تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء4%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150645 / تحميل: 5376
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

العوض ولم يسلم له ، فكان له أُجرة مثله ، كالمضاربة الفاسدة.

والثانية : له الأقلّ من المسمّى أو أُجرة المثل ؛ لأنّه إن كان الأقلّ المسمّى فقد رضي به ، فلم يستحق أكثر منه ، وإن كان الأقلّ أُجرة المثل لم يستحق أكثر منه ؛ لأنّه لم يعمل ما رضي به(١) .

ولو قصد الشراء لنفسه ، فإن كان الشراء بعين المال لم يصح ، ولا أُجرة له.

وعن أحمد روايتان(٢) .

وإن كان اشترى في الذمّة ثمّ نقد المال ، فله الربح ، ولا أُجرة له.

مسألة ٣٠٤ : إذا اشترى العامل سلعةً للتجارة ، فقال ربّ المال : كنتُ نهيتُك عن ابتياعها وابتعتَها بعد النهي فليست للقراض ، فقال العامل : ما نهيتني قطّ ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّه أمين ، وربّ المال يدّعي عليه الخيانة.

أمّا لو قال العامل : أذنتَ لي في شراء كذا ، فقال المالك : لم آذن فيه ، أو قال العامل : أذنتَ لي في البيع نسيئةً أو في الشراء بعشرةٍ ، فقال المالك : بل أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسةٍ ، قُدّم قول المالك - وبه قال الشافعي(٣) - لأصالة عدم الإذن ، ولأنّ القول قول المالك في أصل الإذن فكذا في صفته.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يُقدّم قول العامل ؛ لأنّهما اتّفقا على الإذن واختلفا في صفته ، فكان القولُ قولَ العامل ، كما لو قال : كنتُ قد نهيتُك‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

(٣) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

١٦١

عن شراء عبدٍ ، فأنكر النهي(١) .

والفرق ظاهر.

مسألة ٣٠٥ : إذا دفع المالك إلى العامل ألفاً قراضاً فاتّجر فيها ونضّ المال فخسر مائة ، فقال العامل لصديقٍ له : أقرضني مائةً أضمّها إلى المال ليرى ذلك ربّ المال فلا ينتزع المال من يدي ، فإذا استبقاه في يدي رددت المائة إليك ، ففَعَل ، فلـمّا حمل المال إلى صاحبه أخذه وفسخ المضاربة ، لم يكن للمُقرض الرجوع على ربّ المال ؛ لأنّ العامل قد مَلَك المائة بالقرض ، وإذا دفعها إلى المالك وقال : هذا مالك ، فلا يمكنه أن يرجع بعد ذلك ويُنكره ، والمُقرض لا يرجع على ربّ المال ؛ لأنّه ليس هو [ المقترض ](٢) منه [ وبه ](٣) قال الشافعي(٤) .

[ و ](٥) قال أبو القاسم : للمُقرض أن يرجع بالمائة على ربّ المال(٦) .

وغلط فيه ؛ لما تقدّم.

ولو دفع إليه ألفاً مضاربةً ، فاشترى متاعاً يساوي ألفين فباعه بهما ثمّ اشترى به جاريةً وضاع الثمن قبل دفعه ، رجع على المالك بألف وخمسمائة ، ودفع من ماله خمسمائة على إشكالٍ ، فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحاً بينهما على ما شرطاه.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « المُقرض ». والمثبت هو الصحيح.

(٣ و ٥) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٣٤ ، البيان ٧ : ٢٠٧.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٦٢

مسألة ٣٠٦ : عقد المضاربة قابل للشروط كغيره من العقود ، والشروط تنقسم إلى صحيحةٍ وفاسدةٍ.

فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال ، أو أن يسافر به ، أو لا يتّجر إلّا في بلدٍ بعينه أو نوعٍ بعينه ، أو لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه ، فهذا بأجمعه صحيح ، سواء كان النوع ممّا يعمّ وجوده أو لا يعمّ ، أو الرجل ممّا يكثر عنده المتاع أو يقلّ ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) .

وقال مالك والشافعي : إذا شرط أن لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو ما لا يعمّ وجوده كالياقوت الأحمر والخيل البُلْق ، لم يصح(٢) . وقد تقدّم(٣) .

