الاستجابة بطيئة جدا مما جعل احد أصحاب أمير المؤمنين يوبخهم على التثاقل والتخاذل.

ثم أورد نص الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أوردناه فيما سبق ...

ثم قل : ولم يكن العراقيون على مرام واتجاه واحد ، مذبذبين لا يعرفون الوفاء ولا يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم يرفعون في كل يوم راية من الرايات وشعارا من الشعارات.

ثم ذكر ما أورده صاحب كتاب الاحتجاج من قولٍ نسبه إلى الحسنعليه‌السلام : والله ما سلمت الأمر إليه (أي معاوية) الا لأني لم أجد أنصارا ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل ...).(1)

__________________

(1) البيشوائي ، الشيخ مهدي ،سيرة الأئمة ، ترجمه من الفارسية إلى العربية حسين الواسطي 1423 هجرية ، ص 92 فما بعدها.

٥٩

أقول : ورؤية أولئك الاعلام والباحثين المتأَخرين جميعا تستند إلى ما كتبه الشيخ المفيدرحمه‌الله ، الذي لخص رواية أبي الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين مع حذف الأسانيد واسقاط بعض الفقرات.

الشيخ وحيد الخراساني المرجع الشيعي المعاصر

في مدينة قم المقدسة :

قال : (وقد ابتلي السبط الأكبر بمصيبة تظهر عظمتها من مقايسة أصحابه بأصحاب أخيه الحسينعليه‌السلام ، وأما الحسنعليه‌السلام فخطب بعد وفاة أبيه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (أما والله ما ثنانا ن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتنم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا. ثم أصبحتم تصدون [تعدون] قتيلين : قتيلا بصفين تبكون عليه ، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره ، فأما الباكي فخاذل ، وأما الطالب فثائر. وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلنااه منه ، وأغضضنا عن القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله. فنادى القوم بأجمعهم : بل البقية والحياة.

ثم أورد جزءا من رواية قال (ولما وجه إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ، كتب إليه معاوية : إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي المال وقلب على الحسنعليه‌السلام ، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.

فبلغ ذلك الحسنعليه‌السلام فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

إذا كان بعوضٍ سُمّي بيعاً ، وإن خلا عن العوض سُمّي هبةً.

ولو ادّعى على رجلٍ بيتاً ، فصالحه على بعضه أو على بناء غرفةٍ فوقَه أو على أن يُسكنه سنةً ، صحّ عندنا - خلافاً للحنابلة(١) - للأصل.

احتجّوا بأنّه يصالحه عن ملكه ببعضه أو منفعته(٢) .

ونمنع عدم جوازه.

ولو صالحه بخدمة عبده سنةً ، صحّ عندنا وعندهم(٣) .

فإن باع العبد في السنة ، صحّ البيع ، ويكون للمشتري مسلوبَ المنفعة بقيّة السنة ، وللمُصالح منفعته إلى انقضاء السنة.

ولو لم يعلم المشتري بذلك ، كان له الفسخ ؛ لأنّه عيبٌ.

وإن أعتق العبدَ في أثناء المدّة ، صحّ العتق ؛ لأنّه مملوكه يصحّ بيعه فيصحّ عتقه ، وللمُصالح استيفاء منفعته في المدّة ؛ لأنّه أعتقه بعد أن مَلَك منفعته ، فأشبه ما لو أعتق الأمة المزوّجة بحُرٍّ.

ولا يرجع العبد على سيّده بشي‌ءٍ ؛ لأنّه ما زال ملكه بالعتق إلّا عن الرقبة ، فالمنافع حينئذٍ مملوكة لغيره فلم تتلف منافعه بالعتق فلا يرجع بشي‌ءٍ.

ولو أعتق مسلوبَ المنفعة - كمقطوع اليدين ، أو الأمة المزوّجة - لم يرجع عليه بشي‌ءٍ.

وقال الشافعي : يرجع على سيّده بأُجرة مثله ؛ لأنّ العتق اقتضى إزالة ملكه عن الرقبة والمنفعة جميعاً ، فلـمّا لم تحصل المنفعة للعبد هنا فكأنّه حالَ بينه وبين منفعته(٤) .

ونمنع اقتضاء العتق زوالَ الملك عن المنفعة ؛ لأنّ اقتضاءه إنّما يكون‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩ - ٢٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦.

(٢) المغني ٥ : ٢٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٦.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٨.

١٢١

لو كانت المنفعة مملوكةً له ، أمّا إذا كانت مملوكةً لغيره فلا يقتضي إعتاقه إزالة ما ليس بموجودٍ.

ولو ظهر أنّ العبد مستحَقٌّ ، تبيّن بطلان الصلح ؛ لفساد العوض ، ويرجع المدّعي فيما أقرّ له به.

ولو ظهر عيب في العبد تنقص به المنفعة ، فله ردّه وفسخ الصلح.

مسألة ١١٠٩ : إذا ادّعى زرعاً في يد رجلٍ ، فأقرّ له به ، ثمّ صالحه منه‌ على الوجه الذي يجوز بيع الزرع فيه ، صحّ ، وكذا لو صالحه على غير الوجه الذي يصحّ بيعه ؛ لأنّ الصلح عقدٌ مستقلّ بنفسه غير فرعٍ على البيع.

ولو كان الزرع في يد رجلين فأقرّ له أحدهما ثمّ صالحه عليه قبل اشتداد الحَبّ ، صحّ عندنا.

