تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466
المشاهدات: 110312
تحميل: 3518


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110312 / تحميل: 3518
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 17

مؤلف:
ISBN: 978-964-319-530-4
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي لفظٍ : « وإلّا فهي كسبيل مالك »(١) .

وفي لفظٍ : « ثمّ كُلْها »(٢) .

وفي لفظٍ : « فانتفع بها »(٣) .

وفي لفظٍ : « فشأنك بها »(٤) .

وفي حديث أُبيّ بن كعب : « فاستنفقها »(٥) .

وفي لفظٍ : « فاستمتع بها »(٦) .

قال الشافعي : وكان أُبيّ من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أهو فيها بمنزلة الغني؟ قال : « نعم » [ و ] اللّقطة يجدها الرجل ويأخذها ، قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب ، وإلّا فهي كسبيل ماله »(٨) .

ولأنّه مَنْ مَلَك بالعوض القرضَ مَلَك بالعوض اللّقطةَ ، كالفقير ، ولأنّ اللّقطة سببٌ في التملّك ، فاستوى فيه الغني والفقير ، كالاحتطاب ، ولأنّ‌

____________________

(١) كما في المغني ٦ : ٣٥٤ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٩ / ٧ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٧ / ١٧٢٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٥ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٥) كما في المغني ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٦٢ و ١٦٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٠ / ١٧٢٣ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٤ / ١٧٠١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٣ و ١٩٧.

(٧) الأُم ٤ : ٦٧ ، مختصر المزني : ١٣٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠.

(٨) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢٤١

تملّك الغني لها أولى من تملّك الفقير وأنفع لمالكها حيث يجد لها عوضاً ، بخلاف الفقير ؛ فإنّه إذا تملّكها لم يجد عوضاً لها غالباً فيتلف منه.

وقال أبو حنيفة : إن كان الملتقط فقيراً تخيّر بين الثلاثة المذكورة : الحفظ لصاحبها دائماً ، والصدقة بها وتكون موقوفةً على إجازة صاحبها ، والتملّك لها ، إلّا أن يكون من ذوي القربى ، وإن كان غنيّاً لم يكن له التملّك ، بل يتخيّر بين الإمساك والصدقة ، فإذا جاء صاحبها فإن رضي بالأجر ، وإلّا كان له الرجوعُ على الملتقط بها - وبه قال الحسن بن صالح والثوري - لما رواه عياض بن حمار المجاشعي : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ وجد لقطةً فليُشهد عليها ذا عدلٍ أو ذوي عدلٍ ، ولا يكتم ولا يغيِّب ، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه ، وإلّا فهو مال الله يؤتيه مَنْ يشاء »(١) .

قالوا : وما يضاف إلى الله تعالى فإنّما يملكه مَنْ يستحقّ الصدقة.

ولما روى العامّة عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن اللّقطة ، فقال : « عرّفها حولاً ، فإن جاء ربّها وإلّا تصدّق بها ، فإذا جاء ربّها فرضي بالأجر وإلّا غرمها »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحسين بن كثير عن أبيه قال : سأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : عن اللّقطة ، فقال : « يُعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإلّا حبسها حولاً ، فإن لم يجئ صاحبها أو مَنْ يطلبها تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء أغرمها الذي كانت عنده وكان الأجر‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٥ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٠ ، البيان ٧ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٦.

٢٤٢

له ، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له »(١) .

ورواياتنا أظهر من حديث عياض ؛ لأنّ الأشياء كلّها تضاف إلى الله تعالى ؛ فإنّه خالقها ومالكها ، كما قال الله تعالى :( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) (٢) فدعوى أنّ ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملّكه إلّا مَنْ يستحقّ الصدقة دعوى باطلة بغير دليلٍ.

وحديث أبي هريرة لم يثبت عند نَقَلة الأخبار ، ولا نُقل في كتابٍ يوثق به عندهم(٣) ، فلا حجّة فيه ، ومع ذلك فإنّ الأمر بالصدقة إمّا لأنّه أحد الأشياء المخيّر فيها فيتناوله الأمر ، أو على وجه الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وكذا الحديث من طريق الخاصّة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقد روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « لا ترفعوها ، فإن ابتليتَ فعرِّفها سنةً ، فإن جاء طالبها ، وإلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجي‌ء [ لها ] طالب »(٤) .