والفاسد ينقسم عند العامّة إلى ما ينافي مقتضى العقد ، أو يعود إلى جهالة الربح ، أو يشترط ما ليس فيه مصلحة العقد ولا مقتضاه.

فالأوّل : مثل أن يشترط لزوم المضاربة ، أو لا يعزله مدّة بعينها ، أو لا يبيع إلّا برأس المال أو أقلّ ، أو لا يبيع إلّا ممّن اشترى [ منه ](٤) أو شرط أن لا يشتري ولا يبيع ، فهذه الشروط تنافي مقتضى العقد ، وهو الاسترباح.

والثاني : مثل أن يشترط للمضارب جزءاً ما من الربح من غير تعيينٍ ، أو شرط له ربح أحد الكيسين أو أحد العبدين.

والثالث : مثل أن يشترط على العامل المضاربة له في مالٍ آخَر ، أو يأخذ له بضاعةً أو قرضاً ، أو يخدمه في شي‌ءٍ بعينه ، أو يرتفق بالسِّلَع ، مثل‌

____________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ٤١.

(٢) راجع : الهامش (٣) من ص ٤٢.

(٣) في ص ٤٢.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٦٣

أن يلبس الثوب ويستخدم العبد(١) .

وعندي لا بأس بذلك.

أمّا لو شرط على المضارب ضمان المال أو سهماً من الوضيعة ، أو أنّه متى باع السلعة فهو أحقّ بها بالثمن ، فهذه شروط باطلة.

وهل يبطل العقد ببطلان الشرط؟ الأقرب عندي : ذلك.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٦ - ١٨٧.

١٦٤

١٦٥

المقصد الخامس : في اللّقطة‌

وفيه مقصدان :

المقصد الأوّل(١) : في لقطة الأموال‌

اللُّقطة هي المال الضائع عن صاحبه يلتقطه غيره.

قال الخليل بن أحمد : اللُّقَطة بفتح القاف : اسم للملتقط ؛ لأنّ ما جاء على « فُعَلة » فهو اسم للفاعل ، كقوله : « هُمَزة لُمَزة » ويقال : فلان هزأة.

وبسكون القاف هي المال الملقوط ، مثل الضَّحْكة - بسكون الحاء - هو الذي يضحك منه ، والهزأة - بفتح الزاء - هو الذي يهزأ به(٢) .

وقال الأصمعي وابن الأعرابي والفرّاء : اللّقَطة - بفتح القاف - : اسم للمال الملقوط أيضاً(٣) .

والأصل في اللّقطة : ما رواه العامّة عن زيد بن خالد الجهني قال : سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن لقطة الذهب والورق ، فقال : « اعرف وكاءها وعفاصها ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها » - وفي روايةٍ أُخرى : « ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن لم تعرف فاستنفع بها ، ولتكن وديعةً عندك ، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه » - قال : فضالّة الغنم؟ قال :

____________________

(١) كذا قوله : « وفيه مقصدان ، المقصد الأوّل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، ولم يُعنون المصنّفقدس‌سره « المقصد الثاني » فيما يأتي.

(٢) الزاهر ( مقدّمة الحاوي الكبير ) : ٣١٢ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦.

(٣) الزاهر ( مقدّمة الحاوي الكبير ) : ٣١٢ - ٣١٣ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦.

١٦٦

« خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب » قال : يا رسول الله فضالّة الإبل؟ فغضب حتى احمرّت وَجْنتاه وقال : « ما لَك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد المال وترعى الشجر حتى يجدها ربّها »(١) .

والوكاء : الخيط الذي يشدّ به المال في الخرقة. والعفاص : الوعاء الذي هي فيه من خرقةٍ أو قرطاسٍ أو غيره ، والأصل في العفاص أنّه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة. وحذاؤها يعني به خُفّها ؛ لأنّه لقوّته وصلابته يجري مجرى الحذاء. وسقاؤها : بطنها ؛ لأنّها تأخذ فيه ماءً كثيراً فيبقى معها يمنعها العطش. وكونها ترد الماء وترعى الشجر ، أي : محفوظة بنفسها.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إنّي وجدتُ شاةً ، فقال : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : إنّي وجدتُ بعيراً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خُفُّه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه فلا تهجه »(٢) .

وعن داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٣) .

ولا نعلم في ذلك خلافاً.

واعلم أنّ الملقوط إمّا إنسان أو غيره من الأموال ، والغير إمّا حيوان أو غيره ، فالفصول ثلاثة.

