تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150697 / تحميل: 5376
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أدنى ذم ولو كان أوثق الثقات وعمل بخبره ولاجل ذلك ذكر بريداً العجلي مع جلالته في الثاني ، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضاً لاجل ورود ذم ما فيه ، أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق.

2 ـ ان العلاّمة لا يعنون المختلف فيه في القسمين ، بل ان رجح المدح يذكره في الاول ، وان رجح الذم أو توقف يذكره في الثاني.

واما ابن داود فيذكر المختلف فيه في الاول باعتبار مدحه ، وفي الثاني باعتبار جرحه.

3 ـ ان العلاّمة إذا أخذ من الكشي أو النجاشي أو فهرست الشيخ أو رجاله أو الغضائري لا يذكر المستند بل يعبر بعين عبائرهم. نعم فيما إذا نقل عن غيبة الشيخ أو عن رجال ابن عقدة او رجال العقيقي فيما وجد من كتابيهما ، يصرح بالمستند.

كما أنه إذا كان أصحاب الرجال الخمسة مختلفين في رجل ، يصرح بأسمائهم ، وحينئد فإن قال في عنوان شيئاً وسكت عن مستنده ، يستكشف أنه مذكور في الكتب الخمسة ولو لم نقف عليه في نسختنا.

وأما ابن داود فيلتزم بذكر جميع من أخذ عنه ، فلو لم يذكر المستند ، علم انه سقط من نسختنا رمزه ، إلا ما كان مشتبهاً عنده فلا يرمز له.

4 ـ ان العلاّمة يقتصر على الممدوحين في الاول ، بخلاف ابن داود ، فأنه يذكر فيه المهملين أيضاً ، والمراد من المهمل من عنونه الاصحاب ولم يضعفوه.

قال ابن داود : « والجزء الأوّل من الكتاب في ذكر الممدوحين ومن لم يضعفهم الاصحاب ، والمفهوم منه أنه يعمل بخبر رواته مهملون ، لم يذكروا بمدح ولا قدح ، كما يعمل بخبر رواته ممدوحون. نعم هو وان استقصى الممدوحين ، يكنه لم يستقص المهملين.

١٢١

هذه هي الفروق الجوهرية بين الرجالين.

المجهول في مصطلح العلاّمة وابن داود

ان هناك فرقاً بين مصطلح العلاّمة وابن داود ، ومصطلح المتأخرين في لفظ المجهول. فالمجهول في كلامهما غير المهمل الذي عنونه الرجاليون ولم يضعفوه ، بل المراد منه من صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية ، وهو أحد ألفاظ الجرح ، ولذا لم يعنوناه الا في الجزء الثاني من كتابيهما ، المعد للمجروحين ، وقد عقد ابن داود لهم فصلاً في آخر الجزء الثاني من كتابه ، كما عقد فصلاً لكل من المجروحين من العامة والزيدية والواقفية وغيرهم.

لكن المجهول في كلام المتأخرين ، من الشهيد الثاني والمجلسي والمامقاني ، أعم منه ومن المهمل الذي لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وقد عرفت أن العلاّمة لا يعنون المهمل أصلاً ، وابن داود يعنونه في الجزء الاول كالممدوح ، وكان القدماء يعملون بالمهمل كالممدوح ، ويردون المجهول وقد تفطن بذلك ابن داود(1) .

فهذه الكتب الاربعة ، هي الاصول الثانوية لعلم الرجال. اُلّف الاول والثاني منهما في القرن السادس ، كما اُلف الثالث والرابع في القرن السابع ، والعجب أن المؤلفين متعاصرون ومتاثلو التنسيق والمنهج كما عرفت.

وقد ترجم ابن داود العلاّمة في رجاله ، ولم يترجمه العلاّمة في الخلاصة ، وان ذا مما يقضي منه العجب.

هذه هي اصول الكتب الرجالية أوليتها وثانويتها ، وهناك كتب اخرى لم تطبع ولم تنشر ولم تتداولها الايدي ، ولاجل ذلك لم نذكر عنها شيئاً ومن اراد الوقوف عليها فليرجع الى كتاب « مصفى المقال في مؤلفي الرجال » للعلاّمة

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 31.

١٢٢

المتتبع الطهرانيرحمه‌الله .

وهذه هي الاصول الأولية الثمانية والثانوية الأربعة لعلم الرجال ، واما الجوامع الرجالية فسيوافيك ذكرهاعن قريب.

١٢٣
١٢٤

2 ـ الجوامع الرجالية في العصور المتأخرة

* مجمع الرجال.

* منهج المقال.

* جامع الرواة.

* نقد الرجال.

* منتهى المقال.

١٢٥
١٢٦

قد وقفت على الاصول الرجالية ، وهناك جوامع رجالية مطبوعة ومنتشرة يجب على القارئ الكريم التعرف عليها ، وهذه الجوامع الفت في أواخر القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر ، تلقّاها العلماء بالقبول وركنوا اليها ولابد من التعرف عليها(1) .

1 ـ مجمع الرجال

تأليف زكي الدين عناية الله القهبائي ، من تلاميذ المقدس الاردبيلي ( المتوفّى سنة 993 هـ ). والمولى عبد الله التستري ( المتوفّى عام 1021 هـ ) والشيخ البهائي. ( المتوفّى سنة 1031 هـ ). جمع في ذلك الكتاب تمام ما في الاصول الرجالية الأولية ، حتى أدخل فيه كتاب الضعفاء للغضائري وقد طبع الكتاب في عدة أجراء.

2 ـ منهج المقال

تأليف السيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي ( المتوفّى

__________________

(1) قاموس الرجال : ج 1 الصفحة 31.

١٢٧

سنة 1028 هـ ) وهو استاذ المولى محمد أمين الاسترابادي صاحب « الفوائد المدنية ». له كتب ثلاثة في الرجال : الكبير وأسماه « منهج المقال ». والوسيط ، الذي ربما يسمى بـ « تلخيص المقال » أو « تلخيص الاقوال » ، والصغير الموسوم بـ « الوجيز ». والأول مطبوع ، والثاني مخطوط ولكن نسخه شائعة ، والثالث توجد نسخة منه في الخزانة الرضوية كما جاء في فهرسها.

3 ـ جامع الرواة

تأليف الشيخ محمد بن علي الاردبيلي. صرف من عمره في جمعه ما يقرب من عشرين سنة ، وابتكر قواعد رجالية صار ببركتها كثير من الاخبار التي كانت مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة ، معلومة الحال ، صحيحة مسندة ، وطبع الكتاب في مجلدين ، وقدم له الامام المغفور له الأستاذ الحاج آقا حسين البروجرديقدس‌سره مقدمة وله أيضاً « تصحيح الأسانيد » الذي أدرجه شيخنا النوري بجميعه أو ملخصه في الفائدة الخامسة من فوائد خاتمة المستدرك.

ومن مزايا هذا الكتاب أنه جمع رواة الكتب الاربعة ، وذكر في كل راو ترجمة من رووا عنه ومن روى عنهم ، وعين مقدار رواياتهم ورفع بذلك ، النقص الموجود في كتب الرجال.

