• البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14123 / تحميل: 5374
الحجم الحجم الحجم
تفسير المراغى

تفسير المراغى الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

(٩) عدد أجزاء هذا التفسير :

جعلت تفسيرى ثلاثين جزءا ، لكل جزء من القرآن الكريم جزء خاص من التفسير ، ليسهل على القارئ حمل هذا الجزء واستصحابه معه فى حله وترحاله ، فى قطر السكك الحديدية ، وفى الترام ، وفى كل مكان ينتقل إليه.

وكان من فأل الطالع أن بدئ بطبع هذا التفسير فى أول العام الهجري الجديد عام ١٣٦٥ ه‍.

والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين ، وأن يوفقنا لخدمة دينه ولغة كتابه الكريم؟

أحمد مصطفى المراغي

٢١

مراجع التفسير

(١) تفسير أبى جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ ه‍.

(٢) تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل لأبي القاسم جار الله الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ ه‍.

(٣) حاشية شرف الدين الحسن بن محمد الطيبي المتوفى سنة ٧١٣ ه‍ على الكشاف.

(٤) أنوار التنزيل للقاضى ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة ٦٩٢ ه‍.

(٥) تفسير أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني المتوفي فى رأس المائة الخامسة.

(٦) تفسير البسيط للإمام أبى الحسن الواحدي النيسابورى المتوفى سنة ٤٦٨ ه‍.

(٧) التفسير الكبير المسمى بمفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي ، المتوفي سنة ٦١٠ ه‍.

(٨) تفسير الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة ٥١٦ ه‍.

(٩) غرائب القرآن لنظام الدين الحسن بن محمد القمّى.

(١٠) تفسير الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ ه‍.

(١١) البحر المحيط لأثير الدين أبى حيان محمد بن يوسف الأندلسى المتوفى سنة ٧٤٥ ه‍.

(١٢) نظم الدرر فى تناسب الآي والسور لبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة ٨٨٥ ه‍.

(١٣) تفسير أبي مسلم الأصفهانى المتوفى سنة ٤٥٩ ه‍.

(١٤) تفسير القاضي أبي بكر الباقلاني.

(١٥) تفسير الخطيب الشربينى المسمى بالسراج المنير.

٢٢

(١٦) روح المعاني للعلامة الآلوسى.

(١٧) تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا وهو تفسير مقتبس من دروس الأستاذ الإمام محمد عبده ، وقد كان له فضل كبير فيما اقتبسناه أثناء تفسير الأجزاء التي فسرها.

(١٨) تفسير الجواهر للأستاذ طنطاوى جوهرى.

(١٩) سيرة ابن هشام.

(٢٠) شرح العلامة ابن حجر للبخارى (٢١) شرح العلامة العيني للبخارى.

(٢٢) لسان العرب لابن منظور الإفريقى المتوفى سنة ٧١١ ه‍.

(٢٣) شرح القاموس للفيروزبادى المتوفى سنة ٨١٦ ه‍.

(٢٤) أساس البلاغة للزمخشرى المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍.

(٢٥) الأحاديث المختارة للضياء المقدسي.

(٢٦) طبقات الشافعية لابن السبكى.

(٢٧) الزواجر لابن حجر.

(٢٨) أعلام الموقعين لابن تيمية.

(٢٩) الإتقان فى علوم القرآن للعلامة السيوطي.

(٣٠) مقدمة ابن خلدون.

٢٣

سورة الفاتحة

السورة طائفة من القرآن مؤلفة من ثلاث آيات فأكثر لها اسم يعرف بطريق الرواية ، وقد روى لهذه السورة عدة أسماء اشتهر منها : أم الكتاب ، أم القرآن.

(لاشتمالها على مقاصد القرآن من الثناء على الله والتعبد بأمره ونهيه ، وبيان وعده ووعيده) ، والسبع المثاني لأنها تثنى فى الصلاة) ، والأساس (لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه) ، والفاتحة (لأنها أول القرآن فى هذا الترتيب أو أول سورة نزلت)

فقد أخرج البيهقي فى كتابه الدلائل عن أبى ميسرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : إنى إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا.

فقالت معاذ الله ، ما كان الله ليفعل بك ، فو الله إنك لتؤدى الأمانة وتصل الرّحم.

وتصدق. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخبر ورقة بذلك ، وإن ورقة أشار عليه بأن يثبت ويسمع النداء ، وإنه صلى الله عليه وسلم لما خلا ناداه الملك يا محمد قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ـ حتى بلغ ولا الضالين».

وقد رجح هذا بأنها مشتملة على مقاصد القرآن على سبيل الإجمال ، ثم فصل ما أجملته بعد.

بيان هذا أن القرآن الكريم اشتمل على التوحيد ، وعلى وعد من أخذ به بحسن المثوبة ووعيد من تجافى عنه وتركه بسىء العقوبة ، وعلى العبادة التي تحيى التوحيد فى القلوب وتثبته فى النفوس ، وعلى بيان سبيل السعادة الموصل إلى نعيم الدنيا والآخرة ، وعلى القصص الحاوي أخبار المهتدين الذين وقفوا عند الحدود التي سنها الله لعباده ، وفيها سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم ، والضالين الذين تعدّوا الحدود ، ونبذوا أحكام الشرائع وراءهم ظهريا.

وقد حوت الفاتحة هذه المعاني جملة ، فالتوحيد يرشد إليه قوله :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ

٢٤

الْعالَمِينَ ) لأنه يدل على أن كل ثناء وحمد يصدر عن نعمة فهو له ، ولن يكون هذا إلا إذا كان عز اسمه مصدر النعم التي تستوجب الحمد ، وأهمها نعمة الإيجاد والتربية وذلك صريح قوله :( رَبِّ الْعالَمِينَ ) وقد استكمله بقوله :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) وبذلك اجتثّ جذور الشرك التي كانت فاشية فى جميع الأمم ، وهى اتخاذ أولياء من دون الله يستعان بهم على قضاء الحاجات ويتقرب بهم إلى الله زلفى.

والوعد والوعيد يتضمنهما قوله :( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إذ الدين هو الجزاء وهو إما ثواب للمحسن وإما عقاب للمسىء.

والعبادة تؤخذ من قوله :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) .

وطريق السعادة يدل عليه قوله :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إذ معناه أنه لا تتم السعادة إلا بالسير على ذلك الصراط القويم ، فمن خالفه وانحرف عنه كان فى شقاء مقيم.

والقصص والأخبار يهدى إليها قوله :( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) فهو يرشد إلى أن هناك أمما قد مضت وشرع الله شرائع لهديها فاتبعتها وسارت على نهجها ، فعلينا أن نحذو حذوها ونسير على سننها.

وقوله :( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) يدل على أن غير المنعم عليهم صنفان :

صنف خرج عن الحق بعد علمه به ، وأعرض عنه بعد أن استبان له ، ورضى بما ورثه عن الآباء والأجداد وهؤلاء هم المغضوب عليهم ، وصنف لم يعرف الحق أبدا أو عرفه على وجه مضطرب مهوش ، فهو فى عماية تلبس الحق بالباطل وتبعد عن الجادة الموصلة إلى الصراط السوي ، وهؤلاء هم الضالون.

وهذه السورة إحدى السور المكية التي نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وعدة آيها سبع.

وقد نزل القرآن الكريم منجّما أي مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة بحسب الحوادث

٢٥

التي دعت إلى نزوله ، وقد نزل بعضه بمكة قبل الهجرة وبعضه بالمدينة بعدها ، ولكل من المكي والمدني ميزات يعرف بها.

ميزات المكي :

فمن ميزات المكي أنه نزل لبيان أسس الدين من الإيمان بالله واليوم الآخر ، والملائكة والكتاب والنبيين ، وفعل الخيرات وترك المنكرات ، مع إيجاز فى التعبير ، واختصار فى الأسلوب ، ويتضح ذلك جليا فى قصار المفصّل كالحاقة والواقعة والمرسلات.

ميزات المدني :

ومن ميزات المدني أنه جاء بأحكام العبادات والمعاملات الشخصية والمدنية فى السلم والحرب ، وأصول التشريع للحكومات الإسلامية ، إلى إسهاب فى الأسلوب وبسطة فى القول ، ولا سيما عند محاجة أهل الكتاب ، والنعي عليهم بتحريف ما أنزل إليهم ودعوتهم إلى التوحيد الخالص ، وبيان أن الإسلام الذي جاء به القرآن هو دين الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا.

٢٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تمهيد

يرى بعض الصحابة كأبى هريرة وعلىّ وابن عباس وابن عمر ، وبعض التابعين كسعيد بن جبير وعطاء والزهري وابن المبارك وبعض فقهاء مكة وقرائها ومنهم ابن كثير ، وبعض قراء الكوفة وفقهائها ومنهم عاصم والكسائي والشافعي وأحمد ، أن البسملة آية من كل سورة من سورة القرآن الكريم.

ومن أدلتهم على ذلك :

(١) إجماع الصحابة ومن بعدهم على إثباتها فى المصحف أول كل سورة عدا سورة براءة ، مع الأمر بتجريد القرآن من كل ما ليس منه ، ومن ثم لم يكتبوا (آمين) فى آخر الفاتحة.

(٢) ما ورد في ذلك من الأحاديث ، فقد أخرج مسلم فى صحيحه عن أنس رضى الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنزلت علىّ آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» ، وروى أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف انقضاء السورة ، حتى ينزل عليه( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وروى الدار قطنى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرّحمن الرحيم فإنها أم القرآن والسبع المثاني ، وبسم الله الرّحمن الرحيم إحدى آياتها».

(٣) أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى ، والبسملة بينهما فوجب جعلها منه.

ويرى مالك وغيره من علماء المدينة ، والأوزاعى وجماعة من علماء الشام ، وأبو عمرو

٢٧

يعقوب من قراء البصرة وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة ـ أنها آية مفردة من القرآن أنزلت لبيان رءوس السور والفصل بينها.

ويرى عبد الله بن مسعود أنها ليست من القرآن أصلا وهو رأى بعض الحنفية.

ومن أدلتهم على ذلك حديث أنس قال : صليت خلف النبي صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان ، وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول قراءة ولا آخرها.

الإيضاح

( بِسْمِ ) الاسم هو اللفظ الذي يدل على ذات كمحمد وإنسان ، أو معنى كعلم وأدب.

وقد أمرنا الله بذكره وتسبيحه فى آيات فقال :( فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ) وقال :( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) وقال :

( فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ ) .

وأمرنا بذكر اسمه وتسبيحه فى آيات أخرى فقال :( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) وقال :( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) وقال :( وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) .

