تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150584 / تحميل: 5374
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

الفصل الثالث : في أحكام القراض‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في اعتبار الغبطة في التصرّف.

مسألة ٢٢٧ : القراض إمّا صحيح وإمّا فاسد ، فالصحيح له أحكام تُذكر في مسائل ، وكذا الفاسد.

فمن أحكام الصحيح : إنّه يلزم الحصّة المشترطة للعامل ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا مَنْ شذّ.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للعامل أن يشترط على ربّ المال ثلثي(١) الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء(٢) .

والأخبار من أهل البيتعليهم‌السلام متظافرة بذلك(٣) .

وقال شاذٌّ(٤) من الفقهاء : إنّ العامل لا يستحقّ الحصّة ، بل أُجرة المثل عن عمله ؛ لأنّ هذه المعاملة مجهولة ، وفيها غرر عظيم ، وقد نهى‌

____________________

(١) في المصدر : « ثلث » بدل « ثلثي ».

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الإجماع - لابن المنذر - : ٥٨ / ٥٢٨ ، المغني ٥ : ١٤٠.

(٣) راجع : الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٨٧ - ١٨٩ / ٨٢٧ - ٨٢٩ و ٨٣٦ ، والاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥١ و ٤٥٢.

(٤) لم نتحقّقه.

٦٢

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(١) .

والجهالة لا تمنع الجواز ؛ لأنّ العلم ببعض الاعتبارات كافٍ ، فإذا شرط جزءاً معلوماً ، انتفت الجهالة الكلّيّة ، والعامّ مخصوص بالنقل المتواتر عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد خُصّ من عموم النهي عن الغرر كثير من الأحكام ، كالمساقاة والمزارعة وغيرهما ، فليكن المتنازع منها.

مسألة ٢٢٨ : لـمّا كان الغرض الأقصى من القراض تحصيل الربح والفائدة ، وجب أن يكون تصرّف العامل مقصوراً على ما يُحصّل هذه الغاية الذاتيّة ، وأن يمنع من التصرّف في المؤدّي(٢) إلى ما يضادّها ، فيتقيّد تصرّفه بما فيه الغبطة والفائدة ، كتصرّف الوكيل للموكّل ؛ لأنّها في الحقيقة نوع وكالةٍ وإن كان له أن يتصرّف في نوعٍ ما ممّا ليس للوكيل التصرّف به ، تحصيلاً للفائدة ، فإنّ له أن يبيع بالعرض ، كما أنّ له أن يبيع بالنقد ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّ تصرّفه في البيع إنّما هو بالنقد خاصّةً ؛ لأنّ المقصود من القراض الاسترباحُ ، والبيع بالعرض قد يكون وصلةً إليه وطريقاً فيه.

وأيضاً له أن يشتري المعيب إذا رأى فيه ربحاً ، بخلاف الوكيل.

ولا ينفذ تصرّفه مع الغبن الفاحش ، فليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ، ولا أن يشتري بأكثر من ثمن المثل ؛ لأنّه منافٍ للاسترباح ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يملك العامل البيعَ بالغبن الفاحش ، وكذا الشراء ،

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣١٩ و ٣٣٠ ، المسألتان ١٣ و ٥.

(٢) الظاهر : « التصرّف المؤدّي ».

(٣) الوجيز ١ : ٢٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧ ، المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

٦٣

كالوكيل(١) .

والأصل ممنوع.

أمّا ما يتغابن الناس بمثله فإنّه غير ممنوعٍ منه ؛ لعدم التمكّن من الاحتراز عنه.

ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل ممّا لا يتغابن الناس بمثله ، فإن كان بالعين بطل ، وإلّا وقع الشراء له إن لم يذكر النسبة إلى القراض.

مسألة ٢٢٩ : إذا دفع إلى العامل مال القراض ، فإن نصّ على التصرّف بأن قال : نقداً ، أو : نسيئةً ، أو قال : بنقد البلد ، أو غيره من النقود ، جاز ، ولم يكن للعامل مخالفته إجماعاً ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، وقد يطلب بكلّ ذلك الفائدة في العادة.

فإن أطلق وقال : اتّجر به ، اقتضى ذلك أن يبيعه نقداً بنقد البلد بثمن مثله ، فإن خالف ضمن ، كالوكيل.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بدونه ، بطل إن لم يُجز المالك ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، فأشبه بيع الأجنبيّ ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) .

فإن تعذّر ردّ المبيع ، كان العامل ضامناً للمثل إن كان مثليّاً ، وإن لم يكن أو تعذّر المثل وجبت القيمة ، وللمالك الخيار في الرجوع على مَنْ شاء منهما ، فإن أخذ من المشتري القيمة رجع المشتري على العامل بالثمن الذي دفعه إليه ، وإن رجع على العامل رجع العامل على المشتري بالقيمة ، وردّ ما أخذه منه ثمناً ؛ لأنّ التلف حصل في يد المشتري ، فاستقرّ الضمان‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٣.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

٦٤

عليه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ البيع صحيح ، ويضمن العامل النقص ؛ لأنّ ضرر المالك ينجبر بضمان النقص(١) ، وهو قول بعض علمائنا(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٢٣٠ : لو باع بغير نقد البلد مع إطلاق التصرّف ، لم يصح ؛ لأنّه منافٍ لما يقتضيه الإطلاق ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الثانية : يجوز إذا رأى العامل أنّ المصلحة فيه ، والربح حاصل به ، كما يجوز أن يبيع عرضاً بعرضٍ ويشتريه به(٣) .

وإن فَعَل وخالف وباع بغير نقد البلد ، كان حكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل.

وليس بعيداً من الصواب اعتبار المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك أو بما رأيت أو كيف شئت ، كان له ذلك ، وليس له المزارعة ؛ لأنّ المضاربة لا يُفهم من إطلاقها المزارعة.

وقال أحمد في روايةٍ أُخرى : إنّ له ذلك ، وتصحّ المضاربة ، والربح بينهما(٤) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ المزارعة لا تدخل تحت قوله : اتّجر بما شئت.

فعلى ما قلناه لو تلف المال في المزارعة ضمن.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، البيان ٧ : ١٨١ ، المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

(٤) المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

٦٥

وعلى الرواية الأُخرى عن أحمد : لا يضمن(١) .