والأخبار في ذلك كثيرة.

وحكى الشافعيّة عن مالك عكسَ قول أبي حنيفة ، وهو : إنّه قال : يتملّكها الغني ، ولا يتملّكها الفقير(٥) ، ولم يحكه أصحابه عنه.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٨.

(٢) سورة النور : ٣٣.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٢٢ ، الهامش (٣) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠.

٢٤٣

مسألة ٣٥٢ : لا يملك الملتقط اللّقطةَ بمضيّ الحول من غير أن يختار الملتقط تملّكها ، ولا تدخل في ملكه بعد الحول قهراً على أشهر القولين لعلمائنا - وهو أحد قولَي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد(١) - لأنّه تملّكٌ بعوضٍ ، فلم يحصل إلّا باختيار التملّك ، كالبيع.

ولما رواه العامّة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فشأنك بها »(٢) فوّض الأمر إلى خيرته ، ولم يحكم بقهره على تملّكها.

ومن طريق الخاصّة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال في حديث أبي بصير : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٣) أمره بردّه ، وإنّما يثبت له ردّ العين ، ولو مَلَك لم يجب ردّ العين.

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن »(٤) ولو كان مالكاً لها بغير اختياره كان له التصرّف فيها كيف شاء ، ولم يأمره بحفظها.

والقول الثاني للشافعي : إنّه يملكها بمضيّ حول التعريف ، وتدخل في ملكه بغير اختياره ، كالإرث ؛ لأن مضيّ حول التعريف هو السبب في

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٢) راجع : الهامش (٤) من ص ٢٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٣)

٢٤٤

التملّك ، فإذا حصل ، حصل الملك كالإحياء والاحتطاب - وهو الرواية الشهيرة(١) عن أحمد(٢) ، وقولٌ لبعض علمائنا(٣) - لما رواه العامّة عن قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا جاء صاحبها [ وإلّا ] فهي كسائر مالك »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٥) .

ونمنع كون التعريف حولاً سبباً للملك القهري.

نعم ، هو سبب للملك الاختياري.

والحاصل : إنّه بعد الحول يملك إن تملّك ، وكونها كسائر ماله يصدق على الملك الاختياري.

مسألة ٣٥٣ : يثبت الملك بعد التعريف حولا واختيار الـمُلتقط التملّكَ بأن يقول : اخترتُ تملّكها - وهو أحد أقوال الشافعي(٦) - لأنّ الملك هنا حصل بالعوض - وهو المثل أو القيمة - فافتقر إلى الاختيار واللفظ الدالّ عليه ، كالبيع ، وكالشفيع والغانمين في تملّك الغنيمة.

والثاني للشافعي : إنّه لا بدّ مع الاختيار واللفظ من التصرّف ، فلو‌

____________________

(١) في « ث ، ر » : « المشهورة ».

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٣) ابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠٢ و ١٠٣.

(٤) الشرح الكبير ٦ : ٣٧٩ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

٢٤٥

لم يتصرّف الـمُلتقط لم يملك اللّقطة وإن قال : اخترتُ التملّك ؛ لأنّ صاحبها لو حضر قبل التصرّف كان أحقَّ بها ، فلم تكن مملوكةً لغيره ، ولأنّ التملّك باللّقطة كالاستقراض لا يملكه المستقرض إلّا بالتصرّف والعقد والقبض ، وعلى هذا فيشبه أن يجي‌ء الخلاف المذكور في القرض في أنّ الملك بأيّ نوعٍ من التصرّف يحصل؟(١) .

والثالث : إنّه يملك بمجرّد النيّة والقصد من غير تلفّظٍ ولا تصرّفٍ ؛ لأنّ التصرّف يتوقّف على الملك ؛ لأنّ الأصل تحريم التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه ، فلو توقّف الملك عليه لزم الدور ، ولـمّا خلا هذا التملّك عن الإيجاب لم يفتقر إلى القبول ، وإنّما يراعى فيه الاختيار ، وذلك يحصل بالقصد والنيّة(٢) .

