تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150557 / تحميل: 5373
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ظهور(١) الفسخ في حياتهما ، وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ، ولا يحتاج إلى إذن الوارث ؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّى الوارث الملك منه ، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك ؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(٢) .

والمشهور عندهم : الأوّل(٣) . ولا بأس بالثاني.

ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(٤) .

أمّا لو أراد العامل الشراء ، فإنّه ممنوع منه ؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة ٢٩٠ : إذا مات المالك وأراد هو والوارث الاستمرار على العقد ، فإن كان المال ناضّاً ، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ واستئناف شرطٍ بينهما ، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها ، وسواء كان هناك ربح أو لا ؛ لجواز القراض على المشاع ، ويكون رأس المال وحصّته من الربح رأس المال ، وحصّة العامل من الربح شركة له مشاع ، كما لو كان رأس المال مائةً والربح مائتين وجدّد الوارث العقد على النصف ، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة ، والمائة الباقية للعامل ، فعند القسمة يأخذها وقسطها من الربح ، ويأخذ الوارث مائتين ، ويقتسمان ما بقي.

وهذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا وعند العامّة(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « حصول » بدل « ظهور ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤١

أمّا عندنا : فلجواز القراض بالمشاع.

وأمّا عندهم : فلأنّ الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرّف(١) .

وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(٢) ، ويكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً ، ويتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة ؛ لأنّه عقد مبتدأ ، وليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع ، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء ، والتقرير يشعر بالاستدامة ، فلا ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه : « تركتُك ، أو : أقررتُك على ما كنتَ عليه » - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه ينعقد بالترك والتقرير ؛ لفهم المعنى ، وقد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ على موجب العقد السابق(٤) .

وإن كان المال عروضاً ، لم يصح تقرير الوارث عليه ، وبطل القراض عندنا وارتفع - وهو أظهر وجهي الشافعيّة وإحدى الروايتين عن أحمد(٥) - لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك ، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ و ٤) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٢

مستأنفاً فيرد على العروض ، وهو باطل.

والثاني : إنّه يجوز تقرير الوارث عليه ؛ لأنّه استصحاب قراضٍ ، فيظهر فيه جنس المال وقدره ، فيجريان على موجبه ، وهذا الوجه هو منصوص الشافعي(١) .

والرواية الثانية عن أحمد : إنّ القراض إنّما منع منه في العروض ؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلى ردّ مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجودٍ هنا ؛ لأنّ رأس المال غير العروض ، وحكمه باقٍ ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال ويقسّم الباقي(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها ، بل بالوصف الضابط لها ، ولا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ ، ولهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً ، وكانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها ، ويضارب في الباقي ، وليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها ، ولو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض ، فلو جاز ابتداء القراض هنا وبناؤها على القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [ به ] وحصّتها من الربح مشتركة بينهما ، وحُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ ، ويلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً ، وذهاب بعض الربح في رأس المال.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) المغني ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٣

مسألة ٢٩١ : لو مات العامل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ وحصّته من الربح ، ودفع إلى الوارث حصّته.

ولو كان متاعاً واحتيج إلى البيع والتنضيض ، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز ، وإلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

ولا يجوز تقرير الوارث على القراض ؛ لأنّه لا يصحّ القراض على العروض ، والقراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه ، وبه قال الشافعيّة(١) .

ولا يُخرّج على الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك : إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل على القراض ؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك وموت العامل ؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بوفاته ، ومن جانب المالك المال ، وهو باقٍ بعينه انتقل إلى الوارث ، ولأنّ العامل هو الذي اشترى العروض ، والظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه وترويجه ، وهذا المعنى لا يؤثّر فيه موت المالك ، وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلاًّ على وارثه ؛ لأنّه لم يشترها ولم يخترها(٢) .

وعند أحمد : إنّه يجوز القراض بالعروض ، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض ويجعل رأس المال‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٧ : ٣٣١ ، والبيان ٧ : ٢٠١.

١٤٤

قيمتها يوم العقد(١) .

ولو كان المال ناضّاً وقت موت العامل ، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد ، ولا يصحّ بلفظ التقرير.

وللشافعيّة الوجهان السابقان(٢) .

فإن لم يرض ، لم يجز للوارث شراء ولا بيع.

إذا عرفت هذا ، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة؟ ويجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته ، فقال البائع : قرّرتُك على موجب العقد الأوّل ، وقَبِل صاحبه(٣) .

وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(٤) .

وللجويني احتمال فيه ؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(٥) .

مسألة ٢٩٢ : إذا مات العامل وعنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين ، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به ، وإن جُهل كانوا فيه سواءً ، وإن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

ولو سمّى الميّت واحداً بعينه قضي له به ، وإن لم يذكر كان أُسوة الغرماء ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام أنّه كان يقول : « مَنْ يموت وعنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلانٍ ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء »(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٣.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١.

١٤٥

مسألة ٢٩٣ : إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران ، رجع رأس المال إلى القدر الباقي ، وارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

وإن كان بعد ظهور ربحٍ في المال ، فالمستردّ شائع ربحاً على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ، ويستقرّ ملك العامل على ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه ، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ، كان الخسران موزَّعاً على المستردّ والباقي ، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران ، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شي‌ء ، ويصير رأس المال الباقي بعد المستردّ وحصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح : لو كان رأس المال مائةً وربح عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالربح سدس المال ، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً : ثلاثة وثلث ، ويستقرّ ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ ، وهو واحد وثلثا واحدٍ ، ويبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثُلثاً ؛ لأنّ المأخوذ سدس المال ، فينقص سدس رأس المال ، وهو ستّة عشر وثلثان ، وحظّهما من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقرّ ملك العامل على درهمٍ وثلثين ، حتى لو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ ويقول : كان رأس المال مائةً وقد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة ، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً وثلثي واحدٍ ، ويردّ الباقي ، وهو ثمانية وسبعون وثلث واحدٍ.

ومثال الاسترداد بعد الخسران : كان رأس المال مائةً ، وخسر عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالخسران موزَّع على المستردّ والباقي ،

١٤٦

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها ، حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين ، لم يكن للمالك أخذ الكلّ ، بل يكون رأس المال خمسةً وسبعين ، والخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين ، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة وسبعون ونصف.

