تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118777 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فالذي أخذ الورثة لهم ، وما بقي فهو للميّت يستوفيه منه في الآخرة ، وإن هو لم يصالحهم على شي‌ءٍ حتى مات ولم يقض عنه ، فهو للميّت يأخذه به »(١) .

وكذا لو ادّعى كاذباً على غيره فصالحه الغير ، لم يستبح الكاذب بذلك الصلح مال الصلح إلّا مع الرضا الباطن.

مسألة ١٠٤٩ : يصحّ الصلح على الأعيان بمثلها وبالمنافع وبأبعاض الأعيان‌ ، وعلى المنافع بمثلها وأبعاضها ، ولا يشترط ما يشترط في البيع ، فلو صالحه عن الدنانير بدراهم أو بالعكس صحّ ، ولم يكن صَرفاً.

ولو صالَح على عينٍ بأُخرى من الربويّات ، ففي إلحاقه بالبيع نظر.

وكذا في الدَّيْن بمثله ، فإن ألحقناه فسد لو صالَح من ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة.

ولو صالَح من ألفٍ حالّ بخمسمائة مؤجَّلة ، ففي كونه إبراءً إشكال ، ويلزم الأجل.

ولو ظهر استحقاق أحد العوضين ، بطل الصلح ؛ لوقوع التراضي على تلك العين.

ولو صالَح على ثوبٍ أتلفه بدرهمٍ على درهمين ، صحّ الصلح ، وقد سبق(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٠.

(٢) في ص ٣٧ ، المسألة ١٠٤٥.

٤١

الفصل الثالث : في تزاحم الحقوق‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الطرق.

مسألة ١٠٥٠ : الطرق نوعان : نافذة وغير نافذة.

الأوّل : النافذة‌ ، والناس كلّهم في السلوك فيها شرعٌ سواء مستحقّون للممرّ فيها(١) ، وليس لأحدٍ أن يتصرّف فيها(٢) بما يبطل المرور فيها(٣) أو ينقصه أو يضرّ بالمارّة من بناء حائطٍ فيها(٤) أو دكّة أو وضع جناح أو ساباط(٥) على جداره إذا أضرّ بالمارّة إجماعاً.

ولو لم يضرّ بالمارّة بأن كان عالياً لا يظلم به الدرب ، جاز وضع الجناح والساباط من غير منعٍ عند بعض علمائنا(٦) - وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد(٧) - لأنّه ارتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه ، فكان جائزاً ، وليس لأحدٍ منعه ، كالاستظلال بحائط الغير والاستطراق في الدرب.

____________________

(١ - ٤) بدل كلمة « فيها » في المواضع الأربعة في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه ». والمثبت يقتضيه السياق.

(٥) الساباط : سقيفة بين دارين من تحتها طريق نافذ. العين ٧ : ٢١٨ « سبط ».

(٦) كالمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٢٣.

(٧) المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨ ، الأُم ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١ - ١٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٠ : ١٤٤.

٤٢

ولأنّ الناس اتّفقوا على إشراع الأجنحة والساباطات في الطرق النافذة والشوارع المسلوكة في جميع الأعصار وفي سائر البقاع من غير إنكارٍ ، فكان سائغاً.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب بيده ميزاباً في دار العبّاس(١) ، والجناح مثله ؛ لاشتراكهما في المنفعة الخالية عن الضرر.

وقال الشيخرحمه‌الله وأبو حنيفة : لا عبرة بالضرر وعدمه ، بل إن عارضه فيه رجل من المسلمين ، نزع ، ووجب قلعه وإن لم يكن مضرّاً به ولا بغيره ، وإلّا تُرك ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان له مطالبته بقلعه ، كما لو بنى دكّةً في المسلوك ، أو وضع الجناح في سلك غيره(٢) .

والقياس ممنوع ؛ فإنّ الضرر يحصل مع بناء الدكّة ، بخلاف الجناح والساباط والروشن(٣) ؛ لأنّ الأعمى يتعثّر بها ، وكذا في الليل المظلم يحصل تعثّر البصير بها ، ويضيق الطريق بها ، بخلاف الشارع. وملك الغير لا يجوز الممرّ فيه إلّا بإذنه ، بخلاف الطرق ، فافترقا.

فروع :

أ - شرط أحمد في جواز إشراع الجناح إذنَ الإمام فيه‌ ، فإن أذن فيه جاز ، وإلّا فلا(٤) .

وهو ممنوع ؛ لاتّفاق الناس على عمله.

____________________

(١) الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٤ : ٢٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٦ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٦ ، المستدرك - للحاكم - ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٩١ ، الخلاف ٣ : ٢٩٤ ، المسألة ٢ من كتاب الصلح ، المبسوط - للسرخسي - ٢ : ١٤٤ ، المغني ٥ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢ ، البيان ٦ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦.

(٣) الروشن : الرفّ والكوّة. لسان العرب ١٣ : ١٨١ « رشن ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٦.

٤٣

ب - الضابط في التضرّر وعدمه العرفُ ، ويختلف بحال الطرق.

فإن كان ضيّقاً لا يمرّ فيه الفُرْسان والقوافل ، وجب رفعه بحيث يمرّ المارّ تحته منتصباً ، والمحمل مع الكنيسة المنصوبة على رأسه على البعير ؛ لأنّه يتّفق ذلك وإن كان نادراً ، ولا تشترط الزيادة عليه.

وقال بعض الشافعيّة : يجب أن يكون بحيث يمرّ الراكب تحته منصوبَ الرمح(١) .

وإن كان متّسعاً تمرّ فيه الجيوش والأحمال ، وجب أن لا يضرّ بالعماريّات والكنائس ، وأن يتمكّن الفارس من الممرّ تحته ورمحه منتصب لا يبلغه ؛ لأنّه قد يزدحم الفُرْسان فيحتاج إلى أن ينصب الرماح.

وقال بعض الشافعيّة : لا يقدّر بذلك ؛ لأنّه يمكنه وضع الرمح على عنقه بحيث لا ينال رمحه أحداً(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ ذلك قد يعسر.

ج - إذا وضع الجناح أو الروشن أو الساباط في الدرب المسلوك على وجهٍ يضرّ بالمارّة ، تجب عليه إزالته‌ ، وعلى السلطان إلزامه بذلك.

ولو صالحه الإمام على وضعه - أو بعض الرعيّة - على شي‌ءٍ ، لم يجز ؛ لأنّ ذلك بيع الهواء منفرداً ، وهو باطل ، والهواء لا يفرد بالعقد ، بل يتبع الدار ، كالحمل مع الأُم.

ولأنّه إن كان مضرّاً لم يجز أخذ العوض عنه ، كبناء الدكّة في‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، الوسيط ٤ : ٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٨ ، البيان ٦ : ٢٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

٤٤

الطريق ، وإن لم يكن مضرّاً كان جائزاً ، وما يجوز للإنسان فعله في الطريق لا يجوز أن يؤخذ منه عوض عنه كالسلوك ، وأحدٌ من الرعيّة ليس هو المستحقّ ولا نائبَ المستحقّين.

د - لو أظلم الطريق بوضع الجناح أو الروشن أو الساباط ، فإن أذهب الضياء بالكلّيّة مُنع إجماعاً‌ ؛ لأنّه يمنع السلوك فيه.

وإن لم يُذهب الضياء(١) جملةً بل بعضه ، فالوجه : المنع إن تضرّر به المارّة ، وإلّا فلا.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع مطلقاً.

والثاني : الجواز مطلقاً(٢) .

مسألة ١٠٥١ : لو أخرج روشناً في شارعٍ أو دربٍ نافذ ، لم يكن لمقابله الاعتراضُ عليه‌ ، ولا منعه منه ، سواء استوعب عرض الدرب أو لا إذا لم يحصل ضرر لأحدٍ به.

وليس له وضع أطراف خشبه على حائط جاره وإن لم يتضرّر به الجار.

ولو أخرج روشنه إلى بعض الدرب ، كان لمحاذيه إخراج روشنٍ فيما بقي من الهواء ، وليس لصاحب الروشن الأوّل منعه ما لم يضع على خشبه شيئاً.

وإن أراد محاذيه بأن يُخرج روشناً تحت روشن محاذيه ، جاز ذلك.

وإن أراد أن يُخرج روشناً فوق روشن محاذيه ، جاز إذا لم يتضرّر به‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « الضوء ».

(٢) البيان ٦ : ٢٣٣ ، وانظر العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٤٠.

٤٥

بأن يكون عالياً لا يضرّ بالمارّ في الروشن السفلاني.

ولو أظلم الدرب بوضع الروشن الثاني ، أُزيل خاصّةً دون الأوّل ؛ لأنّ الضرر إنّما حصل بالثاني وإن كان لو لا الأوّل لم يحصل.

