تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118735 / تحميل: 5574
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فالذي أخذ الورثة لهم ، وما بقي فهو للميّت يستوفيه منه في الآخرة ، وإن هو لم يصالحهم على شي‌ءٍ حتى مات ولم يقض عنه ، فهو للميّت يأخذه به »(١) .

وكذا لو ادّعى كاذباً على غيره فصالحه الغير ، لم يستبح الكاذب بذلك الصلح مال الصلح إلّا مع الرضا الباطن.

مسألة ١٠٤٩ : يصحّ الصلح على الأعيان بمثلها وبالمنافع وبأبعاض الأعيان‌ ، وعلى المنافع بمثلها وأبعاضها ، ولا يشترط ما يشترط في البيع ، فلو صالحه عن الدنانير بدراهم أو بالعكس صحّ ، ولم يكن صَرفاً.

ولو صالَح على عينٍ بأُخرى من الربويّات ، ففي إلحاقه بالبيع نظر.

وكذا في الدَّيْن بمثله ، فإن ألحقناه فسد لو صالَح من ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة.

ولو صالَح من ألفٍ حالّ بخمسمائة مؤجَّلة ، ففي كونه إبراءً إشكال ، ويلزم الأجل.

ولو ظهر استحقاق أحد العوضين ، بطل الصلح ؛ لوقوع التراضي على تلك العين.

ولو صالَح على ثوبٍ أتلفه بدرهمٍ على درهمين ، صحّ الصلح ، وقد سبق(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٠.

(٢) في ص ٣٧ ، المسألة ١٠٤٥.

٤١

الفصل الثالث : في تزاحم الحقوق‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الطرق.

مسألة ١٠٥٠ : الطرق نوعان : نافذة وغير نافذة.

الأوّل : النافذة‌ ، والناس كلّهم في السلوك فيها شرعٌ سواء مستحقّون للممرّ فيها(١) ، وليس لأحدٍ أن يتصرّف فيها(٢) بما يبطل المرور فيها(٣) أو ينقصه أو يضرّ بالمارّة من بناء حائطٍ فيها(٤) أو دكّة أو وضع جناح أو ساباط(٥) على جداره إذا أضرّ بالمارّة إجماعاً.

ولو لم يضرّ بالمارّة بأن كان عالياً لا يظلم به الدرب ، جاز وضع الجناح والساباط من غير منعٍ عند بعض علمائنا(٦) - وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد(٧) - لأنّه ارتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه ، فكان جائزاً ، وليس لأحدٍ منعه ، كالاستظلال بحائط الغير والاستطراق في الدرب.

____________________

(١ - ٤) بدل كلمة « فيها » في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه ». والمثبت يقتضيه السياق.

(٥) الساباط : سقيفة بين دارين من تحتها طريق نافذ. العين ٧ : ٢١٨ « سبط ».

(٦) كالمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٢٣.

(٧) المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨ ، الأُم ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١ - ١٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ١٤٤.

٤٢

ولأنّ الناس اتّفقوا على إشراع الأجنحة والساباطات في الطرق النافذة والشوارع المسلوكة في جميع الأعصار وفي سائر البقاع من غير إنكارٍ ، فكان سائغاً.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب بيده ميزاباً في دار العبّاس(١) ، والجناح مثله ؛ لاشتراكهما في المنفعة الخالية عن الضرر.

وقال الشيخرحمه‌الله وأبو حنيفة : لا عبرة بالضرر وعدمه ، بل إن عارضه فيه رجل من المسلمين ، نزع ، ووجب قلعه وإن لم يكن مضرّاً به ولا بغيره ، وإلّا تُرك ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان له مطالبته بقلعه ، كما لو بنى دكّةً في المسلوك ، أو وضع الجناح في سلك غيره(٢) .

والقياس ممنوع ؛ فإنّ الضرر يحصل مع بناء الدكّة ، بخلاف الجناح والساباط والروشن(٣) ؛ لأنّ الأعمى يتعثّر بها ، وكذا في الليل المظلم يحصل تعثّر البصير بها ، ويضيق الطريق بها ، بخلاف الشارع. وملك الغير لا يجوز الممرّ فيه إلّا بإذنه ، بخلاف الطرق ، فافترقا.

فروع :

أ - شرط أحمد في جواز إشراع الجناح إذنَ الإمام فيه‌ ، فإن أذن فيه جاز ، وإلّا فلا(٤) .

وهو ممنوع ؛ لاتّفاق الناس على عمله.

____________________

(١) الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٤ : ٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٦ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٦ ، المستدرك - للحاكم - ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٩١ ، الخلاف ٣ : ٢٩٤ ، المسألة ٢ من كتاب الصلح ، المبسوط - للسرخسي - ٢ : ١٤٤ ، المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢ ، البيان ٦ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦.

(٣) الروشن : الرفّ والكوّة. لسان العرب ١٣ : ١٨١ « رشن ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦.

٤٣

ب - الضابط في التضرّر وعدمه العرفُ ، ويختلف بحال الطرق.

فإن كان ضيّقاً لا يمرّ فيه الفُرْسان والقوافل ، وجب رفعه بحيث يمرّ المارّ تحته منتصباً ، والمحمل مع الكنيسة المنصوبة على رأسه على البعير ؛ لأنّه يتّفق ذلك وإن كان نادراً ، ولا تشترط الزيادة عليه.

