تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118736 / تحميل: 5574
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

باطناً ، أو يرضى باطناً بالصلح عن أيّ مقدارٍ كان أُوقع عليه عقد الصلح ؛ لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قلت له : رجل يهوديّ أو نصرانيّ كانت له عندي وديعة أربعة آلاف درهم فمات أيجوز لي أن أُصالح ورثته ولا أُعلمهم كم كان؟ قال : « لا يجوز حتى تُخبرهم »(١) .

ولأنّ ذلك أكل مال الغير بالباطل ، فيدخل تحت النهي ، ومع الرضا بأيّ مقدارٍ كان يكون سائغاً.

القسم الثاني من الصلح ، وهو الواقع بين المدّعي والأجنبيّ.

مسألة ١٠٣١ : الصلح الواقع بين المدّعي والأجنبيّ إمّا أن يقع مع إقرار المدّعى عليه ظاهراً أو مع إنكاره.

أمّا الأوّل فإمّا أن يكون المدّعى به عيناً أو دَيْناً.

فإن كان عيناً بأن ادّعى داراً أو عبداً أو ثوباً أو غير ذلك من الأعيان في يد غيره ، فصدّقه المتشبّث ، فجاء الأجنبيّ وقال : إنّ المدّعى عليه قد وكّلني في مصالحتك له على نصف المدّعى أو على هذه العين الأُخرى من مال المدّعى عليه ، فصالحه على ذلك ، جاز ؛ لعموم قوله تعالى :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٢) .

وقولهعليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين »(٣) .

وكذا لو قال الأجنبيّ : إنّه وكّلني على مصالحتك عنه على عشرة دنانير في ذمّته.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٦ ، الفقيه ٣ : ٢١ / ٥٤ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٢ بتفاوت.

(٢) النساء : ١٢٨.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٨ / ٢٣٥٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣٠٤ / ٣٥٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٤ - ٦٣٥ / ١٣٥٢ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٧ / ٩٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٥ ، مسند أحمد ٣ : ٥٤ / ٨٥٦٦ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ١٠١.

٢١

ثمّ إن كان صادقاً في الوكالة ، انتقل المدّعى به إلى المدّعى عليه ، وإلّا كان حكمه حكمَ شراء الفضولي.

وإن قال : أمرني بالمصالحة له على هذا العبد من ملكي ، فصالحه عليه ، فهو بمنزلة ما لو اشترى لغيره بمال نفسه بإذن ذلك الغير ، وقد سبق(١) الخلاف فيه ، فإن قلنا بالصحّة فالذي يدفعه قرض أو هبة.

أمّا لو صالح الأجنبيّ لنفسه بمالٍ له إمّا عن دَيْنٍ في ذمّته أو عينٍ لنفسه ، صحّ ، كما لو [ اشتراه ](٢) وهو الأظهر عند الشافعيّة(٣) .

وعند بعضهم وجهان ، كما لو قال ابتداءً لغيره من غير سَبْق دعوى وجواب : صالحني من دارك هذه على ألف ؛ لأنّه لم يَجْر مع الأجنبيّ خصومة فيه ، وهذه الصورة أولى بالصحّة حيث ترتّب اللفظ على دعوى وجواب ، فيكتفى به في استعمال لفظ الصلح(٤) .

وإن كان المدّعى به دَيْناً وقال : وكّلني المدّعى عليه بمصالحتك على نصفه أو على هذا الثوب وهو ملكه أو ملكي ، صحّ عندنا ، ويسقط الدَّيْن ، كما لو ضمن دَيْناً وأدّى عنه عوضاً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّه يبيع شيئاً بدَيْن الغير(٥) .

ولو صالح لنفسه على عينٍ أو دَيْنٍ في ذمّته ، فهو بمنزلة ابتياع دَيْنٍ في ذمّة الغير ، وقد سبق.

وأمّا الثاني - وهو أن يقع الصلح مع إنكار المدّعى عليه ظاهراً - فإذا‌

____________________

(١) في ج ١٠ ، ص ٢١٨ ، الفرع « ج » من المسألة ١١٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبرأه ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ».

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٥.

٢٢

جاء الأجنبيّ وقال : أقرّ المدّعى عليه عندي ووكّلني في مصالحتك له إلّا أنّه لا يُظهر إقراره خيفة أن تنتزعه منه ، فصالحه ، صحّ ؛ لأنّ قول الإنسان في دعوى الوكالة مقبول في البيع والشراء وسائر المعاملات.

وإن قال الأجنبيّ : هو منكر ، لكنّه مبطل في الإنكار ، فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الأصل الصحّة ، والصلح على الإنكار عندنا جائز.

وللشافعيّة وجهان :

أظهرهما على ما قاله الجويني : البطلان ؛ لأنّه صلح واقع لمنكر ، والصلح على الإنكار عندهم باطل.

والثاني : الصحّة ؛ لأنّ العقد منوط بالمتعاقدين ، وهُما متوافقان ، والاعتبار في شرائط العقد بمَنْ يباشره(١) .