مسألة ١٠٥٢ : إذا أخرج جناحاً أو روشناً في الشارع النافذ ، فقد بيّنّا أنّه ليس لأحدٍ منعه مع عدم التضرّر به‌ ، فلو تضرّر جاره بالإشراف عليه ، فالأقرب : إنّ له المنعَ ؛ لأنّه قد حصل به الضرر ، بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه أو ما له محلّ على جاره ، فإنّه لا يُمنع وإن حصل معه الإشراف ؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه كيف شاء ، بخلاف الروشن الموضوع على شرط عدم تضرّر الغير به ، فإذا فرض تضرّر شخصٍ ما به ، لم يجز وضعه ، ويُمنع في الملك من الإشراف على الجار ، لا من التعلية المقتضية لإمكانه.

ولسْتُ أعرف في هذه المسألة بالخصوصيّة نصّاً من الخاصّة ولا من العامّة ، وإنّما صِرتُ إلى ما قلتُ عن اجتهادٍ ، ولعلّ غيري يقف عليه أو يجتهد فيؤدّيه اجتهاده إلى خلاف ذلك.

مسألة ١٠٥٣ : لو وضع جناحاً لا ضرر فيه أو روشناً كذلك فانهدم‌ أو هدمه المالك أو جاره قهراً وتعدّياً ثمّ وضع الجار روشناً أو جناحاً في محاذاته ومدّه إلى مكان روشن الأوّل ، جاز ، وصار أحقَّ به ؛ لأنّ الأوّل كان يستحقّ ذلك بسبقه إليه ، فإذا زال وسبقه الثاني إلى مكانه ، كان أولى ، كرجلٍ جلس في مكانٍ مباح - كمسجدٍ أو دربٍ نافذ - ثمّ قام عنه أو أُقيم ، فإنّه يزول حقّه من الجلوس ، ويكون لغيره الجلوسُ في مكانه ، وليس للأوّل إزعاجه وإن أُزعج الأوّل ، فكذا هنا.

ومَنَع منه بعض الشافعيّة ؛ لأنّ الجالس في الطريق المسلوك الواسع إذا ارتفق بالقعود لمعاملة الناس لا يبطل حقّه بمجرّد الزوال عن ذلك‌

٤٦

الموضع ، وإنّما يبطل بالسفر والإعراض عن الحرفة على ما يأتي ، فقياسه أن لا يبطل بمجرّد الانهدام والهدم ، بل يعتبر إعراضه عن ذلك الجناح ورغبته عن إعادته(١) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل ، ونمنع أولويّته على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ١٠٥٤ : لا يجوز لأحدٍ بناء دكّةٍ ولا غرس شجرةٍ في الطريق المسلوك إن ضيّق الطريق وضرّ بالمارّة إجماعاً‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار(٢) »(٣) .

وإن كان متّسعاً لا يضرّ بالمارّة وَضْعُه ، فالأولى المنع أيضاً ، إلّا فيما زاد على حدّ الطريق النافذ ؛ لأنّ ذلك يوجب اختصاصاً له فيما هو مشترك وشرعٌ بين الناس ، ولأنّ المكان المشغول بالبناء والشجر لا يتأتّى فيه السلوك والاستطراق ، وقد يزدحم المارّة ويعسر عليهم السلوك فيه ، فيتعثّرون بها ، ولأنّه ربما طالت المدّة ، فأشبه مكان البناء والغراس بالأملاك ، فانقطع أثر استحقاق السلوك فيه ، بخلاف الأجنحة والرواشن ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يجوز ذلك ، كوضع الجناح أو الروشن اللَّذَيْن لا يضرّان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ - ٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٠.

(٢) في « ج ، ر » : « إضرار ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، و ٢٩٢ - ٢٩٤ / ٢ و ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، و ١٤٧ / ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ - ١٤٧ / ٦٥١ ، و ١٦٤ / ٧٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٧ / ٢٨٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٩ و ٧٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٧ - ٥٨ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

٤٧

بالمارّة(١) .

وقد عرفت الفرق.

مسألة ١٠٥٥ : حدّ الطريق المتّخذ في الأرض المباحة إذا تشاحّ أهله في وضعه وسعته وضيقه سبعُ أذرع‌ ؛ لأنّ ذلك قدر ما تدعو الحاجة إليه ، ولا يزيد عليه ؛ لما رواه مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام قال : « والطريق إذا تشاحّ عليه أهله فحدّه سبع أذرع »(٢) ومثله روى السكوني عن الصادقعليه‌السلام (٣) ، والخبران موثّقان.

إذا تقرّر هذا ، فهذا الحدّ حدٌّ مع تشاحّ أهل ذلك الدرب ، المتقابلة دُورهم فيه ، ولا عبرة بغيرهم.

ولو اتّفقوا على وضع أضيق منه في الابتداء جاز ، ولم يكن لأحدٍ الاعتراضُ وطلبُ التوسعة فيه.

وإذا وضعوه على حدّ السبع ، لم يكن لهم بعد ذلك تضييقه.

ولو وضعوه أوسع من السبع ، فالأقرب : إنّ لهم ولغيرهم الاختصاصَ ببعضه إلى حيث يبلغ هذا الحدّ ، فلا يجوز بعد ذلك النقصُ عنه.

مسألة ١٠٥٦ : الشوارع لا يجري عليها ملك أحدٍ ، ولا يختصّ بها شخص من الأشخاص‌ ، بل هي بين الناس كافّةً شرعٌ سواء بلا خلافٍ.

ولا فرق في ذلك بين الجوادّ الممتدّة في الصحاري والبلاد.

وإنّما يصير الموضع شارعاً بأُمور : أن يجعل الإنسان ملكه شارعاً وسبيلاً مسبَّلاً ، ويسلك فيه شخصٌ ما ، أو يُحيي جماعةٌ أرضَ قريةٍ أو بلدةٍ‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٥ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٩٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ / ٦٤٣.

٤٨

ويتركوا مسلكاً نافذاً بين الدور والمساكن ، ويفتحوا إليه الأبواب ، أو يصير موضع من الموات جادّةً يسلكه الناس ، فلا يجوز تغييره ، وكلّ مواتٍ يجوز استطراقه ، لكن لا يُمنع أحد من إحيائه وصرف الممرّ عليه ، فليس له حكم الشوارع.

الثاني : الطرق التي لا تنفذ‌ ، كالسكّة المسدودة المنتهية إلى ملك الغير ، ولا منفذ لها إلى المباح ، وتلك مِلْكٌ لأرباب الأبواب فيها.

وهذه الطرق لا يجوز لأحدٍ إشراع جناحٍ فيها ولا روشن ولا ساباط ، إلّا بإذن أرباب الدرب بأسرهم ، سواء كانوا من أهل الدرب أو من غيرهم ، وسواء أضرّ بالباقين أو لا ؛ لأنّ أربابه محصورون ومُلاّكه معدودون ، فإذا تخصّص به أحد منع الباقين منه ، فلم يجز ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يجوز لغير أهل السكّة مطلقاً ، وأمّا أهل السكّة فيجوز لكلّ واحدٍ منهم إشراع الجناح والروشن وغيرهما إذا لم يضرّ بالمارّة ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ منهم الارتفاقَ بقرارها ، فليكن الارتفاق بهوائها كذلك ، كالشوارع(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ السكّة مخصوصة بهم ، فلا يتصرّف فيها أحد دون رضاهم ، كما أنّه لا يجوز إشراع الجناح إلى دار الغير بغير رضاه ، سواء تضرّر أو لا ؛ إذ لا اعتبار بالتضرّر مع إذن المتضرّر.

وبمثل ما قلناه قال أبو حنيفة(٢) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١٣ ، البيان ٦ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المغني ٥ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩.

٤٩

مسألة ١٠٥٧ : لو صالَح واضع الروشن أو الجناح أو الساباط أربابَ الدرب وأصحابَ السكّة على وضعه‌ ، جاز على الأظهر عندنا ، لكنّ الأولى اشتراط زمانٍ معيّن ؛ لأنّه حقٌّ ماليٌّ متعيّن المالك ، فجاز الصلح عليه وأخذ العوض عنه ، كما في القرار.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ بناءً منهم على أنّ الهواء تابع ، فلا يُفرد بالمال صلحاً ، كما لا يُفرد به بيعاً(١) .

ويُمنع مانعيّة التبعيّة من الانفراد بالصلح ، بخلاف البيع ؛ لأنّه يتناول الأعيان ، والصلح هنا وقع عن الوضع مدّةً.

وكذا الحكم في صلح مالك الدار عن الجناح المشرع إليها من الجواز عندنا ، والمنع عندهم(٢) .

مسألة ١٠٥٨ : نعني بأرباب الدرب المقطوع وأصحاب السكّة كلّ مَنْ له بابٌ نافذ إلى تلك السكّة‌ ، دون مَنْ يلاصق حدّ داره السكّة ويكون حائطه إليها من غير نفوذ بابٍ له فيها.

وهل يشترك جميعهم في جميع السكّة فيكون الاستحقاق في جميعها لجميعهم ، أم شركة كلّ واحدٍ تختصّ بما بين رأس السكّة وباب داره ، ولا تتخطّى عنه؟ المشهور عندنا : اختصاص كلّ واحدٍ بما بين رأس السكّة وباب داره ؛ لأنّ محلّ تردّده هو ذلك المكان خاصّةً ومروره فيه ، دون باقي السكّة ، فحكم ما عدا ذلك حكم غير أهل السكّة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤١ ، البيان ٦ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

٥٠

والثاني لهم : الأوّل ، وهو أنّ الاستحقاق في جميعها لجميعهم ؛ لأنّهم ربما احتاجوا إلى التردّد والارتفاق بجميع الصحن لطرح الأثقال ووضع الأحمال عند الإخراج والإدخال(١) .