فحصل له أقوال أربعة فيما به يملك : الثلاثة المذكورة ، والرابع : إنّه يدخل في ملكه بغير اختياره(٣) .

مسألة ٣٥٤ : قد بيّنّا أنّه لا يلتقط من حرم مكة ، وذكرنا الخلاف في التحريم والكراهة ، وعلى القولين معاً لا يجوز تملّكها بحالٍ ، بل إن التقطها نوى الحفظ لمالكها وعرّفها دائماً - وهو أحد قولَي الشافعي(٤) - لما رواه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

(٢) الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ٢٤٤.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، والوسيط ٤ : ٢٩٨ ،

٢٤٦

العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، لا يُعضد شوكه ، ولا يُنفَّر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلّا مَنْ عرّفها »(١) وروي : « لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشدٍ »(٢) أي : لمعرّفٍ ، والمعنى على الدوام ، وإلّا فالحكم في سائر البلاد كذلك ، ولا تظهر فائدة التخصيص.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه سعيد بن عمرو الجعفي(٣) قال : خرجتُ إلى مكة وأنا من أسوأ الناس حالاً فشكوتُ إلى أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فلـمّا خرجتُ وجدتُ على بابه كيساً فيه سبعمائة دينار ، فرجعتُ إليه من فوري ذلك فأخبرتُه ، فقال : « يا سعيد اتّق الله عزّ وجلّ ، وعرِّفه في المشاهد » وكنتُ رجوتُ أن يرخّص لي فيه ، فخرجتُ وأنا مغتمّ فأتيتُ منى فتنحّيتُ عن الناس حتى أتيتُ الماقوفة(٤) فنزلتُ في بيتٍ متنحّياً عن الناس ثمّ قلت : مَنْ يعرف الكيس؟ فأوّل صوتٍ صوّت إذا رجل على رأسي يقول : أنا صاحب الكيس ، فقلت في نفسي : أنت فلا كنت ، قلت : ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته ، فدفعته إليه ، فتنحّى ناحيةً فعدّها فإذا الدنانير على حالها ثمّ عدَّ منها سبعين ديناراً فقال : خُذْها حلالاً خير لك من سبعمائة حراماً ، فأخذتُها ثمّ دخلتُ على الصادقعليه‌السلام فأخبرتُه كيف تنحّيتُ‌

____________________

= حلية العلماء ٥ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٢ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ ، المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥.

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ - ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٦ ، الهامش (٣)

(٣) في التهذيب : « الخثعمي » بدل « الجعفي ».

(٤) في الكافي : « الموقوفة ». والماقوفة لعلّها اسم موضعٍ ، أو محلّ الوقوف بمنى ، كما في ملاذ الأخيار ١٠ : ٤٢٦.

٢٤٧

وصنعتُ ، فقال : « أما إنّك حين شكوتَ إلَيَّ أمرنا لك بثلاثين ديناراً ، يا جارية هاتيها » فأخذتُها وأنا أحسن قومي حالاً(١) .

ولأنّ مكة مثابة للناس يعودون إليها مرّةً بعد أُخرى ، فربما يعود مَنْ أضلّها ، أو يبعث في طلبها.

والقول الثاني للشافعي : إنّ مكة كغيرها من البقاع في حكم اللّقطة يُعرّفها الملتقط سنةً ثمّ إن شاء حفظها لمالكها وإن شاء تملّكها ، وبه قال أبو حنيفة ومالك ، وهو أظهر الروايتين عن أحمد(٢) .

وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٣٥٥ : كلّ ما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه حولا ، سواء كانت اللّقطة أثماناً أو عروضاً عند علمائنا أجمع - وهو قول جمهور العلماء ؛ فإنّهم لم يختلفوا فيه ، ولم يفرّقوا بين العروض والأثمان في التعريف حولاً وجواز التصرّف فيها بعد الحول(٣) - لأنّ الأخبار الواردة في ذلك عامّة تشمل القسمين.

روى العامّة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن اللّقطة ، فقال : « عرِّفها سنةً » ثمّ قال في آخره : « فانتفع بها »(٤) أو : « فشأنك بها »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ - ٣٩١ / ١١٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٣ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨٠ / ١٢١٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

(٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦ ، والهامش (٣) من ص ٢٤٠.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

٢٤٨

وجاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله كيف ترى في متاعٍ يوجد في الطريق المنتاب أو في قريةٍ مسكونة؟ قال : « عرِّفه سنةً ، فإن جاء صاحبه وإلّا فشأنك به(١) »(٢) .

