تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 118780 / تحميل: 5576
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

السُّفْل في تجويز تثقيل السقف.

فعلى هذا فلهم وجهان :

أحدهما : إنّ التعليق الجائز هو الذي لا يحتاج إلى إثبات وتدٍ في السقف.

وأظهرهما : إنّه لا فرق.

فإن قلنا : ليس له إثبات الوتد والتعليق فيه ، فليس لصاحب العلوّ غرز الوتد في الوجه الذي يليه ؛ إذ لا ضرورة إليه.

وإن جوّزنا ذلك لصاحب السُّفْل ، ففي جوازه لصاحب العلوّ وجهان ؛ لندور الحاجة إليه ، بخلاف التعليق(١) .

وأمّا ما لا ثقل له يتأثّر به السقف فعند الشافعيّة قولاً واحداً أنّه لا منع منه(٢) .

مسألة ١٠٨٣ : تصوير اشتراك السقف سهل‌ ، وأمّا خلوصه لأحدهما :

فأمّا لصاحب العلوّ فبأن يبيعه صاحب السُّفْل السقفَ والغرفةَ عندنا ، أو يكون لصاحب السُّفْل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجذوع عليهما والبناء على تلك الجذوع بعوضٍ أو بغير عوضٍ عندنا وعند الشافعي(٣) .

وأمّا لصاحب السُّفْل فبأن يبيعه جدران الغرفة دون سقفها ، عندنا ، أو يأذن لغيره في البناء على سقف ملكه فيبني عليه ، عندنا وعند الشافعي(٤) .

فإذا أذن المالك لغيره في البناء على ملكه بغير عوضٍ ، كان عاريةً.

وإن كان بعوضٍ ، فهو إمّا إجارة بأن يُكري أرضه أو رأس جداره أو‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨١

سقفه مدّةً معلومة بأُجرةٍ معيّنة ، وهو جائز ، وبه قال الشافعي(١) ، وسبيل ذلك سبيل سائر الإجارات ، وإمّا بيعٌ بأن يأذن له فيه بصيغة البيع ويبيّن الثمن ، وهو صحيح عندنا وعند الشافعي(٢) ؛ للأصل ، ولعموم قوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز. وبه قال المزني(٤) .

وطريق ذلك أن يبيعه سطحَ البيت للبناء عليه أو علوَّه بثمنٍ معيّن.

وليس له أن يبيع حقَّ البناء على ملكه - خلافاً لبعض الشافعيّة(٥) - لأنّ البيع إنّما يتناول الأعيان ، وحقّ البناء ليس منها.

قال بعض الشافعيّة : بيع سطح البيت أو علوّه للبناء بثمنٍ معلوم هو بعينه بيع حقّ البناء على ملكه ، فإنّ المراد منهما شي‌ء واحد وإن كان ظاهر اللفظ مشعراً بالمغايرة ؛ لأنّ بيع العلوّ للبناء إمّا أن يراد به جملة السقف ، أو الطبقة العليا منها ، وعلى التقديرين فهو بيع جزءٍ معيّن من البناء أو السقف.

وأيضاً فإنّهم صوّروا فيما إذا اشتراه ليبني عليه ، ومَن اشترى شيئاً انتفع به بحسب الإمكان ، ولم يحتج إلى التعرّض للانتفاع به.

وأيضاً ما حقيقة هذا العقد؟ إن كان بيعاً فليفد ملك عينٍ ، كسائر البيوع ، وإن كان إجارةً فليشترط التأقيت ، كسائر الإجارات.

واختلفت الشافعيّة فيه.

فقال بعضهم : يملك المشتري به مواضع رءوس الجذوع. وهو مشكل عند الباقين.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨٢

والأصحّ عندهم : إنّه لا تُملك به عينٌ ، وحينئذٍ فوجهان :

أحدهما : إنّه إجارة ، وإنّما لم يشترط تقدير المدّة ؛ لأنّ العقد الوارد على المنفعة يتبع فيها الحاجة ، فإذا اقتضت الحاجة التأبيد ، أُبّد على خلاف سائر الإجارات ، وأُلحق بالنكاح.

وأظهرهما : إنّه ليس بإجارةٍ محضة ، بل فيه شائبة الإجارة ، وهي أنّ المستحقّ به منفعة ، وشائبةُ البيع ، وهي أنّ الاستحقاق فيه على التأبيد ، وكأنّ الشرع نظر إلى أنّ الحاجة تمسّ إلى ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في مرافق الأملاك وحقوقها ، كما تمسّ إلى ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في الأعيان ، فجوّز هذا العقدَ ، وأثبت فيه شبهاً من البيع وشبهاً من الإجارة.

وإذا قلنا : إنّه لا تُملك به عينٌ ، فلو عقد بلفظ الإجارة ولم يتعرّض للمدّة ، فوجهان عندهم ، أشبههما : إنّه ينعقد أيضاً ؛ لأنّه يخالف البيع في قضيّةٍ كما يخالف الإجارة في قضيّةٍ أُخرى(١) .

وهذا كلّه عندنا ليس بشي‌ءٍ ، بل الواجب إن أراد نقل السقف أن يبيعه إيّاه ، أو يؤجره ويعيّن المدّة.

مسألة ١٠٨٤ : إذا جرت هذه المعاملة على ما اخترناه نحن ، أو على ما اختاره الشافعيّة وبنى المشتري‌ ، لم يكن للبائع أن يكلّفه النقض ليغرم له أرش النقصان.

ولو انهدم الجدار أو السقف بعد بناء المشتري عليه فأعاده مالكه ، فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها.

ولو انهدم قبل البناء ، فللمشتري البناء إذا أعاده.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ - ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨٣

وهل يُجبر على إعادته؟ فيه خلافٌ تقدّم(١) .

ولو هدم صاحب السُّفْل أو غيره السُّفْلَ قبل بناء المشتري ، فعلى الهادم قيمة حقّ البناء ؛ لأنّه حالَ بينه وبين حقّه بالهدم ، فإذا أعاد مالك السُّفْلِ السُّفْلَ ، استرجع الهادم القيمةَ ؛ لارتفاع الحيلولة ، ولا يغرم أُجرة البناء لمدّة الحيلولة.

ولو كان الهدم بعد البناء ، فعلى قول مَنْ يوجب إعادة المهدوم يكون عليه إعادة السُّفْل والعلوّ ، وعلى قول مَنْ يوجب الأرش يكون عليه أرش نقص الآلات ، وقيمة حقّ البناء ؛ للحيلولة.

ولا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من هَدْمٍ وانهدامٍ ؛ لأنّها ملتحقة بالبيوع.

مسألة ١٠٨٥ : إذا جرى الإذن في البناء بعوضٍ ، وجب معرفة قدر الموضع المبنيّ عليه طولاً وعرضاً.

وكذا إن كان بغير عوضٍ عند الشافعيّة(٢) .

وعندي فيه إشكال ؛ لأنّ ذلك عارية ، فلا يجب فيها ما شُرط في البيوع.

ولو كان البناء على الجدار أو السطح ، وجب مع ذلك بيان سمْك البناء وطوله وعرضه ، وكون الجدران منضّدةً أو خالية الأجواف ، وكيفيّة السقف المحمول عليها ؛ لاختلاف الأغراض في ذلك كلّه ، واختلاف حمل الجدران ، فإنّ الجدار لا يحمل كلّ شي‌ءٍ ، وكذا السقف ، فوجب البيان.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أطلق ذكر البناء كفى ، وحُمل الإطلاق على‌

____________________

(١) في ص ٦٧ ، المسألة ١٠٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٤

العادة ، فما يحتمله المبنيّ عليه في العادة انصرف الإطلاق إليه ، وما لا فلا(١) .

وهل يشترط التعرّض لوزن ما يبنيه عليه؟ إشكال ينشأ من أنّ الإعلام في كلّ شي‌ءٍ على ما يليق به ويعتاد فيه من اختلاف المبنيّ بالثقل والخفّة اختلافاً يختلف بسببه الأغراض وحمل الجدران والسقوف.

والأقرب في الخشب ذلك ، دون الآجر واللبن ؛ للعادة.

ولو كانت الآلات حاضرةً ، استغنى بمشاهدتها عن كلّ وصفٍ وتعريفٍ.

ولو كان الإذن في البناء على أرضه ، لم يجب ذكر سمْك البناء وكيفيّته ؛ لأنّ الأرض تحتمل كلّ شي‌ءٍ.

وبعضُ الشافعيّة شَرَطه ؛ لأنّ الإذن إن كان على وجه الإعارة أو الإجارة فإنّ عند الرجوع عن الإعارة أو انقضاء مدّة الإجارة تطول مدّة التفريغ وتقصر بحسب كثرة النقض وقلّته ، ويختلف الغرض بذلك(٢) .

وليس بشي‌ءٍ.