وتظهر الفائدة - على أصحّ قولَي الشافعي - في منع إشراع الجناح إلّا برضاهم ، فعلى القول باشتراك الكلّ في الكلّ يجوز لكلّ واحدٍ من أهل السكّة المنع ، وعلى الثاني إنّما يجوز المنع لـمَن موضعُ الجناح بين بابه ورأس السكّة ، دون مَنْ بابه بين موضع الجناح ورأس السكّة(٢) .

إذا تقرّر هذا ، فعلى المشهور عندنا : إنّ الأدخل ينفرد بما بين البابين ، ويتشاركان في الطرفين ، ولكلٍّ منهما الخروج ببابه مع سدّ الأوّل وعدمه ، فإن سدّه فله العود إليه مع الثاني ، وليس لأحدهما الدخول ببابه.

ويحتمله ؛ لأنّه قد كان له ذلك في ابتداء الوضع فيستصحب ، وله رفع جميع الحائط فالباب أولى.

مسألة ١٠٥٩ : قد بيّنّا أنّ الدرب المقطوع لأربابه المحصورين ، دون الشوارع المسلوكة‌ ، فلهُم التصرّف فيه كيف شاءوا ؛ لأنّ للإنسان التصرّفَ في ملكه بسائر أنواع التصرّفات ، ولهُم سدّ باب السكّة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

ومَنَع بعضهم من ذلك ؛ لأنّ أهل الشارع يفزعون إليها إذا عرض لهم سبب من زحمةٍ وشبهها(٤) .

ولو امتنع بعضهم من سدّها ، لم يكن للباقين سدّها إجماعاً. ولو اتّفقوا على السدّ ، لم ينفرد بعضهم بالفتح. ولو اتّفقوا على قسمة صحن‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٢.

٥١

السكّة بينهم ، جاز.

ولو أراد أهل رأس السكّة قسمة رأس السكّة بينهم ، مُنعوا ؛ لحقّ مَنْ يليهم.

أمّا لو أراد أهل الأسفل قسمة الأسفل ، فإن قلنا باختصاصهم به ، كان لهم ذلك. وإن قلنا باشتراك الجميع في الأسفل ، لم يكن لهم ذلك ، إلّا بإذن الباقين.

هذا كلّه - أعني سدّ الباب وقسمة الصحن - إنّما هو إذا لم يكن في السكّة مسجد ، فإن كان فيها مسجد قديم أو حديث ، فالمسلمون كلّهم يستحقّون الطروق إليه ، ولا يُمنعون منه.

وكذا لو جعل بعضهم داره رباطاً أو مسجداً أو مدرسةً أو مستراحاً ، لم يكن لأحدٍ منعه ، ولا منع مَنْ له الممرّ فيه ، وحينئذٍ لا يجوز لأحدٍ أن يشرع جناحاً ولا ساباطاً ولا روشناً عند التضرّر به وإن رضي أهل السكّة ؛ لحقّ سائر الناس.

مسألة ١٠٦٠ : قد بيّنّا أنّ الدرب إمّا نافذ وإمّا مقطوع.

أمّا النافذ : فلكلّ أحدٍ فتح بابٍ فيه ، سواء كان له ذلك بحقٍّ قديم أو لا.

وأمّا المقطوع : فليس لمن لا باب له فيه إحداث بابٍ إلّا برضا أهل السكّة بأسرهم ؛ لتضرّرهم إمّا بمرور الفاتح عليهم ، أو بمرورهم على الفاتح.

ولو فتح باباً للاستضاءة دون الاستطراق ، أو قال : أفتحه وأسمره بمسمارٍ لا ينفتح بابه معه ، فالأقرب : منعه من ذلك ؛ لأنّ الباب يشعر بثبوت حقّ الاستطراق ، فربما استدلّ به على الاستحقاق ، وهو أحد قولَي‌

٥٢

الشافعيّة(١) .

ويمكن أن يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رفع جميع الجدار لم يكن لأحدٍ منعه ، فلأن يُمكَّن من رفع بعضه [ كان ] أولى.

وأمّا مَنْ له بابٌ في تلك السكّة لو أراد أن يفتح غيره ، نُظر إن كان [ ما ] يريد به الفتح أقربَ من بابه إلى رأس السكّة ، كان له ذلك ؛ لأنّ له الاستطراقَ فيه وهو شريك ، فإذا فتح باباً كان ذلك بعضَ حقّه.

وإن كان [ ما ] يريد [ به ] الفتح أقربَ من بابه إلى صدر السكّة ، لم يكن له ذلك ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة. والثاني : له ذلك ؛ لأنّ له يداً في الدرب ، فكأنّ الجميع في أيديهما(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد أن يتقدّم ببابه إلى رأس السكّة ، فإن سدّ بابه الأوّل ، كان له ذلك قطعاً ؛ لأنّه ينقص حقّه.

وإن لم يسدّ بابه ، فكذلك عندنا.

وللشافعيّة فيه قولٌ بالمنع ؛ لأنّ الباب الثاني إذا انضمّ إلى الأوّل أورث زيادة زحمة الناس ووقوف الدوابّ في السكّة فيتضرّرون به(٣) .

وإن أراد أن يتأخّر ببابه عن رأس السكّة ويقرب من صدرها ، فلصاحب الباب المفتوح بين رأس السكّة وداره المنعُ.

وهل لـمَن دارُه بين الباب ورأس السكّة المنعُ؟ وجهان بناءً على كيفيّة الشركة.

ولهم طريقة أُخرى جازمة بأنّه لا منع للّذين يقع الباب المفتوح بين‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٥١ ، البيان ٦ : ٢٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

٥٣

دارهم ورأس السكّة ؛ لأنّ الفاتح لا يمرّ عليهم(١) .

وتحويل الميزاب من موضعٍ إلى موضعٍ كفتح بابٍ وسدّ بابٍ.

فروع :

أ - لو كان لرجلين بابان في سدّةٍ أحدهما قريب من باب الزقاق ، وباب الآخَر في وسطه‌ ، فأراد كلّ واحدٍ منهما أن يقدّم بابه إلى أوّل الزقاق ، كان له ذلك ، على ما تقدّم ؛ لأنّ له استطراقَ ذلك ، فقد نقص من استطراقه. وإن أراد أن يؤخّر بابه إلى صدر الزقاق ، لم يكن له ذلك ، على ما سبق - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه يقدّم بابه إلى موضعٍ لا استطراق له فيه.

ب - لو كان لأحدهما بابٌ يلي باب الزقاق وللآخَر بابٌ في الصدر‌ ، فأراد الثاني أن يقدّم بابه إلى حدّ باب الأوّل ، فالأقرب : أنّ له ذلك ، على ما سبق.

وعند الشافعيّة يُبنى على الوجهين ، فإن قلنا : لصاحب الباب الذي يلي باب الزقاق أن يؤخّر بابه ، لم يكن له ذلك. وإن قلنا : ليس له ذلك ، كان لصاحب باب الصدر أن يقدّمه إلى باب الثاني. وينبغي أن يكون له أن يقدّمه في فنائه إلى فناء الثاني ؛ لأنّه إنّما يفتح الباب في فناء نفسه ، ولا حقّ له فيما جاوز ذلك(٣) .

ج - لو كان له دار في دربٍ مقطوع فجَعَلها حجرتين وجَعَل لها بابين ، جاز ذلك إذا وضع البابين في موضع استطراقه‌. وإن أخّرهما أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٣.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٥٢ ، البيان ٦ : ٢٤٤.

٥٤

أحدهما لم يجز.

وللشافعيّة فيه الوجهان(١) .

مسألة ١٠٦١ : لو كان له داران ينفذ باب إحداهما إلى الشارع وبابُ الأُخرى إلى سكّة منسدّة فأراد مالكهما فتْحَ بابٍ‌

في إحداهما إلى الأُخرى ، لم يكن لأهل السكّة منعه ؛ لأنّه يستحقّ المرور في السكّة ، ورفع الجدار الحائل بين الدارين تصرّفٌ منه مصادف للملك ، فلا يُمنع منه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ لهم المنعَ ؛ لأنّه يُثبت للدار الملاصقة للشارع ممرّاً في السكّة ويزيد فيما استحقّه من الانتفاع(٢) .

وليس بشي‌ءٍ.

ولو كان له دار لها باب في زقاقٍ غير نافذٍ ولها حدٌّ في شارعٍ أو زقاقٍ نافذ وأراد أن يفتح في حدّه باباً إلى الشارع ، جاز له ؛ لأنّه يرتفق بما لم يتعيّن ملك أحدٍ عليه.

لا يقال : إنّ في ذلك إضراراً بأهل الدرب ؛ لأنّه كان منقطعاً وبفتح الباب يصير الدرب نافذاً مستطرقاً إليه من الشارع.

