تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء10%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118814 / تحميل: 5576
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله - وهو البائع - قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم(١) .

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟(٢) .

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

____________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦١

فإذا انفصلت(١) [ خصومة ](٢) البائع و(٣) المشتري فلو جاء الشريك الآذن وطالَب البائعَ بحقّه ؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن ، فعليه البيّنة ، ويُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما ، فإن نكل البائع حلف الآذن وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع البائع به على المشتري ؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل ، ولا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنّها خصومة أُخرى مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري وتبعتها خصومة الشريكين ، وأمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعى الذي لم يبع قبضَ الثمن على البائع وطالَبه بحقّه وأنكر البائع ، قُدّم قوله مع اليمين ، وكان على الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن ، ولا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة ؛ لأنّه يدفع عن نفسه ، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع على أنّه ما قبض ، فإن نكل حلف الآذن على أنّه قبض ، وأخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين ، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه ، وادّعى المشتري الأداءَ ، فعليه البيّنة ، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع ، وقبض حقّه ، فإن نكل حلف المشتري وبرئ ، ولا يمنع البائعَ من أن يحلف ويطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولى مع شريكه.

وللشافعيّة وجهٌ : إنّه يمنع ؛ بناءً على أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة على قبضه جميعَ الثمن ،

____________________

(١) في « خ » : « انقضت » بدل « انفصلت ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حكومة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « مع » بدل « و».

٣٦٢

وإن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن ، وعلى التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(١) .

وضعّفه باقي الشافعيّة ؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لا غير ، ومعلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف على أنّه قبض نصيبه ، فإنّه الذي يطالب به ، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(٢) .

وعلى ضعفه فقد قال الجويني : [ القياس ](٣) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري اليمينَ المردودة حتى يقال : تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(٤) .

مسألة ١٧٩ : لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ ، ثمّ اختلف الشريكان‌ ، فادّعى البائع على الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري ، فأنكر الآذن القبضَ ، وصدّق المشتري المدّعي ، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع ، برئ المشتري من حصّة البائع ؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض ، فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلّم إليه المأخوذ.

وإن تخاصم البائع والذي لم يبع ، حلف الذي لم يبع ، فإن نكل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٣

حلف البائع ، وأخذ منه نصيبه ، ولا رجوع له على المشتري.

ولو شهد البائع للمشتري على القبض ، لم تُقبل ؛ لأنّه يشهد لنفسه على الذي لم يبع.

وإن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع ، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شي‌ءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع : فلأنّه منكر للقبض ، والقول قوله في إنكاره مع اليمين.

وأمّا عن حقّ المباشر للبيع : فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً ، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن ، ولا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع ؛ لأنّه لـمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فعلى المشتري البيّنة على القبض ، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف ، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان :

قال المزني منهم : إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ ، وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأنّ الصفقة واحدة ، وكلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما ، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(١) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب =

٣٦٤

و [ يفارق ](١) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري ؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه ، فلا يشاركه فيما ظلم به(٢) .

وقال آخَرون منهم ابن سريج : ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره : إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه ، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(٣) .

وقال آخَرون : إنّه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً على أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، بل إذا انفرد بأخذ شي‌ءٍ شاركه الآخَر فيه ، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه ، ولو فَعَل شاركه الآخَرون فيه ، وكذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً ، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

والثاني : نعم ، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد ، بخلاف الميراث والكتابة ، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي ؛ إذ لا ينفرد‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقارب ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٤٤ ، الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٥

بعض الورثة ببعض أعيان التركة ، ولا تجوز كتابة البعض من العبد ، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(١) .

ولو شهد البائع للمشتري على أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن ، فعلى قول المزني لا تُقبل شهادته ؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(٢) ، وعلى قول ابن سريج تُقبل(٣) .

وإن لم يكن البائع مأذوناً في القبض ، قال بعض الشافعيّة : للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا ، وما يأخذه يسلم له ، وتُقبل هنا شهادة البائع للمشتري على الذي لم يبع(٤) .

وقال آخَرون : ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه ، ويُخرَّج قبول الشهادة على الخلاف(٥) .

مسألة ١٨٠ : لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته‌ ، فأزال يده ولم يُزل يدَ صاحبه الآخَر ، بل استولى على العبد ومَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر ، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ، ولا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه ، إلّا من الغاصب ، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

ولو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد ، صحّ في نصيب المالك ، ووقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ ، وإلّا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٦

وقالت الشافعيّة : يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه ، ويبطل في الآخَر ، ولا يُخرَّج على الخلاف في تفريق الصفقة عندهم ؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(١) .

ومنهم مَنْ قال : يبنى القول في نصيب المالك على أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلى نصيبه أو يشيع؟ وجهان ، فإن قلنا : ينصرف إلى نصيبه ، صحّ بيع المالك في نصيبه ، وإن قلنا بالشيوع ، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد ، وفي ربعه قولان.