مسألة ١٠٨٦ : لو ادّعى بيتاً في يد غيره فصالحه عليه‌ - إمّا مع إقراره ، عند الشافعي(٣) ، أو مطلقاً عندنا - على أن يبني الـمُقرّ أو المنكر على سطحه ، جاز ، ولم يكن ذلك فرعَ العارية ، خلافاً للشافعيّة ، وعندهم أنّه يكون قد أعاره الـمُقرّ له سطح بيته للبناء(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ - ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤ ، وراجع : الهامش (١) من ص ٢٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٤٤ ، البيان ٦ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٥

فلو كان التنازع في سفله والعلوّ للمدّعى عليه فأقرّ للمدّعي بما ادّعاه فتصالحا على أن يبني المدّعي على السطح ويكون السُّفْل للمدّعى عليه جاز ، وكان عند الشافعي بيعَ السُّفْل بحقّ البناء على العلوّ(١) .

مسألة ١٠٨٧ : لا يجب على الجار إجراء ماء المطر من سطح جاره على سطحه‌ ولا إجراء الماء في أرضه عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، ولتخصيص المالك التامّ ملكه بالانتفاع بملكه ، وهو قول أكثر الشافعيّة ، والجديد للشافعي.

وفي القديم له قول : إنّه يُجبر صاحب السطح والأرض على إجراء الماء من سطح الجار على سطحه وأرضه(٢) .

والحقّ خلافه.

ولو أذن له فيه جاز.

ولو باعه الإجراء لم يصح.

ولو آجره السطح للإجراء أو باعه إيّاه صحّ ، لكن إذا باعه السطح مَلَكه ملكاً مطلقاً يتصرّف فيه كيف شاء بما لا يتضرّر به.

وإن أعاره أو آجره ، جاز.

ويشترط بيان معرفة الموضع الذي يجري عليه الماء في الإعارة والإجارة والبيع ، والسطوح التي ينحدر منها الماء إليه في الإعارة والإجارة خاصّةً ، ولا يضرّ الجهل بقدر ماء المطر في ذلك كلّه ؛ إذ لا يمكن معرفته وضبطه ، وهذا عقدٌ جُوّز للحاجة.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٤ ، البيان ٦ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٢) البيان ٦ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٦

ولو صالحه على إجراء مائه على سطحه جاز ، ولم يكن هذا الصلح فرعَ غيره عندنا ، خلافاً للشافعي(١) .

ويشترط العلم بالسطح الذي يجري ماؤه ؛ لاختلاف الماء قلّةً وكثرةً باختلاف السطوح كبراً وصغراً.

وعند الشافعي أنّ هذا يكون فرعَ الإجارة ، ومع ذلك لا يحتاج إلى ذكر المدّة(٢) .

وإذا أذن له في إجراء الماء على سطحه ثمّ بنى على سطحه بما يمنع الماء من الجريان عليه ، فإن كان عاريةً كان ما فَعَله رجوعاً فيها ، وإن كان بيعاً أو إجارةً كان للمشتري أو المستأجر نقب البناء وإجراء الماء فيه.

مسألة ١٠٨٨ : لو ادّعى عليه مالاً فصالحه منه على مسيل ماءٍ في أرضه ، جاز إذا بيّنا موضعه وعيّناه وعرفا عرضه وطوله.

ولا يحتاجان إلى أن يُبيّنا عمقه إن كان قد عقد بلفظ البيع لذلك الموضع ؛ لأنّ مَنْ مَلَك الموضع كان له النزول فيه إلى تخومه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يجب بيانه ؛ بناءً على أنّ المشتري يملك موضع الجريان ، أو لا يملك إلّا حقّ الإجراء(٣) .

والحقّ : التفصيل ، فإن باعه مسيل الماء أو مكان إجراء الماء مَلَك موضع الجريان ، وإن باع حقّ مسيل الماء بطل عندنا إن كان بلفظ البيع ، وصحّ إن كان بلفظ الصلح.

ويصحّ عند الشافعيّة على الوجهين ؛ لأنّه كبيع حقّ البناء(٤) .

____________________

(١ و ٢) البيان ٦ : ٢٣٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥٤ - ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

٨٧

وكذا إن عقد بلفظ الصلح على تلك الأرض ، أمّا لو كان على إجراء الماء فإنّ الأرض باقية لمالكها ، وافتقر حينئذٍ إلى تعيين العمق وتقدير المدّة.

وإذا صالحه على أن يجري الماء في ساقيةٍ في أرض الـمُصالَح ، صحّ ولم يكن إجارةً.

وعند الشافعي أنّه يكون إجارةً(١) ، قال في الأُمّ : ويجب تقدير المدّة(٢) . وهو جيّد على مذهبنا.

وإنّما يصحّ إذا كانت الساقية محفورةً ، وإن لم تكن محفورةً لم يجز ؛ لأنّ المستأجر لا يتمكّن من إجراء الماء إلّا بالحفر ، والمستأجر لا يملك الحفر في ملك غيره ، ولأنّه إجارة لساقيةٍ غير موجودةٍ ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

وفيه نظر ؛ إذ التصرّف في مال الغير بإذنه جائز ، ولـمّا صالحه على الإجراء فقد أذن له فيه ، فيستلزم الإذن فيما هو من ضروراته ، والإجارة وقعت على إجراء الماء ، مع أنّا نمنع كونه إجارةً.

ولو حفر الساقية وصالحه ، جاز قطعاً.

ولو كانت الأرض في يد المدّعى عليه بإجارةٍ ، جاز أن يصالحه على إجراء الماء في ساقيةٍ فيها محفورةٍ مدّةً معلومةً لا تجاوز مدّة إجارته.

وإن لم تكن الساقية محفورةً ، لم يجز أن يصالحه على ذلك ؛ لأنّه‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، البيان ٦ : ٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠.

(٢) الأُمّ ٣ : ٢٢٧ ، وعنه أيضاً في بحر المذهب ٨ : ٤٩ - ٥٠ ، والبيان ٦ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٣٧.

٨٨

لا يجوز له إحداث ساقيةٍ في أرضٍ في يده بإجارةٍ.

ولو كانت الأرض وقفاً عليه ، جاز أن يصالح على إجراء الماء في ساقيةٍ محفورةٍ مدّةً معلومةً.

وإن أراد أن يحفر ساقيةً ، فالأقرب : الجواز.

ومَنَعه بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يملكها ، وإنّما له أن يستوفي منفعتها ، كالأرض المستأجرة(١) .

والأولى أنّه يجوز له حفر الساقية ؛ لأنّ الأرض له ، وله التصرّف فيها كيف شاء ما لم ينتقل الملك فيها إلى غيره ، بخلاف المستأجر ، فإنّه إنّما يتصرّف فيها بالإذن له فيه.

فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدّة ، فهل لمن انتقل إليه الفسخُ فيما بقي من المدّة؟ مبنيّ على ما إذا آجره مدّةً فمات في الأثناء.

ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره أو عينه ، جاز مع التعيين.

ومَنَعه الشافعي ؛ لأنّ المعقود عليه هو الماء ، وهو مجهول(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لانضباطه بالوقت.

ولو صالحه على سهمٍ من العين أو النهر - كالثلث أو الربع أو غير ذلك - وبيّنه ، جاز ، ولا يكون بيعاً وإن أفاد فائدته ، خلافاً للشافعي(٣) .

فروع :

أ - ليس لمستحقّ إجراء الماء بإجارةٍ أو صلحٍ أو بيعٍ الدخولُ إلى أرض الغير الذي تجري فيه الساقية‌ وإن مَلَك الساقية ، إلّا أن يأذن له المالك ؛ لأنّه يستلزم التصرّف في مال الغير ، وهو قبيح عقلاً ، إلّا أن يريد‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٢٣٧.

(٢) الأُمّ ٣ : ٢٢٧ ، البيان ٦ : ٢٣٨.

(٣) الأُمّ ٣ : ٢٢١ و ٢٢٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، الوسيط ٤ : ٤٩ ، البيان ٦ : ٢٣٨.

٨٩

تنقية النهر أو الساقية ، فإنّه يجوز ؛ لموضع الضرورة.

ب - إذا نقّى النهرَ أو الساقيةَ‌ ، وجب عليه أن يُخرج ما يخرج من النهر أو الساقية عن أرض المالك.

ج - المأذون له في إجراء ماء المطر على سطح الآذن أو أرضه أو ساقيته ليس له إلقاء الثلج‌ ، ولا أن يترك الثلج حتى يذوب فيسيل إليه ، ولا أن يجري فيه ما يغسل به ثيابه وأوانيه ، بل لو صالح على ترك الثلوج على السطح أو إجراء الغسالات على مالٍ ، فالأقرب عندي : الجواز.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة ؛ لأنّ الحاجة لا تدعو إلى مثله(١) .

وهو ممنوع.