هذا إذا كان المدّعى عيناً ، فإن كان دَيْناً صحّ عندنا أيضاً.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على الوجهين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالصحّة ، والفرق : إنّه لا يمكن تمليك الغير عين مالٍ بغير إذنه ، ويمكن قضاء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه(٢) .

وإن قال الأجنبيّ : إنّه منكر وأنا لا أعلم أيضاً صدقك ، وصالحه مع ذلك ، صحّ عندنا ، خلافاً للشافعيّة ؛ فإنّهم قالوا : لا يصحّ الصلح ، سواء كان المصالَح عليه له أو للمدّعى عليه ، كما لو جرى الصلح مع المدّعى عليه وهو منكر(٣) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٦.

٢٣

وإن قال : هو منكر ولكنّه مبطل في إنكاره فصالحني لنفسي بعبدي هذا أو بعشرة في ذمّتي لآخذ منه ، فإن كان المدّعى دَيْناً صحّ عندنا ، وكذا إن كان عيناً.

وقالت الشافعيّة : إن كان المدّعى دَيْناً فهو ابتياع دَيْنٍ في ذمّة الغير ، وإن كان عيناً فهو شراء غير الغاصب المغصوبَ ، فيُنظر في قدرته على الانتزاع وعجزه ، وقد سبق حكمهما في أوّل البيع(١) .

فلو صالح وقال : أنا قادر على الانتزاع ، فلهم وجهان :

أظهرهما : إنّه يصحّ العقد ؛ اكتفاءً بقوله.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ الملك في الظاهر للمدّعى عليه ، وهو عاجز عن انتزاعه(٢) .

وقيل بالتفصيل فيقال : إن كان الأجنبيّ كاذباً ، فالعقد باطل باطناً ، وفي مؤاخذته في الظاهر لالتزامه الوجهان. وإن كان صادقاً ، حُكم بصحّة العقد باطناً ، وقُطع بمؤاخذته ، لكن لا تُزال يد المدّعى عليه إلّا بحجّةٍ(٣) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٦.

٢٤

٢٥

الفصل الثاني : في الأحكام‌

مسألة ١٠٣٢ : يصحّ الصلح على الإقرار والإنكار معاً‌ ، سواء كان المدّعى به دَيْناً أو عيناً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد(١) - لعموم قوله تعالى :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٢) وعمومِ ما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الصلح جائز بين المسلمين »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « الصلح جائز بين الناس »(٤) .

ولأنّه سبب لإسقاط الخصومة ، فجاز مع الإنكار ، كالإبراء والصلح مع الأجنبيّ.

ولأنّ الصلح وُضع لقطع التنازع ، وهو إنّما يتحقّق مع المخالفة بين المتداعيين بأن يُنكر أحدهما ما ادّعاه الآخَر ، فلو لم يسمع صلح الإنكار‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ١٣٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٤٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٦ ، النتف ١ : ٥٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٥ / ١٨٨٧ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٦٥ / ١٠١٤ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ٣٧٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٦ / ١٠٠١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥١ - ١٦٥٢ / ١١٦٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣ - ٢٩٤ ، التلقين : ٤٣٠ ، المعونة ٢ : ١١٩١ ، الذخيرة ٥ : ٣٥١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٢٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠.

(٢) النساء : ١٢٨.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٠ ، الهامش (٣)

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٣)

٢٦

انتفت أعظم فوائد الصلح.

وقال الشافعي : لا يصحّ الصلح على الإنكار ، وإنّما يصحّ الصلح على الإقرار خاصّةً - وصورة الإنكار أن يدّعي رجل على رجلٍ آخَر دَيْناً أو عيناً ، فينكر المدّعى عليه فيصالحه على ثوبٍ أو دَيْنٍ أو بعض المدّعى أو غير ذلك - لأنّه عاوض على ما لم يثبت له ، فلم تصحّ المعاوضة ، كما لو باع مال غيره ، وبالقياس على ما إذا أنكر الخلع أو الكتابة ثمّ تصالحا على شي‌ءٍ(١) .

ونمنع بطلان المعاوضة على ما لم يثبت بالصلح ؛ فإنّه المتنازع ، بخلاف ما لو باع مال غيره ؛ لأنّ ذلك تصرّفٌ في مال الغير بغير إذنه ، حتى إنّه لو أجاز الغير صحّ البيع ، والرضا بالصلح رضا بالتصرّف. والقياس عندنا باطل ، فلا يكون حجّةً علينا ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

مسألة ١٠٣٣ : إذا ادّعى عليه حقّاً دَيْناً أو عيناً ، فقال المدّعى عليه : صالحني على كذا إمّا بعضه أو غيره ، لم يكن ذلك إقراراً منه‌ ، وهو ظاهر عندنا ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الصلح يصحّ مع الإنكار ، كما يصحّ مع الإقرار.

وأمّا الشافعي فإنّه قال : إذا قال المدّعى عليه : صالحني مطلقاً ، أو‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٢١ ، مختصر المزني : ١٠٥ - ١٠٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٢٢٥ و ٢٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ - ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ١٣٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٤٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٢ ، النتف ١ : ٥٠٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٥ / ١٨٨٧ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٦٥ / ١٠١٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٦ / ١٠٠١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٢ / ١١٦٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٤ ، المعونة ٢ : ١١٩١ ، الذخيرة ٥ : ٣٥١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠.