وروى الحرّ(٣) بن الصباح قال : كنتُ عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال : إنّي وجدتُ هذا البرد وقد نشدته وعرّفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية ويوم يتفرّق الناس ، فقال : إن شئت فقوِّمه قيمة عدلٍ ولبسته وكنتَ ضامناً له متى جاءك صاحبه دفعته إليه(٤) ، وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ شاةً ، فقال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٦) .

وفي الحسن عن حريز عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه » قال : « وقال الباقرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٧) .

وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سألتُ

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها بها » ، والمثبت يقتضيه السياق وكما في المصدر.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٥٨ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٣.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « الحارث » بدل « الحر ». والمثبت كما في المصدر.

(٤) في المصدر : « دفعت ثمنه إليه ».

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٥٨ - ٣٥٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٦.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٢)

٢٤٩

أبا الحسن الرضاعليه‌السلام : عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين ، وهو يعرف صاحبه أيحلّ إمساكه؟ فقال : « إذا عرف صاحبه ردّه عليه ، وإن لم يكن يعرفه ومَلَك جناحه(١) فهو له ، وإن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه »(٢) .

وعن أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٣) وهو عامّ في النقد وغيره.

ولأنّ ما جاز التقاطه جاز ملكه بالتعريف ، كالأثمان.

وعن أحمد روايتان ، هذا أظهرهما عنده.

والثانية - وعليها أكثر أصحابه - : إنّ العروض لا تُملك بالتعريف - وفرّقوا بينها وبين الأثمان ، واختلفوا فيما يُصنع بها ، فقال بعضهم : يُعرّفها أبداً. وقال بعضهم : هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجي‌ء صاحبها ، وبين دفعها إلى الحاكم حتى يرى فيها رأيه. وهل له بيعها والصدقة بثمنها؟ روايتان - لأنّ ابن عمر وابن عباس وابن مسعود قالوا بذلك ، ولأنّها لقطة لا تُملك في الحرم فلا تُملك في غيره ، كالإبل ، ولأنّ الخبر [ ورد ](٤) في الأثمان ، وغيرها لا يساويها ؛ لعدم الغرض المتعلّق بعينها ، فمثلها يقوم مقامها من كلّ وجهٍ ، بخلاف غيرها(٥) .

ونقلُهم عن ابن عمر وغيره ممنوع ؛ لما تقدّم من نقل ضدّه ، على أنّ‌

____________________

(١) في المصدر : « جناحيه ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٣ ، الهامش (٣)

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

٢٥٠

قول هؤلاء ليس حجّةً.

ونمنع أنّها لا تُملك في الحرم ، وهو منقوض بالأثمان.

ولا يصحّ قياسها على الإبل ؛ لأنّ معها حذاءها وسقاءها ، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها مالكها ، ولا يوجد ذلك في غيرها ، ولأنّ الإبل لا يجوز التقاطها فلا تُملك به ، وهنا يجوز التقاطها فتُملك ، كالأثمان.

ولا يصحّ قياسها على لقطة الحرم ؛ لأنّ الحرم متميّز بأنّ لقطته لا يضمنها إلّا منشد ، ولهذا لم تُضمن الأثمان بالتقاطها فيه ، فلا يلزم أن لا تُملك في موضعٍ آخَر لم يوجد المانع فيه.

ونمنع خصوصيّة النصّ في الأثمان ، بل هو عامّ في كلّ لقطةٍ.