د - المأذون له في إلقاء الثلج ليس له إجراء الماء‌ ؛ لتغاير المنفعتين ، ولا يلزم من المصالحة على إحدى المنفعتين المصالحة على الأُخرى ، ولأنّه لا يجوز العكس فكذا هنا.

ه - تجوز المصالحة على قضاء [ الحاجة ](٢) في حُشّ الغير على مالٍ‌ ، وكذا على جمع الزبل والقمامة في ملكه ، ولا يكون ذلك إجارةً - خلافاً للشافعيّة - بل هو عقد مستقلّ برأسه.

وعندهم أنّه إجارة ، فيراعى فيه شرائطها(٣) .

و - تجوز المصالحة على البيتوتة على سطح الجار.

ثمّ لو باع مستحقّ البيتوتة منزله ، فليس للمشتري أن يبيت عليه ، بخلاف ما لو باع مستحقّ إجراء الماء على سطح الغير مدّةً دارَه ، فإنّ المشتري يستحقّ الإجراء بقيّة المدّة ؛ لأنّ إجراء الماء من مرافق الدار ، دون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ - ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

٩٠

البيتوتة.

ز - لا يجب على مستحقّ إجراء الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة سقف المجرى‌

وإن خرب من الماء ، ولا على المالك إصلاح القناة لو خرب بغير سببه.

ح - لو استحقّ وضع خُشُبه على حائط الغير فسقطت أو وقع الحائط ، استحقّ بعد عوده الوضع ، بخلاف الإعارة.

ولو خِيف على الحائط السقوطُ ، فالأقوى : تحريم الإبقاء ؛ لما فيه من الضرر العظيم.

ط - لو وجد بناءه أو خُشُبه أو مجرى مائه في ملك غيره أو سطحه ولم يعلم السبب ، احتُمل تقديم قول مالك الأرض والحائط في عدم الاستحقاق.

وقال بعض العامّة : يُقدَّم قول صاحب البناء والخشبة والمسيل ؛ لأنّ الظاهر أنّه حقٌّ له ، فجرى مجرى اليد الثابتة. ولو اختلفا في ذلك هل هو بحقٍّ أو عدوان؟ فالقول قول صاحب البناء والخشبة والمسيل ؛ لأنّ الظاهر معه ، ولو زال الحائط أو السطح ثمّ عاد فله إعادته ؛ لأنّ الظاهر أنّ هذا الوضع بحقٍّ من صلحٍ أو غيره(١) .

وفيه نظر.

ي - لا يجوز بيع حقّ الهواء ولا مسيل الماء ولا الاستطراق‌ ، خلافاً للشافعيّة في الأخيرين(٢) .

وفرّق بعضهم بين بيع حقّ الهواء وحقّ البناء بأنّ بيع حقّ الهواء اعتياض عن مجرّد الهواء ، وحقّ البناء يتعلّق بعين الموضع المبنيّ عليه ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤١ - ٤٢.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٠.

٩١

حتى لو صالحه عن وضع الجذوع المشرعة على جداره يصحّ ، ولهذا تجوز إجارة الملك للبناء إجماعاً ، ولا تجوز إجارة الهواء ، وكلّ حقٍّ يتعلّق بعينٍ - كمجرى الماء والممرّ - فهو كحقّ البناء.

وبالجملة ، الحقوق المتعلّقة بالأعيان لـمّا كانت عندهم مقصورةً على التأبيد ، أُلحقت بالأعيان حتى استغنى العقد الوارد عليها عن التأقيت(١) .

وهو عندنا باطل.

مسألة ١٠٨٩ : لو خرجت أغصان شجرة الجار إلى هواء داره المختصّة به أو المشتركة بينهما‌ ، أو على هواء جدارٍ له أو بينهما ، أو على بناءٍ أو على نفس الجدار ، كان له المطالبة بإزالة الأغصان عن هواء الدار.

فإن لم يفعل مالك الشجرة من الإزالة لم يُجبر ؛ لأنّه من غير فعله ، فلم يُجبر على إزالته ، كما إذا لم يكن ملكاً له ، وإن تلف بها شي‌ء لم يضمنه ؛ لذلك.

ويحتمل إلزامه ، كما إذا مالَ حائطه.

وعلى التقديرين إذا امتنع فله تحويلها عن ملكه ، فإن لم يمكن عطفها عنه كان له قطعها.

ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي ؛ لأنّه عدوان عليه ، فكان له إزالته عنه وإن لم يأذن القاضي ، وهو أقوى وجهي الشافعيّة(٢) .

فإن صالحه مالك الشجرة على الإبقاء على الجدار بعوضٍ ، صحّ مع تقدير الزيادة أو انتهائها وتعيين المدّة.

وكذا له أن يصالحه على الإبقاء في الهواء ، عندنا.

خلافاً للشافعيّة ؛ فإنّهم قالوا : إن صالحه على الإبقاء من غير أن يستند‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

٩٢

الغصن إلى شي‌ءٍ لم يجز ؛ لأنّه اعتياض عن مجرّد الهواء ، وإن استند إلى جدارٍ فإن كان بعد الجفاف جاز ، وإن كان رطباً لم يجز ؛ لأنّه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره(١) .

وجوّزه بعضهم ؛ لأنّ ما ينمو يكون تابعاً(٢) .

تذنيبان :

أ : لو سرت عروق الشجرة إلى أرض الجار ، كان حكمها حكم سريان الأغصان من جواز عطفها‌ ، فإن تعذّر قَطَعها ؛ لأنّه ليس له التصرّف في ملك غيره إلّا بإذنه ، ولأنّه عِرْق ظالمٍ فله الإزالة ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ »(٣) .

ب : لو مالَ جداره إلى هواء الجار ، كان له الإزالة‌ ، كالأغصان والعروق ؛ لأنّه شَغَل ملك الغير ومَنَعه من التصرّف فيه بغير حقٍّ.

مسألة ١٠٩٠ : يجوز للرجل التصرّف في ملكه بأيّ أنواع التصرّفات شاء‌ ، سواء حصل به تضرّرٌ للجار أو لا ، فله أن يبني ملكه حمّاماً بين الدور ، وأن يفتح خبّازاً بين العطّارين ، أو يجعله دكّان قصارة بين المساكن وإن أضرّت الحيطان بالدقّ وأخربها ، وأن يحفر بئراً إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها ، أو يحفر بالوعة أو مرتفقاً يجري ماؤه إلى بئر جاره - وبه قال الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين(٤) - لقولهعليه‌السلام : « الناس مسلّطون على أموالهم »(٥) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢١٧ / ٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٧ : ١٣ - ١٤ / ٤ و ٥ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٣ / ٢٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٤٢ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١.

(٥) أورده الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المسألة ٢٩٠ من كتاب البيوع.

٩٣

ولأنّه تصرّف في ملكه المختصّ ولم يتعلّق به حقّ غيره ، فلم يُمنع منه ، كما لو طبخ في داره أو خبز فيها ، فإنّه لا يُمنع منهما تحرّزاً من وصول دخانه إلى جاره وإن تأذّى به ، كذا هنا.

وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إنّه يُمنع من ذلك كلّه - وهو قول بعض الحنفيّة - لقولهعليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار »(١) وهذا الفعل يضرّ بجيرانه ، ولأنّ هذا إضرار بالجيران فمُنع منه ، كما يُمنع من إرسال الماء في ملكه بحيث يضرّ بجاره ويتعدّى إلى هدم حيطانه ، ومن إشعال نارٍ تتعدّى إلى احتراق الجيران(٢) .

والجواب : الحديث مشترك ؛ لأنّ منع المالك عن عمل مصلحةٍ له في ملكه يعود نفعها إليه إضرار غير مستحقّ ، فالضرر مشترك ، وليس مراعاة أحدهما أولى من مراعاة الآخَر ، بل مراعاة المالك أولى ، والنار التي أضرمها والماء الذي أرسله تعدّيا فكان مرسلاً لذلك في ملك غيره ، فأشبه ما لو أرسلها إليه قصداً ، ولأنّ ذلك غير عامٍّ ؛ إذ الممنوع منه الإضرام عند هبوب الرياح بحيث يعلم التعدّي ، وليس ذلك دائماً ، فلهذا مُنع. وكذا إرسال الماء على وجه الكثرة.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٦٨ ، الهامش (١)

(٢) المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٤٢.

٩٤

٩٥

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ١٠٩١ : إذا تنازعا عيناً في يد أحدهما ، حُكم بها لصاحب اليد مع اليمين وعدم البيّنة‌ ؛ لأنّه منكر.

فإن صالحه عنها على شي‌ءٍ منها أو من غيرها جاز ، سواء كان عقيب إقرارٍ أو إنكارٍ ، عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(١) ، وقد سبق(٢) .

ولو كانت العين في يد اثنين [ فادّعاها ثالث ](٣) فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر ، ثبت له النصف بإقرار المصدّق ، وكان على المكذّب اليمين مع عدم البيّنة ؛ لأنّه منكر.