خلافاً للشافعي ؛ لأنّه إن صالحه عليه بشرط التبقية أو من غير شرط القطع لم يجز ، لأنّه لا يجوز بيعه كذلك - وقد قلنا : إنّ الصلح عقد قائم برأسه ، فلا يشترط فيه ما يشترط في البيع وغيره - ولو شرط القطع لم يجز ؛ لأنّه لا يمكنه قطع زرع الآخَر ، وقسمته لا تصحّ(١) .

ولو كان الزرع لواحدٍ فأقرّ به للمدّعي وصالحه عليه ، فإن شرط القطع صحّ الصلح عندنا وعند الشافعي(٢) .

وإن شرط التبقية ، صحّ الصلح عندنا ، خلافاً له(٣) .

ولو كانت الأرض للمُصالح ، كان له تبقية الزرع في أرضه.

ولو أطلق صحّ عندنا.

وقال الشافعي : إن كان المشتري(٤) لا يملك الأرض لم يصح ، وإن‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٢٧ ، مختصر المزني : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦.

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٥ - ٤١٦ ، البيان ٦ : ٢٥١.

(٤) كذا قوله : « المشتري ». والظاهر : « المُصالح ».

١٢٢

كان يملك الأرض فوجهان ، كما إذا باع الثمرة من صاحب النخل بغير شرط القطع(١) .

مسألة ١١١٠ : لو ادّعى رجل على غيره زرعاً في أرضه فأقرّ له بنصفه أو أنكر‌ - عندنا - ثمّ صالحه عن نصفه على نصف الأرض ، جاز عندنا ؛ عملاً بالأصل.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ من شرط بيع الزرع قطعه ، ولا يمكن ذلك في المشاع(٢) .

ونحن نمنع من الاشتراط الذي ذكره ، وقد سبق(٣) .

ولو صالحه منه على جميع الأرض بشرط القطع على أن يسلّم إليه الأرض فارغةً ، صحّ ؛ لأنّ قطع جميع الزرع ثابت نصفه بحكم الصلح والباقي لتفريغ الأرض ، فأمكن القطع ، وأشبه مَن اشترى أرضاً وفيها زرع وشَرَط تفريغَ الأرض فإنّه يجوز ، كذا هنا.

وإن كان أقرّ له بجميع الزرع وصالحه من نصفه على نصف الأرض ليكون الأرض والزرع بينهما نصفين ، وشَرَط القطع ، فإن كان الزرع في الأرض بغير حقٍّ جاز الشرط ؛ لأنّ الزرع يجب قطعه بأجمعه ، وإن كان في الأرض بحقٍّ جاز أيضاً ؛ عملاً بالشرط ، وقد قالعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٤) ولأنّهما قد شرطا قطع كلّ الزرع وتسليم الأرض فارغةً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يجوز الشرط ؛ لأنّه لا يمكن قطع الجميع ، بخلاف ما إذا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦ ، البيان ٦ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، و ٥ : ٢٣٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢.

(٣) في ص ٣٦ ، ضمن المسألة ١٠٤٤.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٧٦ ، الهامش (٣)

١٢٣

شرط على بائع الزرع قطع الباقي ؛ لأنّ باقي الزرع ليس بمبيعٍ ، فلا يصحّ شرط قطعه في العقد ، ويخالف ما إذا أقرّ بنصف الزرع وصالحه على جميع الأرض ؛ لأنّه شرط تفريغ المبيع(١) .

والحقّ : الجواز ؛ لما تقدّم ، ولا يختصّ شرط القطع بالبيع.

مسألة ١١١١ : قد بيّنّا أنّه إذا خرجت أغصان الشجرة إلى ملك الجار ، كان للجار عطفها وإزالتها عن ملكه.

فإن أمكن ذلك بغير إتلافٍ ولا قطعٍ من غير مشقّةٍ تلزمه ولا غرامة ، لم يجز إتلافها ، كما إذا أمكنه إخراج دابّة الغير من ملكه بغير إتلافٍ ، فإن أتلفها والحال هذه ضمنها.

وإن لم يمكن إزالتها إلّا بالإتلاف ، كان له ذلك ، ولا شي‌ء عليه ؛ لأنّه لا يلزمه إقرار مال غيره في ملكه.

فإن صالحه على إقرارها بعوضٍ معلوم ، صحّ.

وللشافعيّة والحنابلة قولان(٢) .

ولا فرق بين أن يكون الغصن رطباً أو يابساً ؛ لأنّ الجهالة في المصالَح عنه لا تمنع الصحّة ؛ لكونها لا تمنع التسليم ، بخلاف العوض ، فإنّه يفتقر إلى العلم لوجوب تسليمه ، ولأنّ الحاجة تدعو إلى الصلح عنه لكون ذلك [ يكثر ](٣) في الأملاك المتجاورة ، وفي القطع إتلاف وضرر ، والزيادة المتجدّدة يعفى عنها ، كالسمن الحادث في المستأجر للركوب ، والمستأجر للغرفة يتجدّد له الأولاد.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢ - ٢٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦ ، المغني ٥ : ٢٢ - ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤ - ٢٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني ٥ : ٢٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٥.

