تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118808 / تحميل: 5576
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أحدهما أولى من الآخَر.

ولبعض الشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه كمالٍ في يد ثالثٍ يتداعاه اثنان ؛ لأنّه لم يثبت لأحدهما يدٌ عليه(١) .

فإن قلنا بالأوّل فإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً أو حلفا أو نكلا فهو بينهما ، وإن أقام أحدهما البيّنةَ أو حلف ونكل صاحبه قُضي له.

وإن قلنا بالثاني لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فعلى الخلاف في تعارض البيّنتين ، وإن نكلا أو حلفا وُقف المال بينهما.

وسواء قلنا بالوجه الأوّل أو الثاني فإنّ المال يُترك في يد المدّعى عليه إلى أن تنفصل الحكومة بينهما على أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه لا بدّ من وضعه عند أمينٍ ، وهذا أمين لم تظهر منه خيانة ، والثاني : إنّه يُنزع منه ؛ لأنّ مطالبتهما بالردّ تتضمّن عزله(٢) .

وهذان القولان للشافعيّة فيما إذا طلب أحدهما الانتزاعَ والآخَر التركَ ، فأمّا إن اتّفقا على أحد الأمرين فإنّ الحاكم يتبع رأيهما(٣) .

ويمكن أن يكون هذا مبنيّاً على أنّه يجعل المال كأنّه في يدهما ، وإلّا فيتبع الحاكم رأيه.

هذا إذا صدّقاه في النسيان ، وإن كذّباه فيه وادّعى كلّ واحدٍ منهما علمَه بأنّه المالك ، وقالا : إنّك تعلم لـمَن الوديعة منّا ، فالقول قول المستودع مع يمينه ، ويحلف ؛ لأنّه لو أقرّ بها لأحدهما كانت له ، فإذا ادّعي عليه العلم سُمعت دعواه ، ويحلف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢١

فإن حلف ، كفاه يمين واحدة على نفي العلم - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المدّعى شي‌ء واحد ، وهو علمه بعين المال ، فكفاه يمين واحدة.

وقال أبو حنيفة : يحلف يمينين لكلّ واحدٍ منهما يميناً ، كما لو أنكر أنّها لهما(٢) .

والفرق : إنّه إذا أنكرهما فقد أنكر دعويين ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي عليه أنّها له ، فهنا دعويان ، فإذا حلف كان كأنّهما صدّقاه.

وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدّعه الخصمان؟ للشافعيّة وجهان(٣) .

ثمّ إذا حلف المدّعى عليه ، فالحكم كما لو صدّقاه في النسيان من أنّه يُقرّ في يده ؛ لأنّه لا فائدة في نقله ، فإنّه مستودع ، ولم تظهر منه خيانة ، أو يُنقل عنه ؛ لأنّه قد اعترف بأنّه لا حقّ له فيها(٤) فيُنقل عنه.

وقال بعضهم : إنّه يُنزع المال منه هنا وإن لم يُنزع هناك ؛ لأنّه خائن عندهما بدعوى النسيان(٥) .

وإن نكل عن اليمين ، رُدّت اليمين عليهما ، فإن نكلا فإمّا أن نقول : يُقسم المال بينهما ، أو يُوقف حتى يصطلحا على الخلاف ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر قُضي بها للحالف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٢ / ١٨٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤) أي : في الوديعة. والظاهر بحسب السياق : « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٢

وإن حلفا ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقسم بينهما ؛ لأنّه في أيديهما - وهو الأصحّ عند الشافعيّة - كما لو أقرّ بها لهما.

والثاني : يُوقف حتى يصطلحا - وبه قال ابن أبي ليلى - لأنّه لا يعلم المالك منهما(١) .

وعلى القول بالقسمة فإنّ المستودع يغرم القيمة ، وتُقسَم بينهما أيضاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أثبت بيمين الردّ جميعَ العين ولم يحصل له سوى نصفها(٢) .

هذا أشهر ما قاله الشافعيّة فيما إذا نكل المستودع(٣) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ المستودع إذا نكل لا تُردّ اليمين عليهما ، بل يوقف ؛ بناءً على أنّهما لو حلفا يوقف المال بينهما ، فلا معنى لعرض اليمين(٥) .

