تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء20%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118758 / تحميل: 5575
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

« لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسٍ منه »(١) ولأنّ العقل قاضٍ بقبح تصرّف الغير في مال الغير بغير إذنه.

وقال مالك وأحمد : إنّ للجار أن يضع الجذوع على جدار جاره ، فإن امتنع المالك أُجبر على ذلك ، وهو قول الشافعي في القديم(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يمنع أحدكم جارَه أن يضع خُشبه على جداره » قال : فنكّس القوم رؤوسهم ، فقال أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمينّها - أي لأضعنّ هذه السنّة - بين أظهركم(٣) .

ولو سُلّم الحديث لحُمل على الاستحباب ؛ لما تقدّم من الحديث الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فقد شرط الشافعي في قوله القديم أُموراً ثلاثة :

أ : أن لا يحتاج مالك الجدار إلى وضع الجذوع عليه.

ب : أن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار ، ولا يبني عليه أزجاً ، ولا يضع عليه ما لا يحتمله الجدار ، ويضرّ به.

ج : أن لا يملك شيئاً من جدران البقعة التي يريد تسقيفها ، أو‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ٣ : ٢٦ / ٩١ ، مسند أحمد ٦ : ٦٩ / ٢٠١٧٢ بتفاوت يسير.

(٢) المنتقى - للباجي - ٦ : ٤٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٧ - ٥٩٨ / ١٠٠٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٤ / ١١٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٩١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٢ ، الوسيط ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٢٣٨ - ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦ ، المغني ٥ : ٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣ (٧)

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٧٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٠ / ١٦٠٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٣ / ٢٣٣٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٣١٤ - ٣١٥ / ٣٦٣٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٣٥ / ١٣٥٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٨ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٥ / ٣٢ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٧ / ٨٩٠٠.

٦١

لا يملك إلّا جداراً واحداً ، فإن مَلَك جدارين فليسقف عليهما ، ولا يُجبر - والحال هذه - صاحب الجدار(١) .

وجَعَل بعض الشافعيّة عوض الشرط الثالث أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانبٍ رابع ، فأمّا إذا كان الكلّ للغير ، فإنّه لا يضع الجذوع عليها قولاً واحداً(٢) .

مسألة ١٠٦٧ : قد بيّنّا أنّه ليس للجار وضع جذعٍ ولا غيره على حائط الغير‌ وإن كان محتاجاً إلى الوضع وكان الجار مستغنياً عن الحائط ، إلّا بإذنه ، فإن أذن في الوضع بغير عوضٍ فهو إعارةٌ له الرجوع فيها متى شاء قبل الوضع مجّاناً قطعاً.

وأمّا بعد الوضع للجذوع والبناء عليها : فالأقرب : إنّ له الرجوعَ أيضاً ، كما في سائر العواري ، لكن ليس له القلع مجّاناً ، بل مع الأرش وإن كان القلع يؤدّي إلى خراب ملك الجار ، وإن شاء أبقاه بالأُجرة ، فيثبت له الخيار بين القلع بالأرش وبين التبقية بالأُجرة ، كما لو أعار أرضاً للبناء ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٣) .

قالوا : إلّا أنّ في إعارة الأرض أمراً ثالثاً يتخيّر فيه ، وهو تملّك البناء بالقيمة ، وليس لمالك الجدار ذلك ؛ لأنّ الأرض أصلٌ ، فجاز أن تستتبع البناء ، والجدار تابع فلا يستتبع(٤) .

وعندي أن لا ثالث هنا ولا في الأرض.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦٢

وقال بعض الشافعيّة : إنّه ليس له القلع ؛ لأنّ ضرر القلع يتداعى إلى ما هو خالص ملك المستعير ؛ لأنّ الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك على الجدار الثاني ، بل تثبت له الأُجرة خاصّةً(١) .

وقال بعضهم : إنّه ليس له الرجوعُ أصلاً ، ولا يستفيد به القلع ولا طلب الأُجرة للمستقبل(٢) ؛ لأنّ مثل هذه الإعارة يراد بها التأبيد ، فكان بمنزلة ما لو أعار أرضاً للدفن فدفن ، لم يتمكّن المعير من قلعه ولا من طلب الأُجرة(٣) .

ولعلّ بينهما فرقاً.

مسألة ١٠٦٨ : لو أذن للجار في وضع الجذوع على جداره فوَضَعها ، لم يستعقب ذلك المطالبة بالأُجرة‌ عمّا قبل الرجوع ، فإن رفع صاحب الجذوع جذوعه لم يكن له إعادتها إلّا بإذنٍ جديد ؛ لأنّ الإذن الأوّل زال بزواله.

وكذا لو أذن في وضع روشنٍ على حائطه أو جناحٍ أو ساباطٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّ له الوضعَ ؛ عملاً باستصحاب الإذن الأوّل(٤) .

وكذا لو سقطت الجذوع أو الروشن أو الساباط أو الجناح بنفسه.

ولو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة فكذلك ؛ لأنّ الإذن لا يتناول إلّا مرّةً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « في المستقبل » بدل « للمستقبل ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ (٧)

(٤) البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦٣

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو بناه بغير تلك الآلة ، لم يُعِد الوضعَ إلّا بإذنٍ جديد عندنا وعند الشافعيّة قولاً واحداً(٢) .

ولو صالحه على وضع الجذوع أو الجناح أو الروشن أو الساباط على حائطه ، جاز ، وبه قال الشافعي(٣) ، بخلاف ما لو صالحه عن إشراع الجناح ؛ لأنّه صلح عن الهواء المجرّد ، فلا يجوز عنده(٤) .

وقد سبق(٥) كلامنا فيه.

ولو رضي مالك الجدار بوضع الجذوع بعوضٍ ، فذلك إمّا بيع أو إجارة ، وسيأتي.

وعلى قول الشافعي - بأنّ له الإجبارَ على وضع الخشب(٦) - لا تصحّ المعاوضة ولا الصلح عليه بمالٍ ؛ لأنّ مَنْ ثبت له حقٌّ لا يؤخذ منه عوضٌ عليه(٧) .

لكنّا قد بيّنّا بطلان هذا القول من رأسٍ.

مسألة ١٠٦٩ : إذا كان الجدار مشتركاً بين اثنين وأكثر ، لم يكن لأحدٍ من الشركاء التصرّفُ فيه بشي‌ءٍ‌ من وجوه الانتفاعات حتى ضَرْب الوتد فيه وفتح الكُوّة بل وأخذ أقلّ ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب بدون إذن‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ - ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٥) في ص ٥٥ - ٥٦ ، المسألة ١٠٦٢.

(٦) راجع الهامش (٢) من ص ٦٠.

(٧) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

٦٤

جميع الشركاء فيه كغيره من الأموال المشتركة مطلقاً ، سواء كان وضع جذوعٍ عليه أو لا.

وللشافعي في الإجبار على وضع الجذوع قولان ؛ لأنّ له أن يُجبر جاره على وضع جذوعه على جداره ، فشريكه أولى(١) .