لأنّا نقول : إنّه بفتح الباب صيّر داره نافذةً ، وأمّا الدرب فإنّه على حاله غير نافذٍ ؛ إذ ليس لأحدٍ غيره استطراقُ داره.

ولو انعكس الحال فكانت بابه إلى الشارع وله حائط في المنقطع ، فأراد فتح بابٍ للاستطراق ، فقد بيّنّا أنّه ليس له ذلك ؛ إذ لا حقّ له في دربٍ قد تعيّن عليه ملك أربابه ، فلم يكن له الانتفاع به بغير إذنهم.

____________________

(١) لم نعثر عليه في المصادر التي بأيدينا ، وانظر بحر المذهب ٨ : ٥٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

٥٥

ولو كان له داران متلاصقتان باب كلّ واحدةٍ منهما في زقاقٍ غير نافذٍ ، فأراد صاحبهما رفع الحاجز بينهما بالكلّيّة وجَعْلهما داراً واحدة ، جاز قولاً واحداً.

وإن أراد فتح بابٍ من إحداهما إلى الأُخرى ، جاز عندنا أيضاً.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ ذلك يُثبت له حقَّ الاستطراق من الدرب الذي لا ينفذ إلى دارٍ لم يكن لها طريقٌ منه ، ولأنّ ذلك ربما أدّى إلى إثبات الشفعة في قول مَنْ يُثبتها بالطريق لكلّ واحدةٍ من الدارين في زقاق الأُخرى. وهذا قول أكثرهم(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة ، فرفع بعضه أولى ، والمحذور لازمٌ فيما لو رفع الحائط ، مع أنّه لا يبطل به حقّ الشفعة.

والثاني : إنّ له ذلك - كما اخترناه - لأنّ له رفعَ الحاجز بالكلّيّة ، ففتح الباب أولى(٢) .

وقال بعضهم : موضع القولين ما إذا سدّ باب إحدى الدارين وفتح الباب بينهما لغرض الاستطراق ، أمّا إذا قصد اتّساع ملكه أو نحوه ، فلا منع(٣) .

مسألة ١٠٦٢ : لو صالح الممنوع من فتح الباب في الدرب المقطوع أربابه على مالٍ ليفتح الباب ، جاز عندنا‌ ، وبه قال الشافعي(٤) ، بخلاف‌

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٨ : ٥١ - ٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧ ، البيان ٦ : ٢٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

٥٦

الصلح عن إشراع الأجنحة والساباطات والرواشن ، فإنّهم خالفوا فيه ، وعلّلوا بأنّه بَذْل مالٍ في مقابلة الهواء المجرّد(١) .

قال بعضهم : إن قدّروا مدّةً معيّنة ، كان الصلح إجارةً. وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد ، فهو بيع جزءٍ مشاع من السكّة ، وتنزيلٌ له منزلة أحدهم ، وكان ذلك بمنزلة ما لو صالح غيره عن إجراء نهرٍ في أرضه على مالٍ ، فإنّه يكون ذلك تمليكاً للنهر(٢) .

ولو أراد فتح بابٍ من داره في دار غيره ، فصالحه عنه مالك الدار على مالٍ صحّ ، ويكون ذلك كالصلح عن إجراء الماء على السطح ، ولا يملك شيئاً من الدار والسطح ؛ لأنّ السكّة لا تراد إلّا للاستطراق ، فإثبات الاستطراق فيها يكون نقلاً للملك ، والدار والسطح ليس القصد منهما الاستطراق وإجراء الماء.

مسألة ١٠٦٣ : يجوز فتح الأبواب ونصب الميازيب في الشوارع النافذة‌ ؛ لأنّ الناس بأسرهم اتّفقوا على وضع الميازيب ونصبها على سطوحهم قديماً وحديثاً من غير إنكار أحدٍ منهم ، فكان إجماعاً.

هذا إذا لم يتضرّر بوضعها أحدٌ ، فإن تضرّر أحد بوضع ميزابٍ في الدرب المسلوك وجب قلعه.

وأمّا الطرق الخاصّة الغير النافذة فليس لأحدٍ من أربابها(٣) وضع ميزابٍ يقذف فيها إلّا بإذن كلّ مَنْ له حقٌّ فيها.

وليس للمتقدّم بابه في رأس الدرب المسدود منعُ المتأخّر بابه إلى صدر الدرب من وضع ميزابٍ إذا لم نقل بشركته أو لم يصل ضرره إليه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أربابه ». والمثبت يقتضيه السياق.

٥٧

وكذا لا يجوز حفر بالوعةٍ فيها إلّا بإذن أربابها وإن كانت أنفع لهم.

أمّا الطرق المسلوكة فكذلك لا يجوز إحداث بالوعةٍ فيها ، بل كلّ بالوعةٍ وُضعت في أصل وضع الدرب فإنّها تستمرّ ليس لأحدٍ إزالتها ، وكلّ بالوعةٍ استُحدثت فإنّ لكلّ أحدٍ من المسلمين إزالتها.

مسألة ١٠٦٤ : إذا كان له باب في شارعٍ وظَهْر داره إلى دربٍ غير نافذٍ ، فأراد أن يُخرج روشناً فيه ، لم يكن له ذلك‌ ؛ لأنّ الدرب مملوكٌ لقومٍ بأعيانهم ، وليس له حقٌّ معهم فيه.

ولو كان له فيه باب ، فكذلك عندنا لا يجوز له الإحداث إلّا بإذن باقي أربابه.

وللشافعيّة قولان تقدّما(١) .

وإذا أذن أرباب الدرب المختصّ بهم في وضع بابٍ أو نصب ميزابٍ أو إشراع جناحٍ أو روشنٍ أو ساباطٍ ، كان هذا الإذن عاريةً يجوز له الرجوع فيه متى شاء ، لكن مع الأرش ؛ لأنّه سبب في إتلاف مال الغير ، على إشكالٍ.

مسألة ١٠٦٥ : يجوز فتح الروازن والشبابيك في الحيطان التي في الدروب المسدودة‌ ، وليس لأحدٍ منعُ ذلك ، سواء كان لصاحب الحائط في ذلك الدرب بابٌ أو لم يكن ؛ لأنّ له رفعَ جميع الحائط وأن يضع مكانه شُبّاكاً فبعضه أولى ، وإنّما مُنع في الباب لمعنىً غير موجودٍ هنا.

وكذا له فتح روزنةٍ وشُبّاكٍ في حائطه الفاصل بينه وبين جاره وإن حرم عليه الاطّلاع إلى دار الغير ، بل ليستفيد الإضاءة في بيته. وللجار أن‌

____________________

(١) في ص ٤٨ ، « الثاني : الطرق غير النافذة ».

٥٨

يبني حائطاً في وجه شُبّاكه وروزنته وأن يمنع الضوء بذلك ، لا سدّ الروزنة والشُّبّاك.

مسألة ١٠٦٦ : يجوز لكلّ أحدٍ الاستطراقُ في الطرق النافذة على أيّ حالٍ شاء‌

من سرعةٍ وبطءٍ وركوبٍ وترجّلٍ ، ولا فرق في ذلك بين المسلم والكافر ؛ لأنّها موضوعة لذلك.

وأمّا الطرق المقطوعة : فكذلك مع إذن أربابها.

ولو منع واحد أو منعوا بأسرهم ، فالأقرب : عدم المنع ؛ لأنّ لكلّ أحدٍ دخولَ هذا الزقاق ، كدخول الدرب النافذ.

وفيه إشكال أقربه : إنّ جواز دخولها من قبيل الإباحات المستندة إلى قرائن الأحوال ، فإذا عارضه نصّ المنع عُمل به.

وأمّا الجلوس بها وإدخال الدوابّ إليها فالأقوى : المنع ، إلّا مع إذن الجميع فيه.

ولو كان بين داريه طريقٌ نافذ فحفر تحته سرداباً من إحداهما إلى الأُخرى وأحكم الأزج ، قال بعض الشافعيّة : لم يُمنع(١) .

وهو جيّد إن لم يتضرّر به أحد من المارّة.

وليس له أن يحفر على وجه الأرض ثمّ يعمل الأزج.

وكذا لا يجوز عمل السرداب في الطريق المسدود - إلّا بإذن أربابه - وإن أحكم الأزج وحفر تحت الأرض ؛ لأنّ أربابه محصورون ، وسواء حصل لهم ضرر بذلك أو لا ، خلافاً لبعض الشافعيّة(٢) .

ولا يجوز وضع ساقيةٍ مبتكرة في دربٍ مسلوك ، سواء تضرّر بها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٥.

٥٩

السائرون فيها ، أو لا ، ولو حفرها كان لكلّ أحدٍ إزالتها.

ولو وضع عليها أزجاً محكماً ، فالأقرب : جواز إزالته لكلّ أحدٍ.

ولو سدّ الطريق النافذ ، كان لكلّ أحدٍ إنفاذه كما كان ، وإزالة السدّ وإعادته كما كان.

ولو جعل الطريق المقطوع مسلوكاً بأن جعل الاستطراق في ملكه ورفع الحاجز ، فإن كان سبّله مؤبّداً وسلك فيه أحد لم يكن له بعد ذلك قطعه ، ولو لم يرد تسبيله كان كالعارية يجوز له الرجوع فيه.

