تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118770 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له الله تعالى: أنت المختار وعندك مستودع الأنوار، وأنت المصطفى المنتخب الرضا المنتجب المرتضى، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء وأجري الماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك علماً للهداية وأودع أسرارهم في سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق ولا يغيب عنهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدري والمطلعين على أسرار خزائني.

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية والاقرار بالوحدانية في مكنون علمه، ونصب العوالم وموج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان، فطفى عرشه على الماء، ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها، ثم خلق الأرض وما فيها.

ثم قرن بتوحيده نبوة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفيّه، وشهدت السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض له بالنوبة، فلمّا خلق آدم أبان للملائكة فضله وأراهم ما خصه به من سابق العلم وجعله محراباً وقبلة لهم وسجدوا له، ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر، فلما حانت أيامه أودعه شيئاً، ولم يزل ينقل من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة إلى أن وصل عبد المطلب ثم إلى عبد الله ثم إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وعلانية، واستدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر المودع في الذر قبل النسل، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور واهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة فاستحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرائزنا، فنحن أنوار السماوات والأرض وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهديّنا تقطع الحجج خاتمة الأئمة ومنقذ الأمة ومنتهى النور، فليهن من استمسك بعروتنا وحشر

٢٠١

على محبتنا »(١) .

الرابع: كلام لعلي بن الحسين عليه‌السلام

وقال سيدنا الامام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : « نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها » رواه البلخي بقوله: « أخرج الحافظ الجعابي أن الامام زين العابدينرضي‌الله‌عنه قال: نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، وإن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق من يحبّنا وهم في أصلاب آبائهم، فلا يقدرون على ترك ولا يتنا، لأن الله عز وجل جعل جبلتهم على ذلك »(٢) .

الخامس: القصيدة المنسوبة الى ابن العاص

وقال عمرو بن العاص في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب »

في قصيدة نسبها إليه جماعة من علماء أهل السنة، منهم: أبو محمد الحسن ابن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني في كتاب ( الإِكليل ) وجمال الدين المحدّث الشيرازي في ( تحفة الأحباء في مناقب آل العباء ).

قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني: « روى أن معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لجلسائه: من قال في علي على ما فيه فله البدرة؟ فقال كل منهم كلاماً غير موافق من شتم أمير المؤمنين إلّا عمرو بن العاص، فإنه قال أبياتاً اعتقدها وخالفها بفعاله:

___________________

(١). تذكرة خواص الامة ١٢٨.

(٢). ينابيع المودة ٢٣.

٢٠٢

بآل محمد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

وهم حجج الإِله على البرايا

بهم وبجدّهم لا يستراب

ولا سيّما أبي حسن علي

له في المجد مرتبة تهاب

إذا طلبت صوارمهم(١) نفوساً

فليس بها(٢) سوى نعم جواب

طعام حسامه مهج الأعادي

وفيض دم الرقاب لها شراب

وضربته كبيعته بخم

معاقدها من الناس الرقاب

إذا لم تبرء من أعداء علي

فما لك في محبته ثواب

هو البكّاء في المحراب ليلاً

هو الضحّاك إنْ آن الضرّاب

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الجواب(٣)

فأعطاه معاوية البدر وحرم الآخرين »(٤) .

السادس: كلام للحسن البصري (٥) .

وقال الحسن البصري في كتاب له إلى سيدنا الامام الحسن السبطعليه‌السلام « فإنكم معاشر بني هاشم كالفلك الجارية في بحر لجي، ومصابيح الدجى وأعلام الهدى، والأئمة القادة الذين من تبعهم نجا، كسفينة نوح المشحونة التي يؤول إليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون ».

___________________

(١). كذا والظاهر: صوارمه.

(٢). كذا والظاهر: لها.

(٣). كذا والظاهر: الخطاب.

(٤). هذا الاستشهاد مبني على نسبة من ذكرنا القصيدة إلى عمرو بن العاص. ومن القوم من نسبها إلى الناشئ الصغير المتوفى سنة ٣٦٥ وهي ٣٢ بيت، قال صاحب الغدير: وهو الأصح.

(٥).. الحسن البصري هو: الحسن بن يسار أبو سعيد. من كبار التابعين وإمام أهل البصرة وحبر الامة في زمنه، وأحد العلماء الفقهاء النساك عند أهل السنة. توفي سنة ١١٠ وله ترجمة في جميع كتب الرجال كتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب وميزان الاعتدال. وقد أثنى عليه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ١٣١.

٢٠٣

رواه أبو الحسن الغزنوي في ( كشف المحجوب لأرباب القلوب ٦١ ) وعنه الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وعبد الرحمن الجشتي في ( مرآة الأسرار ) ورواه محمد محبوب في ( تفسير شاهي ) بتفسير قوله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) عن كتاب ( جواهر العلوم ).

٢٠٤

دلالة حديث السفينة

٢٠٥

٢٠٦

ويدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام : من وجوه:

١ - وجوب اتّباعهم

إن هذا الحديث يدلّ على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام على الإِطلاق، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلّا الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب.

ويشهد لدلالته على وجوب ابتاعهم مطلقاً كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي، وقد تقدّم ذكر بعض تلك الكلمات.

٢ - إتباعهم يوجب النجاة

إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيتعليهم‌السلام يوجب النجاة والخلاص، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة، وهي تستلزم الامامة والخلافة.

وقد نصّ على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة:

قال الواحدي: « أنظر كيف دعا الخلق إلى النسب إلى ولائهم والسير تحت لوائهم بضرب مثله بسفينة نوحعليه‌السلام ، جعل ما في الآخرة من مخاوف

٢٠٧

الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه، فيورده مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليهو عليهم ‌السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الامواج إلّا بالسفينة، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلّا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وتخلى لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلّفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا إلى أنكال وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل »(١) .

وقال السمهودي في تنبيهات الذكر الخامس: « ثانيها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، الحديث، ووجهه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوحعليه‌السلام ، وقد سبق في الذكر قبله في حثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسك بالثقلين كتاب الله وعترته قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، و قوله في بعض الطرق: نبأني اللطيف الخبير ، فأثبت لهم بذلك النجاة وجعلهم وصلة اليها، فتم التمسك المذكور، ومحصله الحث على التعلّق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكراً لنعمة مشرفهم صلّى الله عليه وعليهم، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة الوافرة، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستوجب النيران »(٢) .

