تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118756 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلّفاته غالبها متداولة كثير النفع، وللناس عليها تهافت زائد، ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير.

وتوفي صبيحة يوم الخميس ٢٣ من صفر سنة ١٠٣١ »(١). .

(٥٥)

رواية الشيخاني القادري

ورواه السيّد محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري بقوله:

« أخرج أحمد عن عمرو بن شاس الأسلميرضي‌الله‌عنه - وهو من أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن، فجفاني في سفري، حتى وجدت في نفسي عليه، فلمـّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ناس من أصحابه، فلمـّا رآني أحدّ لي عينيه - يقول حدّد إليَّ النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله.

قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي لفظٍ أخرجه ابن عبد البر: من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي رواية: إن بريدة تكلّم في علي بما لا يحبّ رسول الله، وذلك أنّه أخذ جاريةً من الخمس، فبلغ ذلك إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً! من بغض علياً فقد

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢.

٢٤١

بغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم قال: يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي »(١). .

عبارته في صدر كتابه

هذا وتعرف شخصيّة القادري وقيمة كتابه ( الصراط السويّ ) ممّا ذكره في صدره، وهذه عبارته:

« أما بعد فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خبال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر

واعلم أنّ الفحول قد قُبِضَت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته، وهزمته كثرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب التي صنّفها أصحاب البدعة، كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب إنْ شاء الله تعالى، ويلوح لك شرارها من بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب. وذلك إمّا لاندراس محبّة آل بيت النبي من قلوب الصالحين من أهل السنة، والعياذ بالله من تلك الفتنة، أن لنقصٍ في الإِيمان وتردّد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم ظاهر في أمر الدين.

والدليل على ذلك أني سمعت من جماعةٍ لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة، من بني الحسن والحسين،

__________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٤٢

فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخر مثاقلاً بدينار

ثم نودي في سري الروضة، بين القبر الشريف والمنبر، بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتابٍ أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الإِختصار ».

الاعتماد على رواية القادري

ثم إنّ الرشيد الدّهلوي يعتمد في كتابه ( غرّة الرّاشدين ) على رواية القادري في إثبات دعوىً له حول أبي حنيفة فيقول:

« وقال السيّد محمود القادري -قدس‌سره - في كتاب حياة الذّاكرين: قيل: إنّ رجلاً أتى أبا حنيفة - رحمة الله عليه - وقال: أخي توفّي وأوصى بثلث ماله لإِمام المسلمين، إلى مَن أدفع؟

فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانقي، وكان يبغض أبا حنيفة، كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعيرحمه‌الله .

فحلف السائل - كذباً - أنّه ما أمرني بهذا السؤال.

فقال أبو حنيفة -رحمه‌الله -: إدفع الثلث إلى جعفر بن محمّد الصادق، فإنّه هو الإِمام الحق.

فذهب السائل وأخبر أبا جعفر الدوانقي بذلك.

فقال أبو جعفر: بهذا عرفت أبا حنيفة منذ قديم، إنّه يرى الحق لغيرنا.

ثم دعا بأبي حنيفة وسقاه السمّ في الطعام، ففهم أبو حنيفة ذلك، فقام ليخرج، فقال له أبو جعفر: إلى أين يا أبا حنيفة؟ فقال: إلى أين تأمرني؟ فأمره بالجلوس إلى أنْ عمل السم فيه. فخرج ومات شهيداً في الطريق.

ولا تنافي بين هذا الخبر وما روي من أن السبب فتواه بإعانة محمد

٢٤٣

وإبراهيم، فتلك الفتوى كانت السّبب في حبسه وهذا الجواب السبب في قتله ».

(٥٦)

رواية ابن باكثير المكّي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وقال: حسن غريب.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - إنه كان يبغض علياً، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تبغض علياً؟ قال: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أحبّ إليّ من علي.

وفي رواية: علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم بعدي.

خرّجهما أحمد بن حنبل ».

كما روى ابن باكثير حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المشتمل على فضائل عشر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية. وقال في آخره:

« خرّج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة ذكرها أبو إسحاق وغيره »(١). .

__________________

(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٤٤

عبارته في صدر كتابه

ولننقل عبارة ابن باكثير في صدر كتابه المذكور ليظهر اعتبار أحاديثه، فإنّه قال فيه:

« فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد الثمينة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة، ممّا هو مختصٌ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطمية، وأذكره بلفظ الإِجمال. ثم ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثم ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلَّفاتهم وقنّتوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب ويوصل إليه بأحسن نمط واُسلوب، سالكاً في ذلك طريق السّداد ومقتصراً فيه على ما به يحصل المراد، تاركاً للتطويل المملّ، سالماً من نقص الإِختصار المخلّ.

فجاء - بحمد الله تعالى - من أحسن تأليف في هذا الشأن، وأتقن مصنَّف سلك فيه طريق الإِتقان، جمع مع سهولة تناوله البديع حسن البيان، وحوى مع تناسب مسائله وتناسق وسائله عذوبة الموارد للظمآن، وتتبّعت فيه غالب ما صحّ نقله من الأحاديث ويعمل بمثله في الفضائل ويحتجّ به في القديم والحديث، وتركت ما اشتدّ ضعفه منها. ولم نجد له شاهداً يقوّيه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفّاظ من الموضوع الذي يجب أنْ ننقّيه.

وأتيت بالمشهور في كتب التواريخ عند نقل القصص والأخبار، وربّما دعت الحاجة إلى الإِشارة لبعض الوقائع روماً لطريق الإِختصار، واكتفيت بالحوالة على الكتب المؤلَّفة لذلك الفن، فإنّها تغني عن التطويل بذكره في كتابنا، لقصد الإِيجاز مهما أمكن.

٢٤٥

فدونك مؤلّفَاَ يجب رقم سطوره بخالص الإِبريز، ومصنَّفاً يتَعيَّن أنْ يقابل بالتكريم والتعزيز، ويحقّ له أنْ يجرّ ذيل فخره على فرق كلّ مؤلَّف سواه، ويسمو على كلّ مصنَّف بما جمع فيه وحواه، إذ هو سفينة بجواهر نعوت أهل البيت قد شحنت، وفي بحار فضائلهم الجمة قد عامت، وعلى جوديّ شمائلهم استوت واستوطنت، يضوع من أرجائها نشر مناقبهم العاطر، ويلوح في شمائلها بدر كواكبهم الزاهر.

تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرُّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين، ممّا تفرّق في سواه من نصوص العلماء ومؤلفات الأئمة القدماء.

ثم لمـّا كمل حُسنه البهيّ وتهذيبه، وتمّ بحمد الله تعالى تفصيله وتبويبه، سمّيته: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل، لكي يطابق اسمه مسمّاه، ويوافق رسمه المعنى الذي نويناه، والمبنى الذي بنيناه، لأنّي ألَّفته راجياً به السّلامة من ورطات يوم القيامة والخلوص من ندامة ذلك المقام، مؤمَّلاً من فضل الله تعالى أن أحرز ببركته سائر الآمال، وأفوز بأسنى المطالب والحال والمآل، لأنّ حبّهم هو الوسيلة العظمى، وتقرّبهم في كلا الدارين يوصل إلى كل مقامٍ أسنى ».