ولو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح ، فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، والمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران - وهو عشرة - على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار وتُسْع دينار ، فيوضع ذلك من رأس المال ، وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

ولو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين ، بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثاً ؛ لأنّه أخذ ربع المال وسدسه ، فبقي ثلثه وربعه ، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة ، فلا يجبر ربحه خسران الباقي ؛ لمفارقته إيّاه ، وقد أخذ من الربح عشرة ؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة وعشرين.

مسألة ٢٩٤ : حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح ؛ لأنّ المال له ، ونماؤه تابع ، والعامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط ، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

١٤٧

ويجب للعامل أُجرة المثل ، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

ولا يستحقّ العامل قراضَ المثل ، بل أُجرة المثل عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّى ، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه ، وذلك يوجب له أُجرة المثل ، كما إذا اشترى شيئاً شراءً فاسداً وقبضه وتلف ، فإنّه يجب عليه قيمته.

وقال مالك : يجب للعامل قراض المثل ، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله ؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ وفاسده مردود إلى صحيحه ، وفي صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران ، وكذلك في الفاسد ، والصحيح يستحقّ فيه المسمّى ، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(٢) .

والتسمية إنّما هي من الربح ، وفي مسألتنا بطلت التسمية ، وإنّما تجب له الأُجرة ، وذلك لا يختصّ بالربح ، فافترقا ، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر ، وهو صحّة تصرّف العامل ونفوذه ؛ لأنّه أذن له فيه ، فوقع بمجرّد إذنه ، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - وتصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال : أليس إذا باع بيعاً فاسداً وتصرّف المشتري لم ينفذ؟

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥١ و ٣٠٨٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥٠.

(٢) الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤١ / ١١١٤ ، التفريع ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٥٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، المغني ٥ : ١٨٨ - ١٨٩.

١٤٨

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، وكذلك إذا أذن له البائع أيضاً ؛ لأنّ إذنه كان على أنّه ملك المأذون فيه ، فإذا لم يملك لم يصح ، وهنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشروط الفاسدة ، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن ؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له ، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة ٢٩٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وقال : اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف ، قال الشافعي : يفسد القراض(١) . واختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال : إنّما فسد ؛ لأنّه قال بالنصف ، ولم يبيّن لمن النصف؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال ، وإذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال ولم يذكر نصيب العامل ، كان القراض فاسداً(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلى نصيب العامل ؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال ، ولا يحتاج إلى شرطٍ ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

وقال بعضهم : إنّما فسد ؛ لأنّه أذن له في الشراء ، دون البيع(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

١٤٩

وفيه نظر ؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً وشراءً ، والتنصيص على الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع ، فيبقى على الإطلاق.

وقال بعضهم : إنّه يفسد ؛ للتعيين(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

وقال آخَرون : إنّما يفسد ؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

والمعتمد : صحّة القراض.

مسألة ٢٩٦ : لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر ولا يشتريه ، وكذا الخنزير وأُمّ الولد ، سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً ، ولو كانا ذمّيّين جاز - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وكيل المالك ، ولا يدخل ذلك في ملك المالك ، فيكون منهيّاً عنه ؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

وقال أبو حنيفة : إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها ، صحّ ذلك(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

١٥٠

وقال أبو يوسف ومحمّد : يصحّ منه الشراء ، ولا يصحّ منه البيع ، وفرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه ، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه ، وكان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً ، فيكون ذلك لربّ المال ، ولا يكون بيعه إلّا من جهته ، ولا يصحّ من المسلم بيع الخمر(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خالف العامل واشترى خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ ودفع المال في ثمنه ، فإن كان عالماً كان ضامناً ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ ، فكان ضامناً.

وإن كان جاهلاً ، فكذلك - وهو الأشهر للشافعيّة(٢) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل.

وقال القفّال من الشافعيّة : يضمن في الخمر ، دون أُمّ الولد ؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(٣) .

وقال بعضهم : لا يضمن فيهما(٤) .

وقال آخَرون : لا يضمن في العلم أيضاً ؛ لأنّه اشترى ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٢) البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

١٥١

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل : قارضتك على أن يكون لك شركة في الربح ، أو شركة ، فإنّه لا يصح ؛ لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال محمّد بن الحسن : إنّه إذا قال : شركة ، صحّ ، وإذا قال : شرك ، لم يصح(٢) .

وقال أصحاب مالك : يصحّ ، ويكون له مضاربة المثل(٣) .

وقد بيّنّا غلطهم.

ولو قال : خُذْه قراضاً على النصف أو الثلث أو غير ذلك ، صحّ ، وكان ذلك تقديراً لنصيب العامل ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل ؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله ، والعامل يستحقّه بالعمل ، والعمل يكثر ويقلّ ، وإنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل : شرطتَه لي ، وقال المالك : شرطتُ ذلك لنفسي ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة ٢٩٨ : لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف ، فقد قلنا : إنّ الأقرب : احتساب التالف من الربح.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، البيان ٧ : ١٦٥.

١٥٢

وقال الشافعي : يكون من رأس المال(١) .

فإن كان التلف بعد أن باع واشترى ، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يكون من الربح ؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

والثاني : يكون من رأس المال ؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين ، فكان تلفه كتلفها(٢) .

قال أبو حامد : هذا خلاف مذهب الشافعي ؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح وأراد(٣) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك ، فلا يُقبل قوله ، ويوفى رأس المال من ربحه حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما ؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض ، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده ، فيجب أن يحتسب من الربح(٤) .

وهذا كما اخترناه نحن.

مسألة ٢٩٩ : لو دفع المالك إلى العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضا ، فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع والشراء كانا قراضين ، وإلّا كانا واحداً ، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « فأراد ».

(٤) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣١.

