تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150594 / تحميل: 5374
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

إلى العلم به إلّا بالتعريف والإنشاد ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً ، فوجب التعريف ، ولأنّ ترك التعريف كتمانٌ مفوّتٌ للحقّ على المستحقّ.

وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه إن قصد الملتقط التملّكَ وجب التعريف حولاً ، وإن قصد الحفظَ أبداً لم يجب ؛ لأنّ التعريف إنّما يجب لتحقيق شرط التملّك(١) .

وهو ممنوع ، بل التعريف وجب لإيصال الحقّ إلى مستحقّه.

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام لم يفرّقوا ، بل أطلقوا وجوب التعريف.

ولأنّ حفظها في يد الملتقط من غير إيصالها إلى مستحقّها مساوٍ لعدمها عنه ولهلاكها.

ولأنّ إمساكها من غير تعريفٍ تضييعٌ لها عن صاحبها ، فلم يجز ، كردّها إلى موضعها أو إلقائها في غيره.

ولأنّه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط ؛ لأنّ بقاءها في مكانها إذَنْ أقرب إلى وصولها إلى صاحبها إمّا بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت منه فيجدها ، وإمّا أن يجدها مَنْ يعرفها ، وأخذ هذا لها يُفوّت الأمرين معاً ، فكان محرَّماً ، لكن الالتقاط جائز ، فلزم التعريف كي لا يحصل هذا الضرر.

ولأنّ التعريف واجب على مَنْ أراد تملّكها ، فكذا يجب على مَنْ أراد حفظها ، فإنّ التملّك غير واجبٍ ، فلا تجب الوسيلة إليه ، فيلزم أن يكون الوجوب في المحلّ المتّفق عليه ، لصيانتها عن الضياع عن صاحبها ، وهذا موجود في محلّ النزاع.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٢.

٢٢١

مسألة ٣٣٩ : لا يراد بالتعريف سنةً استيعاب السنة وصَرفها بأسرها في التعريف ، بل يسقط التعريف في الليل ؛ لأنّ النهار مجمع الناس وملتقاهم ، دون الليل ، ولا يستوعب الأيّام أيضاً ، بل على المعتاد ، فيُعرّف في ابتداء أخذ اللّقطة في كلّ يومٍ مرّتين في طرفي النهار ، ثمّ في كلّ يومٍ مرّةً ، ثمّ في كلّ أُسبوعٍ مرّةً أو مرّتين ، ثمّ في كلّ شهرٍ مرّةً بحيث لا ينسى كونه تكراراً لما مضى.

وبالجملة ، فلم يقدّر الشرع في ذلك سوى المدّة التي قلنا : إنّه لا يجب شغلها به ، فالمرجع حينئذٍ في ذلك إلى العادة.

وينبغي المبادرة إلى التعريف من حيث الالتقاط ؛ لأنّ العثور على المالك في ابتداء الضياع أقرب ، ويكرّر ذلك طول الأُسبوع ؛ لأنّ الطلب فيه أكثر.

وللشافعيّة في وجوب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط قولان :

أحدهما : الوجوب ؛ لما تقدّم.

والثاني : عدمه ، بل الواجب تعريفها سنةً مطلقاً ، وبه ورد الأمر(١) .

مسألة ٣٤٠ : قدر مدّة التعريف سنة فيما بلغ درهماً فصاعداً ، عند علمائنا أجمع - وبه قال عليٌّعليه‌السلام وابن عباس وعمر وابن المسيّب والشعبي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي(٢) - لحديث زيد بن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٢ و ١٥٣ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٢ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٦ و ٥٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٨ ، البيان ٧ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١ ، التمهيد ٣ : ١١٧ - ١١٨ ، المغني ٦ : ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٤.

٢٢٢

خالد ، الذي رواه العامّة ، وقد تقدّم(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٢) .

وما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « لا ترفعوها ، فإن ابتليتَ فعرِّفها سنةً ، فإن جاء طالبها ، وإلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجي‌ء لها طالب »(٣) .

ولأنّ السنة لا تتأخّر عنها القوافل وتمضي فيها الأزمان التي تقصد فيها البلاد من الحَرّ والبرد والاعتدال.

وروي عن عمر روايتان أُخريان :

إحداهما : يُعرّفها ثلاثة أشهر.