ترجمة ابن باكثير

وترجم المحبّي لابن باكثير بقوله:

« الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي الشّافعي. من اُدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جليّ، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الأوفاق والزابرجا يد عاليه، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ

٢٤٦

السّلطاني بالحرم الشّريف، بدلاً عن شريف مكّة.

ومن مؤلَّفاته: حسن المآل في مناقب الآل، جعله باسم الشريف إدريس أمير مكّة وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكّة. ودفن بالمعلّاة »(١). .

وفي ( تنضيد العقود السنّية ) لدى النقل عن ابن باكثير: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ».

(٥٧)

رواية البدخشي

ورواه ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشي في كتبه الثلاثة.

ففي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ):

« أخرج أحمد عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن، على أحدهما: علي بن أبي طالب. وعلى الآخر: خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإذا افترقتم فكلّ واحدٍ منكما على جنده. قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة. فاصطفى علي امرأة من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجلٍ فأمرتني أنْ اُطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٤٧

بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الديلمي عن علي - كرّم الله وجهه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: يا بريدة: إن عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

( وفيه ): « أخرج الترمذي - واللّفظ له - والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرنا بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدؤا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا. فأعرض عنه رسول الله. ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ عند أحمد مرفوعاً -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الخطيب والرّافعي، عن عليّ كرّم الله وجهه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعة، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ

٢٤٨

المؤمنين ».

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، إذْ أتاه تسعة رهط ».

فرواه إلى آخره ثم قال: « أقول: هذا حديث حسن، بل صحّحه بعضهم. وهو شامل لمناقب جمّة، يلزم لأهل العلم حفظه »(١). .

وفي ( نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار ):

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -

فأقبل إليهم رسول الله - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢). .

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون، إني لجالس إلى ابن عباس ».

ولا يخفى أنّه ذكر هذين الحديثين في القسم الأول من المقصد الأول من الكتاب، وقد نصّ في أول هذا القسم على أن أحاديثه « لم يختلف في صحّتها العلماء الأعلام ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. حم عن عمران بن حصين ».

( وفيه ): « ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ت وحسّنه. ك عن عمران بن

__________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الاطهار: ٢٢.

٢٤٩

حصين »(١). .

ترجمة البدخشاني

ومحمد بن معتمد خان البدخشي من أجلّة العلماء في الهند، ترجم له اللكهنوي ووصفه بالشيخ العالم المحدّث أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » وذكر كتبه(٢). .

ثم أنّه يعدّ من الأعلام المحققين وأعيان المعتمدين من أهل السنّة، فالرّشيد الدهلوي يصرّح بكونه من عظماء أهل السنة، ويستند إلى مؤلّفاته في مقابلة أهل الحق، ويستشهد بها على كون أهل السنّة موالين لأهل البيت الطّاهرين. والمولوي حيدر علي الفيض آبادي يذكره من علماء أهل السنّة الأعلام القائلين بلعن يزيد بن معاوية، وينص على اعتبار كتبه. و ( الدهلوي ) نفسه يقول في جواب سؤالٍ وُجّه إليه في تلقيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « المرتضى »:

« قد كُنّي في الأحاديث الصحيحة بأبي تراب، وأبي الريحانتين، وقد روي وثبت تلقيبه بذي القرنين، ويعسوب الدين، والصدّيق، والفاروق، والسّابق، ويعسوب الاُمّة، ويعسوب قريش، وبيضة البلد، والأمين، والشريف، والبار، والمهتدي، وذي الاُذن الواعية.

والميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي، المؤرّخ المشهور لهذا البلد - يعني دهلي - ذكر تلقيبه بالمرتضى في رسالتيه في فضائل الخلفاء وفضائل أهل البيت، وهاتان الرسالتان من عمدة تصانيفه. لكنّ الفقير لا يتذكّر الآن أنّه إلى أيّ حديث استند في ذلك.

__________________

(١). تحفة المحبين بمناقب أهل البيت الطاهرين - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٢٥٠

وفي حديث أنس بن مالك في قصة تزويج سيّدة النساء، وخطبة أبي بكر الصدّيق وعمر الفاروق منها، لفظ يفهم منه كون أمير المؤمنين المرتضى والمختار، أي في هذا الأمر، يعني تزويج سيّدة النساء رضي الله تعالى عنها منه. » انتهى نقلا عن مجموع فتاوى ( الدهلوي ) الموجود عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي.

(٥٨)

رواية محمد صدر العالم

ورواه الشيخ محمد صدر العالم في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:

« أخرج أحمد: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».

وقال: « أخرج الديلمي: عن بريدة قال قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر.

وأخرج ابن أبي شيبة: عن عمران بن حصين قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج أحمد عنه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج الطّيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم عنه مثله.

وأخرج الترمذي - وقال حسن غريب - والطبراني والحاكم - وصححه - عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وانا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

٢٥١

و أخرج الخطيب والرّافعي عن علي - كرّم الله وجهه - قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أن أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي ومعك لواء الحمد، وأنت تحمله من بين يديَّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة محمد صدر العالم

ومحمد صدر العالم من كبار العلماء الأجلّة من أهل السنّة ترجمه صاحب ( نزهة الخواطر ) بالشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين. ثم ذكر مصنّفاته ومنها معارج العلى(٢). .

وكتابه من الكتب الممدوحة المقبولة عندهم. وقد أثنى عليه وعلى كتابه معاصره شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي - والد ( الدهلوي ) - في قصيدةٍ أنشأها وأرسلها إلى صدر العالم، بعد أن وقف على كتابه المذكور وهي موجودة في كتابه ( التفهيمات الإِلهيّة )، وبترجمته في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٧ ).

(٥٩)

رواية أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله أحمد بن عبد الرّحيم الدهلوي - وهو والد

__________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٥.

٢٥٢

( الدهلوي ) - وأثبته في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في غير واحدٍ من كتبه.

فروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث عمران بن حصين عن الترمذي(١). .

وروى في كتابه ( إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء ) حديث عمرو بن ميمون بطوله، المشتمل على حديث الولاية، المذكور في الكتاب مراراً، عن الحاكم والنسائي(٢).

ولم نجد منه طعناً في سند الحديث

فيا للعجب كلّ العجب من ( الدهلوي ) كيف خاض في غمار عقوق والده وشيخه المهذّب، ورجّح على اتّباعه تقليد الكابلي الجالب على نفسه وأتباعه أمّر العطب، وكأنّه لم يقرع سمعه قول عليعليه‌السلام : نحن أهل بيت ما عادانا بيت إلّا خرب، وما نبح علينا كلب إلّا جرب؟!

ترجمة أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

وشاه وليّ الله الدّهلوي إمام علماء الهند في عصره في العلوم المختلفة، تجد الثناء العظيم عليه في الكتب المؤلّفة بتراجم رجال تلك الدّيار وفي غيرها، مثل ( اتحاف النّبلاء ) و ( أبجد العلوم ) و ( نزهة الخواطر ٦ / ٣٩٨ - ٤١٥ ). كما أنّه ترجم لنفسه في كتابٍ أسماه ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضّعيف )، كما أن ابنه ( الدهلوي ) وسائر علماء الهند المتأخرين كلّهم عيال عليه في شتّى البحوث.