والأصل قد بيّنّا بطلانه.

نعم ، يجوز الانتفاع منه بل ومن جدار الغير بما لا تقع المضايقة فيه ، كالاستناد إليه وإسناد المتاع إليه إذا لم يتضرّر الجدار به ؛ لأنّه بمنزلة الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بسراجه.

ولو منع مالك الجدار من الاستناد ، فالوجه : التحريم ؛ لأنّه نوع تصرّفٍ بإيجاد الاعتماد عليه.

ولو بنى في ملكه جداراً متّصلاً بالجدار المشترك أو المختصّ بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه ، جاز ، ولم يكن للآخَر الاعتراضُ.

[ الأمر ](٢) الثاني : القسمة.

مسألة ١٠٧٠ : لكلّ جسمٍ أبعاد ثلاثة : طولٌ وعرضٌ وعُمْقٌ.

ونعني بطول الحائط امتداده من زاويةٍ من البيت إلى الزاوية الأُخرى أو من حدٍّ من أرض البيت إلى حدٍّ آخَر من أرضه ، ولا نريد به ارتفاعه عن الأرض ؛ فإنّ ذلك هو العمق والسَّمْك باعتبار أخذ المساحة ، أو الاعتبار من تحتٍ ومن فوقٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين هنا وفيما يأتي في ص ٦٧ في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « النظر ». والظاهر ما أثبتناه.

٦٥

وأمّا العرض : فهو البُعْد الثالث منه.

فإذا كان طوله عشرةً وعرضه ذراعاً ، جاز قسمته في الطول والعرض إن أراداها ، فإذا طلب أحدهما قسمته في كلّ الطول ونصف العرض ليصير لكلّ واحدٍ نصف ذراعٍ في طول عشرةٍ ، وأجابه الآخَر ، جاز.

وكذا يجوز أن يقتسماه في كلّ العرض ونصف الطول ، فيصير لكلّ واحدٍ خمسة أذرع في عرض ذراعٍ.

فإن طلبا قسمته على الوجه الثاني ، كان للحاكم أن يُعلِّم بينهما بعلامةٍ ويخطّ رسماً للتنصيف ، أو يشقّ الجدار وينشره بالمنشار.

وإن طلبا قسمته على الوجه الأوّل ، قسّمه بالعلامة ، دون الشقّ والنشر ؛ لأنّ شقّ الجدار في الطول إتلافٌ له وتضييعٌ.

ولو باشر الشريكان قسمته بالمنشار ، لم يمنعهما أحد ، كما لو نقضاه واقتسما الانقاض.

ولو طلب أحد الشريكين قسمة الجدار وامتنع الآخَر ، نُظر إن طلب القسمة على الوجه الأوّل ، لم تجب الإجابة ؛ لأنّا لو أوجبنا القسمة على هذا النحو لأُقرع في التخصيص ، والقرعة ربما تُعيّن الشقّ الذي يلي أحدهما للآخَر ، والذي يلي الآخَر للأوّل ، فلا يتمكّن أحدهما من الانتفاع بما وقع له بالقسمة ، ولأنّه لا يتمكّن من إفصال أحدهما من الآخَر بفَصْلٍ محقّق ؛ لأنّ غايته رسم خطٍّ بين الشقّين ، فإذا بنى أحدهما على ما صار إليه ، تعدّى الثقل والتحامل إلى الشقّ الآخَر.

نعم ، لو تراضيا على هذه القسمة ، جاز ، وكان رسم الخطّ كافياً في القسمة.

وعن بعض الشافعيّة أنّه يُجبر الممتنع عن القسمة ، ولا قرعة ، بل‌

٦٦

يُخصَّص كلّ واحدٍ منهما بما يليه ليقع النفع لهما معاً(١) .

وأمّا إن طلب أحدهما القسمة على الوجه الثاني - وهو قسمة نصف الطول في كلّ العرض - فإن رضي الآخَر وأجابه إليها ، جاز.

وإن امتنع فإن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع ، أُجبر عليها ، وإن تضرّر الممتنع لم يُجبر عليها.

وللشافعيّة وجهان في الإجبار ، فمَن اعتبر في القسمة الشقَّ والقطعَ مَنَع من القسمة ؛ لأنّ القطع يوجب إتلاف بعض الجدار ، ولا إجبار مع الإضرار(٢) .

وقال بعض هؤلاء : إنّ التضرّر والنقصان هنا هيّن في هذا النوع ، فكان بمنزلة قسمة الثوب الصفيق(٣) .

ومَن اكتفى في القسمة برسم العلامة والخطّ اختلفوا أيضاً :

فبعضهم جوّز الإجبار ؛ لأنّه يمكن تأتّي الانتفاع بما يصير إليه(٤) .

وبعضهم مَنَع ؛ لتعذّر الفاصلة المحقّقة(٥) .

مسألة ١٠٧١ : لو انهدم الجدار أو هدماه أو لم يرسماه في الأوّل‌

فأرادا قسمة عرصته في كلّ الطول ونصف العرض ولا ضرر مطلقاً أو لا ضرر على الممتنع ، فإن قلنا بتخصيص كلّ واحدٍ بالشقّ الذي يليه من غير قرعةٍ ، أُجيب طالبها إليها.

وإن منعنا من قسمة الحائط في المسألة الأُولى ، فللشافعيّة هنا وجهان مبنيّان على أنّ المنع في الحائط حذراً من القرعة أو من عدم تأتّي الفصل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

٦٧

المحقّق؟ فإن قالوا بالأوّل استمرّ المنع من القسمة هنا ؛ لأنّ المانع هناك موجود هنا ، وإن قالوا بالثاني أُجبر الممتنع عليها ؛ لزوال المانع ، لإمكان الفصل هنا(١) .

ولو طلب قسمتها في نصف الطول وكلّ العرض ، أُجيب ؛ لفقد الموانع المذكورة في الجدار هنا.

وإذا بنى الجدار وأراد أن يكون عريضاً ، زاد في عرضه من عرصة بيته.

[ الأمر ] الثالث : العمارة.

مسألة ١٠٧٢ : إذا استهدم الحائط ، أُجبر صاحبه على نقضه لئلّا يتأذّى به أحد ، سواء كان المالك واحداً أو أكثر.

ولو كان لاثنين فنقضاه لاستهدامه أو لغير استهدامه أو انهدم الجدار بنفسه ، لم يُجبرا على بنائه ، ولا يُجبر أحدهما لو امتنع ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين - وهو الجديد له - ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما(٢) - لأنّه ملكه ، فإذا لم يكن له حرمة في نفسه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ٩٢ - ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٨

لم يُجبر على الإنفاق عليه ، كما لو انفرد به ، بخلاف الحيوان ذي الحرمة ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه ؛ لحرمته ، وتعلّق غرض الشارع بالانتفاع به ، ولأنّه ملكه ، فلا يُجبر على عمارته ، كما لا يُجبر على زراعة الأرض المشتركة ، ولأنّه بناء حائطٍ ، فلا يُجبر عليه ، كالابتداء ، ولأنّه لو أُجبر على البناء فإمّا لحقّ نفسه ، وهو باطل بما لو انفرد به ، أو لحقّ غيره ، ولا يجوز أن يُجبر الإنسان على عمارة ملك الغير ، كما لو انفرد به الغير.