١٥٣

وشراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ، تعدّد القراضان على معنى أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخرى ، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها وخسرانها ، وجبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة ، لم يصح القراض الثاني ؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ ، فكان ربحه وخسرانه مختصّاً به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه ، اقتضى أن يجبر به خسران الأُولى إن كان فيه خسران ، ويجبر خسران الثانية بربح الأوّلة ، وهو غير جائزٍ ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً ، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ ، فسد.

وإن كان قبل أن يتصرّف في الأُولى(١) وقال له : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، جاز ، وكان قراضاً واحداً.

ولو كان المال الأوّل قد نضّ وقال له المالك : ضمّ الثانية إليه ، جاز - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه قد أمن فيه المعنى الذي ذكرناه ، وصار كأنّه لم يتصرّف.

ولما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال : أعطى الصادقعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببتُ أن يراني الله تعالى متعرّضاً لفوائده » قال : فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحتُ لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح الصادقعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي : « أثبتها‌

____________________

(١) في « ث » ، خ ، ر » : « الأوّلة » بدل « الأُولى ».

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧.

١٥٤

لي في رأس مالي »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ولم يأمره بضمّ إحداهما إلى الأُخرى ، بل جعل الألف الأُولى قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر ، لم يجز له ضمّ الثانية إلى الأُولى ومزجها به ؛ لأنّهما قراضان بعقدين على مالين ، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك ، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين ، فإن ضمّ إحداهما إلى الأُخرى ومزجهما ضمن ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وقال إسحاق : يجوز ضمّ الثانية إلى الأُولى إذا لم يتصرّف في الأُولى(٤) .

وكذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلى مال الآخَر ومزجه به ضمن ، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما ، ولا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر ، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة ٣٠٠ : إذا دفع إليه ألفاً قراضاً وقال له : أضف إليها ألفاً أُخرى من عندك ويكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث ، أو قال : لك الثلث ولي الثلثان ، فالأقرب عندنا : الصحّة ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد ؛ لتساويهما في المال ، وذلك يقتضي تساويهما في الربح ، فإذا شرط عليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩.

(٤) المغني ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٨.

١٥٥

العمل ونصيبه من الربح كان باطلاً ، وإن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً ؛ لأنّ الشركة إذا وقعت على مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل ، فتكون الشركة فاسدةً ، ويكون هذا قراضاً فاسداً ؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(١) .

ولو كان قد دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً والألف الأُخرى قارضتك عليها بالنصف ، جاز عنده(٢) أيضاً ؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع ، والإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

وقال أصحاب مالك : لا يجوز أن يضمّ إلى القراض الشركة(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(٤) .

والأصل ممنوع ، ولأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما ، كما لو كان المال متميّزاً ، والإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض ؛ لأنّه يمنعه من التصرّف ، وإن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

ولو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز ، فقد تعدّى بذلك ، فصار ضامناً ، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

ولأنّه صيّره بمنزلة التالف.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، البيان ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢ - ١٤٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « شركة ».

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، التفريع ٢ : ١٩٥ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

١٥٦

مسألة ٣٠١ : إذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلى موضع القراض ، جاز ذلك ؛ للأصل ، بل لو خالف ضمن ؛ لما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي(١) أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : يفسد القراض ؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(٣) .

وقال جماعة من محقّقيهم : إنّ شرط المسافرة لا يضرّ ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ولو قال : خُذْ هذه الدراهم قراضاً وصارِف بها مع الصيارفة ، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم ؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(٥) .

مسألة ٣٠٢ : لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً ودفع إليه عمرو كذلك ، فاشترى بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه ، بِيع العبدان ، وبسط الثمن بينهما على النسبة - ولو ربح فعلى ما شرطاه له ، فإن اتّفق خسران ،

____________________

(١) في الفقيه و « ر » : « وينهى ».

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

١٥٧

فإن كان لتقصيره ضمن ، وإن كان لانخفاض السوق لم يضمن ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب ، والغاصب لا يضمن نقصان السوق - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان ، فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(٢) .

وللشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلى العامل ، ويغرم لهما ؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتى تولّد الاشتباه(٣) .

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(٤) .

وقال بعضهم : يغرم قيمة العبدين وقد تزيد على الألفين(٥) .

ولهم قولٌ غريب ثالث : إنّه يبقى العبدان على الإشكال إلى أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ / ٨٤٧.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥.

١٥٨

يصطلحا(١) .

مسألة ٣٠٣ : إذا تعدّى المضارب وفَعَل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه ، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم(٢) ، وروي ذلك عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، وبه قال أبو هريرة وحكيم بن حزام وأبو قلابة ونافع وأياس والشعبي والنخعي والحكم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « لا ضمان على مَنْ شُورك في الربح »(٥) ونحوه عن الحسن والزهري(٦) .

والمعتمد : الأوّل ، والرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام نحن نقول بموجبها ؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

والأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه ، فلزمه الضمان ، كالغاصب. وقد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح ، فالربح على الشرط ، وبه قال مالك(٧) ؛ لما تقدّم(٨) من الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولأنّه تعدٍّ ، فلا يمنع كون الربح لهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب وركب دابّةً ليس له ركوبها.

وقال أحمد : الربح بأسره لربّ المال - وعن أحمد رواية أُخرى :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) كما في المغني ٥ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٤ - ٦) المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٥ : ١٧٠ ، المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٨) آنفاً.

١٥٩

إنّهما يتصدّقان بالربح على سبيل الورع ، وهو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [ الجعد ](١) البارقي قال : عرض للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلب فأعطاني ديناراً فقال : « يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً » فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار ، فجئتُ بالدينار والشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وكيف صنعتَ؟ » فحدّثته الحديث ، فقال : « اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه »(٢) .

ولأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطةً فزرعها(٣) .

والخبر لا يدلّ على المتنازع ، والفرق ظاهر بين الغاصب والمضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا ، فهل يستحقّ العامل الأُجرة ، أم لا؟ عن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّه لا يستحقّ ، كالغاصب.

والثانية : إنّه يستحقّ ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع وأخذ الربح ، فاستحقّ العامل عوضاً ، كما لو عقده بإذنٍ(٤) .