وأيضاً لو تخصّص اللّقطة بالأثمان ، لجاز القياس عليها عندكم إذا وُجدت المشاركة بينهما في المعنى ، كسائر النصوص التي عقل معناها ووجد في غيرها ، وهنا قد وُجد المعنى ، بل هو آكد ؛ لأنّ الأثمان لا تتلف بمضيّ الأزمنة عليها وانتظار صاحبها أبداً ، والعروض تتلف بذلك ، ففي النداء عليها دائماً هلاكُها وضياع ماليّتها على مالكها وملتقطها وسائر الناس ، وفي إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظٌ لماليّتها على صاحبها بدفع قيمتها إليه ونفع غيره ، فيجب المصير إليه ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن إضاعة المال(١) ، ولاشتماله على المصلحة والحفظ للمال على صاحبه وجب مشروعيّة التقاطه وتملّكه ، ولأنّ في [ إثبات ](٢) الملك فيها حثّاً على التقاطها‌

____________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧٩ ( باب معنى المحاقلة والمزابنة ) ، صحيح البخاري ٢ : ١٣٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤١ / ١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٣١١ ، مسند أحمد ٥ : ٣١٢ / ١٧٧٦٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٥١

وحفظها وتعريفها ؛ لكونه وسيلةً إلى الملك المقصود للآدمي ، وفي نفي ملكها تضييع لها.

البحث الرابع : في وجوب الردّ.

مسألة ٣٥٦ : يجب ردّ لقطة الحرم على مالكها بعينها مع ظهوره ، ولا يجوز تملّكها بحال ، بل إمّا أن يحتفظها دائماً ولا ضمان ، وإمّا أن يتصدّق بها بعد الحول.

وفي الضمان قولان.

وأمّا لقطة غير الحرم : فإن كانت أقلَّ من درهمٍ لم يجب تعريفها ، وللملتقط التصرّف فيها كيف شاء ، فإن جاء صاحبها فإن كانت العين باقيةً ، فالأقرب : وجوب ردّها إليه ؛ لأصالة عصمة مال الغير ، سواء نوى الملتقط التملّك أو لا ، وإن كانت تالفةً فالأقرب : ردّ القيمة على إشكالٍ.

وأمّا ما زاد على ذلك فإن كانت العين باقيةً ولم يخرج حول التعريف ، وجب ردّها بجميع زوائدها المتّصلة والمنفصلة ؛ لأنّ النماء تابع للأصل ، والأصل هنا باقٍ على ملك المالك لم يخرج عنه ، فيكون النماء له.

وكذا الحكم لو عرّفها حولاً ولم يَنْو التملّك ؛ لبقاء ملك صاحبها عليها حيث اعتبرنا في تملّك الملتقط النيّة واللفظ ولو بقيت في يده أحوالاً كذلك إذا لم يَنْو التملّك.

ولو عرّفها حولاً ثمّ نوى التملّك وتملّك باللفظ ، وبالجملة أتى بشرائط التملّك ، أو كمل حول التعريف وقلنا : يملك به ، ثمّ ظهر المالك ، فإن ردّها الملتقط عليه وجب عليه قبولها ، وليس له المطالبة ببدلها وإن كان‌

الملتقط قد نوى تملّكها ؛ لأنّها لا تنحطّ عن مرتبة المثل ، ولا شكّ في أنّه لو دفع إليه المثل لم يكن له المطالبة بغيره فكذا العين.

ولو لم يدفعها الملتقط ، فالأقرب : إنّه ليس للمالك انتزاعها ؛ لأنّها قد صارت ملكاً للملتقط ، فلا تُنتقل عنه إلّا بوجهٍ شرعيّ ، كالقرض ليس للمُقرض بعد تملّك المقترض الرجوعُ في العين ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

٢٥٢

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه ليس للملتقط إلزام المالك بأخذ البدل ، بل للمالك انتزاع العين ؛ لأنّ الملتقط إنّما يملكها ملكاً مراعىً(١) ، ولهذا قالعليه‌السلام : « عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(٢) ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل ماله »(٣) .

ولا حجّة فيهما ؛ لاحتمال « فإن جاء في السنة » ونمنع كون الملتقط يملكها ملكاً مراعىً ؛ فإنّه نفس المتنازع.

مسألة ٣٥٧ : إذا زادت اللّقطة بعد تملّك الملتقط لها ثمّ جاء المالك ، فإن كانت الزيادة متّصلةً تبعت العين ، وأخذها المالك وزيادتها ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة تتبع العين في الردّ بالعيب وفي الإقالة ، فكذا هنا ؛ لأنّها إنّما تبعت هناك ؛ لكونها بمنزلة الجزء من العين ، وهذا المقتضي موجود هنا.