وإن قلنا بردّ اليمين ، فالأقرب : إنّ الحاكم يُقدّم مَنْ رأى تقديمه منهما في الحلف.

ويحتمل القرعة بينهما.

وإذا حلفا وقُسّمت العين بينهما والقيمة ، فإن لم ينازع أحدهما الآخَر فلا بحث ، وإن نازع وأقام البيّنة على أنّ جميع العين له سُلّمت إليه ، ورُدّت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١ ، المغني ٧ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٣

القيمة على المستودع.

وإن لم تكن بيّنة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحقّ العين ، فيردّ نصفَ القيمة الذي أخذه ؛ لأنّه عاد إليه المُبدل ، والناكل لا يردّ ما أخذ ؛ لأنّه استحقّه بيمينه على المستودع ، ولم يعد إليه الـمُبدل ، ونكوله كان مع صاحبه ، لا مع المستودع.

مسألة ٧٠ : لو قال المستودع في الجواب : هذا المال وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أو لأحدكما أو لغيركما‌ ، وادّعيا عليه العلمَ ، كان القولُ قولَه مع اليمين ، فإذا حلف على نفي العلم تُرك في يده إلى أن تقوم بيّنة ، وليس لأحدهما تحليف الآخَر ؛ لأنّه لم يثبت لواحدٍ منهما فيه يدٌ ولا استحقاق ، بخلاف الصورة الأُولى.

ولو ادّعى عليه اثنان غصبَ مالٍ في يده ، كلّ واحدٍ منهما يقول : غصبتَه منّي ، فقال : غصبتُه من أحدكما ولا أعرف عينه ، فالقول قوله مع اليمين أيضاً ، فعليه أن يحلف لكلّ واحدٍ منهما على البتّ على أنّه لم يغصب(١) ، فإذا حلف لأحدهما تعيّن المغصوب للثاني ، فلا يحلف له.

مسألة ٧١ : تشتمل على فروع متبدّدة :

لو تعدّى في الوديعة ثمّ بقيت في يده مدّة ، لزمه أُجرة مثلها عن تلك المدّة ؛ لأنّه خرج عن الأمانة ، ودخل في الخيانة من حين التعدّي ، فكان كالغاصب عليه عوض المنافع وإن لم ينتفع.

ولو دخل خاناً فجعل حماره في صحن الخان ، وقال للخاني : احفظه كي لا يخرج ، وكان الخاني ينظر إليه ، فخرج في بعض غفلاته ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قصّر في الحفظ بالغفلة.

وقال القفّال من الشافعيّة : لا يضمن ؛ لأنّه لم يقصّر في الحفظ‌

____________________

(١) الظاهر : « لم يغصب منه » أو « لم يغصبه ».

٢٢٤

المعتاد(١) .

وهو ممنوع.

ولو وقع في خزانة المستودع حريق ، فبادر إلى نقل الأمتعة وقدّم أمتعته على الوديعة ، فاحترقت الوديعة ، لم يضمن ، كما لو لم يكن فيها إلّا ودائع فأخذ في نقلها كلّها فاحترق ما تأخّر نقله.

ولو ادّعى ابن مالك الوديعة أنّ أباه قد مات وأنّ المستودع علم بذلك ، وطلب الوديعة ، فأنكر المستودع ، فللولد تحليفه على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي.

ولو مات المالك وطلب الوارث الوديعةَ ، فامتنع المستودع من الدفع إليه ليتفحّص ويبحث هل في التركة وصيّة؟ ففي كونه متعدّياً ضامناً إشكال أقربه ذلك.

ولو وجد لقطةً وعرف مالكها ولم يُخبره حتى تلفت ، ضمن.

وكذا قيّم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يُخبر الحاكم حتى تلف المال ، كان ضامناً.

ومَنْ كان قيّماً لصبيٍّ أو مجنونٍ أو سفيهٍ ولم يبع أوراق شجره التي تُقصد بالبيع حتى يمضي وقتها ، كان ضامناً ، أمّا لو أخّر البيع لتوقّع زيادةٍ لم يضمن.

وكذا قيّم المسجد في أشجاره.