ولا يُنظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً وأطلقا ، ولا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد ؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(٢) .

مسألة ١٨١ : قد بيّنّا(٣) أنّ شركة الأبدان باطلة ، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما وتقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر : أنا أتقبّل العمل وأنت تعمل والأُجرة بيننا بالسويّة أو على نسبة أُخرى ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال زفر(٤) - ولا يستحقّ العامل المسمّى ، بل له أُجرة المثل.

وقال أحمد : تصحّ الشركة ؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان ، وتقبّل العمل يوجب الضمان على المتقبّل ، ويستحقّ به الربح ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

(٤) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

٣٦٧

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة ، والعمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة ، فينزَّل منزلة المضاربة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٨٢ : الربح في شركة الأبدان على نسبة العملين ، لا على الشرط الذي شرطاه‌ ، عند علمائنا ؛ لأنّ الشركة باطلة على ما تقدّم(٢) بيانه.

وقال أحمد : إنّها صحيحة ، والشركة على ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ ، ولكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة ، وللمستأجر دفعها إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإلى أيّهما دفع برئ منها ، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً ؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة ، وما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما ، ويلزمه عمله ؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا على الضمان ، ولا شي‌ء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان ، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

ولو أقرّ أحدهما بما في يده ، قُبِل عليه وعلى شريكه ؛ لأنّ اليد له ، فيُقبل إقراره بما فيها ، ولا يُقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدَيْنٍ عليه(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل.

ولو عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا ، وإن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

وقال أحمد : إذا عمل أحدهما خاصّةً ، كان الكسب بينهما على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ و ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٢) في ص ٣١٢ - ٣١٣ ، المسألة ١٤٢.

(٣) المغني ٥ : ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٨.

٣٦٨

ما شرطاه ، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره ، ولو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل ، فله ذلك ، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(١) .

وهو باطل عندنا على ما سلف(٢) .

ولو كان لقصّارٍ أداةٌ ولآخَر بيتٌ ، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما ، جاز ، والأجر بينهما على ما شرطاه ، عند أحمد ؛ لأنّ الشركة وقعت على عملهما ، والعمل يستحقّ به الربح في الشركة ، والآلة والبيت لا يستحقّ بهما شي‌ء(٣) .

وعندنا أنّ هذه الشركة باطلة ، وقد سلف(٤) .

مسألة ١٨٣ : إذا كانت الشركة باطلةً ، قسّما الربح على قدر رؤوس أموالهما‌ ، ويرجع كلٌّ منهما على الآخَر بأجر عمله - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ المسمّى يسقط في العقد الفاسد ، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري ، والنماء فائدة مالهما ، فيكون تابعاً للأصل ، كالثمرة.

والرواية الأُخرى لأحمد : إنّهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ، ولا يستحقّ أحدهما على الآخَر أجر عمله ، وأجراها مجرى الصحيحة ؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة ، فيثبت المسمّى في فاسده ، كالنكاح(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٩.

(٢) في ص ٣٤٠ - ٣٤١ ، المسألة ١٦١.

(٣) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) في ص ٣٤٥ ، المسألة ١٦٥.

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٦ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٦ / ٧٢١ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

(٦) المغني ٥ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

٣٦٩

إذا عرفتَ هذا ، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً ، وكان ربحه معلوماً ، كان لكلٍّ ربحُ ماله ، ولا يشاركه الآخَر فيه.

ولو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً وباقيه مختلطاً ، كان له تمام ما تميّز(١) من ربح ماله ، وله بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة ١٨٤ : ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق ، ولا يعتق على مالٍ ولا غيره ، ولا يزوّج الرقيق‌ ؛ لأنّ الشركة منعقدة على التجارة ، وليست هذه الأنواع تجارةً ، لا سيّما تزويج العبد ؛ فإنّه محض ضررٍ.

وليس له أن يُقرض ولا يحابي ؛ لأنّه تبرّع.

وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربةً ؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً ، ويستحقّ غير المالك ربحه ، وليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

وليس له أن يمزج مال الشركة بماله ، ولا مال غيره ؛ لأنّه تعيّب في المال.

وليس له أن يستدين على مال الشركة ، فإن فَعَل فربحه له ، وعليه خسرانه.

وقال بعض العامّة : إذا استدان شيئاً ، لزم الشريكين معاً ، وربحه لهما وخسرانه عليهما ؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ ، فأشبه الصرف(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه ، فلم يجز ، كما لو ضمّ إلى مال الشركة شيئاً من ماله ، ويفارق الصرف ؛ لأنّه بيع وإبدال عينٍ بعينٍ ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يتميّز ».

(٢) المغني ٥ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٣.