وإن كانت الزيادة منفصلةً ، فهي للملتقط خاصّةً ، ويأخذ المالك العينَ مسلوبةَ الزيادة ، كالولد والثمرة ؛ لأنّ الزيادة نمت على ملك الملتقط ، وهي متميّزة غير تابعةٍ للعين في المفسوخ ، فكان له ، كنماء المبيع إذا رُدّ بعيبٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١)

٢٥٣

وللحنابلة وجه آخَر ضعيف : إنّ الزيادة تتبع الأصل أيضاً وإن كانت منفصلةً ؛ بناءً على المفلس إذا استُرجعت منه العين بعد أن زادت زيادةً متميّزة ، والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته(١) .

والحكم في المثالين ممنوع ، بل الزيادة هنا لمن وقعت في ملكه ، وهو المفلس والولد ، على أنّا نمنع الرجوع في هبة الولد بعد التصرّف ، لكن يُفرض ذلك في الأجنبيّ عندنا ، على أنّ الفرق قائم بين المتنازع وبين الصورتين المذكورتين ؛ لأنّ الملتقط ضمن الأصل ومَلَكه مضموناً بالمثل أو القيمة ، فكان النماء له ليكون الخراج بالضمان ، وفي الصورتين لا ضمان على المفلس ولا على الولد ، فلم تكن لهما الزيادة ، على أنّ الحقّ ما قلناه من كون الزيادة لهما أيضاً.

مسألة ٣٥٨ : لو التقط وعرّف حولاً ثمّ مَلَك ثمّ باع أو وهب أو فَعَل ما يوجب خروجها عن ملكه ثمّ جاء المالك ، لم يكن له أخذ العين ؛ لأنّ الملتقط قد تصرّف تصرّفاً صحيحاً ، وكان له أخذ بدلها.

فإن رجعت إلى الملتقط بفسخٍ أو عقدٍ ناقل - كبيعٍ أو هبةٍ أو غير ذلك - قبل أخذ البدل ، فإن قلنا : للمالك إذا وجد العين بعد التملّك المطالبةُ بها ، كان له هنا ذلك ؛ لأنّه وجد عين ماله في يد ملتقطه ، فكان له أخذه ، كالزوج إذا طلّق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة. وإن قلنا : ليس له الرجوعُ هناك إلى العين بل الواجب له المثل أو القيمة ، فعدم الرجوع في العين هنا أولى.

ولو كان الملتقط قد باعها بخيارٍ ثمّ جاء مالكها في مدّة الخيار ،

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٠.

٢٥٤

لم يكن له فسخ العقد - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ فسخ العقد حقّ العاقد ، فلا يتمكّن غيره منه بغير إذنه.

والثاني : إنّ له الفسخَ(٢) .

وردّ بعض الشافعيّة الوجهين إلى أنّه هل يُجبر الملتقط على الفسخ؟(٣) .

ويجوز عندهم فرض الوجهين في الانفساخ كالوجهين فيما إذا باع العَدْل الرهنَ بثمن المثل فظهر طالب في مجلس العقد بزيادةٍ(٤) .

مسألة ٣٥٩ : لو باع الملتقط اللّقطةَ أو اشترى بها شيئاً بعد أن تملّكها ، لم يكن للمالك الرجوعُ في الثمن الذي باع به الملتقط ولا في العين التي اشتراها بها ، بل يرجع إلى مثل اللّقطة أو قيمتها ؛ لأنّه الواجب له ، إلّا أن يشتري لصاحبها لا له.

فإن اشترى بالعين بعد التملّك ، لم يصح ؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان لغيره بمالٍ ليس للغير.

وإن اشترى في الذمّة ونسب ، فإن جاء صاحبها وأجاز الشراء كان له ، وإن لم يُجز الشراء كان له المطالبة بالمثل أو القيمة.

وإن كان الملتقط قد أضاف الشراء إليه في العقد وسمّاه ، كان له الفسخ وأخذ عين ماله ؛ لأنّ الملتقط لم يشتر لنفسه ، بل على حدّ الوكالة التي لم يأذن الموكّل في الشراء فيها.