والأُخرى : ثلاثة أعوام(٤) ؛ لأنّ أُبيّ بن كعب روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بتعريف مائة دينارٍ ثلاثة أعوام ؛ لأنّه قد روي في حديث أُبيّ بن كعب أنّه قال له : « عرِّفها حولاً » فعرَّفها ، ثمّ عاد إليه ، فقال له : « عرِّفها [ حولاً ] » فعرَّفها ، ثمّ عاد إليه ، فقال له : « عرِّفها حولاً »(٥) فأمره أن يعرِّفها ثلاثة أحوال.

____________________

(١) في ص ١٦٥ و ٢١٩.

(٢) في ص ١٦٦ و ٢١٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٢٩.

(٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٣ ، المغني ٦ : ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٦٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٠ / ١٧٢٣ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٤ / ١٧٠١ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٨ / ١٣٧٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٦ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

٢٢٣

قال أبو داوُد : شكّ الراوي في ذلك فقال : قال له : حولاً ، أو ثلاثاً(١) .

قال ابن المنذر : قد ثبت الإجماع بخلاف هذا الحديث ، وعلى أنّ [ في ] حديث زيد بن خالد أمره بسنةٍ واحدة ، فدلّ على إجزاء ذلك(٢) .

وقال أبو أيّوب الهاشمي : ما دون الخمسين درهماً يعرّفها ثلاثة أيّام إلى سبعة أيّام(٣) .

وقد روي عن أبان بن تغلب قال : أصبتُ يوماً ثلاثين ديناراً ، فسألتُ الصادقَعليه‌السلام عن ذلك ، فقال لي : « أين أصبتَه؟ » قال : فقلت : كنتُ منصرفاً إلى منزلي فأصبتُها ، قال : فقال : « صِرْ إلى المكان الذي أصبتَ فيه فتعرّفه ، فإن جاء طالبه بعد ثلاثة أيّام فأعطه ، وإلّا تصدّق به »(٤) .

والرواية في سندها قولٌ ، فلا تعويل عليها ، على أنّه يحتمل تعريفها سنةً ثمّ يتصدّق بها بعد ثلاثة أيّام من تمام الحول استظهاراً في الحفظ لصاحبها.

وقال الثوري : في الدرهم يُعرّفه أربعة أيّام(٥) .

وقال الحسن بن صالح بن حي : ما دون عشرة دراهم يُعرّفها ثلاثة أيّام(٦) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٤ ، ذيل ح ١٧٠١ ، وعنه في المغني ٦ : ٣٤٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٧٥.

(٢) البيان ٧ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٦ : ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٥.

(٥) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، المغني ٦ : ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٣٦ / ٢٠٤٢ ، التمهيد ٣ : ١١٧.

(٦) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، المغني ٦ : =

٢٢٤

وقال إسحاق : ما دون الدينار يُعرّفه جمعةً أو نحوها(١) .

وروى أبو إسحاق الجوزجاني بإسناده عن يعلى بن أُميّة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « مَن التقط درهماً أو حبلاً أو شبه ذلك فليعرّفه ثلاثة أيّام ، وإن كان فوق ذلك فليعرّفه سبعة أيّام »(٢) .

وهذا الحديث لم يُعلم به قائل على وجهه ، فإذَنْ الأحاديث التي أوردناها أولى بالعمل من هذا ، فإنّ إطراح الفقهاء من العامّة والخاصّة له يدلّ على الضعف في الرواية.

مسألة ٣٤١ : لا يجب التوالي في التعريف ، فلو فرّقه جاز بأن يُعرّف شهرين ويترك شهرين ، وهكذا - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو نذر صوم سنةٍ ، يجوز أن يوالي وأن يُفرّق ، كذا هنا.

وفي الآخَر : لا يجوز التفريق ؛ لأنّه إذا فرّق لم تظهر فائدة التعريف ، فعلى هذا لو قطع التعريف مدّةً وجب الاستئناف عندهم(٤) .

والأقرب : وجوب المبادرة في التعريف ؛ تحصيلاً لغرض وقوف المالك عليها ، وهو في الغالب يعجّل الطلب ، فإذا أخفاها عن مالكها فات الغرض المطلوب شرعاً ، فإن فرّط في المبادرة فَعَل محرَّماً ، فإذا عرّف متفرّقاً لم يجب الاستئناف ، وكفاه التلفيق.

____________________

= ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٣٦ / ٢٠٤٢ ، التمهيد ٣ : ١١٧.

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، المغني ٦ : ٣٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٤.

(٢) نقله عنه ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٤٨ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٧٤ - ٣٧٥.

(٣ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٥٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٩ ، البيان ٧ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١.

