تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150582 / تحميل: 5374
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

محمّد بن يحيى(١) .

والظاهر من هذا أنّه الرجل المذكور ؛ لأنّ الراوي عنه هنا محمّد بن يحيى ، إلاّ أنّ وصفه بالكوفي في الرواية وبالنيشابوري في الرجال لا يوافقه ، إلاّ أن يكون انتقل إلى أحد البلدين.

ثم إنّ استفادة توثيقه من النجاشي يتوقف على ثبوت توثيق أحمد بن عبد الواحد ، وقد تقدّم القول فيه مفصّلاً(٢) . واحتمال رجوع الإشارة من النجاشي إلى أنّه من وجوه الأصحاب ، لا إلى التوثيق ، بعيد عن إشارة البعيد ، ويقرّبه أنّ الظاهر عود الإشارة إلى الجميع من التوثيق وكونه من الوجوه ، ولو رجع إلى البعيد فقط لزم ما لا يخفى ، فليتأمّل.

أمّا محمّد بن عبد الله فمشترك(٣) . ومحمّد بن أبي حمزة تكرّر القول فيه من أنّه الثقة على الظاهر(٤) ، واحتمال غيره بعيد. أمّا محمّد بن يزيد فهو مشترك بين مهملين(٥) . وأبو بصير معلوم ممّا تكرّر الكلام فيه(٦) .

المتن :

في الأخبار الستّة الأُول ظاهر الدلالة على أنّ تكبيرات صلاة الجنازة خمس ، أمّا الدلالة على الوجوب فغير ظاهرة ، لكن بعض الأصحاب ذكر‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٨ / ٣٥٧.

(٢) راجع ج ٤ ص ١٩٣ ١٩٤.

(٣) هداية المحدثين : ٢٤١.

(٤) راجع ج ١ ص ١٤٠ ، ج ٢ ص ٢٣٢ ، ج ٣ ص ٢٦٦ ، ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٧١ ، ٤٩٢ ، ج ٥ ص ١٦.

(٥) هداية المحدثين : ٢٥٩.

(٦) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ج ٢ ص ٩٠ ، ٢١٠ ، ج ٤ ص ١٦ ، ٣٩٢ ، ج ٦ ص ٤٦.

٤٠١

الإجماع على الوجوب ، وأسنده إلى العلاّمة في المنتهى(١) ، وعبارة المنتهى المنقولة : وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ، وعليه علماؤنا أجمع(٢) . وغير خفي عدم دلالتها على الوجوب ؛ إذ الأدعية الخلاف فيها موجود ، فإنّ المحقّق في الشرائع قال : والدعاء بينهن غير لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظاً(٣) .

وما قاله الشهيدرحمه‌الله في الذكرى من أنّ الأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة ، ولم يصرّح أحد منهم بندبيته ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب(٤) ؛ لا يخلو من غرابة بعد قول المحقّق.

فإنْ قلت : ما وجه عدم دلالة الأخبار على الوجوب؟

قلت : لأنّ الأوّل يدلّ على أنّ التكبيرات خمس ، وهذا لا يستفاد منه الوجوب ، إلاّ بتقدير إرادة ( التكبير الواجب )(٥) ، وهو غير معلوم.

والثاني : يدلّ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر خمساً ، والتأسّي إنّما يجب فيما علم وجهه عند المحققين.

والثالث : كالأوّل.

والرابع : كالثاني.

والخامس : والسادس كذلك(٦) .

نعم روى الصدوق في الفقيه بطريقه الصحيح عن عبد الله بن سنان ،

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٣١.

(٢) المنتهى ١ : ٤٥١.

(٣) الشرائع ١ : ١٠٦.

(٤) الذكرى ١ : ٤٣٣.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » : التكبيرات الوجوب.

(٦) أي كالأوّل.

٤٠٢

عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « لمّا مات آدمعليه‌السلام فبلغ إلى الصلاة عليه فقال هبة الله لجبرئيل : تقدّم يا رسول الله فصلّ على نبي الله ، فقال جبرئيلعليه‌السلام : إنّ الله أمرنا بالسجود لأبيك فلسنا نتقدّم أبرار ولده وأنت من أبرّهم ، فتقدّم فكبر خمساً عدّة الصلوات التي فرضها الله عزّ وجلّ على امّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي السنّة الجارية في ولده إلى يوم القيامة »(١) .