٣٧٠

وليس له أن يُقرّ على مال الشركة ، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه ، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة ، والإقرار ليس منها.

ولو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل على موكّله بالعيب ، لم يُقبَل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري والحمّال وأشباه ذلك ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّه من توابع التجارة ، فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

ولو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ ، قَبِلها ، أو أعطى أرشها.

ولو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [ غريمهما ](٢) لزم في حقّه ، وبطل في حقّ شريكه ؛ لأنّ ذلك تبرّع ، والتبرّع يمضى في حصّته دون شريكه.

ولو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن ، جاز - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٣) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل ، فصحّ أن ينفرد به أحدهما ، كالإبراء.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) .

مسألة ١٨٥ : قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ ، ولا يتعدّى الشريك حدّ الوكالة ، فليس له أن يبيع نَسْأً.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيرهما ». والمثبت كما في المغني ٥ : ١٣١.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

٣٧١

وإذا اشترى بجنس ما عنده دَفَعه ، وإن اشترى بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس ويصرفه في الثمن ؛ لأنّا منعناه من الاستدانة ، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه ويدفع.

وليس له أن يودع إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه ليس من الشركة ، وفيه غرور ، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة ، فأشبه دفع المتاع إلى الحمّال ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : يجوز ؛ لأنّه عادة التجّار ، وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع(١) .

والعادة لا تقضي على الشرع ، والحاجة مسوّغة كما قلنا.

وليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه ، كالوكيل.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد : الجواز(٢) .

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز ، وكان لكلٍّ منهما عزله.

وليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

وعن أحمد روايتان(٣) .

وليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. والأقرب : إنّ له الإقالة ؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(٤) ، وهو يملك البيع ، أو فسخٌ عندنا ، وهو يملك الفسخ ، ويردّ بالعيب ، كلّ ذلك مع المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والسفر والإيداع والبيع نسيئةً والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك ؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في‌

____________________

(١ - ٣) المغني ٥ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٢.

(٤) راجع ج ١٢ - من هذا الكتاب - ص ١١٧ ، الهامش (٣)

٣٧٢

التصرّف الذي تقتضيه الشركة ، فجاز له كلّ ما هو من التجارة ، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة والحطيطة لغير فائدةٍ والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه ؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة ، وليس ذلك منها.

ولو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً ، فربحه له دون صاحبه ؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله ، وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة ١٨٦ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها والرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة‌ ؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله ، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره وتمييزه عنه ، وليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا على البيع ، ولا يصحّ التأجيل في الشركة.

ولو كان بعض المال في أيديهما والآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما والغائب عنهما ، صحّت في المقبوض ، دون الغائب [ عن ](١) الناس ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله!؟ »(٢) .

وسأل [ عبد الله بن سنان ](٣) الصادقَعليه‌السلام : عن رجلين بينهما مال منه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٨١٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « معاوية بن عمّار » وهو في سند الحديث ٨٢٠ من التهذيب ٧ : ١٨٦ ، والمثبت من المصدر.

٣٧٣

دَيْنٌ ومنه عينٌ ، فاقتسما العين والدَّيْن فتوى(١) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه وخرج الذي للآخَر [ أيردّ ](٢) على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله!؟ »(٣) .

مسألة ١٨٧ : لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئاً ، فللآخَر مشاركته فيه - وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(٤) - لما تقدّم(٥) في المسألة السابقة في رواية [ عبد الله بن سنان ](٦) عن الصادق(٧) .

ولأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ لهما والباقي بينهما.

ولغير القابض الرجوعُ على القابض بنصفه ، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما على وجهٍ سواء ، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلى الآخَر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ءٍ ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

وليس للقابض منعه من [ الرجوع على ](٧) الغريم بأن يقول : أنا‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يراد ». والمثبت من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١.

(٤) المغني ٥ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨١.

(٥) آنفاً.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معاوية بن عمّار ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣٧٤

أُعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله.

وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعيّن حقّه فيه ، ولم يضمنه للشريك ؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّى بالقبض ، وإنّما كان لشريكه مشاركته ؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

ولو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه ، برئ منه ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

ولو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع ، سقط من حقّه ، وبسط ما يقبضانه من الغريم على النسبة ، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً ، قسّماه على قدر حقّهما في الباقي ، للمُبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه.

وإن قبض(١) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه ، نفذت البراءة في خُمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ، للمُبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخَر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا.

ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً ، قال بعض العامّة : كان للآخَر إبطال الشراء ، فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل البيع ، لم يلزمه(٢) ذلك(٣) .

وإن أجاز البيع ليملك [ نصف ] الثوب جاز ، ويبنى على بيع الفضولي

____________________

(١) الظاهر : « قبضا ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ». والمثبت من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

٣٧٥

هل يقف على الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم ، وبين العامّة خلاف(١) .