ولو دفع إلى رسوله خاتماً علامةً ليمضي إلى وكيله(٢) ويقبض منه شيئاً ، وقال : إذا قبضتَه تردّ الخاتمَ علَيَّ ، فقبض المأمور بقبضه ولم يردّ الخاتم بل وضعه في حرزه ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قبضه على أنّه يردّه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « خاتماً ليمضي إلى وكيله علامةً ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٢٥

فإذا لم يردّه كان ضامناً.

ويحتمل عدمه ؛ لأنّه ليس عليه الردّ ولا مئونته ، بل عليه التخلية.

ولو دفع قبالةً إلى غيره وديعةً ففرّط فيها ، ضمن قيمة الكاغذ مكتوباً ، ولا شي‌ء عليه ممّا في القبالة.

وكذا لو أودع إنساناً وثيقةً وقال : لا تردّها إلى زيدٍ حتى يدفع ديناراً ، فردّها قبله ، فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغذ وأُجرة الورّاق.

مسألة ٧٢ : لو دخل الحمّام فنزع ثيابه وسلّمها إلى الحمّامي ، وجب عليه حفظها ، فإن فرّط ضمن ، وإن لم يفرّط لم يضمن.

وإن لم يسلّم إليه الثياب ، لم يضمن ، سواء احتفظها أو غفل عنها ولم يراعها وكان مستيقظاً ، عند علمائنا ؛ لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ، ولم يأخذه على حفظ الثياب ، ولم يستودع شيئاً ، وصاحبها لم يودعه ثيابه ، وخَلْعُه في المسلخ والحمّامي جالس في مكانه مستيقظاً ليس استيداعاً.

وقد روى من طريق الخاصّة غياث بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي بصاحب حمّامٍ وُضعت عنده الثياب فضاعت ، فلم يُضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين »(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا سُرقت الثياب والحمّامي جالس في مكانه مستيقظ ، فلا ضمان عليه ، فإن نام أو قام من مكانه ولا نائب هناك ضمن وإن لم يستحفظه المالك عليها ؛ قضاءً للعادة(٢) .

وهو خطأ ؛ لما تقدّم.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٩٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٣.

٢٢٦

لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ولم يأخذه على الثياب »(١) .

مسألة ٧٣ : لو ادّعى صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده ، وادّعى المالك الإقراض(٢) ، قُدّم قول المالك مع اليمين‌ ؛ لأنّ المتشبّث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير ، فكان القولُ قولَ المالك.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخَر : إنّما كانت عليك قرضاً ، قال : « المال لازم له ، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهذا التنازع إنّما تظهر فائدته لو تلف المال ، أو كان غائباً لا يعرفان خبره ، أو لا يتمكّن من دفعه إلى مالكه ، ولو كان باقياً يتمكّن مَنْ هو في يده من تسليمه فلا فائدة فيه.

ولو انعكس الفرض ، فادّعى المالكُ الإيداعَ والقابضُ الإقراضَ ، قُدّم قول المالك ؛ لأنّ المال إن كان باقياً فالأصل استصحاب ملكيّة المالك ، وإن كان تالفاً فالأصل براءة ذمّة القابض ، وقد وافق المالك الأصل.

مسألة ٧٤ : ولا فرق بين الذهب والفضّة وبين غيرهما من الأموال في هذا الحكم‌ ، وهو عدم الضمان مع عدم التفريط ، وثبوته معه ، بخلاف العارية على ما سيأتي ؛ لأنّ الاستئمان لا يستعقب الضمان.

ولما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن وديعة الذهب والفضّة ، قال : فقال : « كلّ ما كان من وديعةٍ ولم تكن‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٤ / ٨٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « الاقتراض ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨.

٢٢٧

مضمونةً فلا تلزم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالبضاعة أمانة في يد العامل ؛ لأصالة البراءة ، وحكمها في عدم الضمان مع عدم التفريط حكم الوديعة ؛ للأصل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

مسألة ٧٥ : إذا استودع مالاً واتّجر به بغير إذن صاحبه‌ ، فإن كانت التجارة بعين المال فالربح للمالك إن أجاز المعاوضات ، وإلّا بطلت بأسرها ، وإن كانت في الذمّة ونقد مال الوديعة عن دَيْنٍ عليه فالربح للعامل ، وعليه ردّ المال.