وهذا الخبر ربما يقتضي الوجوب وإنْ كان في البين كلام ، غير أنّ عدم الخلاف يسهّل الخطب. ومن هنا يعلم أنّ ما عساه يقال من أنّ بعض الأخبار الدالّة على أنّ صلاة الجنازة استغفار(٢) (٣) ، لا يخلو من دلالة على عدم وجوب ما سوى المذكور ؛ يدفعه ما ذكرناه ، مضافاً إلى وجوب غير ما ذكر بلا ريب فيما يعلم.

وبالجملة : فالمقصود ممّا قلناه مجرّد التنبيه على حقيقة الحال ، ليتّضح ما يأتي من المقال.

أمّا السابع : فما ذكره الشيخ في توجيهه أوّلاً لا يخلو من وجاهة وإنْ بعد عن الظاهر.

أمّا ما قاله من حمل الأربع على التقية فقد يتوجه عليه أنّ الخبر إذا كان واحداً فحمل بعضه على التقية والبعض على وجهٍ يوافق المذهب الحقّ مستبعد.

وجوابه أنّ من أهل الخلاف من قال بالخمس(٤) ، على ما يقتضيه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٠ / ٤٦٨ ، الوسائل ٣ : ٧٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٥ ح ١٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٥٩ أبواب صلاة الجنازة ب ١.

(٣) في « فض » زيادة : ونحو ذلك.

(٤) حكاه في شرح النووي عن ابن أبي ليلى ، ( إرشاد الساري ٤ ) : ٢٨٥.

٤٠٣

كلام الشيخ بعد الخبر الآتي في ما بعد هذا الباب المتضمّن للانصراف بالخامسة مع قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ، من أنّه محمول على التقية ، وحينئذٍ لا مانع من الحمل على التقية ، ولو فرض انتفاؤه أمكن توجيه الخمس بما قاله الشيخ ، ويندفع به شرّ المخالفين.

وحمل الشيخ على أنّه إخبار عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المنافقين إنْ أراد به كما هو الظاهر غير التقية ففيه أنّه لا ينافي التقية ، والأمر سهل.

والثامن : المستدلّ به قد ذكره في التهذيب بزيادة قوله : يعني بالنفاق. والرواية بطريقٍ حسن في الزيادات عن محمّد بن يعقوب(١) ، وكذلك في الكافي(٢) ، وهي محتملة لأن تكون من محمّد بن يعقوب ، أو من الراوي ، لكن احتمال كونها من الراوي عن الإمامعليه‌السلام له قرب ، إذ الجزم بقوله : يعني ، يقتضي ذلك ، ولولاه لأمكن احتمال غير النفاق وإنْ بعد.

ثم إنّ التفسير باتّهام النفاق ربما يدلّ على أنّ غير المنافق يصلّى عليه بالخمس ، فيدخل فيه المخالف بتقدير الصلاة عليه ، إلاّ أنْ يدّعى دخوله في المنافق ، وفي الذكرى بعد ذكر الخبر قال : وهو جمع حسن بين ما رواه العامّة لو كانوا يعقلون(٣) ، انتهى.

وما عساه يقال : إنّ التكبير أربعاً يقتضي تحقق النفاق ، فما وجه ذكر التهمة؟.

__________________

(١) ذكرها الشيخ في موضعين ، الأوّل في الزيادات : التهذيب ٣ : ١٩٧ / ٤٥٤ عن محمّد بن يعقوب ، وفيه زيادة قوله : يعني بالنفاق ، والآخر في الصلاة على الأموات كما هنا في ، التهذيب ٣ : ٣١٧ / ٩٨٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٨١ / ٢.

(٣) الذكرى ١ : ٤٣١.

٤٠٤

يمكن الجواب عنه بقيام احتمال التخيير في التكبيرات بين الخمس والأربع ونحو ذلك.

أمّا التاسع : فظاهر في أنّ التكبير أربعاً على المنافق ، حيث قال : « ولم يدعُ له لأنّه كان منافقاً » فيؤيد إرادة الاتّهام بالنفاق في الثامن.

وقد ذكر شيخناقدس‌سره في المدارك عند قول المحقق : وإنْ كان منافقاً اقتصر المصلّي على أربع وانصرف بالرابعة ـ : إنّ المراد بالمنافق هنا المخالف ، كما يدلّ عليه ذكره في مقابلة المؤمن في الأخبار وكلام الأصحاب(١) ، انتهى.

وما ذكره من دلالة الأخبار فالذي وقفت عليه ما رواه الشيخ في الباب الآتي(٢) عن أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ فقال : « أمّا المؤمن فخمس تكبيرات ، وأمّا المنافق فأربع ».