وقال بعض الشافعيّة : يجب أن يكون بحيث يمرّ الراكب تحته منصوبَ الرمح(١) .

وإن كان متّسعاً تمرّ فيه الجيوش والأحمال ، وجب أن لا يضرّ بالعماريّات والكنائس ، وأن يتمكّن الفارس من الممرّ تحته ورمحه منتصب لا يبلغه ؛ لأنّه قد يزدحم الفُرْسان فيحتاج إلى أن ينصب الرماح.

وقال بعض الشافعيّة : لا يقدّر بذلك ؛ لأنّه يمكنه وضع الرمح على عنقه بحيث لا ينال رمحه أحداً(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ ذلك قد يعسر.

ج - إذا وضع الجناح أو الروشن أو الساباط في الدرب المسلوك على وجهٍ يضرّ بالمارّة ، تجب عليه إزالته‌ ، وعلى السلطان إلزامه بذلك.

ولو صالحه الإمام على وضعه - أو بعض الرعيّة - على شي‌ءٍ ، لم يجز ؛ لأنّ ذلك بيع الهواء منفرداً ، وهو باطل ، والهواء لا يفرد بالعقد ، بل يتبع الدار ، كالحمل مع الأُم.

ولأنّه إن كان مضرّاً لم يجز أخذ العوض عنه ، كبناء الدكّة في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، الوسيط ٤ : ٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

٤٤

الطريق ، وإن لم يكن مضرّاً كان جائزاً ، وما يجوز للإنسان فعله في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض عنه كالسلوك ، وأحدٌ من الرعيّة ليس هو المستحقّ ولا نائبَ المستحقّين.

د - لو أظلم الطريق بوضع الجناح أو الروشن أو الساباط ، فإن أذهب الضياء بالكلّيّة مُنع إجماعاً‌ ؛ لأنّه يمنع السلوك فيه.

وإن لم يُذهب الضياء(١) جملةً بل بعضه ، فالوجه : المنع إن تضرّر به المارّة ، وإلّا فلا.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع مطلقاً.

والثاني : الجواز مطلقاً(٢) .

مسألة ١٠٥١ : لو أخرج روشناً في شارعٍ أو دربٍ نافذ ، لم يكن لمقابله الاعتراضُ عليه‌ ، ولا منعه منه ، سواء استوعب عرض الدرب أو لا إذا لم يحصل ضرر لأحدٍ به.

وليس له وضع أطراف خشبه على حائط جاره وإن لم يتضرّر به الجار.

ولو أخرج روشنه إلى بعض الدرب ، كان لمحاذيه إخراج روشنٍ فيما بقي من الهواء ، وليس لصاحب الروشن الأوّل منعه ما لم يضع على خشبه شيئاً.

وإن أراد محاذيه بأن يُخرج روشناً تحت روشن محاذيه ، جاز ذلك.

وإن أراد أن يُخرج روشناً فوق روشن محاذيه ، جاز إذا لم يتضرّر به‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « الضوء ».

(٢) البيان ٦ : ٢٣٣ ، وانظر العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٤٠.

٤٥

بأن يكون عالياً لا يضرّ بالمارّ في الروشن السفلاني.

ولو أظلم الدرب بوضع الروشن الثاني ، أُزيل خاصّةً دون الأوّل ؛ لأنّ الضرر إنّما حصل بالثاني وإن كان لو لا الأوّل لم يحصل.

مسألة ١٠٥٢ : إذا أخرج جناحاً أو روشناً في الشارع النافذ ، فقد بيّنّا أنّه ليس لأحدٍ منعه مع عدم التضرّر به‌ ، فلو تضرّر جاره بالإشراف عليه ، فالأقرب : إنّ له المنعَ ؛ لأنّه قد حصل به الضرر ، بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه أو ما له محلّ على جاره ، فإنّه لا يُمنع وإن حصل معه الإشراف ؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه كيف شاء ، بخلاف الروشن الموضوع على شرط عدم تضرّر الغير به ، فإذا فرض تضرّر شخصٍ ما به ، لم يجز وضعه ، ويُمنع في الملك من الإشراف على الجار ، لا من التعلية المقتضية لإمكانه.

ولسْتُ أعرف في هذه المسألة بالخصوصيّة نصّاً من الخاصّة ولا من العامّة ، وإنّما صِرتُ إلى ما قلتُ عن اجتهادٍ ، ولعلّ غيري يقف عليه أو يجتهد فيؤدّيه اجتهاده إلى خلاف ذلك.

مسألة ١٠٥٣ : لو وضع جناحاً لا ضرر فيه أو روشناً كذلك فانهدم‌ أو هدمه المالك أو جاره قهراً وتعدّياً ثمّ وضع الجار روشناً أو جناحاً في محاذاته ومدّه إلى مكان روشن الأوّل ، جاز ، وصار أحقَّ به ؛ لأنّ الأوّل كان يستحقّ ذلك بسبقه إليه ، فإذا زال وسبقه الثاني إلى مكانه ، كان أولى ، كرجلٍ جلس في مكانٍ مباح - كمسجدٍ أو دربٍ نافذ - ثمّ قام عنه أو أُقيم ، فإنّه يزول حقّه من الجلوس ، ويكون لغيره الجلوسُ في مكانه ، وليس للأوّل إزعاجه وإن أُزعج الأوّل ، فكذا هنا.