٢٧

صالحني عن دعواك الكاذبة ، أو صالحني عن دعواك ، فإنّه لا يكون إقراراً ؛ لأنّه ربما يريد قطع الخصومة ، بل الصلح عن الدعوى لا يصحّ مع الإقرار أيضاً ؛ لأنّ مجرّد الدعوى لا يعتاض عنه(١) .

ولو قال بعد الإنكار : صالحني عن الدار التي ادّعيتها ، فوجهان للشافعيّة :

أحدهما : إنّه إقرار ؛ لأنّه طلب منه التمليك ، وذلك يتضمّن الاعتراف بالملك ، فصار كما لو قال : ملّكني.

وأصحّهما عندهم : إنّه ليس بإقرارٍ ؛ لأنّ الصلح في الوضع هو الرجوع إلى الموافقة وقطع الخصومة ، فيجوز أن يكون المراد قطع الخصومة في المدّعى لا غير ، فعلى هذا يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلحاً على الإنكار(٢) .

وإن قال : بعنيها ، أو هَبْها منّي ، فالمشهور : إنّه إقرار ؛ لأنّه صريح في التماس التمليك.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه كقوله : صالحني(٣) .

والوجه : الفرق.

وفي معناه إذا كان التنازع في جاريةٍ وقال : زوّجنيها.

ولو قال : أجرني أو أعِرْني ، فأولى أن لا يكون إقراراً.

ولو كان التنازع في دَيْنٍ وقال : أبرئني ، فهو إقرار.

ولو أبرأ المدّعي المدّعى عليه وهو منكر وقلنا : لا يفتقر الإبراء إلى‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٢٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٣.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٣.

٢٨

القبول ، صحّ الإبراء ، بخلاف الصلح ؛ لأنّه مستقلٌّ بالإبراء(١) ، فلا حاجة فيه إلى تصديق الغير ، ولهذا لو أبرأه بعد التحليف صحّ ، ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح عندهم(٢) .

مسألة ١٠٣٤ : لو ادّعى العين في يد الغير فأنكر الغير دعواه‌ ، فصالحه على بعض تلك العين المدّعاة - وهو صلح الحطيطة في العين - صحّ عندنا ؛ لما بيّنّا من صحّة الصلح على الإنكار.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه صحيح - وبه قال القفّال - لاتّفاق المتصالحين على أنّ النصف مستحقٌّ للمدّعي ، أمّا المدّعي فإنّه يزعم استحقاق الجميع ، وأمّا المدّعى عليه فإنّه يسلّم النصف له بحكم هبته منه وتسليمه إليه ، فإذَنْ الخلاف بينهما في جهة الاستحقاق.

والثاني - وبه قال أكثر الشافعيّة - : إنّه باطل ، كما كان على غير المدّعي ، قالوا : ومهما اختلف القابض والدافع في الجهة ، فالقول قول الدافع ، كما لو دفع المديون دراهم إلى صاحب الدَّيْن وقال : دفعتُها عن دَيْن الرهن ، وقال القابض : بل دفعتَها عن دَيْن غيره ، قُدّم قول الدافع مع اليمين(٣) .

ولو دفع إلى زوجته دراهم ثمّ اختلفا ، فادّعى الزوج أنّه دفعها عن الصداق ، وقالت : بل دفعتَها عن دَيْنٍ أو هبةٍ ، قُدّم قول الدافع ، وإذا كان كذلك فالدافع يقول : إنّما بذلتُ النصف لدفع الأذى حتى لا ترفعني إلى القاضي ولا تقيم علَيَّ بيّنةَ زورٍ.

____________________

(١) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « في نفسه » بدل « بالإبراء ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٤.

٢٩

مسألة ١٠٣٥ : لو ادّعى عليه دَيْناً وتصالحا على بعضه بعد الإنكار ، صحّ عندنا‌ ، ولزمه ما وقع الصلح عليه خاصّةً ، وسقط عنه الباقي ؛ للأصل.

ولما رواه عمر بن يزيد أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن رجلٍ ضمن ضماناً ثمّ صالح على بعض ما صالح عليه ، قال : « ليس له إلّا الذي صالح عليه »(١) .

وقال الشافعي : يُنظر إن صالحه من ألف على خمسمائة - مثلاً - في الذمّة ، لم يصح ؛ لأنّ التصحيح بتقدير الهبة ، وإيراد الهبة على ما في الذمّة ممتنع ، وإن أحضر خمسمائة وتصالحا من المدّعى عليها ، فهو مرتّب على صلح الحطيطة في العين ، إن لم يصح ذلك فهذا أولى ، وإن صحّ ففيه وجهان. والفرق أنّ ما في الذمّة ليس ذلك المعيّن الـمُحضَر ، ففي الصلح عليه [ معنى ](٢) المعاوضة ، ولا يمكن تصحيحه معاوضةً مع الإنكار عندهم(٣) .

واتّفق القائلون على أنّ وجه البطلان هنا أرجح(٤) .