__________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ١٦٨.

(٢). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ٤٤٨.

٢٥٣

(٦٠)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليمني الصّنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) فقد قال بشرح:

« قل من المدح بما شئت فلم

تأتِ فيما قلته شيئاً فرّيا

كلّ من رام يداني شأوَه

في العلى فاعدده روماً أشعبيّاً »

قال: هذه كالفذلكة لِما تقدّم من فضائله، كأنّه قال: إذْ قد عرفت أنّه أحرز كلّ كمالٍ، وبذّ في كلّ فضيلةٍ كملة الرجال، فقل ما شئت في مدحه، كأنْ تمدحه بالعبادة، فإنّه بلغ رتبتها العليّة، وبالشّجاعة فإنّه أنسى ما سبقه من أبطال البريّة، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود وأنّه الذي فيه المنتهى.

وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللّسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله - كما قد أشرنا إليه سابقاً - وكيف ينحصر لنا وقد قال إمام المحدّثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحدٍ من الفضائل الصحيحة ما ثبت للوصيّعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنّة قد شرّقت وغرّبت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. وإشارة إلى ما لم نورده سابقاً:

فمن ذلك: أنّه من الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمنزلة الرأس من البدن، كما أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: عليّ منّي

٢٥٤

بمنزلة رأسي من بدني.

ومن ذلك: أنّه باب حطّة، كما أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن ذلك: أنه من النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه، كما أخرجه أحمد والترمذي وأبو حاتم، من حديث عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

وقال محمد بن إسماعيل بشرح:

« كلّما للصحب من مكرمة

فله السّبق تراه الأوليّا »

قال: « وقد اختصّه الله ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ولا تفنى بفناء اللّيالي والأيّام. مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره، كما أخرجه العلّامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الاُمة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الذي كان لواه معه في كلّ زحف. وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره. وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وكاختصاصه بخمسٍ، كما أخرجه أحمد في المناقب، وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد.

وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهو من حديث عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذا أتاه ».

٢٥٥

ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير

ومحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني المتوفى سنة ١١٨٢ فقيه، محدّث، متكلّم، من أئمّة اليمن، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، ترجم له وأثنى عليه:

١ - الشوكاني في ( البدر الطّالع ٢ / ١٣٣ ).

٢ - صدّيق حسن في ( التاج المكلّل: ٤١٤ ).

(٦١)

رواية الصبّان المصري

ورواه محمّد الصبّان المصري صاحب ( إسعاف الراغبين ) قال:

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

ترجمة الصبّان

وترجم لأبي العرفان محمد بن علي الصبّان المصري الشّافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ في ( معجم المؤلّفين )(٢). عن عدّةٍ من المصادر، قال: « عالم،

__________________

(١). اسعاف الراغبين - هامش مشارق الأنوار: ١٥١.

(٢). معجم المؤلفين ١١ / ١٧.

٢٥٦

أديب، مشارك في اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة والحديث ومصطلحه والهيئة وغير ذلك. ولد وتوفي بالقاهرة » ثم ذكر تصانيفه، وعدّ منها ( إسعاف الراغبين ) و « الحاشية على شرح الأشموني ) المتداول في الحوزات العلميّة والأدبيّة.

(٦٢)

رواية العجيلي

ورواه أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي حيث قال بشرح:

« والله قد آتاه خمساً تنقل

أحبّ من دنياكم وأفضل »

قال: « أخرج السيطوي -رحمه‌الله - في الكبير عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمّتي فأبى عليّ. وأعطاني لك: أنّ أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنت وليّ المؤمنين بعدي ».

وقد أثبت الحديث الشّريف في كلام له بشرح:

« واقرأ حديث إنّما وليّكم

واسمع حديثاً جاء في غدير خم »

فقال بعد ذكر الغدير وقصّة الحارث الفهري: « وهو من أقوى الأدلّة على أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أولى بالإِمامة والخلافة والصّداقة والنصرة والاتّباع، باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم. وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمـّا قضى حجّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه، كبريدة، فإنّه كان

٢٥٧

يبغضه، ولمـّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً، فقصّه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع - يا بريدة - في علي. فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي ».

ترجمة العجيلي

والعجيلي توجد ترجمته في:

١ - نيل الأوطار ١ / ١٢٩.

٢ - حلية البشر ١ / ١٨٠ عنهما معجم المؤلفين ١ / ٢٧٩.

٣ - التاج المكلّل: ٥٠٩ وقد وصفه بقوله: « الشيخ العلّامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز، لم يزل مجتهداً في نيل المعالي، وكم سهر في طلبها الليالي، حتى فاز ».

(٦٣)

رواية محمد مبين اللكهنوي

ورواه المولوي محمد مبين بن محبّ الله بن ملا أحمد عبد الحق بن ملا محمد سعيد بن قطب الدين السهالي، في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« ومنها: أنّه - صلّى الله عليه وسلّم - أمّره على الجيش، وأعلم القوم بخصوصيّته وأخبرهم بولايته: أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه -. فمضى في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا

٢٥٨

عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا لقينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا ورجعوا بدؤا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ أحمد: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي»(١). .

ترجمته وعبارته في صدر كتابه

ذكره صاحب ( نزهة الخواطر ) وعنونه بـ « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محب اللكهنوي، أحد الفقهاء الحنفيّة » ثم ذكر كتابه وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥(٢). .

ومن المناسب أن نورد نصّ كلامه في صدر كتابه، ليظهر اعتبار الأحاديث الواردة فيه. فإنّه قال: « أما بعد، فلا يخفى عليك أن محبّة آل سيد الكائنات جزء الإِيمان، ولا يتمّ إلّا بمودّتهم بالجنان وتعظيمهم بالأركان، ورعاية

__________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٤٨.

(٢). نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٢٥٩

حقوقهم بالصّدق والإِيقان، قال الله في القرآن:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وفسّر بالنبيّ المصطفى وعلي المرتضى والحسنين وفاطمة الزهراء،عليهم‌السلام .

فلا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من مودّتهم ولا يخلو مسلم من محبّتهم. قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ألا من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ولم يشم رائحة الجنّة. وقال في علي الوصي: لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وإنّني في زمانٍ قد كثر فيه القيل والقال، وقلّ العلماء وكثر الجهّال، كلّ بضاعة أهل الزمان المخاصمة والجدال، وقد اكتفوا بما فهموا بزعمهم من ظاهر المقال، من غير أنْ يكون لهم اطّلاع على حقيقة الحال فإنّ السُّنّي من يكون مشغوفاً بحبّ آل النبي، وإلّا فهو المنافق الشقي. ومن اللطائف: أن أعداد السّنّي بحسب الحساب مساوية لحبّ علي، فمن لا يكون في قلبه حبّ عليّ لا يكون معدودا من السنّي

... حداني صدق النيّة على أنْ أؤلّف رسالةً مشتملةً على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى، متضمنّة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى، وقد وشّح به المحدّثون صحائفهم، والأولياء تصانيفهم، والعلماء كتبهم.

