تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150701 / تحميل: 5376
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وأدركوه بمشاعرهم وعقولهم مثل سائر الظنون التي تحدق بالقلوب البشرية وتنقدح فيها.

مع أنّ المراد غير ذلك، بل المراد أنّ الظروف التي حاقت بالرسل بلغت من الشدّة والقسوة إلى حد صارت تحكي بلسانها التكويني عن أنّ النصر الموعود كأنّه نصر غير صادق، لا أنّ هذا الظن كان يراود قلوب الرسل، وأفئدتهم، وكم فرق بين كونهم ظانّين بكون الوعد الإلهي بالنصر وعداً مكذوباً، وبين كون الظروف والشرائط المحيطة بهم من المحنة والشدّة كانت كأنّها تشهد في بادئ النظر على أنّه ليس لوعده سبحانه خبر ولا أثر.

فحكاية وضعهم والملابسات التي كانت تحدق بهم عن كون الوعد كذباً أمر، وكون الأنبياء قد وقعوا فريسة ذلك الظن غير الصالح أمر آخر، والمخالف للعصمة هو الثاني لا الأوّل، ولذلك نظائر في الذكر الحكيم.

منها قوله سبحانه:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ ) (١) ، فإنّ يونس النبي بن متى كان مبعوثاً إلى أهل نينوى، فدعاهم فلم يؤمنوا، فسأل الله أن يعذّبهم، فلمّا أشرف عليهم العذاب تابوا وآمنوا، فكشفه الله عنهم وفارقهم يونس قبل نزول العذاب مغاضباً لقومه ظانّاً بأنّه سبحانه لن يضيق عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وتأديبه، لأجل مفارقته قومه مع إمكان رجوعهم إلى الله سبحانه وإيمانهم به وتوبتهم عن أعمالهم.

فما هذا الظن الذي ينسبه سبحانه إلى يونس، هل كان ظنّاً قائماً بمشاعره، فنحن نجلّه ونجلّ ساحة جميع الأنبياء عن هذا الظن الذي لا يتردّد في ذهن غيرهم، فكيف الأنبياء ؟! بل المراد أنّ عمله هذا ( أي ذهابه ومفارقة قومه ) كان

_____________________

١ - الأنبياء: ٨٧.

٨١

ممثّلاً بأنّه يظن أنّ مولاه لا يقدر عليه وهو يفوته بالابتعاد عنه فلا يقوى على سياسته، فكم فرق بين ورود هذا الظن على مشاعر يونس، وبين كون عمله مجسّماً وممثّلاً لهذا الظن في كل مَن رآه وشاهده ؟ فما يخالف العصمة هو الأوّل لا الثاني.

ومنها: قوله سبحانه في سورة الحشر حاكياً عن بني النضير إحدى الفرق اليهودية الثلاث التي كانت تعيش في المدينة، وتعاقدوا مع النبي على أن لا يخونوا ويتعاونوا في المصالح العامة، ولمّا خدعوا المسلمين وقتلوا بعض المؤمنين في مرأى من الناس ومسمع منهم، ضيّق عليهم النبي، فلجأوا إلى حصونهم، وفي ذلك يقول سبحانه:( هُوَ الذي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) (١) .

فما هذا الظن الذي ينسبه سبحانه إلى تلك الفرقة ؟ هل كانوا يظنّون بقلوبهم أنّ حصونهم مانعتهم من الله ؟ فإنّ ذلك بعيد جداً، فإنّهم كانوا موحّدين ومعترفين بقدرته سبحانه غير أنّ علمهم والتجاءهم إلى حصونهم في مقابل النبي الذي تبيّن لهم صدق نبوّته كان يحكى عن أنّهم مصدر هذا الظن وصاحبه.

ولذلك نظائر في المحاورات العرفية، فإنّا نصف المتهالكين في الدنيا والغارقين في زخارفها، والبانين للقصور المشيّدة والأبراج العاجية بأنّهم يعتقدون بخلود العيش ودوام الحياة، وأنّ الموت كأنّه كتب على غيرهم، ولا شك أنّ هذه النسبة نسبة صادقة لكنّ بالمعنى الذي عرفت: أي أنّ عملهم مبدأ انتزاع هذا الظن، ومصدر هذه النسبة.

وعلى ذلك فالآية تهدف إلى أنّ البلايا والشدائد كانت تحدق بالأنبياء طيلة

_____________________

١ - الحشر: ٢.

٨٢

حياتهم وتشتد عليهم الأزمة والمحنة من جانب المخالفين، فكانوا يعيشون بين أقوام كأنّهم أعداء ألدّاء، وكان المؤمنون بهم في قلّة، فصارت حياتهم المشحونة بالبلايا والنوازل، والبأساء والضرّاء، مظنّة لأن يتخيّل كل مَن وقف عليها من نبي وغيره، أنّ ما وعدوا به وعد غير صادق، ولكن لم يبرح الوضع على هذا المنوال حتى يفاجئهم نصره سبحانه، للمؤمنين، وإهلاكه وإبادته للمخالفين كما يقول:( فَنُجِّيَ مَن نَشاءُ ولا يُردُّ بأسُنا عنِ القومِ المُجْرمين ) (١) .

ويشعر بما ذكرناه قوله سبحانه:( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) (٢) .

فالمراد من الرسول هو غير النبي الأكرم من الرسل السابقين، فعندما كانت البأساء والضرّاء تحدق بالمؤمنين ونفس الرسول، وكانت المحن تزلزل المؤمنين حتى أنّ-ها كانت تحبس الأنفاس، فعند ذلك كانت تكاد تلك الأنفاس المحبوسة والآلام المكنونة تتفجّر في شكل ضراعة إلى الله، فيقول الرسول والذين آمنوا معه( متى نصر الله ) ؟ فإنّ كلمة( متى نصر الله ) مقرونة بالضراعة والالتماس، تقع مظنّة تصوّر استيلاء اليأس والقنوط عليهم لا بمعنى وجودهما في أرواحهم وقلوبهم، بل بالمعنى الذي عرفت من كونه ظاهراً من أحوالهم لا من أقوالهم.

وما برح الوضع على هذا إلى أن كان النصر ينزل عليهم وتنقشع عنهم سحب اليأس والقنوط المنتزع من تلك الحالة.

هذا ما وصلنا إليه في تفسير الآية، ولعلّ القارئ يجد تفسيراً أوقع في النفس ممّا ذكرناه.

_____________________

١ - يوسف: ١١٠.

٢ - البقرة: ٢١٤.

٨٣

الآية الثانية:

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) .

( لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظّالِمينَ لَفي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) (٢) .

( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبّكَ فَيُؤمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ) (٣) .

وهذه الآية أو الآيات من أوثق الأدلة في نظر القائل بعدم عصمة الأنبياء، وقد استغلّها المستشرقون في مجال التشكيك في الوحي النازل على النبي على وجه سيوافيك بيانه.

وكأنّ المستدل بهذه الآية يفسّر إلقاء الشيطان في أُمنية الرسول أو النبي بالتدخّل في الوحي النازل عليه فيغيّره إلى غير ما نزل به.

ثم إنّه سبحانه يمحو ما يُلقي الشيطان ويصحّح ما أُنزل على رسوله من الآيات، فلو كان هذا مفاد الآية، فهو دليل على عدم عصمة الأنبياء في مجال التحفّظ على الوحي أو إبلاغه الذي اتفقت كلمة المتكلّمين على المصونية في هذا المجال.

وربّما يؤيّد هذا التفسير بما رواه الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية، وسيوافيك نصّه وما فيه من الإشكال.

_____________________

١ - الحج: ٥٢.

٢ - الحج: ٥٣.

٣ - الحج: ٥٤.

٨٤

فالأولى تناول الآية بالبحث والتفسير حتى يتبيّن أنّها تهدف إلى غير ما فسّره المستدلّ، فنقول: يجب توضيح نقاطٍ في الآيات.