وفي قدر الأُجرة عنه روايتان :

إحداهما : أُجرة مثله ما لم يحط بالربح ؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لبيد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨ - ١٥٩.

(٤) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

١٦٠

العوض ولم يسلم له ، فكان له أُجرة مثله ، كالمضاربة الفاسدة.

والثانية : له الأقلّ من المسمّى أو أُجرة المثل ؛ لأنّه إن كان الأقلّ المسمّى فقد رضي به ، فلم يستحق أكثر منه ، وإن كان الأقلّ أُجرة المثل لم يستحق أكثر منه ؛ لأنّه لم يعمل ما رضي به(١) .

ولو قصد الشراء لنفسه ، فإن كان الشراء بعين المال لم يصح ، ولا أُجرة له.

وعن أحمد روايتان(٢) .

وإن كان اشترى في الذمّة ثمّ نقد المال ، فله الربح ، ولا أُجرة له.

مسألة ٣٠٤ : إذا اشترى العامل سلعةً للتجارة ، فقال ربّ المال : كنتُ نهيتُك عن ابتياعها وابتعتَها بعد النهي فليست للقراض ، فقال العامل : ما نهيتني قطّ ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّه أمين ، وربّ المال يدّعي عليه الخيانة.

أمّا لو قال العامل : أذنتَ لي في شراء كذا ، فقال المالك : لم آذن فيه ، أو قال العامل : أذنتَ لي في البيع نسيئةً أو في الشراء بعشرةٍ ، فقال المالك : بل أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسةٍ ، قُدّم قول المالك - وبه قال الشافعي(٣) - لأصالة عدم الإذن ، ولأنّ القول قول المالك في أصل الإذن فكذا في صفته.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يُقدّم قول العامل ؛ لأنّهما اتّفقا على الإذن واختلفا في صفته ، فكان القولُ قولَ العامل ، كما لو قال : كنتُ قد نهيتُك‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

(٣) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

١٦١

عن شراء عبدٍ ، فأنكر النهي(١) .

والفرق ظاهر.

مسألة ٣٠٥ : إذا دفع المالك إلى العامل ألفاً قراضاً فاتّجر فيها ونضّ المال فخسر مائة ، فقال العامل لصديقٍ له : أقرضني مائةً أضمّها إلى المال ليرى ذلك ربّ المال فلا ينتزع المال من يدي ، فإذا استبقاه في يدي رددت المائة إليك ، ففَعَل ، فلـمّا حمل المال إلى صاحبه أخذه وفسخ المضاربة ، لم يكن للمُقرض الرجوع على ربّ المال ؛ لأنّ العامل قد مَلَك المائة بالقرض ، وإذا دفعها إلى المالك وقال : هذا مالك ، فلا يمكنه أن يرجع بعد ذلك ويُنكره ، والمُقرض لا يرجع على ربّ المال ؛ لأنّه ليس هو [ المقترض ](٢) منه [ وبه ](٣) قال الشافعي(٤) .

[ و ](٥) قال أبو القاسم : للمُقرض أن يرجع بالمائة على ربّ المال(٦) .

وغلط فيه ؛ لما تقدّم.

ولو دفع إليه ألفاً مضاربةً ، فاشترى متاعاً يساوي ألفين فباعه بهما ثمّ اشترى به جاريةً وضاع الثمن قبل دفعه ، رجع على المالك بألف وخمسمائة ، ودفع من ماله خمسمائة على إشكالٍ ، فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحاً بينهما على ما شرطاه.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « المُقرض ». والمثبت هو الصحيح.

(٣ و ٥) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٣٤ ، البيان ٧ : ٢٠٧.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

١٦٢

مسألة ٣٠٦ : عقد المضاربة قابل للشروط كغيره من العقود ، والشروط تنقسم إلى صحيحةٍ وفاسدةٍ.

فالصحيح مثل أن يشترط على العامل أن لا يسافر بالمال ، أو أن يسافر به ، أو لا يتّجر إلّا في بلدٍ بعينه أو نوعٍ بعينه ، أو لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه ، فهذا بأجمعه صحيح ، سواء كان النوع ممّا يعمّ وجوده أو لا يعمّ ، أو الرجل ممّا يكثر عنده المتاع أو يقلّ ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) .

وقال مالك والشافعي : إذا شرط أن لا يشتري إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو ما لا يعمّ وجوده كالياقوت الأحمر والخيل البُلْق ، لم يصح(٢) . وقد تقدّم(٣) .

والفاسد ينقسم عند العامّة إلى ما ينافي مقتضى العقد ، أو يعود إلى جهالة الربح ، أو يشترط ما ليس فيه مصلحة العقد ولا مقتضاه.

فالأوّل : مثل أن يشترط لزوم المضاربة ، أو لا يعزله مدّة بعينها ، أو لا يبيع إلّا برأس المال أو أقلّ ، أو لا يبيع إلّا ممّن اشترى [ منه ](٤) أو شرط أن لا يشتري ولا يبيع ، فهذه الشروط تنافي مقتضى العقد ، وهو الاسترباح.

والثاني : مثل أن يشترط للمضارب جزءاً ما من الربح من غير تعيينٍ ، أو شرط له ربح أحد الكيسين أو أحد العبدين.

والثالث : مثل أن يشترط على العامل المضاربة له في مالٍ آخَر ، أو يأخذ له بضاعةً أو قرضاً ، أو يخدمه في شي‌ءٍ بعينه ، أو يرتفق بالسِّلَع ، مثل‌

____________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ٤١.

(٢) راجع : الهامش (٣) من ص ٤٢.

(٣) في ص ٤٢.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٦٣

أن يلبس الثوب ويستخدم العبد(١) .

وعندي لا بأس بذلك.

أمّا لو شرط على المضارب ضمان المال أو سهماً من الوضيعة ، أو أنّه متى باع السلعة فهو أحقّ بها بالثمن ، فهذه شروط باطلة.

وهل يبطل العقد ببطلان الشرط؟ الأقرب عندي : ذلك.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٦ - ١٨٧.

١٦٤

١٦٥

المقصد الخامس : في اللّقطة‌

وفيه مقصدان :

المقصد الأوّل(١) : في لقطة الأموال‌

اللُّقطة هي المال الضائع عن صاحبه يلتقطه غيره.