٢٢٥

مسألة ٣٤٢ : الأحوط في التعريف الإيغال في الإبهام ، فلا يذكر الجنس فضلاً عن النوع ووصفه ، بل يقول : مَنْ ضاع له شي‌ء أو مال ؛ لأنّه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين وأحفظ لها من ادّعاء كاذبٍ.

ولو ذكر الجنس جاز ، كأن يقول : مَنْ ضاع له ذهب أو فضّة أو ثوب ، ولا يزيد عليه ، فإنّه ربما ادّعاها الكاذب.

ولو ذكر بعض صفاتها ، لم يستقص على الجميع ؛ لئلّا يعلم بصفتها مَنْ يسمع تلك الأوصاف المفصّلة ، فلا تبقى صفتها دليلاً على ملكها ؛ لمشاركة غير المالكِ [ المالكَ ](١) في ذلك ، ولا يؤمن أن يدّعيها بعض مَنْ سمع صفتها ويذكر صفتها التي تُدفع اللّقطة بها فيأخذها وهو غير مالكٍ لها فتضيع على مالكها.

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ وأن يصف الملتقط بعض أوصاف اللّقطة ؛ فإنّه أفضى إلى الظفر بالمالك(٢) .

وهل ذلك شرطٌ أو مستحبٌّ؟ فيه وجهان ، الأظهر منهما عندهم : الثاني(٣) .

وعلى القول بكونه شرطاً فهل يكفي ذكر الجنس بأن يقول : مَنْ ضاع منه دراهم؟ قال الجويني : ما عندي أنّه يكفي ، ولكن يتعرّض للعفاص والوكاء ومكان الالتقاط وتأريخه ، ولا يستوعب الصفات ولا يبالغ لئلّا يدّعيها الكاذب(٤) .

فإن استوعب جميع الصفات ، ففي الضمان عندهم وجهان :

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني ٦ : ٣٥٠.

(٢) الوجيز ١ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١.

٢٢٦

أحدهما : المنع ؛ لأنّه لا يلزمه الدفع إلّا بالبيّنة.

والثاني : الثبوت ؛ لأنّ المدّعي قد يرفع الملتقط إلى حاكمٍ يعتقد وجوب الدفع إلى الواصف(١) .

مسألة ٣٤٣ : لا يجب على الملتقط مباشرة التعريف ؛ إذ الغرض به الإشهار والإعلان ، ولا غرض للشارع متعلّق بمباشرٍ دون آخَر ، فيجوز أن يباشر النداء بنفسه ، وأن يولّيه غلامه وولده ومَنْ يستعين به ويستأجره عليه ، ولا نعلم فيه خلافاً.

فإن تبرّع الملتقط بالتعريف أو بذل مئونته فذاك ، وإلّا فإن أخذها للحفظ أبداً وجب التعريف أيضاً عندنا ، وعلى أحد قولَي الشافعي لا يجب حينئذٍ ، فهو متبرّع إذا عرّف(٢) .

فإن قلنا : يجب - وهو الحقّ عندنا - إذا احتاج التعريف إلى مئونةٍ ، فإن أخذها للتملّك واتّصل الأمر بالتملّك ، فمئونة التعريف على الملتقط ؛ لأنّه إنّما يفعل التعريف ليتشبّث به إلى إباحة تملّكه لها ، فكانت مئونة التعريف عليه ؛ لأنّها لمصلحته ونفعه ، وإن ظهر المالك فهي على الملتقط أيضاً ؛ لقصده التملّك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّها على المالك ؛ لعود الفائدة إليه(٣) .

ولو قصد الحفظ حين الالتقاط أبداً ، فالأقرب : إنّه لا يجب على‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٢ ، المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٣.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٢.

٢٢٧

الملتقط أُجرة التعريف ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبذل أُجرته من بيت المال ، أو يستقرض على المالك ، أو يأمر الملتقط بالاقتراض ليرجع ، أو يبيع بعضها إن رآه أصلح أو لم يمكن إلّا به.

ولو قصد الأمانة أوّلاً دائماً ثمّ قصد التملّك ، ففيه للشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ النظر هل هو إلى منتهى الأمر ومستقرّه ، أو إلى حالة ابتدائه؟(١) .

ويحتمل عندي أنّه إذا قصد التملّك دائماً أن تكون مئونة التعريف عليه أيضاً ؛ لأنّه واجب عليه ، فإذا لم يتمّ إلّا بالأجر وجب ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون - لا شكّ - واجباً.

وكذا البحث في أُجرة لقطة الحرم.

أمّا أُجرة مخزنها ونشرها وطيّها وتجفيفها فإنّه على المالك.