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٤ ، و ٣ : ١٦٣ و ١٦٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٦ - ١٣٤٨ / ١٧٢٢ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٣٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٩ و ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦ بتفاوتٍ في بعض الألفاظ.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٧ ( باب اللّقطة والضالّة ) ح ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦١.

١٦٧

[ الفصل ] الأوّل : في لقطة الأموال غير الحيوان‌

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : في الأركان.

وهي ثلاثة :

الركن الأوّل : الالتقاط.

وهو معلوم في اللّغة ، وأمّا في الشرع : فهو أخصّ ، وهو عبارة عن أخذ مالٍ ضائعٍ ليعرّفه الآخذ سنةً ثمّ يتملّكه إن لم يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر ولم يكن في الحرم ، أو يحتفظه واجباً فيه ، ومستحبّاً في غيره.

واعلم أنّ الالتقاط إن كان في غير الحرم ، كان مكروهاً عند علمائنا ، سواء وثق الملتقط من نفسه أو لا ، وسواء خاف ضياعها أو لا - وبه قال ابن عباس وابن عمر وجابر بن زيد والربيع بن خثيم ، وهو مذهب عطاء ومالك وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يُؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة ، إلى أن قال : « وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول لأهله :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٤ ، المغني ٦ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠ ، المحلّى ٨ : ٢٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٥ ، البيان ٧ : ٤٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٦ / ٢٥٠٣ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ / ١٧٢٠ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٠ ، مسند أحمد ٥ : ٤٨١ / ١٨٧٠٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢ : ٣٣٠ - ٣٣١ / ٢٣٧٦ و ٢٣٧٧ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٣٣.

١٦٨

لا تمسّوها »(١) .

وفي الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرنا للصادقعليه‌السلام اللّقطة ، فقال : « لا تعرّض لها ، فإنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها فأخذها »(٢) .

واختلف قول الشافعي.

فقال في موضعٍ : إذا عرف الآخذ من نفسه الأمانة ، أخذها(٣) .

وفي موضعٍ آخَر : ولا يحلّ ترك اللّقطة لمَن وجدها إذا كان أميناً عليها(٤) .

واختلف أصحابه في ذلك.

فمنهم مَنْ قال : ليست على قولين ، وإنّما هي على اختلاف حالين ، فالموضع الذي استحبّ أخذها ولم يوجبه إنّما أراد إذا وجدها في قريةٍ أو محلّةٍ يُعرف أهلها بالثقة والأمانة فالظاهر سلامتها فلا يجب أخذها ، والموضع الذي قال : يجب عليه أخذها إذا وجدها في موضعٍ لا يُعرف أهله بالثقة والأمانة ، أو كانت في مسلك أخلاط الناس وممرّ الفُسّاق والخَوَنة فإنّ‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٦.

(٣) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٣٦ ، ذيل الرقم ٢٠٤٢ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

(٤) الأُم ٤ : ٦٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

١٦٩

الظاهر هلاكها فيجب عليه أخذها(١) .

ومنهم مَنْ قال : في المسألة قولان :

أحدهما : يستحبّ ؛ لأنّ ذلك أخذ أمانةٍ ، فلم يلزمه ، كقبول الوديعة.

والثاني : يجب ؛ لقوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٢) وإذا كان وليّه وجب عليه حفظ ماله إذا خاف هلاكه ، كوليّ الصغير ، بخلاف الوديعة ، فإنّه لا يخاف هلاكها ، ولأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، فيجب صونه عن الضياع(٣) .

وهو معارَض بقول ابن عباس وابن عمر ، ولم يُعرف لهما مخالف في الصحابة ، ولأنّه تعريض لنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها ، فكان تركه أولى وأسلم ، كولاية مال اليتيم.

وقد احتجّ الشافعي على الاستحباب : بحديث زيد بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن اللّقطة ، فقال : « اعرف عفاصها ووكاءها »(٤) الحديث.

وبما رواه أُبيّ بن كعب قال : وجدتُ مائة دينار - وروي : ثمانين ديناراً(٥) - فأتيتُ بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « عرِّفها حولاً » فعرّفتُها حولاً فلم تُعرف ، فرجعتُ إليه ، فقال : « اعرف عدّتها ووعاءها ووكاءها واخلطها‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ - ٥٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢.