ولو غصب ملك غيره فجعله طريقاً ، كان للمالك الرجوعُ إلى عين ملكه وقطع السلوك منه.

البحث الثاني : الجدران‌.

والنظر في أُمور ثلاثة :

الأوّل : التصرّف.

الجدار بين الملكين إمّا أن يكون مختصّاً بمالكٍ واحد ، أو يكون مشتركاً بين صاحبي الملكين.

فإن كان مختصّاً بمالكٍ واحد ، كان له التصرّف فيه كيف شاء بهدمٍ وبناءٍ وغير ذلك ، وليس للآخَر وضع خشبةٍ ولا جذعٍ عليه إلّا بإذن مالكه ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(١) - لقولهعليه‌السلام :

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٢ ، الوسيط ٤ : ٥٦ ، الوجيز ١ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦ ، المغني ٥ : ٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٣ - ١٦٥٤ / ١١٦٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

في يد الـمُستعير هل يكون الولد مضموناً في يده؟ إن قلنا : إنّ العارية مضمونة ضمانَ الغاصب(١) ، كان مضموناً عليه ، وإلّا فلا. وليس له استعماله إجماعاً.

وهذا الخلاف الجاري في العارية أنّها كيف تُضمن آتٍ في المأخوذ على وجه السوم.

لكنّ الأصحّ عند بعض الشافعيّة : إنّ الاعتبار في المستام بقيمته يوم القبض ؛ لأنّ تضمين أجزائه غير ممتنعٍ(٢) .

وقال غيره : الأصحّ كهو في العارية(٣) .

وهذا كلّه فيما إذا تلفت العين بغير الاستعمال.

مسألة ١١٨ : لو تلفت العين المستعارة المضمونة بالاستعمال‌ ، مثل أن ينمحق الثوب باللُّبْس ، فالوجه : ضمان العين وقت التلف ؛ لأنّ حقّ العارية أن تُردّ ، والإذن في الانتفاع إنّما ينصرف غالباً إلى استعمالٍ غير مُتلفٍ ، فإذا تعذّر الردّ لزم الضمان ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأصحّ عندهم : إنّ العين لا تُضمن كالأجزاء ؛ لأنّه إتلاف استند إلى فعلٍ مأذونٍ فيه(٤) .

وعلى الأوّل لهم وجهان :

أحدهما : كما قلناه من أنّه تُضمن العين وقت التلف ، وهو آخر حالات التقويم.

____________________

(١) الظاهر : « ضمانَ الغصب ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ٦ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٧.

٢٨١

والثاني : إنّه تُضمن العين بجميع أجزائها(١) .

مسألة ١١٩ : قد مضى البحث في ضمان العين‌ ، وأمّا ضمان الأجزاء فإن تلف منها شي‌ء بسبب الاستعمال المأذون فيه كانمحاق الثوب باللُّبْس المأذون فيه ، لم يلزم الـمُستعير ضمانه ؛ لحدوثه عن سببٍ مأذونٍ فيه ، وهو قول الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يلزمه الضمان ؛ لأنّ العارية مؤدّاة ، فإذا تلف بعضها فقد فات ردّه ، فيضمن بدله(٣) .

والمعتمد : الأوّل.

وأمّا إن تلف من الأجزاء شي‌ء بغير الاستعمال ، فإن كانت العين مضمونةً كان الـمُستعير ضامناً للأجزاء ، وإلّا كانت أمانةً كالعين ، كما لو تلفت العين بأسرها ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه لا يجب ضمانها على الـمُستعير ، كما لو تلفت بالاستعمال ، ويكتفى بردّ الباقي(٤) .

واعلم أنّ تلف الدابّة بسبب الركوب والحمل المعتاد كانمحاق الثوب ، وتعيّبها بالركوب أو الحمل وشبهه كالانسحاق.

ولو قرّح ظهرها بالحمل وتلفت منه ، قال بعض الشافعيّة : يضمن ، سواء كان متعدّياً بما حمل أو لا ؛ لأنّه إنّما أذن له في الحمل ، لا في الجراحة ، وردُّها إلى المالك لا يُخرجه عن الضمان ؛ لأنّ السراية تولّدت من مضمونٍ ، فصار كما لو قرّح دابّة الغير في يده(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٢

وفيه نظر.

مسألة ١٢٠ : المستأجر يملك المنفعة ملكاً تامّاً‌ ، ولهذا جاز له أن يؤجر العين مدّة إجارته ، والمنفعة قابلة للنقل ، فجاز أن يعيرها ، فإذا استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ، كان حكمها حكم العارية من المالك في الضمان وعدمه.

والشافعي القائل بالضمان في مطلق العارية له هنا قولان :

أحدهما : إنّه يضمن الـمُستعير هنا ، كما لو استعار من المالك.

والثاني - وهو الأصح عنده - : إنّه لا يضمن ؛ لأنّ المستأجر لا يضمن ، وهو نائب المستأجر ، ألا ترى أنّه إذا انقضت مدّة الإجارة ارتفعت العارية واستقرّت الإجارة على المستأجر بانتفاع الـمُستعير.

ومئونة الردّ في هذه الاستعارة على الـمُستعير إن ردّ على المستأجر ، وعلى المالك إن ردّ عليه ، كما لو ردّ عليه المستأجر(١) .

مسألة ١٢١ : إذا استعار من الغاصب العينَ المغصوبة وكان عالماً أو جاهلاً ثمّ قامت البيّنة بالغصب ، لم يجز له ردّها على الـمُعير‌ ؛ لأنّه ظالم ، ووجب عليه ردّها إلى مالكها ، فإن كان قد استعملها الـمُستعير مدّةً لمثلها أُجرة كان للمغصوب منه الرجوعُ بأُجرة مثلها على أيّهما شاء.

وكذا إن نقص شي‌ء من أجزائها ، فله الرجوع بقيمة ذلك ؛ لأنّ الغاصب ضمنها باليد المتعدّية ، والـمُستعير أتلف منافع الغير بغير إذنه ، وأتلف أجزاء عينه.

فإن رجع على الـمُستعير ، فالأقرب : إنّه لا يرجع على الـمُعير ؛ لأنّ‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٣

التلف وقع في يده ، ولأنّه ضمن ما أتلفه ، ولا يرجع به على غيره ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يرجع عليه - وبه قال أحمد - لأنّه غرّه بأنّه دخل في العارية على أنّه لا يضمن المنفعة والأجزاء(١) .

وإن رجع على الـمُعير ، فهل يرجع الـمُعير على الـمُستعير؟ يبنى على القولين ، إن قلنا : لو رجع على الـمُستعير رجع به على الـمُعير ، فإنّ الـمُعير لا يرجع به ، وإن قلنا : لو رجع على الـمُستعير لم يرجع به ، فإنّ الـمُعير يرجع به.

فأمّا إن تلفت العين في يد الـمُستعير ، فإنّ لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما بقيمتها ، و [ قرار ](٢) الضمان على الـمُستعير ؛ لأنّ المال حصل في يده بجهةٍ مضمونة.

ثمّ إن تساوت القيمة في يده ويد الغاصب فلا بحث ، وإن تفاوتت فإن كانت قيمتها في يد الـمُستعير يوم التلف أكثر ، فإن رجع المالك بها على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير بها على الـمُعير قولاً واحداً ؛ لأنّ العارية مضمونة على الـمُستعير.

وإن كانت قيمتها في يد الـمُعير أكثر ، لم يطالب المالكُ الـمُستعير بالزيادة ؛ لأنّها تلفت في يد الـمُعير ولم يحصل في يده ، وإنّما يطالب بالزيادة الـمُعير ؛ لأنّها تلفت في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٩٤ ، البيان ٦ : ٤٥٧ - ٤٥٨ ، وانظر : المغني ٥ : ٤١٤ - ٤١٥ ، والشرح الكبير ٥ : ٤٢٣.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ث » : « من ». وفي « ج » والطبعة الحجريّة : « من أنّ ». وكلاهما ساقط في « خ ، ر ». والمثبت من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٧٨.

٢٨٤

وإذا طالَب المالك بغرامة المنافع ، فإن طالَب الـمُستعير غُرْمها ، فالمنفعة التي تلفت تحت يده قرار ضمانها على الـمُعير ؛ لأنّ يد الـمُستعير الجاهل في المنافع ليست يدَ ضمانٍ ، والتي استوفاها بنفسه الأقوى : إنّ الضمان يستقرّ عليه ؛ لأنّه مباشر للإتلاف ، وهو أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّ الضمان على الـمُعير ؛ لأنّه غرّه(١) .

والـمُستعير من المستأجر من الغاصب حكمه حكم الـمُستعير من الغاصب إن قلنا بأنّ الـمُستعير من المستأجر ضامن ، وإلّا فيرجع بالقيمة التي غرمها على المستأجر ، ويرجع المستأجر على الغاصب.