وكلّ هذا عندنا باطل ؛ لما بيّنّا من جواز الصلح على الإنكار ، وجوازه على الإقرار.

مسألة ١٠٣٦ : لو تصالحا ثمّ اختلفا في أنّهما تصالحا على الإنكار أو على الإقرار ، لم يكن لذلك الاختلاف عندنا فائدة‌ ؛ لصحّة الصلح في الموضعين.

أمّا الشافعيّة القائلون بصحّته على الإقرار وبطلانه على الإنكار ، فقال‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٢.

٣٠

القاضي ابن كج منهم : إنّ القول قول مَنْ يدّعي الإنكار ؛ لأنّ الأصل عدم العقد(١) .

والمعتمد بناء ذلك على الخلاف السابق في نزاع المتعاقدين في أنّ العقد الواقع بينهما هل كان صحيحاً أو فاسداً؟

مسألة ١٠٣٧ : لو قال أحد الوارثين لصاحبه : تركتُ نصيبي من التركة إليك ، فقال : قبلتُ ، لم يصح ذلك‌ ؛ لأنّ ذلك ليس من ألفاظ العقود الناقلة ، ويبقى حقّه كما كان ؛ لأنّها إن كانت أعياناً فلا بدّ فيها من إيجابٍ وقبولٍ مقتضيان للتمليك ، وإن كان فيها دَيْنٌ فلا بدّ من إبراءٍ.

ولو قال : صالحتك من نصيبي على هذا الثوب ، فقال : قبلتُ ، صحّ العقد ولزم.

وقالت الشافعيّة : إن كانت التركة أعياناً فهو صلح عن العين ، وإن كانت ديوناً عليه فهو صلح عن الدَّيْن ، وإن كانت على سائر الناس فهو بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن ، وقد سبق حكم ذلك. وهو بناء منهم على أنّ الصلح فرع على غيره.

ولو كان في التركة عينٌ ودَيْنٌ ، فإن كانت ديوناً عليه فصلحٌ عن الدَّيْن ، وإن كانت على سائر الناس فهو بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن.

وإن كان فيها عينٌ ودَيْنٌ على الغير ولم يجوّزوا بيع الدَّيْن من غير مَنْ عليه الدَّيْن ، فالصلح عندهم باطل في الدَّيْن ، وأمّا في العين فقولان عندهم مبنيّان على قولَي تفريق الصفقة(٢) .

وعندنا أنّ ذلك غير جائزٍ ، وأنّ الصلح ليس فرع غيره.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ - ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

٣١

مسألة ١٠٣٨ : لا يشترط في الصلح عن الأثمان ما يشترط في بيع الأثمان عندنا‌ ؛ لأنّ الصلح قد بيّنّا أنّه عقد مستقلٌّ بنفسه ، فلو كان في يد غيره ألف درهم وخمسون ديناراً فصالحه منه على ألف درهم ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : لا يجوز(١) .

وكذا لو مات عن ابنين والتركة ألفا درهم ومائة دينار وهي في يد أحدهما ، فصالحه الآخَر من نصيبه على ألفي درهم.

ولو كان المبلغ دَيْناً في ذمّة غيره فصالحه على ألفي درهم ، يجوز عنده أيضاً.

والفرق : إنّه إذا كان الحقّ في الذمّة فلا ضرورة إلى تقدير المعاوضة فيه ، فيجعل مستوفياً لأحد الألفين معتاضاً بالآخَر عن الدنانير ، وإذا كان معيّناً كان الصلح عنه اعتياضاً ، فكأنّه باع ألف درهم وخمسين ديناراً بألفي درهم ، وهو من صُور مُدّ عَجْوة(٢) .

وهذه التفريعات عندنا باطلة ؛ لأنّ صورة مُدّ عجوة عندنا جائزة ، والصلح على الإنكار جائز ، وليس الصلح عندنا فرعَ البيع.

مسألة ١٠٣٩ : قد بيّنّا أنّه إذا قال المدّعى عليه المنكر : صالحني على كذا ، لم يكن إقراراً منه‌ ؛ لأنّ الصلح قد يراد به تارةً المعاوضة ، وتارةً قطع الدعوى والخصومة ، وإذا احتملهما لم يُحمل على الإقرار.

ولو قال : ملّكني هذا بكذا ، كان إقراراً ؛ لأنّ في ذلك اعترافاً بأنّه ملكه.

ولو قال : بِعْني ، قال بعض الشافعيّة : لا يكون إقراراً ، ويكون بمنزلة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٢) روضة الطالبين ٣ : ٤٣١ - ٤٣٢ ، وانظر العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠.

٣٢

قوله : صالحني ؛ لأنّ الصلح والبيع عند الشافعيّة واحد(١) .

وقال الباقون : إنّه يكون إقراراً بمنزلة قوله : ملّكني(٢) . وهو المعتمد عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٣) ؛ لأنّ البيع لا يصحّ إلّا فيما يصحّ تمليكه ، فهو بمنزلة قوله : ملّكني.