وقال ابن حجر: « ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر: إن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز ( تيّار -

___________________

(١). تفسير الواحدي - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٠٨

ظ ) الطغيان »(١) .

٣ - دلالته على أفضليّتهم

إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام من سائر الناس مطلقاً، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاقتداء به دونهم، وإلّا لزم أنْ يكون قد غش أمته، وحاشا لله من ذلك

وقد صرّح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.

٤ - دلالته على وجوب محبتهم

إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيتعليهم‌السلام على الإِطلاق، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد لهم، كما بحث عن ذلك بالتفصيل في مجلد آية المودة. وكل ذلك يستلزم الإِمامة.

٥ - دلالته على عصمتهم

إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيتعليهم‌السلام توجب النجاة. وهذا المعنى يستلزم عصمتهم، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة - وهذا واضح.

وإذا ثبتت عصمتهمعليهم‌السلام لم يبق ريب في إمامتهم

٦ - من تخلّف عنهم ضلّ

إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيت عليهم

___________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩١.

٢٠٩

السلام، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان، كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٧ - هم الميزان المعرفة المؤمن والكافر

إن هذا الحديث يدل على أن من اتّبعهم كان من المفلحين الناجين، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين، فبهم وباتّباعهم يعرف المؤمن من الكافر، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الامامة والرئاسة العامة، لأنه من شوؤن العصمة المستلزمة للامامة كما تقدم.

٨ - دلالته على لزوم الامام في كلّ عصر

إن هذا الحديث يدل على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيتعليهم‌السلام في كل زمان إلى يوم القيامة، ليتسنى للأمة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة والنجاة بها من الهلاك، فهو إذاً يدل على صحة مذهب أهل الحق وبطلان المذاهب الأخرى، كما لا يخفى.

٩ - الجمع بين حديثي الثقلين والسفينة

لقد جاء حديث السفينة بعد حديث الثقلين في سياق طويل بحيث لا يبقى ريب لمن لاحظه في دلالته على مطلوب أهل الحق وذلك ما رواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي في صدر كتابه ( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) حيث قال: « وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما أكبر من الآخر سبب موصول من السماء إلى الأرض، فإن استمسكتم بهما لن تضلوا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم

٢١٠

فتذهبوا، فإن مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وإن أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمّتي ما يوعدون، ألا وإنّ الله عصمهم من الضلالة وطهّرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وإنّ الله أوجب محبّتهم وأمر بمودتهم، ألا وإنّهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وإنّهم أهل الولاية الدالّون على طرق الهداية، ألا وإنّ الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك ومن حاد عنهم هلك. ألا وإن العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين، وقادة المؤمنين وأمناء العالمين على البرية أجمعين، الذين فرّقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين »(١) .

١٠ - الحديث في سياق آخر

لقد ورد هذا الحديث في سياقٍ يدل دلالة واضحة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد بذلك النص على الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام من بعده.

وقد جاء ذلك في حديث رواه أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: « عن أبي سعيد الخدري، قال: صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة الاُولى ثم أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: يا معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي، فإنكم لن تضلوا أبداً، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من أهل بيتي - أو قال - من عترتي »(٢) .

فإنه يدل على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام من جهات:

١ - تشبيههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت بسفينة نوح.

___________________

(١). الأربعين لابن أبي الفوارس - مخطوط.

(٢). مسند الفردوس.

٢١١

٢ - تشبيههم بباب حطة.

٣ - أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأصحاب بالتمسك بهم.

٤ - وصفهم بالأئمة الراشدين.

٥ - ذكر أنهم لن يضلوا إن تمسكوا بهم.

٦ - كون الأئمة من بعده اثني عشر من أهل بيته.

١١ - الحديث في سياقٍ ثالث

لقد جاء هذا الحديث ضمن كلام للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خاطب به علياًعليه‌السلام بأسلوب بديع وسياق رفيع لا يرتاب في كونه نصاً في الامامة إلا مكابر عنيد جاء ذلك في ( ينابيع المودة ) وهذا لفظه: « أخرجه الحمويني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا على أنا مدينة الحكمة وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك لحمك من لحمي ودمك من دمي، وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنت إمام أمتي ووصيي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، ومثلك ومثل الأئمة من ولدك مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة »(١) .

١٢ - معنى الحديث في كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد جاء معنى هذا الحديث ضمن حديث يدل بوجوه عديدة على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، بحيث لو تأمله عاقل لم يخالجه أي شك في دلالته على

___________________

(١). ينابيع المودة ١٣٠.

٢١٢

مطلوب أهل الحق، و قد روى ذلك الحديث الهمداني في ( مودة القربى ) والبلخي القندوزي: « عن علي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فيوال علياً بعدي وليعاد عدوّه وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادة [ سادات ] أمتي وقادة [ قادات ] الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان »(١) .

١٣ - الحديث مع حديث الأشباح

لقد جاء هذا الحديث في حديث الأشباح الخمسة بنهج يدل بوضوح على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام .

وهو ما رواه صدر الدين الحموئي بسنده: « عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش فإذا نور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك ولولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الانس ولا الجن، هؤلاء الخمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإِحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم الّا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم وأهلكهم، فإذا كان لك إلى حاجة فبهؤلاء توسّل.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن

___________________

(١). ينابيع المودة ص ٢٥٨.

٢١٣

حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت »(١) .

١٤ - الحديث مع حديث باب حطة

لقد جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين حديث السفينة - في طرق عديدة من طرقه - وحديث باب حطة وقد ثبت دلالة حديث باب حطة على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام مطلقاً، وعلى عصمتهم وطهارتهم من الرجس، وعلى كفر المعرضين عنهم والمخالفين لهم

فهكذا حديث السفينة يفيد ذلك كله، وبكلّ منهما يتم مطلوب أهل الحق.

١٥ - في كلام امير المؤمنين عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام بين حديث السفينة وباب حطة قائلاً - فيما رواه السيوطي كما تقدّم - « إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل » أي: إن الانقياد لهم والانقطاع إليهم سبب لنجاة الأمة كما نجا من ركب سفينة نوح ومن دخل باب حطة وهذا المقام لا يكون إلّا للامامعليه‌السلام .