وقد روى أبو سيار مسمع عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، فقال لي : إنّ هذا مالك فخُذْه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتُها في مالك ، فهي لك مع مالك واجعلني في حلٍّ ، فأخذتُ منه المال وأبيتُ أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعته وأتيت أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : « خُذْ نصف الربح ، وأعطه النصف ، وحلِّه ، إنّ هذا رجل تائب ، والله( يُحِبُّ التَّوّابِينَ ) »(٣) .

وهذه الرواية محمولة على الإرشاد على فعل الأولى بقرينة قوله : « فما ترى؟ » والإمامعليه‌السلام أرشده إلى المعتاد بين الناس من قسمة ربح التجارة نصفين.

مسألة ٧٦ : مَن استودع من اللّصّ مال السرقة ، لم يجز له ردّها عليه ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩٣.

٢٢٨

بل يردّها على مالكها إن عرفه بعينه ، فإن كان قد مات ردّها على ورثته ، ولو لم يعرف مالكها أبقاها في يده أمانةً إلى أن يظهر المالك ، فإن لم يمكن معرفته كان بمنزلة اللقطة يُعرّفها سنةً ، فإن تعذّر المالك تصدّق بها عنه ، وكان عليه ضمانها ، وإن شاء حفظها لمالكها ؛ لما رواه حفص بن غياث عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ من المسلمين أودعه رجلٌ من اللّصوص دراهم أو متاعاً واللّصّ مسلمٌ هل يردّ عليه؟ قال : « لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فَعَل ، وإلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيُعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلّا تصدّق بها ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز ، لم يجز للمستودع حبسها ، ووجب عليه ردّ الجميع إليه.

ويحتمل عندي ردّ قدر ما يملكه اللّصّ ، واحتفاظ الباقي لمالكه. والقسمة هنا ضروريّة.

ولو خاف من الظالم لو منعها عنه ، جاز له ردّها عليه.

مسألة ٧٧ : يجب ردّ الوديعة إلى مالكها وإن كان كافراً‌ ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .

وقد روى الفضيل عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر على أن لا يعطيه شيئاً ، والمستودع رجل خبيث خارجيّ شيطان ، فلم أدع شيئاً ، فقال : « قل له : يردّ عليه ، فإنّه ائتمنه عليه بأمانة الله » قلت : فرجل‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ - ١٨١ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠.

(٢) النساء : ٥٨.

٢٢٩

اشترى من امرأةٍ من بعض العبّاسيّين بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً : قد قبضت المال ، ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : « يمنعها أشدّ المنع ، فإنّما باعته ما لم تملكه »(١) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨١ / ٧٩٥.

٢٣٠

٢٣١

المقصد الثاني : في العارية‌

وفيه فصلان :

الأوّل : الماهيّة والأركان‌

فهنا بحثان :

الأوّل : الماهيّة.

العاريّة - بتشديد الياء - عقد شُرّع لإباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال على جهة التبرّع. وشُدّدت الياء كأنّها منسوبة إلى العار ؛ لأنّ طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح(١) .

وقال غيره : منسوبة إلى العارة ، وهي مصدر ، يقال : أعار يعير إعارةً وعارةً ، كما يقال : أجاب إجابةً وجابةً ، وأطاق إطاقةً وطاقةً(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من « عار يعير » إذا جاء وذهب ، ومنه قيل للبطّال : العيّار ؛ لتردّده في بطالته ، فسُمّيت عاريةً ؛ لتحوّلها من يدٍ إلى يدٍ(٣) .

وقيل : إنّها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو أن يتداول القوم الشي‌ء بينهم(٤) .

وقال الخطّابي في غريبه : إنّ اللغة العالية : العاريّة ، وقد تُخفّف(٥) .

____________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦١ « عور ».

(٢) كما في « الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي » المطبوع في مقدّمة « الحاوي الكبير » : ٣٠٠.

(٣) قاله الأزهري في الزاهر : ٣٠٠ ، وراجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والمغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨.

(٥) إصلاح الغلط - للخطّابي - : ٤٦ - ٤٧ / ٣٤ ، وحكاه عن غريبه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والنووي في روضة الطالبين ٤ : ٧٠.