ومن ذلك يعلم أن ذكر المسمى مطلوب بتذكر القلب إياه ونطق اللسان به لتذكر عظمته وجلاله ونعمه المتظاهرة على عباده ، وذكره باللسان هو ذكر أسمائه الحسنى وإسناد الحمد والشكر إليه وطلب المعونة منه على إيجاد الأفعال وإحداثها.

وذكر الاسم مشروع ومطلوب كذلك ، فيعظم الاسم مقرونا بالحمد والشكر وطلب المعونة فى كون الفعل معتدا به شرعا ، فإنه ما لم يصدّر باسمه تعالى يكون بمنزلة المعدوم.

( اللهِ ) علم مختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره تعالى ، وكان العربي فى الجاهلية إذا سئل من خلق السموات والأرض؟ يقول الله : وإذا سئل هل خلقت اللات والعزّى شيئا من ذلك؟ يجيب (لا).

٢٨

والإله اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بالحق.

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) كلاهما مشتق من الرحمة وهى معنى يقوم بالقلب يبعث صاحبه على الإحسان إلى سواه ، ويراد منها فى جانب المولى عزّ اسمه أثرها وهو الإحسان.

إلا أن لفظ( الرَّحْمنِ ) يدل على من تصدر عنه آثار الرحمة وهى إسباغ النعم والإحسان ، ولفظ( الرَّحِيمِ ) يدل على منشأ هذه الرحمة ، وأنها من الصفات الثابتة اللازمة له ، فإذا وصف الله جل ثناؤه بالرحمن استفيد منه لغة أنه المفيض للنعم ، ولكن لا يفهم منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائما. وإذا وصف بعد ذلك بالرحيم علم أن لله صفة ثابتة دائمة هى الرحمة التي يكون أثرها الإحسان الدائم ؛ وتلك الصفة على غير صفات المخلوقين ، وإذا يكون ذكر الرحيم بعد الرحمن كالبرهان على أنه يفيض الرحمة على عباده دائما لثبوت تلك الصفة له على طريق الدوام والاستمرار.

افتتح عزّ اسمه كتابه الكريم بالبسملة إرشادا لعباده أن يفتتحوا أعمالهم بها ، وقد
ورد في الحديث «كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» (أي مقطوع الذنب ناقص).

وقد كان العرب قبل الإسلام يبدءون أعمالهم بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات أو باسم العزى ، وكذلك كان يفعل غيرهم من الأمم ، فإذا أراد امرؤ منهم أن يفعل أمرا مرضاة لملك أو أمير يقول أعمله باسم فلان ، أي إن ذلك العمل لا وجود له لولا ذلك الملك أو الأمير.

وإذا فمعنى أبتدئ عملى باسم الله الرحمن الرحيم أننى أعمله بأمر الله ولله لا لحظ نفسى وشهواتها.

ويمكن أن يكون المراد ـ أن القدرة التي أنشأت بها العمل هى من الله ولو لا ما أعطانى من القدرة لم أفعل شيئا ، فأنا أبرأ من أن يكون عملى باسمي ، بل هو باسمه تعالى ، لأننى أستمد القوة والعون منه ، ولولا ذلك لم أقدر على عمله ، وإذا فمعنى البسملة التي جاءت أول الكتاب الكريم ، أن جميع ما جاء فى القرآن من الأحكام والشرائع

٢٩

والأخلاق والآداب والمواعظ ـ هو لله ومن الله ليس لأحد غيره فيه شىء ، وكأنه قال اقرأ يا محمد هذه السورة بسم الله الرحمن الرحيم ، أي اقرأها على أنها من الله لا منك ، فإنه أنزلها عليك لتهديهم بها إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم فى الدنيا والآخرة ، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد من تلاوتها على أمته أنه يقرأ عليهم هذه السورة باسم الله لا باسمه أي أنها من الله لا منه ، فإنما هو مبلّغ عنه تبارك وتعالى كما جاء فى قوله :( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) .

( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧) )

الإيضاح

( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) الحمد لغة هو المدح على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره سواء أسداه إلى الحامد أو إلى غيره.

والمدح يعم هذا وغيره فيقال مدح المال ، ومدح الجمال ، ومدح الرياض.

والثناء يستعمل فى المدح والذم على السواء ، فيقال أثنى عليه شرا ، كما يقال أثنى عليه خيرا.

والشكر هو الاعتراف بالفضل إزاء نعمة صدرت من المشكور بالقلب أو باللسان أو باليد أو غيرها من الأعضاء كما قال شاعرهم :

أفادتكم النعماء منّى ثلاثة

يدى ولساني والضّمير المحجّبا

يريد أن يدى ولسانى وقلبى لكم ، فليس فى القلب إلا نصحكم ومحبتكم ، ولا فى اللسان لا الثناء عليكم ومدحكم ، ولا فى اليد وسائر الجوارح والأعضاء إلا مكافأتكم وخدمتكم.

٣٠

وورد فى الأثر ـ الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لم يحمده.

وقد جعله رأس الشكر ، لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على من أسداها ، يشهرها بين الناس ويجعل صاحبها القدوة المؤتسى به ، أما الشكر بالقلب فهو خفى قلّ من يعرفه ، وكذلك الشكر بالجوارح منهم لا يستبين لكثير من الناس.

( لِلَّهِ ) هو المعبود بحق لم يطلق على غيره تعالى.

( رَبِّ ) هو السيد المربّى الذي يسوس من يربّيه ويدبّر شئونه.

وتربية الله للناس نوعان ، تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشد وتنمية قواهم النفسية والعقلية ـ وتربية دينية تهذيبية تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم ليبلّغوا للناس ما به تكمل عقولهم وتصفو نفوسهم ـ وليس لغيره أن يشرع للناس عبادة ولا أن يحلّ شيئا ويحرم آخر إلا بإذن منه.

ويطلق الرب على الناس فيقال رب الدار ، ورب هذه الأنعام كما قال تعالى حكاية عن يوسف صلوات الله عليه فى مولاه عزيز مصر( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) وقال عبد المطلب يوم الفيل لأبرهة قائد النجاشي : أما الإبل فأنا ربّها ، وأما البيت فإن له ربّا يحميه.

( الْعالَمِينَ ) واحدهم عالم (بفتح اللام) ويراد به جميع الموجودات ، وقد جرت عادتهم ألا يطلقوا هذا اللفظ إلا على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العقلاء إن لم تكن منهم ، فيقولون عالم الإنسان ، وعالم الحيوان وعالم النبات ، ولا يقولون عالم الحجر ، ولا عالم التراب ، ذاك أن هذه العوالم هى التي يظهر فيها معنى التربية الذي يفيده لفظ( رَبِّ ) إذ يظهر فيها الحياة والتغذية والتوالد.

والخلاصة ـ إن كل ثناء جميل فهو لله تعالى إذ هو مصدر جميع الكائنات.

وهو الذي يسوس العالمين ويربيهم من مبدئهم إلى نهايتهم ويلهمهم ما فيه خيرهم وصلاحهم ، فله الحمد على ما أسدى ، والشكر على ما أولى :

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) قد سبق أن قلنا : إن معنى الرّحمن المفيض للنعم المحسن على عباده

٣١

بلا حصر ولا نهاية ، وهذا اللفظ خاص بالله تعالى ولم يسمع عن العرب إطلاقه على غيره تعالى إلا فى شعر

لبعض من فتن بمسيلمة الكذاب :

سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا

وأنت غيث الورى لازلت رحمانا

والرّحيم هو الثابت له صفة الرحمة التي عنها يكون الإحسان.

وقد ذكر سبحانه هذين الوصفين ليبين لعباده أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ، ليقبلوا على عمل ما يرضيه وهم مطمئنو النفوس منشر حو الصدور ، لا ربوبية جبروت وقهر لهم.

والعقوبات التي شرعها الله لعباده فى الدنيا والعذاب الأليم فى الآخرة لمن تعدّى حدوده وانتهك حرماته ـ هى قهر فى الظاهر ورحمة فى الحقيقة ، لأنها تربية للناس وزجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادة التي شرعها لهم إذ في اتباعها سعادتهم ونعيمهم ، وفى تجاوزها شقاؤهم وبلاؤهم ، ألا ترى إلى الوالد الرءوف كيف يربّى أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع والإحسان إليهم إذا لزموا الجادّة ، فإذا هم حادوا عن الصراط السوي لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا ، قال أبو تمام :

فقسا ليزدجروا ومن يك حازما

فليقس أحيانا على من يرحم

( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) قرأ بعض القرّاء مالك ، وبعض آخر ملك ، والفارق بينهما أن المالك هو ذو الملك (بكسر الميم) والملك هو ذو الملك (بضم الميم) وقد جاء فى الكتاب الكريم ما يعاضد كلّا من القراءتين ، فيعاضد الأولى قوله :( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ) ويعاضد الثانية قوله :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) .

قال الراغب : والقراءتان وإن رويتا عن جمع كثير من الصحابة ، فالثانية يكنفها من الجلال والرّوعة وإثارة الخشية ما لا يوجد مثله فى القراءة الأولى ، فهى تدلّ على أنه سبحانه هو المتصرف فى شئون العقلاء بالأمر والنهى والجزاء ، ومن ثمّ يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء :

والدين يطلق لغة على الحساب ، وعلى المكافأة ، وعلى الجزاء ، وهو المناسب هنا ،

٣٢

وإنما قال مالك يوم الدين ، ولم يقل مالك الدين ليعلم أن للدين يوما معينا يلقى فيه كل عامل جزاء عمله.

والناس وإن كانوا يلاقون جزاء أعمالهم فى الدنيا باعتبارهم أفرادا من بؤس وشقاء جزاء تفريطهم فى أداء الحقوق والواجبات التي عليهم ـ فربما يظهر ذلك فى بعض دون بعض ، فإنا نرى كثيرا من المنغمسين فى شهواتهم يقضون أعمارهم وهم متمتعون بلذاتهم ، نعم إنهم لا يسلمون من المنغّصات ، وربما أتتهم الجوائح فى أموالهم ، واعتلّت أجسامهم ، وضعفت عقولهم ، ولكن هذا لا يكون جزاء كاملا لما اقترفوه من عظيم الموبقات ، وكبير المنكرات ، كذلك نرى كثيرا من المحسنين يبتلون بهضم حقوقهم ولا ينالون ما يستحقون من حسن الجزاء ، نعم إنهم ينالون بعض الجزاء بإراحة ضمائرهم وسلامة أجسامهم وصفاء ملكاتهم وتهذيب أخلاقهم ، ولكن ليس هذا كلّ ما يستحقون من الجزاء ، فإذا جاء ذلك اليوم استوفى كل عامل جزاء عمله كاملا إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، جزاء وفاقا لما عمل( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) ،( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) .