والقول القديم للشافعي : إنّهما يُجبران على عمارته ، ويُجبر الممتنع عليها - وهو الرواية الأُخرى عن مالك وعن أحمد - دفعاً للضرر عن الشركاء ، وصيانةً للأملاك المشتركة عن التعطيل ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ضرر ولا إضرار »(١) وفي ترك بنائه إضرار ، فأُجبر الممتنع عليه ، كما يُجبر على القسمة بينهما لو طلب أحدهما ، والملك وإن لم يكن له حرمة يلزمه بسببها الإنفاق عليه فإنّ شريكه له حرمة(٢) .

ولا نسلّم أنّ في ترك بنائه ضرراً ؛ فإنّ الضرر إنّما حصل بانهدامه ، وإنّما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به ، وفي ترك بنائه إضرار به ، ولا يُزال الضرر بالضرر.

____________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٨ / ٨٤ و ٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٥١٥ / ٢٨٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٩

والخبر مشترك الدلالة ؛ لأنّ في تكليف الشريك العمارةَ إضراراً عظيماً به ، فلم يُجبر عليها.

والفرق بينه وبين القسمة ظاهر ؛ فإنّ للإنسان الاختصاصَ بالتصرّف في ملكه ، وإنّما يتمّ بالقسمة ، والإجبار على العمارة يقتضي إجبار الغير على عمارة ملكه لينتفع الآخَر به ، والقسمة دفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه ، والبناء مضرّ ؛ لما فيه من الغُرْم ، ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره على إزالته بما فيه ضرر.

مسألة ١٠٧٣ : لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه‌ ، فإن كان لاستهدامه وفي موضع وجوب الهدم ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن كان ممّا لا يجب هدمه أو هدمه وهو معمور لا يخشى عليه السقوط ، فقد اختلف قول علمائنا :

قال بعضهم : يُجبَر الهادم على عمارته وإعادته إلى ما كان عليه أوّلاً(١) .

والأقوى : لزوم الأرش على الهادم ؛ لأنّ الجدار ليس بمِثْليٍّ.

مسألة ١٠٧٤ : قد بيّنّا أنّه لا يجب على الشريك في الجدار بناؤه لو انهدم ولا مساعدة شريكه فيه لإزالة الضرر عن شريكه ؛ لأنّ الممتنع قد لا يكون له نفعٌ في الحائط ، بل وقد يكون عليه ضرر فيه أكثر من نفعه به ، وقد يكون معسراً لا مال له ينفق على البناء ، فحينئذٍ لا يُجبر لو امتنع عن الإنفاق وإن كان موسراً وكان يتضرّر بترك البناء.

وعلى القديم للشافعي يُجبر(٢) .

____________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٢٥.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

٧٠

فإن أصرّ على الامتناع ، أنفق الحاكم عليه ليرجع على الممتنع إذا وُجد له مالٌ ، فإن استقلّ وبذل أن يبنيه ويرجع عليه ، ففي الرجوع عليه قولان للشافعي ، ولأصحابه طُرق :

أصحّها عند أكثرهم : القطع بعدم الرجوع ، وحمل قول الرجوع على ما إذا أنفق بالإذن.

والثاني : إنّ القول بعدم الرجوع تفريع على الجديد ، والقول بالرجوع تفريع على القديم.

والثالث : إن قلنا بالقديم رجع قطعاً ، وإن قلنا بالجديد فقولان.

والرابع : إن أمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع [ وإن لم يمكنه ](١) فيرجع ، أمّا إن أذن له الحاكم في البناء ليرجع أو بذل عن الشريك إقراضه ، فإنّ له الرجوعَ إن قلنا به(٢) .

مسألة ١٠٧٥ : لو كان بين الشريكين نهر مشترك أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو بئر فاحتاج شي‌ء من ذلك في الانتفاع به إلى العمارة‌ ، لم يُجبر أحد الشريكين الآخَر على العمارة كما قلنا في الجدار ، وهو الجديد للشافعي ، كما تقدّم.

وفي القديم : إنّه يُجبر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) ، وفرّق بين هذه وبين الجدار ، فأوجب على الشريك في هذه العمارةَ والإصلاحَ وتنقيةَ البئر ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو لا يمكنه ». والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، المغني ٥ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩.

٧١

ولم يوجب بناء الجدار ؛ لأنّ الشريك لا يتمكّن من مقاسمته ، فيضرّ به ، بخلاف الحائط ، فإنّه يمكنه قسمته مع شريكه وقسمة عرصته(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ في قسمة العرصة إضراراً بهما ، وفي قسمة الحائط أكثر إضراراً والإنفاق أرفق ، فكانا سواءً.

مسألة ١٠٧٦ : لو كان علوّ الجدار لواحدٍ وسُفْلها لغيره فانهدمت‌ ، لم يكن لصاحب السُّفْل إجبار صاحب العلوّ على مساعدته في إعادة السُّفْل ؛ لأصالة البراءة.

وكذا ليس لصاحب العلوّ إجبار صاحب السُّفْل على إعادة السُّفْل ليبني عليه علوّه ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وأبو الدرداء(٢) - لما تقدّم من أنّ الإنسان لا يُجبر على عمارة ملكه ولا عمارة ملك غيره ، والحقّ لا يعدوهما.

وقال الشافعي - في القديم - ومالك وأحمد - في الرواية الأُخرى - وأبو ثور : إنّه يُجبر صاحب السُّفْل على الإعادة ، وإذا قلنا بالإجبار وجب عليه وحده الإنفاق عليه ؛ لأنّه خاصّ ملكه(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٦٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ٩٢ ، روضة القضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ - ٣١٩ ، المغني ٥ : ٤٨ - ٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٧ / ١١٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٤ ، =

٧٢

وكذا لو كان له ساباط استحقّ وضعه على حائط غيره فانهدم ، لم يُجبر أحدهما على العمارة.

وللشافعيّة قولان(١) .

وهذا الخلاف فيما إذا انهدم الحائط أو هدمه صاحب السُّفْل والعلوّ معاً من غير شرطٍ ، أمّا إذا استهدم فهدمه صاحب السُّفْل بشرط أن يعيده ، أُجبر عليه قولاً واحداً.

ويجري الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتّخاذ سترةٍ بين سطحيهما ، هل يُجبر الآخَر على مساعدته؟ ومذهبنا أنّه لا يُجبر ؛ لأصالة البراءة.

مسألة ١٠٧٧ : إذا انهدم الحائط المشترك فطلب أحدهما بناءه ، لم يُجبر الآخَر على ذلك‌ ، كما تقدّم(٢) ، وهو الجديد للشافعي.