قال في مقدمته : « سنح بخاطره ( يعني نفسه ) الفاتر ـ بتفضله غير المتناهي ـ أنه يمكن استعلام أحوال الرواة المطلقة الذكر ، من الرواي والمروي عنه بحيث لا يبقى اشتباه وغموض ، وعلماء الرجال ( رضوان الله عليهم ) لم يذكروا ولم يضبطوا جميع الرواة ، بل ذكروا في بعض المواضع تحت بعض الاسماء بعنوان أنه روى عنه جماعة ، منهم فلان وفلان ، ولم يكن هذا كافياً في حصول المطلوب ، إلى أن قال : صار متوكلاً على رب الارباب ، منتظماً على التدريج راوي كل واحد من الرواة في سلك التحرير ، حتى انه رأى الكتب الأربعة المشهورة والفهرست للشيخرحمه‌الله والفهرس

١٢٨

للشيخ منتجب الدين ومشيخة الفقيه والتهذيب والاستبصار ، وكتب جميع الرواة الذين كانوا فيها ، ورأى أيضاً كثيراً من الرواة رووا عن المعصوم ، ولم يذكر علماء الرجال روايتهم عنهعليه‌السلام والبعض الذين عدوه من رجال الصادق ، رأى روايته عن الكاظمعليه‌السلام مثلا ، والذين ذكروا ممن لم يرو عنهمعليهم‌السلام رأى انه روي عنهمعليهم‌السلام الى ان قال : ان بعض الرواة الذين وثقوه ولم ينقلوا انه روى عن المعصومعليه‌السلام ورأى انه روى عنهعليه‌السلام ضبطه ايضاً ، حتى تظهر فائدته في حال نقل الحديث مضمراً ـ الى ان قال : ( ومن فوائد هذا الكتاب ) انه بعد التعرف على الراوي والمروي عنه ، لو وقع في بعض الكتب اشتباه في عدم ثبت الراوي في موقعه يعلم انه غلط وواقع غير موقعه.

( ومن فوائده أيضاً ) ان رواية جمع كثير من الثقات وغيرهم عن شخص واحد تفيد انه كان حسن الحال او كان من مشايخ الاجازة »(1) .

والحق ان الرجال مبتكر في فنه ، مبدع في علمه ، كشف بعمله هذا الستر عن كثير من المبهمات ، ومع انه تحمل في تأليف هذا الكتاب طيلة عشرين سنة ، جهوداً جبارة ، بحيث ميز التلميذ عن الشيخ ، والراوي عن المرويّ عنه ولكن لم يجعل كتاب على اساس الطبقات حتى يقسم الرواة الى طبقة وطبقة ، ويعين طبقة الراوي ومن روى هو عنه او رووا عنه ، مع انه كان يمكنه القيام بهذا العمل في ثنايا عمله بسبر جميع الكتب والمسانيد بامعان ودقة.

4 ـ نقد الرجال

تأليف السيد مصطفى التفريشي ألفه عام 1015 هـ ، وهو من تلاميذ المولى عبدالله التستري وقد طبع في مجلد.

__________________

1 ـ لاحظ المقدمة : 4 ـ 5 بتصرف يسير.

١٢٩

قال في مقدمته : « اردت ان اكتب كتاباً يشتمل على جميع اسماء الرجال من الممدوحين والمذمومين والمهملين ، يخلو من تكرار وغلط ، ينطوي على حسن الترتيب ، يحتوي على جميع اقوال القوم ـ قدس الله ارواحهم ـ من المدح والذم الا شاذاً شديد الشذوذ ».

5 ـ منتهى المقال في أحوال الرجال

المعروف برجال ابي علي الحائري ، تأليف الشيخ ابي علي محمد بن اسماعيل الحائري ( المولود عام 1159 هـ ، والمتوفّى عام 1215 أو 1216 هـ في النجف الاشرف ).

ابتدء في كل ترجمة بكلام الميرزا في الرجال الكبير ، ثم بما ذكره الوحيد في التعليقة عليه ، ثم بكلمات اخرى ، وقد شرح نمط بحثه في اول الكتاب ، وترك ذكر جماعة بزعم انهم من المجاهيل وعدم الفائدة في ذكرهم ، ولكنهم ليسوا بمجاهيل ، بل اكثرهم مهملون في الرجال ، وقد عرفت الفرق بين المجهول والمهمل.

وهذه الكتب الخمسة كلها اُلِّفت بين أواخر القرن العاشر الى أواخر القرن الثاني عشر ، وقد اجتهد مؤلفوها في جمع القرائن على وثاقة الراوي او ضعفها ، واعتمدوا على حدسيات وتقريبات.

هذه هي الجوامع الرجالية المؤلفة في القرون الماضية ، وهناك مؤلفات اخرى بين مطولات ومختصرات اُلفت في القرون الاخيرة ونحن نشير إلى ما هو الدارج بين العلماء في عصرنا هذا.

١٣٠

3 ـ الجوامع الرجالية الدارجة على منهج القدماء

* بهجة الآمال.

* تنقيح المقال.

* قاموس الرجال.

١٣١
١٣٢

قد وقفت على الجوامع الرجالية المؤلفة في القرن الحادي عشر والثاني عشر ، وهناك مؤلفات رجالية اُلفت في أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر ولكنها على صنفين : صنف تبع في تأليفه خطة الماضين في نقل أقوال الرجاليين السابقين واللاحقين ، وجمع القرائن والشواهد على وثاقة الراوي ، والقضاء بين كلمات اهل الفن ، الى غير ذلك من المزايا التي أوجبت تكامل فن الرجال من حيث الكمية ، من دون إحداث كيفية جديدة وراء خطة السابقين ، وصنف اخر أحدث كيفية جديدة في فن الرجال وأبدع اسلوباً خاصاً لما يهم المستنبط في علم الرجال. فإن الوقوف على طبقة الراوي من حيث الرواية ، ومعرفة عصره وأساتيذه وتلاميذه ، ومدى علمه وفضله ، وكمية رواياته من حيث الكثرة والقلة ، ومقدار ضبطه للرواية ، واتقانه في نقل الحديث ، من اهم الامور في علم الحديث ومعرفة حال الراوي وقد اهملت تلك الناحية في اسلوب القدماء غالباً الا على وجه نادر.

وهذا الاُسلوب يباين خطة الماضين في العصور السابقة.

وعلى ذلك يجب علينا ان نعرف كل صنف بواقعه ونعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي فضل فضله ، بلا تحيز الى فئة ، ولا إنكار فضيلة لأحد.