ولو وليه الملتقط بنفسه ، لم يكن له أُجرة.

وقال مالك : إذا دفع الملتقط من اللّقطة شيئاً لمن عرّفها ، لم يكن عليه غُرم ، كما لو دفع منها شيئاً لمن يحفظها(٢) .

والأصل ممنوع.

مسألة ٣٤٤ : مكان التعريف في مجتمع الناس ، كالأسواق وأبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات ، وفي الجوامع في الوقت الذي يجتمعون فيها ، وفي مجامع الناس ؛ لأنّ المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها مالكها ، فيجب تحرّي مجامع الناس.

ولا ينشدها في وسط المسجد ؛ لأنّ المسجد لم يُبْنَ لهذا ، وقد روي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٢.

(٢) المغني ٦ : ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٧.

٢٢٨

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ سمع رجلاً ينشد ضالّةً في المسجد فليقل : لا أدّاها الله إليك ، فإنّ المساجد لم تُبْن لهذا »(١) وكراهة تعريف الضالّة ككراهة طلبها في المساجد.

وقال بعض الشافعيّة : الأصحّ من الوجهين : جواز التعريف في المسجد الحرام ، بخلاف سائر المساجد(٢) .

ثمّ إذا التقط في بلدٍ أو قريةٍ فلا بدّ من التعريف فيها ، وليكن أكثر تعريفه في البقعة بالمحلّة التي وُجد فيها ، فإنّ طلب الشي‌ء في موضع فقدانه أكثر ، فإن اتّفق له سفر فوّض التعريف إلى غيره ، ولا يسافر بها.

ولو التقط في الصحراء ، فإن اجتازت به قافلة يتبعهم وعرّفها فيهم ، وإلّا فلا فائدة في التعريف في المواضع الخالية ، ولكن يعرّف عند الوصول إليها.

ولا يلزمه أن يغيّر قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع ، أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ السفر منه.

وقال بعض الشافعيّة : يُعرّفها في أقرب البلدان إليه(٣) .

نعم ، لو التقطها في منزل قومٍ رجع إليه وعرّفهم ، فإن عرفوها فهي لهم ، وإلّا فلا ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار أنّه سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن رجلٍ نزل في بعض بيوت مكة فوجد [ فيها ] نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : « يسأل عنها‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ١ : ١٢٨ / ٤٧٣ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٦ ، مسند أحمد ٣ : ١٥٠ / ٩١٦١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ - ٥٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٣.

٢٢٩

أهل المنزل لعلّهم يعرفونها » قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال : « يتصدّق بها »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا يصحب اللّقطة في السفر ، كما لا يصحب الوديعة ، ولكن يُعرّف في أيّ بلدٍ دَخَله.

مسألة ٣٤٥ : ينبغي أن يتولّى التعريفَ شخصٌ أمين ثقة عاقل غير مشهورٍ بالخلاعة واللعب ؛ ليحصل الوثوق بإخباره ، ولا يتولّاه الفاسق ؛ لئلّا يفقد فائدة التعريف ، وهذا على الكراهة دون التحريم.

وليس للملتقط تسليم اللّقطة إلى غيره إلّا بإذن الحاكم ، فإن فَعَل ضمن ، إلّا مع الحاجة بأن يريد السفر ولا يجد حاكماً يستأذنه ، فيجوز أن يسلّمها إلى الثقة.

وكذا لو التقط في الصحراء ولم يتمكّن من حفظها ومراعاتها ، فإنّه يجوز له الاستعانة بغيره وتسليمها إليه مع عدم القدرة على الاستقلال بحفظها والمشاركة فيه.

مسألة ٣٤٦ : قد بيّنّا أنّ التعريف سنةً يجب في قليل المال وكثيره ما لم يقصر عن درهمٍ فلا يجب - وهو أحد وجوه الشافعيّة(٢) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّه لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وما [ كان ] دون الدرهم فلا يعرّف »(٤) .

الثاني للشافعيّة : إنّ القليل إن انتهت قلّته إلى أن يسقط تموّله كالحبّة‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩١ / ١١٧١ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٠ ، البيان ٧ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (٣)

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (٨) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢٣٠

من الحنطة والزبيبة الواحدة ، فلا تعريف على واجده ، وله الاستبداد به - وبينهم خلاف في أنّ مَنْ أتلف ممّا لا يتموّل ما هو من قبيل المثليّات هل يغرمه؟ والظاهر بينهم أنّه لا يغرمه ، كما لا يجوز بيعه وهبته - وإن كان متموّلاً مع القلّة فيجب تعريفه ؛ لأنّ فاقده يطلبه(١) ، خلافاً لأبي حنيفة ومالك(٢) .