الأُولى : ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟ وإلى مَ يهدف قوله سبحانه:( إذا تمنّى ) ؟

الثانية : ما معنى مداخلة الشيطان في أُمنية النبي الذي يفيده قول الله سبحانه:( ألقى الشيطان في أُمنيّته ) ؟

الثالثة : ما معنى نسخ الله سبحانه ما يلقيه الشيطان ؟

الرابعة : ماذا يريد سبحانه من قوله:( ثمّ يحكم الله آياته ) وهل المراد منه الآيات القرآنية؟

الخامسة : كيف يكون ما يلقيه الشيطان فتنة لمرضى القلوب وقاسيتها ؟ وكيف يكون سبباً لإيمان المؤمنين، وإخبات قلوبهم له ؟

وبتفسير هذه النقاط الخمس يرتفع الإبهام الذي نسجته الأوهام حول الآية ومفادها فنقول:

١ - ما معنى أُمنية الرسول أو النبي ؟

أمّا الأُمنية قال ابن فارس: فهي من المنى، بمعنى تقدير شيء ونفاذ القضاء به، منه قولهم: مني له الماني أي قدر المقدر قال الهذلي:

لا تأمننّ وإن أمسيت في حرمٍ

حتى تلاقي ما يمني لك الماني

والمنا: القدر، وماء الإنسان: منيّ، أي يُقدّر منه خلقته والمنيّة: الموت؛ لأنّها مقدّرة على كل أحد، وتمنّى الإنسان: أمل يقدّره، ومنى مكّة: قال قوم: سمّي به لما قُدّر أن يُذبح فيه، من قولك مناه الله(١) .

_____________________

١ - المقاييس: ٥/٢٧٦.

٨٥

وعلى ذلك فيجب علينا أن نقف على أُمنية الرسل والأنبياء من طريق الكتاب العزيز، ولا يشك مَن سبر الذكر الحكيم أنّه لم يكن للرسل والأنبياء، أُمنية سوى نشر الهداية الإلهية بين أقوامهم وإرشادهم إلى طريق الخير والسعادة، وكانوا يدأبون في تنفيذ هذا المقصد السامي، والهدف الرفيع ولا يألون في ذلك جهداً، وكانوا يخطّطون لهذا الأمر، ويفكّرون في الخطّة بعد الخطّة، ويمهّدون له قدر مستطاعهم، ويدل على ذلك جمع من الآيات نكتفي بذكر بعضها:

يقول سبحانه في حق النبي الأكرم:( وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤمِنين َ) (١) .

ويقول أيضاً:( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ ) (٢) .

ويقول أيضاً:( إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرينَ ) (٣) .

ويقول سبحانه:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٤) .

ويقول سبحانه:( فَذَكّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّر* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بُمُصَيْطِرٍ ) (٥) .

هذا كلّه في حق النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويقول سبحانه حاكياً عن استقامة نوح في طريق دعوته:( وَإِنّي كُلَّما

_____________________

١ - يوسف: ١٠٣.

٢ - فاطر: ٨.

٣ - النحل: ٣٧.

٤ - القصص: ٥٦.

٥ - الغاشية: ٢١ - ٢٢.

٨٦

دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً * ثُمَّ إِنّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً * ثُمَّ إِنّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ) (١) .

ويقول سبحانه بعد عدّةٍ من الآيات:( قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْني وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاّ خَساراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبّاراً * وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظّالِمينَ إِلاّ ضَلالاً ) (٢) .

فهذه الآيات ونظائرها تنبئ بوضوح عن أنّ أُمنية الأنبياء الوحيدة في حياتهم، وسبيل دعوتهم هو هداية الناس إلى الله، وتوسيع رقعة الدعوة إلى أبعد حد ممكن، وإن منعتهم من تحقيق هذا الهدف عراقيل وموانع؛ فهم يسعون إلى ذلك بعزيمة راسخة ورجاء واثق.

إلى هنا تبيّن الجواب عن السؤال الأوّل، وهلمّ معي الآن لنقف على جواب السؤال الثاني، أعني:

٢ - ما معنى إلقاء الشيطان في أُمنية الرسل ؟

وهذا السؤال هو النقطة الحاسمة في استدلال المخالف، وبالإجابة عليها يظهر وهن الاستدلال بوضوح، فنقول: إنّ إلقاء الشيطان في أُمنيتهم يتحقّق بإحدى صورتين:

١ - أن يوسوس في قلوب الأنبياء ويوهن عزائمهم الراسخة، ويقنعهم بعدم جدوى دعوتهم وإرشادهم، وأنّ هذه الأُمّة أُمّة غير قابلة للهداية، فتظهر بسبب

_____________________

١ - نوح: ٧ - ٩.

٢ - نوح: ٢١ - ٢٤.

٨٧

ذلك سحائب اليأس في قلوبهم ويكفّوا عن دعوة الناس وينصرفوا عن هدايتهم.

ولا شك أنّ هذا المعنى لا يناسب ساحة الأنبياء بنصّ القرآن الكريم؛ لأنّه يستلزم أن يكون للشيطان سلطان على قلوب الأنبياء وضمائرهم، حتى يوهن عزائمهم في طريق الدعوة والإرشاد، والقرآن الكريم ينفي تسلّل الشيطان إلى ضمائر المخلصين الذين هم الأنبياء ومن دونهم، ويقول سبحانه:( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (١) .

ويقول أيضاً ناقلاً عن نفس الشيطان:( فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَّنَهُمْ أَجْمَعينَ* إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) .

وليس إيجاد الوهن في عزائم الأنبياء من جانب الشيطان إلاّ إغواءهم المنفيّ بنص الآيات.

٢ - أن يكون المراد من إلقاء الشيطان في أُمنية النبي هو إغراء الناس ودعوتهم إلى مخالفة الأنبياءعليهم‌السلام والصمود في وجوههم حتى تصبح جهودهم ومخطّطاتهم عقيمة غير مفيدة.

وهذا المعنى هو الظاهر من القرآن الكريم حيث يحكي في غير مورد أنّ الشيطان كان يحضّ أقوام الأنبياءعليهم‌السلام على المخالفة ويعدهم بالأماني، حتى يخالفوهم.

قال سبحانه:( يَعِدُهُمْ ويُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيطانُ إلاّ غُرُوراً ) (٣) .

_____________________

١ - الحجر: ٤٢، الإسراء: ٦٥.

٢ - ص: ٨٢ - ٨٣.

٣ - النساء: ١٢٠.

٨٨

وقال سبحانه:( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِىَ الأمرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ وَوعَدتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلومُوني وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) (١) .

وهذه الآيات ونظائرها تشهد بوضوح على أنّ الشيطان وجنوده كانوا يسعون بشدّة وحماس في حضّ الناس على مخالفة الأنبياء والرسل، وكانوا يخدعونهم بالعدة والأماني، وعند ذلك يتضح مفاد الآية، قال سبحانه:( وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ) أي إذا فكّر في هداية أُمّته وخطّط لذلك الخطط، وهيّأ لذلك المقدّمات( ألقى الشيطان في أُمنيّته ) (بحضّ الناس على المخالفة والمعاكسة وإفشال خطط الأنبياء حتى تصبح المقدّمات عقيمة غير منتجة ).

٣ - ما معنى نسخه سبحانه ما يلقيه الشيطان ؟

إذا عرفت هذا المقطع من الآية يجب أن نقف على مفاد المقطع الآخر منها وهو قوله سبحانه: ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) وما معنى هذا النسخ ؟

والمراد من ذاك النسخ ما وعد الله سبحانه رسله بالنصر، والعون والإنجاح، قال سبحانه:( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَياةِ الدُّنْيا ) (٢) ، وقال سبحانه:( كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِىّ عَزِيزٌ ) (٣) ، وقال سبحانه:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) (٤) .

_____________________

١ - إبراهيم: ٢٢.

٢ - غافر: ٥١.

٣ - المجادلة: ٢١.

٤ - الأنبياء: ١٨.

٨٩

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) (١) .

وقال في حق النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (٢) .

وقال سبحانه:( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُها عباديَ الصّالِحُونَ ) (٣) .

إلى غير ذلك من الآيات الساطعة التي تحكي عن انتصار الحق الممثّل في الرسالات الإلهية في صراعها مع الباطل وأتباعه.

٤ - ما معنى إحكامه سبحانه آياته ؟

إذا تبيّن معنى نسخه سبحانه ما يلقيه الشيطان، يتبيّن المراد من قوله سبحانه:( ثمّ يحكم الله آياته ) .

فالمراد من الآيات هي الدلائل الناصعة الهادية إلى الله سبحانه وإلى مرضاته وشرائعه.

وإن شئت قلت: إذا نسخ ما يلقيه الشيطان، يخلفه ما يلقيه سبحانه إلى أنبيائه من الآيات الهادية إلى رضاه أوّلاً، وسعادة الناس ثانياً.