ولو كان الملتقط قد اشترى بالعين جاريةً لنفسه ثمّ ظهر أنّها بنت‌

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، البيان ٧ : ٤٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٥٥

صاحب اللّقطة ، لم تُعتق عليه ، ولم يجز له أخذها من الملتقط ؛ لأنّ الشراء وقع له.

ولما رواه أبو العلاء عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل وجد مالاً فعرّفه حتى إذا مضت السنة اشترى منه خادماً فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتُريت بالدراهم هي ابنته ، قال : « ليس له أن يأخذ إلّا دراهمه ، وليس له البنت ، إنّما له رأس ماله ، وإنّما كانت ابنته مملوكة قومٍ »(١) .

مسألة ٣٦٠ : اللّقطة في مدّة حول التعريف أمانة في يد الملتقط إذا لم يتملّكها قبل التعريف ولا فرّط ولا تعدّى فيها ، فلو تلفت لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو نقصت.

وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ، ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وبقيمتها إن لم يكن لها مثلٌ بغير خلافٍ.

وإن تلفت بعد الحول قبل نيّة التملّك ، فكذلك إن لم نقض بالتملّك بمجرّد حئول الحول.

وإن قلنا : إنّه يملك بمضيّ الحول بغير اختياره ، أو حال الحول وتملّك باختياره ثمّ تلفت أو أتلفها ، ثبت في الذمّة مثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وإن كانت من ذوات القِيَم ضمن القيمة ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بالتملّك أو الإتلاف بغير إذنه ورضاه ، فكان ضامناً.

ولما رواه حنان قال : سأل رجل أبا عبد الله الصادقَعليه‌السلام : عن اللّقطة‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩١ - ٣٩٢ / ١١٧٣.

٢٥٦

وأنا أسمع ، قال : « تعرّفها سنةً ، فإن وجدتَ صاحبها وإلّا فأنت أحقّ بها » وقال : « هي كسبيل مالك » وقال : « خيِّره إذا جاءك بعد سنةٍ بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إن كانت العين من ذوات الأمثال ، وجب ردّ المثل مع تلفها إن أمكن ، وإن تعذّر ردّ المثل كان عليه قيمته يوم الغرم ، وإن كانت من ذوات القِيَم وجب عليه ردّ قيمتها يوم التملّك.

مسألة ٣٦١ : إذا تملّكها الغني أو الفقير بعد التعريف حولاً ثمّ أتلفها أو تلفت ، كان عليه بدلها لصاحبها في قول عامّة أهل العلم(٢) ، وإن كانت باقيةً ردّها بعينها أو بقيمتها أو مثلها على الخلاف الذي تقدّم ؛ لما رواه العامّة في حديث أُبيّ بن كعب أنّه قال : « فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه »(٣) وأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام بغرم الدينار الذي وجده لـمّا جاء صاحبه(٤) ، فوجب أن يكون ضامناً في ذمّته من يوم التلف ، ولو لا تقوّمه(٥) لما تمكّن المالك من طلبه إذا جاء.

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٦ - ٣٩٧ / ١١٩٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣١ ، البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٧٠ ، الهامش (١)

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٣١ ، الهامش (٤)

(٥) كذا قوله : « ضامناً تقوّمه ». والظاهر : « ثابتاً ثبوته ».

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٣ ، الهامش (٣)

٢٥٧

ولأنّ هذا مال مَنْ له حرمة ، فإذا أتلفه بغير إذنه وكان من أهل الضمان في حقّه ، لزمه بدله ، كما لو اضطرّ إلى طعام غيره فأكله.

وقال بعض الشافعيّة : إذا تملّكها الملتقط بعد الحول ، لم يطالب بقيمةٍ ولا بعينٍ ، سواء كانت باقيةً أو تالفةً - وبه قال داوُد الظاهري - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للسائل : « عرِّفها حولاً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(١) وروي « فهي لك »(٢) ولم يأمره بردّ بدلها(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ الأمر بردّ البدل قد ثبت بغير هذا الحديث ، ولا معارضة له في هذا الحديث.