(٢) سورة التوبة : ٧١.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٥) الأُم ٤ : ٦٧.

١٧٠

بمالك ، فإن جاء ربّها فأدِّها إليه »(١) .

ولأنّه أخذ أمانة ، فلم يكره ، كالوديعة(٢) .

ولا دلالة في الحديثين ؛ لأنّهما سألا عن اللّقطة إذا أخذها الملتقط ما حكمها؟

وللشافعيّة طريقة أُخرى : إنّ الواجد إن كان لا يثق بنفسه لم يجب الالتقاط قولاً واحداً ، والقولان في مَنْ يغلب على ظنّه أنّه لا يخون(٣) .

وطريقة رابعة قاطعة بنفي الوجوب مطلقاً ، وحمل قوله بالوجوب على تأكيد الأمر به(٤) .

وعلى القول بنفي الوجوب فإن كان الواجد غير أمينٍ لم يأخذها ؛ لأنّه يعرّضها للتلف.

وإن كان أميناً ، فإن لم يثق بنفسه وليس هو في الحال من الفسقة لم يستحب له الالتقاط قولاً واحداً.

وعن بعض الشافعيّة وجهان في الجواز ، أصحّهما عندهم : الثبوت(٥) .

مسألة ٣٠٧ : الأمين إذا وجد اللّقطة ولم يأخذها لم يضمنها ، وهو على مذهبنا ظاهرٌ ؛ لأنّا نقول بكراهة الالتقاط.

أمّا الشافعي فكذلك عنده أيضاً ، سواء قال بوجوب الالتقاط أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٦٢ و ١٦٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٠ / ١٧٢٣ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٦ و ١٩٢ - ١٩٤ ، وفيها التعريف لمدّة ثلاثة أحوال.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢.

(٤) الوسيط ٤ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

١٧١

استحبابه ؛ لأنّها لم تحصل في يده ، وما لا يحصل في يده لا يضمنه ، كما لو حبس رجلاً عن ماله حتى هلك فإنّه لا يضمنه(١) .

وإن وجدها الخائن فأخذها ، لم يضمنها إلّا بالتعدّي أو نيّة التصرّف وعدم الردّ على المالك.

وأمّا إذا أخذها على وجه الالتقاط فلا يضمنها ، كما أنّ المستودع إذا كان خائناً وقَبِل الوديعة لم يضمنها إلّا بالتعدّي ، كذا هنا.

فإن ردّها الملتقط إلى الموضع الذي وجدها فيه ، لزمه ضمانها - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه لـمّا أخذها التزم بحفظها ، فإذا ردّها إلى الموضع فقد ضيّعها ، فلزمه الضمان ، كما لو رماها إلى موضعٍ آخَر.

وقال أبو حنيفة : لا يلزمه ضمانها ، ويبرأ بردّها إلى موضعها من الأمانة ؛ لأنّه مأذون له في أخذها منه ، وإذا ردّها إليه زال عنه الضمان ، كالمستودع إذا ردّ الوديعة إلى يد صاحبها(٣) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الوديعة عادت إلى يد صاحبها ، ولهذا لو كان غصبها ثمّ ردّها إلى صاحبها زال الضمان ، كذا هنا ، ووزان المتنازع أن يردّ المستودع الوديعة إلى الموضع الذي أخذها منه بنيّة التعدّي ، وهناك لا يبرأ بالردّ إلى موضعها على ما تقدّم في باب الوديعة(٤) .

مسألة ٣٠٨ : الملتقط إذا علم الخيانة من نفسه ، فالأقرب : إنّه يحرم عليه أخذها - وبه قال بعض الشافعيّة(٥) - لأنّ نفسه تدعوه إلى كتمانها‌

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٤٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٥.

(٣) المبسوط - للسرخي - ١١ : ١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٩ ، البيان ٧ : ٤٤٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٥.

(٤) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ١٦٠ ، المسألة ١٤.

(٥) الوجيز ١ : ٢٥٠ - ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

١٧٢

وضياعها عن مالكها.

وقال الأكثر منهم : إنّه مكروه(١) .

وأمّا الأمين في الحال إذا علم أنّه لو أخذها لخان فيها وفسق ، فالأقرب : الكراهة الشديدة فيه ، دون التحريم ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين الغني والفقير في اللّقطة وأحكامها ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أهو فيها بمنزلة الغني؟ قال : « نعم »(٣) .