ومن أسخف القول: إنّ المراد من الآيات، الآيات القرآنية التي نزلت على النبي الأكرم؛ وذلك لأنّ موضوع البحث فيها ليس خصوص النبي الأكرم، بل الرسل والأنبياء على وجه الإطلاق أضف إليه أنّه ليس كل نبيٍّ ذا كتاب وآيات ،

_____________________

١ - الصافات: ١٧١ - ١٧٣.

٢ - التوبة: ٣٣.

٣ - الأنبياء: ١٠٥.

٩٠

فكيف يمكن أن يكون ذا قرآن مثله ؟

ويعود مفاد الجملة إلى أنّ الله سبحانه يحكم دينه وشرائعه وما أنزله الله إلى أنبيائه وسفرائه من الكتاب والحكمة.

والحاصل: إنّ في مجال الصراع بين أنصار الحق وجنود الباطل يكون الانتصار والظفر للأوّل، والاندحار والهزيمة للثاني، فتضمحل الخطط الشيطانية وتنهزم أذنابه بإرادة الله سبحانه، فتخلفها البرامج الحيوية الإلهية وآياته الناصعة، فيصبح الحق قائماً وثابتاً، والباطل داثراً وزاهقاً، قال سبحانه:( وَقُلْ جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) (١) .

٥ - ما هي النتيجة من هذا الصراع ؟

قد عرفت أنّ الآية تعلّل الهدف من هذا الصراع بأنّ ما يلقيه الشيطان يكون فتنة لطوائف ثلاث:

١ - الذين في قلوبهم مرض.

٢ - ذات القلوب القاسية.

٣ - الذين أُوتوا العلم.

إنّ نتيجة هذا الصراع تعود إلى اختبار الناس وامتحانهم حتى يظهروا ما في مكامن نفوسهم وضمائر قلوبهم من الكفر والنفاق أو من الإخلاص والإيمان.

فالنفوس المريضة التي لم تنلها التزكية والتربية الإلهية، والقلوب القاسية التي أسّرتها الشهوات، وأعمتها زبارج الحياة الدنيا، تتسابق إلى دعوة الشيطان

_____________________

١ - الإسراء: ٨١.

٩١

وتتبعه فيظهر ما في مكامنها من الكفر والقسوة، فيثبت نفاقها ويظهر كفرها.

وأمّا النفوس المؤمنة الواقفة على أنّ ما جاء به الرسل حق من جانب الله سبحانه، فلا يزيدها ذلك إلاّ إيماناً وثباتاً وهداية وصموداً.

وهذه النتيجة حاكمة في عامّة اختبارات الله سبحانه لعباده، فإنّ اختباراته سبحانه ليس لأجل العلم بواقع النفوس ومكامنها، فإنّه يعلم بها قبل اختبارها( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ ) (١) ، وإنّما الهدف من الاختبار هو إخراج تلك القوى والقابليات الكامنة في النفوس والقلوب، إلى عالم التحقّق والفعلية وبالتالي تمكين الاستعدادات من الظهور والوجود.

وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين علىعليه‌السلام في معنى الاختبار بالأموال والأولاد الوارد في قوله:( وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٢) : ( ليتبيّن الساخط لرزقه، والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب)(٣) .

وقد وقفت بعد ما حرّرت هذا على كلام لفقيد العلم والتفسير الشيخ محمد جواد البلاغي - قدّس الله سرّه - وهو قريب ممّا ذكرناه: قال: المراد من الأُمنية هو الشيء المتمنّى كما هو الاستعمال الشائع في الشعر والنثر، كما أنّ الظاهر من التمنّي المنسوب إلى الرسول والنبي، ويشهد به سوق الآيات، هو أن يكون ما يناسب وظيفتهما، وهو تمنّي ظهور الهدى في الناس وانطماس الغواية والهوى، وتأييد شريعة الحق، ونحو ذلك، فيلقي الشيطان بغوايته بين الناس في هذا المتمّنى

_____________________

١ - الملك: ١٤.

٢ - الأنفال: ٢٨.

٣ - نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم: ٩٣.

٩٢

الصالح ما يشوّشه، ويكون فتنة للذين في قلوبهم مرض، كما ألقى بين أُمّة موسى من الضلال والغواية ما ألقى، وألقى بين أتباع المسيح ما أوجب ارتداد كثير منهم، وشك خواصهم فيه واضطرابهم في التعاليم، وأحكام الشريعة بعده، وألقى بين قوم رسول الله ما أهاجهم على تكذيبه وحربه، وبين أُمّته ما أوجب الخلاف وظهور البدع فينسخ الله بنور الهدى غياهب الضلال وغواية الشيطان، فيسفر للعقول السليمة صبح الحق، ثم يحكم الله آياته ويؤيّد حججه بإرسال الرسل، أو تسديد جامعة الدين القيم(١) .

وما ذكره - قدّس الله سرّه - كلام لا غبار عليه، وقد شيّدنا أساسه فيما سبق.

إلى هنا تبيّن مفاد جميع مقاطع الآية بوضوح وبقي الكلام في التفسير السخيف الذي تمسّك به بعض القساوسة الطاعنين في الإسلام، ومَن حذا حذوهم من البسطاء.

التفسير الباطل للآية

ثمّ إنّ بعض القساوسة الذين أرادوا الطعن في الإسلام والتنقيص من شأن القرآن، تمسّكوا بهذه الآية وقالوا: بأنّ المراد من الآية هو أنّ ( ما من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنّى وتلا الآيات النازلة عليه تدخّل الشيطان في قراءته فأدخل فيها ما ليس منها ) واستشهدوا لذلك التفسير بما رواه الطبري عن محمد بن كعب القرضي، ومحمد بن قيس، قالا: جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نادٍ من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذٍ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه، فأنزل الله عليه( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى ) (٢) فقرأهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا بلغ:( أفَرأيتُمُ اللاَّتَ والعُزّى * ومَناةَ الثالِثَةَ الأُخْرى ) (٣) ألقى عليه الشيطان كلمتين: ( تلك

_____________________

١ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٤.

٢ - النجم: ١ - ٢.

٣ - النجم: ١٩ - ٢٠.

٩٣

الغرانقة العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ) فتكلّم بها ثم مضى فقرأ السورة كلّها، فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه، ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، فرضوا بما تكلّم به وقالوا قد عرفنا: إنّ الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده إذ جعلت لها نصيباً فنحن معك، قالا: فلمّا أمسى أتاه جبرائيلعليه‌السلام فعرض عليه السورة، فلمّا بلغ الكلمتين اللّتين ألقى الشيطان عليه، قال ما جئتك بهاتين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه:( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ ) إلى قوله:

( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) (١) ، فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت عليه:( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ ما يلقِي الشَّيطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ واللهُ عَليِمٌ حَكِيمٌ ) قال فسمع مَن كان من المهاجرين بأرض الحبشة أنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا فوجدوا قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان(٢) .

ولا يخفى ما في هذا التفسير وشأن النزول من الإشكالات التي تسقطه عن صحّة الاستناد إليه.

أمّا أوّلاً: فلأنّه مبني على أنّ قوله ( تمنّى ) بمعنى تلا، وأنّ لفظة ( أُمنيته ) بمعنى تلاوته، وهذا الاستعمال ليس مأنوساً في لغة القرآن والحديث، ولو صحّ فإنّما هو استعمال شاذ يجب تنزيه القرآن عنه.

_____________________

١ - الإسراء: ٧٣، ٧٥.

٢ - تفسير الطبري: ١٧/١٣١، ونقله السيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية.

٩٤

نعم استدلّ بعضهم بقول حسّان على ذاك الاستعمال:

تمنّى كتاب الله أوّل ليلةٍ

وآخره لاقى حمام المقادر

وقول الآخر:

تمنّى كتاب الله آخر ليلة

تمنّي داود الزبور على رسل

وهذان البيتان لو صحّ إسنادهما إلى عربي صميم كحسّان لا يحسن حمل القرآن على لغة شاذّة.

أضف إلى ذلك أنّ البيت غير موجود في ديوان حسّان، وإنّما نقله عنه المفسّرون في تفاسيرهم، وقد نقله أبو حيان في تفسيره (ج٦ ص٣٨٢) واستشهد به صاحب المقاييس (ج٥ ص٢٧٧).

ولو صحّ الاستدلال به فرضاً فإنّما يتم في اللفظ الأوّل دون الأُمنية لعدم ورودها فيه.

وثانياً: أنّ الرواية لا يمكن أن يحتج بها لجهات كثيرة أقلّها أنّها لا تتجاوز في طرقها عن التابعين ومن هو دونهم إلاّ إلى ابن عباس مع أنّه لم يكن مولوداً في الوقت المجعول للقصّة.