١٢٤

وعند أحمد يصحّ الصلح في الرطب وإن زاد أو نقص ؛ لأنّ الجهالة في الـمُصالَح عنه لا تمنع الصحّة إذا لم يكن إلى العلم به سبيل ؛ لدعاء الحاجة إليه ، وكونه لا يحتاج إلى تسليمه(١) .

ولو صالحه على إقرارها بجزءٍ معلوم من ثمرها أو كلّه ، لم يجز ، وبه قال الشافعي وأكثر العامّة(٢) - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ العوض مجهول ، والثمرة مجهولة ، وجزؤها مجهول ، ومن شرط الصلح العلمُ بالعوض ، والمصالَح عليه أيضاً مجهول ؛ لتغيّره بالزيادة والنقصان ، كما تقدّم.

واحتجّ أحمد : بأنّه قد تدعو الحاجة إليه(٤) .

وقد عرفت بطلان التعليل بالحاجة.

نعم ، لو أباح كلٌّ منهما لصاحبه حقَّه ، جاز من غير لزومٍ ، بل لكلٍّ منهما الرجوعُ ، فيستبيح صاحب الشجرة إباحة الوضع على الجدار أو الهواء ، ويستبيح صاحب الدار ثمرة الشجرة ، كما لو قال كلٌّ منهما لصاحبه : أُسكن داري وأسكن دارك ، من غير تقدير مدّةٍ ولا ذكر شروط الإجارة.

وكذا حكم العروق إذا سرت إلى أرض الجار ، سواء أثّرت ضرراً ، كما في المصانع وطيّ الآبار وأساسات الحيطان ، أو [ منعت ](٥) من نبات شجرٍ لصاحب الأرض أو الزرع ، أو لم تؤثّر ضرراً ، فإنّ الحكم في قطعه والصلح عليه كالحكم في الزرع ، إلّا أنّ العروق لا ثمر لها.

وكذا لو زلق من أخشابه إلى ملك غيره ، فالحكم كما سبق.

مسألة ١١١٢ : قد بيّنّا أنّه يصحّ أن يصالحه عن المؤجَّل ببعضه حالّاً‌

____________________

(١ و ٣) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥ - ٢٦.

(٤) المغني ٥ : ٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منع ». والظاهر ما أثبتناه.

١٢٥

- وبه قال ابن عباس والنخعي وابن سيرين والحسن البصري(١) - لأنّ التعجيل جائز ، والإسقاط وحده جائز ، فجاز الجمع بينهما ، كما لو فعل ذلك من غير مواطأة عليه.

وكرهه زيد بن ثابت وابن عمر وسعيد بن المسيّب والقاسم وسالم والشعبي ، ومَنَعه أيضاً مالك وأحمد والشافعي والثوري وابن عيينة وهيثم وأبو حنيفة وإسحاق(٢) ، وقد تقدّم(٣) .

مسألة ١١١٣ : قد بيّنّا أنّه يصحّ الصلح عن المجهول دَيْناً كان أو عيناً.

خلافاً للشافعي ؛ حيث قال : لا يصحّ ؛ لأنّه بيع ، فلا يصحّ على المجهول(٤) .

ونمنع كونه بيعاً وكونه فرعَ بيعٍ ، وإنّما هو إبراء.

ولو سلّمنا كونه بيعاً ، فإنّه يصحّ في المجهول عند الحاجة ، كأساسات الحيطان وطيّ الآبار.

ولو أتلف رجل صبرةَ طعامٍ لا يعلم قدرها ، فقال صاحب الطعام لـمُتلفها : بعتك الطعام الذي في ذمّتك بهذا الدرهم أو بهذا الثوب ، لم يصح‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤ - ٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥ ، المعونة ٢ : ١١٩٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٥٢ ، الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٤ ، البيان ٦ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١ ، منهاج الطالبين : ١٢٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٤٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٣١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٦٨ / ١٠١٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٧.

(٣) في ص ١٥ - ١٦ ، ذيل المسألة ١٠٢٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩ ، التنبيه : ١٠٣ - ١٠٤ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٧ ، وقد تقدّم في ص ١٩ ، ذيل المسألة ١٠٢٩.

١٢٦

عندنا ؛ لأنّ شرط البيع معلوميّة العوضين.

وقال أحمد : يصحّ(١) .

وعلى قولنا وقوله لو صالحه به عليه صحّ ؛ لأنّ الجهل لا ينافي الصلح.

وإذا كان العوض في الصلح ممّا لا يحتاج إلى تسليمه ولا سبيل إلى معرفته ، كالمواريث الدارسة ، والحقوق التالفة ، والأراضي والأموال التي لا يعلمها أحد من المتخاصمين ولا يعرف قدر حقّه منها ، فإنّ الصلح فيها جائز عندنا وعند أحمد(٢) مع الجهالة من الجانبين ، وقد سبق(٣) .

وأمّا ما يمكنه معرفته - كتركةٍ موجودةٍ يعلمها الذي هي في يده ويجهلها الآخَر - فإنّه لا يصحّ الصلح عليه مع الجهل.

وكذا كلّ مَنْ له نصيب في ميراثٍ أو غيره يظنّ قلّته إذا صُولح عليه ، لا يصحّ مع علم الخصم الآخَر ؛ لأنّ الصلح إنّما جاز مع جهالتهما ؛ للحاجة إليه ، فإنّ إبراء الذمّة أمر مطلوب ، ولا طريق إليه إلّا الصلح.