مسألة ٢٣١ : وليس له أن يبيع نسيئةً بدون إذن المالك ؛ لما فيه من التغرير بالمال ، فإن خالف ضمن عندنا - وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّه نائب في البيع ، فلم يجز له البيع نسيئةً بغير إذنٍ صريح فيه ، كالوكيل ، والقرينة الحاليّة تفيد ما تفيده العبارات اللفظيّة ، فيصير كأنّه قال : بِعْه حالّاً.

وقال في الرواية الأُخرى : يجوز له البيع نسيئةً - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجارة المعتادة ، وهذا النوع من التصرّف عادة التجّار ، ولأنّه يقصد به الربح ، بل هو في النسيئة أكثر منه في النقد ، بخلاف الوكالة المطلقة ، فإنّها لا تختصّ بقصد الربح ، وإنّما المقصود تحصيل الثمن ، فإذا أمكن تحصيله من غير خطرٍ كان أولى ، ولأنّ الوكالة المطلقة في البيع تدلّ على [ أنّ ](٣) حاجة الموكّل إلى الثمن ناجزة ، فلا يجوز تأخيره ، بخلاف المضاربة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ١١٦ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٤ / ٣٠٩٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٤ / ١١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، الوسيط ٤ : ١١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١ / ١٧٠٧ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٤.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٩ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٩٣ / ١٠٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١ / ١٧٠٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٠ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب =

٦٦

ولو قال له : اعمل برأيك ، فله البيع نسيئةً.

وكذا لو قال له : تصرَّفْ كيف شئت.

وقال الشافعي : ليس له البيع نسيئةً ؛ لأنّ فيه غرراً ، فلم يجز ، كما لو لم يقل له ذلك(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه داخل في عموم لفظه ، وقرينة حاله تدلّ على رضاه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة ، وهذا منها.

إذا عرفت هذا ، فإذا باع نسيئةً في موضعٍ لا يجوز له فقد خالف مطلق الأمر ، فيقف على إجازة المالك ؛ لأنّه كالفضولي في هذا التصرّف.

وقال جماعة من العامّة منهم : الشافعي : إنّ البيع يبطل ، فيجب عليه ردّه ، فإن تعذّر فالمثل ، فإن تعذّر فالقيمة(٢) .

وكلّ موضعٍ يصحّ له البيع في النسيئة لا يكون على العامل ضمان إذا لم يفرّط ، فمهما فات من الثمن لا يكون عليه ضمانه ما لم يفرّط ببيع مَنْ لا يوثق به أو مَنْ لا يعرفه ، فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر على المشتري.

مسألة ٢٣٢ : كلّ موضعٍ قلنا : يلزم العامل الضمان - إمّا لمخالفة الأمر في البيع بالنسيئة من غير إذنٍ ، أو بالتفريط بأن يبيع على غير الموثوق به أو‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٤ / ٣٠٩٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٤ / ١١٢١ ، الذخيرة ٦ : ٧٣ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٤ - ١٤٥.

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٣ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٥.

(٢) المغني ٥ : ١٥٠ - ١٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٣.

٦٧

على مَنْ لا يعرفه - فإنّ الضمان عليه من حيث إنّ ذهاب الثمن حصل بتفريطه.

فإن قلنا بفساد البيع ، وجب عليه قيمته إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذّر إذا لم يتمكّن من استرجاعه إمّا لتلف المبيع ، أو لامتناع المشتري من ردّه إليه.

وإن قلنا بصحّة البيع ، احتُمل(١) أن يضمنه بقيمته أيضاً ؛ لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولا ينحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه ، فلا يضمنها.

والأقرب : إنّه يضمن الثمن ؛ لأنّه ثبت بالبيع الصحيح ، ومَلَكه صاحب السلعة وقد فات بتفريط البائع.

ولو نقص الثمن عن القيمة ، لم يلزمه أكثر منه ؛ لأنّ الوجوب انتقل إليه ؛ بدليل أنّه لو حصل الثمن لم يضمن شيئاً.

مسألة ٢٣٣ : وكما ليس للعامل البيع نسيئةً إلّا بإذن المالك ، كذا ليس له أن يشتري نسيئةً إلّا بإذنه ؛ لأنّه ربما يتلف رأس المال ، فتبقى عهدة الثمن متعلّقةً بالمالك ، وذلك يستلزم إثبات مالٍ على المالك ، وهكذا قد يتلف ما يدفعه المالك إليه ، فيحتاج إلى دفع عوضه ، وذلك من أعظم المحاذير.

وإذا أذن له في البيع نسيئةً فَفَعَل ، وجب عليه الإشهاد ، كالوكيل إذا دفع الدَّيْن عن موكّله ، فإن ترك الإشهاد ضمن.

وإذا أذن له في البيع نسيئةً ، فإن منعه من البيع حالّاً ، أو قال له : بِعْه‌

____________________

(١) في « ث ، خ ، ر » : « يحتمل » بدل « احتُمل ».

٦٨

نسيئةً ، لم يكن له أن يبيعه حالّاً ؛ لأنّه مخالف لمقتضى أمره ، وقد تحصل للبائع فائدة ، وهي(١) أنّه لو باعه حالّاً لم يكن له تسليمه إلى المشتري إلّا بعد قبض الثمن ، وقد تتعلّق رغبة البائع بالتسليم قبل استيفاء الثمن خوفاً من الظالم.

ولو لم يمنعه من البيع حالّاً ، كان له ذلك ؛ لأنّه أنفع.

وإذا باعه حالّاً في موضع جوازه ، لم يجز له تسليمه إلى المشتري إلّا بعد استيفاء الثمن ، فإن سلّمه قبل استيفاء الثمن ضمن ، كالوكيل.

ولو كان مأذوناً له في التسليم قبل قبض الثمن ، سلّمه.

والأقرب : وجوب الإشهاد.

وقال الشافعي : لا يلزمه الإشهاد ؛ لأنّ العادة ما جرت بالإشهاد في البيع الحالّ(٢) .

مسألة ٢٣٤ : يجوز للعامل أن يبيع بالعرض إذا ظنّ حصول الفائدة فيه ، بخلاف الوكيل ؛ لأنّ الغرض من القراض الاسترباح بالبيع وقد يحصل بالبيع بالعرض ، فكان مشروعاً ، تحصيلاً لفائدة القراض.