أضف إلى ذلك، الاضطراب الموجود في متنها فقد نقل بصور مختلفة يبلغ عدد الاختلاف إلى أربع وعشرين صورة، وقد جمع تلك الصور المختلفة العلاّمة البلاغي في أثره النفيس، فلاحظ(١) .

وثالثاً: أنّ القصة تكذّب نفسها؛ لأنّها تتضمّن أنّ النبي بعد ما أدخل الجملتين الزائدتين في ثنايا الآيات، استرسل في تلاوة بقيّة السورة إلى آخرها

_____________________

١ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٠.

٩٥

وسجد النبي والمشركون الحاضرون معه، فرحاً بما جاء في تينك الجملتين من الثناء على آلهتهم.

ولكنّ الآيات التي وقعت بعدهما، واسترسل النبي في تلاوتها عبارة عن قوله سبحانه:( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى * إِنْ هيَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباوَكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) (١) إلى آخر الآيات.

وعندئذ يطرح هذا السؤال، وهو أنّه كيف رضي متكلّم العرب ومنطيقهم وحكيمهم وشاعرهم: الوليد بن المغيرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الثناء القصير، وغفل عن الآيات اللاحقة التي تندّد بآلهتهم بشدّة وعنف، ويعدّها معبودات خرافية لا تملك من الإلوهية إلاّ الاسم والعنوان ؟!

أو ليس ذلك دليلاً على أنّ جاعل القصّة من الوضّاعين الكذّابين الذي افتعل القصّة في موضع غفل عن أنّه ليس محلاًّ لها، وقد قيل: لا ذاكرة لكذوب.

ورابعاً: أنّ الله سبحانه يصف في صدر السورة نبيّه الأكرم بقوله:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْىٌ يُوحى ) (٢) ، وعندئذ كيف يصح له سبحانه أن يصف نبيّه في أوّل السورة بهذا الوصف، ثم يبدر من نبيّه ما ينافي هذا التوصيف أشدّ المنافاة، وفي وسعه سبحانه صون نبيّه عن الانزلاق إلى مثل هذا المنزلق الخطير ؟!

وخامساً: أنّ الجملتين الزائدتين اللّتين أُلصقتا بالآيات، تكذّبهما سائر الآيات الدالة على صيانة النبي الأكرم في مقام تلقّي الوحي والتحفّظ عليه وإبلاغه كما مرّ في تفسير قوله سبحانه:( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (٣) .

_____________________

١ - النجم: ٢٢ - ٢٣.

٢ - النجم: ٣ - ٤.

٣ - الجن: ٢٧.

٩٦

وقوله تعالى:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاويل * لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (١) .

وسادساً: أنّ علماء الإسلام، وأهل العلم والدراية من المسلمين، قد واجهوا هذه الحكاية بالرد، فوصفها المرتضى بالخرافة التي وضعوها(٢) .

وقال النسفي: إنّ القول بها غير مَرْضيّ وقال الخازن في تفسيره: إنّ العلماء وهّنوا أصل القصّة ولم يروها أحد من أهل الصحّة، ولا أسندها ثقة بسند صحيح، أو سليم متصل، وإنّما رواها المفسّرون والمؤرّخون المولعون بكل غريب، الملفّقون من الصحف كل صحيح وسقيم، والذي يدل على ضعف هذه القصّة اضطراب رواتها، وانقطاع سندها واختلاف ألفاظها(٣) .

هذه هي أهم الإشكالات التي ترد على القصّة وتجعلها في موضع من البطلان قد ذكرها المحقّقون في الرد على هذه القصّة وقد ذكرنا قسماً منها في كتابنا ( فروغ أبديت )(٤) ، ولا نطيل المقام بذكرها.

_____________________

١ - الحاقة: ٤٤ - ٤٦.

٢ - تنزيه الأنبياء: ١٠٩.

٣ - الهدى إلى دين المصطفى: ١/١٣٠.

٤ - كتاب أُلّف في بيان سيرة النبي الأكرم من ولادته إلى وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد طُبع في جزأين.

٩٧

الطائفة الثانية

ما يمسّ عصمة عدّة خاصّة من الأنبياء

فهذه الطائفة عبارة عن الآيات التي تمسّ بظاهرها عصمة بعض الأنبياء بصورة جزئية وها نحن نذكرها واحدة بعد أُخرى.

- ١ -

عصمة آدمعليه‌السلام والشجرة المنهي عنها

وجعل الشريك لله

وقد طرحنا في هذه الطائفة أبرز الآيات التي وقعت ذريعة بأيدي المخطّئة في مجال نفي العصمة عن عدّة معيّنة من الأنبياء، وراعينا الترتيب التاريخي لهم، فنقدّم البحث عن عصمة آدمعليه‌السلام على البحث عن عصمة نوحعليه‌السلام وهكذا.

إنّ حديث الشجرة المنهيّ عنها هو أقوى ما تمسّك به المخالفون للعصمة المجوّزون صدور المعصية من الرسل والأنبياء، ويعدّ ذلك في منطقهم ( كبيت القصيد ) في ذلك المجال، ولأجل ذلك ينبغي التوسّع في البحث واستقصاء ما يمكن أن يقع ذريعة في يد المخالف فنقول:

٩٨

إنّ حديث الشجرة ورد على وجه التفصيل في سور ثلاث، نذكر منها ما يتعلّق بمورد البحث قال سبحانه:( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الْشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرضِ مُسْتَقَرّ وَمَتاعٌ إِلَى حِين * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) .

ويقول سبحانه:( وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُرِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءاتِهِما وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هِذِهِ الشَّجَرَةِ إلاّ أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحينَ * فَدَلاّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُما رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوّ مُبينٌ * قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الأرضِ مُسْتَقَرّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (٢) .

فأنت ترى أنّه سبحانه يتوسّع في بيان القصّة في هذه السورة، بينما هو يختصر في بيانها في السورة السابقة، ووجه ذلك أنّ سورة الأعراف مكّيّة وسورة البقرة مدنية، ولمّا توسّع في البيان في السورة المتقدّمة أوجز في السورة اللاحقة ولم يفصّل.

____________________

١ - البقرة: ٣٥ - ٣٧.

٢ - الأعراف: ١٩ - ٢٤.

٩٩

ويقول سبحانه:( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا ولا تَعْرَى * وَأنَّكَ لا تَظْمَؤا فِيَها ولا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوءاتُهُما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ) (١) .

هذه السور الثلاث قد احتوت على مهمّات هذه القصّة، فينبغي علينا توضيح ما ورد فيها من الجمل والكلمات التي تعتبر مثاراً للتساؤلات الآتية:

التساؤلات حول الآيات

إنّ التساؤلات المطروحة حول الآيات عبارة عن:

١ - ما هي نوعية النهي في قوله تعالى:( لا تقربا ) ؟

٢ - ما هو المراد من وسوسة الشيطان لآدم وزوجته ؟

٣ - ماذا يراد من قوله:( فأزلّهما الشيطان ) ؟

٤ - ماذا يراد من قوله:( فعصى آدم ربّه فغوى ) وهل العصيان والغواية يلازمان المعصية المصطلحة ؟

٥ - ما معنى اعتراف آدم بظلمه لنفسه في قوله:( ربّنا ظلمنا أنفسنا ) ؟

____________________

١ - طه: ١١٥ - ١٢٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

العين السليمة إذا دفعها الملتقط ؛ لأنّ ما خرج عن ملكه تغيّر عمّا كان(١) .

وحينئذٍ هو بالخيار بين البدل والعين الناقصة إمّا مع الأرش - كما ذهبنا إليه وإمّا بدونه ، كما قاله بعض الشافعيّة(٢) .

مسألة ٣٦٤ : إذا كانت اللّقطة موجودةً وكتمها الملتقط ولم يُعرّفها ثمّ ظهر المالك ، كان له أخذها لا غير ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والملتقط لم تشتغل ذمّته إلّا بعين اللّقطة ، فلا يجب عليه ردّ ما عداها.

وقد روى صفوان الجمّال عن الصادقعليه‌السلام أنّه سمعه يقول : « مَنْ وجد ضالّةً فلم يُعرّفها ثمّ وجدت عنده فإنّها لربّها ومثلها من مال الذي كتمها »(٣) .

وهو مناسب لقول أحمد في الغنيمة : إنّ مَنْ غلّ منها شيئاً وجب عليه ردّها ومثله(٤) .