فلو صالح المدّعي [ الـمُقرّ ] ٤ على مالٍ فأراد المكذّب أخذه بالشفعة ، لم يكن له ذلك عندنا ؛ لأنّ الشفعة تتبع البيع خاصّةً ، والصلح عندنا ليس بيعاً وإن كان على مالٍ ، بل هو عقد مستقلّ برأسه.

أمّا مَنْ يعتقده بيعاً كالشافعي(٥) فقد اختلف طُرق الناقلين عنه في الجواب.

قال بعضهم : إن مَلَكاها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك ؛ لأنّه لا تعلّق لأحد المِلْكين بالآخَر ، وإن مَلَكاها بسببٍ واحد من إرثٍ أو شراءٍ فوجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الدار بزعم المكذّب ليست للمدّعي ، فإنّ في‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٢٦.

(٢) في ص ٢٦ ، ضمن المسألة ١٠٣٢.

(٣ و ٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) راجع الهامش (٣) من ص ٨٨.

٩٦

ضمن إنكاره تكذيبَ المدّعي في نصيب الـمُقرّ أيضاً ، وحينئذٍ يبطل الصلح.

وأظهرهما عندهم : إنّ له الأخذَ ؛ لحُكمنا في الظاهر بصحّة الصلح ، وانتقال الملك إلى الـمُقرّ ، ولا استبعاد في انتقال نصيب أحدهما إلى المدّعي دون الآخَر وإن مَلَكاها بسببٍ واحد(١) .

وأشكل على بعضهم هذه الطريقة : بأنّا لا نحكم بالملك إلّا بظاهر اليد ، ولا دلالة لليد على اختلاف السبب واتّحاده ، فأيّ طريقٍ يعرف به الحاكم الاختلاف والاتّحاد؟ وإلى قول مَنْ يرجع؟ ومَن الذي يُقيم البيّنة عليه؟(٢) .

وقال بعضهم : إن ادّعى عليهما عن جهتين فللمكذّب الأخذ بالشفعة ، وإن ادّعى عن جهةٍ واحدة ففيه الوجهان ، ولا يخلو من إشكالٍ ؛ لأنّه ليس من شرط المدّعي التعرّض لسبب الملك ، وبتقدير تعرّضه له فليس من شرط الإنكار نفي السبب ، بل يكفي نفي الملك ، وبتقدير تعرّضه له فلا يلزم من تكذيبه المدّعي في قوله : « ورثت هذه الدار » زعم أنّه لم يرث نصفها(٣) .

وقال بعضهم : إن اقتصر المكذّب على أنّه لا شي‌ء لك في يدي ، أو : لا يلزمني تسليم شي‌ءٍ إليك ، أخذ بالشفعة ، وإن قال مع ذلك : وهذه الدار ورثناها ، ففيه الوجهان(٤) .

وقد عرفتَ أنّ هذا كلّه لا يتأتّى على مذهبنا من الاقتصار في طلب الشفعة على الانتقال بالبيع خاصّةً.

مسألة ١٠٩٢ : لو ادّعى اثنان داراً في يد رجلٍ ، فأقرّ لأحدهما بنصفها وكذّب الآخَر‌ ، نُظر فإن كانا قد ادّعياها بسببٍ يوجب الشركة - كالإرث ،

____________________

(١ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨.

٩٧

وشراء وكيلهما في عقدٍ واحد - تشاركا في النصف الذي دفعه المدّعى عليه إلى الـمُقرّ له ؛ لأنّ الإرث يقتضي إشاعة التركة بين الورثة ، فكلّ ما يخلص يكون بينهما ، وذلك كما لو تلف بعض التركة وحصل البعض ، فإنّ التالف يكون منهما ، والحاصل لهما ، وكذا لو تلف بعض المال المشترك.

هذا إذا لم يتعرّضا لقبض الدار ، أمّا لو قالا : ورثناها وقبضناها ثمّ غصبتَها منّا ، فالأقرب : إنّه كذلك أيضاً يشتركان فيما يقبضه الـمُقرّ له منه ؛ لأنّ إيجاب الإرثِ الشيوعَ(١) لا يختلف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، ومحكيٌّ عن أبي حنيفة ومالك.

والقول الآخَر لهم : إنّه لا يشاركه ؛ لأنّ التركة إذا حصلت في يد الورثة صار كلّ واحدٍ منهما قابضاً لحقّه ، وانقطع حقّه عمّا في يد الآخَرين ، ولهذا يجوز أن يطرأ الغصب على نصيب أحدهما خاصّةً بأن تزال يده ، فإنّ المغصوب لا يكون مشتركاً بينهما(٢) .

وإن ادّعياها بجهةٍ غير الإرث من شراءٍ وغيره ، فإن لم يقولا : اشترينا معاً ، أو : اتّهبنا وقبضنا معاً ، فالأقرب عندي : عدم الشركة في المقبوض حيث لم تثبت الشركة في السبب ولم يدّعياه.

وإن قالا : اشتريناها معاً ، أو اتّهبناها وقبضنا معاً ، فالأقرب : إنّه كالإرث ؛ لاشتراك السبب ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّهما لا يشتركان فيما أقرّ به ؛ لأنّ البيع بين اثنين بمنزلة الصفقتين ، فإنّ تعدّد المشتري يقتضي تعدّد العقد ، فكان بمنزلة ما لو مَلَكا بعقدين(٣) .

ولو لم يتعرّضا لسبب الاستحقاق ، فلا شركة بحالٍ.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة : « وهو ». والظاهر أنّ المناسب للعبارة عدمها.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨ - ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

٩٨

مسألة ١٠٩٣ : كلّ موضعٍ قلنا بالشركة في هذه الصُّور لو صدّق المدّعى عليه أحدهما‌ وكذّب الآخَر وصالح المصدَّق [ المدّعى ](١) عليه عن الـمُقرّ به على مالٍ ، فإن كان بإذن الشريك صحّ ، وتشارك المدّعيان في مال الصلح ، سواء كان بعين النصف أو غيره ، وإن كان بغير إذنه بطل الصلح في نصيب الشريك ، وصحّ في نصيبه.

وللشافعيّة في صحّته في نصيبه قولا تفريق الصفقة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : يصحّ الصلح في جميع الـمُقرّ به ؛ لتوافق المتعاقدين وتقاربهما(٣) .

وليس بجيّدٍ.

مسألة ١٠٩٤ : لو ادّعيا داراً في يد الغير فأقرّ لأحدهما بجميعها‌ ، فإن كان قد وُجد من الـمُقرّ له في الدعوى ما يتضمّن إقراراً لصاحبه بأن قال : هذه الدار بيننا ، وما أشبه ذلك ، شاركه صاحبه فيها.

وكذا إن كان الـمُقرّ له قد تقدّم إقراره بالنصف لصاحبه.

وإن لم يتلفّظ بما يتضمّن الإقرار ، بل اقتصر على دعوى النصف ، نُظر فإن قال بعد إقرار المدّعى عليه بالكلّ : إنّ الكلّ لي ، سلّم الجميع إليه ، وكان هو والآخَر خصمين في النصف الذي ادّعاه الآخَر ، ويكون القولُ قولَ مدّعي الكلّ مع اليمين ، وعلى الآخَر البيّنة.

ولا يلزم من ادّعائه النصفَ أن ينتفي ملكه عن الباقي ؛ لجواز أن تكون معه بيّنة بالنصف ولا تساعده البيّنة على الجميع في الحال ، بل على النصف ، و(٤) يخاف الجحود الكلّي لو ادّعى الجميع.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٤) الظاهر : « أو » بدل « و».

٩٩

ولو قال : النصف الآخَر لصاحبي ، سلّم إليه.

وإن لم يقل شيئاً ولا أثبت النصفَ الآخَر لنفسه ولا لصاحبه ولا نفاه ، فالأقرب : إنّه يُترك في يد المدّعى عليه ؛ لأنّ الآخَر ادّعى خلافَ الظاهر ولا بيّنة له ، وهو أصحّ وجوه الشافعيّة.

والثاني : إنّه ينتزع من يد المدّعى عليه ، ويحفظه الحاكم لمن يثبت له.

والثالث : إنّه يُسلّم إلى المدّعي ؛ لأنّه يدّعي ما لا يدّعيه أحد(١) .

ويُضعّف الثاني : بأنّه يؤدّي إلى إسقاط دعوى هذا المدّعي عن الـمُقرّ بغير حجّةٍ ، والثالث : بأنّه يُثبت حقّاً للمدّعي بغير بيّنةٍ ولا إقرار.

وإذا قلنا : ينتزعه الحاكم ، فإنّه يؤجره ويحفظ الأُجرة ، كالأصل.

وقال بعض الشافعيّة : يصرفه في مصالح المسلمين(٢) .

وليس بصحيحٍ ؛ لأنّ الأصل إذا كان موقوفاً فالنماء كذلك.