أما الناس باعتبارهم أمما وجماعات فيظهر جزاؤهم فى الدنيا ظهورا تاما ، فما من أمّة انحرفت عن الصراط السوي ، ولم تراع سنة الله في الخليقة إلا حلّ بها ما تستحق من الجزاء من فقر بعد غنى ، وذلّ بعد عزة ، ومهانة بعد جلال وهيبة.

وقد جاء قوله :( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) إثر قوله :( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ليكون كترهيب بعد ترغيب ، وليعلمنا أنه تعالى ربّى عباده بكلا النوعين من التربية ، فهو رحيم بهم ، ومجاز لهم على أعمالهم كما قال :( نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ) .

( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) العبادة خضوع ينشأ عن استشعار القلب بعظمة المعبود اعتقادا بأن له سلطانا لا يدرك العقل حقيقته ؛ لأنه أعلى من أن يحيط به فكره ، أو يرقى إليه إدراكه.

٣٣

فمن يتذلل لملك لا يقال إنه عبده ، لأن سبب التذلل معروف ، وهو إما الخوف من جوره وظلمه ، وإما رجاء كرمه وجوده.

وللعبادة صور وأشكال تختلف باختلاف الأديان والأزمان ، وكلها شرعت لتنبيه الإنسان إلى ذلك السلطان الأعلى ، والملكوت الأسمى ، ولتقويم المعوجّ من الأخلاق وتهذيب النفوس ، فإن لم تحدث هذا الأثر لم تكن هى العبادة التي شرعها الدين.

هاك الصلاة تجد أن الله أمرنا بإقامتها والإتيان بها كاملة وجعل من آثارها أنها تنهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، كما قال :( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) فإن لم يكن لها هذا الأثر فى النفوس كانت صورا من الحركات والعبارات خالية من روح العبادة وسرها ، فاقدة جلالها وكمالها ، وقد توعد الله فاعلها بالويل والثبور ذفقال :( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) فهم وإن سماهم مصلين لأنهم أتوا بصورة الصلاة ، وصفهم بالسهو عن حقيقتها ولبّها ، وهو توجه القلب إلى الله والإخبات إليه وهو المشعر بعظمته ، وقد جاء فى الحديث : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا. وأنها تلفّ كما يلفّ الثوب البالي ويضرب بها وجهه.

والاستعانة طلب المعونة والمساعدة على إتمام عمل لا يستطيع المستعين الاستقلال بعمله وحده.

وقد أمرنا الله فى هذه الآية ألا نعبد أحدا سواه ، لأنه المنفرد بالسلطان ، فلا ينبغى أن يشاركه فى العبادة سواه ، ولا أن يعظم تعظيم المعبود غيره ، كما أمرنا ألا نستعين بمن دونه ، ولا نطلب المعونة المتممة للعمل والموصلة إلى الثمرة المرجوة إلا منه ، فيما وراء الأسباب التي يمكننا كسبها وتحصيلها.

بيان هذا أن الأعمال يتوقف نجاحها على أسباب ربطتها الحكمة الإلهية بمسبباتها ، وجعلتها موصلة إليها ، وعلى انتفاء موانع من شأنها أن تحول دونها ، وقد أوتى الإنسان بما فطره الله عليه من العلم والمعرفة كسب بعض الأسباب ، ودفع بعض الموانع بقدر

٣٤

استعداده الذي أوتيه ، وفى هذا القدر أمرنا أن نتعاون ويساعد بعضنا بعضا كما قال تعالى( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) فنحن نحضر الدواء مثلا لشفاء المرضى ، ونجلب السلاح والكراع ونكثر الجند لغلب العدو ، ونضع فى الأرض السّماد ونرويها ونقتلع منها الحشائش الضارة للخصب وتكثير الغلة.

وفيما وراء ذلك مما حجب عنا من الأسباب يجب أن نفوض أمره إلى الله تعالى.

فنستعين به وحده ، ونفزع إليه في شفاء مريضنا ، ونصرنا على عدونا ، ورفع الجوائح السماوية والأرضية عن مزارعنا ، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه ، وهو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا كما قال :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وأرشد إلى أنه قريب منا يسمع دعاءنا كما قال :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) .

فمن يستعين بقبر ناسك ، أو ضريح عابد لقضاء حاجة له ، أو تيسير أمر تعسّر عليه ، أو شفاء مريض أو هلاك عدو فقد ضل سواء السبيل ، وأعرض عما شرعه الله ، وارتكب ضربا من ضروب الوثنية التي كانت فاشية قبل الإسلام وبعده ولا تزال إلى الآن كذلك ، وقد نهى عن مثلها الشارع الحكيم ، إذ حصر طلب المعونة فيه دون سواه ، وجعلها مقصد كل مخبت أوّاه.

وفى ذكر الاستعانة بالله إرشاد للإنسان إلى أنه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب ، فمن ترك الكسب فقد جانب الفطرة ، ونبذ هدى الشريعة ، وأصبح مذموما مدحورا ، لا متوكّلا محمودا ، وكذلك فيها إيماء إلى أن الإنسان مهما أوتى من حصافة الرأى ، وحسن التدبير ، وتقليب الأمور على وجوهها ـ لا يستغنى عن العون الإلهى ، واللطف الخفىّ.

والاستعانة بهذا المعنى ترادف التوكل على الله ، وهى من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى ، وبها يكون المرء مع الله عبدا خاضعا مخبتا ، ومع الناس حرا كريما لا سلطان لأحد عليه ، لا حىّ ولا ميت ، وفى هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء والدجالين ، وإطلاق العزائم من قيود الأفّاكين الكاذبين.

٣٥

( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الهداية هى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب ، والصراط هو الطريق ، والمستقيم ضد المعوجّ ، وهو ما فيه انحراف عن الغاية التي يجب على سالكها أن ينتهى إليها.

وهداية الله للإنسان على ضروب :

(١) هداية الإلهام ، وتكون للطفل منذ ولادته ، فهو يشعر بالحاجة إلى الغذاء ويصرخ طالبا له.

(٢) هداية الحواس ، وهاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان والحيوان الأعجم ، بل هما فى الحيوان أتمّ منهما فى الإنسان ، إذ إلهامه وحواسه يكملان بعد ولادته بقليل ، ويحصلان في الإنسان تدريجا.

(٣) هداية العقل ، وهى هداية أعلى من هداية الحس والإلهام ، فالإنسان قد خلق ليعيش مجتمعا مع غيره ، وحواسّه وإلهامه لا يكفيان لهذه الحياة ، فلا بد له من العقل الذي يصحح له أغلاط الحواس ، ألا ترى الصفراوي يذوق الحلو مرّا ، والرائي يبصر العود المستقيم فى الماء معوجّا.

(٤) هداية الأديان والشرائع ، وهى هداية لا بد منها لمن استرقّت الأهواء عقله ، وسخّر نفسه للذاته وشهواته ، وسلك مسالك الشرور والآثام ، وعدا على بنى جنسه ، وحدث بينه وبينهم التجاذب والتدافع ـ فبها يحصل الرشاد إذا غلبت الأهواء العقول ، وتتبين للناس الحدود والشرائع ، ليقفوا عندها ويكفّوا أيديهم عما وراءها ـ إلى أن فى غرائز الإنسان الشعور ـ بسلطان غيبى متسلّط على الأكوان ، إليه ينسب كل ما لا يعرف له سببا ، وبأن له حياة وراء هذه الحياة المحدودة ، وهو بعقله لا يدرك ما يجب لصاحب هذا السلطان ، ولا يصل فكره إلى ما فيه سعادته فى هذه الحياة فاحتاج إلى هداية الدين التي تفضل الله بها عليه ووهبه إياها.

وإلى تلك الهدايات أشار الكتاب الكريم فى آيات كثيرات كقوله :( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) أي طريقى الخير والشر والسعادة والشقاء. وقوله :( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ

٣٦

فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) أي أرشدناهم إلى طريق الخير والشر فاختاروا الثاني الذي عبر عنه بالعمى.

وهناك نوع آخر من الهداية وهو المعونة والتوفيق للسير فى طريق الخير ، وهى التي أمرنا الله بطلبها فى قوله :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) إذ المراد ـ دلّنا دلالة تصحبها من لدنك معونة غيبية تحفظنا بها من الوقوع فى الخطأ والضلال.

وهذه الهداية خاصة به سبحانه لم يمنحها أحدا من خلقه ، ومن ثمّ نفاها عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وقوله :( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وأثبتها لنفسه فى قوله :

( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) .

أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق ، مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة والفوز والفلاح ، فهى مما تفضل الله بها على خلقه ومنحهموها ، ومن ثم أثبتها للنبى صلى الله عليه وسلم فى قوله :( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

هذا ـ والصراط المستقيم هو جملة ما يوصل إلى السعادة فى الدنيا والآخرة من عقائد وأحكام وآداب وتشريع دينى كالعلم الصحيح بالله والنبوة وأحوال الكون وأحوال الاجتماع ـ وقد سمّى هذا صراطا مستقيما تشبيها له بالطريق الحسى ، إذ كل منهما موصل إلى غاية ، فهذا سير معنوى يوصل إلى غاية يقصدها الإنسان ، وذاك سير حسىّ يصل به إلى غاية أخرى.

وقد أرشدنا الله إلى طلب الهداية منه ، ليكون عونا لنا ينصرنا على أهوائنا وشهواتنا بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد فى معرفة أحكام الشريعة ، ونكلف أنفسنا الجري على سننها ، لنحصل على خيرى الدنيا والآخرة.

( صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) الذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصدّيقون والصالحون من الأمم السالفة ، وقد أجملهم هنا وفصلهم فى مواضع عدة من

٣٧

الكتاب الكريم بذكر قصصهم للاعتبار بالنظر فى أحوالهم ، فيحملنا ذلك على حسن الأسوة فيما تكون به السعادة ، واجتناب ما يكون طريقا إلى الشقاء والدمار.

وقد أمرنا باتباع صراط من تقدّمنا ، لأن دين الله واحد فى جميع الأزمان : فهو إيمان بالله ورسله واليوم الآخر ، وتخلّق بفاضل الأخلاق وعمل الخير وترك الشر ، وما عدا ذلك فهو فروع وأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى :( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) إلى آخر الآية.

والمغضوب عليهم هم الذين بلغهم الدين الحق الذي شرعه الله لعباده فرفضوه ونبذوه وراءهم ظهريّا ، وانصرفوا عن النظر فى الأدلة تقليدا لما ورثوه عن الآباء والأجداد ـ وهؤلاء عاقبتهم النكال والوبال فى جهنم وبئس القرار.

والضالون هم الذين لم يعرفوا الحق ، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح ، وهؤلاء هم الذين لم تبلغهم رسالة ، أو بلغتهم على وجه لم يستبن لهم فيه الحق ، فهم تائهون فى عماية لا يهتدون معها إلى مطلوب ، تعترضهم الشبهات التي تلبس الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ إن لم يضلّوا فى شئون الدنيا ضلوا فى شئون الحياة الأخرى ، فمن حرم هدى الدين ظهر أثر الاضطراب فى أحواله المعيشية وحلت به الرزايا ، والذين جاءوا على فترة من الرسل لا يكلّفون بشريعة ، ولا يعذبون فى الآخرة لقوله تعالى :( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) .