وهذا الحديث لا يقتضي انحصار المنافق في المخالف ، وإذا عملنا بالخبر المبحوث عنه دلّ على المنافق غير المخالف ؛ لأنّ فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنافق يقتضي ما ذكرناه ، والخبر الثامن مع صحّته يدلّ أيضاً ، غاية الأمر إمكان أنْ يقال : إنّ المخالف يُدعى عليه والمنافق غيره لا يُدعى عليه ولا له ؛ لدلالة الخبر المبحوث عنه على الانصراف في الرابعة. وقد يقال : إنّ الخبر يدلّ على عدم الدعاء له ، أمّا الدعاء عليه فلا مانع منه ، والانصراف بالرابعة يحتمل أنْ يراد به عدم الاحتياج إلى تكبيرٍ خامس.

فإنْ قلت : إثبات الدعاء على المنافق غير المخالف محتاج إلى الدليل.

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٦٩.

(٢) باب : أنه لا تسليم في الصلاة على الميت ، انظر ص ٤١٤.

٤٠٥

قلت : قد روى الصدوق عن عبيد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال : « إذا صلّيت على عدو الله فقل » إلى آخره(١) . وروى في الكافي ( الحديث عن الحلبي في الحسن نحوه )(٢) (٣) . وروى أيضاً في الحسن عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « إنْ كان جاحداً للحقّ فقل : اللهم » إلى آخره(٤) .

ولا يخفى أنّ تمييز المنافق من المخالف بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محلّ خفاء ، هذا.

ويظهر من بعض الأصحاب التوقف في وجوب الدعاء على المخالف ، من حيث إنّ الأربع يخرج بها من الصلاة(٥) ، واعترضه شيخناقدس‌سره بأنّ الدعاء للميت أو عليه لا يتعين كونه بعد الرابعة ، قالقدس‌سره : وقد ورد بالدعاء على المنافق روايات ، منها : ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « مات رجل من المنافقين فخرج الحسين بن عليعليهما‌السلام يمشي فلقي مولىً له ، فقال له : إلى أين تذهب؟ فقال : أفرّ من جنازة هذا المنافق أنْ أُصلّي عليه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : قم إلى جنبي فما سمعتني أقول فقل مثله ، فرفع يديه فقال. »(٦) (٧) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض » ، وفي « م » بنقيصة : نحوه.

(٣) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٨٩ / ٥ ، الوسائل ٣ : ٧١ أبواب صلاة الجنازة ب ٤ ح ٥.

(٥) الذكرى ١ : ٤٣٩.

(٦) الفقيه ١ : ١٠٥ / ٤٩٠.

(٧) المدارك ٤ : ١٧٠.

٤٠٦

وهذا الحديث لا يخفى أنّه غير دالّ على أنّهعليه‌السلام صلّى على المنافق ليصلح لردّ ما ذكره القائل من الانصراف بالرابعة ، ولا يثبت الدعاء في غير الرابعة ، على أنّ في وصفه بالصحّة تأمّلاً ، لولا ما قدّمناه من إخبار الصدوق.

وقد ذكرقدس‌سره الخبر الذي نقلناه ( عن الكافي حسناً(١) . ولا يخفى أنّه ظاهر في الصلاة على عدوّ الله ، وقد سبق ما قلناه )(٢) عنه من أنّ وجوب الصلاة على المؤمن انعقد عليها الإجماع ، وغير المؤمن لا تخلو الأدلّة على الوجوب عليه من ضعفٍ في سند ، أو قصورٍ في دلالة ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل ، إلى أنْ يقوم على الوجوب دليل.

وغير خفي أنّ خبر الكليني ظاهر الدلالة على الصلاة على عدوّ الله ، والخبر الثامن من المبحوث عنها هنا كذلك ، والخبران عند شيخنا معتمد عليهما ، فالقصور من جهة السند منتفٍ ، ومن جهة الدلالة على الوجوب يمكن توجيههما ، لكن ينبغي الكلام في مشروعية الصلاة ؛ لدلالة الخبرين وغيرهما عليها ، غاية الأمر أنّ هذه الصلاة إمّا أنْ توصف بالاستحباب أو هي نوع من الدعاء المستحب ، ولم أر الآن من أوضح المقام ، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقتضي استحباب التأسّي ، فليتأمّل.