مسألة ١٠٤٠ : لو ادّعى داراً في يده ، فأنكر المتشبّث دعواه ، فتصالحا على أن يسكنها المدّعي سنةً ، صحّ‌ ، وكان صلحاً قائماً بنفسه ، وليس فرعاً على غيره.

وقال الشافعي : إنّه فرع العارية ، بل هو عين العارية للدار منه يرجع فيها متى شاء ، وليس بمعاوضةٍ ؛ لأنّ الرقبة والمنافع ملكه ، ومحالٌ أن يعتاض بملكه عن ملكه(٤) .

وهذا على تقدير أن يقع الصلح مع الاعتراف.

إذا ثبت هذا ، فإن رجع عن العارية لم يستحق أُجرة المدّة التي مضت ، كما هو قضيّة العارية عند أكثر الشافعيّة(٥) .

ونقل بعضهم وجهاً : إنّه يستحقّ ؛ لأنّه جعل سكنى الدار في مقابلة رفع اليد عنها ، وأنّه عوضٌ فاسدٌ ، فيرجع إلى أُجرة المثل(٦) .

ولو صالحه على أن يسكنها سنةً بمنفعة عبدٍ سنةً ، فهو كما لو آجر داره سنةً بمنفعة عبدٍ سنةً.

مسألة ١٠٤١ : قد بيّنّا أنّ الصلح عقد قائم بنفسه‌ ، فلو صالحه عن الزرع‌

____________________

(١ و ٢) حلية العلماء ٥ : ١٠ ، البيان ٦ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٣.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٠ ، البيان ٦ : ٢٣١.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٢.

٣٣

الأخضر بشي‌ءٍ صحّ ، سواء شرط القطع أم لا.

وقال الشافعي : يصحّ بشرط القطع ، ولو لم يشترطه لم يجز(١) .

ولو كان الصلح عن الزرع مع الأرض جاز ، ولم يحتج إلى شرط القطع عنده في أصحّ الوجهين(٢) .

ولو وجد المتنازع ثمّ أقرّ المدّعى عليه وتصالحا عنه على شي‌ءٍ ، جاز عندنا ، سواء شرطا القطع أو لا.

وقال الشافعي : لا يجوز ، سواء شرطا القطع أو لا ، كما لو باع نصف الزرع مشاعاً ، لا يجوز ، شرط القطع أو لم يشرطه(٣) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٠٤٢ : لو ادّعى على ورثة الميّت داراً من تركته وزعم أنّ الميّت غصبها منه ، فصالحهم عنها ، جاز الصلح‌ ، سواء أقرّوا له أو لا ؛ لما تقدّم من جواز الصلح عندنا مع الإقرار والإنكار.

وشرط الشافعيّة في جواز الصلح اعترافهم له بدعواه ، فإذا اعترفوا ودفعوا إلى واحدٍ منهم ثوباً مشتركاً بينهم ليصالح عليه جاز ، وكان عاقداً لنفسه ، ووكيلاً عن باقي الورثة(٤) .

ولو قالوا لواحدٍ : صالِحْه عنّا على ثوبك ، فصالَح عنهم ، فإن لم يُسمّهم في الصلح وقع الصلح عنه ، وإن سمّاهم وقع عنهم.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٧ ، البيان ٦ : ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٤٧ ، البيان ٦ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٦.

٣٤

وللشافعيّة وجهان في أنّ التسمية هل تُلغى أم لا؟ فإن لم تَلغ ، فالصلح يقع عنهم(١) .

وهل يكون الثوب هبةً لهم أو قرضاً عليهم؟ للشافعيّة وجهان(٢) .

والأقرب عندي : التفصيل.

فإن أُلغيت التسمية ، فالصلح كلّه للعاقد أو يبطل في نصيب الشركاء ويخرج حصّته على قولَي تفريق الصفقة؟ للشافعيّة وجهان(٣) .

وإن صالحه أحدهم على مالٍ له بدون إذن الباقين ليتملّك جميع الدار ، جاز. وإن صالح ليكون جميع الدار له ولهم جميعاً ، أُلغي ذكرهم ، وعاد الوجهان في أنّ الكلّ يقع له أو يبطل في نصيبهم ويخرج في نصيبه على الخلاف في تفريق الصفقة(٤) .

والمعتمد : إنّهم إن أجازوا ما صالح عنهم شاركوا ، وإلّا فلا ، وكان الباقي للغريم.

مسألة ١٠٤٣ : إذا أسلم الكافر عن أكثر من أربع نسوة ، خيّر أربعاً منهنّ‌ ، فإن مات قبل الاختيار والتعيين ، وقف الميراث بينهنّ ، فإن اصطلحن على الاقتسام على تفاوتٍ أو تساوٍ ، مُكّن منه وأُجبن إليه.

ووافق الشافعيّة(٥) على ذلك.

وقال بعضهم : هذه المسألة تدلّ على جواز الصلح على الإنكار ؛ لأنّ كلّ واحدةٍ منهنّ تُنكر نكاح مَنْ عداها سوى ثلاثٍ معها ، فالصلح الجاري‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٦ - ٤٣٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٧.

٣٥

بينهنّ صلح على الإنكار(١) .