واختلفوا في قدر مدّة تعريفه على وجهين :

أحدهما : سنة ؛ لإطلاق الأخبار.

والثاني : المنع ؛ لأنّ الشي‌ء الحقير لا يدوم فاقده على طلبه سنةً ، بخلاف الخطير.

وعلى هذا فأوجُه :

أحدها : قال الاصطخري : إنّه يكفي التعريف مرّةً ؛ لأنّه يخرج بها عن حدّ الكاتم ، وليس بعدها ضبط يعتمد.

والثاني : يُعرّف ثلاثة أيّام ؛ لأنّه قد روي في بعض الأخبار : « مَن التقط لقطةً يسيرة فليعرّفها ثلاثة أيّام »(٣) .

والثالث - وهو الأظهر بينهم - : إنّه يُعرّف مدّةً يُظنّ في مثلها طلب الفاقد له ، فإذا غلب على الظنّ إعراضه سقط التعريف(٤) .

ويختلف ذلك باختلاف قدر المال.

قال بعض الشافعيّة : دانق الفضّة يُعرَّف في الحال ، ودانق الذهب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٤.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ١٩٥ ، مسند أحمد ٥ : ١٨٣ / ١٧١١٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤.

٢٣١

يُعرَّف يوماً أو يومين أو ثلاثة(١) .

واختلفوا في الفرق بين القليل المتموّل وبين الكثير على أوجُه :

أحدها : إنّه لا يتقدّر بمقدارٍ ، ولكن ما يغلب على الظنّ أنّ فاقده لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له في الغالب فهو قليل.

والثاني : إنّ القليل ما دون نصاب السرقة ، فإنّه تافه في الشرع ، وقد قالت عائشة : ما كانت الأيدي تُقطع على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الشي‌ء التافه(٢) ، وبه قال أبو حنيفة ومالك(٣) .

والثالث : إنّ القليل دينار فما دون ؛ لما رواه العامّة أنّ عليّاًعليه‌السلام وجد ديناراً فسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : « هذا رزق الله » فاشترى به دقيقاً ولحماً ، فأكل منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمةعليهما‌السلام ، ثمّ جاء صاحب الدينار ينشد الدينار ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي أدِّ الدينار »(٤) (٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الفضيل بن غزوان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : كنتُ عنده فقال له الطيّار : إنّ حمزة ابني وجد ديناراً في الطواف قد انسحق كتابته ، قال : « هو له »(٦) .

ويحتمل أن يكون الدينار التي طمست كتابته قصرت عن الدرهم ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢١٠ ، الهامش (١)

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، المغني ٦ : ٣٥١.

(٤) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٧ / ١٧١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٤.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٠ ، البيان ٧ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤ ، المغني ٦ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

(٦) التهذيب ٦ : ٣٩٤ - ٣٩٥ / ١١٨٧.

٢٣٢

وعليه تُحمل رواية العامّة.

تذنيب : قال بعض الشافعيّة : يحلّ التقاط السنابل وقت الحصاد إن أذن فيه المالك أو كان قدر ما لا يشقّ عليه أن يلتقط وإن كان يلتقط بنفسه لو اطّلع عليه ، وإلّا لم يحل(١) .

مسألة ٣٤٧ : لو التقط ما لا بقاء له ممّا يفسد بسرعةٍ ، كالطبائخ والرطب الذي لا يتتمّر والبقول ، فإن كان في برّيّةٍ تخيّر بين أن يبيعه ويأخذ ثمنه فيعرّفه ، وبين أن يتملّكه في الحال فيأكله ويغرم قيمته لصاحبه إن وجده ؛ لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « فمَنْ وجد طعاماً أكله ولم يُعرّفه »(٢) .

وإن وجده في قريةٍ أو بلدةٍ ، فكذلك عندنا يتخيّر بين البيع وتعريف الثمن ، وبين التقويم والتملّك والتعريف حولاً.

وقال المزني : إن وجده في الصحراء فكذلك ، وإن وجده في القرية أو البلد فقولان :

أحدهما : ليس له الأكل ، بل يبيعه ويأخذ ثمنه لمالكه ؛ لأنّ البيع يتيسّر في العمران.

والثاني : إنّه كما لو وجده في الصحراء ؛ لإطلاق الخبر.