مسألة ١٠٩٥ : لو تداعى اثنان حائطاً بين ملكيهما‌ ، فإن كان متّصلاً ببناء أحدهما خاصّةً دون الآخَر اتّصالاً لا يمكن إحداثه بعد بنائه - بأن يكون لأحدهما عليه أزج أو قبّة لا يتصوّر إحداثهما بعد تمام الجدار ، وذلك بأن أُميل البناء من مبدأ ارتفاعه عن الأرض قليلاً قليلاً ، أو كان متّصلاً ببناء أحدهما في تربيعه وعلوّه وسَمْكه دون الآخَر ، أو دخل رَصْف من لَبِنات فيه في جداره الخاصّ ، ورَصْف من جداره الخاصّ في المتنازع فيه ، ويظهر ذلك في الزوايا - كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّ ذلك ظاهر يشهد له.

ويحتمل أن يكون بناء القبّة والأزج ورَصْف اللَّبِن برضا الآخَر أو إجازته ، فلهذا أوجبنا اليمين ، وحُكم له بها ، إلّا أن تقوم البيّنة على خلافه.

ولو كان رَصْف اللَّبِن في مواضع معدودة من طرف الجدار ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

لمخالفته(١) النذر.

ولو فاته الجميع لغير عذر ، وجب عليه القضاء متتابعاً - وهو أصحّ وجهي الشافعية(٢) - لأنّه صرّح في نذره بالتتابع ، فيكون مقصوداً له بالذات.

والثاني للشافعية : أنّه لا يلزمه الاستئناف لو أفسد آخره ، ولا تتابع القضاء لو أهمل الجميع ؛ لأنّ التتابع واقع من ضروراته ، فلا أثر للفظه وتصريحه(٣) . وهو ممنوع.

وإن لم يقيّد بالتتابع ، لم يجب الاستئناف لو أفسد آخره ولا تتابع القضاء لو أهمله ، بل يجب القضاء مطلقاً ؛ لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت وضروراته ، لا أنّه وقع مقصوداً ، فأشبه التتابع في صوم رمضان.

مسألة ٢٠٢ : لو نذر اعتكاف شهر ، لزمه شهر بالأهلّة أو ثلاثون يوماً‌. وهل يلزمه التتابع؟ الأقرب : العدم ، بل له أن يفرّقه ثلاثة ثلاثة ، أو يوماً ويضيف إليه آخرَيْن مندوبين على الإِشكال السابق.

وقال الشافعي : لا يلزمه التتابع ؛ لأنّه معنى يصحّ فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام. وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : يلزمه التتابع. وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) .

فإن اعتكف شهراً بين هلالين ، أجزأه وإن كان ناقصاً. وإن اعتكف ثلاثين يوماً من شهرين ، جاز.

ويدخل فيه الليالي ؛ لأنّ الشهر عبارة عنهما ، ولا يجزئه أقلّ من ذلك - وبه قال الشافعي(٥) - إلاّ أن يقول : أيّام شهر أو نهار هذا الشهر ؛ فلا يلزمه‌

____________________

(١) في « ط ، ن » لمخالفة.

(٢و٣) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٢ ، المجموع ٦ : ٤٩٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المغني ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٣٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١١.

(٥) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ =

٢٨١

الليالي.

ولو قال : ليالي هذا الشهر ؛ لم ينعقد عندنا ؛ لأنّ من شرط الاعتكاف الصوم ، والليل ليس محلاً للصوم.

وقال الشافعي : ينعقد ويلزم الاعتكاف ليلاً ، ولا يلزمه الأيّام(١) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، قال الشافعي : لا يلزم ضمّ الليلة إلّا أن ينوي ، فحينئذٍ يلزم ؛ لأنّ اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته(٢) .

وللشافعي قول آخر : إنّه تدخل الليلة إلّا أن ينوي يوماً بلا ليلة(٣) .

ولو نذر اعتكاف يومين ، وجب عليه ضمّ ثالث إليهما عندنا ، وعند العامّة لا يلزم.

فعلى قولهم هل تلزمه الليلة بينهما؟ للشافعية ثلاثة أوجه :

أحدها : لا تلزم إلّا إذا نواها ؛ لما سبق من أنّ اليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

والثاني : تلزم إلّا أن يريد بياض النهار ؛ لأنّها ليلة تتخلّل نهار الاعتكاف ، فأشبه ما لو نذر اعتكاف العشر.

والثالث : إن نوى التتابع أو قيّد به لفظاً ، لزمت ليحصل التواصل ، وإلّا فلا(٤) .

ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلّل بينهما هذا الخلاف.

ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو ثلاثين يوماً ، ففي لزوم الليالي المتخلّلة ، الوجوه الثلاثة(٥) .

____________________

= ٤٩٣.

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٣ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨.

(٢و٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٦ - ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٤.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٧.

٢٨٢

وقال بعض الشافعية : إن نذر اليومين لا يستتبع شيئاً من الليالي ، والخلاف في الثلاثة فصاعداً ؛ لأنّ العرب إذا أطلقت اليومين عنت مجرّد النهار ، وإذا أطلقت الأيّام عنت بلياليها(١) .

مسألة ٢٠٣ : لا خلاف بين الشافعية في أنّ الليالي لا تلزم بعدد الأيّام‌ ، فإذا نذر يومين لم تلزم(٢) ليلتان بحال ، وبه قال مالك وأحمد(٣) .

وقال أبو حنيفة : تلزم(٤) ليلتان(٥) .

ولو نذر اعتكاف يوم ، لم يجز تفريقه ، ويلزمه أن يدخل معتكفة قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.

وقال مالك : يدخل معتكفة قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم ، كما لو نذر اعتكاف شهر ؛ لأنّ الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعاً(٦) .

والوجه : ما قلناه من أنّ الليلة ليست من اليوم ، وهي من الشهر.

ولو نذر اعتكاف ليلة ، لزمه دخول معتكفة قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر عند العامة(٧) . وليس له تفريق الاعتكاف عند أحمد(٨) .

وقال الشافعي : له التفريق(٩) .

مسألة ٢٠٤ : لو نذر العشر الأخير من بعض الشهور ، دخل فيه الأيّام والليالي‌ ، وتكون الليالي هنا بعدد الأيّام ، كما في نذر الشهر ، وقد تقدّم.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٢) في « ط ، ف ، ن » لم تلزمه.

(٣) المجموع ٦ : ٤٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٤) في « ف ، ن » : تلزمه.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١١٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٢ - ١٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٩.

(٦) المغني ٣ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٤ - ٣١٥.

(٧ - ٩ ) المغني ٣ : ١٥٩ - ١٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٠.

٢٨٣

ويخرج عن العهدة إذا استهلّ الهلال ، كان الشهر كاملاً أو ناقصاً ؛ لأنّ الاسم يقع على ما بين العشرين إلى آخر الشهر.

ولو نذر أن يعتكف عشرة أيّام من آخر الشهر ودخل المسجد اليوم العشرين ، أو قُبَيْل الحادي والعشرين فنقص الشهر ، لزمه قضاء يوم ؛ لأنّه حدّد القصد إلى العشرة.

تذنيب : إذا نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد فيه ، لم ينعقد‌ ؛ لأنّه إن قدم ليلاً ، لم يلزمه شي‌ء ، وإن قدم نهاراً ، لم ينعقد ؛ لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف.

ومَنْ لا شَرَط(١) الصوم أوجب عليه اعتكاف بقية النهار(٢) .

وللشافعي في قضاء ما مضى من النهار قولان :

أصحّهما عندهم : العدم ؛ لأنّ الوجوب ثبت من حين القدوم.

والثاني : الوجوب ؛ لأنّا نتبيّن بقدومه أنّ ذلك يوم القدوم ، فيجب أن يعتكف بقية اليوم ، ويقضي بقدر ما مضى من يوم آخر(٣) .

وقال بعضهم : يستأنف اعتكاف يوم ليكون اعتكافه موصولاً(٤) .

ولو كان الناذر وقت القدوم ممنوعاً من الاعتكاف بمرض أو حبس ، قضاه عند زوال العذر.

وقال بعضهم : لا شي‌ء عليه ؛ لعجزه وقت الوجوب ، كما لو نذرت المرأة صوم يوم بعينه فحاضت فيه(٥) .

____________________

(١) أي : لم يشترط ، والدليل عليه قوله تعالى :( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى ) [ القيامة : ٣١ ]. والمغني : لم يصدّق ولم يصلّ.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ ، المجموع ٦ : ٥٤٠.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٧ - ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤٠ - ٥٤١.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥١٨ ، المجموع ٦ : ٥٤١ ، مختصر المزني : ٦١.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥١٨.