مسألة ١٢٢ : لو أنفذ وكيله إلى موضعٍ وسلّم إليه دابّةً ليركبها إليه في شغله‌ فتلفت الدابّة في يد الوكيل من غير تعدٍّ ، لم يكن عليه ضمان ، وهو ظاهرٌ عندنا ؛ فإنّا لا نوجب الضمان على الـمُستعير.

وأمّا الشافعي القائل بالضمان فإنّه نفاه هنا أيضاً ؛ لأنّ الوكيل لم يأخذ الدابّة لغرض نفسه ، بل لنفع الموكّل ، فالـمُستعير في الحقيقة المالك(٢) .

وكذا لو سلّم الدابّة إلى الرائض ليروضها(٣) فتلفت ، لم يضمن ؛ لأنّه في مصلحة المالك.

وكذا لو كان له عليها متاع فأركب إنساناً غيره فوق ذلك المتاع ليحفظه ويحترز عليه ، فتلفت الدابّة ، لم يكن على الراكب ضمان ؛ لأنّه في شغل المالك.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) راض الدابّة يروضها : وطّأها وذلّلها أو علّمها السير. لسان العرب ٧ : ١٦٤ « روض ».

٢٨٥

ولو وجد ماشياً في الطريق قد تعب من المشي فأركبه دابّته ، فعندنا لا ضمان إذا لم يتعدّ ؛ بناءً على أصلنا من عدم تضمين العارية.

وأمّا عند الشافعي فالمشهور أنّ الراكب يضمن ، سواء التمس الراكب الركوبَ للاستراحة ، أو ابتدأ المالك بإركابه ؛ لأنّها عارية محضة ، والعارية على أصله مضمونة(١) .

وقال الجويني من الشافعيّة : إنّه لا يضمن الراكب ؛ لأنّ القصد من هذه العارية التصدّق والقربة ، والصدقات في الأعيان تفارق الهبات ، ألا ترى أنّه يرجع في الهبة ولا يرجع في الصدقة ، فلذلك يجوز أن تفارق العارية التي هي صدقة سائر العواريّ في الضمان(٢) .

ولو أركبه مع نفسه ، فلا ضمان عندنا على الرديف. وعلى قول الشافعي إنّه يضمن النصف(٣) .

وقال الجويني : لا يلزمه شي‌ء ؛ تشبيهاً له بالضيف(٤) .

وعلى الأوّل لو وضع متاعه على دابّة غيره وأمره أن يسيّر بالدابّة ففعل ، كان صاحب المتاع مستعيراً من الدابّة بقسط متاعه ممّا عليها ، حتى لو كان عليها مثل متاعه وتلفت ضمن نصف الدابّة(٥) .

ولو لم يقل صاحب المتاع : سيِّرها ، ولكن سيَّرها المالك ، لم يكن صاحب المتاع مستعيراً ، وضمن صاحب الدابّة المتاعَ ؛ لأنّه كان من حقّه أن‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٧١ ، الوجيز ١ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٧٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٩.

٢٨٦

يطرح المتاع.

ولو كان لأحد الرفيقين في السفر متاع وللآخَر دابّة ، فقال صاحب المتاع للآخَر : احمل متاعي على دابّتك ، ففَعَل ، فصاحب المتاع مستعير لها.

ولو قال صاحب الدابّة : أعطني متاعك لأضعه على الدابّة ، فهو مستودع للمتاع.

ولا تدخل الدابّة في ضمان صاحب المتاع في الصورتين عندنا ، وفي الثانية عند الشافعي(١) .

مسألة ١٢٣ : تجوز استعارة الدابّة للركوب والحمل‌ ، سواء أطلق أو قيّد بالزمان أو المنفعة ، وأن يستعيرها ليركبها ؛ لأنّه تجوز إجارتها لذلك ، والإعارة أوسع ؛ لجوازها فيما لا تجوز إجارته ، فإن استعارها إلى موضعٍ فتجاوزه فقد تعدّى في العارية من وقت المجاوزة ، وكان ضامناً من حين العدوان ، ومطلقاً عند الشافعي(٢) ، فإذا استعارها من بغداد إلى الحلّة فتجاوزها إلى الكوفة ، فعليه أُجرة ما بين الحلّة والكوفة ذهاباً وعوداً.

وهل تلزمه الأُجرة من ذلك الموضع الذي وقع فيه العدوان - وهو الحلّة - إلى أن يرجع إلى البلد الذي استعار منه ، وهو بغداد؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّه مأذون فيه من جهة المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : اللزوم ؛ لأنّ ذلك الإذن قد انقطع بالمجاوزة(٣) . وهو ممنوع.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٧

إذا عرفت هذا ، فلو شرط الضمان في العارية أو أطلق وقلنا بضمان العواري ، فإنّ الدابّة تكون مضمونةً عليه إلى الحلّة ضمانَ العارية ، ولا أُجرة عليه ؛ لأنّه مأذون له في ركوبها ، فإذا جاوز ضمنها ضمانَ الغصب ، ووجب عليه أُجرة منافعها ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) .

وأبو حنيفة يقول : إنّها أمانة إلى الحلّة ، فإذا جاوزها كانت مغصوبةً ، فإذا ردّها إلى الحلّة لم يزل ضمان الغصب ، بخلاف قوله في الوديعة إذا أخرجها من حرزها ثمّ ردّها إليه(٢) .

إذا ثبت هذا ، فعلى قول الشافعي بانقطاع الإذن من حين التعدّي ليس له الركوب من الحلّة إلى بغداد ، بل يسلّم الدابّة إلى حاكم الحلّة الذي استعار إليه(٣) .

مسألة ١٢٤ : إذا دفع إليه ثوباً وقال : إن شئت أن تلبسه فالبسه‌ ، فهو قبل اللُّبْس وديعة ، وبعده عارية ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر مخرَّج من السوم ؛ لأنّه مقبوض على توقّع الانتفاع ، فكما أنّ المأخوذ على سبيل السوم مقبوض على توقّع عقد ضمانٍ ، كذا هنا.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٣٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٣ / ٤٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٤ ، وراجع أيضاً الهامش (٢) من ص ١٦٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٨

قال هذا القائل : لو قيل : لا ضمان في السوم أيضاً تخريجاً ممّا نحن فيه ، لم يبعد(١) .

ولو استعار صندوقاً فوجد فيه شيئاً ، فهو أمانة عنده ، كما لو طيّر الريح الثوبَ في داره ، فلا ضمان فيه وإن كانت العارية مضمونةً ، إلّا مع التفريط أو التعدّي.

مسألة ١٢٥ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يستعير الصيد‌ ، فإن استعاره من الـمُحلّ لم يجز ، فإن قبضه ضمنه لله تعالى بالجزاء ، ولصاحبه ضمان العارية.

فإن استعار مُحلٌّ من مُحْرمٍ صيداً كان يملكه قبل أن يُحرم ، كان ذلك مبنيّاً على القولين في زوال ملكه عنه بالإحرام.

فإن قلنا : لـمّا أحرم زال ملكه عنه بالإحرام ، فقد وجب عليه إرساله ، فإذا دفعه إلى الـمُحلّ لم يجز له ، إلّا أنّ الـمُحلّ لا يضمنه له ؛ لأنّه ليس يملكه ، ولا يضمنه لله تعالى ؛ لأنّه مأذون له في إتلاف الصيد ، إلّا أنّه إذا تلف ضمنه الـمُحْرم ؛ لأنّه تلف بسببٍ من جهته ، وهو تسليمه إلى الـمُحلّ.

وإن قلنا ببقاء ملك الـمُحْرم فيه ، جاز له إعارته ، ويكون مضموناً على الـمُحلّ ضمانَ العارية لصاحبه.

ولو كان الـمُحْرم في الحرم والصيد فيه ، لم يجز له إعارته ، ولا للمُحلّ استعارته.

مسألة ١٢٦ : إذا ردّ الـمُستعير العاريةَ إلى مالكها أو إلى وكيله ، برئ من ضمانها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٠.

٢٨٩

وإن ردّها إلى ملك مالكها بأن حمل الدابّةَ إلى اصطبل المالك وأرسلها فيه ، أو ردّ آلةَ الدار إليها ، لم يزل عنه الضمان ، وبه قال الشافعي(١) ، بل عندنا إن لم تكن العارية مضمونةً فإنّها تصير بهذا الردّ مضمونةً ؛ لأنّه لم يدفعها إلى مالكها ، بل فرّط بوضعها في موضعٍ لم يأذن له المالك بالردّ إليه ، كما لو ترك الوديعة في دار صاحبها فتلفت قبل أن يتسلّمها المالك ؛ لأنّه لم يردّها إلى صاحبها ولا إلى مَنْ ينوب عنه ، فلم يحصل به الردّ ، كما لو ردّها إلى أجنبيٍّ.

وقال أبو حنيفة : إذا ردّها إلى ملك المالك ، صارت كأنّها مقبوضة ؛ لأنّ ردّ العواري في العادة يكون إلى أملاك أصحابها ، فيكون ذلك مأذوناً فيه من طريق العادة(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه يبطل بالسارق إذا ردّ المسروق إلى الحرز ، ولا نعرف العادة التي ذكرها ، فبطل ما قاله.

المبحث الثالث : في التنازع.