ومَنَع منه بعض الشافعيّة ؛ لأنّ الجالس في الطريق المسلوك الواسع إذا ارتفق بالقعود لمعاملة الناس لا يبطل حقّه بمجرّد الزوال عن ذلك‌

٤٦

الموضع ، وإنّما يبطل بالسفر والإعراض عن الحرفة على ما يأتي ، فقياسه أن لا يبطل بمجرّد الانهدام والهدم ، بل يعتبر إعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن إعادته(١) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل ، ونمنع أولويّته على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ١٠٥٤ : لا يجوز لأحدٍ بناء دكّةٍ ولا غرس شجرةٍ في الطريق المسلوك إن ضيّق الطريق وضرّ بالمارّة إجماعاً‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار(٢) »(٣) .

وإن كان متّسعاً لا يضرّ بالمارّة وَضْعُه ، فالأولى المنع أيضاً ، إلّا فيما زاد على حدّ الطريق النافذ ؛ لأنّ ذلك يوجب اختصاصاً له فيما هو مشترك وشرعٌ بين الناس ، ولأنّ المكان المشغول بالبناء والشجر لا يتأتّى فيه السلوك والاستطراق ، وقد يزدحم المارّة ويعسر عليهم السلوك فيه ، فيتعثّرون بها ، ولأنّه ربما طالت المدّة ، فأشبه مكان البناء والغراس بالأملاك ، فانقطع أثر استحقاق السلوك فيه ، بخلاف الأجنحة والرواشن ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يجوز ذلك ، كوضع الجناح أو الروشن اللَّذَيْن لا يضرّان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ - ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٠.

(٢) في « ج ، ر » : « إضرار ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، و ٢٩٢ - ٢٩٤ / ٢ و ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، و ١٤٧ / ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٦٥١ ، و ١٦٤ / ٧٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٧ / ٢٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٩ و ٧٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧ - ٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

٤٧

بالمارّة(١) .

وقد عرفت الفرق.

مسألة ١٠٥٥ : حدّ الطريق المتّخذ في الأرض المباحة إذا تشاحّ أهله في وضعه وسعته وضيقه سبعُ أذرع‌ ؛ لأنّ ذلك قدر ما تدعو الحاجة إليه ، ولا يزيد عليه ؛ لما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام قال : « والطريق إذا تشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع »(٢) ومثله روى السكوني عن الصادقعليه‌السلام (٣) ، والخبران موثّقان.

إذا تقرّر هذا ، فهذا الحدّ حدٌّ مع تشاحّ أهل ذلك الدرب ، المتقابلة دُورهم فيه ، ولا عبرة بغيرهم.

ولو اتّفقوا على وضع أضيق منه في الابتداء جاز ، ولم يكن لأحدٍ الاعتراضُ وطلبُ التوسعة فيه.

وإذا وضعوه على حدّ السبع ، لم يكن لهم بعد ذلك تضييقه.

ولو وضعوه أوسع من السبع ، فالأقرب : إنّ لهم ولغيرهم الاختصاصَ ببعضه إلى حيث يبلغ هذا الحدّ ، فلا يجوز بعد ذلك النقصُ عنه.

مسألة ١٠٥٦ : الشوارع لا يجري عليها ملك أحدٍ ، ولا يختصّ بها شخص من الأشخاص‌ ، بل هي بين الناس كافّةً شرعٌ سواء بلا خلافٍ.

ولا فرق في ذلك بين الجوادّ الممتدّة في الصحاري والبلاد.

وإنّما يصير الموضع شارعاً بأُمور : أن يجعل الإنسان ملكه شارعاً وسبيلاً مسبَّلاً ، ويسلك فيه شخصٌ ما ، أو يُحيي جماعةٌ أرضَ قريةٍ أو بلدةٍ‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٣.

٤٨

ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ، ويفتحوا إليه الأبواب ، أو يصير موضع من الموات جادّةً يسلكه الناس ، فلا يجوز تغييره ، وكلّ مواتٍ يجوز استطراقه ، لكن لا يُمنع أحد من إحيائه وصرف الممرّ عليه ، فليس له حكم الشوارع.

الثاني : الطرق التي لا تنفذ‌ ، كالسكّة المسدودة المنتهية إلى ملك الغير ، ولا منفذ لها إلى المباح ، وتلك مِلْكٌ لأرباب الأبواب فيها.

وهذه الطرق لا يجوز لأحدٍ إشراع جناحٍ فيها ولا روشن ولا ساباط ، إلّا بإذن أرباب الدرب بأسرهم ، سواء كانوا من أهل الدرب أو من غيرهم ، وسواء أضرّ بالباقين أو لا ؛ لأنّ أربابه محصورون ومُلاّكه معدودون ، فإذا تخصّص به أحد منع الباقين منه ، فلم يجز ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يجوز لغير أهل السكّة مطلقاً ، وأمّا أهل السكّة فيجوز لكلّ واحدٍ منهم إشراع الجناح والروشن وغيرهما إذا لم يضرّ بالمارّة ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهم الارتفاقَ بقرارها ، فليكن الارتفاق بهوائها كذلك ، كالشوارع(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ السكّة مخصوصة بهم ، فلا يتصرّف فيها أحد دون رضاهم ، كما أنّه لا يجوز إشراع الجناح إلى دار الغير بغير رضاه ، سواء تضرّر أو لا ؛ إذ لا اعتبار بالتضرّر مع إذن المتضرّر.