ولو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز ، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولى ، فإن قبض الشريك بعد ذلك [ شيئاً ] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم ، وإن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، فوجوده كعدمه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ ما يقبضه أحدهما له ، دون صاحبه ؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلى العين إلّا بتسليمه إلى غريمه أو وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حقٌّ ، وكان لقابضه(٢) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين ، ولأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة ، وإنّما يتعيّن حقّه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق ، ولأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدَّيْن بسببين ، وإن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته ؛ لأنّ(٣) حقّه في الذمّة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختصّ به ، دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه ، فإن اشترى بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء ، وإن قبض أكثر‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له قبضه » بدل « لقابضه ». والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولأنّ ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو ، كما في المصدر.

٣٧٦

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد على حقّه(١) .

والمشهور ما قلناه أوّلاً.

ولا تصحّ قسمة ما في الذمم ؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل ، والقسمة تقتضي التعديل ، والقسمة من غير تعديلٍ بيعٌ ، ولا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو تقاسما ثمّ تَوى(٢) بعض المال ، رجع مَنْ تَوى ماله على مَنْ لم يَتْو ، وبه قال ابن سيرين والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الأُخرى : يجوز ذلك ؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة ، كما لو اختلفت الأعيان ، وبه قال الحسن وإسحاق(٣) .

وهذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة ، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة ؛ لأنّ معنى القسمة إفراز الحقّ ، ولا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة ١٨٨ : قد بيّنّا أنّه إذا تساوى المالان تساوى الشريكان في الربح‌ ، وإن تفاوت المالان تفاوتا في الربح على النسبة ، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا ، وصحّت الشركة ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، خلافاً للشافعي(٥) .

فلو كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط على نفسه العمل فيهما أيضاً ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : تفسد الشركة ، ويكون الربح على قدر المالين ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢ - ١٨٣.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٨ / ٥٠ ، المغني ٥ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٣.

(٥) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٧٧

ويجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة ؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(٢) .

والمعتمد عندنا : إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت ، يجب أن يثبت عوض المثل ، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

وما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً ؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً ، وفي مسألتنا بخلافه.

ولو شرط صاحب الألفين العمل على صاحب الألف خاصّةً ، صحّت الشركة ، وكانت شركةً وقراضاً عند الشافعي ، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله ، والباقي - وهو ثلثا الربح - بينهما ، لصاحب المال ثلاثة أرباعه ، وللعامل ربعه ، وذلك لأنّه جعل النصف له ، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان ، وسهم هو ما يستحقّه بعمله على مال شريكه [ و ](٣) حصّة مال شريكه أربعة أسهم ، للعامل سهم ، وهو الربع(٤) .

وعندنا أنّه يكون شركةً صحيحة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٩٦ و ٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٣٢ - ١٣٣ ، البيان ٦ : ٣٣٤ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧.

٣٧٨

ويكون الربح بينهما نصفين ، فإنّ هذا ليس بشركةٍ ولا قراض ؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والقراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله ، وهنا لم يشرط له ، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين على قدر المالين ، وكان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه وتبرّعاً ؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة ١٨٩ : لو اشتريا عبداً وقبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ والآخَر الردَّ ، لم يجز‌ ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الشافعي : يجوز(٢) .

وقد سلف(٣) ذلك في كتاب البيوع(٤) .

إذا تقرّر هذا ، فإذا اشترى أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً ، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

وإن أراد أحدهما الردَّ والآخَر الإمساك ، فإن كان قد أطلق الشراء ولم يذكر أنّه يشتريه له ولشريكه لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه ، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

وإن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له ولشريكه ، لم يكن لأحدهما الردّ وللآخَر الأرش على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : ليس له الردّ ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً ، فلا يبعّض‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٣)

(٢) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٤)

(٣) في ج ١١ ، ص ١٧٢ ، المسألة ٣٤٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « البيع ».

٣٧٩

عليه.

والثاني : له الردّ ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين ، كان بمنزلة أن يوجب لهما ، ولو أوجب لهما كان في حكم العقدين ، كذا هنا(١) .

وإذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة وأطلق البيع ثمّ ادّعى بعد ذلك أنّه باع ماله ومال شريكه بغير إذنه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله ، فإن ادّعى ذلك شريكه ، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه ، فإذا قامت البيّنة به وادّعى المشتري أنّه أذن للبائع في البيع ، كان القولُ قولَه : إنّه لم يأذن ، مع يمينه ، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده ، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة ومتعدّدة‌ ، اتّفقت قيمتهما أو اختلفت ، عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : يصحّ مطلقاً ؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ البيع فاسد ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً ؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد ، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ ؛ لوحدة العقد(٣) .

وهو غلط ؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء ، وهُما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٧ ، البيان ٦ : ٣٤٢.

(٢) راجع بحر المذهب ٨ : ١٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392