وهو أشهر عند الشافعيّة ، ومنهم مَنْ قطع به(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا أراد بيعه إمّا في الصحراء أو في العمران فإنّه يدفعه إلى الحاكم ليتولّى ذلك أو يأذن له فيه ؛ لأنّه منصوب للمصالح ، وهذا منها ، فإن تعذّر الحاكم تولّاه الملتقط ، وإذا دفعه إلى الحاكم فلا ضمان.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٥.

٢٣٣

وعلى أحد قولَي الشافعيّة من عدم جواز الأكل في العمران لو أكل كان غاصباً عندهم(١) .

وعلى القول الثاني بجواز الأكل فلهم في وجوب التعريف بعده وجهان ، أصحّهما عندهم : الوجوب إذا كان في البلد ، كما أنّه لو باع يُعرّف(٢) .

وإذا كان في الصحراء ، قال الجويني : لا يجب ؛ لأنّه لا فائدة فيه في الصحراء(٣) .

وعندنا أنّ تعريف ما بلغ قدر الدرهم واجب ، سواء كان المأكول في الصحراء أو العمران ، وإذا أكله وجب عليه القيمة ؛ لأنّه أتلف مال غيره بغير إذنه.

ثمّ بعد الوقوف على المستحقّ هل يجب إفراز القيمة المغرومة؟

للشافعيّة قولان :

أظهرهما : إنّه لا يجب ؛ لأنّ ما في الذمّة لا يخاف هلاكه ، وإذا أفرز كان المفروز أمانةً في يده ، فربما تلف ، فما في الذمّة أحفظ ، ولأنّ كلّ موضعٍ جاز له التصرّف في اللّقطة لا يجب عليه عزل قيمتها ، كما بعد الحول.

والثاني : إنّه يجب ؛ احتياطاً لصاحب المال ؛ لتقدّم صاحب المال بتلك القيمة لو أفلس الملتقط ، ولأنّه لو باعها كان الثمن عنده معزولاً ، فكذا إذا أكلها ، فحينئذٍ يجب أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن صاحب‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٥.

٢٣٤

المال(١) .

فإن لم يجد حاكماً ، فهل للملتقط بسلطنة الالتقاط أن ينيب عنه؟ فيه عند الجويني احتمال ، وذكر أنّه إذا أفرزها لم تصر ملكاً لصاحب المال ، لكنّه أولى بتملّكها ، لكنّه لو كان كذلك لما سقط حقّه بهلاك القيمة المفروزة ، وقد نصّ الشافعي على السقوط ، وأيضاً نصّ على أنّه إذا مضت مدّة التعريف فله أن يتملّك تلك القيمة ، كما يتملّك نفس اللّقطة ، وكما يتملّك الثمن إذا باع الطعام ، وهو يقتضي صيرورتها ملكاً لصاحب اللّقطة(٢) .

ولو اختلفت القيمة يوم الأخذ ويوم الأكل ، قال بعض الشافعيّة : إنّه إن أخذ للأكل اعتُبرت قيمته يوم الأخذ ، وإن أخذ للتعريف اعتُبرت قيمته يوم الأكل(٣) .

ولا بأس به عندي.

ولو افتقر ما يمكن إبقاؤه إلى المعالجة ، كتجفيف الرطب بحيث يصير تمراً ، فإن كان الحظّ لصاحبه في بيعه رطباً ، بِيع إمّا بأمر الحاكم إن وُجد ، أو يتولّاه الملتقط إن لم يمكن الوصول إليه.

وإن لم يكن الحظّ في بيعه ، فإن تبرّع أحد بتجفيفه فذاك ، وإلّا باع الحاكم أو الملتقط مع تعذّره بعضَه ، وأنفق على تجفيف الباقي ، بخلاف الحيوان حيث يُباع بأجمعه ؛ لأنّ النفقة قد تُكرّر فيؤدّي إلى أن يأكل نفسه.

تذنيب : إذا باع الطعام عرّف المبيعَ دون الثمن ، كما أنّه إذا أكل يعرّف المأكولَ دون القيمة.

مسألة ٣٤٨ : ما لا يبقى عاماً كالطبيخ والبطّيخ والفاكهة التي لا تُجفّف‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

٢٣٥

والخضروات يتخيّر ملتقطها بين أكلها وحفظ ثمنها ، وبين دفعها إلى الحاكم ليبيعها إن تمكّن منه على ما قدّمناه.

ولا يجوز له إبقاؤه ؛ لأنّه يتلف ، فإن تركه حتى تلف ضمن ؛ لأنّه فرّط في حفظه ، فلزمه ضمانه ، كالوديعة.