مسألة ٣٠٩ : اللّقطة إمّا أن توجد في الحرم أو في غير الحرم. أمّا لقطة غير الحرم فإنّها مكروهة عند علمائنا على ما تقدّم(٤) . وأمّا لقطة الحرم فلعلمائنا قولان :

أحدهما : تحريم أخذها ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٥) وذلك يقتضي وجوب أمنه على نفسه وماله ، وإنّما يحصل الأمن في المال بعدم أخذه.

ولما رواه إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الكاظمعليه‌السلام قال : « لقطة الحرم لا تمسّ بيدٍ ولا رِجْل ، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها »(٦) .

والثاني : الكراهة - وهو الأقوى عندي - للأصل ، ولما فيه من حفظها على مالكها ، فإنّه لا يجوز له تملّكها بوجهٍ من الوجوه ، فإذا أخذها بنيّة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧.

(٤) في ص ١٦٧.

(٥) سورة آل عمران : ٩٧.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٧.

١٧٣

الحفظ يكون مُحسناً إلى مالكها بحفظ ماله عليه.

ومنه يظهر الجواب عن الآية ؛ إذ نيّة الحفظ وفعله يقتضي أمن صاحبها عليها.

والرواية لا تقتضي التحريم ؛ فإنّ النهي لفظ يدلّ على معنى مشترك بين التحريم والكراهة ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، مع أنّ الرواية مرسلة.

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا التقط في الحرم لم يجز له أن يملكها لا قبل التعريف ولا بعده ، بل إمّا أن يحفظها أو يتصدّق بها بعد التعريف حولاً.

وفي الضمان قولان لعلمائنا.

مسألة ٣١٠ : يستحبّ لواجد اللّقطة الإشهاد عليها حين يجدها ، فإن لم يُشهد عليها لم يكن ضامناً.

وليس الإشهاد واجباً عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أظهر قوليه(١) - لأصالة عدم الوجوب ، ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يذكر الإشهاد في خبر زيد بن خالد ، ولا خبر أُبيّ بن كعب(٢) ، بل أمرهما بالتعريف ، ولو كان الإشهاد واجباً لبيّنه ؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأنّه أخذ أمانة ، فلم يفتقر إلى الإشهاد ، كالوديعة.

وقال أبو حنيفة : يجب الإشهاد ، فإن أخلّ به ضمن - وبالوجوب قال الشافعي في القول الثاني - لما روي عن عياض بن حمار أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَن التقط لقطةً فليُشهد عليها ذا عَدْلٍ أو ذَوَي عَدْلٍ ، ولا يكتم‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٨ ، التمهيد ٣ : ١٢١ ، المغني ٦ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، الوسيط ٤ : ٢٨٢ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٨ ، البيان ٧ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) تقدّم خبراهما في ص ١٦٥ - ١٦٦ و ١٦٩ - ١٧٠.

١٧٤

ولا يغيِّب »(١) وهذا أمر يقتضي الوجوب ، ولأنّه إذا لم يُشهد كان الظاهر أنّه أخذها لنفسه(٢) .

والحمل على الوجوب ممنوع ، بل الأصل عدمه ، فيُحمل على الاستحباب ؛ لوروده فيهما ، فيكون للقدر المشترك ، وإلّا لزم الاشتراك أو المجاز ، وكلاهما خلاف الأصل ، مع أنّ الظاهر أنّه للاستحباب ، وإلّا لما جاز لهعليه‌السلام أن يؤخّر بيانه في الخبرين السابقين.

والظاهر ممنوع ؛ لأنّه إذا أخذها وعرّفها لم يكن قد أخذها لنفسه.

وفائدة الإشهاد صيانة نفسه عن الطمع فيها ، وحفظها من ورثته لو مات ، ومن غرمائه لو أفلس.

إذا ثبت هذا ، فإنّه ينبغي له أن يُشهد على جنسها وبعض صفاتها من غير استقصاءٍ لئلّا يذيع خبرها فيدّعيها مَنْ لا يستحقّها فيأخذها إذا ذكر صفاتها إن اكتفينا بالصفة ، أو يواطئ الشهود الذين عرفوا صفاتها على التفصيل فيأخذها بشهادتهم ، أمّا إذا ذكر بعض صفاتها وأهمل الباقي انتفت هذه المخالفة.