قال بعض الشافعيّة : إنّهنّ بين أمرين : إن اعترفن بشمول الإشكال ، فليست واحدة منهنّ بمنكرةٍ لغيرها ولا مدّعية لنفسها في الحقيقة ، وإنّما تصحّ القسمة والحالة هذه مع الجهل بالاستحقاق للضرورة وتعذّر التوقيف لا إلى نهايةٍ. وإن زعمت كلّ واحدةٍ منهنّ الوقوف على اختيار الزوج إيّاها ، فكلّ مَنْ أخذت شيئاً تقول : الذي أخذتُه [ بعض ](٢) حقّي ، وسامحت الباقيات بالباقي متبرّعةً ، والمالك غير ممنوعٍ ممّا يتبرّع به(٣) .

وقد سبق الخلاف بينهم في صلح الحطيطة في العين ، فمَنْ صحّحه احتجّ بهذه المسألة ، وقال : الاقتسام الجاري بينهنّ صلح حطيطةٍ ، ومَنْ أبطله فرّق بأنّ المال هناك في يد المدّعى عليه ، وفصل الأمر ممكن بتحليفه ، وهنا استوت الأقدام ، ولا طريق إلى فصل الأمر سوى اصطلاحهنّ(٤) .

ولو اصطلحن على أن تأخذ ثلاث منهنّ أو أربع المالَ الموقوف ويبذلن للباقيات عوضاً من خالص أموالهنّ ، جاز عندنا ؛ للعموم.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ الصلح هكذا بذل عوضٍ مملوك في مقابلة ما لم يثبت ملكه ، ومَنْ أخذ عوضاً في معاوضةٍ لا بدّ وأن يكون مستحقّاً للمعوّض ، فإذا لم يكن الاستحقاق معلوماً لم يجز أخذ العوض(٥) .

وكذا مَنْ طلّق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان وقفنا لهما الرُّبْع أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٧.

٣٦

الثُّمْن ، واصطلحتا.

وكذا لو ادّعى اثنان وديعةً في يد الغير وقال الودعي : لا أعلم لأيّكما هي.

وكذا لو تداعيا داراً في يدهما وأقام كلٌّ منهما بيّنةً ثمّ اصطلحا ، أو كانت في يد ثالثٍ وقلنا : لا تتساقط البيّنتان بالتعارض ، فاصطلحا.

مسألة ١٠٤٤ : لو كان بين رجلين زرع فادّعاه آخَر فصالحه أحدهما على نصف الزرع بعد أن أقرّ له بنصفه ، صحّ‌ ، وكذا لو أنكر ، عندنا ، خلافاً للشافعي(١) .

ثمّ إن كان مطلقاً وكانت الأرض لغير الـمُقرّ المشتري ، فالصلح فاسد عنده(٢) ، وإن كانت الأرض له فوجهان(٣) .

وإن شرط القطع ، لم يصح عنده ؛ لأنّ قسمته لا تصحّ ، وقطع جميعه لا يجوز ؛ لتعليق حقّ الشريك به(٤) .

ولو ادّعى رجل على رجلٍ زرعاً في أرضه فأقرّ له بنصفه ثمّ صالحه عن نصفه على نصف الأرض ، جاز عندنا.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ من شرط بيع الزرع قطعه ، ولا يمكن ذلك في المشاع(٥) .

والاشتراط عندنا ممنوع ، وكذا القياس على البيع.

وإن صالحه منه على جميع الأرض بشرط القطع على أن يسلّم إليه‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١٠٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦ ، البيان ٦ : ٢٥٢.

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤١٦ ، بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢.

(٤) البيان ٦ : ٢٥٢.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢.

٣٧

الأرض فارغةً ، صحّ عنده أيضاً ؛ لأنّ قطع جميع الزرع واجب ، نصفه بحكم الصلح ، والباقي لتفريغ الأرض وأمكن القطع ، وجرى ذلك مجرى مَن اشترى أرضاً فيها زرعٌ وشَرَط تفريغَ الأرض ، فإنّه يجوز ، كذا هنا(١) .

ولو كان قد أقرّ له بجميع الزرع فصالحه من نصفه على نصف الأرض لتكون الأرض والزرع بينهما نصفين وشرط القطع ، نُظر فإن كان الزرع في الأرض بغير حقٍّ جاز الشرط ؛ لأنّ الزرع يجب قطع جميعه ، وإن كان في الأرض بحقٍّ لم يجز عند الشافعي ؛ لأنّه لا يمكن قطع الجميع(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجوز إذا شرط على بائع الزرع قطع الباقي(٣) .

وضعّفه آخَرون ؛ لأنّ باقي الزرع ليس بمبيعٍ ، فلا يصحّ شرط قطعه في العقد عنده ، بخلاف ما إذا أقرّ بنصف الزرع وصالحه على جميع الأرض ؛ لأنّه شرط تفريغ المبيع(٤) .

مسألة ١٠٤٥ : لو أتلف رجل على آخَر عيناً - حيواناً أو ثوباً أو شبههما‌ - قيمتها دينار فادّعاه عليه فأقرّ له به ثمّ صالحه منه على أكثر من ذلك ، صحّ عندنا ، وكذا لو أنكره ثمّ صالحه - وبه قال أبو حنيفة(٥) - للأصل ، ولأنّ الثوب والحيوان يثبت في الذمّة مثلهما في الإتلاف ، فكان الصلح على مثلهما.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٢.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٤٨ ، البيان ٦ : ٢٥٣.