قال الخليل بن أحمد : اللُّقَطة بفتح القاف : اسم للملتقط ؛ لأنّ ما جاء على « فُعَلة » فهو اسم للفاعل ، كقوله : « هُمَزة لُمَزة » ويقال : فلان هزأة.

وبسكون القاف هي المال الملقوط ، مثل الضَّحْكة - بسكون الحاء - هو الذي يضحك منه ، والهزأة - بفتح الزاء - هو الذي يهزأ به(٢) .

وقال الأصمعي وابن الأعرابي والفرّاء : اللّقَطة - بفتح القاف - : اسم للمال الملقوط أيضاً(٣) .

والأصل في اللّقطة : ما رواه العامّة عن زيد بن خالد الجهني قال : سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن لقطة الذهب والورق ، فقال : « اعرف وكاءها وعفاصها ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها » - وفي روايةٍ أُخرى : « ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن لم تعرف فاستنفع بها ، ولتكن وديعةً عندك ، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه » - قال : فضالّة الغنم؟ قال :

____________________

(١) كذا قوله : « وفيه مقصدان ، المقصد الأوّل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، ولم يُعنون المصنّفقدس‌سره « المقصد الثاني » فيما يأتي.

(٢) الزاهر ( مقدّمة الحاوي الكبير ) : ٣١٢ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦.

(٣) الزاهر ( مقدّمة الحاوي الكبير ) : ٣١٢ - ٣١٣ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦.

١٦٦

« خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب » قال : يا رسول الله فضالّة الإبل؟ فغضب حتى احمرّت وَجْنتاه وقال : « ما لَك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد المال وترعى الشجر حتى يجدها ربّها »(١) .

والوكاء : الخيط الذي يشدّ به المال في الخرقة. والعفاص : الوعاء الذي هي فيه من خرقةٍ أو قرطاسٍ أو غيره ، والأصل في العفاص أنّه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة. وحذاؤها يعني به خُفّها ؛ لأنّه لقوّته وصلابته يجري مجرى الحذاء. وسقاؤها : بطنها ؛ لأنّها تأخذ فيه ماءً كثيراً فيبقى معها يمنعها العطش. وكونها ترد الماء وترعى الشجر ، أي : محفوظة بنفسها.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إنّي وجدتُ شاةً ، فقال : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : إنّي وجدتُ بعيراً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خُفُّه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه فلا تهجه »(٢) .

وعن داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٣) .

ولا نعلم في ذلك خلافاً.

واعلم أنّ الملقوط إمّا إنسان أو غيره من الأموال ، والغير إمّا حيوان أو غيره ، فالفصول ثلاثة.

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٤ ، و ٣ : ١٦٣ و ١٦٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٦ - ١٣٤٨ / ١٧٢٢ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٣٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٥ و ١٨٦ و ١٨٩ و ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٦ : ٣٤٦ بتفاوتٍ في بعض الألفاظ.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٤.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٧ ( باب اللّقطة والضالّة ) ح ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦١.

١٦٧

[ الفصل ] الأوّل : في لقطة الأموال غير الحيوان‌

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : في الأركان.

وهي ثلاثة :

الركن الأوّل : الالتقاط.

وهو معلوم في اللّغة ، وأمّا في الشرع : فهو أخصّ ، وهو عبارة عن أخذ مالٍ ضائعٍ ليعرّفه الآخذ سنةً ثمّ يتملّكه إن لم يظهر مالكه بشرط الضمان إذا ظهر ولم يكن في الحرم ، أو يحتفظه واجباً فيه ، ومستحبّاً في غيره.

واعلم أنّ الالتقاط إن كان في غير الحرم ، كان مكروهاً عند علمائنا ، سواء وثق الملتقط من نفسه أو لا ، وسواء خاف ضياعها أو لا - وبه قال ابن عباس وابن عمر وجابر بن زيد والربيع بن خثيم ، وهو مذهب عطاء ومالك وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يُؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة ، إلى أن قال : « وكان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يقول لأهله :

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٤ ، المغني ٦ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠ ، المحلّى ٨ : ٢٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٥ ، البيان ٧ : ٤٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٦ / ٢٥٠٣ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ / ١٧٢٠ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٠ ، مسند أحمد ٥ : ٤٨١ / ١٨٧٠٢ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢ : ٣٣٠ - ٣٣١ / ٢٣٧٦ و ٢٣٧٧ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٣٣.

١٦٨

لا تمسّوها »(١) .

وفي الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكرنا للصادقعليه‌السلام اللّقطة ، فقال : « لا تعرّض لها ، فإنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها فأخذها »(٢) .

واختلف قول الشافعي.

فقال في موضعٍ : إذا عرف الآخذ من نفسه الأمانة ، أخذها(٣) .

وفي موضعٍ آخَر : ولا يحلّ ترك اللّقطة لمَن وجدها إذا كان أميناً عليها(٤) .

واختلف أصحابه في ذلك.

فمنهم مَنْ قال : ليست على قولين ، وإنّما هي على اختلاف حالين ، فالموضع الذي استحبّ أخذها ولم يوجبه إنّما أراد إذا وجدها في قريةٍ أو محلّةٍ يُعرف أهلها بالثقة والأمانة فالظاهر سلامتها فلا يجب أخذها ، والموضع الذي قال : يجب عليه أخذها إذا وجدها في موضعٍ لا يُعرف أهله بالثقة والأمانة ، أو كانت في مسلك أخلاط الناس وممرّ الفُسّاق والخَوَنة فإنّ‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٦.

(٣) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٣٦ ، ذيل الرقم ٢٠٤٢ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

(٤) الأُم ٤ : ٦٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

١٦٩

الظاهر هلاكها فيجب عليه أخذها(١) .

ومنهم مَنْ قال : في المسألة قولان :

أحدهما : يستحبّ ؛ لأنّ ذلك أخذ أمانةٍ ، فلم يلزمه ، كقبول الوديعة.

والثاني : يجب ؛ لقوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٢) وإذا كان وليّه وجب عليه حفظ ماله إذا خاف هلاكه ، كوليّ الصغير ، بخلاف الوديعة ، فإنّه لا يخاف هلاكها ، ولأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، فيجب صونه عن الضياع(٣) .