١٦ - الحديث مع حديث الثقلين في كلامه عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له - رواها اليعقوبي كما تقدّم - بين حديث السفينة وحديث الثقلين فأشار فيها إلى واقعة الغدير أيضاً وهذا يفيد أن حديث السفينة من براهين إمامتهعليه‌السلام مثلهما.

___________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣٦.

٢١٤

١٧ - إهتمام أبي ذر بحديث السفينة

لقد اهتم سيدنا أبوذر رضوان الله عليه بشأن حديث السفينة، وهذا الاهتمام البالغ يكشف عن اعتقاده بدلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا هو الذي يرغم آناف الأعداء اللئام، ويرفع رؤوس الأولياء الكرام.

١٨ - الحديث مع حديث باب حطة في روايته

إنه رضوان الله تعالى عليه قرن - في رواية الطبراني وغيره - بين حديث السفينة وحديث باب حطة وهو يدل على المطلوب كما سبق.

١٩ - كلام أبي ذر رضي‌الله‌عنه

لقد علم من رواية ابن الصباغ المالكي وغيره: أن أباذر صعد على عتبة باب الكعبة ثم ذكر حديث السفينة، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إجعلوا أهل بيتي فيكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس

وهذا دليل واضح على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام وإمامتهم وخلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٠ - جمعه بينه وبين حديثي الثقلين وباب حطة

لقد جمع أبوذررضي‌الله‌عنه - فيما رواه البلخي القندوزي - بين هذا الحديث وحديثي باب حطة والثقلين وهو أيضاً دليل على المطلوب.

٢١٥

٢١٦

دحض مناقشات الدهلوي

في دلالة حديث السفينة

٢١٧

٢١٨

وبعد، فلنأت على كلمات الدهلوي حول دلالة حديث السفينة، لنبيّن فساد مزاعمه وبطلان دعاويه في المقام، فنقول وبالله التوفيق:

قوله:

وكذلك حديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق. فإنه لا يدل إلّا على الفلاح والهداية الحاصلين من حبّهم والناشئين من اتباعهم، وأن التخلّف عن حبّهم موجب للهلاك.

إعتراف الدهلوي بحصول الفلاح بحب أهل البيت

أقول:

إذا كان ( الدهلوي ) يعترف بذلك، فلم لا يعترف بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ فلقد علمت أنّ إيجاب موالاتهم ومحبّتهم يستلزم خلافتهم وإمامتهم، على أنّه سيأتي اعترافه بأن الامام هو من أوجب اتّباعه النجاة في الآخرة.

قوله:

وهذا المعنى - بفضل الله تعالى - يختص به أهل السنة من بين الفرق الاسلامية كلّها.

٢١٩

أقول:

إن من المعلوم لدى كلّ عاقب بصير أنه ليس لأهل السنة من ولاء أهل البيتعليهم‌السلام واتباعهم نصيب أصلاً، فضلاً عن أن يكون خاصاً بهم، كيف وهم يوالون بل يقتدون بمن ظلمهم وحاربهم وسبّهم وسمّهم وأبغضهم وانحرف عنهم! هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنهم ينفون فضلهم وينكرون عصمتهم ويخطّؤونهم في الأقوال والأفعال ولا يعتبرون بإجماعهم كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية والأصولية!! وهل هذا الذي زعمه ( الدهلوي ) إلّا مباهتة تتحير منها الأحلام والأذهان؟

قوله:

لأنهم متمسكون بحبل وداد أهل البيت جميعهم حسب ما يريد القرآن:( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) وموقفهم من ذلك كموقفهم من الأنبياء:( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) فلا يؤمنون ببعضهم ويعادون غيرهم.

هل أهل السنة متمسكون بأهل البيت؟

أقول: هذه دعوى باطلة لا يسندها أي دليل، ولعمري أنه يتذكر المرء منها قوله عز وجل:( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) (٢) .

___________________

(١). سورة المنافقون - ١.

(٢). سورة البقرة - ٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال أبو حنيفة : يقع المشترى مشتركاً بمجرّد الشركة وإن لم يوجد قصدٌ من المشتري ولا إذنٌ من صاحبه(١) . وقد سلف(٢) بطلانه.

مسألة ١٦٠ : قد بيّنّا توقّف تحقّق الشركة على مزج المالين‌ ، فلو لم يحصل لم تتحقّق الشركة ، فلا تصحّ في المال الغائب ؛ لانتفاء المزج فيه ، لتوقّفه على الحضور عند المالكين أو وكيلهما.

ولا تصحّ الشركة في الدَّيْن أيضاً ؛ لعدم تحقّق هذا المعنى فيه.

ولا يكفي في المزج الاختلاطُ مع إمكان التخليص ، كحبّاتٍ من الحنطة مع حبّات الشعير ، والدخن مع السمسم وإن شقّ التمييز بينهما ، وكما لو مزج الصحيح من الدراهم بالقراضة أو السمسم ببذر الكتّان ، أو اختلفت السكّة في بعض النقدين. وبالجملة ، متى حصل المائز بين المالين انتفت الشركة.

ولو اشتركا بالأبدان ، لم تصح على ما تقدّم(٣) ، فإن تميّز عمل كلٍّ منهما من عمل صاحبه اختصّ كلّ واحدٍ منهما بأُجرة عمله.

وإن اشتبه ، احتُمل تساويهما ؛ لأصالته ، والصلحُ ؛ إذ لكلّ واحدٍ منهما في المال حقٌّ لا يعلم قدره ، ولا مخلص إلّا عقد الصلح.

مسألة ١٦١ : قد بيّنّا أنّ الشركة لا تصحّ إلّا بالمال الممتزج من الشريكين ، ولا تصحّ بالأعمال.

إذا تقرّر هذا ، فلو دفع واحد إلى رجلٍ دابّةً ليعمل عليها فما رزق الله تعالى كان بينهما بالسويّة أو أثلاثاً أو على ما يتّفقان عليه ، لم يصح عند‌

____________________

= ١٢٨ - ١٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣.