وأمّا العاشر : فذكره من الشيخ في مقام الاستدلال على مطلوبه غير واضح الوجه ؛ لأنّ مفاده جواز تكرار الصلاة على الوجه المبيّن في الرواية ، والمطلوب إثبات الإخبار عن فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع المنافقين ، ويمكن أنْ يوجّه مراد الشيخ بأنّ الخبر تضمّن صدره السؤال عن ما روي أنّ [عليّاًعليه‌السلام ](٣)

__________________

(١) المدارك ٤ : ١٧٠ ، وهو خبر محمّد بن مسلم المتقدّم في ص ٤٠٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) في النسخ : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والصواب ما أثبتناه.

٤٠٧

كبّر على سهل بن حنيف ستّاً فنفاه الإمامعليه‌السلام ، ونفيه يدلّ على أنّ التكبير لا يكون أزيد من خمس ، إلاّ على الوجه المذكور ، فيدلّ على أنّ الخبر الذي بصدد توجيهه الشيخ منتفٍ عنه الموافقة لغير المخالفين ، لا أنّه موافق لهم.

لكن لا يخفى أنّ الشيخ في التهذيب زاد احتمالاً في الخبر الذي هو بصدد توجيهه ، وهو أنّه إذا كان أهل الميت يريدون أنْ يكبّروا عليه أربعاً فيتركون مع اختيارهم ، واستدلّ على هذا بما رواه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ( بن بزيع ، عن محمّد بن عذافر ، عن عقبة ، عن جعفر ، قال : سُئل جعفرعليه‌السلام )(١) عن التكبير على الجنائز؟ فقال : « ذاك إلى أهل المبيت ما شاؤوا كبّروا » [ فقيل](٢) إنّهم يكبّرون أربعاً ، فقال : « ذاك إليهم » ثم قال : « أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه عليعليه‌السلام فكبّر عليه خمساً حتى صلّى خمس صلوات » الحديث(٣) .

وفيه دلالة على أنّ التكبيرات تابعة للإرادة.

ومن عجيب ما وقع للشيخ في التهذيب أنّه قال بعد الخبر المتضمّن للإحدى عشرة تكبيرة والتسع والست والأربع ـ : ما تضمّنه من الزيادة على الخمس مرّات متروك بالإجماع ، ويجوز أنْ يكون أخبر عن فعل النبي ، إلى آخر ما ذكره هنا(٤) ، ثم ذكر احتمال إرادة أهل الميت الأربع ، واستدلّ بما قدّمناه من الرواية عنه.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٢) في النسخ : فقال ، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٣ : ٣١٨ / ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٣١٦.

٤٠٨

وأنت خبير بأنّ الإجماع على نفي الزائد عن الخمس ينافي مدلول الرواية المستدلّ بها ، حيث تضمّنت قوله : « ما شاؤوا كبّروا » وذكر الأربع في الرواية بعد ذلك لا يدلّ على اختصاص النقيصة بالإرادة ، هذا.

ثم إنّ ( الجواب )(١) في الخبر المبحوث عنه المتضمّن لنفي الست ليس على وجه المنع منها لكونها غير مشروعة ، بل لأنّ الواقع من عليّعليه‌السلام على غير ما نقل ، فلا يتمّ توجيه مرام الشيخ بالخبر المبحوث عنه في الكتابين ؛ لأنّه ذكره في التهذيب كما هنا.

وعلى كلّ حال إنْ تحقق المنع من زيادة التكبير أمكن حمل النفي في الخبر على عدم المشروعية ، وبدونه فاحتمال نفي الواقع ممكن.

ومن هنا يعلم أنّ إطلاق بعض الأصحاب بطلان صلاة الجنازة بالنقيصة عن الخمس إذا لم يمكن تداركه(٢) محلّ تأمل إذا لم يثبت الإجماع.

وقول شيخناقدس‌سره : إنّ الصلاة لا تبطل بالزيادة ؛ لتحقق الخروج بالخامسة ، نعم يأثم مع اعتقاد المشروعية(٣) . محلّ بحث ؛ لأنّ الزيادة إنْ كانت من أوّل الصلاة بمعنى قصد فعل الستّة مثلاً فالبطلان بتقدير ثبوت عدم شرعيتها له وجه ؛ وإنْ كان الشروع بقصد الخمس أمكن ما ذكر.

ويظهر من كلام بعض ركنية التكبيرات(٤) ، والكلام في الدليل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما حرّرناه في المقام قد أشرنا إليه في أوّل‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « فض » : الخبر المستدلّ به الشيخ في التهذيب قد ذكر قبله الخبر المبحوث عنه هنا ، وربما كان في خبر التهذيب دلالة على أن.

(٢) كما في المدارك ٤ : ١٦٥.

(٣) المدارك ٤ : ١٦٥.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٢٢.