وهو معارَض بقول ابن عباس وابن عمر ، ولم يُعرف لهما مخالف في الصحابة ، ولأنّه تعريض لنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها ، فكان تركه أولى وأسلم ، كولاية مال اليتيم.

وقد احتجّ الشافعي على الاستحباب : بحديث زيد بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عن اللّقطة ، فقال : « اعرف عفاصها ووكاءها »(٤) الحديث.

وبما رواه أُبيّ بن كعب قال : وجدتُ مائة دينار - وروي : ثمانين ديناراً(٥) - فأتيتُ بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « عرِّفها حولاً » فعرّفتُها حولاً فلم تُعرف ، فرجعتُ إليه ، فقال : « اعرف عدّتها ووعاءها ووكاءها واخلطها‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ - ٥٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢.

(٢) سورة التوبة : ٧١.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٠.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٥) الأُم ٤ : ٦٧.

١٧٠

بمالك ، فإن جاء ربّها فأدِّها إليه »(١) .

ولأنّه أخذ أمانة ، فلم يكره ، كالوديعة(٢) .

ولا دلالة في الحديثين ؛ لأنّهما سألا عن اللّقطة إذا أخذها الملتقط ما حكمها؟

وللشافعيّة طريقة أُخرى : إنّ الواجد إن كان لا يثق بنفسه لم يجب الالتقاط قولاً واحداً ، والقولان في مَنْ يغلب على ظنّه أنّه لا يخون(٣) .

وطريقة رابعة قاطعة بنفي الوجوب مطلقاً ، وحمل قوله بالوجوب على تأكيد الأمر به(٤) .

وعلى القول بنفي الوجوب فإن كان الواجد غير أمينٍ لم يأخذها ؛ لأنّه يعرّضها للتلف.

وإن كان أميناً ، فإن لم يثق بنفسه وليس هو في الحال من الفسقة لم يستحب له الالتقاط قولاً واحداً.

وعن بعض الشافعيّة وجهان في الجواز ، أصحّهما عندهم : الثبوت(٥) .

مسألة ٣٠٧ : الأمين إذا وجد اللّقطة ولم يأخذها لم يضمنها ، وهو على مذهبنا ظاهرٌ ؛ لأنّا نقول بكراهة الالتقاط.

أمّا الشافعي فكذلك عنده أيضاً ، سواء قال بوجوب الالتقاط أو‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٦٢ و ١٦٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٠ / ١٧٢٣ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٦ و ١٩٢ - ١٩٤ ، وفيها التعريف لمدّة ثلاثة أحوال.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، البيان ٧ : ٤٤٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٢.

(٤) الوسيط ٤ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

١٧١

استحبابه ؛ لأنّها لم تحصل في يده ، وما لا يحصل في يده لا يضمنه ، كما لو حبس رجلاً عن ماله حتى هلك فإنّه لا يضمنه(١) .

وإن وجدها الخائن فأخذها ، لم يضمنها إلّا بالتعدّي أو نيّة التصرّف وعدم الردّ على المالك.

وأمّا إذا أخذها على وجه الالتقاط فلا يضمنها ، كما أنّ المستودع إذا كان خائناً وقَبِل الوديعة لم يضمنها إلّا بالتعدّي ، كذا هنا.

فإن ردّها الملتقط إلى الموضع الذي وجدها فيه ، لزمه ضمانها - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه لـمّا أخذها التزم بحفظها ، فإذا ردّها إلى الموضع فقد ضيّعها ، فلزمه الضمان ، كما لو رماها إلى موضعٍ آخَر.

وقال أبو حنيفة : لا يلزمه ضمانها ، ويبرأ بردّها إلى موضعها من الأمانة ؛ لأنّه مأذون له في أخذها منه ، وإذا ردّها إليه زال عنه الضمان ، كالمستودع إذا ردّ الوديعة إلى يد صاحبها(٣) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ الوديعة عادت إلى يد صاحبها ، ولهذا لو كان غصبها ثمّ ردّها إلى صاحبها زال الضمان ، كذا هنا ، ووزان المتنازع أن يردّ المستودع الوديعة إلى الموضع الذي أخذها منه بنيّة التعدّي ، وهناك لا يبرأ بالردّ إلى موضعها على ما تقدّم في باب الوديعة(٤) .

مسألة ٣٠٨ : الملتقط إذا علم الخيانة من نفسه ، فالأقرب : إنّه يحرم عليه أخذها - وبه قال بعض الشافعيّة(٥) - لأنّ نفسه تدعوه إلى كتمانها‌

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٤٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٥.

(٣) المبسوط - للسرخي - ١١ : ١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٩ ، البيان ٧ : ٤٤٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٥.

(٤) راجع : ج ١٦ - من هذا الكتاب - ص ١٦٠ ، المسألة ١٤.

(٥) الوجيز ١ : ٢٥٠ - ٢٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

١٧٢

وضياعها عن مالكها.

وقال الأكثر منهم : إنّه مكروه(١) .

وأمّا الأمين في الحال إذا علم أنّه لو أخذها لخان فيها وفسق ، فالأقرب : الكراهة الشديدة فيه ، دون التحريم ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين الغني والفقير في اللّقطة وأحكامها ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أهو فيها بمنزلة الغني؟ قال : « نعم »(٣) .

مسألة ٣٠٩ : اللّقطة إمّا أن توجد في الحرم أو في غير الحرم. أمّا لقطة غير الحرم فإنّها مكروهة عند علمائنا على ما تقدّم(٤) . وأمّا لقطة الحرم فلعلمائنا قولان :

أحدهما : تحريم أخذها ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٥) وذلك يقتضي وجوب أمنه على نفسه وماله ، وإنّما يحصل الأمن في المال بعدم أخذه.

ولما رواه إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه عن الكاظمعليه‌السلام قال : « لقطة الحرم لا تمسّ بيدٍ ولا رِجْل ، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها »(٦) .

والثاني : الكراهة - وهو الأقوى عندي - للأصل ، ولما فيه من حفظها على مالكها ، فإنّه لا يجوز له تملّكها بوجهٍ من الوجوه ، فإذا أخذها بنيّة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٧.