(٢) في ص ٣٣٢ ، ضمن المسألة ١٥٠.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

٣٤١

علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) - لأنّ الحمل الذي يستحقّ به العوض حصل من الدابّة ، فالأُجرة لصاحبها ، وعليه للعامل أُجرة المثل ؛ لأنّ هذا ليس من أقسام الشركة ، والمضاربة بالأعواض غير صحيحةٍ.

فعلى هذا إن كان الأجر المدفوع للدابّة بعينها ، فالأُجرة لمالكها.

وأمّا إن كان قد تقبّل حمل شي‌ءٍ ، فحمله عليها ، أو حمل عليها شيئاً مباحاً فباعه ، فالأُجرة له والثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة في الموضعين.

ونُقل عن الأوزاعي صحّة ذلك ، وبه قال أحمد - وكرهه الحسن والشعبي(٢) (٣) - لأنّها عين تنمي بالعمل عليها ، فصحّ العقد عليها ، كالشجرة في المساقاة والأرض في المزارعة والدراهم والدنانير ، وهذه المعاملة وإن لم تكن شركةً ولا مضاربةً إلّا أنّها تشبه المساقاة والمزارعة ؛ لأنّه دفع العين إلى مَنْ يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ المساقاة والمزارعة خرجا عن الأصل بالنصّ ، فلا يقاس عليهما غيرهما إلّا بدليلٍ.

مسألة ١٦٢ : ولو استأجر دابّةً ليحمل عليها بنصف ما يرزقه الله تعالى ، لم يصح عند علمائنا وعند أكثر العامّة(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٥.

(٢) في المصادر : « النخعي » بدل « الشعبي ».

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) المغني ٥ : ١١٦ و ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ و ١٩٢.

(٥) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

٣٤٢

وقال أحمد في روايةٍ : إنّه يصحّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ من شرط الإجارة وصحّتها العلمَ بالعوض وتقدير المدّة أو العمل ، ولو يوجد ، ولأنّه عقد غير منصوصٍ عليه ولا هو في معنى المنصوص ، فيكون كغيره من العقود الفاسدة.

ولو أعطى شخص فرسَه على النصف من الغنيمة ، قال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس. وبه قال الأوزاعي(٢) .

والحقّ : إنّ السهم من الغنيمة له أو الأُجرة.

وكذا لو دفع عبده إلى غيره ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه ، فإنّه لا يصحّ عندنا ، خلافاً له(٣) .

وكذا لا يصحّ لو دفع إلى رجلٍ ثوباً ليفصله ويخيطه قميصاً ويبيعه وله نصف الربح ، وكذا لو دفع غزلاً إلى حائكٍ لينسجه بثلث ثمنه أو ربعه ، فإنّ ذلك كلّه عندنا باطل ، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى(٤) .

وقال أحمد : يصحّ ذلك كلّه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّه عوضٌ مجهول عن عملٍ مجهول.

ولو دفع إليه الثوب لينسجه وجعل له [ مع ](٦) ذلك(٧) دراهم معلومة ، قال أحمد : لا يجوز. [ وعنه الجواز ](٨) (٩) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

(٢ - ٥) المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ربع ». والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٧) أي : ثلث الثمن أو ربعه.

(٨) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٩) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٥٠ ، المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

٣٤٣

ولو أعطاه الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين ، فروايتان(١) .

وجوّز ذلك ابن سيرين والنخعي والزهري وأيّوب(٢) .

وقال ابن المنذر : كره هذا كلَّه الحسنُ(٣) .

وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : هذا كلّه فاسد(٤) - كما قلناه - واختاره ابن المنذر(٥) .

ولو دفع شبكةً إلى الصيّاد ليصطاد بها على النصف أو غيره من الأجزاء المعلومة ، لم يصح ، وعليه أُجرة الشبكة ، والحاصل للصيّاد.

قال أصحاب أحمد : وقياس مذهب أحمد صحّة الشركة ، فيكون الحاصل بينهما على ما شرطاه ؛ لأنّها عين تنمي بالعمل فيها ، فجاز دفعها ببعض نمائها ، كالأرض(٦) .

مسألة ١٦٣ : لو كان لواحدٍ دابّة ولآخَر راوية فتشاركا مع ثالثٍ ليستقي الماء ويكون الحاصل بينهم ، فلا شركة هنا عندنا‌ ؛ لأنّها منافع أبدانٍ متميّزة ، وشركة الأبدان باطلة ، ولا يصحّ أن يكون مضاربةً ؛ لأنّ رأس مالها العروض والعمل ، ولأنّ من شرطها عود رأس المال سليماً على معنى أنّه لا يستحقّ شيئاً من الربح حتى يستوفي رأس المال بكماله ، والراوية هنا تخلق‌

____________________

(١) راجع المغني ٥ : ١١٨ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٣ - ١٩٤.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٨ - ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ - ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٥) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩.

(٦) المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٤

وتنقص ، وليس ذلك أيضاً إجارةً ؛ لافتقار الإجارة إلى مدّةٍ معيّنة وأُجرةٍ معلومة ، فتكون فاسدةً.

إذا تقرّر هذا ، فلو آجروا عليه واستقى الثالث ، فنقول : إن كان الماء مملوكاً للسقّاء ، فالثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة والراوية.

وإن كان مباحاً ، فإن أخذه بنيّة أنّه له فكالأوّل.

وإن أخذه بنيّة الشركة ، فإن قلنا : إنّه لا تجوز النيابة في تملّك المباحات ، فكالأوّل أيضاً ؛ لأنّ السقّاء يكون قد مَلَكه بمجرّد الحيازة والأخذ ، وإن قلنا : إنّه تجوز النيابة في مثل ذلك ، فالماء بينهم.

وكيف يُقسّم؟ يحتمل أن يُقسّم على نسبة أُجور أمثالهم ؛ لأنّه حصل بالمنافع المختلفة ، وأن يُقسّم بينهم بالسويّة اتّباعاً لقصده ، فحينئذٍ يكون للسقّاء أن يطالب كلّ واحدٍ من صاحبيه بثلث أُجرة منفعته ؛ لأنّ منفعته لم ينصرف إليه منها سوى الثلث.

وكذا يرجع كلّ واحدٍ من صاحب الدابّة والراوية على كلّ واحدٍ من الآخَر والسقّاء بثلث أُجرة منفعة ملكه.