والرواية محمولة على الاستحباب ، أو على أنّه قد مضى من الزمان الذي بقيت في يده ما تكون أُجرته مساويةً لها ، فيجب عليه أداء ذلك إذا كان مالكها قد طلبها وكَتَمها عنه.

مسألة ٣٦٥ : لو وجد اللّقطةَ اثنان فالتقطاها معاً دفعةً ، وجب عليهما معاً تعريفها حولاً.

والأقرب : الاكتفاء بتعريف أحدهما إذا فَعَل ما يجب في التعريف ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يجب على الملتقط مباشرة التعريف ، بل له أن يُعرّفها بنفسه وبغيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨٠.

(٤) المغني ١٠ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧.

٢٦١

إذا عرفت هذا ، فإن عرّفاها حولاً وقلنا : إنّ الملتقط يملك ملكاً قهريّاً ، مَلَكاها معاً بحئول الحول ، وليس لأحدهما نقل حقّه إلى صاحبه ، إلّا بسببٍ ناقلٍ من هبةٍ أو غيرها ، كما لو ورثا معاً مالاً ، وكما أنّه ليس للملتقط نقل حقّه إلى غيره.

وإن قلنا : لا يملك الملتقط إلّا باختياره لو اختارا معاً تملّكها ، مَلَكاها. ولو اختارا حفظها وعدم تملّكها ، لم يملكها أحدهما ، وكانت أمانةً في أيديهما. ولو اختلفا فاختار أحدهما التملّك دون الآخَر ، مَلَك المختار نصفها دون الآخَر.

ولو رأياها معاً فبادر أحدهما فأخذها أو رآها أحدهما فأعلم بها الآخَر فأخذها ، فهي للآخذ خاصّةً ؛ لأنّ استحقاق اللّقطة بالأخذ ؛ لا بالرؤية ، كالاصطياد والاحتطاب.

ولو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه وقال له : هاتها ، أو أعطني إيّاها ، أو ارفعها إلَيَّ ، فإن أخذها المأمور لنفسه ، فهي له دون الآمر ؛ لوجود سبب الملك في حقّه ، دون صاحبه ، وإن أخذها للآمر أو لنفسه وللآمر ، بُني على جواز التوكيل في الاصطياد ونحوه ، إن سوّغنا التوكيل عُمل بمقتضى نيّة الآخذ ، وإلّا كانت للآخذ خاصّةً.

ولو تنازعا في لقطةٍ(١) ، فادّعى كلٌّ منهما أنّه الذي التقطها دون صاحبه وأقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فإن شهدت إحداهما بالسبق حُكم له ، وإلّا حُكم بها للخارج عندنا ، وللداخل عند الشافعي(٢) .

مسألة ٣٦٦ : لو ضاعت اللّقطة عن ملتقطها بغير تفريطٍ منه ، فلا ضمان‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « اللّقطة ».

(٢) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٦٢

عليه ؛ لأنّها أمانة في يده ، وكما لو تلفت في يده ، فأشبهت الوديعة.

فإن التقطها آخَر فعرف أنّها ضاعت من الأوّل ، فعليه ردّها إليه ؛ لأنّه قد ثبت له حقّ التموّل وولاية التعريف والحفظ ، فلا يزول ذلك بالضياع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ الثاني أحقّ بها(١) .

وليس بجيّدٍ.

ولو لم يعلم الثاني بالحال حتى عرّفها حولاً ، مَلَكها الثاني ؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه من غير عدوانٍ ، فيثبت الملك فيه ، كالأوّل ، ولا يملك الأوّل انتزاعها ؛ لأنّ الملك مقدَّم على حقّ التملّك ، وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني ، وليس له مطالبة الأوّل ؛ لأنّه لم يفرّط.

ولو علم الثاني بالأوّل فردّها إليه فامتنع من أخذها وقال : عرِّفها أنت ، فعرَّفها ، مَلَكها أيضاً ؛ لأنّ الأوّل ترك حقّ اليد وولاية التعريف ، فسقط.

وإن قال : عرِّفها ويكون ملكها لي ، ففَعَل ، فهو مستنيب له في التعريف ، ويملكها الأوّل ؛ لأنّه وكّله في التعريف ، فصحّ ، كما لو كانت في يد الأوّل.

وإن قال : عرِّفها وتكون بيننا ، صحّ أيضاً ، وكانت بينهما ؛ لأنّه أسقط حقّه من نصفها ، ووكّله في الباقي.

ولو قصد الثاني بالتعريف تملّكها لنفسه دون الأوّل ، احتُمل أن يملكها الثاني ؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه ، فمَلَكها ، كما لو أذن له الأوّل وعرَّفها لنفسه ، وأن لا يملكها الثاني ؛ لأنّ ولاية التعريف للأوّل ، فأشبه ما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

٢٦٣

لو غصبها من الملتقط غاصب فعرّفها.

وكذا الحكم إذا علم الثاني بالأوّل فعرّفها ولم يُعلِمْه بها ، وهذا يشبه المحجّر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه.

فأمّا إن غصبها غاصب من الملتقط فعرّفها لم يملكها ؛ لأنّه متعدٍّ بأخذها ، ولم يوجد منه سبب تملّكها ، فإنّ الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه ، بخلاف ما لو التقطها اثنان ، فإنّه وُجد منه الالتقاط والتعريف.

ولو دفعها الثاني إلى الأوّل فامتنع الأوّل من أخذها فمَلَكها الثاني وأتلفها أو تلفت بعد تملّكه مطلقاً أو قبله بالتفريط فجاء المالك فطلبها ، تخيّر في الرجوع على مَنْ شاء منهما.

أمّا الأوّل : فلتمكّنه من أخذ مال الغير الذي استولى عليه ، فكان كالدافع لها إلى الغير ، لكن يستقرّ الضمان على الثاني.

وأمّا الثاني : فلأنّ التلف في يده.

ولو تملّكها الأوّل بعد التعريف حولاً ثمّ ضاعت منه فالتقطها الثاني فعرّفها حولاً ومَلَكها ثمّ جاء المالك ، فإن قلنا : له الرجوع في العين ، كان له مطالبة مَنْ شاء منهما ، ويستقرّ الضمان على الثاني ، وإن قلنا : لا حقّ له في العين ، فالأقوى : إنّه ليس له مطالبة الثاني ، بل الأوّل خاصّةً ، وللأوّل الرجوع على الثاني.

فروع :

أ - لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فدفعه برِجْله ليعرف جنسه أو قدره ثمّ لم يأخذه حتى ضاع ، قال بعض الشافعيّة : لا يضمنه ؛ لأنّه‌

٢٦٤

لم يحصل في يده(١) .

وفيه نظر.

ب - لو دفع اللّقطة إلى الحاكم وترك التعريف والتملّك ثمّ ندم وأراد أن يُعرّف ويتملّك ، كان له ذلك ، ويُمكّنه الحاكم منه.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

ج - لو وجد خمراً أراقها صاحبها ، لم يلزمه تعريفها ؛ لأنّ إراقتها مستحقّة.

فإن صارت عنده خَلاًّ ، مَلَكها ؛ لأنّ الأوّل أسقط حقّه منها ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لمَنْ أراقها ، كما لو غصبها فصارت خَلاًّ عنده(٣) .

والفرق : إنّها في الغصب مأخوذة بغير رضا صاحبها ، وفي المتنازع قد أسقط صاحبها حقّه منها.

وهذا البحث يستمرّ في الخمر المحترمة خاصّةً ، فالقول حينئذٍ بأنّ إراقتها مستحقّة ممنوع.

أمّا في الابتداء فظاهر.

وأمّا عند الوجدان فكذلك ينبغي أن يجوز إمساكها إذا خلا عن قصدٍ فاسد.

ثمّ هذا الحكم مخصوص بما إذا أراقها ؛ لأنّه بالإراقة مُعرض عنها ، فيكون كما لو أعرض عن جلد ميتةٍ فدبغه غيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

٢٦٥

وفيه للشافعيّة وجهان(١) .

وأمّا إذا ضاعت الخمر المحترمة من صاحبها ، فلتُعَّرف ، كالكلب.

مسألة ٣٦٧ : وإنّما يجب الدفع إلى المالك ، فإذا جاء مَنْ يدّعيها ، فإن لم يُقِمْ بيّنةً بها ولا وَصَفها ، لم تُدفع إليه ، إلّا أن يعلم الملتقط أنّها له ، فيجب عليه دفعها إليه.

وإن أقام البيّنة ، رُدّت عليه.