وكذا يجوز له أن يشتري المعيب إذا رأى فيه ربحاً وإن لم يكن ذلك للوكيل ؛ لأنّ الشراء ليس للوكيل ، بل للموكّل ، وقد يطلب به القنية ، بخلاف العامل الذي يقع الشراء له وللمالك في الحقيقة ، ويطلب به إخراجه.

إذا ثبت هذا ، فإن اشتراه بقدر قيمته أو بدونها صحّ.

وللشافعيّة فيما إذا اشتراه بالقيمة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّ‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « هو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

٦٩

الرغبات تقلّ في المعيب(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

ولو اشتراه بظنّ السلامة فبانَ العيب ، فله أن يفعل ما يرى من المصلحة وما فيه الربح ، فإن كان الحظّ في الردّ بالعيب ردّه ، وإن كان الحظّ له في الإمساك بالأرش أمسكه بالأرش.

فإن اختلف المالك والعامل فاختار أحدهما الردَّ والآخَر الأرشَ ، فَعَل ما فيه النظر والحظّ ؛ لأنّ المقصود تحصيل الحظّ والفائدة.

ولا يمنعه من الردّ رضا المالك بإمساكه ، بخلاف الوكيل ؛ لأنّ العامل صاحب حقٍّ في المال.

ولو كانت الغبطة في إمساكه ، أمسكه.

وللشافعيّة وجهان في تمكّنه من الردّ إذا كانت الغبطة في إمساكه ، أظهرهما : المنع ؛ لإخلاله بمقصود العقد(٢) .

وحيث يثبت الردّ للعامل يثبت للمالك بطريق الأولى.

مسألة ٢٣٥ : إذا ثبت الردّ على البائع ، فإن ردّ العامل ردّ على البائع ، ونقض البيع.

وإن ردّ المالك فإن كان الشراء بعين مال القراض ، كان له الردّ على البائع أيضاً.

وإن كان العامل قد اشترى في ذمّته للقراض ، فالأقوى : إنّه كذلك ؛ لأنّ العامل في الحقيقة وكيل المالك.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

٧٠

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : إنّ للمالك أن يصرفه عن مال القراض ، فينصرف إلى العامل على أحد القولين ، ولا ينصرف على القول الثاني ، كالخلاف في انصراف العقد إلى الوكيل إذا لم يقع للموكّل(١) .

مسألة ٢٣٦ : لا يجوز للمالك معاملة العامل في مال القراض بأن يشتري من مال القراض شيئاً ؛ لأنّه ملكه ، فلا تصحّ المعاملة عليه ؛ إذ لا يفيد انتقالاً آخَر إليه ، كما أنّ السيّد لا يصحّ أن يشتري من عبده المأذون له في التجارة شيئاً ، بخلاف السيّد مع مكاتَبه ، فإنّه يجوز أن يشتري منه ؛ لأنّ ما في يد المكاتَب قد انقطع تصرّف المولى عنه ، وصار ملكاً للمكاتَب ، ولهذا لو انعتق لم يملك السيّد منه شيئاً.

وقد خالف بعض الشافعيّة في العبد المأذون ، فقال : إذا ركبته الديون جاز للسيّد أن يشتري شيئاً ممّا في يده ؛ لأنّه لا حقّ له فيه ، وإنّما هو حقّ الغرماء(٢) . وهو غلط.

نعم ، يأخذه السيّد بقيمته ، كما يدفع قيمة العبد الجاني ، ولا يكون بيعاً.

وكذا ليس للمالك أن يأخذ من العامل من مال القراض بالشفعة ؛ لأنّه في الحقيقة يكون آخذاً من نفسه ، بل يملكه بعقد البيع.

وكذا ليس له أن يشتري من عبده القِنّ.

وله أن يشتري من المكاتَب المطلق وإن لم ينعتق منه شي‌ء ، ومن المكاتَب المشروط ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عن ماله.

مسألة ٢٣٧ : لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض أكثر من مال

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

(٢) راجع : المغني ٥ : ١٧٢ ، والشرح الكبير ٥ : ١٦١.

٧١

القراض ؛ لأنّ المالك إنّما رضي من العامل أن يشغل ذمّته بما دفعه إليه لا بغيره ، فإن فَعَل واشترى بأكثر من مال القراض ، لم يقع ما زاد عن جهة القراض.

فإذا دفع إليه مائة قراضاً فاشترى بها عبداً للقراض ثمّ اشترى عبداً آخَر بمائةٍ للقراض أيضاً ، لم يقع الثاني للقراض ؛ لأنّه غير مأذونٍ فيه.

ثمّ إن اشترى الأوّل بعين المائة تعيّنت للبائع الأوّل ، فإن اشترى الثاني بعينها أيضاً بطل الثاني ؛ لأنّه اشترى بعين مال غيره لغيره.

وإن اشترى في الذمّة ، فقد اشترى بعد أن صارت المائة مستحقّةَ الدفع إلى البائع الأوّل.

وكذا إن اشترى الأوّل في الذمّة ثمّ اشترى الثاني بعينها ، لم يصح ؛ لوجوب صَرفها إلى البائع الأوّل.

وإن اشترى الثاني في الذمّة ، لم يبطل ، لكن ينصرف الشراء إلى العامل ، كما ينصرف شراء الوكيل المخالف لموكّله إليه ، دون الموكّل.

هذا إذا لم يُسمّ في العقد مع البائع شراءه للقراض ، فأمّا إن سمّاه فسد الثاني.

وإذا انصرف العبد الثاني إلى العامل ، فلو دفع المائة في ثمنه فقد تعدّى في مال القراض ، ودخلت المائة في ضمانه ، وأمّا العبد فيبقى أمانةً في يده ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

فإن تلفت المائة ، فإن كان الشراء الأوّل بعينها انفسخ العقد بتلف الثمن المعيّن قبل الإقباض ، وإن كان في الذمّة لم ينفسخ ، ويثبت للمالك على العامل مائة ، والعبد الأوّل للمالك ، وعليه لبائعه مائة ، فإن أدّاها العامل بإذن المالك وشرط الرجوع ثبت له مائة على المالك ، وتقاصّا ، وإن أدّى‌

٧٢

من غير إذنه برئت ذمّة المالك من حقّ بائع العبد ، ويبقى حقّه على العامل.