وهذا رأى جمهرة العلماء ، وترى فئة منهم أن العقل وحده كاف فى التكليف ، فمتى أوتيه الإنسان وجب عليه النظر فى ملكوت السموات والأرض والتدبر والتفكر فى خالق الكون ، وما يجب له من عبادة وإجلال ، بقدر ما يهديه عقله ويصل إليه اجتهاده ، وبذلك ينجو من عذاب النار يوم القيامة ، فإن لم يفعل ذلك كان من الهالكين.

(آمين) اسم بمعنى استجب ، وفيه لغتان : المد كما قال شاعرهم :

يا رب لا تسلبنّى حبها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا

والقصر كما قال الآخر :

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

٣٨

وروى فى الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقننى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة ، وقال إنه كالختم على الكتاب ، وأوضح ذلك علىّ كرّم الله وجهه فقال : آمين خاتم رب العالمين ، ختم به دعاء عبده ـ يريد أنّه كما يمنع الخاتم الاطلاع على المختوم والتصرف فيه ، يمنع آمين الخيبة عن دعاء العبد.

وهذا اللفظ ليس من القرآن إذ لم يثبت فى المصاحف ، ولا يقوله الإمام فى الصلاة ، لأنه الداعي كما قال الحسن البصري ، والمشهور عن أبي حنيفة أنه يقوله ويخفيه وفاقا لرواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعند الشافعية يجهر به ، كما رواه وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان إذا قرأ ولا الضالين ، قال : آمين ورفع صوته.

ويرى بعض علماء الآثار المصرية فى العصر الحاضر أن كلمة (آمين) معناها الله ، فكأنها ذكرت فى آخر الفاتحة للختم باسمه تعالى إشارة إلى أن المرجع كله إليه ، ويعقدون موازنة بين (مينو) و (آمون) و (آمين).

ويرى الثقات من علماء اللغات السامية رأيهم ، ويقولون : إنها ذكرت آخر الفاتحة للترنم بها بعد قراءة السورة التي تضمنت الإشارة إلى أغراض الكتاب الكريم. ويؤيدون رأيهم بأن المزامير ختمت بكلمة (سلاه) للترنم بها على هذا النحو ـ ويكون المعنى العام ـ إنا نتوجه إليك يا إلهنا فإليك المرجع والمصير.

٣٩

سورة البقرة

مدنية إلا آية إحدى وثمانين ومائتين ، فقد نزلت بمعنى فى حجة الوداع ، وهى آخر القرآن نزولا على ما قيل : وغالب السورة نزل أول الهجرة ، وهى أطول سور القرآن ، كما أن أقصرها سورة الكوثر ، وأطول آية فى القرآن هى آية الدّين( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ) إلخ ، وأقصرها قوله والضحى ، وقوله والفجر.

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) )

الإيضاح

( الم ) هى وأمثالها من الحروف المقطعة نحو (المص والمر) حروف للتنبيه كألا ويا ونحوهما مما وضع لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها ، فهنا جاءت للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم والإشارة إلى إعجازه وإقامة الحجة على أهل الكتاب إلى نحو ذلك مما جاء فى أثناء السورة.

وتقرأ مقطّعة بذكر أسمائها ساكنة الأواخر فيقال : ألف. لام. ميم ، كما يقال في أسماء الأعداد. واحد. اثنان. ثلاثة.

( ذلِكَ الْكِتابُ ) الكتاب اسم بمعنى المكتوب وهو النقوش والرقوم الدالة على المعاني ، والمراد به الكتاب المعروف المعهود للنبى صلى الله عليه وسلم الذي وعده الله به لتأييد رسالته وكفل به هداية طلاب الحق وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.

وفى التعبير به إيماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمز بكتابة شىء سواه.

وعدم كتابة القرآن كله بالفعل حين الإشارة إليه لا يمنع الإشارة ، ألا ترى أن من المستفيض الشائع فى التخاطب أن يقول إنسان لآخر : هلمّ أملل عليك كتابا ، والكتاب لم يوجد بعد.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

بتخفيف النون وياء بعدها، قيل هى بدل من إحدى النونين وقيل نشأت عن الاشباع، و (إلى) متعلقة بمحذوف أى مرسلا إلى فرعون، و (رداء‌ا) حال، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الراء وحذفها (يصدقنى) بالجزم على الجواب، وبالرفع صفة لرداء، أو حالا من الضمير فيه.

قوله تعالى (بآياتنا) يجوز أن يتعلق بيصلون، وأن يتعلق ب‍ (الغالبون)، و (تكون) بالتاء على تأنيث العاقبة، وبالياء لان التأنيث غير حقيقى، ويجوز أن يكون فيها ضمير يعود على من، و (له عاقبة) جملة في موضع خبر كان، أو تكون تامة، فتكون الجملة حالا.

قوله تعالى (ويوم القيامة) الثانية فيه أربعة أوجه: أحدها هومعطوف على موضع في هذه: أى وأتبعناهم يوم القيامة.

والثانى أن يكون حذف المضاف: أى وأتبعناهم لعنة يوم القيامة.

والثالث أن يكون منصوبا ب‍ (المقبوحين) على أن تكون الالف واللام للتعريف لا بمعنى الذى.

والرابع أن يكون على التبيين: أى وقبحوا يوم القيامة ثم فسر بالصلة.

قوله تعالى (بصائر) حال من الكتاب أو مفعول له، وكذلك (هدى ورحمة).

قوله تعالى (بجانب الغربى) أصله أن يكون صفة: أى بالجانب الغربى، ولكن حول عن ذلك وجعل صفة المحذوف ضرورة امتناع إضافة الموصوف إلى الصفة إذ كانت هى الموصوف في المعنى، وإضافة الشئ إلى نفسه خطأ، والتقدير جانب المكان الغربى، و (إذ) معمولة للجار أو لما يتعلق به (وما كنت من الشاهدين) إى إذ قصينا، و (تتلوا) في موضع نصب خبرا ثانيا أو حال من الضمير في ثاويا (ولكن رحمة) أى أعلمناك ذاك للرحمة أو أرسلناك.

قوله تعالى (قالوا ساحران) هو تفسير لقوله أو لم يكفروا، وساحران بالالف:

أى موسى وهرون، وقيل موسى ومحمد صلى الله وسلم عليهما، وسحران بغير ألف: أى القرآن والتوراة (ومن أضل) استفهام في معنى النفى: أى لا أحد أضل، و (وصلنا) بالتشديد والتخفيف متقاربان في المعنى، و (الذين) مبتدأ، و (هم به يؤمنون) خبره، و (مرتين) في موضع المصدر (أو لم نمكن لهم حرما) عداه بنفسه، لان معنى نمكن نجعل، وقد صرح به في قوله " أو لم يروا أنا جعلنا حرما " و (آمنا) أى من الخسف وقصد الجبابرة، ويجوز أن يكون بمعنى يؤمن من لجأ إليه، أو ذا أمن، و (رزقا) مصدر من معنى يحيى

١٨١

(وكم) في موضع نصب ب‍ (أهلكنا) و (معيشتها) نصب ببطرت لان معناه كفرت نعمتها، أو جهلت شكر معيشتها، فحذف المضاف، وقيل التقدير: في معيشتها، وقد ذكر في سفه نفسه، و (لم تسكن) حال، والعامل فيها الاشارة، ويجوز أن تكون في موضع رفع على ما ذكر في قوله تعالى " وهذا بعلى شيخا " (إلا قليلا) أى زمانا قليلا.

قوله تعالى (ثم هو) من أسكن الهاء شبه ثم بالواو والفاء.

قوله تعالى (فمتاع الحياة الدنيا) أى فالمؤتى متاع.

قوله تعالى (هؤلاء) فيه وجهان: أحدهما هو مبتدأ، و (الذين أغوينا) صفة لخبر هؤلاء المحذوف: أى هؤلاء هم الذين أغوينا، و (أغويناهم) مستأنف ذكره أبوعلى في التذكرة، قال: ولايجوز أن يكون أغويناهم خبرا، والذين أغوينا صفة لانه ليس فيه زيادة على مافى صفة المبتدأ.

فإن قلت: فقد وصله بقوله تعالى " كما غوينا " وفيه زيادة.

قيل: الزيادة بالظرف لا تصيره أصلا في الجملة، لان الظروف فضلات.

وقال غيره، وهو الوجه الثانى: لايمتنع أن يكون هؤلاء مبتدأ، والذين صفة، وأغويناهم الخبر من أجل ما اتصل به، وإن كان ظرفا لان الفضلات في بعض المواضع تلزم كقولك: زيد عمرو في داره.

قوله تعالى (ما كانوا إيانا يعبدون) " ما " نافية، وقيل هى مصدرية، والتقدير: مما كانوا يعبدون: أى من عبادتهم إيانا.

قوله تعالى (ما كان لهم الخيرة) " ما " هاهنا نفى أيضا، وقيل هى مصدرية: أى يختار اختيارهم بمعنى مختارهم.

قوله تعالى (سرمدا) يجوز أن يكون حالا من الليل، وأن يكون مفعولا ثانيا لجعل، و (إلى) يتعلق بسرمدا أو يجعل أو يكون صفة لسرمدا.

قوله تعالى (الليل والنهار لتسكنوا فيه) التقدير: جعل لكم الليل لتسكنوا فيها، والنهار لتبتغوا من فضله، ولكن مزج اعتماد على فهم المعنى، و (هاتوا) قد ذكر في البقرة.

قوله تعالى (ماإن مفاتحه) " ما " بمعنى الذى في موضع نصب بآياتنا، وأن واسمها وخبرها صلة الذى، ولهذا كسرت " إن " و (لتنوء بالعصبة) أى تنئ العصبة، فالباء معدية معاقبة للهمزة في أنأته، يقال أنأته ونؤت به، والمعنى: تثقل العصبة، وقيل هو على القلب: أى لتنوء به العصبة. ومن (الكنوز) يتعلق بآتينا.

١٨٢

و (إذ قال له) ظرف لآتيناه، ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف دل عليه الكلام: أى بغى إذ قال له قومه.

قوله تعالى (فيما آتاك) " ما " مصدرية بمعنى الذى، وهى في موضع الحال: أى وابتغ متقلبا فيما آتاك الله أجر الآخرة، ويجوز أن يكون ظرفا لابتغ قوله تعالى (على علم) هو في موضع الحال، و (عندى) صفة لعلم، ويجوز أن يكون ظرفا لاوتيته: أى أوتيته فيما أعتقد على علم، و (من قبله) ظرف لاهلك، و (من) مفعول أهلك.