٢٣٢

مسألة ٧٨ : العارية سائغة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (١) والعارية من جملة البرّ.

وقال تعالى :( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٢) قال أبو عبيدة(٣) : الماعون اسم لكلّ منفعةٍ وعطيّةٍ ، وأنشد فيه :

بأجود منه بماعونه

إذا ما سماؤهم لا تغم(٤)

وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنّهما قالا : الماعون العواريّ(٥) .

وفسَّر ذلك ابن مسعود فقال : ذلك القِدْر والدلو والميزان(٦) .

وروي عن عليٍّعليه‌السلام و [ ابن ](٧) عمر أنّهما قالا : الماعون : الزكاة(٨) .

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن أبي أُمامة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في‌

____________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الماعون : ٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبو عبيد ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) مجاز القرآن ٢ : ٣١٣ ، والبيت للأعشى ، راجع ديوانه : ٨٩ / ٣٩.

(٥) جامع البيان ٣٠ : ٢٠٤ - ٢٠٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٦) المحلّى ٩ : ١٦٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) النكت والعيون ٦ : ٣٥٢ ، المحرّر الوجيز ١٦ : ٣٧١ ، معالم التنزيل ٥ : ٦٣٣ ، زاد المسير ٩ : ٢٤٦ ، جامع البيان ٣٠ : ٢٠٣ ، التفسير الكبير ٣٢ : ١١٥ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ٣ : ٥١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٢٠ : ٢١٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٤٧٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠.

٢٣٣

خطبته عام حجّة الوداع : « العارية مؤدّاة ، والمِنْحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(١) .

وعن أُميّة بن صفوان(٢) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار منه يوم خيبر(٣) أدراعاً(٤) ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة ، فاستعار منه سبعين درعاً بأطراقها(٦) ، قال : فقال : غصباً يا محمّد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة »(٧) .

وعن سلمة عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام قال : « جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة فسأله سلاحاً ثمانين درعاً ، فقال له صفوان : عارية مضمونة أو غصباً؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة ، فقال : نعم »(٨) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٦ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨١ / ١٤٧٩٦ ، و ٩ : ٤٨ - ٤٩ / ١٦٣٠٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٥٩ - ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٢) في المصادر زيادة : « عن أبيه ».

(٣) فيما عدا مسند أحمد من المصادر : « حنين » بدل « خيبر ».

(٤) في « ث ، خ ، ر » : « أدرعاً » وكذا في بعض المصادر.

(٥) البيان ٦ : ٤٥١ ، وفي مسند أحمد ٤ : ٤٠٠ / ١٤٨٧٨ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦٢ ، وسنن البيهقي ٦ : ٨٩ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ بدون كلمة « مؤدّاة ».

(٦) واحدتها : الطراق ، وهي البيضة التي توضع على الرأس. القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ « طرق ».

(٧) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٣.

(٨) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٨٠٢.

٢٣٤

وأمّا الإجماع : فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ، ولأنّه لـمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ، ولذلك صحّت الوصيّة بالأعيان والمنافع جميعاً.

مسألة ٧٩ : العارية مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها‌ ؛ لأنّ اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته(١) يدلّ على شدّة الحثّ عليها والتزهيد في منعها والترغيب في فعلها ، ولأنّها من البرّ وقد أمر الله تعالى بالمعاونة فيه(٢) .

وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم(٣) ؛ للأصل.

ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أدّيتَ زكاة مالك فقد قضيتَ ما عليك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة »(٥) .

وسأله الأعرابي فقال له : ما ذا افترض الله علَيَّ من الصدقة؟ قال : « الزكاة » قال : هل علَيَّ غيرها؟ قال : « لا ، إلّا أن تتطوّع »(٦) .

وقيل : إنّها واجبة ؛ للآية(٧) ، ولما رواه أبو هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي حقّها » الحديث ، قيل : يا رسول الله وما حقّها؟ قال : « إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحة لبنها يوم وردها »(٨)

____________________

(١) الماعون : ٦ و ٧.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٤ / ٦١٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٨ ، و ٣ : ٢٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤١ / ١١ ، سنن أبي داوُد ١ : ١٠٦ / ٣٩١ ، سنن النسائي ١ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

(٧) الماعون : ٧.