وفي القديم - وبه قال مالك وأحمد في روايةٍ عنهما - : إنّه يُجبر(٣) .

فإن كان له مالٌ وامتنع ، أنفق الحاكم منه ، وإن لم يكن له مالٌ فبذل شريكه أن يبنيه ويرجع عليه ، أذن له الحاكم.

وكذا إن بذل غيره إقراضه.

فإذا بناه بإذن الحاكم ، استحقّ ما أنفقه على شريكه عنده(٤) ، وكان‌

____________________

= الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٦ - ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، التفريع ٢ : ٢٩٤ ، التلقين : ٤٣٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٦ / ١١٧٠ ، المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢١٠.

(١) لم نعثر عليهما في مظانّه.

(٢) في ص ٦٧ ، المسألة ١٠٧٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

(٤) البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٣

الحائط بينهما يعيد كلّ واحدٍ منهما رسومه عليه.

ولو بناه بغير إذن شريكه في الإنفاق ولا إذن الحاكم عند امتناع شريكه ، كان متطوّعاً ، ولا يرجع به على شريكه.

ثمّ يُنظر فإن بناه وأعاد الحائط بالآلة المشتركة القديمة ، فالجدار بينهما كما كان ؛ لأنّ المُنفق إنّما أنفق على التأليف ، وذلك أثر لا عين يملكها ويختصّ بها.

ولو أراد الباني نقضه ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه ملكهما ، فليس له التصرّف بما فيه ضرر عليهما. وكون التأليف منه لا يقتضي جواز نقضه.

وكذا لو بنى صاحب السُّفْل جدران السُّفْل بإنقاضه القديمة ، فهو لصاحب السُّفْل كما كان ، وليس لصاحب العلوّ نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مستجدّة ، فالحائط له ينفرد بملكه ، وله أن يمنع شريكه من وضع خشبه عليه ، ويُمكَّن من نقضه ؛ لأنّه ملكه خاصّةً ، فله التبقية والإزالة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

ويشكل فيما إذا كانت العرصة مشتركةً.

ولو قال الشريك : أنا أدفع إليك نصف النفقة ولا تنقض ، فعلى القديم للشافعي : لا يجوز له النقض ، ويجب عليه القبول ؛ لأنّ لأحد الشريكين إجبارَ الآخَر على البناء ، فلأن يُجبره على الاستدامة أولى ، فإن لم يبذل دَفْعَ قيمة نصف البناء كان للباني نقضُه(٢) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١ ، المغني ٥ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٤

وعلى الجديد لو أراد الشريك الطالب للعمارة الانفرادَ بها ، فإن أراد عمارة الجدران بالنقض المشترك أو أراد صاحب العلوّ إعادة السُّفْل بنقض صاحب السُّفْل أو بآلةٍ مشتركة بينهما ، فللآخَر منعه منها.

وإن أراد بناءه بآلةٍ من عنده ، فله ذلك ، وجاز أن يبني على عرصةٍ مشتركة بينه وبين غيره بغير إذنه ليصل إلى حقّه من الحمل عليه والرسم ، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك ، ينفرد بإعادتها(١) .

ثمّ إن أعاده بآلته ، كان لشريكه وضعُ خشبه عليه ؛ لأنّه ملكٌ لهما ، فكان له ردّ رسومه عليه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مختصّة به ، انفرد بملكه ، وكان له أن يمنع الذي كان لشريكه من وضع رسومه ، وكان المعاد ملكاً للباني يضع عليه ما شاء ، وينقضه إذا شاء.

ولو قال الشريك : لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة ، أو قال صاحب السُّفْل : لا تنقض لأغرم لك القيمة ، لم تلزمه إجابته على هذا القول - وهو عدم الإجبار على البناء - فلا يُجبره على التبقية ، كابتداء العمارة.

ولو طالَبه شريكه بنقضه ، لم يكن له ذلك ، إلّا أن يكون له رسم خشبٍ عليه ، فيقول : إمّا أن تأخذ منّي نصف قيمته وتمكّنني من وضع خُشُبي عليه ، أو تقلع حائطك لنبنيه جميعاً ، كان له ذلك ؛ لأنّه لا يجوز للباني إبطال رسومه ببنائه.

ولو قال صاحب السُّفْل : انقض ما أعدتَه لأبنيه بآلة نفسي ، فإن كان قد طالَبه بالبناء [ فلم يُجب ](٢) لم يُجب الآن إلى ما يقوله ، وإن لم يطالبه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، وكما هو المستفاد من روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٥

وقد بنى علوّه عليه فكذلك لا يُجاب.

وهل له أن يتملّك السُّفْل بالقيمة؟ قال بعض الشافعيّة : نعم(١) . وليس بجيّدٍ.

وإن لم يَبْن عليه صاحب العلوّ بَعْدُ ، أُجيب صاحب السُّفْل.

ومهما بنى الباني بآلة نفسه ، فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوّةٍ وغرز وَتَدٍ ووضع خشبةٍ وغير ذلك ، وليس له منع صاحب السُّفْل من السكون ؛ فإنّ العرصة ملكه.

وقال بعض الشافعيّة : له المنع من السكون أيضاً(٢) . وهو غلط.

ولو أنفق أحد الشريكين على البئر والنهر ، لم يكن له منع الشريك من [ سقي ](٣) الزرع والانتفاع بالماء ، وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين.

ولو كان للممتنع على الجدار الذي انهدم جذوع فأراد إعادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه ، كان على الباني تمكينه ، أو نقض ما أعاده ليبني معه الممتنع ويعيد جذوعه.

مسألة ١٠٧٨ : لو كان بينهما دولاب أو ناعورة ، كان حكمهما حكمَ الحائط على ما ذكرناه.

ولو كان بينهما بئر أو نهر ، فإن قلنا : ليس لأحدهما إجبار الآخَر على الإنفاق ، كان لكلّ واحدٍ منهما أن يُنفق على ذلك ، فإن أنفق أحدهما عليه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ». راجع الهامش السابق.

٧٦

لم يكن له أن يمنع الآخَر من نصيبه من الماء ؛ لأنّ الماء ينبع من ملكهما المشترك بينهما ، وإنّما أثر أحدهما نقل الطين عنه ، وليس له فيه عين ملكٍ ، بخلاف الحائط إذا بناه بغير آلته.

وإن قلنا : يُجبر الممتنع منهما - كما هو قول الشافعي في القديم(١) - أجبره الحاكم. فإن امتنع وله مالٌ ظاهر ، أنفق منه ، وإن لم يكن له ، أذن لشريكه ، ويُنفق عليه ، ويرجع بقدر نصيب شريكه عليه. فإن أنفق شريكه بغير إذنه ولا إذن الحاكم ، كان متبرّعاً لا يرجع عليه قولاً واحداً ، وليس له منعه من حقّه من الماء على ما تقدّم.

وقد عرفت مذهبنا فيه ، وأنّ الشريك ليس له الإجبار على الإنفاق.