ومن القرون فيه وجهان: أحدهما يتعلق بأهلك وتكون " من " لابتداء الغاية.

والثانى أن يكون حالا من " من " كقولك: أهلك الله من الناس زيدا.

قوله تعالى (ولا يسئل) يقرأ على مالم يسم فاعله، وهو ظاهر، وبتسمية الفاعل و (المجرمون) الفاعل: أى لا يسألون غيرهم عن عقوبة ذنوبهم لاعترافهم بها، ويقرأ " المجرمين " أى لا يسألهم الله تعالى.

قوله تعالى (في زينته) هو حال من ضمير الفاعل في خرج، و (ويلكم) مفعول فعل محذوف: أى ألزمكم الله ويلكم، و (خير لمن آمن) مثل قوله " وما عند الله خير للابرار " وقد ذكر (ولا يلقاها) الضمير للكلمة التى قالها العلماء أو للاثابة لانها في معنى الثواب، أو للاعمال الصالحة، و (بالامس) ظرف لتمنوا.

ويجوز أن يكون حالا من مكانه لان المراد بالمكان هنا الحالة والمنزلة، وذلك مصدر.

قوله تعالى (وى كأن الله) " وى " عند البصريين منفصلة عن الكاف، والكاف متصلة بأن، ومعنى " وى " تعجب، وكأن القوم نبهوا فانتبهوا فقالوا وى كأن الامر كذا وكذا، ولذلك فتحت الهمزة من " أن " وقال الفراء: الكاف موصولة بوى: أى ويك أعلم أن الله يبسط، وهو ضعيف لوجهين: أحدهما أن معنى الخطاب هنا بعيد.

والثانى أن تقدير وى اعلم لا نظير له، وهو غير سائغ في كل موضع (لخسف) على التسمية وتركها، وبالادغام والاظهار، ويقرأ بضم الخاء وسكون السين على التخفيف، والادغام على هذا ممتنع.

قوله تعالى (تلك الدار) تلك مبتدأ، والدار نعت، و (نجعلها) الخبر.

قوله تعالى (أعلم من جاء) " من " في موضع نصب على ماذكر في قوله تعالى " أعلم من يضل عن سبيله " في الانعام.

قوله تعالى (إلا رحمة) أى ولكن ألقى رحمة، أى للرحمة.

١٨٣

قوله تعالى (إلا وجهه) استثناء من الجنس: أى إلا إياه، أو ما عمل لوجهه سبحانه.

سورة العنكبوت

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (أن يتركوا) أن وماعملت فيه تسد مسد المفعولين، و (أن يقولوا) أى بأن يقولوا، أو لان يقولوا، ويجوز أن يكون بدلا من أن يتركوا، وإذ قدرت الياء كان حالا، ويجوز أن تقدر على هذا المعنى.

قوله تعالى (ساء) يجوز أن يعمل عمل بئس، وقد ذكر في قوله " بئسما اشتروا " ويجوز أن يكون بمعنى قبح فتكون " ما " مصدرية، أو بمعنى الذى، أو نكرة موصوفة، وهى فاعل ساء.

قوله تعالى (من كان يرجو) من شرط، والجواب (فإن أجل الله) والتقدير: لآتيه.

قوله تعالى (حسنا) منصوب بوصينا، وقيل هو محمول على المعنى، والتقدير: ألزمناه حسنا، وقيل التقدير أيضا: ذا حسن كقوله " وقولوا للناس حسنا " وقيل معنى وصينا قلنا له أحسن حسنا، فيكون واقعا موقع المصدر، أو مصدرا محذوف الزوائد.

قوله تعالى (والذين آمنوا) مبتدأ و (لندخلنهم) الخبر، ويجوز أن يكون " الذين " في موضع نصب على تقدير لندخلن الذين آمنوا.

قوله تعالى (ولنحمل خطاياكم) هذه لام الامر، وكأنهم أمروا أنفسهم، وإنما عدل إلى ذلك عن الخبر لما فيه من المبالغة في الالتزام كما في صيغة التعجب (من شئ) " من " زائدة، وهو مفعول اسم الفاعل، ومن خطاياهم حال من شئ، والتقدير: بحاملين شيئا من خطاياهم، و (ألف سنة) ظرف، والضمير في (جعلناها) للعقوبة أو الطوفة أو نحو ذلك (وإبراهيم) معطوف على المفعول في أنجيناه، أو على تقدير: واذكر، أو على أرسلنا.

قوله تعالى (النشأة الآخرة) بالقصر والمد لغتان.

قوله تعالى (ولا في السماء) التقدير: ولا من السماء فيها، فمن معطوف على أنتم، وهى نكرة موصوفة، وقيل ليس فيه محذوف لان أنتم خطاب للجميع، فيدخل فيهم الملائكة، ثم فصل بعد الابهام.

قوله تعالى (إنما اتخذتم) في " ما " ثلاثة أوجه أحدها هى بمعنى الذى، والعائد محذوف: أى اتخذتموه، و (أوثانا) مفعول ثان أو حال، و (مودة) الخبر على قراء‌ة من رفع،

١٨٤

والتقدير: ذوو مودة.

والثانى هى كافة، وأوثانا مفعول، ومودة بالنصب مفعول له، وبالرفع على إضمار مبتدأ، وتكون الجملة نعتا لاوثان ويجوز أن يكون النصب على الصفة أيضا: أى ذوى مودة.

والوجه الثالث أن تكون " ما " مصدرية، ومودة بالرفع الخبر ولا حذف في هذا الوجه في الخبر بل في اسم " إن " والتقدير: إن سبب اتخاذكم مودة، ويقرأ " مودة " بالاضافة في الرفع والنصب و (بينكم) بالجر وبتنوين مودة في الوجهين جميعا، ونصب بين وفيما يتعلق به (في الحياة الدنيا) سبع أوجه: الاول أن تتعلق باتخذتم إذا جعلت " ما " كافة لا على الوجهين الآخرين، لئلا يؤدى إلى الفصل بين الموصول وما في الصلة بالخبر. والثانى أن يتعلق بنفس مودة إذا لم تجعل بين صفة لها لان المصدر إذا وصف لا يعمل والثالث أن تعلقه بنفس بينكم لان معناه اجتماعكم أو وصلكم.

والرابع أن تجعله صفة ثانية لمودة إذا نونتها وجعلت بينكم صفة.

والخامس أن تعلقها بمودة وتجعل بينكم ظرف مكان، فيعمل مودة فيهما.

والسادس أن تجعله حالا من الضمير في بينكم إذا جعلته وصفا لمودة.

والسابع أو تجعله حالا من بينكم لتعرفه بالاضافة.

وأجاز قوم منهم أن تتعلق في بمودة، وإن كان بينكم صفة، لان الظروف يتسع فيها بخلاف المفعول به.

قوله تعالى (ولوطا) معطوف على نوح وإبراهيم. وقد ذكر قوله تعالى (إنا منجوك وأهلك) الكاف في موضع جر عند سيبويه، فعلى هذا ينتصب أهلك بفعل محذوف: أى وننجى أهلك، وفى قول الاخفش هى في موضع نصب أو جر، وموضعه نصب فتعطف على الموضع، لان الاضافة في تقدير الانفصال كما لو كان المضاف إليه ظاهرا، وسيبويه يفرق بين المضمر والمظهر فيقول لا يجوز إثبات النون في التثنية والجمع مع المضمر كما في التنوين، ويجوز ذلك كله مع المظهر، والضمير في (منها) للعقوبة، و (شعيبا) معطوف على نوح، والفاء في (فقال) عاطفة على أرسلنا المقدرة (وعادا وثمود) أى واذكر، أو وأهلكنا (وقارون) ومابعده كذلك، ويجوز أن يكون معطوفا على الهاء في صدهم، و (كلا) منصوب ب‍ (أخذنا) و " من " في (من أرسلنا) ومابعدها نكرة موصوفة وبعض الرواجع محذوف، والنون في عنكبوت أصل، والتاء زائدة لقولهم في جمعه عناكب.

١٨٥

قوله تعالى (مايدعون) هى استفهام في موضع نصب بيدعون لا بيعلم، و (من شئ) تبيين، وقيل " ما " بمعنى الذى، ويجوز أن تكون مصدرية، وشئ مصدر ويجوز أن تكون نافية، ومن زائدة، وشيئا مفعول يدعون، و (نضربها) حال من الامثال، ويجوز أن يكون خبرا، والامثال نعت.

قوله تعالى (إلا الذين ظلموا) هو استثناء من الجنس، وفي المعنى وجهان: أحدهما إلا الذين ظلموا فلا تجادلوهم بالحسنى بل بالغلظة لانهم يغلظون لكم، فيكون مستثنى من التى هى أحسن لامن الجدال.

والثانى لا تجادلوهم البتة، بل حكموا فيهم السيف لفرط عنادهم.

قوله تعالى (أنا أنزلنا) هو فاعل يكفهم.

قوله تعالى (والذين آمنوا) في موضع رفع بالابتداء، و (لنتبوأنهم؟؟) الخبر، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل دل عليه الفعل المذكور، و (غرفا) مفعول ثان، وقد ذكر نظيره في يونس والحج (والذين صبروا) خبر ابتداء محذوف.

قوله تعالى (وكأين من دابة) يجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء، ومن دابة تبيين، و (لا تحمل) نعت الدابة، و (الله يرزقها) جملة خبر كائن،

وأنث الضمير على المعنى، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل دل عليه يرزقها: ويقدر بعد كأين.

قوله تعالى (وإن الدار الآخرة) أى إن حياة الدار لانه أخبر عنها بالحيوان، وهى الحياة، ولام الحيوان ياء، والاصل حييان، فقلبت الياء واوا لئلا يلتبس بالتثنية ولم تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها لئلا تحذف إحدى الالفين.

قوله تعالى (وليتمتعوا) من كسر اللام جعلها بمعنى كى، ومن سكنها جاز أن يكون كذلك، وأن يكون أمرا، والله أعلم.

سورة الروم

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (من بعد غلبهم) المصدر مضاف إلى المفعول، و (في بضع) يتعلق بيغلبون، و (من قبل ومن بعد) مبنيان على الضم في المشهور ولقطعهما عن الاضافة، وقرئ شاذا بالكسر فيهما على إرادة المضاف إليه كما قال الفرزدق.

١٨٦

يامن رأى عارضا يسر به

بين ذراعى وجبهة الاسد

إلا أنه في البيت أقرب، لان ذكر المضاف إليه في أحدهما يدل على الآخر، ويقرأ بالجر والتنوين على إعرابهما كإعرابهما مضافين، والتقدير: من قبل كل شئ ومن بعد كل شئ (ويومئذ) منصوب ب‍ (يفرح) و (بنصر الله) يتعلق به أيضا ويجوز أن يتعلق ب‍ (ينصر).