١٣٣

1 ـ « بهجة الآمال في شرح زبدة المقال في علم الرجال »

تأليف العلاّمة الحاج الشيخ علي بن عبدالله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري التبريزي ( المولود عام 1236 هـ ، والمتوفّى عام 1327 هـ ) وهذا الكتاب قد اُلف في خمسة مجلدات كبار ، ثلاثة منها شرح مزجي لـ « زبدة المقال في معرفة الرجال » تأليف العلاّمة السيد حسين البروجردي ، وهو منظومة في علم الرجال قال :

سمّيته بزبدة المقال

في البحث عن معرفة الرجال

ناظمه الفقير في الكونين

هو الحسين بن رضا الحسيني

واثنان منها شرح لـ « منتهى المقال » وهي منظومة للشارح تمم بها منظومة البروجردي ، وحيث ان البروجردي لم يذكر المتأخرين ولا المجاهيل من الرواة فأتمها وأكملها الشارح بالنظم والشرح في ذينك المجلدين ، والكتاب مشتمل على مقدمة وفيها أحد عشر فصلاً ، والفصل الحادي عشر في أصحاب الاجماع. وفيه أيضاً عدة أبحاث متفرقة ، والكتاب لو طبع على طراز الطبعة الحديثة لتجاوز عشرة أجزاء وقد طبع منه لحد الآن ستة أجزاء والباقي تحت الطبع.

2 ـ « تنقيح المقال في معرفة علم الرجال »

للعلامة الشيخ عبدالله المامقاني ( المتوفّى عام 1351 هـ ) في ثلاثة أجزاء كبار ، وهو أجمع كتاب ألف في الموضوع ، وقد جمع جلَّ ما ورد في الكتب الرجالية المتقدمة والمتاخرة.

قال العلاّمة الطهراني : « هو أبسط ما كتب في الرجال ، حيث انه أدرج فيه تراجم جميع الصحابة والتابعين ، وسائر أصحاب الائمة وغيرهم من الرواة الى القرن الرابع ، وقليل من العلماء المحدثين في ثلاثة أجزاء كبار لم

١٣٤

يتجاوز جمعه وترتيبه وتهذيبه عن ثلاث سنين ، وهذا مما يعد من خوارق العادات والخاصة من التأييدات ، فلله در مؤلفه من مصنف ما سبقه مصنفو الرجال ، ومن تنقيح ما أتى بمثله الأمثال »(1) . ومما أُخذ عليه ، هو خلطه بين المهمل والمجهول. فان الأول عبارة عمّن لم يذكر فيه مدح ولا قدح ، وقد ذكر ابن داود المهمل في جنب الممدوح ، زعماً منه بأنه يجب العمل بخبره كالممدوح ، وأن غير الحجة في الخبر عبارة عن المطعون.

وأما المجهول فإنّه عبارة عمن صرح أئمة الرجال فيه بالمجهولية وهو أحد ألفاظ الجرح ، فيذكرون المجهول في باب المجروحين ويتعاملون معه معاملة المجروح.

وأنت إذا لاحظت فهرس تنقيح المقال ، الذي طبع مستقلاً وسماه المؤلف « نتيجة التنقيح » لا ترى فيه الا المجاهيل ، والمراد منه الاعم ممن حكم عليه أئمة الرجال بالمجهولية ومن لم يذكر فيه مدح ولا قدح.

وهذا الخلط لا يختص به ، بل هو رائج من عصر الشهيد الثاني والمجلسي الى عصره مع أن المحقق الداماد قال في الراشحة الثالثة عشر من رواشحه : « لا يجوز اطلاق المجهول الاصطلاحي إلا على من حكم بجهالته أئمة الرجال »(2) .

وقد ذب شيخنا العلاّمة الطهراني هذا الاشكال عن مؤلفه وقال : « ان المؤلف لم يكن غير واقف بكلام المحقق الداماد ، وصرح في الجزء الاول ( أواخر الصفحة 184 ) بأنه لو راجع المتتبع جميع مظان استعلام حال رجل ومع ذلك لم يظفر بشيء من ترجمة أحواله أبداً فلا يجوز التسارع عليه بالحكم بالجهالة ، لسعة دائرة هذا العلم ، وكثرة مدارك معرفة الرجال ، ومن هذا

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 466.

2 ـ الرواشح : 60.

١٣٥

التصريح يحصل الجزم بأن مراده من قوله « مجهول » ليس أنه محكوم بالجهالة عند علماء الرجال ، حتى يصير هو السبب في صيرورة الحديث من جهته ضعيفاً ، بل مراده أنه مجهول عندي ولم أظفر بترجمة مبينة لاحواله »(1) .

3 ـ « قاموس الرجال »

للعلاّمة المحقق الشيخ محمد تقي التستري ، كتبه أولاً بصورة التعليقة على رجال العلاّمة المامقاني ، وناقش كثيراً من منقولاته ونظرياته ، ثم أخرجه بصورة كتاب مستقل وطبع في 13 جزء ، والمؤلف حقاً أحد أبطال هذا العلم ونقاده ، وقد بسطنا الكلام حول الكتاب ، ونشرته صحيفة كيهان في نشرتها المستقلة حول حياة المؤلف بقلم عدة من الاعلام.

غير أنه لا يتبّع في تأليف الكتاب روح العصر ، فترى أنه يكتب عدة صحائف من دون أن يفصل بين المطالب بعنوان خاص ، كما أنه لا يأتي بأسماء الكتب الرجالية والائمة الا بالرموز ، وذلك أوجد غلقاً في قراءة الكتاب وفهم مقاصده ، أضف الى ذلك أنه يروي عن كثير من الكتب التاريخية والحديثية ، ولا يعين مواضعها ، ولكن ما ذكرناه يرجع الى نفس الكتاب ، وأما المؤلف فهو من المشايخ الاعاظم الذين يضن بهم الدهر الا في فترات قليلة وله على العلم وأهله أيادي مشكورة.

وهذه الكتب مع الثناء الوافر على مؤلفيها لا تخلو من عل أو علات والتي يجب أن ننبه عليها.

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 467 ، بتصرف وتلخيص.

١٣٦

4 ـ تطور في تأليف الجوامع الرجالية

* جامع الرواة.

* طرائف المقال.

* مرتب اسانيد الكتب الاربعة.

* معجم رجال الحديث.

١٣٧
١٣٨

إن الجوامع المذكورة مع أهميتها وعظمتها ، فاقدة لبعض ما يهمّ المستنبط والفقيه في تحصيل حجية الخبر وعدمها ، فإنها وإن كانت توقفنا على وثاقة الرّاوي وضعفه إجمالاً ، غير أنها لا تفي ببعض ما يجب على المستنبط تحصيله وإليك بيانه :

1 ـ إنَّ هذه الخطة التي رسمها القدماء وتبعها المتأخرون ، مع أهميتها وجلالتها ، لا تخرج عن اطار التقليد لأئمة علم الرجال في التعرف على وثاقة الرّاوي وضعفه وقليلا من سائر أحواله ، ممّا ترجع إلى شخصيته الحديثية ، وليس طريقا مباشريا للمؤلف الرجالي ، فضلا عمن يرجع اليه ويطالعه ، للتعرّف على أحوال الرّاوي ، بأن يلمس بفهمه وذكائه ويقف مباشرة على كلِّ ما يرجع إلى الراوي من حيث الطبقة والعصر أولا ، ومدى الضبط والاتقان ثانياً ، وكمية رواياته كثرة وقلة ثالثاً ، ومقدار فضله وعلمه وكماله رابعاً ، وهذا بخلاف ما رسمه الاساتذة المتأخرون وخططوه ، فان العالم الرجالي فيه يقف بطريق مباشري دون تقليد ، على هذه الاُمور وأشباهها.