وعلى الوجه الأوّل لا تراجع بينهم في الأُجرة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم قد أخذ حقّه - وهو أُجرة مثل عمله - لا أزيد.

مسألة ١٦٤ : لو استأجر رجلٌ الدابّةَ من صاحبها والراويةَ من صاحبها والسقّاءَ لحمل الماء وهو مباح ، فإن أفرد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ صحّ‌ ، والماء للمستأجر ، وعليه لكلّ واحدٍ من الثلاثة ما عيّنه من الأُجرة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، صحّ عندنا ، وحينئذٍ تُوزَّع الأُجرة المسمّاة على أُجور الأمثال ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : بطلان الإجارة ، فلكلّ واحدٍ من الثلاثة أُجرة المثل عليه ،

٣٤٥

والماء للمستأجر ، سواء قلنا : إنّ الإجارة صحيحة ، أو لا.

أمّا على تقدير الصحّة : فظاهر.

وأمّا على تقدير الفساد : فلأنّ منافعهم مضمونة عليه بأُجرة المثل(١) .

فإن نوى السقّاء نفسه وقلنا بفساد الإجارة ، قال بعض الشافعيّة : يكون للمستأجر أيضاً(٢) .

وتوقّف الجويني فيه ؛ لأنّ منفعته غير مستحقّةٍ للمستأجر ، فليكن الحاصل له(٣) .

وموضع القولين للشافعي : ما إذا وردت الإجارة على عين السقّاء والدابّة والراوية ، فأمّا إذا ألزم ذمّتهم نقلَ الماء صحّت الإجارة لا محالة ؛ إذ ليست هنا أعيان مختلفة تُفرض جهالة في أُجورها ، وإنّما على كلّ واحدٍ منهم ثلث العمل(٤) .

مسألة ١٦٥ : لو اشترك أربعة لأحدهم بيت الرحى‌ ، ولآخَر حجر الرحى ، ولآخَر دابّة تديره ، والرابع يعمل الصِّماد للدوابّ في الحجر(٥) على أنّ الحاصل من أُجرة الطحن بينهم ، فهي شركة فاسدة على ما عُرف.

ثمّ إن استأجر مالك الحنطة العاملَ والآلات من أربابها وأفراد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ ، لزمه ما سمّى لكلّ واحدٍ منهم ، ولا شركة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، فإن ألزم ذمّتهم الطحن صحّ العقد ، وكانت الأُجرة المسمّاة بينهم أرباعاً ، ويتراجعون أُجرة المثل ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣ - ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٥) كذا قوله : « يعمل الصّماد للدوابّ في الحجر » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٤ : « يعمل في الرحى ».

٣٤٦

المنفعة المملوكة لكلّ واحدٍ منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمّى ، وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه ، فيأخذ منهم ثلاثة أرباع أُجرة المثل.

وإن استأجر عين العامل وعين الآلات ، صحّ عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : فساد الإجارة ، فلكلّ واحدٍ أُجرة مثله.

والثاني : الصحّة : فيُوزّع المسمّى عليهم ، ويكون التراجع بينهم على ما سبق(١) .

ولو ألزم صاحب الحنطة ذمّةَ العامل الطحن ، لزمه ، وعليه إذا استعمل ما لأصحابه أُجرة المثل لهم ، إلّا أن يستأجرها بعقدٍ صحيح ، فيكون عليه المسمّى.

وقد روى العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قفيز الطحّان(٢) ، وهو أن يعطى الطحّان أقفزة معلومة ليطحنها بقفيز دقيق منها.

وعلّة المنع : أنّه جعل له بعض معموله أجراً لعمله ، فيصير الطحن مستحقّاً عليه.

وقد أنكر جماعةٌ منهم(٣) هذا الحديثَ.

وقياس قول أحمد جوازه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٣٣ - ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٤٧ / ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) منهم : ابنا قدامة في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) كما في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٧

مسألة ١٦٦ : لو دفع إلى شخصٍ عيناً على أن يؤجرها المدفوع إليه وتكون الأُجرة بينهما ، لم يصح‌ ، وتكون الإجارة لصاحب العين إن استؤجرت العين ، أو تكون للمدفوع إليه ، فالأجر له ، ولصاحب العين أُجرة المثل.

ولو كان لرجلٍ دابّة ، ولآخَر أُكاف وجوالقات ، فاشتركا على أن يؤاجراهما ، والأُجرة بينهما نصفان ، فهو فاسد ؛ لأنّ هذه أعيان لا يصحّ الاشتراك فيها وكذلك في منافعها ؛ إذ تقديره : آجِر دابّتك ليكون أجرها بيننا ، وأؤجر جوالقاتي لتكون أُجرتها بيننا ، وذلك باطل ، فتكون الأُجرة بأسرها لصاحب الدابّة ؛ لأنّه مالك الأصل ، وللآخَر أُجرة المثل على صاحب البهيمة ؛ لأنّه استوفى منافع ملكه بعقدٍ فاسد.

هذا إذا آجرا الدابّة بما عليها من الأُكاف والجوالقات في عقدٍ واحد ، فأمّا إن آجر كلّ واحدٍ منهما ملكه منفرداً ، فلكلّ واحدٍ منهما أُجرة ملكه.

والتحقيق أن نقول : لا اعتبار بهذه الشركة ، فوجودها كالعدم.

ثمّ المستعمل للدابّة والجوالقات إن كان قد عقد معهما أو مع أحدهما بإذن الآخَر عَقْد إجارةٍ شرعيّة ، كان عليه المسمّى يقسّط على أُجرة مثل الدابّة وأُجرة المثل للجوالقات والأُكاف ، وإن لم يعقد معهما عَقْد إجارةٍ ، كان عليه أُجرة مثل الدابّة لصاحبها ، وأُجرة مثل الأُكاف والجوالقات لصاحبها.

مسألة ١٦٧ : لو كان لواحدٍ البذرُ ولآخَر دوابُّ الحرث ولثالثٍ الأرضُ ، فاشتركوا مع رابعٍ ليعمل ويكون الحاصل بينهم ، فالشركة باطلة‌ ، والنماء لصاحب البذر ، وعليه أُجرة المثل لصاحب الأرض عن أرضه ، ولصاحب الدوابّ عن عملها ، ولصاحب العمل عن عمله.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٤٨

فإن أصاب الزرع آفة ولم يحصل شي‌ء من الغلّة ، لم يسقط حقّهم من أُجرة المثل.