قوله تعالى (وعد الله) هو مصدر مؤكد: أو وعد الله وعدا، ودل ماتقدم على الفعل المحذوف لانه وعد.

قوله تعالى (ماخلق الله) " ما " نافية، وفي التقدير وجهان: أحدهما هو مستأنف لاموضع له، والكلام تام قبله، وأو لم يتفكروا مثل " أو لم ينظروا في ملكوت السموات ".

والثانى موضعه نصب بيتفكروا، والنفى لايمنع ذلك كما لم يمنع في قوله تعالى " وظنوا مالهم من محيص "، و (بلقاء ربهم) يتعلق ب‍ (كافرون) واللام لاتمنع ذلك، والله أعلم.

قوله تعالى (وأثاروا الارض) قرئ شاذا بألف بعد الهمزة، وهو للاشباع لاغير (أكثر) صفة مصدر محذوف، و (ما) مصدرية.

قوله تعالى (ثم كان عاقبة الذين أساء‌وا السوأى) يقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعله اسم كان، وفى الخبر وجهان: أحدهما السوأى (أن كذبوا) في موضع نصب مفعولا له: أى لان كذبوا، أو بأن كذبوا، أو في في موضع جر بتقدير الجار على قول الخليل.

والثانى أن كذبوا: أى كان آخر أمرهم التكذيب، والسوأى على هذا صفة مصدر، ومن نصب جعلها خبر كان، وفى الاسم وجهان: أحدهما السوأى، والآخر أن كذبوا على ماتقدم، ويجوز أن يجعل أن كذبوا بدلا من السوأى أو خبر مبتدأ محذوف، والسوأى فعلى تأنيث الاسوأ، وهى صفة لمصدر محذوف، والتقدير: أساء‌وا الاساء‌ة السوأى، وإن جعلتها اسما أو خبرا كان التقدير: الفعلة السوأى، أو العقوبة السوأى (يبلس المجرمون) الجمهور على تسمية الفاعل، وقد حكى شاذا ترك التسمية، وهذا بعيد لان أبلس لم يستعمل متعديا، ومخرجه أن يكون أقام المصدر مقام الفاعل وحذفه، وأقام المضاف إليه مقامه: أى ييبلس إبلاس المجرمين.

قوله تعالى (حين تمسون) الجمهور على الاضافة، والعامل فيه سبحان، وقرئ منونا على أن يجعل تمسون صفة له، والعائد محذوف: أى تمسون فيه كقوله تعالى " واتقوا يوما لاتجزى ".

١٨٧

قوله تعالى (وعشيا) هو معطوف على حين، وله الحمد معترض، وفى السموات حال من الحمد.

قوله تعالى (ومن آياته يريكم البرق) فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن من آياته حال من البرق: أى يريكم البرق كائنا من آياته، ألا أن حق الواو أن تدخل هنا على الفعل، ولكن لما قدم الحال وكانت من جملة المعطوف أولاها الواو، وحسن ذلك أن الجار والمجرور في حكم الظرف فهو كقوله " آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة " والوجه الثانى أن " أن " محذوفة: أى ومن آياته أن يريكم، وإن حذفت " أن " في مثل هذا جاز رفع الفعل.

والثالث أن يكون الموصوف محذوفا: أى ومن آياته آية يريكم فيها البرق، فحذف الموصوف والعائد، ويجوز أن يكون التقدير: ومن آياته شئ أو سحاب، ويكون فاعل يريكم ضمير شئ المحذوف.

قوله تعالى (من الارض) فيه وجهان: أحدهما هو صفة لدعوة. والثانى أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره خرجتم من الارض، ودل على المحذوف (إذا أنتم تخرجون) ولايجوز أن يتعلق " من " بتخرجون هذه، لان مابعد إذا لايعمل فيما قبلها.

قوله تعالى (وهو أهون عليه) أى البعث أهون عليه في ظنكم، وقيل أهون بمعنى هين كما قالوا الله أكبر: أى كبير، وقيل هو أهون على المخلوق، لانه في الابتداء نقل من نطفة إلى علقة إلى غير ذلك، وفى البعث يكمل دفعة واحدة.

قوله تعالى (فأنتم فيه سواء) الجملة في موضع نصب جواب الاستفهام: أى هل لكم فتستووا، وأما (تخافونهم) ففى الحال من الضمير الفاعل في سواء: أى فتساووا خائفا بعضكم بعضا مشاركته له في المال: أى إذا لم تشارككم عبيدكم في المال، فكيف تشركون في عبادة الله من هو مصنوع لله (كخيفتكم) أى خيفة كخيفتكم.

قوله تعالى (فطرة الله) أى الزموا أو اتبعوا دين الله، و (منيبين) حال من الضمير في الفعل المحذوف، وقيل هو حال من ضمير الفاعل في أقم لانه في المعنى للجميع، وقيل فطرة الله مصدر: أى فطركم فطرة.

قوله تعالى (من الذين فرقوا) هو بدل من المشركين بإعادة الجار.

قوله تعالى (ليكفروا) اللام بمعنى كى، وقيل هو أمر بمعنى التوعد كما قال بعده (فتمتعوا) والسلطان يذكر لانه بمعنى الدليل، ويؤنث لانه بمعنى الحجة، وقيل هو جمع سليط كرغيف ورغفان.

١٨٨

قوله تعالى (إذا هم) إذا مكانية للمفاجأة نابت عن الفاء في جواب الشرط لان المفاجأة تعقيب، ولايكون أول الكلام كما أن الفاء كذلك، وقد دخلت الفاء عليها في بعض المواضع زائدة.

قوله تعالى (وماآتيتم) " ما " في موضع نصب بآتيتم، والمد بمعنى أعطيتم، والقصر بمعنى جئتم وقصدتم.

قوله تعالى (ليربوا) أى الربا (فأولئك) هو رجوع من الخطاب إلى الغيبة.

قوله تعالى (ليذيقهم) متعلق بظهر: أى ليصير حالهم إلى ذلك، وقيل التقدير عاقبهم ليذيقهم.

قوله تعالى (وكان حقا) حقا خبر كان مقدم، و (نصر) اسمها، ويجوز أن

يكون حقا مصدرا وعلينا الخبر، ويجوز أن يكون في كان ضمير الشأن وحقا مصدر وعلينا نصر مبتدأ وخبر في موضع خبر كان.

قوله تعالى (كسفا) بفتح السين على أنه جمع كسفة، وسكونها على هذا المعنى تخفيف، ويجوز أن يكون مصدرا: أى ذا كسف والهاء في (خلاله) للسحاب وقيل للكسف.

قوله تعالى (من قبله) قيل هى تكرير لقبل الاولى، والاولى أن تكون الهاء فيها للسحاب أو للريح أو للكسف، والمعنى: وإن كانوا من قبل نزول المطر من قبل السحاب أو الريح، فتتعلق " من " بينزل.

قوله تعالى (إلى أثر) يقرأ بالافراد والجمع، و (يحيى) بالياء على أنه الفاعل الله أو الاثر أو معنى الرحمة، وبالتاء على أن الفاعل آثار أو الرحمة، والهاء في (رأوه) للزرع، وقد دل عليه يحيى الارض، وقيل للريح، وقيل للسحاب (لظلوا) أى ليظللن لانه جواب الشرط، وكذا أرسلنا بمعنى نرسل. والضعف بالفتح والضم لغتان.

قوله تعالى (لاتنفع) بالتاء على اللفظ، وبالياء على معنى العذر، أو لانه فصل بينهما، أو لانه غير حقيقى، والله أعلم.

سورة لقمان

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (هدى ورحمة) هما حالان من آيات، والعامل معنى الاشارة، وبالرفع على إضمار مبتدأ: أى هى أو هو.

١٨٩

قوله تعالى (ويتخذها) النصب على العطف على يضل، والرفع عطف على يشترى، أو على إضمار هو، والضمير يعود على السبيل، وقيل على الحديث لانه يراد به الاحاديث، وقيل على الآيات.

قوله تعالى (كأن لم يسمعها) موضعه حال، والعامل ولى، أو مستكبرا.

و (كأن في أذنيه وقرا) إما بدل من الحال الاولى التى هى كأن لم أو تبيين لها أو حال من الفاعل في يسمع.

قوله تعالى (خالدين فيها) حال من الجنات، والعامل مايتعلق به لهم، وإن شئت كان حالا من الضمير في لهم وهو أقوى (وعد الله حقا) قد ذكر في الروم (بغير عمد) قد ذكر في الرعد.

قوله تعالى (هذا خلق الله) أى مخلوقه كقولهم: درهم ضرب الامين، و (ماذا) في موضع نصب ب‍ (خلق) لا بأرونى لانه استفهام، فأما كون " ذا " بمعنى الذى فقد ذكر في البقرة، و (لقمان) اسم أعجمى وإن وافق العربى، فإن لقمانا فعلانا من اللقم (أن اشكر) قد ذكر نظائره (وإذ قال) أى واذكر، و (بنى) قد ذكر في هود.

قوله تعالى (وهنا) المصدر هنا حال: أى ذات وهن: أى موهونة، وقيل التقدير في وهن.

قوله تعالى (معروفا) صفة مصدر محذوف: أى أصحابا معروفا، وقيل التقدير بمعروف.

قوله تعالى (إنها إن تك) " ها " ضمير القصة أو الفعلة، و (مثقال حبة) قد ذكر في الانبياء.

قوله تعالى (من صوتك) هو صفة لمحذوف: أى اكسر شيئا من صوتك، وعلى قول الاخفش تكون " من " زائدة. وصوت الحمير إنما وحده لانه جنس.

قوله تعالى (نعمه) على الجمع ونعمة على الافراد في اللفظ، والمراد الجنس كقوله " وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها " و (ظاهرة) حال أو صفة.

قوله تعالى (من شجرة) في موضع الحال من ضمير الاستقرار، أو من " ما " (والبحر) بالرفع على وجهين: أحدهما هو مستأنف. والثانى عطف على موضع اسم " إن " وبالنصب عطفا على إسم " إن " وإن شئت على إضمار فعل يفسره مابعده وضم ياء (يمده) وفتحها لغتان.

قوله تعالى (إلا كنفس واحدة) في موضع رفع خبر خلقكم قوله تعالى (بنعمة الله) حال

١٩٠

من ضمير الفلك، ويجوز أن يتعلق بتجرى: أى بسبب نعمة الله عزوجل.

قوله تعالى (ولامولود هو جاز) مولود يجور أن يعطف على والد فيكون مابعده صفة له، ويجوز أن يكون مبتدأ، وإن كان نكرة لانه في سياق النفى، والجملة بعده الخبر.

قوله تعالى (وينزل الغيث) هذا يدل على قوة شبه الظرف بالفعل، لانه عطفه على قوله عنده، كذا يقول ابن جنى وغيره، والله أعلم.