وبمثل ما قلناه قال أبو حنيفة(٢) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١٣ ، البيان ٦ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المغني ٥ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩.

٤٩

مسألة ١٠٥٧ : لو صالَح واضع الروشن أو الجناح أو الساباط أربابَ الدرب وأصحابَ السكّة على وضعه‌ ، جاز على الأظهر عندنا ، لكنّ الأولى اشتراط زمانٍ معيّن ؛ لأنّه حقٌّ ماليٌّ متعيّن المالك ، فجاز الصلح عليه وأخذ العوض عنه ، كما في القرار.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ بناءً منهم على أنّ الهواء تابع ، فلا يُفرد بالمال صلحاً ، كما لا يُفرد به بيعاً(١) .

ويُمنع مانعيّة التبعيّة من الانفراد بالصلح ، بخلاف البيع ؛ لأنّه يتناول الأعيان ، والصلح هنا وقع عن الوضع مدّةً.

وكذا الحكم في صلح مالك الدار عن الجناح المشرع إليها من الجواز عندنا ، والمنع عندهم(٢) .

مسألة ١٠٥٨ : نعني بأرباب الدرب المقطوع وأصحاب السكّة كلّ مَنْ له بابٌ نافذ إلى تلك السكّة‌ ، دون مَنْ يلاصق حدّ داره السكّة ويكون حائطه إليها من غير نفوذ بابٍ له فيها.

وهل يشترك جميعهم في جميع السكّة فيكون الاستحقاق في جميعها لجميعهم ، أم شركة كلّ واحدٍ تختصّ بما بين رأس السكّة وباب داره ، ولا تتخطّى عنه؟ المشهور عندنا : اختصاص كلّ واحدٍ بما بين رأس السكّة وباب داره ؛ لأنّ محلّ تردّده هو ذلك المكان خاصّةً ومروره فيه ، دون باقي السكّة ، فحكم ما عدا ذلك حكم غير أهل السكّة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، البيان ٦ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

٥٠

والثاني لهم : الأوّل ، وهو أنّ الاستحقاق في جميعها لجميعهم ؛ لأنّهم ربما احتاجوا إلى التردّد والارتفاق بجميع الصحن لطرح الأثقال ووضع الأحمال عند الإخراج والإدخال(١) .

وتظهر الفائدة - على أصحّ قولَي الشافعي - في منع إشراع الجناح إلّا برضاهم ، فعلى القول باشتراك الكلّ في الكلّ يجوز لكلّ واحدٍ من أهل السكّة المنع ، وعلى الثاني إنّما يجوز المنع لـمَن موضعُ الجناح بين بابه ورأس السكّة ، دون مَنْ بابه بين موضع الجناح ورأس السكّة(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فعلى المشهور عندنا : إنّ الأدخل ينفرد بما بين البابين ، ويتشاركان في الطرفين ، ولكلٍّ منهما الخروج ببابه مع سدّ الأوّل وعدمه ، فإن سدّه فله العود إليه مع الثاني ، وليس لأحدهما الدخول ببابه.

ويحتمله ؛ لأنّه قد كان له ذلك في ابتداء الوضع فيستصحب ، وله رفع جميع الحائط فالباب أولى.

مسألة ١٠٥٩ : قد بيّنّا أنّ الدرب المقطوع لأربابه المحصورين ، دون الشوارع المسلوكة‌ ، فلهُم التصرّف فيه كيف شاءوا ؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه بسائر أنواع التصرّفات ، ولهُم سدّ باب السكّة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

ومَنَع بعضهم من ذلك ؛ لأنّ أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرض لهم سبب من زحمةٍ وشبهها(٤) .

ولو امتنع بعضهم من سدّها ، لم يكن للباقين سدّها إجماعاً. ولو اتّفقوا على السدّ ، لم ينفرد بعضهم بالفتح. ولو اتّفقوا على قسمة صحن‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

٥١

السكّة بينهم ، جاز.

ولو أراد أهل رأس السكّة قسمة رأس السكّة بينهم ، مُنعوا ؛ لحقّ مَنْ يليهم.

أمّا لو أراد أهل الأسفل قسمة الأسفل ، فإن قلنا باختصاصهم به ، كان لهم ذلك. وإن قلنا باشتراك الجميع في الأسفل ، لم يكن لهم ذلك ، إلّا بإذن الباقين.

هذا كلّه - أعني سدّ الباب وقسمة الصحن - إنّما هو إذا لم يكن في السكّة مسجد ، فإن كان فيها مسجد قديم أو حديث ، فالمسلمون كلّهم يستحقّون الطروق إليه ، ولا يُمنعون منه.

وكذا لو جعل بعضهم داره رباطاً أو مسجداً أو مدرسةً أو مستراحاً ، لم يكن لأحدٍ منعه ، ولا منع مَنْ له الممرّ فيه ، وحينئذٍ لا يجوز لأحدٍ أن يشرع جناحاً ولا ساباطاً ولا روشناً عند التضرّر به وإن رضي أهل السكّة ؛ لحقّ سائر الناس.

مسألة ١٠٦٠ : قد بيّنّا أنّ الدرب إمّا نافذ وإمّا مقطوع.

أمّا النافذ : فلكلّ أحدٍ فتح بابٍ فيه ، سواء كان له ذلك بحقٍّ قديم أو لا.