مسألة ٣٦٢ : قال أبو إسحاق من الشافعيّة : إذا تملّك اللّقطة بعد الحول فإن جاء صاحبها وإلّا فهي مال الله يؤتيه مَنْ يشاء ، فجَعَلها من المباحات ، ولأنّه لو مات لم يعزل بدلها من تركته(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه يستحقّ صاحبه المطالبة ببدله ، فدلّ على أنّه يملكه بعوضٍ ، كالقرض ، والحديث(٥) لو ثبت حُمل على جواز التملّك واستباحته.

ولا نسلّم أنّه لا يعزل بدله ؛ فإنّ جماعةً من الشافعيّة قالوا : لا نعرف‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٤٥٠ / ١٦٧٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٢٠ - ٤٢١ / ٦٨٩٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣١ ، البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٤) البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٥٦.

(٥) أي : حديث عياض بن حمار ، المتقدّم في ص ٢٤١.

٢٥٨

هذه المسألة(١) ، ولئن(٢) سلّمناها فإنّما كان كذلك ؛ لأنّه لا يعرف المستحقّ ، فالظاهر أنّه لا يعرف فلم توقف التركة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ اللّقطة عندنا تُملك بالتعريف والاختيار على ما تقدّم(٣) .

وقال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث العكلي ومالك وأبو يوسف : لا يجوز للملتقط تملّك اللّقطة بحالٍ ، فإذا تلفت بعد الحول أو قبله من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ ، لم يضمنها الملتقط(٤) .

وقد بيّنّا جواز تملّكها ، فيضمن حينئذٍ.

وقد بيّنّا أنّ داوُد وبعض الشافعيّة ذهب إلى أنّ الملتقط يملك العين بعد الحول ، فإذا أتلفها لم يضمنها(٥) .

وعن أحمد رواية بمثل ذلك(٦) .

وقد تقدّم بطلانه ، ولأنّها عين يجب ردّها لو كانت باقيةً ، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها ، كما قبل الحول.

مسألة ٣٦٣ : لو وجد المالك العينَ ناقصةً ، فإن كان قبل التملّك من غير تفريطٍ من الملتقط أخذها المالك بحالها ، ولا ضمان على الملتقط ؛ لأنّها لو تلفت بأسرها لم يكن عليه ضمان ، فالأجزاء أولى ؛ لأنّها تابعة للأصل.

____________________

(١) لم نهتد إلى مظانّه.

(٢) في « ج ، خ » : « وإن » بدل « ولئن ».

(٣) في ص ٢٤٤ ، المسألة ٣٥٣.

(٤) المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٥) راجع : ص ٢٥٧ ، الهامش (٣)

(٦) المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

٢٥٩

وإن نقصت قبل تملّكه من غير تفريطٍ ثمّ تملّكها ثمّ جاء المالك ، لم يكن له المطالبة بالأرش أيضاً ؛ لأنّ النقص وقع وهي في ملكه بَعْدُ لم تنتقل إلى الملتقط(١) ، وإنّما مَلَكها ناقصةً ، فلم يكن عليه ضمان النقص ، كما لو تلفت قبله.

وكذا لو تلفت بعد أن تملّكها ناقصةً ، لم يكن عليه ضمان النقص ، بل يضمن العين ناقصةً بالمثل أو القيمة ناقصةً.

ولو نقصت بعد التملّك أو بتفريطٍ منه ثمّ جاء مالكها ، فإن قلنا : إنّ المالك لا يرجع في العين ، بل ينتقل حقّه إلى المثل أو القيمة ، لم يكن له أخذها ، ويرجع إلى بدلها سليمةً.

ولو دفعها الملتقط مع الأرش ، فإن قلنا بوجوب قبولها لو كانت سليمةً ، وجب هنا أيضاً ، وإن قلنا : للمالك أن يأخذ عين ماله ، كان له الأخذ هنا مع الأرش ؛ لأنّ الكلّ مضمون على الملتقط لو تلف فكذا البعض.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يقنع بها ، وليس له أرش(٢) .

وليس بجيّدٍ.

ولو أراد الرجوع إلى بدلها وقال الملتقط : أنا أدفع العين مع الأرش ، فالأقوى : إنّه يجب على المالك القبول - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ العين الناقصة مع الأرش كغير الناقصة ، وصار كالغاصب.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ للمالك الرجوعَ إلى البدل وإن أوجبنا عليه أخذ‌

____________________

(١) في « ج » : « ملتقطها ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٦٠