مسألة ٢٣٨ : لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض مَنْ يعتق على ربّ المال ؛ لأنّ ذلك منافٍ للاكتساب ؛ لأنّه تخسير محض ، فكان ممنوعاً منه.

فإن اشترى العامل فإمّا أن يشتريه بإذن صاحب المال ، أو بدون إذنه.

فإن اشتراه بإذنه ، صحّ الشراء ؛ لأنّه يجوز أن يشتريه بنفسه مباشرةً ، فإذا أذن لغيره فيه جاز ، وانعتق.

ثمّ إن لم يكن في المال ربحٌ عُتق على المالك ، وارتفع القراض بالكلّيّة إن اشتراه بجميع مال القراض ؛ لأنّه قد تلف ، وإن اشتراه ببعضه صار الباقي رأس المال.

وإن كان في المال ربحٌ ، فإن قلنا : إنّ العامل إنّما يملك نصيبه من الربح بالقسمة ، عُتق أيضاً ، وغرم المالك نصيبه من الربح ، فكأنّه استردّ طائفةً من المال بعد ظهور الربح وأتلفه ، والأقوى : أُجرة المثل.

وإن قلنا : إنّه يملك بالظهور ، عُتق منه حصّة رأس المال ونصيب المالك من الربح ، ويسري إلى الباقي إن كان موسراً ويغرمه ، وإن كان معسراً بقي رقيقاً ، وبه قال أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إن كان في المال ربحٌ وقد اشتراه ببعض مال القراض ، يُنظر إن اشتراه بقدر رأس المال عُتِق ، وكأنّ المالك استردّ رأس المال ، والباقي ربح يقتسمانه بحسب الشرط ، وإن اشتراه بأقلّ من رأس المال فهو محسوب من رأس المال ، وإن اشتراه بأكثر حُسب قدر رأس المال من‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٨ - ٢٠٩.

٧٣

رأس المال ، والزيادة من حصّة المالك ما أمكن(١) .

والظاهر عندهم : الأوّل(٢) ، وهو وقوعه سائغاً على ما سنذكر فيما إذا استردّ شيئاً من المال بعد الربح.

والحكم فيما إذا أعتق المالك عبداً من مال القراض كالحكم في شراء العامل مَنْ ينعتق عليه بإذنه.

وإن اشتراه العامل بغير إذن المالك ، فإن اشتراه بعين المال بطل الشراء ؛ لأنّ العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه ، فكان بمثابة ما لو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه ، ولأنّ الإذن في المضاربة إنّما ينصرف إلى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة والاسترباح منه ، ولا يتناول غير ذلك ، فإنّ في شراء مَنْ ينعتق على المالك تفويتَ رأس المال مع الربح ، فكان أولى بالبطلان.

وإن اشتراه في الذمّة ، فإن لم يذكر في العقد الشراءَ للقراض ولا لمالك المال وقع الشراء له ، ولزمه الثمن من ماله ، وليس له دفع الثمن من مال المضاربة ، فإن فَعَل ضمن ، ولو اشترى للقراض أو للمالك بطل ، وبه قال الشافعي(٣) .

وظاهر مذهب أحمد : إنّه يصحّ الشراء بعين المال ؛ لأنّه مالٌ متقوّم قابل للعقود ، فصحّ شراؤه ، كما لو اشتراه بإذن ربّ المال ، ثمّ يعتق(٤) على ربّ المال ؛ لأنّه دخل في ملكه فعُتِق عليه ، وتنفسخ المضاربة ؛ لتلف المال ، ويلزم العامل الضمان ، سواء علم أو لم يعلم ؛ لأنّ تلف مال‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ينعتق ».

٧٤

المضاربة حصل بسببه ، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه فعل غير مأذونٍ فيه ، ويلحق المالك به ضرر من إتلاف مالٍ ، فكان باطلاً.

فعلى قول أحمد له وجهان فيما يضمنه العامل :

أحدهما : قيمة العبد ؛ لأنّ الملك ثبت فيه ثمّ تلف بسببه ، فأشبه ما لو أتلفه بفعله.

والثاني : إنّه يضمن الثمن الذي اشتراه به ؛ لأنّ التفريط منه حصل ، فاشترى وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء ، فكان ضمانه عليه ضمان ما فرّط فيه ، ومتى ظهر للمال ربح فللعامل حصّته منه(٢) .

وقال بعض أصحابه : إن لم يكن العامل عالماً بأنّه يعتق على ربّ المال لم يضمن ؛ لأنّ التلف حصل لمعنىً في المبيع لم يعلم به المشتري ، فلم يضمن ، كما لو اشترى معيباً لم يعلم بعيبه فتلف به. ثمّ قال : ويتوجّه أن لا يضمن وإن علم به(٣) .

تذنيب : لو اشترى مَنْ نذر المالكُ عتقَه ، صحّ الشراء إن لم يعلم العامل بالنذر ، وعُتِق على المالك ، ولا ضمان على العامل مع جهله.

مسألة ٢٣٩ : ليس للعامل أن يشتري زوج صاحبة المال لو كان صاحب المال امرأة ؛ لما فيه من تضرّرها ؛ إذ لو صحّ البيع لبطل النكاح ؛ لأنّها تكون قد مَلَكت زوجها ، وينفسخ النكاح ، ويسقط حقّها من النفقة‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

٧٥

والكسوة ، فلا يصحّ ، كما لو اشترى مَنْ ينعتق عليها ، والإذن إنّما يتناول شراء ما لها فيه حظّ ، ولا حظّ لها في شراء زوجها.

إذا عرفت هذا ، فإن اشتراه بإذنها صحّ قطعاً ؛ لأنّ لها أن تشتريه بنفسها ، فجاز أن تشتريه بوكيلها ، والعامل في الحقيقة وكيل صاحب المال ، وحينئذٍ يصحّ الشراء ، ويكون القراض بحاله ؛ لأنّه لا ينعتق عليها ، وينفسخ نكاحها.