٢٨٤

المطلب الخامس :

في الرجوع من الاعتكاف ، وأحكام الخروج من المسجد‌

مسألة ٢٠٥ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب إليه غير واجب بدون النذر وشبهه‌ ، فإذا تبرّع به كان ندباً إجماعاً ، فإذا شرع في الاعتكاف ، فلعلمائنا في صيرورته واجباً حينئذٍ أقوال ثلاثة :

أحدها : قال الشيخ -رحمه‌الله - في بعض مصنّفاته : إنّه يصير واجباً بالنيّة والدخول فيه(١) - وبه قال أبو الصلاح(٢) من علمائنا ، وهو قول مالك وأبي حنيفة(٣) - لأنّ الأخبار دلّت على وجوب الكفّارة بإفساد الاعتكاف بجماع وغيره على الإِطلاق ، ولو لم ينقلب واجباً لم تجب الكفّارة ، وبالقياس على الحج والعمرة.

والأخبار محمولة على الاعتكاف الواجب. وأيضاً لا استبعاد في وجوب الكفّارة في هتك الاعتكاف المستحب. والفرق : احتياج الحجّ والعمرة إلى إنفاق مال كثير ففي إبطلاهما تضييع للمال وهو منهي عنه.

الثاني : أنّه إن اعتكف يومين وجب الثالث ، وإن اعتكف أقلّ لم يجب الإِكمال - وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٤) ومذهب ابن الجنيد(٥) وابن البرّاج(٦) - لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩.

(٢) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٣) المدونّة الكبرى ١ : ٢٣٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٨ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٤) النهاية : ١٧١ ، وحكاه عنه في ظاهر النهاية أيضاً المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٦) المهذب لابن البراج ١ : ٢٠٤.

٢٨٥

يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام »(١) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، وفيه ضعف.

الثالث : أنّ له إبطالَه مطلقاً ، وفسخه متى شاء ، سواء في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث ، اختاره السيد المرتضى(٢) رضي‌الله‌عنه ، وابن إدريس(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) ، وهو الأقوى ؛ لأصالة بقاء ما كان على ما كان ، وبراءة الذمة.

مسألة ٢٠٦ : لا يجب الاعتكاف بمجرّد النيّة‌ - وهو قول عامّة أهل العلم - للأصل.

وقال مَنْ لا يُعتدّ به : إنّه يجب الاعتكاف بمجرّد العزم عليه ؛ لأنّ عائشة رَوَتْ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمَرَتْ ببنائها(٥) فضُرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعلَتْ فأمرَتْ ببنائها فضُرب ، فلمـّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمَرَتْ ببنائها فضُرب.

قالت : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا صلّى الصبح دخل معتكفة ، فلمـّا صلّى الصبح انصرف فبصر بالأبنية ، فقال : ( ما هذا؟ ) فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ - ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٣) السرائر : ٩٧.

(٤) المجموع ٦ : ٤٩٠ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣.

(٥) البناء واحد الأبنية ، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء ، فمنها : الطراف والخباء والقبّة والمضرب. النهاية - لابن الأثير - ١ : ١٥٧ - ١٥٨.

٢٨٦

( ألبرّ أردتنّ؟ ما أنا بمعتكف ) فرجع ، فلمـّا أفطر اعتكف عشراً من شوّال(١) .

ولأنّها عبادة تتعلّق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها ، كالحجّ(٢) .

والرواية تدلّ على النقيض ؛ لأنّ تركه دليل على عدم الوجوب بالعزم.

والفرق بينه وبين الحجّ قد سبق.

مسألة ٢٠٧ : لو اعتكف ثلاثة أيّام ، كان بالخيار‌ إن شاء زاد عليها وإن شاء لم يزد ، وإن زاد يوماً جاز له عدم الزيادة على الأربعة.

فإن زاد على الثلاثة يومين ، قال الشيخ : يجب الإِكمال ستة(٣) ؛ فأوجب السادس - وبه قال ابن الجنيد(٤) وأبو الصلاح(٥) - لقول الباقرعليه‌السلام : « من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أيّاماً اُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة اُخر »(٦) .

وفي طريقها علي بن فضّال ، والأصل براءة الذمة.

مسألة ٢٠٨ : لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلّا لضرورة‌ بإجماع العلماء كافة ؛ لما رواه العامة عن عائشة أنّها قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لا بدّ له منه(٧) .

وعنها : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف يُدني إليَّ‌

____________________

(١) أوردها ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، وسنن أبي داود ٢ : ٣٣١ - ٣٣٢ / ٢٤٦٤ نحوها.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٣) النهاية : ١٧١ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٠.

(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٢٤.

(٥) الكافي في الفقه : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٠.

٢٨٧

رأسه فاُرجّله ، وكان لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يخرج المعتكف من المسجد إلّا في حاجة »(٢) .

ولأنّ الاعتكاف هو اللبث ، فإذا خرج بطل الاسم.

والممنوع إنّما هو الخروج بجميع بدنه ، فلو أخرج يده أو رأسه ، لم يبطل اعتكافه ؛ لما تقدّم في رواية عائشة.

ولو أخرج إحدى رجليه أو كلتيهما وهو قاعد مادٌّ لهما ، فكذلك ، وإن اعتمد عليهما فهو خارج.

والممنوع منه الخروج عن كلّ المسجد.

فلو صعد على المنارة ، فإن كانت في وسط المسجد أو بابها فيه أو في رحبته وهي تُعدّ من المسجد ، جاز سواء كان الصعود للأذان أو لغيره ، كما يصعد على سطح المسجد ودخول بيت منه.

وإن كان الباب خارج المسجد ، لم يجز ؛ لأنّها لا تُعدّ حينئذٍ من المسجد ، ولا يصح الاعتكاف فيها.

وهل للمؤذّن صعودها للأذان؟ الأقرب : المنع - وهو أحد وجهي الشافعية(٣) - لأنّه لا ضرورة إليه ، لإِمكان الأذان على سطح المسجد ، فصار كما لو صعدها لغير الأذان ، أو خرج لغير ضرورة ، أو خرج إلى الأمير ليُعْلمه الصلاة.

والثاني : الجواز ؛ لأنّها مبنيّة للمسجد معدودة من توابعه.

ولأنّه قد اعتاد صعودها للأذان وقد استأنس الناس بصوته ، فيعذر فيه.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥ ، مسند أحمد ٦ : ١٨١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

٢٨٨

ويجعل زمان الأذان مستثنى عن اعتكافه(١) .

مسألة ٢٠٩ : يجوز للمعتكف الخروج عن المسجد لقضاء الحاجة‌ بإجماع العلماء.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للمعتكف أن يخرج من معتكفة للغائط والبول(٢) .

ولأنّ هذا ممّا لا بدّ منه ، ولا يمكن فعله في المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه ، لم يصح لأحد أن يعتكف.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يعتكف ، ومن المعلوم أنّه كان يخرج لقضاء الحاجة.

ولما رواه العامة عن عائشة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان ، فقلت للصادقعليه‌السلام : إنّي اُريد أن أعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك »(٤) .

وفي معناه الخروج للاغتسال من الاحتلام.

ولو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها ولا يجوز التجاوز ، إلّا أن يجد غضاضةً بأن يكون من أهل الاحتشام(٥) ، فيحصل له مشقّة بدخولها ، فيجوز له العدول إلى منزله وإن كان أبعد.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٢.

(٣) تقدّمت الاشارة إلى مصادرها في الصفحة السابقة ، الهامش (١).

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٥) أي : الاستحياء. الصحاح ٥ : ١٩٠٠.

٢٨٩

ولو بذل له صديق منزله - وهو قريب من المسجد - لقضاء الحاجة ، لم تلزمه الإِجابة ؛ لما فيه من المشقّة بالاحتشام ، بل يمضي إلى منزل نفسه ، سواء كان منزله قريباً أو بعيداً بُعْداً متفاحشاً أو غير متفاحش ، إلّا أن يخرج بالبُعْد عن مسمّى الاعتكاف.

ولو كان له منزلان أحدهما أقرب ، تعيّن عليه القصد إليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث سوّغ له المضيّ إلى الأبعد(١) .

ولو احتلم ، وجب عليه المبادرة بالخروج عن المسجد للغسل ؛ لأنّ الاستيطان حرام.

مسألة ٢١٠ : يجوز للمعتكف الخروج لشراء المأكول والمشروب‌ إذا لم يكن له مَنْ يأتيه به بالإِجماع ؛ لأنّ الحاجة تدعو إليه ، والضرورة ثابتة فيه ، فجاز كغيره من الضروريات.

وهل يجوز الخروج للأكل خارج المسجد؟ إشكال ، أقربه ذلك إن كان فيه غضاضة ويكون من أهل الاحتشام ، وإلّا فلا.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ؛ لأنّه قد يستحيي منه ويشقّ عليه.

والثاني : أنّه لا يجوز - وهو قول الشافعي في الاُمّ(٢) - لأنّ الأكل في المسجد ممكن(٣) .

ولو عطش ولم يجد الماء في المسجد ، فهو معذور في الخروج.