(٤) في ص ١٦٧.

(٥) سورة آل عمران : ٩٧.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٧.

١٧٣

الحفظ يكون مُحسناً إلى مالكها بحفظ ماله عليه.

ومنه يظهر الجواب عن الآية ؛ إذ نيّة الحفظ وفعله يقتضي أمن صاحبها عليها.

والرواية لا تقتضي التحريم ؛ فإنّ النهي لفظ يدلّ على معنى مشترك بين التحريم والكراهة ، ولا دلالة للعامّ على الخاصّ ، مع أنّ الرواية مرسلة.

إذا ثبت هذا ، فإنّه إذا التقط في الحرم لم يجز له أن يملكها لا قبل التعريف ولا بعده ، بل إمّا أن يحفظها أو يتصدّق بها بعد التعريف حولاً.

وفي الضمان قولان لعلمائنا.

مسألة ٣١٠ : يستحبّ لواجد اللّقطة الإشهاد عليها حين يجدها ، فإن لم يُشهد عليها لم يكن ضامناً.

وليس الإشهاد واجباً عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد والشافعي في أظهر قوليه(١) - لأصالة عدم الوجوب ، ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يذكر الإشهاد في خبر زيد بن خالد ، ولا خبر أُبيّ بن كعب(٢) ، بل أمرهما بالتعريف ، ولو كان الإشهاد واجباً لبيّنه ؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأنّه أخذ أمانة ، فلم يفتقر إلى الإشهاد ، كالوديعة.

وقال أبو حنيفة : يجب الإشهاد ، فإن أخلّ به ضمن - وبالوجوب قال الشافعي في القول الثاني - لما روي عن عياض بن حمار أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَن التقط لقطةً فليُشهد عليها ذا عَدْلٍ أو ذَوَي عَدْلٍ ، ولا يكتم‌

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣٠٨ ، التمهيد ٣ : ١٢١ ، المغني ٦ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، الوسيط ٤ : ٢٨٢ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٨ ، البيان ٧ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) تقدّم خبراهما في ص ١٦٥ - ١٦٦ و ١٦٩ - ١٧٠.

١٧٤

ولا يغيِّب »(١) وهذا أمر يقتضي الوجوب ، ولأنّه إذا لم يُشهد كان الظاهر أنّه أخذها لنفسه(٢) .

والحمل على الوجوب ممنوع ، بل الأصل عدمه ، فيُحمل على الاستحباب ؛ لوروده فيهما ، فيكون للقدر المشترك ، وإلّا لزم الاشتراك أو المجاز ، وكلاهما خلاف الأصل ، مع أنّ الظاهر أنّه للاستحباب ، وإلّا لما جاز لهعليه‌السلام أن يؤخّر بيانه في الخبرين السابقين.

والظاهر ممنوع ؛ لأنّه إذا أخذها وعرّفها لم يكن قد أخذها لنفسه.

وفائدة الإشهاد صيانة نفسه عن الطمع فيها ، وحفظها من ورثته لو مات ، ومن غرمائه لو أفلس.

إذا ثبت هذا ، فإنّه ينبغي له أن يُشهد على جنسها وبعض صفاتها من غير استقصاءٍ لئلّا يذيع خبرها فيدّعيها مَنْ لا يستحقّها فيأخذها إذا ذكر صفاتها إن اكتفينا بالصفة ، أو يواطئ الشهود الذين عرفوا صفاتها على التفصيل فيأخذها بشهادتهم ، أمّا إذا ذكر بعض صفاتها وأهمل الباقي انتفت هذه المخالفة.

ولا ينبغي الاقتصار في الإشهاد على الإطلاق بأن يقول : عندي لقطة ، ولا على ذكر الجنس من غير ذكر وصفٍ ما لئلّا يموت فيتملّكها الوارث ، بل ينبغي أن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من ذكر الجنس والنوع.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٦ / ١٧٠٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٧ و ١٩٣ ، مسند أحمد ٥ : ٣٣٠ / ١٧٨٧٢ ، و ٣٣١ / ١٧٨٧٩ ، مسند أبي داوُد الطيالسي : ١٤٦ / ١٠٨١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢٠١ ، مضافاً إلى المصادر المزبورة في الهامش (١) من ص ١٧٣.

١٧٥

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه يُشهد على أصلها دون صفاتها ، ويجوز أن يذكر جنسها خوف الإذاعة فيدّعيها الكاذب.

والثاني : يُشهد على صفاتها أيضاً لئلّا يأخذها الورثة(١) .

والأوسط ما قلناه.

الركن الثاني : الملتقط.

مقدّمة : اللّقطة تشتمل على نوع أمانةٍ وولايةٍ واكتسابٍ.

أمّا الأمانة والولاية ففي ابتداء أمرها ؛ لأنّ الملتقط يجب عليه التعريف حولاً ، فهو في مدّة الحول أمين سبيله سبيل سائر الأُمناء ، لا يضمن تلفها إلّا مع التعدّي أو التفريط ، وقد فوّض الشرع إليه حفظها ، كما فوّض إلى الوليّ حفظ مال الصبي.

وأمّا الاكتساب ففي انتهاء أمرها ؛ لأنّ له أن يتملّك اللّقطة بعد الحول.

وللشافعي(٢) قولان :

أحدهما : إنّ المغلَّب فيه معنى الأمانة والولاية ؛ لأنّها معجّلة في ابتداء الالتقاط ، والتملّك منتظَرٌ إلى أن ينتهي حول التعريف ، فيناط الحكم بالناجز الحاضر ، ويبنى الأخير على الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « للشافعيّة ».

١٧٦

والثاني : إنّ المغلَّب الاكتساب ؛ لأنّه مآل الأمر والقصد باللّقطة والغرض منها ، فالنظر إليه أولى ، فكونه مناط الحكم أولى ، ولأنّ الملتقط مستقلّ بالالتقاط ، وآحاد الناس لا يستقلّون بالأمانات إلّا بائتمان المالك ، ويستقلّون بالاكتساب(١) .