مسألة ١٠٧٩ : قد ظهر بما مرّ : إنّ الجدار المشترك بين اثنين لو انفرد أحدهما بإعادته بالنقض المشترك فإنّه يعود مشتركاً كما كان‌ ، فلو عمراه معاً وأعاداه بالنقض المشترك بينهما ، كان الاشتراك بينهما أولى.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا مع التعاون على الإعادة والشركة في بنائه زيادةً لأحدهما ، قالت الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّه شرط عوضٍ من غير معوّضٍ ، فإنّهما متساويان في العمل وفي الجدار والعرصة والأنقاض(٢) .

والأقوى عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، وقد قالعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) وبه قال بعض الشافعيّة(٤) .

وكذا لو باع أحد الشريكين في دارٍ أو متاعٍ نصفَه من المشترك بثلث‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٧١.

(٢) البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٧

المشترك من نصف صاحبه ، صحّ ، ويصير المشترك بينهما أثلاثاً بعد أن كان نصفين ، فلو باع أحدهما نصفَه المشاع بنصف صاحبه ، فالأقوى : الجواز.

ولم يقدّر الشافعيّة ذلك بيعاً ، ولا تترتّب عليه أحكام البيع عندهم(١) .

والأقرب : ما قدّمناه من صحّة بيع أحدهما نصفَه بالثلث من نصف الآخَر وبنصفه.

وبعض الشافعيّة جوَّز البيعَ هنا ، ومَنَع من صحّة الشرط في البناء ؛ لأنّ الموجود في البناء هو البناء بشرط الزيادة لأحدهما ، ومجرّد الشرط والرضا بالتفاوت لا يغيّر كيفيّة الشركة القديمة ، إلّا أنّ البناء بالإذن والشرط قائم مقام البيع(٢) .

أمّا لو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك بإذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان ، جاز ، ويكون السدس الزائد له في مقابلة عمله في نصيب الآخَر.

وقال بعض الشافعيّة : هذا إنّما يتصوّر لو شرط سدس النقض له في الحال لتكون الأُجرة عتيدةً(٣) ، فأمّا إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء ، لم يصح ؛ فإنّ الأعيان لا تؤجَّل(٤) .

قيل عليه : التصوير وإن وقع فيما ذكره لكن وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمُرضع جزءاً من الرقيق المرتضع في الحال ولقاطف الثمار جزءاً من الثمار المقطوفة في الحال ؛ لأنّ عمله يقع على ما‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٣) أي : حاضرة : لسان العرب ٣ : ٢٧٩ « عتد ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٨

هو مشترك بينه وبين غيره. وسيأتي(١) .

ولو بناه أحدهما بآلة نفسه بإذن الآخَر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له ، فقد قابل ثلث الآلة المملوكة وعمله بسدس العرصة المبنيّ عليها.

وفي صحّة هذه المعاملة للشافعيّة قولان ؛ لأنّه قد جمع فيها بين أمرين مختلفي الحكم ، وهُما البيع والإجارة(٢) .

وهذا عندنا صحيح ، والجمع بين الأُمور المختلفة الأحكام جائز عندنا.

ويشترط في صحّة ذلك العلمُ بالآلات وبصفات الجدار.

مسألة ١٠٨٠ : لو كان لشخصين مِلْكان متجاوران ولا حائط - يحجز بينهما - قديم‌ ، فطلب أحدهما من الآخَر المساعدة على بناء حائطٍ يحجز بينهما ، فامتنع الآخَر ، لم يُجبر على مساعدته ، وبه قال أحمد روايةً واحدة(٣) .

ولو أراد البناء وحده ، لم يكن له البناء إلّا في ملكه خاصّة ؛ لأنّه لا يملك التصرّف في ملك جاره المختصّ ولا في الملك المشترك ، فإن بناه في ملك جاره أو بعضه في ملكه وبعضه في ملك جاره ، كان للجار هدمه ؛ لأنّه وضع بغير حقٍّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٠٨١ : لو كان له حقّ إجراء الماء في ملك الغير أو على سطحه فانهدم ذلك الملك ، لم يجب على مستحقّ الإجراء مشاركته في العمارة‌ ؛ لأنّ العمارة تتعلّق بتلك الأعيان وهي لمالكها ، وليس لمستحقّ الإجراء فيها‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦ - ٤٧.

٧٩

شركة ، ولا يجب أيضاً على صاحب الملك العمارةُ لو طلبها صاحب الإجراء.

ولو كان الانهدام بسبب الماء ، فكذلك على الأقوى.

وليس على صاحب الإجراء عمارةٌ أيضاً ؛ لأنّه ليس بملكٍ والانهدامُ حصل بسببٍ مستحقٍّ ، وهو أقوى وجهي الشافعيّة(١) .

ولو حصل تفريط من أحد الشريكين أو من أحد المستحقّين في ذلك كلّه ، كان عليه الضمان.

البحث الثالث : في السقف.

مسألة ١٠٨٢ : السقف الحائل بين العلوّ والسُّفْل المختلفي المالكين قد يكون مشتركاً بين المالكين‌ ، وتارةً يكون خالصاً لأحدهما ، كما تقدّم في الجدار بين الدارين لمالكين ، لكن حكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار ؛ فإنّه يجوز لصاحب العلوّ الجلوسُ ووضع الأثقال عليه على الاعتياد ، ولصاحب السُّفْل الاستظلالُ والاستكنان به ؛ لأنّا لو لم نُجوّز له ذلك لعَظُم الضرر وتعطّلت المنافع.

والأقرب : إنّه ليس لصاحب السُّفْل تعليقُ الأمتعة فيه ، سواء كان لها ثِقْلٌ يتأثّر به السقف أو لا ، كالثوب ونحوه.

وللشافعيّة قولان فيما ليس له ثقل :

أحدهما : إنّه غير جائزٍ ؛ إذ لا ضرورة فيه ، بخلاف الاستظلال.

والثاني : الجواز ؛ بناءً على الاعتياد تسويةً بين صاحب العلوّ وصاحب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلّفاته غالبها متداولة كثير النفع، وللناس عليها تهافت زائد، ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير.

وتوفي صبيحة يوم الخميس ٢٣ من صفر سنة ١٠٣١ »(١). .

(٥٥)

رواية الشيخاني القادري

ورواه السيّد محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري بقوله:

« أخرج أحمد عن عمرو بن شاس الأسلميرضي‌الله‌عنه - وهو من أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن، فجفاني في سفري، حتى وجدت في نفسي عليه، فلمـّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ناس من أصحابه، فلمـّا رآني أحدّ لي عينيه - يقول حدّد إليَّ النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله.

قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي لفظٍ أخرجه ابن عبد البر: من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي رواية: إن بريدة تكلّم في علي بما لا يحبّ رسول الله، وذلك أنّه أخذ جاريةً من الخمس، فبلغ ذلك إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً! من بغض علياً فقد

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢.

٢٤١

بغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم قال: يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي »(١). .