وإن شئت قلت : إن هذه الكتب المؤلفة حول الرجال ، تستمد من قول أئمة الفنّ في جرح الرواة وتعديلهم ، وبالأخص تتبع مؤلفي الاصول الخمسة ، التي نبَّهنا بأسمائهم وكتبهم فيما سبق ، فقول هؤلاء ومن عاصرهم أو تأخر عنهم

١٣٩

هو المعيار في معرفة الرجال وتمييز الثقات عن الضعاف.

ولا ريب أن هذا طريق صحيح يعدّ من الطرق الوثيقة ، لكنه ليس طريقا وحيداً في تشخيص حال الرواة ومعرفتهم ، بل طريق تقليدي لأئمّة الرجال ، وليس طريقاً مباشرياً إلى أحوال الرواة ، ولا يعّد طريقاً أحسن وأتم.

2 ـ لا شكّ أن التحريف والتصحيف تطرق إلى كثير من أسناد الاحاديث المروية في الكتب الاربعة وغيرها ، وربما سقط الراوي من السَّند من دون أن يكون هناك ما يدلّنا عليه ، وعلى ذلك يجب أن تكون الكتب الرجالية بصورة توقفنا على طبقات الرواة من حيث المشايخ والتلاميذ ، حتى يقف الباحث ببركة التعرّف على الطبقات ، على نقصان السَّند وكماله ، والحال أن هذه الكتب المؤلفة كتبت على حسب حروف المعجم مبتدئة بالألف ومنتهية بالياء ، لا يعرف الانسان عصر الرّاوي وطبقته في الحديث ، ولا أساتذته ولا تلامذته إلا على وجه الاجمال والتبعية ، وبصورة قليلة دون الاحصاء ، والكتاب الذي يمكن أن يشتمل على هذه المزية ، يجب أن يكون على طراز رجال الشيخ الذي كتب على حسب عهد النَّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام فقد عقد لكل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أبواباً خاصة يعرف منها حسب الاجمال طبقة الراوي ومشايخه وتلاميذه.

وهذا النَّمط من التأليف وإن كان لا يفي بتلك الاُمنية الكبرى كلّها ، لكنه يفي بها إجمالاً ، حيث نرى أنه يقسِّم الرواة إلى الطبقات حسب الزمان من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاعصار التي انقلبت فيها سلسلة الرواة إلى سلسلة العلماء ، وعندئذ يمكن تمييز السَّند الكامل من السند الناقص ، ولو كان الرِّجاليُّون بعد الشيخ يتبعون أثره لأصبحت الكتب الرجالية أكثر فائدة مما هي الآن عليه.

3 ـ إن أسماء كثيرة من الرواة مشتركة بين عدَّة اشخاص. بين ثقة يركن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأمّا عند الشافعي على تقدير صحّة التقاطها يتعلّق الضمان بذمّة سيّدها دون رقبتها ؛ لأنّه لا يجوز بيعها ، وإنّما منع السيّد بالإحبال من بيعها ، فضمن عنها.

وهذا مبنيٌّ على أصله من أنّ الضمان في القِنّ يتعلّق برقبته دون ذمّته ، أمّا هنا فلا يمكن بيعها ، فلزم الضمان مولاها ، سواء علم بالتقاطها أو لم يعلم ؛ لأنّ جناية أُمّ الولد على سيّدها(١) .

هذا هو المشهور عند الشافعيّة.

وقال الشافعي في الأُم : ليس للعبد أن يلتقط ؛ لأنّ أخذه اللّقطة غرر ، وكذلك المدبَّر وأُمّ الولد ، وإن علم بها سيّدها فالضمان في ذمّته ، وإن لم يعلم بها فالضمان في ذمّتها(٢) .

وهذا مخالف لما ذكره الأصحاب(٣) ، فمنهم مَنْ نسب ذلك إلى سهو الكاتب(٤) ، وقال بعضهم : يكون هذا على القول الذي يقول : لها أن تلتقط(٥) .

وهذا لا وجه له ؛ لأنّه لا نصّ في هذا الكلام على أنّه ليس للعبد الالتقاط.

وتأوّله بعضهم بأنّه يكون قد التقطت لسيّدها لا لنفسها ، قال : ويجوز‌

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، وراجع : البيان ٧ : ٤٧٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٣) أي : الأصحاب من الشافعيّة.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) البيان ٧ : ٤٧٥.

٢٠١

ذلك ، فإذا لم تدفعه إلى سيّدها ضمنته في ذمّتها ، كالقرض الفاسد ، قال هذا القائل : وكذا العبد القِنّ إذا التقط لسيّده(١) .

مسألة ٣٢٤ : لو التقط الصبي أو المجنون أو السفيه ، فإن كان من الحرم أخذها الوليُّ منهم ؛ لأنّ هذه اللّقطة مجرّد أمانةٍ ، ولا يجوز تملّكها ، ومَنْ ليس يملك(٢) لا يصحّ استئمانه ، فيجب على الوليّ انتزاعها من يده واحتفاظها لصاحبها.

وإن كانت لقطة غير الحرم ، صحّ التقاطهم ؛ لأنّهم من أهل التكسّب ، ويصحّ منهم الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٣) - فإذا أخذ أحدهم اللّقطة ، تثبت يده عليها.

فإن لم يعرف الوليُّ بالتقاطه وأتلفه الصبي ، ضمن ، وإن تلف في يده بغير تفريطٍ منه ، لم يضمن ؛ لأنّه أخذ ما لَه أخذه ، فلا يكون عليه ضمان ، كما لو أُودع مالاً فتلف عنده.

وإن علم الوليُّ ، لزمه أخذها منه ؛ لأنّه ليس من أهل الحفظ والأمانة ، فإن تركها في يد الصبي ضمنها الوليُّ ؛ لأنّه يجب عليه حفظ ما يتعلّق بالصبي من أمواله وتعلّقاته وحقوقه ، وهذا قد تعلّق به حقّه ، فإذا تركها في يده صار مضيّعاً لها فضمنها ، وإذا أخذها الوليُّ عرّفها ؛ لأنّ الصبي والمجنون ليسا من أهل التعريف ، وبه قال الشافعي(٤) .

وعنه قولٌ آخَر : إنّ الوليّ إذا لم يعلم باللّقطة وتلفت في يد الصبي من غير تفريطٍ من الصبي ، كان الصبي ضامناً لها أيضاً ؛ لأنّه وإن كان أهلاً‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة : « ومَنْ ليس له تملّك ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

٢٠٢

للالتقاط فلا يُقرّ المال في يده ، ولا يُجعل أهلاً للأمانة ، بخلاف الوديعة ؛ لأنّ مالك الوديعة سلّطه عليه(١) .

ونحن نقول : تسليط الشرع يُغني عن تسليط المالك.

مسألة ٣٢٥ : إذا انتزع وليّ الطفل أو المجنون اللّقطة منهما وعرّفها حولاً ، اعتمد المصلحة.

فإن رأى المصلحة في تمليك الصبي إيّاها وتضمينه لها ، فَعَل ذلك ، كما يجوز له أن يقترض عليه ؛ لأنّ تملّك اللّقطة استقراض.