(٤) البيان ٦ : ٢٥٣.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥.

٣٨

وقال الشافعي وأحمد : لا يصحّ الصلح ؛ لأنّ الواجب في الذمّة قيمة المتلف ، دون مثله ، ولهذا لا يطالبه بمثله ، وإذا كان الواجب القيمةَ فإذا صالحه عليها بأكثر من قيمتها أو أقلّ فقد عاوض عليه متفاضلاً ، وذلك ربا في النقود(١) .

والكلّ ممنوع.

ولو كانت قيمة العبد ألفاً فصالحه على ألف مؤجَّلة ، صحّ ، ولزم الأجل عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - للأصل ، وللعموم ، ولأنّهما نقلا الحقّ إلى القيمة ، فكان ما سمّياه تقديراً للقيمة ، فكان جائزاً ، كما لو قدّر الصداق للمفوّضة مؤجَّلاً.

وقال الشافعي : لا يتأجّل ولا يصحّ الصلح ؛ لأنّ الواجب هو دَيْنٌ في ذمّته ، فإن كان العوض مؤجَّلاً ، كان بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن ، وهو باطل ، ونقل الحقّ من العبد إلى قيمته إنّما يكون على سبيل المعاوضة والبدل ، ويكون بيعَ الدَّيْن بالدَّيْن ، وقد عرفت أنّ الواجب القيمة وهي حالّة ، فلا تتأجّل ، والصداق غير واجبٍ ، وإنّما يجب بالفرض عند إيجابه ، فاختلفا(٣) .

ونحن نمنع كون الصلح بيعاً.

مسألة ١٠٤٦ : لو اتّجر الشريكان وحصل ربح وكان بعض المال دَيْناً وبعضه عيناً‌ فاصطلحا وقال أحدهما لصاحبه : أعطني رأس المال ، والربح‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩ ، البيان ٦ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٨ ، المغني ٥ : ٢٧ - ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥ - ٦.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٦.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٨ ، المغني ٥ : ٢٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٦.

٣٩

والخسران لك ، جاز ذلك ؛ للعموم.

ولما رواه أبو الصباح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في رجلين اشتركا في مالٍ فربحا فيه ربحاً وكان من المال دَيْنٌ وعينٌ ، فقال أحدهما لصاحبه : أعطني رأس المال والربح لك وما تَوى(١) فعليك ، فقال : « لا بأس به إذا شرط ، وإن كان شرطاً يخالف كتاب الله ردّ إلى كتاب الله عزّ وجلّ »(٢) .

مسألة ١٠٤٧ : لا تصحّ قسمة الديون‌ ، فلو اقتسم الشريكان الدَّيْن الذي لهما على الناس وقبض أحدهما وتلف نصيب الآخَر ، وجب على القابض دفع نصيب الشريك ممّا قبضه إليه ؛ لبطلان القسمة ؛ لأنّها تمييز أحد الحقّين من الآخَر ، ولا تمييز في الديون ؛ لأنّها مطلقة لا تتعيّن إلّا بالقبض.

ولما رواه سليمان بن خالد - في الحسن - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما ومنه متفرّق عنهما فاقتسما بالسويّة ما كان في أيديهما وما كان غائباً عنهما فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً واستوفى الآخَر فعليه أن يردّ على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله »(٣) .

مسألة ١٠٤٨ : لو ماطل المديون صاحبَ الدَّيْن عن دَيْنه حتى مات فصالح ورثته على بعضه ، فَعَل حراماً‌ ، ولم يكن للورثة المطالبة في الظاهر ، ولا تبرأ ذمّة المصالِح فيما بينه وبين الله تعالى ؛ لما تقدّم أنّ ذلك من صُور الإكراه.

ولما رواه عمر بن يزيد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا كان للرجل على الرجل دَيْنٌ فمطله حتى مات ثمّ صالح ورثته على شي‌ءٍ‌

____________________

(١) التوى : الهلاك. لسان العرب ١٤ : ١٠٦ « توا ».

(٢) التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٦.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٧.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان‌ ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف.

وقد روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي »(٢) .

ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء‌ ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : ( الله أكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة(٤) ،

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم.

(٤) جلّل الشي‌ءُ ، أي : عمّ. لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل ».

١٢١

والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(١) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(٢) .

وكانعليه‌السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى »(٣) .

وكان من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب(٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير(٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك(٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ - ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٥٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٣ - ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤.

(٤) الدأب : الجدّ في العمل. مجمع البحرين ٢ : ٥٤.

(٥) في المصدر : التدبير.

(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك. وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة. والمهنة : الخدمة. لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥.

١٢٢

ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ](١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن(٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين »(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر‌ ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ(٤) ، وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق(٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ؛ ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ الخطية : أمنه.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ - ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ، =

١٢٣

ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة(١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لـمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رئي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا - وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد(٢) ، وبعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان )(٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه »(٥) .