عبارته في صدر كتابه

هذا وتعرف شخصيّة القادري وقيمة كتابه ( الصراط السويّ ) ممّا ذكره في صدره، وهذه عبارته:

« أما بعد فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خبال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر

واعلم أنّ الفحول قد قُبِضَت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته، وهزمته كثرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب التي صنّفها أصحاب البدعة، كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب إنْ شاء الله تعالى، ويلوح لك شرارها من بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب. وذلك إمّا لاندراس محبّة آل بيت النبي من قلوب الصالحين من أهل السنة، والعياذ بالله من تلك الفتنة، أن لنقصٍ في الإِيمان وتردّد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم ظاهر في أمر الدين.

والدليل على ذلك أني سمعت من جماعةٍ لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة، من بني الحسن والحسين،

__________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٤٢

فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخر مثاقلاً بدينار

ثم نودي في سري الروضة، بين القبر الشريف والمنبر، بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتابٍ أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الإِختصار ».

الاعتماد على رواية القادري

ثم إنّ الرشيد الدّهلوي يعتمد في كتابه ( غرّة الرّاشدين ) على رواية القادري في إثبات دعوىً له حول أبي حنيفة فيقول:

« وقال السيّد محمود القادري -قدس‌سره - في كتاب حياة الذّاكرين: قيل: إنّ رجلاً أتى أبا حنيفة - رحمة الله عليه - وقال: أخي توفّي وأوصى بثلث ماله لإِمام المسلمين، إلى مَن أدفع؟

فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانقي، وكان يبغض أبا حنيفة، كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعيرحمه‌الله .

فحلف السائل - كذباً - أنّه ما أمرني بهذا السؤال.

فقال أبو حنيفة -رحمه‌الله -: إدفع الثلث إلى جعفر بن محمّد الصادق، فإنّه هو الإِمام الحق.

فذهب السائل وأخبر أبا جعفر الدوانقي بذلك.

فقال أبو جعفر: بهذا عرفت أبا حنيفة منذ قديم، إنّه يرى الحق لغيرنا.

ثم دعا بأبي حنيفة وسقاه السمّ في الطعام، ففهم أبو حنيفة ذلك، فقام ليخرج، فقال له أبو جعفر: إلى أين يا أبا حنيفة؟ فقال: إلى أين تأمرني؟ فأمره بالجلوس إلى أنْ عمل السم فيه. فخرج ومات شهيداً في الطريق.

ولا تنافي بين هذا الخبر وما روي من أن السبب فتواه بإعانة محمد

٢٤٣

وإبراهيم، فتلك الفتوى كانت السّبب في حبسه وهذا الجواب السبب في قتله ».

(٥٦)

رواية ابن باكثير المكّي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وقال: حسن غريب.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - إنه كان يبغض علياً، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تبغض علياً؟ قال: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أحبّ إليّ من علي.

وفي رواية: علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم بعدي.

خرّجهما أحمد بن حنبل ».

كما روى ابن باكثير حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المشتمل على فضائل عشر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية. وقال في آخره:

« خرّج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة ذكرها أبو إسحاق وغيره »(١). .

__________________

(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٤٤

عبارته في صدر كتابه

ولننقل عبارة ابن باكثير في صدر كتابه المذكور ليظهر اعتبار أحاديثه، فإنّه قال فيه:

« فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد الثمينة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة، ممّا هو مختصٌ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطمية، وأذكره بلفظ الإِجمال. ثم ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثم ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلَّفاتهم وقنّتوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب ويوصل إليه بأحسن نمط واُسلوب، سالكاً في ذلك طريق السّداد ومقتصراً فيه على ما به يحصل المراد، تاركاً للتطويل المملّ، سالماً من نقص الإِختصار المخلّ.

فجاء - بحمد الله تعالى - من أحسن تأليف في هذا الشأن، وأتقن مصنَّف سلك فيه طريق الإِتقان، جمع مع سهولة تناوله البديع حسن البيان، وحوى مع تناسب مسائله وتناسق وسائله عذوبة الموارد للظمآن، وتتبّعت فيه غالب ما صحّ نقله من الأحاديث ويعمل بمثله في الفضائل ويحتجّ به في القديم والحديث، وتركت ما اشتدّ ضعفه منها. ولم نجد له شاهداً يقوّيه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفّاظ من الموضوع الذي يجب أنْ ننقّيه.

وأتيت بالمشهور في كتب التواريخ عند نقل القصص والأخبار، وربّما دعت الحاجة إلى الإِشارة لبعض الوقائع روماً لطريق الإِختصار، واكتفيت بالحوالة على الكتب المؤلَّفة لذلك الفن، فإنّها تغني عن التطويل بذكره في كتابنا، لقصد الإِيجاز مهما أمكن.

٢٤٥

فدونك مؤلّفَاَ يجب رقم سطوره بخالص الإِبريز، ومصنَّفاً يتَعيَّن أنْ يقابل بالتكريم والتعزيز، ويحقّ له أنْ يجرّ ذيل فخره على فرق كلّ مؤلَّف سواه، ويسمو على كلّ مصنَّف بما جمع فيه وحواه، إذ هو سفينة بجواهر نعوت أهل البيت قد شحنت، وفي بحار فضائلهم الجمة قد عامت، وعلى جوديّ شمائلهم استوت واستوطنت، يضوع من أرجائها نشر مناقبهم العاطر، ويلوح في شمائلها بدر كواكبهم الزاهر.

تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرُّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين، ممّا تفرّق في سواه من نصوص العلماء ومؤلفات الأئمة القدماء.

ثم لمـّا كمل حُسنه البهيّ وتهذيبه، وتمّ بحمد الله تعالى تفصيله وتبويبه، سمّيته: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل، لكي يطابق اسمه مسمّاه، ويوافق رسمه المعنى الذي نويناه، والمبنى الذي بنيناه، لأنّي ألَّفته راجياً به السّلامة من ورطات يوم القيامة والخلوص من ندامة ذلك المقام، مؤمَّلاً من فضل الله تعالى أن أحرز ببركته سائر الآمال، وأفوز بأسنى المطالب والحال والمآل، لأنّ حبّهم هو الوسيلة العظمى، وتقرّبهم في كلا الدارين يوصل إلى كل مقامٍ أسنى ».

ترجمة ابن باكثير

وترجم المحبّي لابن باكثير بقوله:

« الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي الشّافعي. من اُدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جليّ، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الأوفاق والزابرجا يد عاليه، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ

٢٤٦

السّلطاني بالحرم الشّريف، بدلاً عن شريف مكّة.

ومن مؤلَّفاته: حسن المآل في مناقب الآل، جعله باسم الشريف إدريس أمير مكّة وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكّة. ودفن بالمعلّاة »(١). .

وفي ( تنضيد العقود السنّية ) لدى النقل عن ابن باكثير: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ».

(٥٧)

رواية البدخشي

ورواه ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشي في كتبه الثلاثة.