وإن اشتراه بغير إذنها ، فسد الشراء بمعنى أنّه يكون موقوفاً على إجازتها ، فإن أجازته كان حكمه حكم المأذون له ، وإن فسخته بطل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه يفسد الشراء ؛ لما تقدّم من منافاته لغرض القراض الذي يقصد منه الاسترباح.

والثاني : يصحّ الشراء - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه اشترى ما يمكنه طلب الربح فيه ولا يتلف رأس المال ، فجاز ، كما لو اشترى مَنْ ليس بزوجٍ لها(١) .

والفرق ظاهر ؛ للتضرّر بالأوّل ، دون الثاني.

مسألة ٢٤٠ : وليس للعامل أن يشتري زوجة المالك ؛ لاشتماله على فسخ عقدٍ عَقَده باختياره وقصده ، فلا يليق أن يفعل ما ينافيه ، وبه قال الشافعي(٢) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩١ ، البيان ٧ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٠ / ٢٤٦٨ ، المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

(٢) الوسيط ٤ : ١١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

٧٦

وله قولٌ آخَر : إنّه يصحّ الشراء ، وينفسخ النكاح ، وبه قال بعض الحنابلة(١) .

ثمّ إن كان الشراء قبل الدخول ، ففي لزوم نصف الصداق للزوج وجهان ، فإن قلنا : يلزم ، رجع به على العامل ؛ لأنّه سبب تقريره عليه ، فيرجع به عليه ، كما لو أفسدت امرأة نكاحها بالرضاع.

ولو اشترى زوجَ صاحبة المال ، فللشافعيّة وجهان(٢) .

فعلى الصحّة لا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ؛ لأنّ ذلك لا يعود إلى المضاربة ، وإنّما هو بسببٍ آخَر ، ولا فرق بين شرائه في الذمّة أو بعين المال.

مسألة ٢٤١ : لو وكّل وكيلاً يشتري له عبداً ، فاشترى مَنْ ينعتق على الموكّل ، فالأقرب : إنّه لا يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الظاهر أنّه يطلب عبد تجارةٍ أو عبد قُنيةٍ ، وشراء مَنْ ينعتق عليه لا يُحصّل واحداً من الغرضين ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه يقع للموكّل ؛ لأنّ اللفظ شامل ، فربما يرضى بشراء عبدٍ إن بقي له انتفع به ، وإن عُتِق عليه حصل له ثواب العتق ، وهذا بخلاف عامل القراض ؛ لأنّ عقد القراض مبنيٌّ على تحصيل الفائدة والاسترباح بتقليب المتاجر وبيعها وشرائها(٣) .

ولكنّ الأوّل أقوى.

فإن اشترى بالعين ، بطل الشراء ؛ لما فيه من تضرّر الموكّل بإخراج‌

____________________

(١) نفس المصادر مضافاً إلى : المغني ٥ : ١٥٦ ، والشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ٧٥.

(٣) الوسيط ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ - ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

٧٧

ماله عن ملكه.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن سمّى الموكّل وقف على الإجازة ، وإن لم يُسمّه وقع للوكيل في الظاهر.

مسألة ٢٤٢ : لو اشترى العامل أو الوكيل عبداً لصاحب المال عليه مالٌ بغير إذنه ، احتُمل البطلان ؛ لما فيه من تضرّر المالك بإسقاط ماله عن غيره بواسطة الشراء ؛ إذ ما يشتريه العامل للقراض أو الوكيل في الحقيقة لصاحب المال ، ولا يثبت للمولى على عبده شي‌ء ، فيؤدّي هذا الشراء الى إسقاط حقّه عنه.

ويحتمل الصحّة ؛ لأنّه مملوك يقبل النقل ، وصاحب المال يصحّ الشراء له فصحّ العقد ، كغيره.

لكنّ الأوّل أقرب.

فإن قلنا بالصحّة ، ففي تضمين العامل إشكال ينشأ من إسقاط الدَّيْن بواسطة فعله ، فكان ضامناً ؛ لأنّه سبب الإتلاف.

مسألة ٢٤٣ : إذا دفع السيّد إلى عبده المأذون له في التجارة مالاً وقال له : اشتر عبداً ، فهو كالوكيل ، وإن قال : اتّجر به ، فهو كالعامل.

وتقرير ذلك : إنّ العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى مَنْ يعتق على سيّده ، فإن كان بإذن السيّد صحّ الشراء ، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق ، وإن كان على العبد دَيْنٌ فكذلك عندنا.

فإذا كان على المأذون دَيْنٌ يستغرق قيمته وما في يده وقلنا : يتعلّق الدَّيْن برقبته ، فعليه دفع قيمته الى الغرماء ؛ لأنّه الذي أتلف [ عليهم ](١)

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « عليه ». والصحيح ما أثبتناه.

٧٨

بالعتق.

وللشافعي قولان في نفوذ العتق فيه ؛ لأنّ ما في يد العبد كالمرهون بالديون(١) .

وإن اشترى بغير إذن سيّده وكان المولى قد نهاه عن شرائه ، بطل الشراء ، سواء كان عليه دَيْنٌ أو لم يكن ؛ لأنّ العبد لا يملك البيع والشراء إلّا بإذن مولاه ، فإذا نهاه لم يملكهما.

وإن كان المالك قد أطلق الإذن ولم يأذن في شراء قريبه ولا نهاه عنه ، فالأقرب : البطلان أيضاً ؛ لأنّ إذنه يتضمّن ما فيه حظٌّ ويمكنه التجارة فيه ، فلا يتناول مَنْ ينعتق(٢) عليه ، كالعامل إذا اشترى مَنْ ينعتق(٣) على ربّ المال ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه يصحّ الشراء ؛ لأنّ الشراء يقع للسيّد لا حقّ للعبد فيه ؛ إذ لا يتمكّن العبد من الشراء لنفسه ، وإنّما يشتريه لمولاه ، فإذا أطلق الإذن انصرف ما يشتريه إليه ، مقيّداً كان أو غير مقيّدٍ ، بخلاف العامل ، فإنّه يمكنه الشراء لنفسه ، كما يمكنه الشراء للمالك ، فما لا يقع مقصوداً بالإذن ظاهراً ينصرف إلى العامل(٤) .