وما استخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي، والكتب الموثوقة كجامع الاُصول لابن الأثير وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشّريفة والقصص الصحيحة، وجمعتها في هذه الرسالة، وأعرضت عن الصحائف المتروكة والموضوعات المطروحة وما التفتُّ إلى ما كان باطلاً أو ضعيفاً ».

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وقال أبو حنيفة : يقع المشترى مشتركاً بمجرّد الشركة وإن لم يوجد قصدٌ من المشتري ولا إذنٌ من صاحبه(١) . وقد سلف(٢) بطلانه.

مسألة ١٦٠ : قد بيّنّا توقّف تحقّق الشركة على مزج المالين‌ ، فلو لم يحصل لم تتحقّق الشركة ، فلا تصحّ في المال الغائب ؛ لانتفاء المزج فيه ، لتوقّفه على الحضور عند المالكين أو وكيلهما.

ولا تصحّ الشركة في الدَّيْن أيضاً ؛ لعدم تحقّق هذا المعنى فيه.

ولا يكفي في المزج الاختلاطُ مع إمكان التخليص ، كحبّاتٍ من الحنطة مع حبّات الشعير ، والدخن مع السمسم وإن شقّ التمييز بينهما ، وكما لو مزج الصحيح من الدراهم بالقراضة أو السمسم ببذر الكتّان ، أو اختلفت السكّة في بعض النقدين. وبالجملة ، متى حصل المائز بين المالين انتفت الشركة.

ولو اشتركا بالأبدان ، لم تصح على ما تقدّم(٣) ، فإن تميّز عمل كلٍّ منهما من عمل صاحبه اختصّ كلّ واحدٍ منهما بأُجرة عمله.

وإن اشتبه ، احتُمل تساويهما ؛ لأصالته ، والصلحُ ؛ إذ لكلّ واحدٍ منهما في المال حقٌّ لا يعلم قدره ، ولا مخلص إلّا عقد الصلح.

مسألة ١٦١ : قد بيّنّا أنّ الشركة لا تصحّ إلّا بالمال الممتزج من الشريكين ، ولا تصحّ بالأعمال.

إذا تقرّر هذا ، فلو دفع واحد إلى رجلٍ دابّةً ليعمل عليها فما رزق الله تعالى كان بينهما بالسويّة أو أثلاثاً أو على ما يتّفقان عليه ، لم يصح عند‌

____________________

= ١٢٨ - ١٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣.

(٢) في ص ٣٣٢ ، ضمن المسألة ١٥٠.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

٣٤١

علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) - لأنّ الحمل الذي يستحقّ به العوض حصل من الدابّة ، فالأُجرة لصاحبها ، وعليه للعامل أُجرة المثل ؛ لأنّ هذا ليس من أقسام الشركة ، والمضاربة بالأعواض غير صحيحةٍ.

فعلى هذا إن كان الأجر المدفوع للدابّة بعينها ، فالأُجرة لمالكها.

وأمّا إن كان قد تقبّل حمل شي‌ءٍ ، فحمله عليها ، أو حمل عليها شيئاً مباحاً فباعه ، فالأُجرة له والثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة في الموضعين.

ونُقل عن الأوزاعي صحّة ذلك ، وبه قال أحمد - وكرهه الحسن والشعبي(٢) (٣) - لأنّها عين تنمي بالعمل عليها ، فصحّ العقد عليها ، كالشجرة في المساقاة والأرض في المزارعة والدراهم والدنانير ، وهذه المعاملة وإن لم تكن شركةً ولا مضاربةً إلّا أنّها تشبه المساقاة والمزارعة ؛ لأنّه دفع العين إلى مَنْ يعمل عليها ببعض نمائها مع بقاء عينها(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّ المساقاة والمزارعة خرجا عن الأصل بالنصّ ، فلا يقاس عليهما غيرهما إلّا بدليلٍ.

مسألة ١٦٢ : ولو استأجر دابّةً ليحمل عليها بنصف ما يرزقه الله تعالى ، لم يصح عند علمائنا وعند أكثر العامّة(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٥.

(٢) في المصادر : « النخعي » بدل « الشعبي ».

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٠٣ / ١٢٥ ، المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) المغني ٥ : ١١٦ و ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١ و ١٩٢.

(٥) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

٣٤٢

وقال أحمد في روايةٍ : إنّه يصحّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ من شرط الإجارة وصحّتها العلمَ بالعوض وتقدير المدّة أو العمل ، ولو يوجد ، ولأنّه عقد غير منصوصٍ عليه ولا هو في معنى المنصوص ، فيكون كغيره من العقود الفاسدة.

ولو أعطى شخص فرسَه على النصف من الغنيمة ، قال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس. وبه قال الأوزاعي(٢) .

والحقّ : إنّ السهم من الغنيمة له أو الأُجرة.

وكذا لو دفع عبده إلى غيره ليكتسب عليه ويكون له ثلث ذلك أو ربعه ، فإنّه لا يصحّ عندنا ، خلافاً له(٣) .

وكذا لا يصحّ لو دفع إلى رجلٍ ثوباً ليفصله ويخيطه قميصاً ويبيعه وله نصف الربح ، وكذا لو دفع غزلاً إلى حائكٍ لينسجه بثلث ثمنه أو ربعه ، فإنّ ذلك كلّه عندنا باطل ، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى(٤) .

وقال أحمد : يصحّ ذلك كلّه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّه عوضٌ مجهول عن عملٍ مجهول.

ولو دفع إليه الثوب لينسجه وجعل له [ مع ](٦) ذلك(٧) دراهم معلومة ، قال أحمد : لا يجوز. [ وعنه الجواز ](٨) (٩) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٢.

(٢ - ٥) المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ربع ». والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٧) أي : ثلث الثمن أو ربعه.

(٨) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٩) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٥٠ ، المغني ٥ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٣.

٣٤٣

ولو أعطاه الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين ، فروايتان(١) .

وجوّز ذلك ابن سيرين والنخعي والزهري وأيّوب(٢) .

وقال ابن المنذر : كره هذا كلَّه الحسنُ(٣) .

وقال أبو ثور وأصحاب الرأي : هذا كلّه فاسد(٤) - كما قلناه - واختاره ابن المنذر(٥) .

ولو دفع شبكةً إلى الصيّاد ليصطاد بها على النصف أو غيره من الأجزاء المعلومة ، لم يصح ، وعليه أُجرة الشبكة ، والحاصل للصيّاد.

قال أصحاب أحمد : وقياس مذهب أحمد صحّة الشركة ، فيكون الحاصل بينهما على ما شرطاه ؛ لأنّها عين تنمي بالعمل فيها ، فجاز دفعها ببعض نمائها ، كالأرض(٦) .