وقال بعض الشافعيّة : لا شي‌ء لهم ؛ لأنّهم لم يحصّلوا له شيئاً(١) .

وهو غلط ظاهر ؛ لأنّه قد تصرّف في مال الغير بعملٍ له أُجرة ؛ فكان عليه الأُجرة.

٣٤٩

الفصل الثالث : في الأحكام‌

مسألة ١٦٨ : الشركة عقد جائز من الطرفين‌ ، وليست من العقود اللازمة بالإجماع ، فإذا اشتركا بمزج المالين وأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف فلكلٍّ من الشريكين فسخها ؛ لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل وتوكّل.

فلو قال أحدهما للآخَر : عزلتك عن التصرّف ، أو : لا تتصرّف في نصيبي ، انعزل المخاطب عن التصرّف في نصيب العازل ، ويبقى له التصرّف في نصيبه ، ولا ينعزل العازل عن التصرّف في نصيب المعزول إلّا بعزلٍ متجدّد منه.

ولو فسخاها معاً ، فإنّ الاشتراك باقٍ وإن لم يكن لأحدهما التصرّف في نصيب الآخَر.

ولو قال أحدهما : فسختُ الشركة ، ارتفع العقد ، وانفسخ من تلك الحال ، وانعزلا جميعاً عن التصرّف ؛ لارتفاع العقد.

وقال بعض الشافعيّة : انعزالهما مبنيٌّ على أنّه يجوز التصرّف بمجرّد عقد الشركة ، أم لا بدّ من التصريح بالإذن؟ إن قلنا بالأوّل ، فإذا ارتفع العقد انعزلا ، وإن قلنا بالثاني وكانا قد صرّحا بالإذن ، فلكلٍّ منهما التصرّف إلى أن يعزل(١) .

وكيفما كان فالشافعيّة على ترجيح القول بانعزالهما(٢) .

مسألة ١٦٩ : إذا عقدا الشركةَ ومزجا المالين‌ ، فإن وُجد من كلٍّ منهما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٥٠

الإذنُ لصاحبه في التصرّف في جميع المال ، تسلّط كلٌّ منهما على ذلك ، وكان حكمُ تصرّفه حكمَ تصرّف الوكيل مع الإطلاق ، فلا يبيع بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ، ولا يبيع ولا يشتري بالغبن الفاحش إلّا مع إذن الشريك.

فإن خالف وباع بالغبن الفاحش ، لم يصح في نصيب الشريك ، ويصحّ في نصيبه عندنا ، ويتخيّر المشتري مع فسخ الشريك للبيع.

وعند الشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قالوا ببطلان البيع ، بقي المبيع على ملكهما والشركة بحالها ، وإن قالوا بالصحّة على ما هو مذهبنا ، انفسخت الشركة في المبيع ، وصار مشتركاً بين المشتري والشريك الذي بطل في نصيبه(١) .

ولو اشترى بالغبن ، فإن كان الشراء بعين مال الشركة ، كان حكمُه حكمَ ما لو باع بالغبن ، وقد سلف(٢) ، وإن اشترى في الذمّة لم يقع للشريك ، وكان عليه دفع الثمن من خالص ماله.

مسألة ١٧٠ : ليس لواحدٍ من الشريكين التصرّفُ في المال الممتزج إلّا بإذن صاحبه‌ ، فإن اختصّ أحدهما بالإذن اختصّ بالتصرّف ؛ لأصالة عصمة مال الشخص على غيره ، ولو اشترك الإذن اشترك جواز التصرّف.

وإذا حصل الإذن عامّاً من كلّ واحدٍ منهما ، تصرّف بحسبه في مال شريكه ، كما يتصرّف الوكيل في مال موكّله.

وإن كان عامّاً من أحدهما وخاصّاً من الآخَر ، استفاد مَنْ عمّم له الإذن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٢ ، البيان ٦ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

(٢) آنفاً.

٣٥١

جواز التصرّف عامّاً ، والآخَر ما عُيّن له.

وكذا لو كان الإذن من كلٍّ منهما خاصّاً ، لم يجز له التخطّي إلى غير المأذون.

وإذا عيّن له جهة السفر أو البيع على وجهٍ أو شراء جنسٍ بعينه ، لم يجز التجاوز.

ولو شرطا الاجتماع ، لم يجز لأحدهما الانفراد.

ولو أطلق الإذن ، تصرّف كيف شاء.

فإن عيّن جهةً فتجاوزها ، كان ضامناً.

ويجوز الرجوع في الإذن ، فيحرم التصرّف ؛ لأنّه إنّما تصرّف بالإذن وقد زال.

وليس لأحدهما السفر بمال الشركة ، ولا أن يبيعه إلّا بإذن صاحبه ، فإن فَعَل بغير الإذن ضمن.

مسألة ١٧١ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها ، فتنفسخ حينئذٍ.

وكذا تنفسخ بموت أحدهما وجنونه وإغمائه والحجر عليه للسفه ، كالوكالة.

ثمّ في صورة الموت إن لم يكن على الميّت دَيْنٌ ولا هناك وصيّة ، تخيّر الوارث بين القسمة مع الشريك وفسخها ، وبين تقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً ، وإن كان صغيراً أو مجنوناً فعلى الوليّ ما فيه الحظّ من فسخ الشركة أو إبقائها.

ولا بدّ في تقرير الشركة من عقدٍ مستأنف.

وإن كان على الميّت دَيْنٌ ، لم يكن للوارث التقرير على الشركة ، إلّا‌

٣٥٢

أن يقضي الدَّيْن من غير مال الشركة.

ولو كان هناك وصيّة ، فإن كانت لمعيّنٍ فهو كأحد الورثة يتخيّر بين التقرير والفسخ إن تعلّقت الوصيّة بذلك المال.

وإن كانت لغير معيّنٍ كالفقراء ، لم يجز تقرير الشركة إلّا بعد خروج الوصيّة ، فإذا خرجت الوصيّة بقي المال كما لو لم تكن وصيّةٌ يتخيّر فيه الوارث بين التقرير والفسخ.