مسألة ١١١٤ : يجوز الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه‌ ، سواء كان ممّا يجوز بيعه أو لا يجوز ، فيصحّ عن دم العمد وسكنى الدار وعيب المبيع.

ومَنْ صالَح عمّا يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقلّ ، جاز ؛ لأنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام وسعيد بن العاص بذلوا للّذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦ - ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٢) المغني ٥ : ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٣) في ص ١٧ ، المسألة ١٠٢٩.

(٤) المغني ٥ : ٢٧ ، و ٩ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧.

١٢٧

وإن صالح عن قتل الخطأ بأكثر من ديته من جنسها ، جاز عندنا ، خلافاً لأحمد(١) .

وكذا لو أتلف عبداً أو غيره فصالَح على أكثر من قيمته أو أقلّ ، سواء كان من جنس القيمة أو من غير جنسها ، جاز عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٢) ، خلافاً للشافعي وأحمد(٣) .

مسألة ١١١٥ : قد بيّنّا أنّه إذا ظهر استحقاق أحد العوضين ، بطل الصلح‌ ، فلو صالحه على دارٍ أو عبدٍ بعوضٍ فوجد العوض مستحقّاً أو كان العبد حُرّاً ، فإنّه يرجع في الدار وما صالَح عن العبد إن كان موجوداً ، وإن كان تالفاً رجع بمثله إن كان مثليّاً ، وإلّا رجع بالقيمة.

ولو اشترى شيئاً فوجده معيباً فصالحه عن عيبه بعبدٍ فبانَ مستحقّاً أو حُرّاً ، رجع بأرش العيب.

ولو ظهر استحقاق المعيب ، رجع بالثمن والعبد معاً.

ولو كان البائع امرأةً فزوّجتْه نفسَها عوضاً عن أرش العيب فزال العيب ، لم يصحّ الصلح عندنا.

ويجوز عند أحمد ، فيرجع بأرشه ، لا بمهر المثل ؛ لأنّها رضيت بذلك مهراً لها(٤) .

ولو صالحه عن القصاص بحُرٍّ يعلمان حُرّيّته أو عبدٍ يعلمان أنّه مستحقّ ، أو تصالحا بذلك عن [ غير ](٥) القصاص ، رجع بالدية والأقربِ بالقصاص أو بما تصالح عنه ؛ لأنّ الصلح هنا باطل يعلمان بطلانه ، فكان‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.

(٢) روضة القُضاة ٢ : ٧٧١ / ٥١٩٥ ، المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.

(٣) المغني ٥ : ٢٧ - ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧١ / ٥١٩٦ و ٥١٩٧.

(٤) المغني ٥ : ٢٩.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني ٥ : ٢٩.

١٢٨

وجوده كالعدم.

ولو صالَح عن القصاص بعبدٍ فخرج مستحقّاً ، رجع بقيمة العبد ، وكذا إن خرج حُرّاً - ويحتمل قويّاً الرجوع إلى القصاص فيهما - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد(١) .

وقال أبو حنيفة : إن خرج مستحقّاً رجع بقيمته ، وإن خرج حُرّاً رجع بما صالَح عنه ، وهو الدية(٢) .

مسألة ١١١٦ : قد بيّنّا أنّه يجوز أن يصالحه على إجراء ماء المطر على سطحه مع العلم بالمشاهدة للسطح أو بالمساحة‌ ؛ لاختلاف الماء بكبر السطح وصغره.

وهل يفتقر إلى ذكر المدّة؟ مَنَع منه الحنابلة ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه(٣) .

ويجوز العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقديرٍ كما في النكاح.

ولا يملك صاحب الماء مجراه ؛ لأنّ هذا لا يستوفى به منافع المجرى دائماً ولا في أكثر المدّة ، بخلاف الساقية. وفيه نظر.

ولا يحتاج في إجراء الماء في الساقية إلى ما يُقدّر به ؛ لأنّ تقدير ذلك حصل بتقدير الساقية ، فإنّه لا يملك أن يجري فيها أكثر من مائها ، والماء الذي يجري على السطح يحتاج إلى معرفة مقدار السطح ؛ لأنّه يجري فيه القليل والكثير.

ولو كان السطح الذي يجري عليه الماء مستأجَراً أو عاريةً مع إنسانٍ ، لم يجز له أن يصالح على إجراء الماء عليه ؛ لأنّه يتضرّر بذلك ولم يؤذن له‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧.

(٣) المغني ٥ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١.

١٢٩

فيه ، فلم يكن له أن يتصرّف(١) فيه.

وأمّا الساقية المحصورة فإن مَنَع المالك أو لم يعلم بالعرف إباحته ، فكذلك ، وإلّا جاز ؛ لأنّ الأرض لا تتضرّر به.

ولو كان ماء السطح يجري على الأرض ، جاز الصلح أيضاً على ذلك ، سواء احتاج إلى حفرٍ أو لا ؛ لأنّه بمنزلة إجراء الماء إلى ساقيةٍ. ويشترط المدّة المعيّنة.

ومَنَع أحمد - في إحدى الروايتين - منه(٢) .

مسألة ١١١٧ : لا يجوز للإنسان أن يجري الماء في أرض غيره‌ ، سواء اضطرّ إلى ذلك أو لا ، إلّا بإذنه - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٣) - لأنّه تصرّف في أرض غيره بغير إذنه فلم يجز ، كما لو لم تَدْعُ إليه ضرورة ، ولأنّ مثل هذه الحاجة لا تبيح مال غيره ، كما أنّه لا يباح له الزرع في أرض الغير ولا البناء ولا الانتفاع بسائر وجوه الانتفاعات وإن احتاج إليها.