مسألة ١٦٣ : لو كان لواحدٍ دابّة ولآخَر راوية فتشاركا مع ثالثٍ ليستقي الماء ويكون الحاصل بينهم ، فلا شركة هنا عندنا‌ ؛ لأنّها منافع أبدانٍ متميّزة ، وشركة الأبدان باطلة ، ولا يصحّ أن يكون مضاربةً ؛ لأنّ رأس مالها العروض والعمل ، ولأنّ من شرطها عود رأس المال سليماً على معنى أنّه لا يستحقّ شيئاً من الربح حتى يستوفي رأس المال بكماله ، والراوية هنا تخلق‌

____________________

(١) راجع المغني ٥ : ١١٨ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٣ - ١٩٤.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٨ - ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٢ - ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٥) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٣٣ / ٣٦٦ ، المغني ٥ : ١١٩.

(٦) المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٤

وتنقص ، وليس ذلك أيضاً إجارةً ؛ لافتقار الإجارة إلى مدّةٍ معيّنة وأُجرةٍ معلومة ، فتكون فاسدةً.

إذا تقرّر هذا ، فلو آجروا عليه واستقى الثالث ، فنقول : إن كان الماء مملوكاً للسقّاء ، فالثمن له ، وعليه أُجرة المثل للدابّة والراوية.

وإن كان مباحاً ، فإن أخذه بنيّة أنّه له فكالأوّل.

وإن أخذه بنيّة الشركة ، فإن قلنا : إنّه لا تجوز النيابة في تملّك المباحات ، فكالأوّل أيضاً ؛ لأنّ السقّاء يكون قد مَلَكه بمجرّد الحيازة والأخذ ، وإن قلنا : إنّه تجوز النيابة في مثل ذلك ، فالماء بينهم.

وكيف يُقسّم؟ يحتمل أن يُقسّم على نسبة أُجور أمثالهم ؛ لأنّه حصل بالمنافع المختلفة ، وأن يُقسّم بينهم بالسويّة اتّباعاً لقصده ، فحينئذٍ يكون للسقّاء أن يطالب كلّ واحدٍ من صاحبيه بثلث أُجرة منفعته ؛ لأنّ منفعته لم ينصرف إليه منها سوى الثلث.

وكذا يرجع كلّ واحدٍ من صاحب الدابّة والراوية على كلّ واحدٍ من الآخَر والسقّاء بثلث أُجرة منفعة ملكه.

وعلى الوجه الأوّل لا تراجع بينهم في الأُجرة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم قد أخذ حقّه - وهو أُجرة مثل عمله - لا أزيد.

مسألة ١٦٤ : لو استأجر رجلٌ الدابّةَ من صاحبها والراويةَ من صاحبها والسقّاءَ لحمل الماء وهو مباح ، فإن أفرد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ صحّ‌ ، والماء للمستأجر ، وعليه لكلّ واحدٍ من الثلاثة ما عيّنه من الأُجرة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، صحّ عندنا ، وحينئذٍ تُوزَّع الأُجرة المسمّاة على أُجور الأمثال ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : بطلان الإجارة ، فلكلّ واحدٍ من الثلاثة أُجرة المثل عليه ،

٣٤٥

والماء للمستأجر ، سواء قلنا : إنّ الإجارة صحيحة ، أو لا.

أمّا على تقدير الصحّة : فظاهر.

وأمّا على تقدير الفساد : فلأنّ منافعهم مضمونة عليه بأُجرة المثل(١) .

فإن نوى السقّاء نفسه وقلنا بفساد الإجارة ، قال بعض الشافعيّة : يكون للمستأجر أيضاً(٢) .

وتوقّف الجويني فيه ؛ لأنّ منفعته غير مستحقّةٍ للمستأجر ، فليكن الحاصل له(٣) .

وموضع القولين للشافعي : ما إذا وردت الإجارة على عين السقّاء والدابّة والراوية ، فأمّا إذا ألزم ذمّتهم نقلَ الماء صحّت الإجارة لا محالة ؛ إذ ليست هنا أعيان مختلفة تُفرض جهالة في أُجورها ، وإنّما على كلّ واحدٍ منهم ثلث العمل(٤) .

مسألة ١٦٥ : لو اشترك أربعة لأحدهم بيت الرحى‌ ، ولآخَر حجر الرحى ، ولآخَر دابّة تديره ، والرابع يعمل الصِّماد للدوابّ في الحجر(٥) على أنّ الحاصل من أُجرة الطحن بينهم ، فهي شركة فاسدة على ما عُرف.

ثمّ إن استأجر مالك الحنطة العاملَ والآلات من أربابها وأفراد كلّ واحدٍ منهم بعقدٍ ، لزمه ما سمّى لكلّ واحدٍ منهم ، ولا شركة.

وإن جمع بين الجميع في عقدٍ واحد ، فإن ألزم ذمّتهم الطحن صحّ العقد ، وكانت الأُجرة المسمّاة بينهم أرباعاً ، ويتراجعون أُجرة المثل ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٣ - ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٥) كذا قوله : « يعمل الصّماد للدوابّ في الحجر » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٤ : « يعمل في الرحى ».

٣٤٦

المنفعة المملوكة لكلّ واحدٍ منهم قد استوفى ربعها حيث أخذ ربع المسمّى ، وانصرف ثلاثة أرباعها إلى أصحابه ، فيأخذ منهم ثلاثة أرباع أُجرة المثل.

وإن استأجر عين العامل وعين الآلات ، صحّ عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : فساد الإجارة ، فلكلّ واحدٍ أُجرة مثله.

والثاني : الصحّة : فيُوزّع المسمّى عليهم ، ويكون التراجع بينهم على ما سبق(١) .

ولو ألزم صاحب الحنطة ذمّةَ العامل الطحن ، لزمه ، وعليه إذا استعمل ما لأصحابه أُجرة المثل لهم ، إلّا أن يستأجرها بعقدٍ صحيح ، فيكون عليه المسمّى.

وقد روى العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن قفيز الطحّان(٢) ، وهو أن يعطى الطحّان أقفزة معلومة ليطحنها بقفيز دقيق منها.

وعلّة المنع : أنّه جعل له بعض معموله أجراً لعمله ، فيصير الطحن مستحقّاً عليه.

وقد أنكر جماعةٌ منهم(٣) هذا الحديثَ.

وقياس قول أحمد جوازه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٣٣ - ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٤.

(٢) سنن الدارقطني ٣ : ٤٧ / ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، المغني ٥ : ١١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٣) منهم : ابنا قدامة في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

(٤) كما في المغني ٥ : ١١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٤.

٣٤٧

مسألة ١٦٦ : لو دفع إلى شخصٍ عيناً على أن يؤجرها المدفوع إليه وتكون الأُجرة بينهما ، لم يصح‌ ، وتكون الإجارة لصاحب العين إن استؤجرت العين ، أو تكون للمدفوع إليه ، فالأجر له ، ولصاحب العين أُجرة المثل.

ولو كان لرجلٍ دابّة ، ولآخَر أُكاف وجوالقات ، فاشتركا على أن يؤاجراهما ، والأُجرة بينهما نصفان ، فهو فاسد ؛ لأنّ هذه أعيان لا يصحّ الاشتراك فيها وكذلك في منافعها ؛ إذ تقديره : آجِر دابّتك ليكون أجرها بيننا ، وأؤجر جوالقاتي لتكون أُجرتها بيننا ، وذلك باطل ، فتكون الأُجرة بأسرها لصاحب الدابّة ؛ لأنّه مالك الأصل ، وللآخَر أُجرة المثل على صاحب البهيمة ؛ لأنّه استوفى منافع ملكه بعقدٍ فاسد.