ففي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ):

« أخرج أحمد عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن، على أحدهما: علي بن أبي طالب. وعلى الآخر: خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإذا افترقتم فكلّ واحدٍ منكما على جنده. قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة. فاصطفى علي امرأة من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجلٍ فأمرتني أنْ اُطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٤٧

بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الديلمي عن علي - كرّم الله وجهه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: يا بريدة: إن عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

( وفيه ): « أخرج الترمذي - واللّفظ له - والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرنا بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدؤا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا. فأعرض عنه رسول الله. ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ عند أحمد مرفوعاً -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الخطيب والرّافعي، عن عليّ كرّم الله وجهه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعة، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ

٢٤٨

المؤمنين ».

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، إذْ أتاه تسعة رهط ».

فرواه إلى آخره ثم قال: « أقول: هذا حديث حسن، بل صحّحه بعضهم. وهو شامل لمناقب جمّة، يلزم لأهل العلم حفظه »(١). .

وفي ( نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار ):

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -

فأقبل إليهم رسول الله - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢). .

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون، إني لجالس إلى ابن عباس ».

ولا يخفى أنّه ذكر هذين الحديثين في القسم الأول من المقصد الأول من الكتاب، وقد نصّ في أول هذا القسم على أن أحاديثه « لم يختلف في صحّتها العلماء الأعلام ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. حم عن عمران بن حصين ».

( وفيه ): « ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ت وحسّنه. ك عن عمران بن

__________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الاطهار: ٢٢.

٢٤٩

حصين »(١). .

ترجمة البدخشاني

ومحمد بن معتمد خان البدخشي من أجلّة العلماء في الهند، ترجم له اللكهنوي ووصفه بالشيخ العالم المحدّث أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » وذكر كتبه(٢). .

ثم أنّه يعدّ من الأعلام المحققين وأعيان المعتمدين من أهل السنّة، فالرّشيد الدهلوي يصرّح بكونه من عظماء أهل السنة، ويستند إلى مؤلّفاته في مقابلة أهل الحق، ويستشهد بها على كون أهل السنّة موالين لأهل البيت الطّاهرين. والمولوي حيدر علي الفيض آبادي يذكره من علماء أهل السنّة الأعلام القائلين بلعن يزيد بن معاوية، وينص على اعتبار كتبه. و ( الدهلوي ) نفسه يقول في جواب سؤالٍ وُجّه إليه في تلقيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « المرتضى »:

« قد كُنّي في الأحاديث الصحيحة بأبي تراب، وأبي الريحانتين، وقد روي وثبت تلقيبه بذي القرنين، ويعسوب الدين، والصدّيق، والفاروق، والسّابق، ويعسوب الاُمّة، ويعسوب قريش، وبيضة البلد، والأمين، والشريف، والبار، والمهتدي، وذي الاُذن الواعية.

والميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي، المؤرّخ المشهور لهذا البلد - يعني دهلي - ذكر تلقيبه بالمرتضى في رسالتيه في فضائل الخلفاء وفضائل أهل البيت، وهاتان الرسالتان من عمدة تصانيفه. لكنّ الفقير لا يتذكّر الآن أنّه إلى أيّ حديث استند في ذلك.

__________________

(١). تحفة المحبين بمناقب أهل البيت الطاهرين - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٢٥٠

وفي حديث أنس بن مالك في قصة تزويج سيّدة النساء، وخطبة أبي بكر الصدّيق وعمر الفاروق منها، لفظ يفهم منه كون أمير المؤمنين المرتضى والمختار، أي في هذا الأمر، يعني تزويج سيّدة النساء رضي الله تعالى عنها منه. » انتهى نقلا عن مجموع فتاوى ( الدهلوي ) الموجود عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي.

(٥٨)

رواية محمد صدر العالم

ورواه الشيخ محمد صدر العالم في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:

« أخرج أحمد: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».

وقال: « أخرج الديلمي: عن بريدة قال قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر.

وأخرج ابن أبي شيبة: عن عمران بن حصين قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج أحمد عنه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج الطّيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم عنه مثله.

وأخرج الترمذي - وقال حسن غريب - والطبراني والحاكم - وصححه - عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وانا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

٢٥١

و أخرج الخطيب والرّافعي عن علي - كرّم الله وجهه - قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أن أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي ومعك لواء الحمد، وأنت تحمله من بين يديَّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة محمد صدر العالم

ومحمد صدر العالم من كبار العلماء الأجلّة من أهل السنّة ترجمه صاحب ( نزهة الخواطر ) بالشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين. ثم ذكر مصنّفاته ومنها معارج العلى(٢). .

وكتابه من الكتب الممدوحة المقبولة عندهم. وقد أثنى عليه وعلى كتابه معاصره شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي - والد ( الدهلوي ) - في قصيدةٍ أنشأها وأرسلها إلى صدر العالم، بعد أن وقف على كتابه المذكور وهي موجودة في كتابه ( التفهيمات الإِلهيّة )، وبترجمته في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٧ ).

(٥٩)

رواية أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله أحمد بن عبد الرّحيم الدهلوي - وهو والد

__________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٥.

٢٥٢

( الدهلوي ) - وأثبته في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في غير واحدٍ من كتبه.

فروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث عمران بن حصين عن الترمذي(١). .

وروى في كتابه ( إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء ) حديث عمرو بن ميمون بطوله، المشتمل على حديث الولاية، المذكور في الكتاب مراراً، عن الحاكم والنسائي(٢).

ولم نجد منه طعناً في سند الحديث

فيا للعجب كلّ العجب من ( الدهلوي ) كيف خاض في غمار عقوق والده وشيخه المهذّب، ورجّح على اتّباعه تقليد الكابلي الجالب على نفسه وأتباعه أمّر العطب، وكأنّه لم يقرع سمعه قول عليعليه‌السلام : نحن أهل بيت ما عادانا بيت إلّا خرب، وما نبح علينا كلب إلّا جرب؟!

ترجمة أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

وشاه وليّ الله الدّهلوي إمام علماء الهند في عصره في العلوم المختلفة، تجد الثناء العظيم عليه في الكتب المؤلّفة بتراجم رجال تلك الدّيار وفي غيرها، مثل ( اتحاف النّبلاء ) و ( أبجد العلوم ) و ( نزهة الخواطر ٦ / ٣٩٨ - ٤١٥ ). كما أنّه ترجم لنفسه في كتابٍ أسماه ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضّعيف )، كما أن ابنه ( الدهلوي ) وسائر علماء الهند المتأخرين كلّهم عيال عليه في شتّى البحوث.

__________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ١٦٨.

(٢). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ٤٤٨.