والأوّل عندهم أصحّ - وبه قال المزني - كما قلنا في العامل ؛ لأنّ السيّد إنّما أذن في التجارة ، وهذا ليس منها(٥) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، البيان ٧ : ٢١٢ - ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٢ و ٣) في « ج » : « يعتق ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٥) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥.

٧٩

وقطع الجويني بهذا القول فيما إذا كان الإذن في التجارة ، وردّ الخلاف إلى ما إذا قال : تصرَّفْ في هذا المال واشتر عبداً(١) ، فلهذا قيل : إن قال السيّد : اشتر عبداً ، فهو كالوكيل ، وإن قال : اتّجر ، فهو كالعامل(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا اشترى العبد أبَ مولاه ، فإن قلنا : لا يصحّ ، فلا بحث.

وإن قلنا : يصحّ ، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق.

وإن كان على العبد دَيْنٌ ، فللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : إنّه يبطل الشراء ؛ لأنّ الدَّيْن يمنع من عتقه ، فبطلان العقد أحسن.

والثاني : إنّه يصحّ ولا يعتق.

والثالث : يعتق عليه ، وتكون ديون الغرماء في ذمة السيّد(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن لم يكن دفع إليه المال وإنّما أذن له في التجارة صحّ الشراء ، وعتق على مولاه ، وإن كان دفع إليه مالاً لم يصح الشراء ، كالمضارب ؛ لأنّ العبد إذا لم يدفع إليه المال فإنّما يشتري لنفسه ، ولهذا لا يصحّ نهيه عن نوعٍ أو سلعةٍ ، وإذا لم يكن يشتري له صحّ شراؤه له ، ولم يعتق عليه ، كالأجنبيّ(٤) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه إذن مطلق في الشراء ، فلا يتناول مَنْ يعتق على

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، المغني ٥ : ١٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له الله تعالى: أنت المختار وعندك مستودع الأنوار، وأنت المصطفى المنتخب الرضا المنتجب المرتضى، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء وأجري الماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك علماً للهداية وأودع أسرارهم في سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق ولا يغيب عنهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدري والمطلعين على أسرار خزائني.

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية والاقرار بالوحدانية في مكنون علمه، ونصب العوالم وموج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان، فطفى عرشه على الماء، ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها، ثم خلق الأرض وما فيها.

ثم قرن بتوحيده نبوة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفيّه، وشهدت السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض له بالنوبة، فلمّا خلق آدم أبان للملائكة فضله وأراهم ما خصه به من سابق العلم وجعله محراباً وقبلة لهم وسجدوا له، ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر، فلما حانت أيامه أودعه شيئاً، ولم يزل ينقل من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة إلى أن وصل عبد المطلب ثم إلى عبد الله ثم إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وعلانية، واستدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر المودع في الذر قبل النسل، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور واهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة فاستحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرائزنا، فنحن أنوار السماوات والأرض وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهديّنا تقطع الحجج خاتمة الأئمة ومنقذ الأمة ومنتهى النور، فليهن من استمسك بعروتنا وحشر

٢٠١

على محبتنا »(١) .

الرابع: كلام لعلي بن الحسين عليه‌السلام

وقال سيدنا الامام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : « نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها » رواه البلخي بقوله: « أخرج الحافظ الجعابي أن الامام زين العابدينرضي‌الله‌عنه قال: نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن من ركبها ويغرق من تركها، وإن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق من يحبّنا وهم في أصلاب آبائهم، فلا يقدرون على ترك ولا يتنا، لأن الله عز وجل جعل جبلتهم على ذلك »(٢) .

الخامس: القصيدة المنسوبة الى ابن العاص

وقال عمرو بن العاص في مدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب »

في قصيدة نسبها إليه جماعة من علماء أهل السنة، منهم: أبو محمد الحسن ابن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني في كتاب ( الإِكليل ) وجمال الدين المحدّث الشيرازي في ( تحفة الأحباء في مناقب آل العباء ).

قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني: « روى أن معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لجلسائه: من قال في علي على ما فيه فله البدرة؟ فقال كل منهم كلاماً غير موافق من شتم أمير المؤمنين إلّا عمرو بن العاص، فإنه قال أبياتاً اعتقدها وخالفها بفعاله:

___________________

(١). تذكرة خواص الامة ١٢٨.

(٢). ينابيع المودة ٢٣.

٢٠٢

بآل محمد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

وهم حجج الإِله على البرايا

بهم وبجدّهم لا يستراب

ولا سيّما أبي حسن علي

له في المجد مرتبة تهاب

إذا طلبت صوارمهم(١) نفوساً

فليس بها(٢) سوى نعم جواب

طعام حسامه مهج الأعادي

وفيض دم الرقاب لها شراب

وضربته كبيعته بخم

معاقدها من الناس الرقاب

إذا لم تبرء من أعداء علي

فما لك في محبته ثواب

هو البكّاء في المحراب ليلاً

هو الضحّاك إنْ آن الضرّاب

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الجواب(٣)

فأعطاه معاوية البدر وحرم الآخرين »(٤) .

السادس: كلام للحسن البصري (٥) .

وقال الحسن البصري في كتاب له إلى سيدنا الامام الحسن السبطعليه‌السلام « فإنكم معاشر بني هاشم كالفلك الجارية في بحر لجي، ومصابيح الدجى وأعلام الهدى، والأئمة القادة الذين من تبعهم نجا، كسفينة نوح المشحونة التي يؤول إليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون ».

___________________

(١). كذا والظاهر: صوارمه.

(٢). كذا والظاهر: لها.

(٣). كذا والظاهر: الخطاب.

(٤). هذا الاستشهاد مبني على نسبة من ذكرنا القصيدة إلى عمرو بن العاص. ومن القوم من نسبها إلى الناشئ الصغير المتوفى سنة ٣٦٥ وهي ٣٢ بيت، قال صاحب الغدير: وهو الأصح.

(٥).. الحسن البصري هو: الحسن بن يسار أبو سعيد. من كبار التابعين وإمام أهل البصرة وحبر الامة في زمنه، وأحد العلماء الفقهاء النساك عند أهل السنة. توفي سنة ١١٠ وله ترجمة في جميع كتب الرجال كتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب وميزان الاعتدال. وقد أثنى عليه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ١٣١.