هذا إذا آجرا الدابّة بما عليها من الأُكاف والجوالقات في عقدٍ واحد ، فأمّا إن آجر كلّ واحدٍ منهما ملكه منفرداً ، فلكلّ واحدٍ منهما أُجرة ملكه.

والتحقيق أن نقول : لا اعتبار بهذه الشركة ، فوجودها كالعدم.

ثمّ المستعمل للدابّة والجوالقات إن كان قد عقد معهما أو مع أحدهما بإذن الآخَر عَقْد إجارةٍ شرعيّة ، كان عليه المسمّى يقسّط على أُجرة مثل الدابّة وأُجرة المثل للجوالقات والأُكاف ، وإن لم يعقد معهما عَقْد إجارةٍ ، كان عليه أُجرة مثل الدابّة لصاحبها ، وأُجرة مثل الأُكاف والجوالقات لصاحبها.

مسألة ١٦٧ : لو كان لواحدٍ البذرُ ولآخَر دوابُّ الحرث ولثالثٍ الأرضُ ، فاشتركوا مع رابعٍ ليعمل ويكون الحاصل بينهم ، فالشركة باطلة‌ ، والنماء لصاحب البذر ، وعليه أُجرة المثل لصاحب الأرض عن أرضه ، ولصاحب الدوابّ عن عملها ، ولصاحب العمل عن عمله.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٤٨

فإن أصاب الزرع آفة ولم يحصل شي‌ء من الغلّة ، لم يسقط حقّهم من أُجرة المثل.

وقال بعض الشافعيّة : لا شي‌ء لهم ؛ لأنّهم لم يحصّلوا له شيئاً(١) .

وهو غلط ظاهر ؛ لأنّه قد تصرّف في مال الغير بعملٍ له أُجرة ؛ فكان عليه الأُجرة.

٣٤٩

الفصل الثالث : في الأحكام‌

مسألة ١٦٨ : الشركة عقد جائز من الطرفين‌ ، وليست من العقود اللازمة بالإجماع ، فإذا اشتركا بمزج المالين وأذن كلٌّ منهما لصاحبه في التصرّف فلكلٍّ من الشريكين فسخها ؛ لأنّ الشركة في الحقيقة توكيل وتوكّل.

فلو قال أحدهما للآخَر : عزلتك عن التصرّف ، أو : لا تتصرّف في نصيبي ، انعزل المخاطب عن التصرّف في نصيب العازل ، ويبقى له التصرّف في نصيبه ، ولا ينعزل العازل عن التصرّف في نصيب المعزول إلّا بعزلٍ متجدّد منه.

ولو فسخاها معاً ، فإنّ الاشتراك باقٍ وإن لم يكن لأحدهما التصرّف في نصيب الآخَر.

ولو قال أحدهما : فسختُ الشركة ، ارتفع العقد ، وانفسخ من تلك الحال ، وانعزلا جميعاً عن التصرّف ؛ لارتفاع العقد.

وقال بعض الشافعيّة : انعزالهما مبنيٌّ على أنّه يجوز التصرّف بمجرّد عقد الشركة ، أم لا بدّ من التصريح بالإذن؟ إن قلنا بالأوّل ، فإذا ارتفع العقد انعزلا ، وإن قلنا بالثاني وكانا قد صرّحا بالإذن ، فلكلٍّ منهما التصرّف إلى أن يعزل(١) .

وكيفما كان فالشافعيّة على ترجيح القول بانعزالهما(٢) .

مسألة ١٦٩ : إذا عقدا الشركةَ ومزجا المالين‌ ، فإن وُجد من كلٍّ منهما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

٣٥٠

الإذنُ لصاحبه في التصرّف في جميع المال ، تسلّط كلٌّ منهما على ذلك ، وكان حكمُ تصرّفه حكمَ تصرّف الوكيل مع الإطلاق ، فلا يبيع بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ، ولا يبيع ولا يشتري بالغبن الفاحش إلّا مع إذن الشريك.

فإن خالف وباع بالغبن الفاحش ، لم يصح في نصيب الشريك ، ويصحّ في نصيبه عندنا ، ويتخيّر المشتري مع فسخ الشريك للبيع.

وعند الشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قالوا ببطلان البيع ، بقي المبيع على ملكهما والشركة بحالها ، وإن قالوا بالصحّة على ما هو مذهبنا ، انفسخت الشركة في المبيع ، وصار مشتركاً بين المشتري والشريك الذي بطل في نصيبه(١) .

ولو اشترى بالغبن ، فإن كان الشراء بعين مال الشركة ، كان حكمُه حكمَ ما لو باع بالغبن ، وقد سلف(٢) ، وإن اشترى في الذمّة لم يقع للشريك ، وكان عليه دفع الثمن من خالص ماله.

مسألة ١٧٠ : ليس لواحدٍ من الشريكين التصرّفُ في المال الممتزج إلّا بإذن صاحبه‌ ، فإن اختصّ أحدهما بالإذن اختصّ بالتصرّف ؛ لأصالة عصمة مال الشخص على غيره ، ولو اشترك الإذن اشترك جواز التصرّف.

وإذا حصل الإذن عامّاً من كلّ واحدٍ منهما ، تصرّف بحسبه في مال شريكه ، كما يتصرّف الوكيل في مال موكّله.

وإن كان عامّاً من أحدهما وخاصّاً من الآخَر ، استفاد مَنْ عمّم له الإذن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٢ ، البيان ٦ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٥.

(٢) آنفاً.

٣٥١

جواز التصرّف عامّاً ، والآخَر ما عُيّن له.

وكذا لو كان الإذن من كلٍّ منهما خاصّاً ، لم يجز له التخطّي إلى غير المأذون.

وإذا عيّن له جهة السفر أو البيع على وجهٍ أو شراء جنسٍ بعينه ، لم يجز التجاوز.

ولو شرطا الاجتماع ، لم يجز لأحدهما الانفراد.

ولو أطلق الإذن ، تصرّف كيف شاء.

فإن عيّن جهةً فتجاوزها ، كان ضامناً.

ويجوز الرجوع في الإذن ، فيحرم التصرّف ؛ لأنّه إنّما تصرّف بالإذن وقد زال.

وليس لأحدهما السفر بمال الشركة ، ولا أن يبيعه إلّا بإذن صاحبه ، فإن فَعَل بغير الإذن ضمن.

مسألة ١٧١ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها ، فتنفسخ حينئذٍ.

وكذا تنفسخ بموت أحدهما وجنونه وإغمائه والحجر عليه للسفه ، كالوكالة.

ثمّ في صورة الموت إن لم يكن على الميّت دَيْنٌ ولا هناك وصيّة ، تخيّر الوارث بين القسمة مع الشريك وفسخها ، وبين تقرير الشركة إن كان بالغاً رشيداً ، وإن كان صغيراً أو مجنوناً فعلى الوليّ ما فيه الحظّ من فسخ الشركة أو إبقائها.

ولا بدّ في تقرير الشركة من عقدٍ مستأنف.