٢٥٣

(٦٠)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليمني الصّنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) فقد قال بشرح:

« قل من المدح بما شئت فلم

تأتِ فيما قلته شيئاً فرّيا

كلّ من رام يداني شأوَه

في العلى فاعدده روماً أشعبيّاً »

قال: هذه كالفذلكة لِما تقدّم من فضائله، كأنّه قال: إذْ قد عرفت أنّه أحرز كلّ كمالٍ، وبذّ في كلّ فضيلةٍ كملة الرجال، فقل ما شئت في مدحه، كأنْ تمدحه بالعبادة، فإنّه بلغ رتبتها العليّة، وبالشّجاعة فإنّه أنسى ما سبقه من أبطال البريّة، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود وأنّه الذي فيه المنتهى.

وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللّسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله - كما قد أشرنا إليه سابقاً - وكيف ينحصر لنا وقد قال إمام المحدّثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحدٍ من الفضائل الصحيحة ما ثبت للوصيّعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنّة قد شرّقت وغرّبت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. وإشارة إلى ما لم نورده سابقاً:

فمن ذلك: أنّه من الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمنزلة الرأس من البدن، كما أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: عليّ منّي

٢٥٤

بمنزلة رأسي من بدني.

ومن ذلك: أنّه باب حطّة، كما أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن ذلك: أنه من النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه، كما أخرجه أحمد والترمذي وأبو حاتم، من حديث عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

وقال محمد بن إسماعيل بشرح:

« كلّما للصحب من مكرمة

فله السّبق تراه الأوليّا »

قال: « وقد اختصّه الله ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ولا تفنى بفناء اللّيالي والأيّام. مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره، كما أخرجه العلّامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الاُمة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الذي كان لواه معه في كلّ زحف. وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره. وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وكاختصاصه بخمسٍ، كما أخرجه أحمد في المناقب، وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد.

وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهو من حديث عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذا أتاه ».

٢٥٥

ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير

ومحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني المتوفى سنة ١١٨٢ فقيه، محدّث، متكلّم، من أئمّة اليمن، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، ترجم له وأثنى عليه:

١ - الشوكاني في ( البدر الطّالع ٢ / ١٣٣ ).

٢ - صدّيق حسن في ( التاج المكلّل: ٤١٤ ).

(٦١)

رواية الصبّان المصري

ورواه محمّد الصبّان المصري صاحب ( إسعاف الراغبين ) قال:

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

ترجمة الصبّان

وترجم لأبي العرفان محمد بن علي الصبّان المصري الشّافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ في ( معجم المؤلّفين )(٢). عن عدّةٍ من المصادر، قال: « عالم،

__________________

(١). اسعاف الراغبين - هامش مشارق الأنوار: ١٥١.

(٢). معجم المؤلفين ١١ / ١٧.

٢٥٦

أديب، مشارك في اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة والحديث ومصطلحه والهيئة وغير ذلك. ولد وتوفي بالقاهرة » ثم ذكر تصانيفه، وعدّ منها ( إسعاف الراغبين ) و « الحاشية على شرح الأشموني ) المتداول في الحوزات العلميّة والأدبيّة.

(٦٢)

رواية العجيلي

ورواه أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي حيث قال بشرح:

« والله قد آتاه خمساً تنقل

أحبّ من دنياكم وأفضل »

قال: « أخرج السيطوي -رحمه‌الله - في الكبير عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمّتي فأبى عليّ. وأعطاني لك: أنّ أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنت وليّ المؤمنين بعدي ».

وقد أثبت الحديث الشّريف في كلام له بشرح:

« واقرأ حديث إنّما وليّكم

واسمع حديثاً جاء في غدير خم »

فقال بعد ذكر الغدير وقصّة الحارث الفهري: « وهو من أقوى الأدلّة على أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أولى بالإِمامة والخلافة والصّداقة والنصرة والاتّباع، باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم. وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمـّا قضى حجّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه، كبريدة، فإنّه كان

٢٥٧

يبغضه، ولمـّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً، فقصّه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع - يا بريدة - في علي. فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي ».

ترجمة العجيلي

والعجيلي توجد ترجمته في:

١ - نيل الأوطار ١ / ١٢٩.

٢ - حلية البشر ١ / ١٨٠ عنهما معجم المؤلفين ١ / ٢٧٩.

٣ - التاج المكلّل: ٥٠٩ وقد وصفه بقوله: « الشيخ العلّامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز، لم يزل مجتهداً في نيل المعالي، وكم سهر في طلبها الليالي، حتى فاز ».

(٦٣)

رواية محمد مبين اللكهنوي

ورواه المولوي محمد مبين بن محبّ الله بن ملا أحمد عبد الحق بن ملا محمد سعيد بن قطب الدين السهالي، في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« ومنها: أنّه - صلّى الله عليه وسلّم - أمّره على الجيش، وأعلم القوم بخصوصيّته وأخبرهم بولايته: أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه -. فمضى في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا

٢٥٨

عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا لقينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا ورجعوا بدؤا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ أحمد: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي»(١). .

ترجمته وعبارته في صدر كتابه

ذكره صاحب ( نزهة الخواطر ) وعنونه بـ « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محب اللكهنوي، أحد الفقهاء الحنفيّة » ثم ذكر كتابه وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥(٢). .

ومن المناسب أن نورد نصّ كلامه في صدر كتابه، ليظهر اعتبار الأحاديث الواردة فيه. فإنّه قال: « أما بعد، فلا يخفى عليك أن محبّة آل سيد الكائنات جزء الإِيمان، ولا يتمّ إلّا بمودّتهم بالجنان وتعظيمهم بالأركان، ورعاية

__________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٤٨.

(٢). نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٢٥٩

حقوقهم بالصّدق والإِيقان، قال الله في القرآن:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وفسّر بالنبيّ المصطفى وعلي المرتضى والحسنين وفاطمة الزهراء،عليهم‌السلام .

فلا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من مودّتهم ولا يخلو مسلم من محبّتهم. قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ألا من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ولم يشم رائحة الجنّة. وقال في علي الوصي: لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وإنّني في زمانٍ قد كثر فيه القيل والقال، وقلّ العلماء وكثر الجهّال، كلّ بضاعة أهل الزمان المخاصمة والجدال، وقد اكتفوا بما فهموا بزعمهم من ظاهر المقال، من غير أنْ يكون لهم اطّلاع على حقيقة الحال فإنّ السُّنّي من يكون مشغوفاً بحبّ آل النبي، وإلّا فهو المنافق الشقي. ومن اللطائف: أن أعداد السّنّي بحسب الحساب مساوية لحبّ علي، فمن لا يكون في قلبه حبّ عليّ لا يكون معدودا من السنّي

... حداني صدق النيّة على أنْ أؤلّف رسالةً مشتملةً على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى، متضمنّة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى، وقد وشّح به المحدّثون صحائفهم، والأولياء تصانيفهم، والعلماء كتبهم.

وما استخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي، والكتب الموثوقة كجامع الاُصول لابن الأثير وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشّريفة والقصص الصحيحة، وجمعتها في هذه الرسالة، وأعرضت عن الصحائف المتروكة والموضوعات المطروحة وما التفتُّ إلى ما كان باطلاً أو ضعيفاً ».

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392