سورة السجدة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (ألم) يجوز أن يكون مبتدأ، و (تنزيل) خبره، والتنزيل بمعنى المنزل وهو في المعنى كما ذكرناه في أول البقرة فعلى هذا (لاريب فيه) حال من الكتاب، والعامل تنزيل، و (من رب) يتعلق بتنزيل أيضا، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في فيه، والعامل فيها الظرف لان ريب هنا مبنى، ويجوز أن يكون تنزيل مبتدأ، ولاريب فيه الخبر، ومن رب حال كما تقدم، ولايجوز على هذا أن تتعلق " من " بتنزيل، لان المصدر قد أخبر عنه، ويجوز أن يكن الخبر من رب، ولاريب فيه حال من الكتاب، وأن يكون خبرا بعد خبر.

قوله تعالى (أم يقولون) أم هنا منقطعة، أى بل أيقولون، و " ما " في (ماأتاهم) نافية، والكلام صفة لقوم.

قوله تعالى (مما تعدون) يجوز أو يكون صفة لالف، وأن يكون صفة لسنة.

قوله تعالى (الذى أحسن) يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف: أى هو الذى، أو خبرا بعد خبر، والعزيز مبتدأ، والرحيم صفة، والذى خبره، و (خلقه) بسكون اللام بدل من كل بدل الاشتمال: أى أحسن خلق كل شئ، ويجوز أن يكون مفعولا أول، وكل شئ ثانيا، وأحسن بمعنى عرف: أى عرف عباده كل شئ، ويقرأ بفتح اللام على أنه فعل ماض، وهو صفة لكل أو لشئ.

قوله تعالى (أئذا ضللنا) بالضاد: أى ذهبنا وهلكنا، وبالصاد: أنتنا من قولك: صل للحم إذا أنتن، والعامل في " إذا " معنى الجملة التى في أولها إنا: أى إذا هلكنا نبعث، ولايعمل فيه (جديد) لان مابعد " إن " لايعمل فيما قبلها (ولو ترى) هو من رؤية العين، والمفعول محذوف: أى ولوترى المجرمين، وأغنى عن ذكره المبتدأ، و (إذ) هاهنا يراد بها المستقبل، وقد ذكرنا مثل ذلك في البقرة، والتقدير: يقولون ربنا، وموضع المحذوف حال

١٩١

والعامل فيها (ناكسوا).

قوله تعالى (فذوقوا بما نسيتم) أى فذوقوا العذاب، ويجوز أن يكون مفعول فذوقوا (لقاء) على قول الكوفيين في إعمال الاول، ويجوز أن يكون مفعول ذوقوا (هذا) أى هذا العذاب.

قوله تعالى (تتجافى) و (يدعون ربهم) في موضع الحال، و (خوفا وطمعا) قد ذكر في الاعراف.

قوله تعالى (ماأخفى لهم) يجوز أن تكون " ما " استفهاما، وموضعها رفع بالابتداء، وأخفى لهم خبره على قراء‌ة من فتح الياء وعلى قراء‌ة من سكنها، وجعل أخفى مضارعا تكون " ما " في موضع نصب بأخفى ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى منصوبة بتعلم، و (من قرة) في الوجهين حال من الضمير في أخفى، و (جزاء) مصدر أى جوزوا جزاء.

قوله تعالى (لايستوون) مستأنف لا موضع له، وهو بمعنى ماتقدم من التقدير، و (نزلا) قد ذكر في آل عمران.

قوله تعالى (الذى كنتم به) هو صفة العذاب في موضع نصب، ويجوز أن يكون صفة النار، وذكر على معنى الجحيم أو الحريق.

قوله تعالى (من لقائه) يجوز أن تكون الهاء ضمير اسم الله: أى من لقاء موسى الله، فالمصدر مضاف إلى المفعول، وأن يكون ضمير موسى فيكون مضافا إلى الفاعل، وقيل يرجع إلى الكتاب كما قال تعالى " وإنك لتلقى القرآن " وقيل من لقائك يامحمد موسى صلى الله وسلم عليهما ليلة المعراج (لما) بالتشديد، ظرف، والعامل فيه جعلنا منهم أو يهددون، وبالتخفيف وكسر اللام على أنها مصدرية (كم أهلكنا) قد ذكر في طه.

سورة الاحزاب

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (بما تعملون) إنما جاء بالجمع لانه عنى بقوله تعالى " اتبع أنت وأصحابك " ويقرأ بالياء على الغيبة.

قوله تعالى (اللاتى) هو جمع التى، والاصل إثبات الياء، ويجوز حذفها اجتزاء بالكسرة، ويجوز تليين الهمزة وقلبها ياء، و (تظاهرون) قد ذكر في البقرة.

قوله تعالى (هو أقسط) أى دعاؤكم فأضمر المصدر لدلالة الفعل عليه (فإخوانكم)

١٩٢

بالرفع: أى فهم إخوانكم، وبالنصب أى فادعوهم إخوانكم (ولكن ما تعمدت قلوبكم) " ما " في موضع جر عطفا على ما الاولى، ويجوز أن تكون في موضع رفع على الابتداء، والخبر محذوف: أى تؤاخذون به.

قوله تعالى (وأزواجه أمهاتهم) أى مثل أمهاتهم.

قوله تعالى (بعضهم) يجوز أن يكون بدلا وأن يكون مبتدأ، و (في كتاب الله) يتعلق بأولى، وأفعل يعمل في الجار والمجرور، ويجوز أن يكون حالا، والعامل فيه معنى أولى، ولايكون حالا من أولوا الارحام للفصل بينهما بالخبر، ولانه عامل إذا، و (من المؤمنين) يجوز أن يكون متصلا بأولوا الارحام، فينتصب على التبيين: أى أعنى، وأن يكون متعلقا بأولى، فمعنى الاول وأولوا الارحام من المؤمنين أولى بالميراث من الاجانب، وعلى الثانى وأولوا الارحام أولى من المؤمنين والمهاجرين الاجانب (إلا أن تفعلوا) استثناء من غير الجنس.

قوله تعالى (وإذ أخذنا) أى واذكر.

قوله تعالى (إذ جاء‌تكم) هو مثل " إذ كنتم أعداء " وقد ذكر في آل عمران و (إذ جاؤكم) بدل من إذ الاولى، و (الظنونا) بالالف في المصاحف. ووجهه أنه رأس آية فشبه بأواخر الآيات المطلقة لتتآخى رء‌وس الآى، ومثله الرسولا والسبيلا على ماذكر في القراء‌ات، ويقرأ بغير ألف على الاصل.

والزلزال بالكسر المصدر، و (يثرب) لاينصرف للتعريف ووزن الفعل، وفيه التأنيث و (يقولون) حال أو تفسير ليستأذن، و (عورة) أى ذات عورة، ويقرأ بكسر الواو، والفعل منه عور، فهو اسم فاعل، و (لآتوها) بالقصر جاء‌ها وبالمد أى أعطوها ماعندهم من القوة والبقاء: و (إلا يسيرا) أى إلا لبثا أو إلا زمنا، ومثله إلا قليلا، و (لايولون) جواب القسم، لان عاهدوا في معنى أقسموا، ويقرأ بتشديد النون وحذف الواو على تأكيد جواب القسم، و (هلم) قد ذكر في الانعام إلا أن ذاك متعد وهذا لازم.

قوله تعالى (أشحة) هو جمع شحيح وانتصابه على الحال من الضمير في يأتون. وأشحة الثانى حال من الضمير المرفوع في سلقوكم، و (ينظرون) حال، لان رأيتهم أبصرتهم، و (تدور) حال من الضمير في ينظرون (كالذى) أى دورانا كدوران عين الذى، ويجوز أن تكون الكاف حالا من أعينهم: أى مشبهة عين الذى.

١٩٣

قوله تعالى (يحسبون) يجوز أن يكون حالا من أحد الضمائر المتقدمة إذا صح

المعنى وتباعد العامل فيه، ويجوز أن يكون مستأنفا، و (بادون) جمع باد، وقرئ " بدى " مثل غاز وغزى، و (يسألون) حال.

قوله تعالى (أسوة) الكسر والضم لغتان، وهو اسم للتأسى، وهو المصدر، وهو اسم كان، والخبر لكم.

و (في رسول الله) حال أو ظرف يتعلق بالاستقرار لا بأسوة أو بكان على قول من أجازه، ويجوز أن يكون في رسول الله الخبر، ولكم تخصيص وتبيين (لمن كان) قيل هو بدل من ضمير المخاطب بإعادة الجار، ومنع منه الاكثرون لان ضمير المخاطب لايبدل منه فعلى هذا يجوز أن تتعلق بحسنة أو يكون نعتا لها، ولا تتعلق بأسوة لانها قد وصفت، و (كثيرا) نعت لمصدر محذوف.

قوله تعالى (وصدق الله ورسوله) إنما أظهر الاسمين هنا مع تقدم ذكرهما لئلا يكون الضمير الواحد عن الله وغيره.

قوله تعالى (ليجزى الله) يجوز أن يكون لام العاقبة، وأن يتعلق بصدق أو بزادهم أو بما بدلوا.

قوله تعالى (بغيظهم) يجوز أن يكون حالا، وأن يكون مفعولا به، و (لم ينالوا) حال، و (من أهل الكتاب) حال من ضمير الفاعل في ظاهروهم، و (من صياصيهم) متعلقة بأنزل، و (فريقا) منصوب ب‍ (تقتلون)، و (يضاعف) ويضعف قد ذكر.

قوله تعالى (ومن يقنت) يقرأ بالياء حملا على لفظ " من " وبالتاء على معناها ومثله، و (تعمل صالحا) ومنهم من قرأ الاولى بالتاء، والثانية بالياء.

وقال بعض النحويين. هذا ضعيف لان التذكير أصل، فلا يجعل تبعا للتأنيث، وماعللوا به قد جاء مثله في القرآن، وهو قوله تعالى " خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ".

قوله تعالى (فيطمع الذى) يقرأ بفتح العين على جواب النهى، وبالكسر على نية الجزم عطفا على تخضعن.

قوله تعالى (وقرن) يقرأ بكسر القاف وفيه وجهان، أحدهما هو من وقر يقر إذا ثبت، ومنه الوقار، والفاء محذوفة. والثانى هو من قر يقر، ولكن حذفت إحدى الراء‌ين كما حذفت إحدى اللامين في ظلت فرارا من التكرير، ويقرأ بالفتح وهو من قرن لاغير،

١٩٤

وحذفت إحدى الراء‌ين، وإنما فتحت القاف على لغة في قررت أقر في المكان.

قوله تعالى (أهل البيت) أى ياأهل البيت، ويجوز أن ينتصب على التخصيص والمدح: أى أعنى أو أخص.