وإن كان على الميّت دَيْنٌ ، لم يكن للوارث التقرير على الشركة ، إلّا‌

٣٥٢

أن يقضي الدَّيْن من غير مال الشركة.

ولو كان هناك وصيّة ، فإن كانت لمعيّنٍ فهو كأحد الورثة يتخيّر بين التقرير والفسخ إن تعلّقت الوصيّة بذلك المال.

وإن كانت لغير معيّنٍ كالفقراء ، لم يجز تقرير الشركة إلّا بعد خروج الوصيّة ، فإذا خرجت الوصيّة بقي المال كما لو لم تكن وصيّةٌ يتخيّر فيه الوارث بين التقرير والفسخ.

مسألة ١٧٢ : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على قدر رؤوس الأموال‌ ؛ لأنّه نماء مالهما ، فكان بينهما على نسبة المالين ، وكذا إذا خسرا ، كالتلف.

ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين ، أو تساويهما فيه مع تفاوت المالين ، قال الشيخرحمه‌الله : تبطل الشركة ، وجَعَل من شرط الشركة كونَ الربح والخسران على قدر رأس المالين ، فلا يجوز أن يتفاضلا مع التساوي في المال ، ولا أن يتساويا مع التفاضل فيه(١) ، وبه قال مالك والشافعي ؛ لأنّ هذا الربح في هذه الشركة تبع للمال ؛ بدليل أنّه يصحّ عقد الشركة وإطلاق الربح ، فلا يجوز تغييره بالشرط ، كالخسران ، فإنّهما لو شرطا التفاوت في الخسران مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما ، لغا الشرط ، ويتوزّع الخسران على المال(٢) .

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٢ ، المسألة ٩ من كتاب الشركة.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، الذخيرة ٨ : ٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ - ٦٢ / ٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء =

٣٥٣

والمعتمد : جواز الشرط ولزومه ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(١) .

ولأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسنّة ، فكان لازماً كغيره من الشروط السائغة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّه قد يكون أبصر بالتجارة من الآخَر ، أو أجلد منه وأقوى في العمل ، فيشترط له زيادة الربح في مقابلة عمله ذلك ، وهو أمر سائغ ، كما لو شرط الربح في مقابلة عمل المضارب ، يحقّقه أنّ هذه الشركة معقودة على المال والعمل معاً ، ولكلّ واحدٍ منهما حصّة من الربح إذا كان مفرداً ، فكذا إذا اجتمعا ، وأمّا حالة الإطلاق فإنّه لـمّا لم يكن بينهما شرط يقسّم الربح عليه وبقدره ، قدّرناه بالمال ؛ لعدم الشرط ، فإذا وجد الشرط فهو الأصل ، فيصار إليه ، كالمضاربة يصار فيه إلى الشرط ، فإذا عدم وقالا : الربح بيننا ، كان بينهما نصفين.

والحكم في الأصل ممنوع ، مع الفرق ؛ فإنّ الوضيعة لا تتعلّق إلّا بالمال ؛ بدليل المضاربة.

____________________

= ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٥ - ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦.

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٨ ، الهامش (٤)

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٨ / ٣٣٥٧ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٣٢ - ٣٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧ / ١٦٦٦ ، النتف ١ : ٥٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٤ - ١١٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٩ / ١١٨٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦١ - ٦٢ / ٤٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٣١ ، الوسيط ٣ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٤

مسألة ١٧٣ : لو اختصّ أحدهما بمزيد عملٍ ، وشرط مزيد ربحٍ له ، صحّ عندنا‌ ، وهو ظاهرٌ على أصلنا وأصل أبي حنيفة.

وللشافعي قولان :

أحدهما : صحّة الشرط ، ويكون القدر الذي يناسب ملكه له بحقّ الملك ، والزائد يقع في مقابلة العمل ، ويتركّب العقد من الشركة والقراض.

وأصحّهما عندهم : البطلان ، كما لو شرطا التفاوت في الخسران ، فإنّه يلغو ، ويتوزّع الخسران على المال ، ولا يمكن جَعْله شركةً وقراضاً ؛ فإنّ العمل في القراض مختصٌّ بمال المالك ، وهنا يتعلّق بملكه وملك صاحبه(١) . وقد تقدّم.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا زيادة الربح لقاصر العمل ، جاز عندنا ؛ عملاً بالشرط - ويجي‌ء على قول الشافعي البطلان ؛ لأنّه لا يجوز مع التساوي في العمل فمع القصور أولى - ولأنّه يجوز التساوي في الربح مع التفاوت في العمل.

مسألة ١٧٤ : قد بيّنّا أنّه يجوز التساوي في الربح مع تفاوت المالين‌ ، والتفاوتُ في الربح مع تساوي المالين بالشرط.

والشيخرحمه‌الله قال : إذا شرطا ذلك بطلت الشركة(٢) . وهو قول الشافعي(٣) .

وإذا فسد الشرط عند الشافعي ، لم يؤثّر ذلك في فساد التصرّفات ؛ لوجود الإذن ، ويكون الربح على نسبة المالين ، ثمّ يرجع كلٌّ منهما على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٥٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٥٥

صاحبه بأُجرة مثل عمله في ماله.

فإن تساوى المالان والعملان ، كان نصف عمل كلّ واحدٍ منهما يقع في ماله ، فلا يستحقّ به أُجرةً ، والنصف الواقع في مال صاحبه يستحقّ صاحبه مثل بدله عليه ، فيتقاصّان.

وإن تفاوتا في العمل خاصّةً ، فكان عمل أحدهما يساوي مائةً ، وعمل الآخَر يساوي مائتين ، فإن كان عمل المشروط له الزيادة أكثر ، فنصف عمله مائة ، ونصف عمل الآخَر خمسون ، فيبقى له خمسون بعد المقاصّة.

وإن كان عمل صاحبه أكثر ، ففي رجوعه بالخمسين على المشروط له الزيادة وجهان للشافعيّة:

أحدهما : الرجوع ، كما لو فسد القراض يستحقّ العامل أُجرة المثل.

وأصحّهما عندهم : المنع - وهو محكيٌّ عن أبي حنيفة(١) - لأنّه عمل وُجد من أحد الشريكين لم يشترط عليه عوض ، والعمل في الشركة لا يقابله عوض ؛ بدليل ما إذا كانت الشركة صحيحةً وزاد عمل أحدهما ، فإنّه لا يستحقّ على الآخَر شيئاً.

ويجري الوجهان فيما إذا فسدت الشركة واختصّ أحدهما بأصل التصرّف والعمل ، هل يرجع بنصف أُجرة عمله على الآخَر؟

وإن تفاوتا في المال خاصّةً ، فكان لأحدهما - مثلاً - ألف وللآخَر ألفان ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة عليه ، فيكون الثلث بالثلث قصاصاً ، يبقى لصاحب الأقلّ ثلث المائة :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦.

٣٥٦

ثلاثة وثلاثون وثلث.