(٨) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

٢٣٥

فذمّ الله تعالى مانعَ العارية ، وتوعّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما ذكره في خبره(١) .

والجواب : المراد زيادة الترغيب ، على أنّ قول عليٍّعليه‌السلام حجّة في تفسيره الماعونَ بالزكاة(٢) ، ولا ريب في وجوبها.

ولو حملناها على العارية ، فالتوعّد إنّما وقع على الثلاث ، قال عكرمة : إذا جمع ثلاثتها فله الويل : إذا سها عن الصلاة ، وراءى ، ومنع الماعون(٣) .

البحث الثاني : في الأركان.

وهي أربعة :

الأوّل : الـمُعير‌.

وله شرطان : ملكيّة المنفعة ، وأهليّة التصرّف التبرّعيّة ، فلا تصحّ إعارة الغاصب للعين ؛ لأنّه منهيّ عن التصرّف في الغصب ، والإعارة تصرّف.

ولا فرق بين أن يكون غاصباً للعين أو للمنفعة في أنّه يحرم عليه إعارتها ، ولا يباح للمُستعير التصرّف ، فإن علم وتصرّف كان مأثوماً ضامناً للعين والمنفعة بلا خلاف.

ولا يشترط ملكيّة العين في الـمُعير ، بل ملكيّة المنفعة ، فلو استأجر عيناً جاز له أن يعيرها لغيره ، إلّا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه ، فيحرم عليه حينئذٍ الإعارة ، ولو لم يشرطه جاز ؛ لأنّه مالك للمنفعة ، ولهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة.

____________________

(١) كما في المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٢) راجع الهامش (٨) من ص ٢٣٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، الوسيط - للواحدي - ٤ : ٥٥٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

٢٣٦

وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما أن يعيراهما.

مسألة ٨٠ : وليس للمُستعير أن يعير‌ - وبه قال أحمد بن حنبل والشافعيّة في أصحّ الوجهين(١) - لأنّ الأصل عصمة مال الغير وصيانته عن التصرّف ، فلا يباح للمُستعير الثاني إلّا بدليلٍ ولم يثبت ، ولأنّه غير مالكٍ للمنفعة ، ولهذا لا يجوز له أن يؤجّر ، وإنّما أُبيح له الانتفاع ، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره ، كالضيف الذي أُبيح له الطعام ليس له أن يُبيحه لغيره.

وقال أبو حنيفة : يجوز للمُستعير أن يعير - وهو الوجه الآخَر للشافعيّة - لأنّه تجوز إجارة المستأجر للعين ، فكذا يجوز للمُستعير أن يعير ؛ لأنّه تمليك على حسب ما مَلَك(٢) .

والفرق : إنّ المستأجر مَلَك بعقد الإجارة الانتفاعَ على كلّ وجهٍ ، فلهذا مَلَك أن يملكها ، وأمّا في العارية فإنّه مَلَك المنفعة على وجه ما أُذن له ، فلا يستوفيه بغيره ، فافترقا.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٤ ، المغني ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، المغني ٥ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز للمُستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه وبوكيله ، ولا يكون ذلك إعارةً للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه.

مسألة ٨١ : وشرطنا في الـمُعير جواز التصرّف ، فلا بدّ وأن يكون بالغاً عاقلاً جائز التصرّف‌ ، فلا تصحّ عارية الصبي ؛ لأنّه ممنوع من التصرّفات التي من جملتها الإعارة ، ولا عارية المجنون ، ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس ؛ لأنّ هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرّعات ، والإعارة تبرّع.

وكذا ليس للمُحْرم إعارة الصيد ؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه ، بل وليس مالكاً له عند الأكثر.

ولو أسلم عبد الكافر تحت يده ، وجب بيعه من المسلمين ، فيجوز للكافر إعارته للمسلم مدّة المساومة.

وكذا لو ورث أو مَلَك - إن قلنا بصحّة البيع - مصحفاً.

الركن الثاني : الـمُستعير.