وقالعليه‌السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »(٦) .

ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في‌

____________________

= سنن البيهقي ٤ : ٢٥١.

(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع. لسان العرب ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣.

١٢٤

غيره شي‌ء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة.

وقول الصادقعليه‌السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها.

فروع :

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(١) .

وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به(٢) .

وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة(٣) .

ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه(٤) .

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(٥) يفطر؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية(٦) - لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم.

والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه‌

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ - ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣.

(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم ».

(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧.

١٢٥

ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عمّمنا الحكم سائر(١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يُرى(٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى(٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً.

وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن(٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر.

د - لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.

ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا.

وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً.

____________________

(١) « سائر » منصوب بنزع الخافض.

(٢ و ٣ ) الأنسب في الموضعين : رؤي.

(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٦

مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة(١) ‌، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة(٢) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا(٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة.

ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليهعليه‌السلام : جعلت فداك ربما غُمّ(٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال »(٦) .

____________________

(١) أي : للّيلة المستقبلة.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتفى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل.

واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة.

ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط.

اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧.

(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا ».

(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر. الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١.

١٢٧

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا »(١) .

وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة(٢) . وبه قال أبو يوسف(٣) .

وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ، لقولهعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر.

ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية(٤) .

والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال.

وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ، يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المـُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

١٢٨

النظر الثاني:

في الإِخبار‌

مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة‌ بإجماع علماء الأمصار.

على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه - وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »(٤) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ - ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

١٢٩

ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب.

وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين »(٤) .

ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية.

ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد آخر.

____________________

(١) المراسم : ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

١٣٠

ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار(١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار.

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل. ورجلان عدل. ورجال عدل. ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. والرواية قُبِل فيها الواحد ، للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها.

وللشيخ -رحمه‌الله تعالى - قولان :

قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه(٢) .

وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج‌

____________________

(١) في « ط » : في آخر النهار.

(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ١٥٠.

١٣١

المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية »(١) .

وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادقعليه‌السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »(٢) .

ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً.

ونمنع صحة سند الخبرين. وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين.

وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةُ ، فيختص واحد برؤيته(٣) .

ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ - ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٢

ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك‌ ، لقول عليعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال »(١) .

وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. ولا عبرة بقول العبد. ولا بدّ من لفظ الشهادة. وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب.

والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المـُخبر وغير المـُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل.

وهل يشترط لفظ الشهادة؟ وجهان عنده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد(٣) .

ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان(٤) .

وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ - ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

١٣٣

وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(١) .

ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ، فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه(٢) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم(٣) من الأحاديث.

احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المـُخبِر والمـُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كالإِخبار عن دخول وقتها(٤) .

ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان(٥) .

فروع :

أ - لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .

ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين - وهو أحد قولي الشافعية(٧) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٨) -

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨.

(٣) تقدّم في المسألة ٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ - ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٤

لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

والثاني للشافعي : لا يفطرون - وبه قال محمد بن الحسن(١) - لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد(٢) .

وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشي‌ء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً.

وما موضع القولين؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار. والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد(٣) .

ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء(٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى.

وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظنّ(٥) . وقد بيّنا خلافه.

وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩.

١٣٥

المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(١) .

ه- لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.

وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟

وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء.

وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد.

وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار. والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان؟ وجهان(٢) .

وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين؟ وجهان عندهم(٣) .

و - لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار‌ مع(٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ - ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨.

(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد.

١٣٦

عليه‌السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا )(١) .

ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان.

ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(٢) ، وليس شيئاً.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر.

مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث :

في الحساب‌

مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد‌ ، أُكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩.

١٣٧

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(١) .

مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين‌ ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه - وهو قول أكثر العامة(٢) - لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنهعليه‌السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز لهعليه‌السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.

وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين(٣) . وهو باطل ؛ لما(٤) تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية »(٥) .

والأحاديث متواترة على أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقالعليه‌السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )(٦) .

احتجّوا : بقوله تعالى :( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠.

(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦.

(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨.

(٤) في « ط ، ن » : بما.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك - للحاكم - ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩.

(٧) النحل : ١٦.

١٣٨

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له )(١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة.

والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا.

وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين )(٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين.

وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة.

وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به؟

وأصحّهما عندهم : المنع. والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(٣) .

ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم(٤) قولاً واحداً.

مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية‌ ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادقعليه‌السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادقعليه‌السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صام تسعة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ - ٧٦٠ / ٦ - ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٦١ / ٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٥) كما في المعتبر : ٣١١.

١٣٩

وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »(١) .

قال الشيخ : هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شي‌ء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه.

وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادقعليه‌السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(٢) :

قال الصادقعليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة ».

وقالعليه‌السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « حدّثني أبيعليه‌السلام أنّ علياًعليه‌السلام قال : صُمنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمـّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392