مسألة ١٧٢ : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال‌ ؛ لأنّه نماء مالهما ، فكان بينهما على نسبة المالين ، وكذا إذا خسرا ، كالتلف.

ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين ، أو تساويهما فيه مع تفاوت المالين ، قال الشيخرحمه‌الله : تبطل الشركة ، وجَعَل من شرط الشركة كونَ الربح والخسران على قدر رأس المالين ، فلا يجوز أن يتفاضلا مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا مع التفاضل فيه(١) ، وبه قال مالك والشافعي ؛ لأنّ هذا الربح في هذه الشركة تبع للمال ؛ بدليل أنّه يصحّ عقد الشركة وإطلاق الربح ، فلا يجوز تغييره بالشرط ، كالخسران ، فإنّهما لو شرطا التفاوت في الخسران مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما ، لغا الشرط ، ويتوزّع الخسران على المال(٢) .

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٢ ، المسألة ٩ من كتاب الشركة.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، الذخيرة ٨ : ٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ - ٦٢ / ٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء =

٣٥٣

والمعتمد : جواز الشرط ولزومه ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(١) .

ولأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسنّة ، فكان لازماً كغيره من الشروط السائغة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّه قد يكون أبصر بالتجارة من الآخَر ، أو أجلد منه وأقوى في العمل ، فيشترط له زيادة الربح في مقابلة عمله ذلك ، وهو أمر سائغ ، كما لو شرط الربح في مقابلة عمل المضارب ، يحقّقه أنّ هذه الشركة معقودة على المال والعمل معاً ، ولكلّ واحدٍ منهما حصّة من الربح إذا كان مفرداً ، فكذا إذا اجتمعا ، وأمّا حالة الإطلاق فإنّه لـمّا لم يكن بينهما شرط يقسّم الربح عليه وبقدره ، قدّرناه بالمال ؛ لعدم الشرط ، فإذا وجد الشرط فهو الأصل ، فيصار إليه ، كالمضاربة يصار فيه إلى الشرط ، فإذا عدم وقالا : الربح بيننا ، كان بينهما نصفين.

والحكم في الأصل ممنوع ، مع الفرق ؛ فإنّ الوضيعة لا تتعلّق إلّا بالمال ؛ بدليل المضاربة.

____________________

= ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦.

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤)

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٣٢ - ٣٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦ ، النتف ١ : ٥٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٤ - ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ - ٦٢ / ٤٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٤

مسألة ١٧٣ : لو اختصّ أحدهما بمزيد عملٍ ، وشرط مزيد ربحٍ له ، صحّ عندنا‌ ، وهو ظاهرٌ على أصلنا وأصل أبي حنيفة.

وللشافعي قولان :

أحدهما : صحّة الشرط ، ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحقّ الملك ، والزائد يقع في مقابلة العمل ، ويتركّب العقد من الشركة والقراض.

وأصحّهما عندهم : البطلان ، كما لو شرطا التفاوت في الخسران ، فإنّه يلغو ، ويتوزّع الخسران على المال ، ولا يمكن جَعْله شركةً وقراضاً ؛ فإنّ العمل في القراض مختصٌّ بمال المالك ، وهنا يتعلّق بملكه وملك صاحبه(١) . وقد تقدّم.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا زيادة الربح لقاصر العمل ، جاز عندنا ؛ عملاً بالشرط - ويجي‌ء على قول الشافعي البطلان ؛ لأنّه لا يجوز مع التساوي في العمل فمع القصور أولى - ولأنّه يجوز التساوي في الربح مع التفاوت في العمل.

مسألة ١٧٤ : قد بيّنّا أنّه يجوز التساوي في الربح مع تفاوت المالين‌ ، والتفاوتُ في الربح مع تساوي المالين بالشرط.

والشيخرحمه‌الله قال : إذا شرطا ذلك بطلت الشركة(٢) . وهو قول الشافعي(٣) .

وإذا فسد الشرط عند الشافعي ، لم يؤثّر ذلك في فساد التصرّفات ؛ لوجود الإذن ، ويكون الربح على نسبة المالين ، ثمّ يرجع كلٌّ منهما على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٥٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٥٥

صاحبه بأُجرة مثل عمله في ماله.

فإن تساوى المالان والعملان ، كان نصف عمل كلّ واحدٍ منهما يقع في ماله ، فلا يستحقّ به أُجرةً ، والنصف الواقع في مال صاحبه يستحقّ صاحبه مثل بدله عليه ، فيتقاصّان.

وإن تفاوتا في العمل خاصّةً ، فكان عمل أحدهما يساوي مائةً ، وعمل الآخَر يساوي مائتين ، فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر ، فنصف عمله مائة ، ونصف عمل الآخَر خمسون ، فيبقى له خمسون بعد المقاصّة.

وإن كان عمل صاحبه أكثر ، ففي رجوعه بالخمسين على المشروط له الزيادة وجهان للشافعيّة:

أحدهما : الرجوع ، كما لو فسد القراض يستحقّ العامل أُجرة المثل.

وأصحّهما عندهم : المنع - وهو محكيٌّ عن أبي حنيفة(١) - لأنّه عمل وُجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض ، والعمل في الشركة لا يقابله عوض ؛ بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحةً وزاد عمل أحدهما ، فإنّه لا يستحقّ على الآخَر شيئاً.

ويجري الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختصّ أحدهما بأصل التصرّف والعمل ، هل يرجع بنصف أُجرة عمله على الآخَر؟

وإن تفاوتا في المال خاصّةً ، فكان لأحدهما - مثلاً - ألف وللآخَر ألفان ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه ، فيكون الثلث بالثلث قصاصاً ، يبقى لصاحب الأقلّ ثلث المائة :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦.

٣٥٦

ثلاثة وثلاثون وثلث.

وإن تفاوتا فيهما بأن كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان ، فإن كان عمل صاحب الأكثر أكثر بأن كان عمله يساوي مائتين وعمل الآخَر مائة ، فثلثا عمله في ماله ، وثلثه في مال صاحبه ، وعمل صاحبه على العكس ، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على صاحب الأقلّ ، ولصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، وقدرهما واحد ، فيقع في التقاصّ.