٤٠٩

البحث من جهة الإجماع ، وبالتأمّل الصادق تظهر حقيقة الأمر.

وأمّا توجيه الشيخ الأخير فمن البعد بمكان ؛ لأنّه يوجب زيادة التخالف بين الأعداد في الخبر ، الموجب لمنافرة الحكمة في بيان الأحكام ، ولعلّ الشيخ لو ذكر هذا في مقام التقية على معنى أنّ التقية تندفع بذكر الأربع مع كون الكلام صحيحاً بإرادة الدعوات كان أولى.

والخبر الحادي عشر : واضح المعنى ، والله تعالى أعلم.

قوله :

باب أنّه لا قراءة في الصلاة على الميت‌

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة(١) ، عن محمّد بن مسلم وزرارة ومعمّر بن يحيى وإسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقّت ، تدعو بما بدا لك ، وأحقّ الموتى أنْ يدعى له(٢) أنْ يبدأ بالصلاة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عمّه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد عن الرضاعليه‌السلام فيما نعلم قال في الصلاة على الجنائز ، قال : « تقرأ في الأُولى بأُمّ الكتاب ، وفي الثانية تصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، وتدعو في الرابعة لميتك ، والخامسة تنصرف بها ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٧٦ / ١٨٤٣ يوجد : عمر بن أُذينة.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٧٦ / ١٨٤٣ يوجد : المؤمن و.

٤١٠

وما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد ، عن(١) عبد الله القمّي ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه : « أنّ علياًعليه‌السلام كان إذا صلّى على ميت قرأ بفاتحة الكتاب ، ويصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله » تمام الحديث.

فالوجه في هذين الخبرين التقية ، لأنّهما موافقان لمذاهب بعض العامّة.

السند :‌

في الأوّل : حسن ، ورجاله المشاركون لمحمّد بن مسلم مضى القول فيهم مفصّلاً(٢) .

والثاني : فيه حمزة بن بزيع ، وحاله في الرجال أنّه غير ممدوح ولا موثق(٣) ، وغيرهما السكوت عنه أولى ، وقول العلاّمة في الخلاصة : إنّه من الثقات(٤) . موهوم من النجاشي ، فإنّه ذكر في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع(٥) ما أوقع العلاّمة في الوهم ، كما نبّه عليه الوالد ـقدس‌سره في فوائد المنتقى(٦) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٥ : بن.

(٢) راجع ج ١ ص ٥٦ ، ج ٢ ص ٣٥٥ ، ٤٠٠ ، ج ٣ ص ١٦٦ ، ٣٠٧ ، ج ٤ ص ٢٦١ ، ٢٩٢ ، ج ٥ ص ٦٦ ، ٢٩٧ ، ج ٦ ص ١١٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٧٤ / ٣٦.

(٤) الخلاصة : ٥٤ / ٥.

(٥) رجال النجاشي : ٣٣٠ / ٨٩٣.

(٦) منتقى الجُمان : ١٨.

٤١١

أمّا علي بن سويد فقد وثّقه الشيخ في رجال الرضاعليه‌السلام من كتابه(١) ، والنجاشي ذكره بما لا يزيد عن الإهمال ، وذكر أنّه روى عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وقيل : إنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وليس أعلم(٢) . وفي الخلاصة قال العلاّمة : إنّه ثقة من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، ثم حكى روايةً عن الكشّي تشهد بأنّه نزل من آل محمّد منزلةً خاصّة(٣) . وفي فوائد جدّيقدس‌سره عليها ما هذه صورته : فيه مع عدم سلامة السند أنّه شهادة لنفسه ، ففي إثبات مدحه بذلك نظر ، فضلاً عن توثيقه(٤) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ العلاّمة استند في توثيقه إلى الشيخ لا إلى الرواية ، وإنّما ذكرها لزيادة فائدة في الجملة.

وما تضمّنه السند من قوله : فيما نعلم ، محتمل لأن يكون من الرواة غير علي بن سويد ، لكن الشيخ في التهذيب ذكر أنّ الشك من الراوي ، وهو علي بن سويد ، لأنّه قال : ( أوّل ما في هذا الخبر : )(٥) أنّه قال : عن الرضا فيما نعلم ، ولم يروه متيقناً وإنما رواه شاكّاً ، وما يكون الراوي شاكّاً فيما يخبر عنه يجوز أنْ يكون قد وَهَم في قوله : « تقرأ في الأُولى بأُمّ الكتاب » وأيضاً فإنّه روى أحمد بن محمّد ، وساق السند إلى علي بن سويد السّائي ، عن أبي الحسن الأوّلعليه‌السلام مثل ذلك. ثم قال الشيخ : وروى في هذه الرواية عن أبي الحسن الأوّل يعني موسىعليه‌السلام ، وفي الرواية الأُولى‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٨٠ / ٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٦ / ٧٢٤.