وأمّا المقطوع : فليس لمن لا باب له فيه إحداث بابٍ إلّا برضا أهل السكّة بأسرهم ؛ لتضرّرهم إمّا بمرور الفاتح عليهم ، أو بمرورهم على الفاتح.

ولو فتح باباً للاستضاءة دون الاستطراق ، أو قال : أفتحه وأسمره بمسمارٍ لا ينفتح بابه معه ، فالأقرب : منعه من ذلك ؛ لأنّ الباب يشعر بثبوت حقّ الاستطراق ، فربما استدلّ به على الاستحقاق ، وهو أحد قولَي‌

٥٢

الشافعيّة(١) .

ويمكن أن يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رفع جميع الجدار لم يكن لأحدٍ منعه ، فلأن يُمكَّن من رفع بعضه [ كان ] أولى.

وأمّا مَنْ له بابٌ في تلك السكّة لو أراد أن يفتح غيره ، نُظر إن كان [ ما ] يريد به الفتح أقربَ من بابه إلى رأس السكّة ، كان له ذلك ؛ لأنّ له الاستطراقَ فيه وهو شريك ، فإذا فتح باباً كان ذلك بعضَ حقّه.

وإن كان [ ما ] يريد [ به ] الفتح أقربَ من بابه إلى صدر السكّة ، لم يكن له ذلك ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة. والثاني : له ذلك ؛ لأنّ له يداً في الدرب ، فكأنّ الجميع في أيديهما(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد أن يتقدّم ببابه إلى رأس السكّة ، فإن سدّ بابه الأوّل ، كان له ذلك قطعاً ؛ لأنّه ينقص حقّه.

وإن لم يسدّ بابه ، فكذلك عندنا.

وللشافعيّة فيه قولٌ بالمنع ؛ لأنّ الباب الثاني إذا انضمّ إلى الأوّل أورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدوابّ في السكّة فيتضرّرون به(٣) .

وإن أراد أن يتأخّر ببابه عن رأس السكّة ويقرب من صدرها ، فلصاحب الباب المفتوح بين رأس السكّة وداره المنعُ.

وهل لـمَن دارُه بين الباب ورأس السكّة المنعُ؟ وجهان بناءً على كيفيّة الشركة.

ولهم طريقة أُخرى جازمة بأنّه لا منع للّذين يقع الباب المفتوح بين‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٥١ ، البيان ٦ : ٢٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

٥٣

دارهم ورأس السكّة ؛ لأنّ الفاتح لا يمرّ عليهم(١) .

وتحويل الميزاب من موضعٍ إلى موضعٍ كفتح بابٍ وسدّ بابٍ.

فروع :

أ - لو كان لرجلين بابان في سدّةٍ أحدهما قريب من باب الزقاق ، وباب الآخَر في وسطه‌ ، فأراد كلّ واحدٍ منهما أن يقدّم بابه إلى أوّل الزقاق ، كان له ذلك ، على ما تقدّم ؛ لأنّ له استطراقَ ذلك ، فقد نقص من استطراقه. وإن أراد أن يؤخّر بابه إلى صدر الزقاق ، لم يكن له ذلك ، على ما سبق - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه يقدّم بابه إلى موضعٍ لا استطراق له فيه.

ب - لو كان لأحدهما بابٌ يلي باب الزقاق وللآخَر بابٌ في الصدر‌ ، فأراد الثاني أن يقدّم بابه إلى حدّ باب الأوّل ، فالأقرب : أنّ له ذلك ، على ما سبق.

وعند الشافعيّة يُبنى على الوجهين ، فإن قلنا : لصاحب الباب الذي يلي باب الزقاق أن يؤخّر بابه ، لم يكن له ذلك. وإن قلنا : ليس له ذلك ، كان لصاحب باب الصدر أن يقدّمه إلى باب الثاني. وينبغي أن يكون له أن يقدّمه في فنائه إلى فناء الثاني ؛ لأنّه إنّما يفتح الباب في فناء نفسه ، ولا حقّ له فيما جاوز ذلك(٣) .

ج - لو كان له دار في دربٍ مقطوع فجَعَلها حجرتين وجَعَل لها بابين ، جاز ذلك إذا وضع البابين في موضع استطراقه‌. وإن أخّرهما أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٥٢ ، البيان ٦ : ٢٤٤.

٥٤

أحدهما لم يجز.

وللشافعيّة فيه الوجهان(١) .

مسألة ١٠٦١ : لو كان له داران ينفذ باب إحداهما إلى الشارع وبابُ الأُخرى إلى سكّة منسدّة فأراد مالكهما فتْحَ بابٍ‌

في إحداهما إلى الأُخرى ، لم يكن لأهل السكّة منعه ؛ لأنّه يستحقّ المرور في السكّة ، ورفع الجدار الحائل بين الدارين تصرّفٌ منه مصادف للملك ، فلا يُمنع منه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ لهم المنعَ ؛ لأنّه يُثبت للدار الملاصقة للشارع ممرّاً في السكّة ويزيد فيما استحقّه من الانتفاع(٢) .

وليس بشي‌ءٍ.

ولو كان له دار لها باب في زقاقٍ غير نافذٍ ولها حدٌّ في شارعٍ أو زقاقٍ نافذ وأراد أن يفتح في حدّه باباً إلى الشارع ، جاز له ؛ لأنّه يرتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه.