مسألة ١٢٧ : إذا اختلف المالك والـمُستعير ، فقال المالك : آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا‌ ، وقال الـمُستعير : بل أعرتنيها ، والعين باقية بعد انقضاء المدّة بأسرها أو بعضها ممّا له أُجرة في العادة ، قال الشيخرحمه‌الله في الخلاف :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣ / ٤٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٩١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٣.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٥ / ٣١٧٢ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٩ / ٦٧٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٣١ ، البيان ٦ : ٤٦٠.

٢٩٠

القول قول الـمُستعير - وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّهما اتّفقا على أنّ تلف المنافع كان على ملك الـمُستعير ؛ لأنّ المالك يزعم أنّه ملَّكها بالإجارة ، والـمُستعير يزعم أنّه مَلَكها بالاستيفاء ؛ لأنّ الـمُستعير يملك بذلك ، وقد ادّعي عليه عوض ما تلف على ملكه ، والأصل عدم وجوبه ، فكان القولُ قولَه ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة ، والمالك يدّعي شغلها ، فيحتاج إلى البيّنة(٢) .

وقال مالك : القول قول المالك مع اليمين ؛ لأنّ المنافع جارية مجرى الأعيان ، وقد ثبت أنّه لو كان أتلف عليه عيناً كما لو أكل طعامه وقال : كنتَ أبحتَه لي ، وأنكر المالك ، فإنّ القول قول المالك ، أو كانت في يده وادّعى أنّه وهبها منه وأنكر صاحبها ذلك وادّعى أنّه باعها منه : إنّ القول قول صاحبها ، كذا هنا ، ولأنّ المنافع تابعة للأعيان في الملك ، فهي بالأصالة لمالك العين ، فادّعاء الـمُستعير التفرّدَ بالملكيّة لها على خلاف الأصل ، فيحتاج إلى البيّنة(٣) .

وأمّا الشافعي فقد قال في كتاب العارية : إنّه إذا اختلف مالك الدابّة وراكبها ، فقال صاحبها : آجرتكها بكذا ، وقال الراكب : أعرتنيها ولا أُجرة لك علَيَّ ، فالقول قول الراكب(٤) .

____________________

(١) روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، البيان ٦ : ٤٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٨٨ ، المسألة ٣ من كتاب العارية.

(٣) النوادر والزيادات ١٠ : ٤٦٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١.

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٥ ، مختصر المزني : ١١٦ و ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، =

٢٩١

وقال في كتاب المزارعة : ولو اختلف الزارع وصاحب الأرض ، وادّعى صاحب الأرض أنّه آجره إيّاها ، وادّعى الزارع أنّه أعاره إيّاها : إنّ القولَ قولُ صاحب الأرض(١) .

واختلف أصحابه في ذلك :

فقال أبو إسحاق وجماعة : إنّه لا فرق بين المسألتين ، وإنّ فيها قولين ، ونقلوا جوابه من كلّ واحدةٍ منهما إلى أُخرى(٢) .

ومنهم مَنْ قال : إنّ المسألتين مختلفتان ، وفرّق بينهما بأنّ العادة جارية بأنّ الدوابّ تُعار ، فكان الظاهر مع الراكب ، ولم تَجْر العادة بإعارة الأرضين ، فكان الظاهر مع صاحبها(٣) .

قال الأوّلون : هذا ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ مثل هذه العادة لا اعتبار بها في التداعي ، ولهذا لو اختلف العطّار والدبّاغ في آلة العطر لا يُرجّح قول العطّار‌

____________________

= الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٧٦ / ٤٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٧١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣١٩٩.

(١) مختصر المزني : ١٣٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، الوجيز ١ : ٢٠٥ ، الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٨ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٩ / ٣٢٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢١ و ٤٧٢ - ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ و ٤٧٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٠.

٢٩٢

وإن كانت العادة جاريةً بأنّ آلة العطّار لا تكون للدبّاغ.

وفرّقوا بين هذه المسألة وبين ما إذا غسل ثوبه غسّال أو خاطه خيّاط ثمّ قال : فعلتُه بالأُجرة ، وقال المالك : بل فعلتَ ذلك مجّاناً ، فإنّ القول قول المالك مع يمينه قولاً واحداً ؛ لأنّ الغسّال فوّت منفعة نفسه ثمّ ادّعى لها عوضاً على الغير ، وهناك المتصرّف فوّت منفعة مال الغير وأراد إسقاط الضمان عن نفسه ، فلم يُقبل(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا : القول قول الـمُستعير ، فحلف على نفي الإجارة ، كفاه ، وسقط عنه المطالبة ، وردّ العين ، وإن نكل حلف المالك ، واستحقّ بيمينه المسمّى ؛ لأنّ اليمين مع النكول إمّا أن تكون بمنزلة البيّنة أو الإقرار ، وأيّهما كان يثبت به المسمّى ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر ضعيف : إنّه يستحقّ أُجرة المثل ؛ لأنّ الناكل ينفي أصل الإجارة ، فتقع يمين المدّعي على إثباته(٣) .

وليس هذا الوجه عندي بعيداً من الصواب.

وإن قلنا : القول قول المالك مع يمينه ، فإنّه يحلف على نفي الإعارة التي تدّعى عليه ، ولا يتعرّض لإثبات الإجارة ؛ لأنّه مدّعٍ فيها ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

فحينئذٍ إذا حلف على نفي الإعارة ، فالأقوى عندي : إنّ الـمُستعير يحلف على نفي الإجارة ، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من أُجرة‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢.

(٣) البيان ٦ : ٤٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٣

المثل والمسمّى ؛ لأنّه إن كانت أُجرة المثل أقلَّ فهو لم يُقم حجّةً على الزيادة ، وإن كان المسمّى أقلَّ فقد أقرّ بأنّه لا يستحقّ الزيادة.

وقال بعض الشافعيّة : إذا حلف المالك على نفي الإعارة ، استحقّ أقلَّ الأمرين من أُجرة المثل والمسمّى إن لم يحلف الـمُستعير.

قال : وإن قلنا : إنّ المالك يحلف على إثبات الإجارة ونفي الإعارة ويجمع بينهما في يمينه ، ففيما يستحقّه وجهان :

أحدهما : المسمّى إتماماً لتصديقه.

وأظهرهما - وهو مقتضى منصوص الشافعي في الأُم(١) - أُجرة المثل ؛ لأنّهما لو اتّفقا على الإجارة واختلفا في الأُجرة كان الواجب أُجرة المثل ، فإذا اختلفا في أصل الإجارة كان أولى(٢) .

والجويني حكى الوجه الثاني على غير ما ذكر ، بل حكى بدله : إنّه يستحقّ أقلَّ الأمرين ؛ لما(٣) تقدّم.

قال : والتعرّض للإجارة على هذا ليس لإثبات المال الذي يدّعيه ، لكن لينتظم كلامه من حيث إنّه اعترف بأصل الإذن ، فحصل فيما يستحقّه ثلاثة أوجُه(٤) .

ولو نكل المالك عن اليمين المعروضة عليه ، لم تُردّ اليمين على الراكب والزارع ؛ لأنّهما لا يدّعيان حقّاً على المالك حتى يُثبتاه باليمين ، وإنّما يدّعيان الإعارة ، وليست حقّاً لازماً على الـمُعير.

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٣) الظاهر : « كما » بدل « لما ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١.

٢٩٤

وقال بعض الشافعيّة : إنّها تُردّ ؛ ليتخلّص من الغرم(١) .

مسألة ١٢٨ : لو وقع هذا الاختلاف عقيب العقد قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أجر‌ ، فالقول هنا قول الـمُستعير مع اليمين ، فإذا حلف على نفي الإجارة سقط عنه دعوى الأُجرة ، واستردّ المالك العين ، وإن نكل حلف المالك اليمينَ المردودة ، واستحقّ الأُجرة.

وهذا قول الشافعي أيضاً ، ولا قول له سواه ؛ لأنّ الراكب هنا لا يدّعي لنفسه حقّاً ولا أتلف المنافع على المالك ، والمدّعي في الحقيقة هنا هو المالك ، وإذا تمحّضت الدعوى له لم يتعدّد قوله كما يتعدّد في الصورة الأُولى ؛ لأنّ المنافع هناك تلفت تحت يد الراكب ، وكان القول بسقوطها مجّاناً بعيداً ، فلهذا كان له في الصورة الأُولى قولان(٢) .

مسألة ١٢٩ : لو حصل هذا الاختلاف بعد تلف العين‌ ، فإن تلفت عقيب الأخذ قبل أن يثبت لمثلها أُجرة وشرط في العارية الضمان أو قلنا به على مذهب القائلين بضمان العارية ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّ صاحبها يدّعي الإجارة وقد انفسخت بتلفها ، والـمُستعير يُقرّ بالقيمة ويعترف باستحقاقها في ذمّته ، والمالك ينكرها ، فليس للمالك حينئذٍ المطالبة بها.

ولو لم نقل بالضمان في العارية ولا شرطه المالك ، فلا بحث هنا ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعترف ببراءة ذمّة الـمُستعير.