(٣) الخلاصة : ٩٢ / ٥.

(٤) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١٦.

(٥) بدل ما بين القوسين في « م » : في أوّل هذا الحديث.

٤١٢

عن الرضاعليه‌السلام ، والراوي واحد ، وهذا يبيّن أنّه وهم في الأصل(١) ، انتهى.

ولا يخفى أنّه يتوجه على الشيخ أوّلاً : أنّ الظاهر العلم لا الشك ، ثم التعبير بقوله : نعلم ، ربما كان دالاًّ على أنّ القائل الرواة عن علي بن سويد ، والوجه في ذلك احتمال كون علي بن سويد رواه مضمراً ، فظهر لكلّ راوٍ أنّه عن الرضاعليه‌السلام ، فوقع التعبير بما ذُكر. ولو نوقش في هذا فاحتمال القول من علي بن سويد أو من غيره للشك بعيد ، وبتقديره لا مانع من الشك في الرواية عن الرضاعليه‌السلام والجزم بالرواية عن موسىعليه‌السلام .

وأمّا ثانياً : فلأنّ النجاشي قد سمعت قوله في علي بن سويد ، وهو يدلّ على أنّه لم يرو عن الرضاعليه‌السلام ، وربما يعطي هذا أنّ القائل غير علي ابن سويد ، فليتأمّل.

والثالث : فيه جعفر بن محمّد ، وفي رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام من كتاب الشيخ : جعفر بن محمّد الكوفي روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى(٢) . وفي كتاب الرجال(٣) لشيخناقدس‌سره كلام في هذا حاصله أنّ الذي ينبغي أحمد بن محمّد بن يحيى ، لوجهٍ ذكره ، وأظنّه موهوماً.

والحاصل أنّه بعد ما ذكرناه عن الشيخ قال : وفيه نظر ، لأنّه روى أبو جعفر بن بابويه عنه كتاب عبد الله بن المغيرة ، وأبو جعفر يروي عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى. والذي رأيته روايته(٤) عن جعفر بن علي الكوفي لا ابن محمّد.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٩٣.

(٢) رجال الطوسي : ٤٦١ / ٢٣.

(٣) منهج المقال : ٨٥.

(٤) ليست في « رض » و « م ».

٤١٣

وأمّا عبد الله القمّي [ فالظاهر ](١) أنّه عبد الله بن الصلت ، لأنّه الراوي عن عبد الله بن ميمون في الفهرست ، ويروي عن عبد الله بن ميمون : جعفر ابن محمّد بن عبيد(٢) الله(٣) . ولا يبعد كون جعفر بن محمّد المذكور هو هذا وإنْ كان بواسطة عبد الله. وجعفر مهمل في الفهرست(٤) . وعبد الله بن ميمون ثقة في النجاشي(٥) ، وفي الكشّي فيه قدح(٦) لا يخفى حاله على من راجعه.

المتن :

في الأوّل : استدلّ به بعض الأصحاب على عدم تعين لفظ مخصوص في الدعاء بين التكبيرات(٧) ؛ لأنّ الظاهر من قوله : « موقّت » الموظف على التعيّن(٨) ، بقرينة قوله : « تدعو بما بدا لك » وما ورد في بعض الأخبار(٩) بما ظاهره التوظيف يحمل على الأكملية.

وفي الخبر أيضاً دلالة على ذلك من قوله : « وأحقّ الموتى » على ما هنا وفي التهذيب(١٠) ، لكن في الكافي : « أحقّ الموتى أنْ يدعى له‌

__________________

(١) في النسخ : والظاهر ، والأنسب ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : عبد.

(٣) الفهرست : ١٠٣ / ٤٣١.

(٤) الفهرست : ٤٣ / ١٣٩.

(٥) رجال النجاشي : ٢١٣ / ٥٥٧.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٨٧ / ٧٣٢.

(٧) جامع المقاصد ١ : ٤٢٣.

(٨) في « فض » : التعيين.

(٩) الوسائل ٣ : ٨٨ أبواب صلاة الجنازة ب ٧.

(١٠) التهذيب ٣ : ١٨٩ / ٤٢٩.

٤١٤

المؤمن وأنْ يبدأ »(١) والظاهر سقوط « المؤمن » هنا.