ولا ينبغي الاقتصار في الإشهاد على الإطلاق بأن يقول : عندي لقطة ، ولا على ذكر الجنس من غير ذكر وصفٍ ما لئلّا يموت فيتملّكها الوارث ، بل ينبغي أن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من ذكر الجنس والنوع.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٦ / ١٧٠٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٧ و ١٩٣ ، مسند أحمد ٥ : ٣٣٠ / ١٧٨٧٢ ، و ٣٣١ / ١٧٨٧٩ ، مسند أبي داوُد الطيالسي : ١٤٦ / ١٠٨١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢٠١ ، مضافاً إلى المصادر المزبورة في الهامش (١) من ص ١٧٣.

١٧٥

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه يُشهد على أصلها دون صفاتها ، ويجوز أن يذكر جنسها خوف الإذاعة فيدّعيها الكاذب.

والثاني : يُشهد على صفاتها أيضاً لئلّا يأخذها الورثة(١) .

والأوسط ما قلناه.

الركن الثاني : الملتقط.

مقدّمة : اللّقطة تشتمل على نوع أمانةٍ وولايةٍ واكتسابٍ.

أمّا الأمانة والولاية ففي ابتداء أمرها ؛ لأنّ الملتقط يجب عليه التعريف حولاً ، فهو في مدّة الحول أمين سبيله سبيل سائر الأُمناء ، لا يضمن تلفها إلّا مع التعدّي أو التفريط ، وقد فوّض الشرع إليه حفظها ، كما فوّض إلى الوليّ حفظ مال الصبي.

وأمّا الاكتساب ففي انتهاء أمرها ؛ لأنّ له أن يتملّك اللّقطة بعد الحول.

وللشافعي(٢) قولان :

أحدهما : إنّ المغلَّب فيه معنى الأمانة والولاية ؛ لأنّها معجّلة في ابتداء الالتقاط ، والتملّك منتظَرٌ إلى أن ينتهي حول التعريف ، فيناط الحكم بالناجز الحاضر ، ويبنى الأخير على الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « للشافعيّة ».

١٧٦

والثاني : إنّ المغلَّب الاكتساب ؛ لأنّه مآل الأمر والقصد باللّقطة والغرض منها ، فالنظر إليه أولى ، فكونه مناط الحكم أولى ، ولأنّ الملتقط مستقلّ بالالتقاط ، وآحاد الناس لا يستقلّون بالأمانات إلّا بائتمان المالك ، ويستقلّون بالاكتساب(١) .

فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات : الإسلام والحُرّيّة والعدالة والتكليف ، كان له أن يلتقط إجماعاً ، ويُعرّف ويتملّك ؛ لأنّه أهل للولاية والأمانة والاكتساب جميعاً.

وإن خلا عن البعض أو عن الجميع ، فله مسائل نذكرها الآن إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣١١ : ليس للذمّيّ أن يلتقط في الحرم ؛ لأنّه ليس أهلاً للأمانة ، والاكتساب فيها منتفٍ ؛ إذ ليس للملتقط في الحرم التملّكُ مطلقاً ، وإنّما هو استئمان مجرّد ، والكافر ليس أهلاً له ، فلا يصحّ التقاطه فيه ، فإن التقط منه نزعه الحاكم من يده ، واستأمن عليه ثقةً يُعرّفه حولاً ، ثمّ إمّا أن يتصدّق به ، أو يستديم الحفظ على ما يأتي.

وأمّا لقطة غير الحرم فإنّه يجوز للكافر أخذها ، سواء كانت في دار الإسلام أو في دار الحرب.

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه ليس للذمّيّ أن يلتقط في دار الإسلام ، كما أنّه ليس له أن يحيي شيئاً من أرضها ؛ لأنّ الالتقاط أمانة ، وهو ليس من أهلها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

١٧٧

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ له أن يلتقط - كما ذهبنا إليه - لأنّه من أهل الاكتساب ، وله ذمّة صحيحة ، ويملك القرض ، ويصحّ أن يصطاد ويحتطب ويحتش ، ويملك ذلك كلّه ، فكذا له أن يلتقط ؛ ترجيحاً لمعنى الاكتساب(١) .

وقطع بعض أصحابه بالجواز(٢) .

وشرط قوم في الجواز كونه عَدْلاً في دينه(٣) .

وشبه الالتقاط بالاصطياد والاحتطاب أقوى من شبهه بالإحياء.