وإن لم تكن هناك بيّنة ولكن وَصَفها بصفاتها الخاصّة التي تخفى عن غير المالك ، فإن لم يغلب على ظنّ الملتقط صدقه وأنّها له ، لم تُدفع إليه - وهو المشهور للشافعيّة(٢) - لأصالة عصمة مال الغير.

ولقولهعليه‌السلام : « البيّنة على المدّعي »(٣) .

وحكى الجويني وجهاً آخَر في جواز الدفع(٤) .

وقال مالك وأبو عبيد وداوُد وأحمد وابن المنذر : إذا عرف عفاصها ووكاءها وعددها ، وجب دفعها إليه ، سواء غلب على ظنّه صدقه أو لم يغلب(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧.

(٣) جامع المسانيد - للخوارزمي - ٢ : ٢٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٢٦ / ١٣٤١ ، سنن الدارقطني ٤ : ١٥٧ / ٨ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٧٩ ، و ١٠ : ٢٥٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧.

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ / ٣٣١٠٧ ، التمهيد ٣ : ١٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٦ ، الذخيرة ٩ : ١١٧ ، المعونة ٢ : ١٢٦٣ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢.

٢٦٦

وأمّا الشافعي وأبو حنيفة فإنّهما قالا : لا يُجبر على دفعها إلّا ببيّنةٍ(١) ، كما ذهبنا إليه.

ويجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنّه صدقه ، وبه قالا(٢) .

وقال أصحاب الرأي : إن شاء دفعها إليه ، وأخذ كفيلاً(٣) .

واحتجّ مالك وأحمد : بما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « فإن جاء أحد يُخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه »(٤) .

قال ابن المنذر : هذا الثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبه أقول(٥) .

ولأنّ إقامة البيّنة بذلك تتعذّر(٦) في اللّقطة ، فاكتفي فيها بالوصف ،

____________________

(١) الأُم ٤ : ٦٦ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٤ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، مختصر القدوري : ١٣٥ - ١٣٦ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٣٣١١٤ و ٣٣١١٥ ، التمهيد ٣ : ١٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٦ ، الذخيرة ٩ : ١١٧ ، المعونة ٢ : ١٢٦٣ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨.

(٢) الأُم ٤ : ٦٦ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٤ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، مختصر القدوري : ١٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٣٣١١٤ و ٣٣١١٥.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٤٠ / ٣٣١١٨ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ١٩٢ و ١٩٧.

(٥) المغني ٦ : ٣٦٣.

(٦) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « متعذّر ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٦٧

ولهذا أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الملتقط بمعرفة العفاص والوكاء(١) (٢) .

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ وصف الوعاء لا يستحقّ به(٣) ، كالمغصوب ، وتعذّر إقامة البيّنة قائم في المغصوب والمسروق ، وذِكْرُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الصفاتِ ؛ لما قدّمناه من الفوائد ، لا للتسليم إلى مدّعيه بمجرّد ذكرها.

وإن غلب على ظنّ الملتقط صدق المدّعي الواصف لها ، جاز دفعها إليه ولا يجب - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ القولين(٤) - لما تقدّم من أنّه مُدّعٍ ، فيفتقر إلى البيّنة.

والوجه الثاني للشافعي : إنّه يجب دفعها ، وبه قال مالك وأحمد ؛ لأنّهم أوجبوا الدفع مع وصف العفاص والوعاء والعدد وإن لم يغلب على الظنّ الصدقُ ، فمعه أولى(٥) .

مسألة ٣٦٨ : ولا يكفي في وجوب الدفع الشاهدُ الواحد وإن كان عَدْلا ؛ لأنّ البيّنة لا تثبت به ، والأمر بالإشهاد وقع باثنين ، فلا يكفي الواحد ، والأصل عصمة مال الغير.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : الاكتفاء بالعَدْل الواحد ؛ لحصول الثقة بقوله(٦) .

ويحتمل عندي جواز الدفع إن حصل الظنّ ، كما لو حصل الظنّ بالوصف.

ولو قال الواصف : يلزمك تسليمها إلَيَّ ، فله أن يحلف أنّه لا يلزمه.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) المغني ٦ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ - ٣٨٩.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « بها ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الهامش ( ١ و ٢ ) من ص ٢٦٦.

(٥) راجع : الهامش (٥) من ص ٢٦٥.

(٦) الوسيط ٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢.

٢٦٨

ولو قال : تعلم أنّها ملكي ، حلف على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي ، وحُكم له به.

مسألة ٣٦٩ : إذا حضر طالب اللّقطة ووَصَفَها ولم يُقِم بيّنةً فدفعها الملتقط إليه ثمّ جاء آخَر وأقام البيّنة على أنّها له ، فإن كانت باقيةً انتُزعت منه ودُفعت إلى الثاني.

وإن تلفت عنده ، تخيّر المالك بين أن يُضمّن الملتقطَ ؛ لأنّه حالَ بين المالك وملكه بدفعه إلى غيره ، أو الواصفَ ؛ لفساد القبض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) .

فإن ضمّن الواصفَ ، لم يرجع على الملتقط ؛ لأنّ التلف وقع في يده ، ولأنّ الثاني ظالم بزعمه ، فلا يرجع على غير ظالمه ، وإن ضمّن الملتقطَ رجع إن لم يُقرّ للواصف بالملك ، وإن أقرّ لم يرجع ؛ مؤاخذةً له بقوله.

وقال بعض أصحاب مالك ، وأبو عبيد : إنّه لا يضمن الملتقط ؛ لأنّه فَعَل ما أُمر به ، وهو أمين غير مفرّطٍ ولا مقصّرٍ ، فلم يضمن ، كما لو دفعها بأمر الحاكم [ و ](٢) لأنّ الدفع واجب عليه ، فصار الدفع بغير اختياره ، فلم يضمنه ، كما لو أُكره(٣) .

هذا إذا دفع بنفسه ، وأمّا إذا ألزمه الحاكم الدفع إلى الواصف ، لم يكن لمقيم البيّنة تضمينه ؛ لأنّها مأخوذة منه على سبيل القهر ، فلم يضمنها ، كما‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، المغني ٦ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٣.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني.

(٣) الذخيرة ٩ : ١١٩ : المغني ٦ : ٣٦٥.

٢٦٩

لو غصبها غاصب.

وإذا ضمّن الواصفَ ، لم يرجع على أحدٍ ؛ لأنّ العدوان منه ، والتلف عنده.

ثمّ إن كان رأي الحاكم الدفعَ بالوصف ، كان لمقيم البيّنة تضمين المدفوع إليه خاصّةً.

وإن لم يكن رأيه ذلك ، كان مخيّراً بين أن يرجع على الحاكم ؛ لبطلان الدفع عنده ، وبين أن يرجع على القابض ، ويستقرّ الضمان على القابض.

ولو جاء الواصف بعد ما تملّك الملتقط اللّقطةَ وأتلفها فغرمها الملتقط له لظنّه صدقه ثمّ جاء آخَر وأقام البيّنة بملكيّتها ، كان له مطالبة الملتقط دون الواصف ؛ لأنّ الذي قبضه الواصف ليس عين ماله ، وإنّما هو مال الملتقط.

ثمّ إنّ الملتقط يرجع على الواصف إن لم يكن قد أقرّ له بالملك عند الغرامة ، وإن كان قد أقرّ لم يكن له الرجوعُ ؛ لاعترافه بأنّه المستحقّ ، وأنّ الثاني ظالم.

ولو تعذّر الرجوع على الملتقط ، فالأقوى : إنّ له الرجوعَ على القابض اقتصاصاً للملتقط إن لم يُقم القابض البيّنةَ على الملتقط باعترافه له بالملكيّة.

مسألة ٣٧٠ : لو أقام واحد بيّنةً بها فدُفعت إليه ثمّ أقام آخَر بيّنةً أُخرى بأنّها له أيضا ، فإن لم يكن هناك ترجيح لإحدى البيّنتين على الأُخرى ، أُقرع بينهما ؛ لأنّه مشكل ؛ لانتفاء الأولويّة والحكم بهما ودفعهما معاً.

فإن خرجت للأوّل فلا بحث ، وإن خرجت القرعة للثاني انتُزعت من‌

٢٧٠

الأوّل وسُلّمت إليه.

ولو تلفت ، فإن كان الملتقط قد دفع بإذن الحاكم ، لم يضمن ، وكان الضمان على الأوّل ، وإن كان قد دفعها باجتهاده ضمن ؛ لأنّه ليس له الحكم لنفسه.