وفي الرواية الأُخرى عن أحمد : إنّه يجوز له إجراء الماء في أرض الغير عند الحاجة بأن تكون له أرض للزراعة لها ماء لا طريق له إلّا أرض جاره ، فإنّه يجوز له إجراء الماء فيها وإن كره المالك ؛ لما روي أنّ الضحّاك ابن خليفة ساق خليجاً من العريض ، فأراد أن يجريه في أرض محمّد بن مسلمة فأبى ، فقال له الضحّاك : لِمَ تمنعني وهو منفعة لك تشربه أوّلاً وآخراً ولا يضرّك؟ فأبى محمّد ، فكلّم فيه الضحّاك عمر ، فدعا عمر محمّد بن مسلمة فأمره أن يخلّي سبيله ، فقال محمّد : لا والله ، فقال له عمر : لِمَ تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تشربه أوّلاً وآخراً؟ فقال محمّد : لا والله ، فقال‌

____________________

(١) في « ث ، خ ، ر » والطبعة الحجريّة : « له التصرّف » بدل « أن يتصرّف ».

(٢) المغني ٥ : ٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢.

(٣) المغني ٥ : ٣٠ - ٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢.

١٣٠

عمر : ليمرّن به ولو على بطنك ، فأمره عمر أن يمرّ به ، ففعل. رواه مالك في موطّئه ، وسعيد في سننه(١) .

وهو خطأ ؛ لتطابق العقل والنقل على قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه. وقول عمر وفعله ليس حجّةً فيما لا يخالف العقل والنقل ، فكيف فيما يخالفهما.

مسألة ١١١٨ : يصحّ الصلح عن كلّ ما يجوز أخذ العوض عنه ، عيناً كان كالدار والعبد‌ ، أو دَيْناً ، أو حقّاً كالشفعة والقصاص ، ولا يجوز على ما ليس بمالٍ ممّا لا يصحّ أخذ العوض عنه.

فلو صالحته المرأة على أن تقرّ له بالزوجيّة ، لم يصح ؛ لأنّها لو أرادت بذل نفسها بعوضٍ لم يجز.

ولو دفعت إليه عوضاً عن دعوى الزوجيّة ليكفّ عنها ، فالأقرب : الجواز - وللحنابلة وجهان(٢) - لأنّ المدّعي يأخذ عوضاً عن حقّه من النكاح فجاز ، كعوض الخلع ، والمرأة تبذله لقطع خصومته وإزالة شرّه فجاز.

فإن صالحته ثمّ ثبتت الزوجيّة بإقرارها أو بالبيّنة ، فإن قلنا : الصلح باطل ، فالنكاح باقٍ بحاله ؛ لأنّه لم يوجد من الزوج سبب الفرقة من طلاقٍ ولا خلع.

وإن قلنا : يصحّ الصلح ، فكذلك أيضاً.

وعند الحنابلة أنّها تبين منه بأخذ العوض ؛ لأنّه أخذه عمّا يستحقّه من نكاحها ، فكان خلعاً ، كما لو أقرّت له بالزوجيّة فخالعها(٣) .

وليس بشي‌ءٍ.

____________________

(١) المغني ٥ : ٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢ ، وانظر : الموطّأ ٢ : ٧٤٦ / ٣٣.

(٢) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٦ - ٧.

(٣) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧.

١٣١

ولو ادّعت أنّ زوجها طلّقها ثلاثاً فصالحها على مالٍ لترك دعواها ، لم يجز ؛ لأنّه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلّقها بعوضٍ ولا بغيره.

ولو دفعت إليه مالاً ليُقرّ بطلاقها ، لم يجز.

وللحنابلة وجهان ، أحدهما : الجواز ، كما لو بذلت له مالاً ليطلّقها(١) .

مسألة ١١١٩ : لو ادّعى على غيره أنّه عبده فأنكره ، فصالحه على مالٍ ليُقرّ له بالعبوديّة ، لم يجز‌ ؛ لأنّه يحلّ حراماً ، فإنّ إرقاق الحُرّ نفسه لا يحلّ بعوضٍ ولا بغيره.

ولو دفع المدّعى عليه مالاً صلحاً عن دعواه جاز ؛ لأنّه يجوز أن يعتق عبده بمالٍ ، ولأنّه يقصد بالدفع إليه دفع اليمين الواجبة عليه والخصومة المتوجّهة إليه.

ولو ادّعى على غيره ألفاً فأنكره فدفع إليه شيئاً ليُقرّ له بالألف ، لم يصح ، فإن أقرّ لزمه ما أقرّ به ، ويردّ ما أخذه ؛ لأنّا نتبيّن بإقراره كذبه في إنكاره ، وأنّ الألف عليه ، فيلزمه أداؤه بغير عوضٍ ، ولا يحلّ له [ أخذ ] العوض عن أداء الواجب عليه ، فإن دفع إليه المنكر مالاً صلحاً عن دعواه جاز.