وعلى قول الشافعي بالمنع من التقاط الذمّيّ في دار الإسلام لو التقط أخذه الإمام ، وحفظه إلى ظهور مالكه(٤) .

مسألة ٣١٢ : المرتدّ إن كان عن فطرةٍ زالت أمواله عنه ، فليس له أن يلتقط ، فإن التقط نُزع من يده ، كما لو احتطب يُنزع من يده.

وهل يكون ميراثاً لورثته؟ الأقرب : إنّه ليس كذلك ؛ لأنّه لا يصحّ أن يملك ؛ لأنّ وجوب قتله في كلّ آن ينافي جواز تملّكه لشي‌ءٍ من الأشياء في آن من الآنات ، فحينئذٍ لا حكم لالتقاطه ، بل تكون اللّقطة في يده كهي على الأرض لكلّ أحدٍ أخذها من يده ، فيكون هذا الأخذ منه التقاطاً من الآخذ ، وإنّما يورّث عنه ما يدخل في ملكه.

ويحتمل ضعيفاً دخوله في ملكه ، ولا ينافي خروجه عنه في ثاني‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

١٧٨

الحال ، كما لو مَلَك الإنسان مَنْ ينعتق عليه ، فحينئذٍ يكون لورثته ، ويجري مجرى السيّد لو التقط عبده.

وعلى الوجه الأوّل لو أخذه إنسان من يده ، لم يكن للإمام نزعه منه.

وهل يكون لقطةً بالنسبة إلى الآخذ منه على معنى أنّ له أن يملكه بعد التعريف حولاً؟ إشكال من حيث إنّه يصدق عليه أنّه لقطة ، أم لا؟ فإن قلنا : يصدق اسم اللّقطة عليه ، كان له تملّكه بعد التعريف حولاً ، وإلّا دفعه إلى الحاكم.

أمّا الشافعيّة فاختلفوا في المرتدّ هل يزول ملكه أم لا؟ فإن قلنا : يزول ، نُزع من يده ، كما لو احتطب يُنزع من يده ، وإن قلنا : إنّ ملكه لا يزول ، يكون كالفاسق يلتقط(١) .

وقال بعضهم : إن قلنا : إنّ ملكه زائل ، فإنّ ما يحتطبه يُنزع من يده ، ويُحكم بكونه لأهل الفي‌ء ، فإن كانت اللّقطة كذلك ، فقياسه أن يجوز للإمام ابتداء الالتقاط لأهل الفي‌ء ولبيت المال ، وأن يجوز للوليّ الالتقاط للصبي ، وإن قلنا : إنّ ملكه غير زائلٍ ، فهو بالذمّيّ أشبه منه بالفاسق ، فليكن التقاطه كالتقاط الذمّيّ(٢) .

مسألة ٣١٣ : يكره للفاسق الالتقاط ؛ لأنّه لا يؤمن عليها ، ويُعرّض نفسه للأمانة وليس هو من أهلها.

فإن التقط ، صحّ التقاطه ؛ لأنّ الالتقاط جهة من جهات الكسب ، وهو من أهله ، ولأنّه إذا صحّ التقاط الكافر فالفاسق أولى ، وبه قال أحمد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

١٧٩

والشافعي في أحد القولين على تقدير ترجيح أصل الاكتساب على أصل الأمانة والولاية.

والثاني : ليس للفاسق أخذ اللّقطة ؛ ترجيحاً لطرف الأمانة والولاية ؛ لأنّه ليس من أهل ذلك ، فإن أخذه كان حكمه حكم الغاصب(١) .

والأوّل أغلب عند أكثر أصحابه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا التقط الفاسق ، أُقرّت اللّقطة في يده ، وضمّ الحاكم إليه مشرفاً يُشرف عليه ؛ لئلّا يتصرّف فيها ، ويتولّى تعريفها ؛ لئلّا يُخلّ به ؛ لأنّه لا أمانة له ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّه لا يُقرّ يده عليها ، بل ينتزعها الحاكم من يده ، ويضعها عند عَدْلٍ ؛ لأنّ مال أولاده لا يُقرّ في يده فكيف مال الأجانب(٣) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأنّه يخلّى بينه وبين الوديعة ، فكذا يخلّى بينه وبين اللّقطة ، كالعَدْل.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ ، المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٨.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466