أمّا لو قامت البيّنة بعد الحول وتملّك الملتقط ودفع العوض إلى الأوّل ، ضمن الملتقط للثاني على كلّ حالٍ ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته لم يتعيّن بالدفع إلى الأوّل ، ورجع الملتقط على الأوّل ؛ لتحقّق بطلان الحكم.

وعند الشافعي إذا أقام كلّ واحدٍ بيّنةً على أنّها له ، ففيه أقوال التعارض(١) .

تذنيب : لو أقام مدّعي اللّقطة شاهدَيْن عَدْلين عنده وعند الملتقط وفاسقين عند القاضي ، لم يجز للقابض الدفع بشهادة هذين الشاهدين وإن اعترف الغريم بعدالتهما ؛ لأنّه يعرف منهما ما يخفى عن الغريم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : هذا.

والثاني : إنّ له الدفعَ ؛ لاعترافه بعدالتهما(٢) .

وليس بشي‌ءٍ.

آخَر : لو وصفها اثنان وتداعياها ، فإن قلنا بالدفع بالوصف وجوباً ، أُقرع بينهما ، كما لو أقاما بيّنةً ، وإن قلنا به جوازاً ، جازت القرعة ، والحكم كما تقدّم.

وقال بعض الحنابلة : تقسم بينهما ؛ لتساويهما فيما يستحقّ به الدفع ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

٢٧١

فتساويا فيها ، كما لو كانت في أيديهما(١) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّهما لو تداعيا عيناً في يد غيرهما وتساويا في البيّنة أو عدمها ، تكون لمن وقعت له القرعة ، كما لو تداعيا وديعةً في يد إنسانٍ واعترف لأحدهما من غير تعيينٍ ، بخلاف ما لو كانت في يديهما ؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما على نصفها ، فيُرجّح قوله فيه.

آخَر : لا تُدفع إلى مَنْ خرجت له القرعة إلّا باليمين ، فإن امتنع منها أُحلف الآخَر ، فإن امتنعا احتُمل إيقافها إمّا عليهما حتى يصطلحا ، أو على غيرهما.

ولا فرق في ذلك بين وجوب القرعة بالوصف أو بالبيّنة.

آخَر : لو وصفها واحد فدُفعت إليه ثمّ جاء آخَر فوصفها وادّعاها ، لم يستحق شيئا ؛ لأنّ الأوّل استحقّها لوصفه إيّاها ، وعدم المنازع فيها ، وتثبت يده عليها ، ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه ، فيجب بقاؤها له ، كسائر أمواله.

مسألة ٣٧١ : لو جاء مدّعي اللّقطة فادّعاها ولم يُقم بيّنةً ولا وَصَفَها ، لم يجز دفع اللّقطة إليه ، سواء غلب على ظنّه صدقه أو كذبه - وبه قال جمهور العامّة(٢) - لأنّها أمانة ، فلم يجز(٣) دفعها إلى مَنْ لم يثبت أنّه صاحبها ، كالوديعة.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٢.

(٢) المغني ٦ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٤.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يجب » بدل « لم يجز ». والمثبت يقتضيه السياق.

٢٧٢

فإن دفعها إليه فجاء آخَر فوَصَفَها أو أقام بيّنةً ، لزم الدافع غرامتها ؛ لأنّه فوّتها على مالكها ، وحالَ بينه وبينها بدفعه ، وله الرجوع على مدّعيها ؛ لأنّه أخذ مال غيره ، ولصاحبها تضمين آخذها ، فإذا ضمّنه لم يرجع على أحدٍ.

وإن لم يأت أحد ، فللملتقط مطالبة آخذها بها ؛ لأنّه لا يأمن مجي‌ء صاحبها ، فيغرمه إيّاها ، ولأنّها أمانة في يده ، فمَلَك أخذها من غاصبها ، كالوديعة.

* * *

٢٧٣

المطلب الثالث : في اللواحق.

مسألة ٣٧٢ : قد بيّنّا الخلاف في أنّ الملتقط هل يملك اللّقطة ملكاً مراعىً يزول بمجي‌ء صاحبها ويضمن له بدلها إن تعذّر ردّها ، أو يملكها ملكاً مستقرّاً ويجب عليه دفع العوض إلى صاحبها وإن كانت موجودةً؟

إذا تقرّر هذا ، فهل يملكها الملتقط مجّاناً بغير عوضٍ يثبت في ذمّته ، وإنّما يتجدّد وجوب العوض بمجي‌ء صاحبها ، كما يتجدّد زوال الملك عنها بمجيئه ، وكما يتجدّد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله إن تعذّر ثبوت الملك فيه بالطلاق ، أو لا يملكها إلّا بعوضٍ يثبت في ذمّته لصاحبها؟ إشكال ينشأ : من قولهعليه‌السلام : « فإن جاء صاحبها وإلّا فهي مال الله تعالى يؤتيه مَنْ يشاء »(١) فجَعَلها من المباحات ، رواه العامّة ، ومن أنّه يملك المطالبة ، فأشبه القرض.

والثاني أولى ، والفائدة : وجوب عزلها ، أو عزل بدلها من تركته ، واستحقاق الزكاة بسبب الغرم ، ووجوب الوصيّة بها ، ومنع وجوب الخمس بسبب الدَّيْن على التقدير الثاني.

مسألة ٣٧٣ : ما يوجد في المفاوز أو في خربةٍ قد باد أهلها ، فهو لواجده من غير تعريفٍ إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلّا فهو لقطة.

وكذا المدفون في أرضٍ لا مالك لها ، ولو كان لها مالك فهو له ؛ قضاءً لليد.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

٢٧٤

ولو انتقلت عنه بالبيع إليه عرّفه ، فإن عرّفه فهو أحقّ به ، وإلّا عرّفه البائع السابق على بائعه ، وهكذا ، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو لواجده ؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : وسألته عن الورق يوجد في دارٍ ، فقال : « إن كانت الدار معمورةً فهي لأهلها ، وإن كانت خربةً فأنت أحقّ بما وجدتَ »(١) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال : « إن كانت معمورةً فيها أهلها فهو لهم ، وإن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به »(٢) .

ولا ينافي هذا ما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قضى عليٌّعليه‌السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها ، فإن وجد مَنْ يعرفها ، وإلّا تمتّع بها »(٣) لأنّه محمول على ما إذا كان لها مالك معروف ، أو كان على الورق أثر الإسلام.

ولو وجد في داره شيئاً ولم يعرفه ، فإن كان يدخل منزله غيره فهو لقطة يُعرّفه سنةً ، كما يُعرّف اللّقطة ، ويكون حكمه حكم اللّقطة ، وإن كان لا يدخله غيره كان له ؛ بناءً على الظاهر ، وقد يعرض له النسيان عمّا مَلَكه.

ولما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل وجد في بيته ديناراً ، قال : « يدخل منزله غيره؟ » قال : نعم كثير ، قال : « هذه لقطة »(٤) .

ولو وجد في صندوقه شيئاً ولم يعرف أنّه له ، فالحكم كالدار إن كان‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٨.

٢٧٥

غيره يشاركه في فتحه ، كان لقطةً ، وإلّا كان لصاحبه ؛ لما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : قلت : فرجل قد وجد في صندوقه ديناراً ، قال : « يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ » قلت : لا ، قال : « فهو له »(١) .

مسألة ٣٧٤ : لو وجد شيئاً في جوف دابّةٍ ، فإن كانت الدابّة قد انتقلت إليه من غيره ، عرّفه المالك ، فإن عرفه فهو أحقّ به ، وإلّا كان(٢) ملكاً له.

ويحتمل أن يكون لقطةً يُعرّف البائع وغيره ، ويبدأ بالبائع ، لكن علماؤنا على الأوّل.

وكذا لو لم تنتقل إليه من غيره ، بل تولّدت عنده.

لما رواه عبد الله بن جعفر - في الصحيح - قال : كتبتُ إلى الرجل أسأله عن رجلٍ اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي فلـمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّةً فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن تكون؟ قال : فوقّععليه‌السلام : « عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله إيّاه »(٣) .

ولو وجد شيئاً في جوف سمكةٍ كالدرّة يجدها في جوف السمكة ، فإن كان قد مَلَكها بالصيد فهو له ، قال الله تعالى :( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) (٤) فيكون لواجدها.