وحينئذٍ اختلفت الشافعيّة :

فقال بعضهم : إذا اقتضت المصلحة تمليك الصبي ملّكه حيث يجوز له الاستقراض ، ولا يجوز حيث لا يجوز له الاستقراض(٢) .

وقال بعضهم : يجوز أن يتملّك وإن كان ممّن لا يجوز عليه الاستقراض ؛ لاستغنائه عنه ؛ لأنّ الظاهر عدم صاحبه ؛ لأنّا نلحقه على هذا القول بالاكتساب(٣) .

وهو المعتمد عندي ؛ لأنّه لو جرى مجرى الاقتراض في ذلك لم يصح الالتقاط من الصبي والمجنون ، فلهذا جعلناه بمنزلة الاكتساب.

وإن رأى أنّ المصلحة للطفل والمجنون في عدم التمليك ، احتفظها الوليُّ أمانةً ، أو سلّمها إلى القاضي.

ولو احتاج التعريف إلى مئونةٍ ، لم يصرف مال الصبي إليه ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءاً من اللّقطة لمئونة التعريف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢ و ٣) البيان ٧ : ٤٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢ ، المغني ٦ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٩.

٢٠٣

ولو تلفت اللّقطة في يد الصبي قبل الانتزاع من غير تقصيرٍ ، فلا ضمان على الصبي.

وإن كان الوليُّ قصّر بتركها في يده حتى تلفت أو أتلفها ، فعليه الضمان ، كما لو احتطب الصبي وتركه الوليُّ في يده حتى تلف أو أتلفه ، يجب الضمان على الوليّ ؛ لأنّ عليه حفظَ الصبي عن مثله ، ثمّ يعرّف التالف ، وبعد التعريف يتملّك الصبي إن كان النظر له فيه.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه لا يصحّ من الصبي والمجنون الالتقاط ، فلو التقط وتلفت اللّقطة في يده أو أتلفها ، وجب الضمان في ماله ، وليس للوليّ أن يُقرّها في يده ، بل يسعى في انتزاعها ، فإن أمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي فَعَل ، فإذا انتزع القاضي ففي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة وجهان ، كالخلاف في انتزاع القاضي للمغصوب من الغاصب ، وأولى بحصول البراءة ؛ نظراً للطفل ، وإن لم يمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي ، أخذه بنفسه ، وفي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة قولان ، كالخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد ، فإن لم تحصل البراءة ، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع والإتلاف(١) .

وإذا أخذه الوليّ ، فإن أمكنه التسليم إلى القاضي فلم يفعل حتى تلف ، قال الشافعي : يكون عليه الضمان ، وإن لم يمكنه فقرار الضمان على الصبي ، وفي كون الوليّ طريقاً وجهان(٢) .

هذا إذا أخذ الوليُّ لا على قصد الالتقاط ، أمّا إذا قصد ابتداء الالتقاط ، ففيه له وجهان(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٤

وكذا الخلاف في الأخذ من العبد على هذا القصد إذا لم يصح التقاطه(١) .

وعندي في ذلك نظر ، أقربه - بناءً على بطلان التقاط الصبي - : عدم الضمان على الوليّ ، ويكون أخذه التقاطاً مبتدأً ، ولا حاجة إلى نيّة الالتقاط ، كما لو أخذه من الأرض لا بنيّة الالتقاط.

ولو قصّر الوليُّ وترك المالَ في يده ، قال بعض الشافعيّة : لا ضمان عليه ؛ بناءً على أنّه لا يصحّ التقاط الصبي ؛ لأنّه لم يحصل في يده ، ولا حقّ للصبي فيه حتى يلزمه الحفظ له ، بخلاف ما إذا قلنا : إنّه يصحّ التقاطه(٢) .

وخصّص بعض الشافعيّة هذا بما إذا قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ، أمّا إذا قلنا : إنّه يُبرئه ، فعليه الضمان ؛ لإلقائه الطفل في ورطة الضمان ، ويجوز أن يضمن وإن قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ؛ لأنّ المال في يد الصبي في معرض الضياع ، فمن حقّه أن يصونه(٣) .

والمجنون والسفيه المحجور عليه كالصبي في الالتقاط ، إلّا أنّه يصحّ تعريف السفيه ، دون الصبي والمجنون.

الركن الثالث : في المال الملقوط.

اللّقطة كلّ مالٍ ضائعٍ أُخذ ولا يد لأحدٍ عليه.

فإن كان في الحرم ، لم يجز تملّكه ، عند علمائنا أجمع ، بل في جواز التقاطها قولان.

ولا خلاف في الكراهة الشاملة للتحريم والتنزيه.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٥

وعلى القول بالتحريم أو الكراهة لا يجوز التقاطها للتملّك قطعاً عندنا ، بل ليحتفظها لصاحبها دائماً ، ويعرّفها حولاً ، ويتصدّق بها بعد الحول عن صاحبها.

وفي الضمان لعلمائنا قولان مع التصدّق ، المشهور : ثبوته ؛ لأنّه دفع مال غيره المعصوم إلى غير مالكه ، فكان ضامناً له.

ولما رواه عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ وجد ديناراً في الحرم فأخذه ، قال : « بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه » قال : قلت : ابتلى بذلك ، قال : « يُعرّفه » قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، فقال : « يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيتٍ من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن »(١) .

وقال بعض علمائنا : لا يضمن إذا تصدّق بها بعد الحول ؛ لأنّه امتثل الأمر بالصدقة بها ، فلا ضمان عليه(٢) .

والمشهور : الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أحمد بن حنبل - في إحدى الروايتين - ذهب إلى ما اخترناه من الفرق بين لقطة الحِلّ والحرم ، فحرّم التقاط لقطة الحرم للتملّك ، وإنّما يجوز التقاطها لحفظها لصاحبها ، فإن التقطها عرّفها أبداً حتى يأتي صاحبها - وهو أحد قولَي الشافعي - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تحلّ ساقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) معناه : لا تحلّ لقطة مكة إلّا لمن يُعرّفها ؛

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٥ - ٣٩٦ / ١١٩٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٤٦ ، والطوسي في النهاية : ٣٢٠ ، وسلاّر في المراسم : ٢٠٦ ، وابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ - ١٦٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ / ١٣٥٥.

٢٠٦

لأنّها خُصّت بهذا من بين سائر البلدان.

وفي حديثٍ آخَر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لقطة الحاج(١) .

قال ابن وهب : يعني يتركها حتى يجدها صاحبها(٢) .

وفي روايةٍ أُخرى أنّه قال في مكة : « لا يُنفَّر صيدها ، ولا يُعضد شجرها ، ولا يُختلى خلاها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) يعني لمعرّفٍ(٤) .

وهذا القول يوافق قول علمائنا من وجهٍ ، ويخالفه من وجهٍ آخَر.

أمّا وجه الموافقة : ففي تحريم تملّكها للّاقط.

وأمّا وجه المخالفة : فإنّ أصحابنا جوّزوا الصدقة بها بعد تعريفها حولاً ، وفي الضمان حينئذٍ خلاف.