ولو وجده فالأقرب منعه من الخروج للشرب - وهو أصحّ وجهي الشافعية - لأنّ فعله في المسجد ممكن ، ولا يستحي منه ، ولا يُعدّ تركه من المروة ،

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

(٢) قال الشافعي في الاُم ٢ : ١٠٥ : وإن أكل المعتكف في بيته فلا شي‌ء عليه. وكذلك حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٥٠٥.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٩ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢.

٢٩٠

بخلاف الأكل فيه(١) .

ولو فجأه القي‌ء خرج من المسجد ليتقيّأ خارجه صيانةً للمسجد وأهله عن الاستقذار.

وكلّ ما لا بدّ منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ، ولا يفسد اعتكافه ، وهو على اعتكافه ما لم يطل المكث ويخرج به عن اسم المعتكف.

مسألة ٢١١ : لو اعتكف في أحد المساجد الأربعة واُقيمت الجمعة في غيره‌ لضرورة ، أو اعتكف في غيرها عند مَنْ سوَّغه ، خرج لأدائها ، ولم يبطل اعتكافه عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لأنّه خرج لأداء واجب عليه ، فلا يبطل به اعتكافه ، كما لو خرج لأداء الشهادة ، أو لإِنقاذ غريق ، أو إطفاء حريق.

وقال الشافعي : يجب أن يخرج لصلاة الجمعة.

وفي بطلان اعتكافه قولان ، أحدهما : لا يبطل ، كما اخترناه. والثاني: أنّه يبطل - وبه قال مالك(٣) - لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجامع.

وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقلّ من أسبوع ، ابتدأ من أول الاُسبوع أين شاء من المساجد وفي الجامع متى شاء ، وإن كان أكثر من اُسبوع ، فيجب أن يبتدئ به في الجامع حتى لا يحتاج إلى الخروج للجمعة.

فإن كان قد عيّن غير الجامع وقلنا بالتعيين ، فلا يخرج عن نذره إلّا بأن‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ١٣٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المغني ٣ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٣ ، المجموع ٦ : ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

٢٩١

يمرض فتسقط عنه الجمعة ، أو بأن يتركها عاصياً ويدوم على اعتكافه(١) .

وهذا يستلزم الجمع بين الضدّين في الحكمين.

واحتجّ على بطلان الاعتكاف : بأنّه أمكنه أداء فرضه بحيث لا يخرج منه ، فبطل بالخروج ، كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة.

وليس بجيّد ؛ لأنّه إذا نذر أيّاماً معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه.

ويبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها.

مسألة ٢١٢ : يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المرضى وشهادة الجنائز‌ عند علمائنا أجمع ، سواء اشترط ذلك في اعتكافه أو لا - وبه قال عليعليه‌السلام ، وسعيد بن جبير والنخعي والحسن(٢) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم »(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٤) .

ولأنّه مؤكّد الاستحباب ، والاعتكاف للعبادة ، فلا يناسب منعها من مؤكّداتها.

وقال عطاء وعروة ومجاهد والزهري والشافعي ومالك وأصحاب الرأي :

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥١٣ - ٥١٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤٠.

(٢) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ ، المجموع ٦ : ٥١٢.

(٣) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ٨٧ - ٨٨ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

٢٩٢

ليس له الخروج في ذلك - وعن أحمد روايتان(١) - لما روته عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة الإِنسان(٢) .

وعنها : أنّها قالت : السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازةً ولا يمسّ امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه(٣) .

ولأنّه ليس بواجب ، فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب لأجله(٤) .

والحديث نقول بموجبه ، ولا دلالة فيه على موضع النزاع.

والحديث الثاني ليس مسنداً إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يكون حجّةً.

وكونه ليس بواجب لا يمنع الاعتكاف من فعله ، كقضاء الحاجة.

مسألة ٢١٣ : لو تعيّنت عليه صلاة الجنازة‌ وأمكنه فعلها في المسجد ، لم يجز له الخروج إليها ، فإن لم يمكنه ذلك ، فله الخروج إليها.

وإن تعيّن عليه دفن الميت أو تغسيله ، جاز له الخروج لأجله ، لأنّه واجب متعيّن ، فيقدّم على الاعتكاف ، كصلاة الجمعة.

والشافعي لمـّا منع من عيادة المريض وصلاة الجنازة قال : لو خرج لقضاء الحاجة فعاد في الطريق مريضاً ، فإن لم يقف ولا ازْوَرَّ(٥) عن الطريق ، بل اقتصر على السلام والسؤال ، فلا بأس ، وإن وقف وأطال ، بطل اعتكافه ، وإن لم يُطل فوجهان ، والأصحّ : أنّه لا بأس به.

____________________

(١) المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٢ / ٢٤٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٦٧ / ٨٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ - ٣٣٤ / ٢٤٧٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢١.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٤ ، المجموع ٦ : ٥١٢ ، المغني ٣ : ١٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٥) ازْوَرَّ : عدل وانحرف. لسان العرب ٤ : ٣٣٥.

٢٩٣

ولو ازْوَرَّ عن الطريق قليلاً فعاده ، فقد جعلوه على هذين الوجهين. والأصحّ عندهم : المنع ؛ لما فيه من إنشاء سير لغير قضاء حاجة.

وقد روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان لا يسأل عن المريض إلّا مارّاً في اعتكافه ولا يعرّج عليه(١) (٢) .

ولو كان المريض في بيت الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة ، فالعدول لعيادته قليل ، وإن كان في دار اُخرى فكثير.

ولو خرج لقضاء حاجة فعثر في الطريق على جنازة ، فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا يزْوَرّ عن الطريق.

وفيه وجه آخر : أنّه لا يجوز ؛ لأنّ في صلاة الجنازة يفتقر إلى الوقفة(٣) .

مسألة ٢١٤ : يجوز الخروج للمعتكف لإِقامة الشهادة عند الحاكم‌ ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وسواء كان متتابعاً أو غير متتابع ، تعيّن عليه التحمّل والأداء أو لم يتعيّن عليه أحدهما إذا دُعي إليها ؛ لأنّ إقامة الشهادة أمر واجب لا بدّ منه ، فصار ضرورة ، كقضاء الحاجة ، فلا يكون مبطلا ، وإذا دعي إليها مع عدم التعيين ، تجب الإِجابة ، فلا يمنع منه الاعتكاف.

وقال الشافعي : إن تعيّن عليه التحمّل والأداء ، خرج ، ولا يبطل اعتكافه المتتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء ، فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان ؛ لأنّه خرج لغير حاجة ، فأبطل التتابع(٤) .

والمقدّمة الاُولى ممنوعة.

____________________

(١) لا يعرّج عليه ، أي : لم يُقم ولم يحتبس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٠٣.

(٢) أوردها الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ٣٣٣ / ٢٤٧٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٢١ بتفاوت في اللفظ.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ ، والمجموع ٦ : ٥١١ - ٥١٢.

(٤) المجموع ٦ : ٥١٥ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٨.

٢٩٤

مسألة ٢١٥ : يجوز للمعتكف أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن‌ ؛ لأنّه طاعة فلا يمنع الاعتكاف منه.

ولما رواه الصدوق -رحمه‌الله - عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالساً عند الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فأتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله إنّ فلاناً له عليَّ مال ويريد أن يحبسني ؛ فقال : « والله ما عندي مال فأقضي عنك » قال : فكلّمه فلبسعليه‌السلام نعله ، فقلت له : يا ابن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال : « لم أنس ولكني سمعت أبي يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : مَنْ سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عَبَدَ الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائماً نهاره قائماً ليله»(١) .

مسألة ٢١٦ : قال الشيخرحمه‌الله : يجوز أن يخرج ليؤذّن في منارة خارجة عن المسجد‌

وإن كان بينه وبين المسجد فضاء(٢) ، ولا يكون مبطلاً لاعتكافه ؛ لأنّ هذه المنارة بُنيت للمسجد وأذانه ، فصارت كالمتّصلة به.

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك بأن يكون مؤذّن المسجد وقد عرف الجيران صوته ووثقوا بمعرفته بالأوقات ، فجاز ذلك.

وقال الشافعي : إن لم يكن بابها في المسجد ولا في رحبته المتّصلة به ، ففي بطلان اعتكاف المؤذّن الراتب بصعودها للأذان وجهان.

ولو خرج إليها غير المؤذّن الراتب للأذان ، فإن أبطلنا اعتكاف الراتب فإبطال هذا أولى ، وإلّا فقولان مبنيّان على أنّها مبنيّة للمسجد ، فتكون معدودةً من توابعه ، فلا يبطل اعتكافه ، أو أنّ الراتب قد اعتاد صعودها للأذان ، واستأنس الناس بصوته ، فيبطل هذا(٣) ؛ لفقد هذا المعنى فيه(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٣٥ ، المسألة ١٠٦ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٣) أي : اعتكاف المؤذّن غير الراتب.