وإن كان عمل صاحب الأقلّ أكثر والتفاوت كما صوّرناه ، فثلث عمل صاحب الأقلّ في ماله ، وثلثاه في مال شريكه ، وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله ، وثلثه في مال شريكه ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائتين على صاحب الأكثر ، وهُما : مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة على صاحب الأقلّ ، وهو : ثلاثة وثلاثون وثلث ، فيبقى بعد التقاصّ لصاحب الأقلّ مائة على الآخَر(١) .

وللشافعيّة قولٌ آخَر : إنّ الشركة تفسد بهذا الشرط ، فتبطل التصرّفات(٢) .

والأكثر جزموا بنفوذ التصرّفات ، ويوزّع الربح على المالين ، وتجب الأُجرة في الجملة.

ومعنى الفساد أنّ كلّ واحدٍ منهما يرجع على صاحبه بأُجرة عمله في ماله ، ولو صحّ عقد الشركة لم يرجع ؛ لأنّه لا يثبت استحقاق الأُجرة(٣) .

وهذا لا يتأتّى على مذهبنا حيث اخترنا صحّة هذا الشرط. ومعنى هذا الفساد المذكور عند تغيّر نسبة الربح جارٍ في سائر أسباب فساد الشركة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ - ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ - ٥١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٧

ولو لم يكن بين المالين شيوع ولا خلط ، فلا شركة على التحقيق ، وثمن كلّ واحدٍ من المالين يختصّ بمالكه ، ولا يقع مشتركاً.

مسألة ١٧٥ : لو تفاوتا في المال ولم يشترطا التساوي ولا التفاوت والتوزيع على قدر المالين‌ ، بل أطلقا ، فإنّ الربح يكون على نسبة المالين ، وتكون زيادة العمل تبرّعاً من صاحبه.

ويحتمل أن تثبت للزيادة أُجرة المثل ، كما لو استعمل صانعاً ولم يذكر له أُجرةً.

ولو شُرط(١) زيادة الربح لمن ازداد عمله ، ففي اشتراط استبداده باليد للشافعيّة وجهان(٢) .

وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجهٍ لهم ، كشرطه في القراض(٣) .

وفي وجهٍ : لا [ جرياً ](٤) على قضيّة الشركة(٥) .

والخلاف في جواز اشتراط زيادة الربح لمن زاد عمله [ جارٍ ](٦) فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرّف وجعلا له زيادة ربحٍ(٧) .

وفي وجهٍ لهم : يجوز هنا ، ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل ؛ لأنّه لا يدري أنّ الربح بأيّ عملٍ حصل فيحال به على المال؟(٨) .

____________________

(١) الظاهر : « شرطا ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٤ و ٦) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ - ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٨) الوسيط ٣ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٨

مسألة ١٧٦ : كلّ واحدٍ من الشريكين أمين يده يد أمانةٍ على ما تحت يده‌ - كالمستودع والوكيل - يُقبل قوله في الخسران والتلف مع اليمين ، كالمستودع إذا ادّعى التلف ، سواء أسند التلف إلى سببٍ ظاهرٍ أو خفيّ.

وقال الشافعي : إذا أسند التلف هو أو المستودع إلى سببٍ ظاهر ، طُولب بالبيّنة عليه ، فإذا أقامها صُدّق في الهلاك(١) .

وإذا ادّعى أحد الشريكين خيانةً على الآخَر ، لم تُسمع الدعوى حتى يحرّرها بأن يعيّن القدر الذي ادّعاه من الخيانة على إشكالٍ ، فإذا بيّن القدر سُمعت ، وكان عليه البيّنة ، فإن فُقدت كان له إحلاف الشريك.

ولو ادّعى ردَّ المال إلى الشريك ، قُبِل قوله مع اليمين ، كالمستودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعندي فيه نظر.

مسألة ١٧٧ : لو كان في يد أحد الشريكين مالٌ واختلفا فيه‌ ، فقال المكتسب : إنّه لي خاصّةً ، وقال الآخَر : بل هو من مال الشركة ، فالقول قول المتشبّث مع اليمين ؛ قضاءً لليد.

وكذا لو انعكس الفرض ، فقال المتشبّث : إنّه من مال الشركة ، وقال الآخَر : بل هو لي خاصّةً ، قُدّم قول المتشبّث مع اليمين.

ولو قال الآخَر : بل هو لك ، كان في النصف حكمه حكم مَنْ أقرّ لغيره بعينٍ في يده وأنكر الـمُقرّ له.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٦٩ ، البيان ٦ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٩

ولو اشترى أحد الشريكين شيئاً ثمّ اختلفا ، فقال المشتري : إنّما اشتريتُه لنفسي ، وقال الآخَر : بل للشركة ، قُدّم قول المباشر للعقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الربح.

ولو قال المباشر : إنّما اشتريتُه للشركة ، وقال الآخَر : بل اشتريتَه لنفسك ، فالقول قول مباشر العقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الخسران.

ولو قال صاحب اليد : اقتسمنا مالَ الشركة وهذا قد خلص لي ، وقال الآخَر : لم نقتسم بَعْدُ وهو مشترك ، فالقول قول الثاني ؛ لأصالة بقاء الشركة وعدم القسمة ، فعلى مدّعيها البيّنة.

ولو كان في أيديهما أو في يد أحدهما مالٌ وقال كلّ واحدٍ منهما : هذا نصيبي من مال الشركة وأنت أخذتَ نصيبك ، حلف كلٌّ منهما لصاحبه ، وجُعل المال بينهما ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، قضي للحالف.

مسألة ١٧٨ : لو كان بينهما عبد مشترك فباعه أحدهما بإذن الثاني وأذن له في قبض الثمن‌ ، ثمّ اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فادّعى الآذن على البائع قبض الثمن بأسره وطالَبه بدفع نصيبه إليه ، وصدّقه المشتري على أنّ البائع قبض ، وأنكر البائع القبضَ ، برئ المشتري من نصيب الآذن في البيع ؛ لاعترافه بأنّ البائع - الذي هو وكيله بالقبض - قد قبض.

ثمّ هنا خصومتان ، إحداهما : بين البائع والمشتري ، والثانية : بين الشريكين.

فإن تقدّمت الأُولى على الثانية ، فطالَب البائع المشتري بنصيبه من الثمن ، وادّعى المشتري أنّه أدّاه ، نُظر فإن قامت للمشتري بيّنة على الأداء ،

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392