وإن تفاوتا فيهما بأن كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان ، فإن كان عمل صاحب الأكثر أكثر بأن كان عمله يساوي مائتين وعمل الآخَر مائة ، فثلثا عمله في ماله ، وثلثه في مال صاحبه ، وعمل صاحبه على العكس ، فيكون لصاحب الأكثر ثلث المائتين على صاحب الأقلّ ، ولصاحب الأقلّ ثلثا المائة على صاحب الأكثر ، وقدرهما واحد ، فيقع في التقاصّ.

وإن كان عمل صاحب الأقلّ أكثر والتفاوت كما صوّرناه ، فثلث عمل صاحب الأقلّ في ماله ، وثلثاه في مال شريكه ، وثلثا عمل صاحب الأكثر في ماله ، وثلثه في مال شريكه ، فلصاحب الأقلّ ثلثا المائتين على صاحب الأكثر ، وهُما : مائة وثلاثة وثلاثون وثلث ، ولصاحب الأكثر ثلث المائة على صاحب الأقلّ ، وهو : ثلاثة وثلاثون وثلث ، فيبقى بعد التقاصّ لصاحب الأقلّ مائة على الآخَر(١) .

وللشافعيّة قولٌ آخَر : إنّ الشركة تفسد بهذا الشرط ، فتبطل التصرّفات(٢) .

والأكثر جزموا بنفوذ التصرّفات ، ويوزّع الربح على المالين ، وتجب الأُجرة في الجملة.

ومعنى الفساد أنّ كلّ واحدٍ منهما يرجع على صاحبه بأُجرة عمله في ماله ، ولو صحّ عقد الشركة لم يرجع ؛ لأنّه لا يثبت استحقاق الأُجرة(٣) .

وهذا لا يتأتّى على مذهبنا حيث اخترنا صحّة هذا الشرط. ومعنى هذا الفساد المذكور عند تغيّر نسبة الربح جارٍ في سائر أسباب فساد الشركة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٦ - ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٦ - ٥١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

٣٥٧

ولو لم يكن بين المالين شيوع ولا خلط ، فلا شركة على التحقيق ، وثمن كلّ واحدٍ من المالين يختصّ بمالكه ، ولا يقع مشتركاً.

مسألة ١٧٥ : لو تفاوتا في المال ولم يشترطا التساوي ولا التفاوت والتوزيع على قدر المالين‌ ، بل أطلقا ، فإنّ الربح يكون على نسبة المالين ، وتكون زيادة العمل تبرّعاً من صاحبه.

ويحتمل أن تثبت للزيادة أُجرة المثل ، كما لو استعمل صانعاً ولم يذكر له أُجرةً.

ولو شُرط(١) زيادة الربح لمن ازداد عمله ، ففي اشتراط استبداده باليد للشافعيّة وجهان(٢) .

وكذا لو شرطا انفراد أحدهما بالعمل في وجهٍ لهم ، كشرطه في القراض(٣) .

وفي وجهٍ : لا [ جرياً ](٤) على قضيّة الشركة(٥) .

والخلاف في جواز اشتراط زيادة الربح لمن زاد عمله [ جارٍ ](٦) فيما إذا اشترطا انفراد أحدهما بالتصرّف وجعلا له زيادة ربحٍ(٧) .

وفي وجهٍ لهم : يجوز هنا ، ولا يجوز فيما إذا اشتركا في أصل العمل ؛ لأنّه لا يدري أنّ الربح بأيّ عملٍ حصل فيحال به على المال؟(٨) .

____________________

(١) الظاهر : « شرطا ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٤ و ٦) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٧ - ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٨) الوسيط ٣ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٨

مسألة ١٧٦ : كلّ واحدٍ من الشريكين أمين يده يد أمانةٍ على ما تحت يده‌ - كالمستودع والوكيل - يُقبل قوله في الخسران والتلف مع اليمين ، كالمستودع إذا ادّعى التلف ، سواء أسند التلف إلى سببٍ ظاهرٍ أو خفيّ.

وقال الشافعي : إذا أسند التلف هو أو المستودع إلى سببٍ ظاهر ، طُولب بالبيّنة عليه ، فإذا أقامها صُدّق في الهلاك(١) .

وإذا ادّعى أحد الشريكين خيانةً على الآخَر ، لم تُسمع الدعوى حتى يحرّرها بأن يعيّن القدر الذي ادّعاه من الخيانة على إشكالٍ ، فإذا بيّن القدر سُمعت ، وكان عليه البيّنة ، فإن فُقدت كان له إحلاف الشريك.

ولو ادّعى ردَّ المال إلى الشريك ، قُبِل قوله مع اليمين ، كالمستودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعندي فيه نظر.

مسألة ١٧٧ : لو كان في يد أحد الشريكين مالٌ واختلفا فيه‌ ، فقال المكتسب : إنّه لي خاصّةً ، وقال الآخَر : بل هو من مال الشركة ، فالقول قول المتشبّث مع اليمين ؛ قضاءً لليد.

وكذا لو انعكس الفرض ، فقال المتشبّث : إنّه من مال الشركة ، وقال الآخَر : بل هو لي خاصّةً ، قُدّم قول المتشبّث مع اليمين.

ولو قال الآخَر : بل هو لك ، كان في النصف حكمه حكم مَنْ أقرّ لغيره بعينٍ في يده وأنكر الـمُقرّ له.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٦٩ ، البيان ٦ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٨.

٣٥٩

ولو اشترى أحد الشريكين شيئاً ثمّ اختلفا ، فقال المشتري : إنّما اشتريتُه لنفسي ، وقال الآخَر : بل للشركة ، قُدّم قول المباشر للعقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الربح.

ولو قال المباشر : إنّما اشتريتُه للشركة ، وقال الآخَر : بل اشتريتَه لنفسك ، فالقول قول مباشر العقد ؛ لأنّه أبصر بنيّته ، وهذا الاختلاف يقع عند ظهور الخسران.

ولو قال صاحب اليد : اقتسمنا مالَ الشركة وهذا قد خلص لي ، وقال الآخَر : لم نقتسم بَعْدُ وهو مشترك ، فالقول قول الثاني ؛ لأصالة بقاء الشركة وعدم القسمة ، فعلى مدّعيها البيّنة.

ولو كان في أيديهما أو في يد أحدهما مالٌ وقال كلّ واحدٍ منهما : هذا نصيبي من مال الشركة وأنت أخذتَ نصيبك ، حلف كلٌّ منهما لصاحبه ، وجُعل المال بينهما ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، قضي للحالف.

مسألة ١٧٨ : لو كان بينهما عبد مشترك فباعه أحدهما بإذن الثاني وأذن له في قبض الثمن‌ ، ثمّ اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فادّعى الآذن على البائع قبض الثمن بأسره وطالَبه بدفع نصيبه إليه ، وصدّقه المشتري على أنّ البائع قبض ، وأنكر البائع القبضَ ، برئ المشتري من نصيب الآذن في البيع ؛ لاعترافه بأنّ البائع - الذي هو وكيله بالقبض - قد قبض.

ثمّ هنا خصومتان ، إحداهما : بين البائع والمشتري ، والثانية : بين الشريكين.

فإن تقدّمت الأُولى على الثانية ، فطالَب البائع المشتري بنصيبه من الثمن ، وادّعى المشتري أنّه أدّاه ، نُظر فإن قامت للمشتري بيّنة على الأداء ،

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392