لا يقال : إنّ في ذلك إضراراً بأهل الدرب ؛ لأنّه كان منقطعاً وبفتح الباب يصير الدرب نافذاً مستطرقاً إليه من الشارع.

لأنّا نقول : إنّه بفتح الباب صيّر داره نافذةً ، وأمّا الدرب فإنّه على حاله غير نافذٍ ؛ إذ ليس لأحدٍ غيره استطراقُ داره.

ولو انعكس الحال فكانت بابه إلى الشارع وله حائط في المنقطع ، فأراد فتح بابٍ للاستطراق ، فقد بيّنّا أنّه ليس له ذلك ؛ إذ لا حقّ له في دربٍ قد تعيّن عليه ملك أربابه ، فلم يكن له الانتفاع به بغير إذنهم.

____________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر التي بأيدينا ، وانظر بحر المذهب ٨ : ٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

٥٥

ولو كان له داران متلاصقتان باب كلّ واحدةٍ منهما في زقاقٍ غير نافذٍ ، فأراد صاحبهما رفع الحاجز بينهما بالكلّيّة وجَعْلهما داراً واحدة ، جاز قولاً واحداً.

وإن أراد فتح بابٍ من إحداهما إلى الأُخرى ، جاز عندنا أيضاً.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ ذلك يُثبت له حقَّ الاستطراق من الدرب الذي لا ينفذ إلى دارٍ لم يكن لها طريقٌ منه ، ولأنّ ذلك ربما أدّى إلى إثبات الشفعة في قول مَنْ يُثبتها بالطريق لكلّ واحدةٍ من الدارين في زقاق الأُخرى. وهذا قول أكثرهم(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة ، فرفع بعضه أولى ، والمحذور لازمٌ فيما لو رفع الحائط ، مع أنّه لا يبطل به حقّ الشفعة.

والثاني : إنّ له ذلك - كما اخترناه - لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة ، ففتح الباب أولى(٢) .

وقال بعضهم : موضع القولين ما إذا سدّ باب إحدى الدارين وفتح الباب بينهما لغرض الاستطراق ، أمّا إذا قصد اتّساع ملكه أو نحوه ، فلا منع(٣) .

مسألة ١٠٦٢ : لو صالح الممنوع من فتح الباب في الدرب المقطوع أربابه على مالٍ ليفتح الباب ، جاز عندنا‌ ، وبه قال الشافعي(٤) ، بخلاف‌

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٨ : ٥١ - ٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧ ، البيان ٦ : ٢٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

٥٦

الصلح عن إشراع الأجنحة والساباطات والرواشن ، فإنّهم خالفوا فيه ، وعلّلوا بأنّه بَذْل مالٍ في مقابلة الهواء المجرّد(١) .

قال بعضهم : إن قدّروا مدّةً معيّنة ، كان الصلح إجارةً. وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد ، فهو بيع جزءٍ مشاع من السكّة ، وتنزيلٌ له منزلة أحدهم ، وكان ذلك بمنزلة ما لو صالح غيره عن إجراء نهرٍ في أرضه على مالٍ ، فإنّه يكون ذلك تمليكاً للنهر(٢) .

ولو أراد فتح بابٍ من داره في دار غيره ، فصالحه عنه مالك الدار على مالٍ صحّ ، ويكون ذلك كالصلح عن إجراء الماء على السطح ، ولا يملك شيئاً من الدار والسطح ؛ لأنّ السكّة لا تراد إلّا للاستطراق ، فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلاً للملك ، والدار والسطح ليس القصد منهما الاستطراق وإجراء الماء.

مسألة ١٠٦٣ : يجوز فتح الأبواب ونصب الميازيب في الشوارع النافذة‌ ؛ لأنّ الناس بأسرهم اتّفقوا على وضع الميازيب ونصبها على سطوحهم قديماً وحديثاً من غير إنكار أحدٍ منهم ، فكان إجماعاً.

هذا إذا لم يتضرّر بوضعها أحدٌ ، فإن تضرّر أحد بوضع ميزابٍ في الدرب المسلوك وجب قلعه.

وأمّا الطرق الخاصّة الغير النافذة فليس لأحدٍ من أربابها(٣) وضع ميزابٍ يقذف فيها إلّا بإذن كلّ مَنْ له حقٌّ فيها.

وليس للمتقدّم بابه في رأس الدرب المسدود منعُ المتأخّر بابه إلى صدر الدرب من وضع ميزابٍ إذا لم نقل بشركته أو لم يصل ضرره إليه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أربابه ». والمثبت يقتضيه السياق.

٥٧

وكذا لا يجوز حفر بالوعةٍ فيها إلّا بإذن أربابها وإن كانت أنفع لهم.

أمّا الطرق المسلوكة فكذلك لا يجوز إحداث بالوعةٍ فيها ، بل كلّ بالوعةٍ وُضعت في أصل وضع الدرب فإنّها تستمرّ ليس لأحدٍ إزالتها ، وكلّ بالوعةٍ استُحدثت فإنّ لكلّ أحدٍ من المسلمين إزالتها.

مسألة ١٠٦٤ : إذا كان له باب في شارعٍ وظَهْر داره إلى دربٍ غير نافذٍ ، فأراد أن يُخرج روشناً فيه ، لم يكن له ذلك‌ ؛ لأنّ الدرب مملوكٌ لقومٍ بأعيانهم ، وليس له حقٌّ معهم فيه.