مسألة ١١٢٠ : لو صالَح شاهداً على أن لا يشهد عليه ، لم يصح‌ ؛ لأنّ المشهود به إن كان حقّاً لآدميٍّ - كالدَّيْن - أو لله تعالى - كالزكاة - فإن كان الشاهد يعرف ذلك ، لم يجز له أخذ العوض على تركه ، كما لا يجوز له أخذ العوض على ترك الصلاة ، وإن كان كذباً لم يجز له أخذ العوض على تركه ، كما لا يجوز أخذ العوض على ترك شرب الخمر.

وإن صالحه على أن لا يشهد عليه بالزور ، لم يصح ؛ لأنّ ترك ذلك واجب عليه ، ويحرم عليه فعله ، فلا يجوز أخذ العوض عنه ، كما لا يجوز‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧.

١٣٢

أن يصالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله.

وإن صالحه على أن لا يشهد عليه بما يوجب الحدّ كالزنا والسرقة ، لم يجز أخذ العوض عنه ؛ لأنّ ذلك ليس بحقٍّ له ، فلا يجوز له أخذ عوضه ، كسائر ما ليس بحقٍّ له.

ولو صالَح السارق والزاني والشارب بمالٍ على أن لا يرفعه إلى السلطان ، لم يصح كذلك ، ولم يجز له أخذ العوض.

ولو صالحه عن حدّ القذف ، لم يصح ؛ لأنّه إن كان لله تعالى لم يجز(١) له أن يأخذ عوضه ؛ لكونه ليس بحقٍّ له ، فأشبه حدّ الزنا ، وإن كان حقّاً له لم يصحّ الصلح ؛ لأنّه لا يجوز الاعتياض عنه ؛ لأنّه ليس من الحقوق الماليّة ، ولهذا لا يسقط إلى بدلٍ ، بخلاف القصاص ، ولأنّه شُرّع لتنزيه العِرْض ، فلا يجوز أن يعاوض عن عِرْضه بمالٍ.

والأقرب : عدم سقوط الحدّ بالصلح.

وللحنابلة وجهان مبنيّان على كونه حقّاً لله تعالى فلا يصحّ الصلح عنه ، كحدّ الزنا ، وكونه حقّاً للآدميّ فيسقط ، كالقصاص(٢) .

ولو صالَح عن حقّ الشفعة ، جاز عندنا ؛ لأنّه حقٌّ تعلّق بالمال ، فجاز الاعتياض عنه به ، كغيره من الحقوق الماليّة.

ومَنَع منه الحنابلة ؛ لأنّ الشفعة حقٌّ شُرّع على خلاف الأصل لدفع ضرر الشركة ، فإذا رضي بالتزام الضرر سقط الحقّ من غير بدلٍ(٣) .

وهو ممنوع.

مسألة ١١٢١ : لا يجوز أن يحفر في الطرق النافذة بئراً لنفسه‌ ، سواء‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « لم يكن » بدل « لم يجز ».

(٢) المغني ٥ : ٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩.

(٣) المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩.

١٣٣

جعلها لماء المطر أو يستخرج منها ماء ينتفع به ، ولا غير ذلك.

ولو أراد حفرها للمسلمين ونفعهم أو لينتفع بها الطريق بأن يحفرها ليستقي الناس من مائها ويشرب منه المارّة أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق ، فإن تضرّر بها المسلمون أو كان الدرب ضيّقاً أو يحفرها في ممرّ الناس بحيث يخاف سقوط إنسانٍ فيها أو دابّة أو يضيق عليهم ممرّهم ، لم يجز ذلك ؛ لأنّ ضررها أكثر من نفعها.

وإن حفرها في زاويةٍ من طريقٍ واسع وجعل عليها ما يمنع الوقوع فيها ، فالأقرب : الجواز ؛ لأنّه نفع لا ضرر فيه ، لكن مع الضمان.

وإن كان الدرب غير نافذٍ ، لم يجز شي‌ء من ذلك مطلقاً إلّا بإذن أربابه ؛ لأنّه ملكٌ لقومٍ معيّنين ، فلا يجوز فعله إلّا بإذنهم ، كما لو فعله في بستان غيره.

ولو صالَح أهل الدرب على ذلك جاز ، سواء حفرها لنفسه أو لينزل فيها ماء المطر عن داره أو ليستقي منها ماءً لنفسه ، أو حفرها للسبيل ونفع الطريق.

وكذا إن فَعَل ذلك في ملك إنسانٍ معيّن.

مسألة ١١٢٢ : قد بيّنّا أنّه يجوز إخراج الميازيب في الطرق النافذة إذا لم يمنع منه أحد يتضرّر به - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(١) - لأنّ عمر بن الخطّاب اجتاز على دار العبّاس وقد نصب ميزاباً إلى الطريق ، فقلعه ، فقال العبّاس : تقلعه وقد نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده(٢) ، وما فَعَله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جاز لغيره فعله ؛ عملاً بالتأسّي ما لم يقم دليل على اختصاصه ، ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، ولا يمكنه ردّ مائه إلى داره.

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٤٢ ، الهامش (١)

١٣٤

وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه تصرّف في هواءٍ مشتركٍ بينه وبين غيره بغير إذنه فلم يجز ، كغير النافذ(١) .

وعدم الإذن ممنوع بوضع عامّة الناس في الأمصار بأسرها على استمرار الدهور.

مسألة ١١٢٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز وضع الجذوع على حائط الجار إلّا بإذنه ، وبيّنّا الخلافَ.

وكذا في جدار المسجد.