وليس له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم.

خلافاً لأحمد في الشي‌ء القليل(١) .

وهو يبطل بالكثير ، ولأنّه مال الغير ، ولا ولاية له عليه ولا على مالكه ، فلم يجز بيعه إلّا بالحاكم ، كغير اللّقطة.

احتجّ : بأنّه أُبيح له أكله فأُبيح له بيعه ، كماله ، ولأنّه أُبيح له بيعه عند العجز عن الحاكم ، فجاز عند القدرة عليه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ في البيع ولايةً على مال الغير ، بخلاف الأكل ؛ لأنّ القصد به مع الانتفاع أداء القيمة إلى المالك ، وحالة العجز لا قدرة على الحاكم ، فأُبيح له البيع ؛ تخلّصاً من ضررها ، بخلاف حال القدرة.

إذا تقرّر هذا ، فإن أراد الأكل أو البيع ، عرف صفاته وحفظها ، ثمّ عرّفه عاماً ، فإن جاء صاحبه فإن كان قد باعه دفع ثمنه إليه ، وإن كان قد أكله غرمه له بقيمته.

ولو تلف الثمن منه بغير تفريطه قبل تملّكه أو نقص أو تلفت العين أو نقصت بغير تفريطٍ ، فلا ضمان على الملتقط ، وإن تلفت أو نقصت أو نقص الثمن أو تلف بتفريطه ، لزمه ضمانه.

وكذا لو تلف الثمن بعد أن تملّكه أو نقص أو تلفت العين أو نقصت‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٦ : ٣٩٥.

٢٣٦

بعد أن تملّكها.

مسألة ٣٤٩ : ما يفتقر إلى العلاج يُنظر الحظّ لصاحبه فيفعل كما قلناه أوّلا ، فإن كان في التجفيف جفّفه أو رفعه إلى الحاكم ليس له إلّا ذلك ؛ لأنّه مال غيره ، فلزمه الحظّ فيه لصاحبه ، كالوليّ عن اليتيم.

ولو افتقر إلى غرامةٍ ، باع بعضه في ذلك.

ولو كان الحظّ في بيعه ، باعه وحفظ ثمنه ، ولو تعذّر بيعه ولم يمكن تجفيفه ، تعيّن أكله ، كالبطّيخ.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّه لا يؤكل ، بل إمّا أن يبيعه أو يتصدّق به ، وكذا كلّ طعامٍ يتغيّر لو بقي لا يجوز أكله ، بل يتخيّر بين الصدقة به والبيع ، وبه قال مالك وأصحاب الرأي(١) .

وقال الثوري : يبيعه ويتصدّق بثمنه(٢) .

والكلّ باطل بما روي من طُرق العامّة والخاصّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضالّة الغنم : « خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٣) وهذا تجويز للأكل ، فإذا جاز فيما هو محفوظ بنفسه ففيما يفسد ببقائه أولى.

تذنيب : إذا باع الطعام الذي يخشى فساده أو الذي يحتاج إلى العلاج ، تولّاه الحاكم ، فإن تعذّر تولّاه بنفسه ؛ لأنّه موضع ضرورةٍ ، وإذا باع وعرف صاحبه ، لم يكن له الاعتراض في البيع ؛ لأنّه وقع جائزاً.

أمّا لو باعه بدون إذن الحاكم وفي البلد حاكم ، كان البيع باطلاً ، فإذا جاء صاحبه ، كان له مطالبة المشتري به ، فإن كان تالفاً رجع بالقيمة على مَنْ شاء ؛ لأنّ الملتقط ضمنه بالبيع والتسليم ، والمشتري بالتسلّم ، فإن رجع‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٢.

(٣) راجع : الهامش ( ١ و ٢ ) من ص ١٦٦.

٢٣٧

على الملتقط رجع الملتقط على المشتري ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، ويده ضامنة ، وإن رجع على المشتري لم يرجع على الملتقط.

مسألة ٣٥٠ : قد بيّنّا أنّه تجب المبادرة إلى التعريف ، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع الإمكان أثم ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر به(١) ، وقال : « لا يكتم ولا يغيّب »(٢) .

ولأنّ ذلك وسيلة إلى أن لا يعرفها صاحبها ، فإنّ الظاهر أنّ صاحبها بعد الحول ييأس منها ويسلو(٣) عنها ويترك طلبها.