(٤) المجموع ٦ : ٥٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٢٩٥

قال الشيخرحمه‌الله : لو خرج المؤذّن إلى دار الوالي وقال : حيَّ على الصلاة أيّها الأمير ، أو قال: الصلاة أيّها الأمير ، بطل اعتكافه(١) .

وهو حسن ؛ لأنّه خرج من معتكفة لغير ضرورة.

وللشافعي قول بالجواز ؛ لأنّ بلالاً جاء فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمك الله(٢) .

ونمنع كون بلال قاله حال اعتكافه ، أو أنّه خرج من المسجد فجاز أن يكون وقف على بابه.

سلّمنا ، لكن فعله ليس حجّةً.

ويجوز للمعتكف الصعود على سطح المسجد ؛ لأنّه من جملته ، وبه قال الفقهاء الأربعة(٣) . وكذا يجوز أن يبيت فيه.

ولو كان إلى جنب المسجد رحبة وليست منه ، لم يجز الخروج إليها إلّا لضرورة ؛ لأنّها خارجة عن المسجد فكانت كغيرها ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية : الجواز ؛ لأنّها تابعة له ومعه ، فكانت بمنزلته(٤) .

والمقدّمتان ممنوعتان. ولا فرق بين أن يكون عليها حائط وباب أو لم يكن.

مسألة ٢١٧ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، حرم عليه المشي تحت الظلال والوقوف فيه‌ - إلّا لضرورة - إلى أن يعود إلى المسجد. وكذا لا يقف تحت غير الظلال ؛ لأنّه مُنافٍ للاعتكاف الذي هو اللبث في المسجد خاصة ، ولأنّ في المشي تحت الظلال نوعَ ترفّه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى‌

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

(٤) المغني ٣ : ١٣٨ - ١٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٠.

٢٩٦

مجلسك »(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ولا يجلس حتى يرجع »(٢) .

وبه قال الثوري(٣) .

وحكى عنه الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه(٤) . وباقي العامّة يجيزون له الاستظلال بالسقف(٥) .

و [ السيد المرتضى ](٦) رحمه‌الله ، احتجّ عليهم : بإجماع الطائفة والاحتياط.

مسألة ٢١٨ : إذا خرج المعتكف لضرورة ، لم يجز له أن يصلّي إلّا في المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة خاصة‌ ، فإنّه يصلّي في أيّ بيوتها شاء ؛ لأنّها حرم ، فلها حرمة ليست لغيرها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها شاء سواء عليه صلّى في المسجد أو في بيوتها » ثم قالعليه‌السلام بعد كلام. « ولا يصلّي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلّا بمكّة »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المعتكف بمكّة يصلّي في أيّ بيوتها‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٨ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ٨٧٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

(٣ - ٥ ) كما في الانتصار للسيد المرتضى : ٧٤.

(٦) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : الشيخ ، بدل السيد المرتضى. والظاهر كونه من سهو النسّاخ. وما أثبتناه هو الصحيح الموافق لمنتهى المطلب [ ٢ : ٦٣٥ ] للمصنّف ، والانتصار [ : ٧٤ ] للسيد المرتضى ، مضافاً إلى عدم ورود أصل المسألة في الخلاف للشيخ الطوسي.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٦.

٢٩٧

شاء ، والمعتكف في غيرها لا يصلّي إلّا في المسجد الذي سمّاه »(١) .

ولو اعتكف في غير مكّة فخرج لضرورة فضاق وقت الصلاة عن عوده ، صلّى أين شاء ، ولا يبطل اعتكافه ؛ لأنّه صار ضرورياً ، فيكون معذوراً ، كالمضيّ إلى الجمعة.

مسألة ٢١٩ : أوقات الخروج للضرورة لا يجب تداركها‌ ، ولا يخرج المعتكف فيها عن اعتكافه إذا لم يَطُل الزمان ، بل يكون الاعتكاف مستمرّاً في أوقات الخروج لقضاء الحاجة وشبهها ، ولهذا لو جامع في هذا الوقت ، بطل اعتكافه. وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والثاني : أنّه لا يستمرّ ، بل يكون زمان الخروج لقضاء الحاجة كالمستثنى لفظاً عن المدّة المنذورة؛ لأنّه لا بدّ منه ، فإن جعلناه كقضاء الحاجة ، لم يحتج إلى تجديد النيّة ، وإن جعلناه كالمستثنى ، فلأنّ اشتراط التتابع في الابتداء رابطة لجميع ما سوى تلك الأوقات(٣) .

وقال بعض الشافعية : إن طال الزمان ، ففي لزوم التجديد وجهان(٤) .

والحقّ : أنّ مع طول الزمان بحيث يخرج عن الاسم يبطل الاعتكاف.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يكلّف الإِسراع ، بل يمشي على سجيّته المعهودة ؛ لأنّ عليه مشقّةً في إلزامه غير ذلك.

وإذا خرج لقضاء الحاجة ، لم يجز له أن يجامع في مروره بأن يكون في هودج ، أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ، فإن فعل بطل الاعتكاف.

وللشافعية في إبطال الاعتكاف وجهان : أصحهما : البطلان.

أمّا على تقدير القول باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء‌

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٣ - ٢٩٤ / ٨٩٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ / ٤١٧.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٢ - ٥٠٣.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

٢٩٨

الحاجة : فظاهر ؛ لأنّ الجماع يكون قد صادف الاعتكاف.

وأمّا على تقدير القول بعدم استمراره : فلأنّ الجماع عظيم الوقع ، فالاشتغال به أشدّ إعراضاً عن العبادة.

والثاني : أنّه لا يبطل ؛ لأنّه غير معتكف في تلك الحالة ولم يصرف إليه زماناً(١) .

وإذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى ، لم يلزمه نقل الوضوء إلى المسجد ، بل يقع ذلك تابعاً ، بخلاف ما إذا احتاج إلى الوضوء بمعنى غير قضاء الحاجة ، كما لو قام من النوم ، فإنّه لا يجوز له الخروج ليتوضّأ في أظهر وجهي الشافعية إذا أمكن الوضوء في المسجد(٢) .

وإذا منعنا من الأكل خارج المسجد أو مشى إلى منزله لقضاء الحاجة ، جاز له أن يأكل لقمة أو لقمتين ، وليس له أن يأكل جميع أكله ؛ لأنّ القليل لا اعتداد به.

مسألة ٢٢٠ : إذا حاضت المرأة أو نفست وهي معتكفة ، لزمها الخروج من المسجد‌ بلا خلاف ؛ لأنّ الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد ، فهو كالجنابة وآكد منه وقد قالعليه‌السلام : ( لا اُحلّ المسجد لحائض ولا جنب )(٣) .

وإذا خرجت لعذر الحيض ، مضت إلى بيتها. وبه قال الشافعي ومالك وربيعة والزهري وعمرو بن دينار(٤) .

أمّا خروجها من المسجد : فلما تقدّم من الإِجماع والحديث.

وأمّا رجوعها إلى منزلها : فلأنّه وجب عليها الخروج من المسجد وبطل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٣ - ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٤.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٣٤ ، المجموع ٦ : ٥٠٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٦٠ / ٢٣٢.

(٤) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٨٥.

٢٩٩

اعتكافها.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّها ترجع إلى بيتها »(١) .

وقال أحمد : إن لم يكن في المسجد رحبة ، رجعت إلى منزلها ، وإن كان له رحبة خارجه يمكن أن تضرب فيها خباءها ، ضربت خباءها فيها مدّة حيضها(٢) .

وقال النخعي : تضرب فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت ، قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتاً أو سقفاً استأنفت(٣) .

لأنّ عائشة قالت : كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإخراجهنّ من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكونعليه‌السلام أمر بذلك ليعرف الناس أنّ رحبة المسجد ليست منه ، أو لأنّ الاعتكاف قد كان واجباً عليهنّ وعلمعليه‌السلام من حالهنّ توهّم سقوطه بخروجهنّ من المسجد.

إذا عرفت هذا ، فإن كان اعتكافها ثلاثة أيّام لا غير ، فإذا حاضت في أثنائه بطل ، ولم يجز لها البناء على ما فعلته ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام عندنا.

ثم إن كان واجباً ، وجب عليها بعد الطهر الاستئناف ، وإلّا فلا.

وإن كان أكثر ، فإن حاضت بعد الثلاثة ، جاز لها البناء على ما فعلته بعد الطهر ، لأنّه عذر كقضاء الحاجة.

ولا يُعدّ أيّام الحيض من الاعتكاف إجماعاً. ومَنْ لا يشترط الصوم من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٦.

(٢) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦.

(٣) المغني ٣ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٦ ، المجموع ٦ : ٥٢٠.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٥٤ ، والشرح الكبير ٣ : ١٤٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392