ولم يذكر هؤلاء العامّة الصدقةَ.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا فرق بين لقطة الحرم والحِلّ ، بل هُما سواء في الحكم من التعريف حولاً وتملّكها بعده - ورواه العامّة عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وابن المسيّب ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين - لعموم الأحاديث ، ولأنّه أحد الحرمين ،

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥١ / ١٧٢٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ / ١٧١٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٥٨ / ١٥٦٤٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٤ - ٦٥.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ ، ذيل ح ١٧١٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١.

(٤) المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٢ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

٢٠٧

فأشبه المدينة ، ولأنّها أمانة ، فلم يختلف حكمها بالحِلّ والحرم ، كالوديعة(١) .

والعمومات قد تُخصّص بالأدلّة ، وقد بيّنّاه ، والحرمة في حرم مكة أعظم منه في حرم المدينة ، ولهذا حرم فيه أشياء هي مباحة في المدينة ، وجاز أن تختلف الأمانة باختلاف المحلّ ، فلا يتمّ القياس.

مسألة ٣٢٦ : لقطة غير الحرم إن كانت قليلةً جاز تملّكها في الحال ، ولا يجب تعريفها ، ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريفٍ ، ورواه العامّة عن عليٍّعليه‌السلام وعن عمر وابن عمر وعائشة ، وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاوُوس والنخعي ويحيى بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل(٢) وإن اختلفوا في حدّ القليل.

والأصل فيه : ما روى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يُنكر على واجد التمرة حيث أكلها ، بل قال له : « لو لم تأتها لأتتك »(٣) .

ورووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رأى تمرةً فقال : « لو لا إنّي أخشى أن تكوني من‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٣ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، المغني ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٨.

(٣) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وفي صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٨ : ٣٣ / ٣٢٤٠ ، وكتاب السنّة - لابن أبي عاصم - : ١١٧ / ٢٦٥ بتفاوتٍ.

٢٠٨

تمر الصدقة لأكلتكِ »(١) .

وعن جابر قال : رخّص [ لنا ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به(٢) .

وعن عائشة أنّها قالت : لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(٣) .

وعن سويد بن غفلة قال : خرجتُ مع [ سلمان بن ربيعة ](٤) وزيد بن صوحان حتى إذا كُنّا بالعُذَيب التقطتُ سوطاً [ فقالا ](٥) لي : ألقه [ فأبيتُ ](٦) فلـمّا قدمنا المدينة أتيتُ أُبيّ بن كعب فذكرتُ ذلك له ، فقال : أصبت(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(٨) .

مسألة ٣٢٧ : وقد اختلف في حدّ القليل الذي لا يجب تعريفه ، فالذي عليه علماؤنا أنّه ما نقص عن الدرهم ، فهذا لا يجب تعريفه ، ويجوز تملّكه‌

____________________

(١) أورده الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٠٢ ، وفي صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ / ١٠٧١ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٩٥ بتفاوتٍ يسير.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٨ / ١٧١٧ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « سعد ». والمثبت كما في المصدر.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « فقال ». والمثبت كما في المصدر.

(٦) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٧ - ٨٣٨ / ٢٥٠٦ ، المغني ٦ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٨) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

٢٠٩

في الحال عند علمائنا أجمع ، وما زاد على ذلك يجب تعريفه حولاً ؛ لحديث محمّد بن أبي حمزة(١) .

وفي الحسن عن حريز عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه » قال : « وقال الباقرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٢) .

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن »(٣) .

وقال الشافعي : حدّ القليل ما لا تتبعه النفس ولا تطلبه ، فهذا يجوز الانتفاع به من غير تعريفٍ(٤) .

وهذا غلط ؛ لأنّه غير مضبوطٍ ولا مقدَّر بقدرٍ ، ولا يجوز التحديد به ، وهو مضطرب مختلف باختلاف النفوس شرفاً وضعةً وغناءً وفقراً ، ومثل ذلك لا يجوز من الشارع أن [ يجعله ](٥) مناطاً للأحكام.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق ، وإن اختلفا في القدر الذي يقطع به السارق ، فعند مالك ربع دينار ، فما نقص‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ - ١٤١ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٩.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨ / ١١٩٨.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعلها ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٠

عنه لا يجب تعريفه ، وعند أبي حنيفة عشرة دراهم ، فما نقص عنه لا يجب تعريفه ؛ لأنّ ما دون ذلك تافه ، فلا يجب تعريفه ، كالتمرة واللّقمة ، وقد قالت عائشة : كانوا لا يقطعون في الشي‌ء التافه(١) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام : إنّه وجد ديناراً فتصرّف فيه(٢) .

وهو عندنا ضعيف ، ويُحمل على غير اللّقطة.

ورووا عن سلمى بنت كعب قالت : وجدتُ خاتماً من ذهبٍ في طريق مكة ، فسألتُ عائشة عنه ، قالت : تمتّعي به(٣) (٤) .

وليس قول عائشة بحجّةٍ البتّة ، والتحديد بما يجب فيه القطع منافٍ للأصل ، وهو عصمة مال الغير ، وقد ثبت تحريم مال المسلم ، وأنّ حرمته كحرمة دمه(٥) ، صِرْنا إلى ما نقص عن الدرهم ؛ للإجماع ، فيبقى الباقي على الأصل.

فروع :

أ - لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب‌

____________________

(١) المحلّى ١١ : ٣٣٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٢٦ ، الكامل - لابن عدي - ٤ : ١٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٢) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، وراجع : سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧١٤ و ١٧١٥.

(٣) كتاب الثقات ٤ : ٣٥١ ، المغنى ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ٤٤٧ ، التلقين : ٥٠٨ ، المعونة ٣ : ١٤١٣ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٦٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٩ : ١٣٧ ، و ١١ : ٣ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، و ٨ : ٤٩ - ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، و ١١ : ١٧٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ - ٥٨.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ١٠٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٦ / ٩١ و ٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٦٩ / ٢٠١٧٢ ، مسند الشهاب ١ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧٧ و ١٧٨ ، حلية الأولياء ٧ : ٣٣٤.

٢١١

دفعه إليه ؛ لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه ، وتجويز التصرّف للملتقط لا ينافي وجوب ردّه.

ب - الأقرب : وجوب دفع العين مع وجود صاحبه.

ويحتمل القيمة مطلقاً كالكثير إذا تملّكه بعد التعريف ، والقيمة إن نوى التملّك ، وإلّا فالعين ، وهو أقرب.

ج - لو تلف بتفريطه ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب الضمان ، مع احتمال عدمه.

د - الأقرب : إنّه فرقٌ بين لقطة الحرم والحِلّ فيما دون الدرهم ، كما في الزائد عليه ؛ لحرمة الحرم ، الشاملة للقليل والكثير.

مسألة ٣٢٨ : إذا بلغت اللّقطة درهماً فما زاد ، وجب فيها التعريف ، فلا يجوز تملّكها في الحال ، فإن نواه لم يملك وضمن ؛ لأنّ بعض أصحابنا سأل الصادقَعليه‌السلام عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(١) فلزم من هذا وجوب تعريف الدرهم.