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : الجواز ؛ لأنّه إذا جاز في ملك الجار مع أنّ [ حقّه ](٢) مبنيّ على الشحّ والتضييق ، ففي حقّ الله تعالى المبنيّ على المسامحة والمساهلة أولى(٣) .

وكلتا المقدّمتين ممنوعة.

فرعٌ : على قول أحمد إذا كان له وضع خشبٍ على جدار غيره ، لم يملك إعارته ولا إجارته‌ ؛ لأنّه إنّما كان له ذلك لحاجته الماسّة إلى وضع خشبه ، ولا حاجة له إلى وضع خشبة غيره ، فلم يملكه.

وكذلك لا يملك بيع حقّه من وضع خشبه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره ؛ لأنّه أُبيح له لحاجته إليه ، فلا يجوز [ التخطّي ](٤) كطعام غيره إذا أُبيح له للضرورة لم يملك إباحة غيره(٥) .

ولو تنازعا مسنّاةً بين نهر أحدهما وأرض الآخَر أو بين أرضيهما أو‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٦ - ٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حائطه ». والمثبت كما في المصدر.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « التخطئة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) المغني ٥ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٩ - ٤٠.

١٣٥

نهريهما ، تحالفا ، وكانت بينهما ؛ لأنّها حاجز بين ملكيهما ، كالحائط بين الملكين.

مسألة ١١٢٤ : لو كان السُّفْل لرجلٍ والعلوّ لآخَر ، فانهدم السقف الذي بينهما ، لم يُجبر أحدهما على عمارته لو امتنع‌ - وللشافعي قولان ، وعن أحمد روايتان(١) - للأصل.

ولو انهدمت حيطان السُّفْل وأراد صاحب العلوّ بناءه ، لم يُمنع من ذلك ؛ توصّلاً إلى تحصيل ملكه.

فإن بناه بآلته ، فهو على ما كان.

وإن بناه بآلةٍ من عنده ، لم يكن له منع صاحب السُّفْل من السكنى - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ ملكه لم يخرج عن السُّفْل ، والسكنى إنّما هي إقامته في فناء الحيطان من غير تصرّفٍ فيها ، فأشبه الاستظلال بها من خارجٍ.

ومَنَع أبو حنيفة من السكنى ؛ لأنّ البيت إنّما يُبنى للسكنى فلم يملكه ، كغيره(٣) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ إذ لا يمنع من التصرّف في ملكه المختصّ به.

وعن أحمد روايتان(٤) .

مسألة ١١٢٥ : لو كان الحائط بينهما نصفين فاتّفقا على بنائه أثلاثاً أو بالعكس ، جاز‌ ، كما لو تبرّع أحدهما ببنائه.

ومَنَع الحنابلة من تساويهما في البناء لو اختلفا في الاستحقاق ؛ لأنّه يصالح على بعض ملكه ببعضٍ فلم يصحّ ، كما لو أقرّ له بدارٍ فصالحه على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧.

(٢ - ٤) المغني ٥ : ٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧.

١٣٦

سكناها(١) .

والملازمة ممنوعة ، وكذا الحكم في الأصل ممنوع.

ولو اتّفقا على أن يحمله كلّ واحدٍ منهما ما شاء ، لم يجز ؛ لجهالة الحمل ، وإنّه يحمله من الأثقال ما لا طاقة له بحمله.

مسألة ١١٢٦ : لو كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخَر ، لم يُمنع صاحب الأعلى من الصعود على سطحه‌ ، ولا يحلّ له الإشراف على سطح جاره.

وقال أحمد : ليس لصاحب العلوّ الصعودُ على سطحه على وجهٍ يشرف على سطح جاره إلّا أن يبني سترةً تستره(٢) .

ومذهبنا أنّه لا يجب بناء السترة - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه حاجز بين ملكيهما فلا يُجبر عليه ، كالأسفل.

احتجّ أحمد بأنّه يحرم عليه الاطّلاع والإشراف على جاره ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو أنّ رجلاً اطّلع عليك فخذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح »(٤) (٥) .

ونحن نقول بموجبه ، فإنّ الاطّلاع حرام عندنا ، أمّا العلوّ بالسطح فلا.

مسألة ١١٢٧ : لو تنازع اثنان جملاً ، فإن كان لأحدهما عليه حمْلٌ كان صاحب الحمل أولى‌ ، وبه قال الشافعي وإن لم يحكم بالجدار لصاحب الجذوع التي عليه ، وفرَّق بأنّ الحائط ينتفع به كلّ واحدٍ منهما وإن كان‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٤١ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢ - ٥٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٤١ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣.

(٤) صحيح البخاري ٩ : ٨ - ٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٩ / ٤٤.

(٥) المغني ٥ : ٥٢ - ٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣.

١٣٧

صاحب الجذوع أكثر منفعةً ، وأمّا الجمل فالانتفاع لصاحب الحمل ، دون الآخَر(١) .

وهذا الفرق ليس بشي‌ءٍ ، بل انتفاع صاحب الجذوع بالجدار أدوم.

ولو تنازعا عبداً ولأحدهما عليه ثوبٌ لابسه ، تساويا فيه ، بخلاف الحمل ؛ لأنّ صاحب الثوب لا ينتفع بلُبْس العبد له ، بخلاف الحمل ، ولأنّ الحمل لا يجوز أن يحمله على الجمل إلّا بحقٍّ ، ويجوز أن يجبر العبد على لُبْس قميص غير مالكه إذا كان عرياناً وبذله ، فافترقا.