وشرطه أن يكون معيّناً أهلاً للتبرّع عليه بعقدٍ يشتمل على إيجابٍ وقبولٍ ، فلو أعار أحد هذين ، أو أحد هؤلاء ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، وكلّ واحدٍ لا يتعيّن للإعارة ؛ لصلاحيّة الآخَر لها ، واستباحة منافع الغير لا تكون إلّا بوجهٍ شرعيّ ؛ لأنّ الأصل تحريم منافع الغير على غيره إلّا بإذنه ، ولم يثبت.

ولو عمّم الـمُستعير ، جاز ، سواء كان التعميم في عددٍ محصور ، كقوله : أعرتُ هذا الكتاب لهؤلاء العشرة ، أو في عددٍ غير محصورٍ ، كقوله : لكلّ الناس ، ولأيّ أحدٍ من أشخاص الناس ، أو : لمن دخل الدار.

وبالجملة ، الكلّيّ معيّن وإن لم يكن عامّاً ك‍ « أيّ رجل » و « أيّ داخل ». و « أحد الشخصين » مجهول.

٢٣٨

مسألة ٨٢ : شرطنا أن يكون أهلاً للتبرّع عليه‌ ؛ لأنّ من الأعيان ما لا يجوز لبعض الأشخاص الانتفاع بها ، فلا تجوز إعارتها لهم ، وذلك مثل الكافر يستعير عبداً مسلماً ، أو أمةً مسلمةً على إشكالٍ ينشأ : من جواز إعارتهم ، ومن السلطنة عليهم والتسلّط وإثبات السبيل ، وقد نفاه الله تعالى بقوله :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) بخلاف استئجاره الذي هو في مقابلة عوضٍ.

والأقرب : الكراهة.

وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره ؛ تكرمةً للكتاب العزيز ، وصيانةً عمّن لا يرى له حرمةً.

وأمّا استعارة أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث أهل بيته الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فإنّها مبنيّة على جواز شرائهم لها ، فإن منعناه منعنا من الإعارة ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٣ : لا يحلّ للمُحْرم استعارة الصيد من الـمُحْرم ، ولا من الـمُحلّ ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه الـمُحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرّد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه ، وضمن لله تعالى.

ولو استعار الـمُحْرم صيداً من مُحْرمٍ ، وجب على كلّ واحدٍ منهما الفداء لو تلف.

ولو كان الصيد في يد مُحْرمٍ فاستعاره الـمُحلّ ، فإن قلنا : الـمُحْرم يزول ملكه عن الصيد ، فلا قيمة له على الـمُحلّ ؛ لأنّه أعاره ما ليس ملكاً‌

____________________

(١) النساء : ١٤١.

٢٣٩

له ، وعلى الـمُحْرم الجزاء لو تلف في يد الـمُحلّ ؛ لتعدّيه بالإعارة ، فإنّه كان يجب عليه الإرسال.

وإن قلنا : لا يزول ، صحّت الإعارة ، وعلى الـمُحلّ القيمة لو تلف الصيد عنده.

ولو تلف الصيد عند الـمُحلّ الـمُستعير من الـمُحْرم ، لم يضمنه الـمُحلّ ؛ لزوال ملك الـمُحْرم عنه بالإحرام ، وعلى الـمُحْرم الضمان ؛ لأنّه تعدّى بالإعارة لما يجب إرساله.

مسألة ٨٤ : الـمُستعير هو المنتفع قوّةً أو فعلاً بالعين المستحقّة للغير بإذنٍ منه بغير عوضٍ.

وقال بعض الشافعيّة : الـمُستعير كلّ طالبٍ أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاقٍ(١) .

وزاد بعضهم ، فقال : من غير استحقاقٍ وتملّكٍ(٢) .

وقصد بهذه الزيادة الاحترازَ عن المستقرض ، وقصد بنفي الاستحقاق الاحترازَ عن المستأجر.

واعتُرض عليه بوجهين :

الأوّل : ينتقض بالمستام والغاصب.

الثاني : التعرّض لكونه طالباً غير جيّدٍ ؛ للاستغناء عنه ، إذ لا فرق بين أن يلتمس الـمُستعير العارية ، وبين أن يبتدئ الـمُعير بها ، ولا تجوز الزيادة في الحدود(٣) .

____________________

(١) الغزالي في الوجيز ١ : ٢٠٤ ، والوسيط ٣ : ٣٧١.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392