ولو كان له فيه باب ، فكذلك عندنا لا يجوز له الإحداث إلّا بإذن باقي أربابه.

وللشافعيّة قولان تقدّما(١) .

وإذا أذن أرباب الدرب المختصّ بهم في وضع بابٍ أو نصب ميزابٍ أو إشراع جناحٍ أو روشنٍ أو ساباطٍ ، كان هذا الإذن عاريةً يجوز له الرجوع فيه متى شاء ، لكن مع الأرش ؛ لأنّه سبب في إتلاف مال الغير ، على إشكالٍ.

مسألة ١٠٦٥ : يجوز فتح الروازن والشبابيك في الحيطان التي في الدروب المسدودة‌ ، وليس لأحدٍ منعُ ذلك ، سواء كان لصاحب الحائط في ذلك الدرب بابٌ أو لم يكن ؛ لأنّ له رفعَ جميع الحائط وأن يضع مكانه شُبّاكاً فبعضه أولى ، وإنّما مُنع في الباب لمعنىً غير موجودٍ هنا.

وكذا له فتح روزنةٍ وشُبّاكٍ في حائطه الفاصل بينه وبين جاره وإن حرم عليه الاطّلاع إلى دار الغير ، بل ليستفيد الإضاءة في بيته. وللجار أن‌

____________________

(١) في ص ٤٨ ، « الثاني : الطرق غير النافذة ».

٥٨

يبني حائطاً في وجه شُبّاكه وروزنته وأن يمنع الضوء بذلك ، لا سدّ الروزنة والشُّبّاك.

مسألة ١٠٦٦ : يجوز لكلّ أحدٍ الاستطراقُ في الطرق النافذة على أيّ حالٍ شاء‌

من سرعةٍ وبطءٍ وركوبٍ وترجّلٍ ، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ؛ لأنّها موضوعة لذلك.

وأمّا الطرق المقطوعة : فكذلك مع إذن أربابها.

ولو منع واحد أو منعوا بأسرهم ، فالأقرب : عدم المنع ؛ لأنّ لكلّ أحدٍ دخولَ هذا الزقاق ، كدخول الدرب النافذ.

وفيه إشكال أقربه : إنّ جواز دخولها من قبيل الإباحات المستندة إلى قرائن الأحوال ، فإذا عارضه نصّ المنع عُمل به.

وأمّا الجلوس بها وإدخال الدوابّ إليها فالأقوى : المنع ، إلّا مع إذن الجميع فيه.

ولو كان بين داريه طريقٌ نافذ فحفر تحته سرداباً من إحداهما إلى الأُخرى وأحكم الأزج ، قال بعض الشافعيّة : لم يُمنع(١) .

وهو جيّد إن لم يتضرّر به أحد من المارّة.

وليس له أن يحفر على وجه الأرض ثمّ يعمل الأزج.

وكذا لا يجوز عمل السرداب في الطريق المسدود - إلّا بإذن أربابه - وإن أحكم الأزج وحفر تحت الأرض ؛ لأنّ أربابه محصورون ، وسواء حصل لهم ضرر بذلك أو لا ، خلافاً لبعض الشافعيّة(٢) .

ولا يجوز وضع ساقيةٍ مبتكرة في دربٍ مسلوك ، سواء تضرّر بها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٥.

٥٩

السائرون فيها ، أو لا ، ولو حفرها كان لكلّ أحدٍ إزالتها.

ولو وضع عليها أزجاً محكماً ، فالأقرب : جواز إزالته لكلّ أحدٍ.

ولو سدّ الطريق النافذ ، كان لكلّ أحدٍ إنفاذه كما كان ، وإزالة السدّ وإعادته كما كان.

ولو جعل الطريق المقطوع مسلوكاً بأن جعل الاستطراق في ملكه ورفع الحاجز ، فإن كان سبّله مؤبّداً وسلك فيه أحد لم يكن له بعد ذلك قطعه ، ولو لم يرد تسبيله كان كالعارية يجوز له الرجوع فيه.

ولو غصب ملك غيره فجعله طريقاً ، كان للمالك الرجوعُ إلى عين ملكه وقطع السلوك منه.

البحث الثاني : الجدران‌.

والنظر في أُمور ثلاثة :

الأوّل : التصرّف.

الجدار بين الملكين إمّا أن يكون مختصّاً بمالكٍ واحد ، أو يكون مشتركاً بين صاحبي الملكين.

فإن كان مختصّاً بمالكٍ واحد ، كان له التصرّف فيه كيف شاء بهدمٍ وبناءٍ وغير ذلك ، وليس للآخَر وضع خشبةٍ ولا جذعٍ عليه إلّا بإذن مالكه ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(١) - لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٢ ، الوسيط ٤ : ٥٦ ، الوجيز ١ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦ ، المغني ٥ : ٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٣ - ١٦٥٤ / ١١٦٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان‌ ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف.

وقد روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي »(٢) .

ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء‌ ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : ( الله أكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة(٤) ،

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم.

(٤) جلّل الشي‌ءُ ، أي : عمّ. لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل ».

١٢١

والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(١) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(٢) .

وكانعليه‌السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى »(٣) .

وكان من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب(٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير(٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك(٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ - ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٥٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٣ - ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤.

(٤) الدأب : الجدّ في العمل. مجمع البحرين ٢ : ٥٤.

(٥) في المصدر : التدبير.