ولا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول الأوّل ؛ لأنّه واجب ، فلا يسقط بتأخّره عن وقته ، كالعبادات وسائر الواجبات ، ولأنّ المقصود يحصل بالتعريف في الحول الثاني على نعت من القصور ، فيجب الإتيان به ؛ لقولهعليه‌السلام : « إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم »(٤) .

وقال أحمد : يسقط التعريف بتأخّره عن ذلك الحول الأوّل ؛ لأنّ حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأوّل(٥) .

وهو ممنوع.

فعلى هذا لو ترك التعريف في بعض الحول الأوّل ، عرّف بقيّته وأكمله من الحول الثاني.

وعن أحمد : يكتفي بالتعريف باقي الحول خاصّةً(٦) .

____________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

(٣) أي : ينسى. لسان العرب ١٤ : ٣٩٤ « سلا ».

(٤) صحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، مسند أحمد ٣ : ١٦٢ / ٩٢٣٩ ، و ٣٠٧ / ١٠٢٢٩.

(٥) المغني ٦ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٧.

(٦) المغني ٦ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٧.

٢٣٨

وإذا عرّفها حولاً بعد الحول الأوّل ، جاز له أن يتملّكها بعده.

وكذا لو أخّر بعض الحول عرّف باقيه وأتمّه من الثاني ، وتملّكها بعد الإتمام عندنا.

وقال أحمد : ليس له أن يتملّكها بعد إهماله ، سواء قلنا بسقوط التعريف في الحول الثاني ، أو قلنا بوجوبه ، وسواء عرّفها الحول الثاني أو بعض الأوّل وأكمل من الثاني ؛ لأنّ شرط الملك التعريفُ في الحول الأوّل وقد فات ، فيسقط ؛ لفوات شرطه(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ العبادات لا تسقط بفوات أوقاتها ، فكيف إذا تعلّق بها حقّ الغير!

إذا عرفت هذا ، فقال أحمد : إنّه يجب عليه إمّا حفظها أبداً أو الصدقة بها على روايتين(٢) .

وقال بعض أصحابه : يجوز أن يدفعها إلى الحاكم ، كما إذا التقط ما لا يجوز التقاطه(٣) .

ولو ترك التعريف في بعض الحول الأوّل ، لم يملكها أيضاً بالتعريف فيما بعده عنده ؛ لأنّ الشرط لم يكمل ، وعدم بعض الشرط كعدم جميعه ، كما لو أخلّ ببعض الطهارة(٤) .

ولو ترك التعريف في الحول الأوّل ؛ لعجزه عنه بأن يتركه لمرضٍ أو حبسٍ أو نسيانٍ ونحوه ، لم يسقط التعريف عندنا ، وجاز ومَلَك بعد‌ التعريف في الحول الثاني.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٢ و ٣) المغني ٦ : ٣٥٣.

(٤) المغني ٦ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

٢٣٩

وللحنابلة وجهان :

أحدهما : إنّ حكمه حكم ما لو تركه مع إمكانه ، ليس له التملّك بعد التعريف في الحول الثاني ؛ لأنّ تعريفه في الحول الأوّل سبب الملك ، والحكم ينتفي لانتفاء سببه ، سواء كان انتفاؤه لعذرٍ أو لغير عذرٍ.

والثاني : إنّه يُعرّفه في الحول الثاني ويملكه ؛ لأنّه لم يؤخّر التعريف عن وقت إمكانه ، فأشبه ما لو عرّفه في الحول الأوّل(١) .

البحث الثالث : في التملّك.

مسألة ٣٥١ : إذا عرّف الملتقط حولاً ولم يكن من لقطة الحرم ، تخيّر بين أُمور ثلاثة : إمّا أن يستديم حفظها لمالكها أبداً إلى أن يظهر فيسلّمها إليه ، ولا ضمان عليه إلّا مع التفريط أو التعدّي ، أو نيّة التملّك بعده(٢) ، أو يتصدّق بها ، ويضمن إذا جاء صاحبها خيّره بين الأجر والقيمة ، أو يتملّكها ويتصرّف فيها كيف شاء ، ويضمنها ، وتكون في ذمّته ، سواء كان الملتقط غنيّاً أو فقيراً أو مَنْ تحلّ له الصدقة أو تحرم عند علمائنا - وبه قال عليٌّعليه‌السلام وابن عباس والشعبي والنخعي وعمر وابن مسعود وعائشة وطاوُوس وعكرمة والشافعي(٣) - لما رواه العامّة في حديث زيد بن خالد : « فإن لم تعرف فاستنفقها »(٤) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٢) أي : بعد الحول.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٠ ، البيان ٧ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٩ / ٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٠ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466