ثم إنّ قولهعليه‌السلام « أحقّ الموتى أنْ يدعى له » يشمل ما بدا للإنسان وغيره. وقوله : « وأنْ يبدأ » إلى آخره. لا يقتضي تعين البدأة بالصلاة ، لاحتمال إرادة البدأة قبل الدعاء للمؤمن ، واحتمال البدأة بعد التكبير الأوّل ، والأخبار في الدعاء مختلفة ، والخبر لا يأبى الحمل على ما يوافق غيره.

ولا يخفى ما في تركيب قوله : « وأحقّ » إلى آخره. من الغموض على تقدير ما في الكافي ، أمّا على ما هنا فالغموض أزيد. وغير بعيد الاستئناف في قوله : « وأنْ يبدأ » والخبر محذوف من جنس المذكور ، واحتمال غير هذا في غاية البعد.

وأمّا الخبران الآخران فما ذكره الشيخ فيهما واضح ؛ لأنّه أعلم بالحال ، والأوّل يدلّ قول الشيخ فيه على أنّ بعض العامّة يقول بالخمس تكبيرات كما قدّمنا الإشارة إلى ذلك(٢) .

قوله :

باب أنّه لا تسليم في الصلاة على الميت‌

محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن الحلبي قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ليس في الصلاة على الميت تسليم ».

عنه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨٥ / ١.

(٢) في ص ٤٠٢.

٤١٥

عثمان ، عن الحلبي وزرارة(١) عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام ، قالا : « ليس في الصلاة على الميت تسليم ».

أحمد بن محمّد ، عن إسماعيل بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ قال : « أمّا المؤمن فخمس تكبيرات و [ أمّا ] المنافق(٢) فأربع ، ولا سلام فيها ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن الصلاة على الميت؟ قال : « خمس تكبيرات ، فإذا فرغت منها سلّمت عن يمينك ».

فالوجه في هذه الرواية التقية ؛ لأنّها موافقة لمذاهب العامّة.

السند :‌

في الأوّل : ضعيف بسهل بن زياد ومحمّد بن سنان على ما مضى(٣) ، وربما كان فيه قرينة على أنّ ما في كثير من الأخبار من ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، يراد به المفسّر هنا.

والثاني : حسن.

والثالث : صحيح.

والرابع : موثق.

__________________

(١) في النسخ : عن حمّاد بن عثمان وزرارة ، والصحيح ما أثبتناه ، وهو موافق لما في التهذيب ٣ : ١٩٢ / ٤٣٨ ، والاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٧.

(٢) في النسخ : والمنافق ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٤٧٧ / ١٨٤٨ ، والتهذيب ٣ : ١٩٢ / ٤٣٩.

(٣) راجع ج ١ ص ١١٧ ، ١٢٩ ، ٣٣٤ ، ج ٢ ص ٣٣٤ ، ج ٣ ص ٢٢٢.

٤١٦

المتن :

في الثلاثة الأُول : ظاهر في نفي التسليم.

والثالث : قدّمنا فيه كلاماً من جهة المؤمن والمنافق يغني عن الإعادة(١) .

وأمّا الرابع : فما ذكره الشيخ من أنّه موافق لمذاهب العامّة يقتضي أنّ جميعهم قائل بمضمون الخبر ، والحال أنّه اشتمل على خمس تكبيرات والأكثر لا يقولون بذلك ، وإرادة التسليم فقط مع انضمامه للخمس لا يخفى أنّها غير تامّة ، ولعلّ مراد الشيخ في موافقة المذاهب في الجملة.

قوله :

باب رفع اليدين في كلّ تكبيرة‌

أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الصلت الأهوازي ، قال : أخبرني(٢) أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدّثني أحمد بن عمر بن محمّد بن الحسن(٣) ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّدعليهما‌السلام على جنازة فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة.

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٤) ، قال : صلّيت خلف‌

__________________

(١) راجع ص ٤٠٢ ٤٠٥.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٧٨ / ١٨٥٠ : أخبرنا.

(٣) في « م » : الحسين.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٧٨ / ١٨٥١ لا يوجد :عليه‌السلام .

٤١٧

أبي عبد اللهعليه‌السلام على جنازة فكبّر خمساً ، يرفع يديه في كلّ تكبيرة.

محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس قال : سألت الرضاعليه‌السلام [ قلت ] : جعلت فداك إنّ الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأُولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك ، فأقتصر على التكبيرة الأُولى كما يفعلون ، أو أرفع يدي في كلّ تكبيرة؟ فقال : « ارفع يدك في كلّ تكبيرة ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين بن بابويه ، عن سعد بن عبد الله ، عن سلمة بن الخطّاب ، قال : حدّثني إسماعيل بن إسحاق بن أبان الورّاق ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يرفع يديه في أوّل تكبيرة على الجنازة ، ثم لا يعود حتى ينصرف ».

سعد ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، ( عن أبيه )(١) ، عن عليعليه‌السلام : « إنّه كان لا يرفع يديه في الجنازة إلاّ مرّة » يعني في التكبيرة.

فالوجه في هاتين الروايتين ضرب من الجواز ورفع الوجوب ، وإنْ كان الأفضل ما تضمنته الروايات الأوّلة ، ويمكن أنْ يكونا وردا مورد التقية ؛ لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة.

السند :‌

في الأوّل : أحمد بن محمّد فيه هو ابن موسى المعروف بابن‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليست في « رض ».

٤١٨

الصلت على ما يستفاد من الفهرست ، وكتاب الرجال للشيخ ، حيث قال في الأوّل في ترجمة أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة : أخبرنا بجميع رواياته وكتبه أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي ، وكان معه خطّ أبي العباس بإجازته وشرح رواياته(١) .

وقال في الثاني في ترجمة المذكور : روى عنه التلعكبري من شيوخنا وغيره ، سمعنا من ابن المهتدي(٢) ومن أحمد بن محمّد المعروف بابن الصلت رويا عنه ، وأجاز لنا ابن الصلت عنه جميع رواياته(٣) .

وفي كتاب شيخناقدس‌سره في الرجال أنّه يستفاد من إجازة ابن الصلت للشيخ صحّة روايته عنه بخصوصه ، واعتبار الرجل(٤) . ولا يخفى عليك الحال.

أمّا ما قد يقال : إنّ ما في كتاب الشيخ من رواية التلعكبري عن أحمد ابن محمّد بن سعيد يقتضي أنّ رواية الشيخ عنه بواسطتين ؛ لأنّ الشيخ يروي عن التلعكبري بواسطة جماعة ، كما في الرجال للشيخ(٥) ، لا ما ظنّه العلاّمة من روايته عنه بغير واسطة(٦) .

ثم إنّ الشيخ كما ترى روى عن ابن عقدة بواسطة أحمد بن محمّد بن الصلت فقط ؛ ولا بعد في هذا ، كما يعرف من مواضع أكثر من أنْ‌

__________________

(١) الفهرست : ٢٩ / ٧٦.

(٢) في المصدر : ابن المهدي.

(٣) رجال الطوسي : ٤٤١ / ٣٠.

(٤) منهج المقال : ٤٧.

(٥) رجال الطوسي : ٥١٦ / ١.

(٦) خلاصة العلاّمة : ٢٨٢.

٤١٩

تحصى(١) .

( وأحمد بن محمّد(٢) فلم أقف عليه )(٣) كأبيه ومحمّد بن عبد الله بن خالد ، والظاهر أنّهم(٤) من الزيدية.

والثاني : لا ارتياب فيه إلاّ من جهة عبد الرحمن ، وقد قدّمنا ما يدفعه(٥) .

والثالث : معلوم الحال ممّا تكرّر من المقال(٦) .

والرابع : سلمة بن الخطّاب فيه ضعيف في الرجال(٧) . وإسماعيل بن إسحاق لم أقف عليه الآن.

والخامس : مضى من القول في رجاله ما يغني عن الإعادة(٨) .

المتن :

في الأوّل : واضح.

والثاني : في الظن أنّه كذلك ، وما قاله العلاّمة في المختلف مجيباً عن الرواية حيث نقل احتجاج الشيخ بها بالمنع من صحّة السند ؛ لأنّ‌

__________________

(١) في « رض » : يخفى.

(٢) أي أحمد بن عمر بن محمّد ، وذلك نسبة إلى جدّه.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) في « فض » : أنّه.

(٥) في ص ٦٣.

(٦) أي ضعيف بسهل بن زياد ورواية محمّد بن عيسى عن يونس ، راجع ج ١ : ٧٦ ، ١٣٤ وج ٣ : ٢٣٥ وج ٤ : ٨ ، ١٨٧ وج ٥ : ١٤١.

(٧) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٨) راجع ج ١ : ٦٠ ، ١٣٩ وج ٣ : ١٨ ، ١٨٨ ، ٢٩٥ ، ٤٣٨ وج ٤ : ٤١٠ وج ٥ : ٢٧٨ وج ٦ : ٣٠٩.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466