وإن كانت قد انتقلت إليه بالبيع من الصيّاد فوجدها المشتري ولم يعلم الصيّاد بها ، قال أحمد : تكون للصيّاد ؛ لأنّه إذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه ، فلم يدخل في المبيع ، كمن باع‌

____________________

(١) نفس المصادر.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ / ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٤.

(٤) سورة النحل : ١٤.

٢٧٦

داراً له مال مدفون فيها(١) .

ولو وجد شيئاً غير الدرّة ممّا يكون في البحر ، فهو للصيّاد ، وكان حكمه حكم الجوهرة.

وإن وجد دراهم أو دنانير ، فهي لقطة ؛ لأن ذلك لا يخلق في البحر ، ولا يكون إلّا لآدميٍّ ، فيكون لقطةً ، كما لو وجده في البحر.

وكذا الدرّة إذا كان فيها أثر آدميّ ، كما لو كانت مثقوبةً أو متّصلةً بذهبٍ أو فضّةٍ أو غيرها ، فإنّها تكون لقطةً لا يملكها الصيّاد ؛ لأنّها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها ، فهي كالدينار.

وأمّا علماؤنا فقد أطلقوا القول بأنّ ما يجده في جوف السمكة يكون له ، ولم يفصّلوا إلى ما ذكرناه ، وهو يدلّ على أنّ تملّك اللّقطة يشترط فيه النيّة.

وبالجملة ، قول أحمد لا بأس به عندي.

ولم يفرّق علماؤنا بين أن يصطاد السمكة من البحر وغيره.

وأحمد فرَّق بينهما ، فجعل ما يصطاد من السمك في النهر والعين كالشاة في أنّ ما يوجد في بطنها من ذلك يكون لقطةً ، درّةً كانت أو غيرها(٢) .

مسألة ٣٧٥ : لو وجد عنبرةً على ساحل البحر ، فهي له ؛ لإمكان أن يكون البحر قد ألقاها ، والأصل عدم الملك فيها ، فكانت مباحةً لآخذها ، كالصيد.

وقد روي أنّ بحر عدن ألقى عنبرةً مثل البعير فأخذها ناس بعدن ، فكُتب إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر : خُذوا منها الخُمْس وادفعوا إليهم سائرها ، وإن باعوكموها فاشتروها ، فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزاناً‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٧٠.

(٢) المغني ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١.

٢٧٧

يخرجها ، فقطعناها باثنتين(١) ووزناها فوجدناها ستّمائة رطل ، فأخذنا خُمْسها ودفعنا سائرها إليهم ثمّ اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر بن عبد العزيز فلم يلبث إلّا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار(٢) .

وعلماؤنا قالوا : إنّ العنبر إن أُخرج من البحر بالغوص ، أُخرج منه الخُمْس إن بلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، وكان الباقي للمُخْرج ، وإن قلّت قيمته عن دينارٍ ، فهو له بأجمعه ، وإن جُبي من وجه الماء أو من الساحل ، كان للواجد يخرج منه خُمْسه إن بلغت قيمته عشرين ديناراً ، والباقي له.

وقيل : لا يشترط النصاب(٣) .

وقد روى الشعيري عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن سفينةٍ انكسرت في البحر فأُخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعضَ ما غرق فيها ، فقال : « أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهُمْ أحقّ به »(٤) .

مسألة ٣٧٦ : لو اصطاد غزالاً فوجده مخضوباً أو وجد في عنقه خرزاً أو في أُذنه خيطاً أو نحو ذلك ممّا يدلّ على ثبوت اليد عليه ، فهو لقطة ؛ لأنّ ذلك دليل على أنّه كان مملوكاً لغيره.

ولو ألقى شبكةً في البحر فوقع فيها سمكة فجذبت السمكةُ الشبكةَ فمرّت بها في البحر فصادها رجل ، فالسمكة للّذي صادها ، وأمّا الشبكة‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والمغني : « باثنين ».

(٢) المغني ٦ : ٣٧١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٣.

(٣) لم نتحقّق القائل بذلك.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٩٥ / ٨٢٢.

٢٧٨

فيُعرفها ، فإن وجد صاحبها دفعها إليه ، ولا يملك صاحب الشبكة السمكةَ وإن حصلت في شبكته ؛ لأنّ شبكته لم تثبتها ، فبقيت على الإباحة.

وكذا لو نصب فخّاً(١) أو شَرَكاً(٢) فوقع فيه صيد من صيود البَرّ فأخذه وذهب به وصاده آخَر ، فهو للصائد ، ويردّ الآلة إلى صاحبها ، فإن لم يعرف صاحبها فهي لقطة.

أمّا لو وجد غزالاً أو حمارَ وحشٍ أو غيرهما من الصيود في شَرَكٍ وقد شارف الموت فخلّصه وذبحه ، فهو لصاحب الحبالة ، وما كان من الصيد في الحبالة فهو لناصبها وإن كان صقراً أو عقاباً.

مسألة ٣٧٧ : لو أُخذت ثيابه في الحمّام ووجد بدلها ، أو أُخذ مداسه(٣) وتُرك له بدله ، لم يملكه بذلك ، ولا بأس باستعماله إن علم أنّ صاحبه تركه له عوضاً ، ويعرّفه سنةً ، ثمّ إمّا أن يتملّكه مع الضمان ، أو يحتفظه دائماً ، أو يتصدّق به ويضمن ؛ لأنّ سارق الثياب لم تَجْر بينه وبين مالكها معاوضة توجب زوال ملكه عن ثيابه ، فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ، فلا يعرف مالكه ، فيعرّفه كاللّقطة ، إلّا أن يعلم أنّ السارق قصد المعاوضة بأن يكون الذي له أردأ من الذي سرقه ، وكانت ممّا لا يشتبه على الآخذ بالذي له ، فلا يحتاج حينئذٍ إلى التعريف ؛ لأنّ مالكها تركها قصداً ، والتعريف إنّما جُعل للضائع عن صاحبه ليعلم به ويأخذه ، وتارك هذا عالم به وراضٍ ببدله عوضاً عمّا أخذه ، فلا تحصل من تعريفه فائدة ، وحينئذٍ يباح للواجد‌

____________________

(١) الفخّ : المصيدة التي يصاد بها. لسان العرب ٣ : ٤١ « فخخ ».

(٢) الشَّرَك : حبائل الصائد وما يُنصب للطير. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٣) المداس : الذي ينتعله الإنسان أو ما يُلبَس في الرِّجْل. المصباح المنير : ٢٠٣ ، القاموس المحيط ٢ : ٢١٧ « دوس ».

٢٧٩

استعمالها ؛ لأنّ الظاهر أنّ صاحبها تركها له باذلاً له إيّاها عوضاً عمّا أخذه ، فصار كالمبيح له أخذها بلسانه ، وهو أحد وجوه الحنابلة.

ولهم آخَران :

أحدهما : الصدقة بها.

والثاني : الرفع إلى الحاكم ليبيعها ويدفع ثمنها إليه عوضاً عن ماله(١) .

وما قلناه أولى ؛ لأنّه أرفق بالناس ؛ لأنّ فيه نفعاً لمن سُرقت ثيابه ؛ لحصول عوضها له ، وللسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع ، وقد أُبيح لمن له على إنسانٍ حقٌّ من دَيْنٍ أو غصبٍ أو غير ذلك أن يأخذ من مال مَنْ عليه الحقّ بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك ، فهنا مع رضا مَنْ عليه الحقّ بأخذه أولى.

فإن وجد هناك قرينة تدلّ على اشتباه الحال على الآخذ ، وأنّه إنّما أخذها ظنّاً أنّها ثيابه بأن تكون المتروكة خيراً من المأخوذة أو مساويةً لها وهي ممّا تشتبه ، فينبغي أن يُعرّفها ؛ لأنّ صاحبها لم يتركها عمداً ، فهي بمنزلة الضائعة منه ، والظاهر : إنّه إذا علم بها أخذها ، وردّ ما كان أخذه.

إذا عرفت هذا ، فالظاهر أنّه يتملّكها باختياره بعد التعريف حولاً ، فإن ظهر المالك قاصّه بماله وترادّ الفضل.

ولو دفعها إلى الحاكم بعد التعريف حولاً ليبيعها ويأخذ ثمنها ، جاز.

مسألة ٣٧٨ : لو كان عنده وديعة قد أتى عليها زمان لا يعرف صاحبها ، يبيعها ويتصدّق بثمنها ، فإذا جاء مالكها بعد ذلك خيّره المستودع بين الغرم ويكون الأجر له ، وبين إجازة ما فَعَله ويكون الأجر للمالك.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466