(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك. وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة. والمهنة : الخدمة. لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥.

١٢٢

ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ](١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن(٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين »(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر‌ ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ(٤) ، وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق(٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ؛ ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ الخطية : أمنه.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ - ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ، =

١٢٣

ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة(١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لـمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رئي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا - وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد(٢) ، وبعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان )(٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه »(٥) .

وقالعليه‌السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »(٦) .

ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في‌

____________________

= سنن البيهقي ٤ : ٢٥١.

(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع. لسان العرب ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣.

١٢٤

غيره شي‌ء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة.

وقول الصادقعليه‌السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها.

فروع :

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(١) .

وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به(٢) .

وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة(٣) .

ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه(٤) .

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(٥) يفطر؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية(٦) - لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم.

والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه‌

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ - ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣.

(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم ».

(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧.

١٢٥

ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عمّمنا الحكم سائر(١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يُرى(٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى(٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً.

وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن(٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر.

د - لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.

ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا.

وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً.

____________________

(١) « سائر » منصوب بنزع الخافض.

(٢ و ٣ ) الأنسب في الموضعين : رؤي.

(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٦

مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة(١) ‌، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة(٢) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا(٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة.

ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليهعليه‌السلام : جعلت فداك ربما غُمّ(٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال »(٦) .

____________________

(١) أي : للّيلة المستقبلة.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتفى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل.

واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة.

ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط.

اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧.

(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا ».

(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر. الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١.

١٢٧

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا »(١) .

وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة(٢) . وبه قال أبو يوسف(٣) .

وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ، لقولهعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر.

ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية(٤) .

والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال.

وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ، يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المـُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

١٢٨

النظر الثاني:

في الإِخبار‌

مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة‌ بإجماع علماء الأمصار.

على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه - وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »(٤) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ - ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

١٢٩

ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب.

وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين »(٤) .

ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية.

ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد آخر.

____________________

(١) المراسم : ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

١٣٠

ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار(١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار.

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل. ورجلان عدل. ورجال عدل. ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. والرواية قُبِل فيها الواحد ، للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها.

وللشيخ -رحمه‌الله تعالى - قولان :

قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه(٢) .

وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج‌

____________________

(١) في « ط » : في آخر النهار.

(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ١٥٠.

١٣١

المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية »(١) .

وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادقعليه‌السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »(٢) .

ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً.

ونمنع صحة سند الخبرين. وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين.

وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةُ ، فيختص واحد برؤيته(٣) .

ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ - ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٢

ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك‌ ، لقول عليعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال »(١) .

وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. ولا عبرة بقول العبد. ولا بدّ من لفظ الشهادة. وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب.

والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المـُخبر وغير المـُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل.

وهل يشترط لفظ الشهادة؟ وجهان عنده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد(٣) .

ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان(٤) .

وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ - ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

١٣٣

وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(١) .

ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ، فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه(٢) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم(٣) من الأحاديث.

احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المـُخبِر والمـُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كالإِخبار عن دخول وقتها(٤) .

ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان(٥) .

فروع :

أ - لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .

ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين - وهو أحد قولي الشافعية(٧) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٨) -

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨.

(٣) تقدّم في المسألة ٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ - ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٤

لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

والثاني للشافعي : لا يفطرون - وبه قال محمد بن الحسن(١) - لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد(٢) .

وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشي‌ء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً.

وما موضع القولين؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار. والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد(٣) .

ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء(٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى.

وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظنّ(٥) . وقد بيّنا خلافه.

وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩.

١٣٥

المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(١) .

ه- لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.

وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟

وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء.

وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد.

وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار. والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان؟ وجهان(٢) .

وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين؟ وجهان عندهم(٣) .

و - لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار‌ مع(٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ - ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨.

(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد.

١٣٦

عليه‌السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا )(١) .

ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان.

ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(٢) ، وليس شيئاً.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر.

مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث :

في الحساب‌

مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد‌ ، أُكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩.

١٣٧

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(١) .

مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين‌ ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه - وهو قول أكثر العامة(٢) - لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنهعليه‌السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز لهعليه‌السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.

وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين(٣) . وهو باطل ؛ لما(٤) تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية »(٥) .

والأحاديث متواترة على أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقالعليه‌السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )(٦) .

احتجّوا : بقوله تعالى :( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠.

(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦.

(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨.

(٤) في « ط ، ن » : بما.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك - للحاكم - ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩.

(٧) النحل : ١٦.

١٣٨

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له )(١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة.

والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا.

وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين )(٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين.

وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة.

وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به؟

وأصحّهما عندهم : المنع. والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(٣) .

ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم(٤) قولاً واحداً.

مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية‌ ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادقعليه‌السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادقعليه‌السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صام تسعة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ - ٧٦٠ / ٦ - ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٦١ / ٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٥) كما في المعتبر : ٣١١.

١٣٩

وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »(١) .

قال الشيخ : هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شي‌ء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه.

وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادقعليه‌السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(٢) :

قال الصادقعليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة ».

وقالعليه‌السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « حدّثني أبيعليه‌السلام أنّ علياًعليه‌السلام قال : صُمنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمـّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392