وإن تلفت بعد مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة مع شرط الضمان أو القول به ، فالـمُستعير يُقرّ بالقيمة ، والمالك ينكرها ويدّعي الأُجرة ، فيبنى على الخلاف بين العامّة في أنّ اختلاف الجهة هل يمنع الأخذ؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٨.

٢٩٥

إن قلنا : نعم ، سقطت القيمة بردّه ، والقول في الأُجرة قول المالك أو الـمُستعير على الخلاف الذي تقدّم في الحالة الأُولى.

وإن قلنا : إنّ اختلاف الجهة لا يمنع الأخذ ، فإن كانت الأُجرة مثلَ القيمة أو أقلَّ أخذها بغير يمينٍ ، وإن كانت أكثر أخذ قدر القيمة ، وفي المصدّق في الزيادة الخلافُ المتقدّم(١) .

مسألة ١٣٠ : لو انعكس هذا الاختلاف ، فادّعى المالكُ الإعارةَ ، والمتصرّفُ الإجارةَ‌ ، فإن كانت العين باقيةً وكان الاختلاف عقيب التسليم قبل مضيّ مدّةٍ لمثلها أُجرة ، كان القولُ قولَ المالك ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي عليه عقداً واستحقاق منفعةٍ ، والمالك ينكره ، وإذا لم تكن بيّنة كان القولُ قولَ المنكر مع اليمين ، ثمّ تُستردّ العين.

وإن نكل حلف المتصرّف ، واستحقّ المنفعة المدّة والإمساك طولها.

وإن كان بعد مضيّ مدّة الإجارة ، فلا معنى للاختلاف ؛ لأنّهما اتّفقا على وجوب ردّها ، والمتصرّف يُقرّ للمالك بالأُجرة ، والمالك ينكرها.

وإن كان بعد مضيّ بعض المدّة ، فالقول قول المالك ؛ لأنّ الأصل عدم استحقاق الغير منفعة مال الغير ، فإذا حلف على نفي الإجارة أخذ العين ، وليس له مطالبته بالأُجرة عمّا مضى من المدّة ؛ لأنّه ينكرها والمتصرّف معترف له بها.

هذا إذا كان الاختلاف والعين باقية ، وأمّا إن اختلفا والعين تالفة ، فإن كان الاختلاف عقيب القبض قبل انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك هنا يدّعي قيمتها على المتصرّف مع شرط الضمان عندنا ، ومطلقاً عند‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٦

الشافعي(١) ، والمتصرّف ينكرها ، فيُقدَّم هنا قول المالك مع اليمين ؛ لأنّهما اختلفا في صفة القبض ، والأصل فيما يقبضه الإنسان من مال غيره الضمانُ ؛ لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه »(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد مضيّ المدّة ، فالمتصرّف يُقرّ بالأُجرة ، والمالك يدّعي عليه القيمة في المضمونة ، فإن كانت القيمة بقدر الأُجرة دفع إليه من غير(٣) يمينٍ ؛ لاتّفاقهما على استحقاق ذلك المقدار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا تثبت الأُجرة ؛ لأنّه لا يدّعيها ، ويكون القولُ قولَه في وجوب القيمة(٥) .

وإن كانت أقلَّ ، كان في قدرها الوجهان.

وإن كانت أكثر ، كان قدر الأُجرة منهما على الوجهين ، والباقي يستحقّه بيمينه.

وإن كان التلف في أثناء المدّة ، فقد أقرّ له ببعض الأُجرة ، وهو يدّعي القيمة ، والحكم في ذلك على ما ذكر.

مسألة ١٣١ : لو ادّعى المالكُ الغصبَ ، والمتصرّفُ الإعارةَ والعين باقية قائمة ، ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فلا معنى لهذا الاختلاف‌ ؛ إذ لم تفت العين ولا المنفعة ، ويردّ المتصرّفُ العينَ إلى المالك.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : إنّ القولَ قولُ المالك مع‌

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٧١ ، الهامش (٢)

(٣) في « ج » : « بغير » بدل « من غير ».

(٤ و ٥) البيان ٦ : ٤٧٦.

٢٩٧

يمينه ؛ لما تقدّم(١) من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان في التملّك ، فالقول قول مَنْ يدّعيها مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأنّ المتصرّف يدّعي انتقال المنفعة إليه بالإعارة وبراءة ذمّته من التصرّف في مال الغير ، فعليه البيّنة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : القول قول المتصرّف - وهو أحد أقوال الشافعي نقله المزني عنه(٢) - لأنّ المالك يدّعي عليه عوضاً ، والأصل براءة ذمّته منه ، ولأنّ الظاهر من اليد أنّها بحقٍّ ، فكان القولُ قولَ صاحبها(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لما بيّنّا من أصالة تبعيّة المنافع للأعيان ، ولأصالة عدم الإذن ، وكما أنّ الظاهر أنّ اليد بحقٍّ ، كذا الظاهر التبعيّة.

ولأصحاب الشافعي هنا ثلاثة طُرق :

أظهرها : إنّ الحكم هنا على ما تقدّم في المسألة السالفة ، فيُفرّق بين الدابّة والأرض على طريقٍ ، ويُجعلان على قولين في طريقٍ ؛ لأنّ المالك ادّعى أُجرة المثل هنا ، كما ادّعى المسمّى في الإجارة هناك ، والأصل براءة الذمّة.

والثاني : القطع بأنّ القول قول المالك ، بخلاف تلك المسألة ؛ لأنّهما متّفقان على الإذن هناك ، وهنا المالك منكر له ، والأصل عدمه. ومَنْ قال بهذا خطّأ المزني في النقل.

قال أبو حامد : لكنّه ضعيف ؛ لأنّ الشافعي نصّ في الأُمّ على ما رواه‌

____________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، المغني ٥ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٨٩ ، المسألة ٥ من كتاب العارية.

٢٩٨

المزني(١) .

والثالث : القطع بأنّ القول قول المتصرّف ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يتصرّف إلّا على وجهٍ جائز(٢) .

هذا إذا تنازعا والعين باقية.

مسألة ١٣٢ : لو وقع هذا الاختلاف وقد تلفت العين‌ ، فإن هلكت بعد انقضاء مدّةٍ لمثلها أُجرة ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة بجهة الغصب ، والمتصرّف يُنكر الأُجرة ويُقرّ بالقيمة بجهة العارية إن كانت مضمونةً ، فالحكم في الأُجرة على ما تقدّم عند بقاء العين.

وأمّا القيمة فإنّه يُحكم فيها بقول المتصرّف ؛ لأصالة براءة ذمّته من الزائد عن القيمة وقت التلف إن أوجبنا على الغاصب أعلى القِيَم.

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا : إنّ اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، فلا يأخذ المالك إلّا باليمين. وإن قلنا : لا يمنع فإن قلنا : العارية تُضمن ضمانَ الغصب ، أو لم نقل به لكن كانت قيمته يوم التلف أكثر ، أخذها باليمين ، وإن كانت قيمته يوم التلف أقلَّ ، أخذها بغير يمينٍ ، وفي الزيادة يحتاج إلى اليمين(٣) .

وإن هلكت عقيب القبض قبل مضيّ وقتٍ يثبت لمثله أُجرة ، لزمه القيمة.

ثمّ قياس القول الأوّل أن يقال : إن جعلنا اختلاف الجهة مانعاً من

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ ، وراجع الأُم ٣ : ٢٤٥ ، ومختصر المزني : ١١٦.

(٢) البيان ٦ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٢٩٩

الأخذ ، حلف ، وإلّا أخذ بغير يمينٍ.

وقضيّة ما قاله الجويني في مسألة التنازع بين الإجارة والعارية : إنّه لا يُخرّج على ذلك الخلاف لا هذه الصورة ولا ما إذا كان الاختلاف بعد مضيّ مدّةٍ يثبت لمثلها أُجرة.

قال : لأنّ العين متّحدة ، ولا وَقْع للاختلاف في الجهة مع اتّحاد العين(١) .

والظاهر : الأوّل عندهم(٢) .

وإن كانت العارية غيرَ مضمونةٍ ، فإنّ القولَ قولُ المالك في عدم الإعارة ، وقولُ المتصرّف في عدم الغصب لئلّا يضمن ضمانَ الغصب ، ثمّ يثبت على المتصرّف بعد حلف المالك على نفي الإعارة قيمتُها وقت التلف.

مسألة ١٣٣ : لو انعكس الفرض ، فقال المالك : أعرتُكها ، وقال المتصرّف : بل غصبتُها ، فلا فائدة في هذا الخلاف‌ ؛ لأنّ المتصرّف يُقرّ بالضمان ، والمالك يُنكره إن كانت العارية غير مضمونةٍ ، وإن كانت مضمونةً فإنّه يُنكر ضمان الغصب.

وإن مضت مدّة لمثلها أُجرة ، فالمالك ينفي استحقاق العوض عنها ، والمتصرّف يعترف له بها.

ولو قال المالك : غصبتَها ، وقال المتصرّف : بل آجرتني ، فإن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، فالأقوى : التحالف.

أمّا حلف المتصرّف على نفي الغصب : فلنفي زيادة الضمان إن‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392