مسألة ١١٢٨ : لو كان في يد شخصين درهمان فادّعاهما أحدهما وادّعى الآخَر واحداً منهما ، أُعطي مدّعيهما معاً درهماً‌ ، وكان الدرهم الآخَر بينهما نصفين ؛ لأنّ مدّعي أحدهما غير منازعٍ في الدرهم الآخَر ، فنحكم به لمدّعيهما ، وقد تساويا في دعوى أحدهما يداً ودعوى ، فيُحكم به لهما.

هذا إذا لم توجد بيّنة.

والأقرب : إنّه لا بدّ من اليمين ، فيحلف كلّ واحدٍ منهما على استحقاق نصف الآخَر الذي تصادمت دعواهما فيه ، فمَنْ نكل منهما قُضي به للآخَر.

ولو نكلا معاً أو حلفا معاً ، قُسّم بينهما نصفين ؛ لما رواه عبد الله بن المغيرة عن غير واحدٍ من أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام : في رجلين كان معهما درهمان ، فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخَر : هُما بيني وبينك ، قال : فقال الصادقعليه‌السلام : « أمّا أحد الدرهمين ليس له فيه شي‌ء ، وإنّه لصاحبه ، ويُقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين »(٢) .

مسألة ١١٢٩ : لو أودع رجل عند آخَر دينارين وأودعه آخَر ديناراً وامتزجا ثمّ ضاع دينار منهما‌ ، فإن كان بغير تفريطٍ منه في الحفظ ولا في‌

____________________

(١) البيان ١٣ : ١٩٦ ، المغني ١٢ : ٢٢٨ ، وراجع الهامش (٣) من ص ٥٨٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨١.

١٣٨

المزج بأن أذنا له في المزج أو حصل المزج بغير فعله ولا اختياره ، فلا ضمان عليه ؛ لأصالة البراءة ، ولو فرّط ضمن التالف.

هذا بالنظر إلى المستودع ، وأمّا المال الباقي فإنّه يعطى صاحب الدينارين ديناراً ؛ لأنّ خصمه يسلّم له أنّه لا يستحقّ منه شيئاً ، ويبقى الدينار الآخَر تتصادم دعواهما فيه ، فيُقسم بينهما نصفين ؛ لما رواه السكوني عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام : في رجلٍ استودع رجلاً دينارين واستودعه آخَر ديناراً فضاع دينار منهما ، فقال : « يعطى صاحب الدينارين ديناراً ، ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين »(١) .

ولو كان ذلك في متساوي الأجزاء الممتزج مزجاً يرفع الامتياز ، كما لو استودعه أحدهما قفيزين من حنطةٍ أو شعير أو دخن وشبهه ، واستودعه الآخَر قفيزاً مثلهما ثمّ امتزج المالان وتلف قفيز من الممتزج ، فإنّ الأقوى هنا أن يقسم المال التالف بينهما على نسبة المالين ، فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث قفيزٍ ، ولصاحب القفيز ثلثا قفيزٍ.

والفرق ظاهر ؛ لأنّ عين أحد الدينارين غير مستحقٍّ لصاحب الدينار.

مسألة ١١٣٠ : لو اشترى العامل في البضاعة ثوباً بثلاثين درهماً‌ ، واشترى من مال المباضع الآخَر ثوباً بعشرين درهماً ، ثمّ امتزج الثوبان ، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه ، وإن تعاسرا بِيعا معاً ، وبسط الثمن على القيمتين ، فيأخذ صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، ويأخذ صاحب العشرين خُمْسي الثمن ؛ إذ الظاهر عدم التغابن ، وأنّ كلّ واحدٍ منهما اشترى بقيمته وباع بالنسبة.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٣.

١٣٩

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يُباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمْسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(١) .

ولو بِيعا منفردين ، فإن تساويا في الثمن فلكلٍّ مثل صاحبه ؛ ليميّز حقّ كلّ واحدٍ منهما عن حقّ الآخَر ، وإن تفاوتا كان أقلّ الثمنين لصاحب العشرين وأكثرهما لصاحب الثلاثين ؛ قضاءً بالظاهر من عدم الغبن.

مسألة ١١٣١ : لو تنازعا في دابّةٍ فادّعاها كلّ واحدٍ منهما وكان أحدهما راكبَها والآخَر قابض لجامها ولا بيّنة‌ ، قال الشيخرحمه‌الله : يُحكم بها لهما ، وتُجعل بينهما نصفين(٢) ، وبه قال أبو إسحاق المروزي(٣) ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهما يداً عليها.

وقال باقي العامّة : يُحكم بها للراكب ؛ لبُعْد تمكين صاحب الدابّة غيرَه من ركوبها ، وإمكان أخذ اللجام من صاحب الدابّة(٤) . وهو الأقوى عندي.

ولو تنازعا ثوباً في يدهما ، قضي لهما معاً به بالسويّة وإن كان في يد أحدهما أكثر ؛ لتساويهما في اليد والدعوى ، وكلّ ذلك مع عدم البيّنة‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٤٨٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩٦ ، المسألة ٥ من كتاب الصلح.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣١٨ ، الوجيز ١ : ١٨٠ - ١٨١ ، الوسيط ٤ : ٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٢١١ ، البيان ١٣ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392