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قضى عليٌّعليه‌السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها ، فإن وجد مَنْ يعرفها وإلّا تمتّع بها »(٢) .

وعن داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ وجوب التعريف حولاً إنّما هو في الأموال التي‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (٨)

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

٢١٢

يمكن بقاؤها ولا يسرع الفساد إليها إمّا بمعالجةٍ كالرطب المفتقر إلى العلاج بالتشميس والكبس حتى يصير تمراً ، أو بغير معالجةٍ كالذهب والفضّة والثياب وغيرها.

وأمّا ما لا بقاء له - كالهريسة والطبيخ وشبههما - فإنّه يجوز تناوله بعد التقويم على نفسه ، ويضمنه للمالك.

مسألة ٣٢٩ : يكره التقاط ما تكثر فائدته وتقلّ قيمته ، كالنعلين والإداوة(١) والسوط وأشباه ذلك ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقَعليه‌السلام عن النعلين ، والإداوة ، والسوط يجده الرجل في الطريق أينتفع به؟ قال : « لا يمسّه »(٢) .

ولأنّ الاكتساب في ذلك منتفٍ ، وربما تضرّر مالكه بضياعه عنه.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه »(٣) لا ينافي ما قلناه ؛ لحقارة هذه الأشياء ، فلا يطلبها المالك ، ولهذا روي في تتمّة الخبر عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : « قال أبو جعفرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٤) فدلّ ذلك على البناء على العادة في الإعراض عن هذه الأشياء ، فيكون في الحقيقة إباحة من المالك لها ، مع أنّ نفي البأس لا يضادّ الكراهة.

إذا عرفت هذا ، فلو التقط أحدٌ هذه الأشياء ثمّ ظهر مالكها ، كان له أخذها.

وبالجملة ، فأخذ اللّقطة مطلقاً عندنا مكروه ، ويتأكّد في مثل هذه‌

____________________

(١) الإداوة : إناء صغير من جلدٍ يُتّخذ للماء. لسان العرب ١٤ : ٢٥ « أدا ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٣.

(٣ و ٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٢)

٢١٣

الأشياء ، وتتأكّد الكراهة في مطلق اللّقطة للفاسق ، وآكد منه المعسر.

مسألة ٣٣٠ : ما ليس بمالٍ ممّا يجوز اقتناؤه ، مثل كلب الصيد إذا منعنا من بيعه ، وكذا غيره من الكلاب المنتفع بأعيانها - مثل كلب الماشية والزرع والحائط - فإنّه يجوز التقاطه ، ويُعرَّف سنةً ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّ الشافعي شرط في الالتقاط قصد الحفظ أبداً ؛ لأنّه لا يجوز له تملّكه بعد السنة بالعوض ؛ لأنّه لا قيمة له عنده ، وبغير عوضٍ مخالفٌ لوضع اللّقطة(١) .

وأمّا المنفعة فعلى وجهين ، إن جوّزوا إجارة الكلب كانت مضمونةً ، وإلّا فلا(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة يُعرّفه سنةً - كما قلناه - ثمّ يختصّ به وينتفع به ، فإن ظهر صاحبه بعد ذلك وقد تلف لم يضمنه.

وهل عليه أُجرة المثل لمنفعة تلك المدّة؟ وجهان مبنيّان على جواز إجارة الكلب(٣) .

وأمّا عندنا فإن كان الكلب له قيمة مقدّرة في الشرع فإذا عرّفه حولاً ولم يجد صاحبه ، جاز له أن يتملّكه ، فيكون عليه القيمة الشرعيّة.

المطلب الثاني : في الأحكام.

ومباحثه أربعة :

الأوّل : الضمان وعدمه.

مسألة ٣٣١ : اللّقطة أمانة في يد الملتقط ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط فيها أو يتعدّى ، فإذا أخذها بقصد الحفظ لصاحبها دائماً فهي أمانة في يده‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٨.

٢١٤

ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط أو يتعدّى وإن بقيت في يده أحوالاً إن قلنا بافتقار التملّك إلى نيّةٍ ؛ لأنّه بذلك مُحسنٌ في حقّ المالك بحفظ ماله وحراسته ، فلا يتعلّق به ضمان ؛ لقوله تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) ولأنّ حاله لم يختلف قبل الحول ولا بعده ، فكذا الحكم بعدم الضمان ينبغي أن لا يختلف.

وأمّا إن قلنا بدخولها في ملكه بعد الحول وإن لم يقصد التملّك ، فإنّه يضمنها بدخولها في ملكه.

لكن المعتمد عند علمائنا : الأوّل ، وسيأتي.

مسألة ٣٣٢ : إذا نوى الاحتفاظ لها دائماً ، فهي أمانة في يده على ما تقدّم.

فإن دفعها إلى الحاكم ، وجب عليه القبول ؛ لأنّه مُعدٌّ لمصالح المسلمين ، وأعظمها حفظ أموالهم ، بخلاف الوديعة ، فإنّه لا يلزمه قبولها - على أحد وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه قادر على الردّ إلى المالك ، بل لا يجوز له دفعها إلى الحاكم مع القدرة على صاحبها ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٣) .

ولو تعذّر عليه الردّ إلى المالك وافتقر إلى إيداعها ، أودعها الحاكم ؛ للضرورة.

ولو أخذ للتملّك ثمّ بدا له ودفعها إلى الحاكم ، لزمه القبول.

ولو قصد الحفظ أبداً ، لزمه التعريف حولاً ، ولا يسقط وجوب‌

____________________

(١) سورة التوبة : ٩١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٣) سورة النساء : ٥٨.

٢١٥

التعريف حولاً بقصد الحفظ دائماً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) على ما يأتي ، فإن لم يجب لم يضمن بتركه عندهم(٢) .

وإذا بدا له قصد التملّك ، عرّفها سنةً من حينئذٍ ، ولا يعتدّ بما عُرّف من قبلُ.

وإن أوجبناه ، فهو ضامن بالترك ، حتى لو ابتدأ بالتعريف بعد ذلك فهلك في سنة التعريف ضمن.

مسألة ٣٣٣ : لو نوى الخيانة والتملّك بغير تعريفٍ حين الالتقاط وأخفاها عن المالك ، كان ضامناً غاصبا ، ولا يحلّ له أخذها بهذه النيّة ، فإن أخذها لزمه ضمانها ، سواء تلفت بتفريطه أو بغير تفريطه.

فإن دفعها إلى الحاكم ، فالأقرب : زوال الضمان ؛ لأنّه نائب عن المالك ، فكأنّه قد دفع إلى المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، كما في الغاصب(٣) .

ولو لم يدفعها إلى الحاكم بل عرّفها حولاً ، فالأقرب : إنّه يجوز له التملّك ؛ لأنّه قد وُجد سبب التملّك(٤) ، وهو التعريف والالتقاط ، فيملكها به ، كالاصطياد والاحتشاش ، فإنّه لو دخل حائط غيره بغير إذنه فاصطاد منه صيداً مَلَكه وإن كان دخوله محرَّماً ، كذا هنا.