٢٠٣

رواه أبو الحسن الغزنوي في ( كشف المحجوب لأرباب القلوب ٦١ ) وعنه الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وعبد الرحمن الجشتي في ( مرآة الأسرار ) ورواه محمد محبوب في ( تفسير شاهي ) بتفسير قوله تعالى:( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) عن كتاب ( جواهر العلوم ).

٢٠٤

دلالة حديث السفينة

٢٠٥

٢٠٦

ويدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام : من وجوه:

١ - وجوب اتّباعهم

إن هذا الحديث يدلّ على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام على الإِطلاق، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلّا الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب.

ويشهد لدلالته على وجوب ابتاعهم مطلقاً كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي، وقد تقدّم ذكر بعض تلك الكلمات.

٢ - إتباعهم يوجب النجاة

إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيتعليهم‌السلام يوجب النجاة والخلاص، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة، وهي تستلزم الامامة والخلافة.

وقد نصّ على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة:

قال الواحدي: « أنظر كيف دعا الخلق إلى النسب إلى ولائهم والسير تحت لوائهم بضرب مثله بسفينة نوحعليه‌السلام ، جعل ما في الآخرة من مخاوف

٢٠٧

الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه، فيورده مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليهو عليهم ‌السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الامواج إلّا بالسفينة، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلّا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وتخلى لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلّفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا إلى أنكال وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل »(١) .

وقال السمهودي في تنبيهات الذكر الخامس: « ثانيها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، الحديث، ووجهه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوحعليه‌السلام ، وقد سبق في الذكر قبله في حثّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسك بالثقلين كتاب الله وعترته قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، و قوله في بعض الطرق: نبأني اللطيف الخبير ، فأثبت لهم بذلك النجاة وجعلهم وصلة اليها، فتم التمسك المذكور، ومحصله الحث على التعلّق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكراً لنعمة مشرفهم صلّى الله عليه وعليهم، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة الوافرة، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستوجب النيران »(٢) .

وقال ابن حجر: « ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر: إن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز ( تيّار -

___________________

(١). تفسير الواحدي - مخطوط.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٠٨

ظ ) الطغيان »(١) .

٣ - دلالته على أفضليّتهم

إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام من سائر الناس مطلقاً، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاقتداء به دونهم، وإلّا لزم أنْ يكون قد غش أمته، وحاشا لله من ذلك

وقد صرّح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.

٤ - دلالته على وجوب محبتهم

إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيتعليهم‌السلام على الإِطلاق، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد لهم، كما بحث عن ذلك بالتفصيل في مجلد آية المودة. وكل ذلك يستلزم الإِمامة.

٥ - دلالته على عصمتهم

إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيتعليهم‌السلام توجب النجاة. وهذا المعنى يستلزم عصمتهم، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة - وهذا واضح.

وإذا ثبتت عصمتهمعليهم‌السلام لم يبق ريب في إمامتهم

٦ - من تخلّف عنهم ضلّ

إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيت عليهم

___________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩١.

٢٠٩

السلام، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان، كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٧ - هم الميزان المعرفة المؤمن والكافر

إن هذا الحديث يدل على أن من اتّبعهم كان من المفلحين الناجين، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين، فبهم وباتّباعهم يعرف المؤمن من الكافر، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الامامة والرئاسة العامة، لأنه من شوؤن العصمة المستلزمة للامامة كما تقدم.

٨ - دلالته على لزوم الامام في كلّ عصر

إن هذا الحديث يدل على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيتعليهم‌السلام في كل زمان إلى يوم القيامة، ليتسنى للأمة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة والنجاة بها من الهلاك، فهو إذاً يدل على صحة مذهب أهل الحق وبطلان المذاهب الأخرى، كما لا يخفى.

٩ - الجمع بين حديثي الثقلين والسفينة

لقد جاء حديث السفينة بعد حديث الثقلين في سياق طويل بحيث لا يبقى ريب لمن لاحظه في دلالته على مطلوب أهل الحق وذلك ما رواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي في صدر كتابه ( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) حيث قال: « وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما أكبر من الآخر سبب موصول من السماء إلى الأرض، فإن استمسكتم بهما لن تضلوا، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم

٢١٠

فتذهبوا، فإن مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وإن أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمّتي ما يوعدون، ألا وإنّ الله عصمهم من الضلالة وطهّرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وإنّ الله أوجب محبّتهم وأمر بمودتهم، ألا وإنّهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وإنّهم أهل الولاية الدالّون على طرق الهداية، ألا وإنّ الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك ومن حاد عنهم هلك. ألا وإن العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين، وقادة المؤمنين وأمناء العالمين على البرية أجمعين، الذين فرّقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين »(١) .

١٠ - الحديث في سياق آخر

لقد ورد هذا الحديث في سياقٍ يدل دلالة واضحة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد بذلك النص على الأئمة الاثني عشرعليهم‌السلام من بعده.

وقد جاء ذلك في حديث رواه أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي: « عن أبي سعيد الخدري، قال: صلّى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة الاُولى ثم أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: يا معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي، فإنكم لن تضلوا أبداً، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من أهل بيتي - أو قال - من عترتي »(٢) .

فإنه يدل على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام من جهات:

١ - تشبيههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت بسفينة نوح.

___________________

(١). الأربعين لابن أبي الفوارس - مخطوط.

(٢). مسند الفردوس.

٢١١

٢ - تشبيههم بباب حطة.

٣ - أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأصحاب بالتمسك بهم.

٤ - وصفهم بالأئمة الراشدين.

٥ - ذكر أنهم لن يضلوا إن تمسكوا بهم.

٦ - كون الأئمة من بعده اثني عشر من أهل بيته.

١١ - الحديث في سياقٍ ثالث

لقد جاء هذا الحديث ضمن كلام للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خاطب به علياًعليه‌السلام بأسلوب بديع وسياق رفيع لا يرتاب في كونه نصاً في الامامة إلا مكابر عنيد جاء ذلك في ( ينابيع المودة ) وهذا لفظه: « أخرجه الحمويني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا على أنا مدينة الحكمة وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلّا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك لحمك من لحمي ودمك من دمي، وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، وأنت إمام أمتي ووصيي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، ومثلك ومثل الأئمة من ولدك مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة »(١) .