فإذا اجتمع في الشخص أربع صفات : الإسلام والحُرّيّة والعدالة والتكليف ، كان له أن يلتقط إجماعاً ، ويُعرّف ويتملّك ؛ لأنّه أهل للولاية والأمانة والاكتساب جميعاً.

وإن خلا عن البعض أو عن الجميع ، فله مسائل نذكرها الآن إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣١١ : ليس للذمّيّ أن يلتقط في الحرم ؛ لأنّه ليس أهلاً للأمانة ، والاكتساب فيها منتفٍ ؛ إذ ليس للملتقط في الحرم التملّكُ مطلقاً ، وإنّما هو استئمان مجرّد ، والكافر ليس أهلاً له ، فلا يصحّ التقاطه فيه ، فإن التقط منه نزعه الحاكم من يده ، واستأمن عليه ثقةً يُعرّفه حولاً ، ثمّ إمّا أن يتصدّق به ، أو يستديم الحفظ على ما يأتي.

وأمّا لقطة غير الحرم فإنّه يجوز للكافر أخذها ، سواء كانت في دار الإسلام أو في دار الحرب.

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه ليس للذمّيّ أن يلتقط في دار الإسلام ، كما أنّه ليس له أن يحيي شيئاً من أرضها ؛ لأنّ الالتقاط أمانة ، وهو ليس من أهلها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

١٧٧

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ له أن يلتقط - كما ذهبنا إليه - لأنّه من أهل الاكتساب ، وله ذمّة صحيحة ، ويملك القرض ، ويصحّ أن يصطاد ويحتطب ويحتش ، ويملك ذلك كلّه ، فكذا له أن يلتقط ؛ ترجيحاً لمعنى الاكتساب(١) .

وقطع بعض أصحابه بالجواز(٢) .

وشرط قوم في الجواز كونه عَدْلاً في دينه(٣) .

وشبه الالتقاط بالاصطياد والاحتطاب أقوى من شبهه بالإحياء.

وعلى قول الشافعي بالمنع من التقاط الذمّيّ في دار الإسلام لو التقط أخذه الإمام ، وحفظه إلى ظهور مالكه(٤) .

مسألة ٣١٢ : المرتدّ إن كان عن فطرةٍ زالت أمواله عنه ، فليس له أن يلتقط ، فإن التقط نُزع من يده ، كما لو احتطب يُنزع من يده.

وهل يكون ميراثاً لورثته؟ الأقرب : إنّه ليس كذلك ؛ لأنّه لا يصحّ أن يملك ؛ لأنّ وجوب قتله في كلّ آن ينافي جواز تملّكه لشي‌ءٍ من الأشياء في آن من الآنات ، فحينئذٍ لا حكم لالتقاطه ، بل تكون اللّقطة في يده كهي على الأرض لكلّ أحدٍ أخذها من يده ، فيكون هذا الأخذ منه التقاطاً من الآخذ ، وإنّما يورّث عنه ما يدخل في ملكه.

ويحتمل ضعيفاً دخوله في ملكه ، ولا ينافي خروجه عنه في ثاني‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤.

١٧٨

الحال ، كما لو مَلَك الإنسان مَنْ ينعتق عليه ، فحينئذٍ يكون لورثته ، ويجري مجرى السيّد لو التقط عبده.

وعلى الوجه الأوّل لو أخذه إنسان من يده ، لم يكن للإمام نزعه منه.

وهل يكون لقطةً بالنسبة إلى الآخذ منه على معنى أنّ له أن يملكه بعد التعريف حولاً؟ إشكال من حيث إنّه يصدق عليه أنّه لقطة ، أم لا؟ فإن قلنا : يصدق اسم اللّقطة عليه ، كان له تملّكه بعد التعريف حولاً ، وإلّا دفعه إلى الحاكم.

أمّا الشافعيّة فاختلفوا في المرتدّ هل يزول ملكه أم لا؟ فإن قلنا : يزول ، نُزع من يده ، كما لو احتطب يُنزع من يده ، وإن قلنا : إنّ ملكه لا يزول ، يكون كالفاسق يلتقط(١) .

وقال بعضهم : إن قلنا : إنّ ملكه زائل ، فإنّ ما يحتطبه يُنزع من يده ، ويُحكم بكونه لأهل الفي‌ء ، فإن كانت اللّقطة كذلك ، فقياسه أن يجوز للإمام ابتداء الالتقاط لأهل الفي‌ء ولبيت المال ، وأن يجوز للوليّ الالتقاط للصبي ، وإن قلنا : إنّ ملكه غير زائلٍ ، فهو بالذمّيّ أشبه منه بالفاسق ، فليكن التقاطه كالتقاط الذمّيّ(٢) .

مسألة ٣١٣ : يكره للفاسق الالتقاط ؛ لأنّه لا يؤمن عليها ، ويُعرّض نفسه للأمانة وليس هو من أهلها.

فإن التقط ، صحّ التقاطه ؛ لأنّ الالتقاط جهة من جهات الكسب ، وهو من أهله ، ولأنّه إذا صحّ التقاط الكافر فالفاسق أولى ، وبه قال أحمد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

١٧٩

والشافعي في أحد القولين على تقدير ترجيح أصل الاكتساب على أصل الأمانة والولاية.

والثاني : ليس للفاسق أخذ اللّقطة ؛ ترجيحاً لطرف الأمانة والولاية ؛ لأنّه ليس من أهل ذلك ، فإن أخذه كان حكمه حكم الغاصب(١) .

والأوّل أغلب عند أكثر أصحابه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا التقط الفاسق ، أُقرّت اللّقطة في يده ، وضمّ الحاكم إليه مشرفاً يُشرف عليه ؛ لئلّا يتصرّف فيها ، ويتولّى تعريفها ؛ لئلّا يُخلّ به ؛ لأنّه لا أمانة له ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّه لا يُقرّ يده عليها ، بل ينتزعها الحاكم من يده ، ويضعها عند عَدْلٍ ؛ لأنّ مال أولاده لا يُقرّ في يده فكيف مال الأجانب(٣) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأنّه يخلّى بينه وبين الوديعة ، فكذا يخلّى بينه وبين اللّقطة ، كالعَدْل.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، الوسيط ٤ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٦ - ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤١ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ ، المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٨.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466