ولأنّ عموم النصّ يتناول هذا الملتقط ، فيثبت حكمه فيه.

ولأنّا لو اعتبرنا نيّة التعريف وقت الالتقاط ، لافترق الحال بين العَدْل‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « الملك » بدل « التملّك ».

٢١٦

والفاسق والصبي والسفيه ؛ لأنّ الغالب على هؤلاء الالتقاط للتملّك من غير تعريفٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأظهر عندهم والأشهر بينهم : إنّه لا يُمكَّن من التملّك ؛ لأنّه أخذ مال غيره(١) .

وعلى وجهٍ : لا يجوز له أخذه ، فأشبه الغاصب(٢) . ولا بأس به.

مسألة ٣٣٤ : لو أخذ اللّقطة بنيّة التعريف حولاً والتملّك بعده ، فإنّها في الحول أمانة غير مضمونة لو تلفت بغير تفريطٍ منه أو نقصت ، فلا ضمان عليه كالوديعة ، إلّا بالتعدّي أو التفريط أو نيّة التملّك.

وأمّا بعد السنة فالأقرب : إنّها تصير مضمونةً عليه إذا كان عزم التملّك مطّرداً وإن لم يَجْر حقيقةً ؛ لأنّه صار ممسكاً لنفسه ، فأشبه المستام.

هذا إن قلنا : إنّ اللّقطة لا تُملك بمضيّ السنة ، فإن قلنا : تُملك ، فإذا تلفت تلفت منه لا محالة ، وهذا قول بعض الشافعيّة(٣) .

وأكثرهم على أنّها أمانة إذا لم يختر التملّك قصداً أو لفظاً إذا اعتبرنا اللفظ كما كانت قبل الحول. نعم ، إذا اختار وقلنا : لا بدّ من التصرّف ، فحينئذٍ يكون مضموناً عليه ، كالقرض(٤) .

وقد اعتُرض على ذلك : بأنّه قد يغيّر القصد إلى الحفظ ما لم يتملّك ، فلا يكون ممسكاً لنفسه ، فلو كان قصد التملّك يجعله ممسكاً لنفسه ، لزم أن يكون الذي لا يقصد بالتعريف إلّا تحقيق شرط التملّك ممسكاً لنفسه في‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

٢١٧

مدّة السنة أيضاً(١) .

مسألة ٣٣٥ : لو أخذ اللّقطة بنيّة الأمانة والتعريف ثمّ قصد الخيانة ، ضمن بقصده ؛ لأنّ سبب أمانته مجرّد نيّته ، وإلّا فأخذ مال الغير بغير رضاه ممّا يقتضي الضمان ، ولأنّه استئمان ضعيف ؛ لأنّه ثبت من غير جهة المالك ، فيكفي في زواله أدنى سبب ، ولأنّ نيّة الخيانة لو حصلت حالة الالتقاط لاقتضت الضمان ، فكذا بعده ؛ لبراءة ذمّته قبل الالتقاط وحالة الأمانة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والأصحّ عندهم : إنّه لا يصير المال مضموناً عليه بمجرّد القصد ، كالمستودع لو جدّد نيّة الخيانة في الوديعة بعد نيّة الحفظ لم يصر ضامناً بذلك ، كذا الملتقط(٣) .

والفرق ظاهر بين الملتقط والمستودع ؛ لأنّ المستودع مسلّط مؤتمن من جهة المالك ، على أنّ في المستودع وجهاً للشافعيّة : إنّه يضمن بمجرّد القصد(٤) .

وعلى الظاهر من مذهب الشافعيّة - من أنّ الودعيّ لا يضمن بقصد الخيانة بعد نيّة الحفظ - لو أخذ الوديعة على قصد الخيانة في الابتداء وجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون ضامناً أم لا؟(٥) .

وإذا قلنا : صار الملتقط ضامناً في الدوام إمّا بنفس الخيانة أو بقصدها ثمّ رجع عن نيّة الخيانة وقَصَد الأمانة وأراد أن يُعرّف ويتملّك للشافعيّة

____________________

(١) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٧.

٢١٨

وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد تعدّى في أمانته ، وصار مضموناً عليه بنيّة الخيانة أوّلاً ، فلا يبرأ من الضمان ؛ لأنّ الأمانة لا تعود بترك التعدّي.

والثاني : إنّ التقاطه في الابتداء وقع مفيداً للتملّك ، فلا يبطل حكمه بتفريطٍ يطرأ ، ولأنّ سبب التملّك هو الالتقاط ، والتعريف غير محرَّمٍ ، وإنّما المحرَّم ما قصده ، ولم يتّصل به تحقيق(١) .

مسألة ٣٣٦ : قال الشيخ ; : اللّقطة تُضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملّك(٢) . وفيه نظر ؛ لأنّ المطالبة تترتّب على الاستحقاق ، فلو لم يثبت الاستحقاق أوّلاً لم يكن لصاحبها المطالبة ، فلو ترتّب الاستحقاق على المطالبة لزم الدور.

ولو أخذ الملتقط اللّقطة ولم يقصد خيانةً ولا أمانةً ، لم تكن مضمونةً عليه ، وله أن يتملّك بشرطه ، وكذا لو أضمر أحدهما ونسي ما أضمره ؛ لأصالة البراءة.

البحث الثاني : في التعريف.

مسألة ٣٣٧ : ينبغي للملتقط أن يقف على اللّقطة ليميّزها عن أمواله ، فلا يختلط أمرها عليه ويشتبه بما يختصّ به ، وأيضاً يستدلّ بها على معرفة صدق مدّعيها إذا جاء وطلبها ، فحينئذٍ يستحبّ أن يعرف عفاصها - وهو الوعاء من جلدٍ أو خرقٍ أو غيرهما - ووكاءها - وهو الخيط الذي يشدّ به -

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١.

٢١٩

لورود ذلك في الخبر : إنّهعليه‌السلام قال : « اعرف عفاصها ووكاءها »(١) .

وينبغي أن يعرف أيضاً جنسها هل هي ذهب أو فضّة ، أو ثوب هرويّ أو مرويّ ، ويعرف قدرها بالوزن أو العدد إن كان ممّا يُعدّ في العادة ؛ لما ورد في حديث أُبيّ بن كعب : « اعرف عدّتها »(٢) ومهما ازداد عرفاناً ازداد احتياطاً في حفظها وتبيّنها على أنّه لا يفرّط في طرفها.

وينبغي أن يقيّد ذلك بالكتابة لئلّا ينسى ما عرفه منها.

مسألة ٣٣٨ : ويجب على الملتقط تعريف اللّقطة إذا بلغت درهماً فما زاد ، والإنشاد بها ليظهر خبرها لصاحبها فيأخذها ، سواء قصد الملتقط حفظها دائماً لصاحبها ، أو نوى التملّك بعد السنة ، عند علمائنا - وبه قال أحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث زيد بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن اللّقطة ، فقال : « اعرف عفاصها ووكاءها ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٥) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة في حديثٍ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل ماله »(٦) .

ولأنّه مال للغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلى مالكه ، ولا طريق‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٠ ، الهامش (١)

(٣) المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٣.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

(٦) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١)

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466