١٢ - معنى الحديث في كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد جاء معنى هذا الحديث ضمن حديث يدل بوجوه عديدة على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، بحيث لو تأمله عاقل لم يخالجه أي شك في دلالته على

___________________

(١). ينابيع المودة ١٣٠.

٢١٢

مطلوب أهل الحق، و قد روى ذلك الحديث الهمداني في ( مودة القربى ) والبلخي القندوزي: « عن علي قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فيوال علياً بعدي وليعاد عدوّه وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادة [ سادات ] أمتي وقادة [ قادات ] الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان »(١) .

١٣ - الحديث مع حديث الأشباح

لقد جاء هذا الحديث في حديث الأشباح الخمسة بنهج يدل بوضوح على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام .

وهو ما رواه صدر الدين الحموئي بسنده: « عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمنة العرش فإذا نور خمسة أشباح سجّداً وركّعاً، قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك ولولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الانس ولا الجن، هؤلاء الخمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإِحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم الّا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم وأهلكهم، فإذا كان لك إلى حاجة فبهؤلاء توسّل.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن

___________________

(١). ينابيع المودة ص ٢٥٨.

٢١٣

حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت »(١) .

١٤ - الحديث مع حديث باب حطة

لقد جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين حديث السفينة - في طرق عديدة من طرقه - وحديث باب حطة وقد ثبت دلالة حديث باب حطة على وجوب اتباع أهل البيتعليهم‌السلام مطلقاً، وعلى عصمتهم وطهارتهم من الرجس، وعلى كفر المعرضين عنهم والمخالفين لهم

فهكذا حديث السفينة يفيد ذلك كله، وبكلّ منهما يتم مطلوب أهل الحق.

١٥ - في كلام امير المؤمنين عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام بين حديث السفينة وباب حطة قائلاً - فيما رواه السيوطي كما تقدّم - « إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل » أي: إن الانقياد لهم والانقطاع إليهم سبب لنجاة الأمة كما نجا من ركب سفينة نوح ومن دخل باب حطة وهذا المقام لا يكون إلّا للامامعليه‌السلام .

١٦ - الحديث مع حديث الثقلين في كلامه عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له - رواها اليعقوبي كما تقدّم - بين حديث السفينة وحديث الثقلين فأشار فيها إلى واقعة الغدير أيضاً وهذا يفيد أن حديث السفينة من براهين إمامتهعليه‌السلام مثلهما.

___________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٣٦.

٢١٤

١٧ - إهتمام أبي ذر بحديث السفينة

لقد اهتم سيدنا أبوذر رضوان الله عليه بشأن حديث السفينة، وهذا الاهتمام البالغ يكشف عن اعتقاده بدلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذا هو الذي يرغم آناف الأعداء اللئام، ويرفع رؤوس الأولياء الكرام.

١٨ - الحديث مع حديث باب حطة في روايته

إنه رضوان الله تعالى عليه قرن - في رواية الطبراني وغيره - بين حديث السفينة وحديث باب حطة وهو يدل على المطلوب كما سبق.

١٩ - كلام أبي ذر رضي‌الله‌عنه

لقد علم من رواية ابن الصباغ المالكي وغيره: أن أباذر صعد على عتبة باب الكعبة ثم ذكر حديث السفينة، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إجعلوا أهل بيتي فيكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس

وهذا دليل واضح على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام وإمامتهم وخلافتهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٠ - جمعه بينه وبين حديثي الثقلين وباب حطة

لقد جمع أبوذررضي‌الله‌عنه - فيما رواه البلخي القندوزي - بين هذا الحديث وحديثي باب حطة والثقلين وهو أيضاً دليل على المطلوب.

٢١٥

٢١٦

دحض مناقشات الدهلوي

في دلالة حديث السفينة

٢١٧

٢١٨

وبعد، فلنأت على كلمات الدهلوي حول دلالة حديث السفينة، لنبيّن فساد مزاعمه وبطلان دعاويه في المقام، فنقول وبالله التوفيق:

قوله:

وكذلك حديث: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق. فإنه لا يدل إلّا على الفلاح والهداية الحاصلين من حبّهم والناشئين من اتباعهم، وأن التخلّف عن حبّهم موجب للهلاك.

إعتراف الدهلوي بحصول الفلاح بحب أهل البيت

أقول:

إذا كان ( الدهلوي ) يعترف بذلك، فلم لا يعترف بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؟ فلقد علمت أنّ إيجاب موالاتهم ومحبّتهم يستلزم خلافتهم وإمامتهم، على أنّه سيأتي اعترافه بأن الامام هو من أوجب اتّباعه النجاة في الآخرة.

قوله:

وهذا المعنى - بفضل الله تعالى - يختص به أهل السنة من بين الفرق الاسلامية كلّها.

٢١٩

أقول:

إن من المعلوم لدى كلّ عاقب بصير أنه ليس لأهل السنة من ولاء أهل البيتعليهم‌السلام واتباعهم نصيب أصلاً، فضلاً عن أن يكون خاصاً بهم، كيف وهم يوالون بل يقتدون بمن ظلمهم وحاربهم وسبّهم وسمّهم وأبغضهم وانحرف عنهم! هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنهم ينفون فضلهم وينكرون عصمتهم ويخطّؤونهم في الأقوال والأفعال ولا يعتبرون بإجماعهم كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية والأصولية!! وهل هذا الذي زعمه ( الدهلوي ) إلّا مباهتة تتحير منها الأحلام والأذهان؟

قوله:

لأنهم متمسكون بحبل وداد أهل البيت جميعهم حسب ما يريد القرآن:( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) وموقفهم من ذلك كموقفهم من الأنبياء:( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) فلا يؤمنون ببعضهم ويعادون غيرهم.

هل أهل السنة متمسكون بأهل البيت؟

أقول: هذه دعوى باطلة لا يسندها أي دليل، ولعمري أنه يتذكر المرء منها قوله عز وجل:( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) (٢) .

___________________

(١). سورة المنافقون - ١.

(٢). سورة البقرة - ٩.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466