قوله تعالى (والحافظات) أى الحافظات فروجهن، وكذلك (والذاكرات) أى والذاكرات الله، وأغنى المفعول الاول عن الاعادة.

قوله تعالى (أن تكون لهم الخيرة) إنما جمع لان أول الآية يراد به العموم.

قوله تعالى (والله أحق أن تخشاه) قد ذكر مثله في التوبة.

قوله تعالى (الذين يبلغون) هو نعت للذين خلوا، ويجوز أن ينتصب على إضمار أعنى، وأن يرتفع على إضمارهم.

قوله تعالى (ولكن رسول الله) أى ولكن كان رسول الله، وكذلك (وخاتم النبيين) ويقرأ بفتح التاء على معنى المصدر، كذا ذكر في بعض الاعاريب.

وقال آخرون: هو فعل مثل قاتل بمعنى ختمهم.

وقال آخرون: هو اسم بمعنى آخرهم، وقيل هو بمعنى المختوم به النبيون كما يختم بالطابع، وبكسرها: أى آخرهم.

قوله تعالى (تعتدونها) تفتعلونها من العدد: أى تعدونها عليهن أو تحسبون بها عليهن، وموضعه جر على اللفظ، أو رفع على الموضع. والسراج اسم للتسريح وليس بالمصدر.

قوله تعالى (وامرأة مؤمنة) في الناصب وجهان: أحدهما أحللنا في أول الآية.

وقد رد هذا قوم وقالوا: أحللنا ماض و " إن وهبت " هو صفة للمرأة مستقبل، وأحللنا في موضع جوابه، وجواب الشرط لايكون ماضيا في المعنى، وهذا ليس بصحيح، لان معنى الاحلال هاهنا الاعلام بالحل إذا وقع الفعل على ذلك، كما تقول: أبحت لك أن تكلم فلانا إن سلم عليك.

الوجه الثانى أن ينتصب بفعل محذوف: أى ونحل لك امرأة، ويقرأ أن وهبت بفتح الهمزة وهو بدل من امرأة بدل الاشتمال، وقيل التقدير: لان وهبت، و (خالصة) يجور أن يكون حالا من الضمير في وهبت.

وأن يكون صفة لمصدر محذوف: أى هبة خالصة ويجوز أن يكون مصدرا: أى أخلصت ذلك لك إخلاصا وقد جاء‌ت فاعلة مصدرا مثل العاقبة والعافية، و (لكيلا)

١٩٥

يتعلق بأحللنا (ومن ابتغيت) " من " في موضع نصب بابتغيت، وهى شرطية، والجواب (فلا جناح عليك) ويجوز أن يكون مبتدأ، والعائد محذوف: أى والتى ابتغيتها، والخبر فلا جناح.

قوله تعالى (كلهن) الرفع على توكيد الضمير في يرضين، والنصب على توكيد المنصوب في آتيتهن.

قوله تعالى (إلا ماملكت يمينك) يجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من النساء، وأن يكون في موضع نصب على أصل الاستثناء، وهو من الجنس، ويجوز أن يكون من غير الجنس، وقوله تعالى " من أزواج(١) " في موضع نصب، و " من " زائدة " إلا ماملكت يمينك " يجوز أن يكون في موضع نصب بدلا من أزواج، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا.

قوله تعالى (إلا أن يؤذن لكم) هو في موضع الحال: أى لاتدخلوا إلا مأذونا لكم (وإلى) تتعلق بيؤذن لان معناها تدعو. و (غير) بالنصب على الحال من الفاعل في تدخلوا، أو من المجرور في لكم، ويقرأ بالجر على الصفة للطعام، وهذا عند البصريين خطإ لانه جرى على غيرها هو له، فيجب أن يبرز ضمير الفاعل فيكون غير ناظرين أنتم.

قوله تعالى (ولا مستأنسين) هو معطوف على ناظرين.

قوله تعالى (يدنين) هو مثل قوله تعالى " قل لعبادى الذين آمنوا يقيموا الصلاة " في إبراهيم.

قوله تعالى (ملعونين) هو حال من الفاعل في يجاورونك، ولايجوز أن يكون حالا مما بعد أين لانها شرط، ومابعد الشرط لايعمل فيما قبله.

قوله تعالى (سنة الله) هو منصوب على المصدر: أى من ذلك سنة (يوم تقلب وجوههم) يجوز أن يكون ظرفا لئلا يجدون ولنصيرا، أو ل‍ (يقولون) ويقولون على الوجهين الاولين حال من الوجوه، لان المراد أصحابها، ويضعف أن يكون حالا من الضمير المجرور لانه مضاف إليه، ويقرأ " تقلب " يعنى السعير وجوههم بالنصب.

قوله تعالى (ليعذب الله) اللام تتعلق بحملها، والله أعلم.

_______________________

(١) (قوله وقوله تعالى من أزواج الخ) كذا بالنسخ التى بأيدينا ولايخفى مافيه من تشتيت الوجوه في الكلام على قوله " إلا ماملكت " الخ فكان المناسب تقديمه عليه لتستقيم الاوجه اه‍ مصححه.(*)

١٩٦

سورة سبأ

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (في الآخرة) يجوز أن يكون ظرفا العامل فيه الحمد أو الظرف، وأن يكون حالا من الحمد، والعامل فيه الظرف.

قوله تعالى (يعلم) هو مستأنف، وقيل هو حال مؤكدة.

قوله تعالى (عالم الغيب) يقرأ بالرفع: أى هو عالم، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر (لايعزب) وبالجر صفة لربى أو بدلا.

قوله تعالى (ولاأصغر) بالجر عطفا على ذرة وبالرفع عطفا على مثقال.

قوله تعالى (ليجزى) تتعلق بمعنى لايعزب، فكأنه قال يحصى ذلك ليجزى.

قوله تعالى (من رجز أليم) يقرأ بالجر صفة لرجز، وبالرفع صفة لعذاب، والرجز مطلق العذاب.

قوله تعالى (وترى) هو معطوف على ليجزى، ويجوز أن يكون مستأنفا، و (الذى أنزل) مفعول أول، و (الحق) مفعول ثان وهو فصل، وقرئ الحق بالرفع على الابتداء والخبر وفاعل (يهدى) ضمير الذى أنزل، ويجوز أن يكون ضمير اسم الله، ويجوز أن يعطف على موضع الحق وتكون إن محذوفة، ويجوز أن يكون في موضع فاعل: أى ويروه حقا وهاديا.

قوله تعالى (إذا مزقتم) العامل في إذا مادل عليه خبر إن. أى إذا مزقتم بعثتم ولايعمل فيه ينبئكم لان إخبارهم لايقع وقت تمزيقهم، ولامزقتم لان إذا مضافة إليها ولاجديد لان مابعد إن لايعمل فيما قبلها، وأجازه قوم في الظروف (أفترى) الهمزة للاستفهام، وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها.

قوله تعالى (نخسف بهم) الاظهار هو الاصل، والادغام جائز لان الفاء والباء متقاربان.

قوله تعالى (ياجبال) أى وقلنا ياجبال، ويجوزأن يكون تفسيرا للفصل، وكذا " وألنا له " (والطير) بالنصب.

وفيه أربعة أوجه: أحدها هو معطوف على موضع جبال.

والثانى الواو بمعنى مع والذى أو صلته الواو " أوبى " لانها لاتنصب إلا مع الفعل.

والثالث أن تعطف على فضلا، والتقدير: وتسبيح الطير قاله الكسائى

١٩٧

والرابع بفعل محذوف: أى وسخرنا له الطير، ويقرأ بالرفع وفيه وجهان: أحدهما هو معطوف على لفظ جبال.

والثانى على الضمير في أوبى، وأغنت مع عن توكيده.

قوله تعالى (أن اعمل) أن بمعنى أى: أى أمرناه أن اعمل، وقيل هى مصدرية.

قوله تعالى (ولسليمان الريح) يقرأ بالنصب: أى وسخرنا، وبالرفع على الابتداء، أو على أنه فاعل، و (غدوها شهر) جملة في موضع الحال من الريح، والتقدير: مدة غدوها، لان الغدو مصدر وليس بزمان (من يعمل) " من " في موضع نصب: أى وسخرنا له من الجن فريقا يعمل أو في موضع رفع على الابتداء أو الفاعل: أى وله من الجن فريق يعمل، و (آل داود) أى يا آل، أو أعنى آل داود، و (شكرا) مفعول له، وقيل هو صفة لمصدر محذوف: أى عملا شكرا ويجوز أن يكون التقدير: اشكروا شكرا.

قوله تعالى (منسأته) الاصل الهمز لانه من نسأت الناقة وغيرها إذا سقتها، والمنسأة العصا التى يساق بها إلا أن همزتها أبدلت ألفا تخفيفا، وقرئ في الشاذ " من سأته " بكسر التاء على أن من حرف جر، وقد قيل غلط قاريها، وقال ابن جنى سميت العصا سأة لانها تسوء، فهى فلة والعين محذوفة وفيه بعد قوله تعالى (تبينت) على تسمية الفاعل، والتقدير: تبين أمر الجن، و (أن لو كانوا) في موضع رفع بدلا من أمر المقدر، لان المعنى تبينت الانس جهل الجن، ويجوز أن يكون في موضع نصب: أى تبينت الجن جهلها، ويقرأ بينت على ترك تسمية الفاعل، وهو على الوجه الاول بين.

قوله تعالى (لسبإ) قد ذكر في النمل، و (مساكن) جمع مسكن بالفتح والكسر: وهما المنزل موضع السكون، ويجوز أن يكون مصدرا، فيكون الواحد مفتوحا مثل المقعد والمطلع والمكان بالكسر، و (آية) اسم كان، و (جنتان) بدل منها أو خبر مبتدأ محذوف.

قوله تعالى (بلدة) أى هذه بلدة (ورب) أى وربكم رب،، أو ولكم رب، ويقرأ شاذا " بلدة وربا " بالنصب على أنه مفعول الشكر.

قوله تعالى (أكل خمط) يقرأ بالتنوين، والتقدير: أكل أكل خمط، فحذف المضاف لان الخمط شجر والاكل ثمرة، وقيل التقدير: أكل ذى خمط، وقيل هو

بدل منه، وجعل خمط أكلا لمجاورته إياه وكونه سببا له، ويقرأ بالاضافة وهو ظاهر و (قليل) نعت لاكل، ويجوز أن يكون نعتا لخمط وأثل وسدر.

قوله تعالى (ربنا) يقرأ بالنصب على النداء، و (باعد) وبعد على السؤال، ويقرأ بعد

١٩٨

على لفظ الماضى، ويقرأ ربنا وباعد وبعد على الخبر، و (ممزق) مصدر أو مكان.

قوله تعالى (صدق عليهم) بالتخفيف، و (إبليس) فاعله، و (ظنه) بالنصب على أنه مفعول كأنه ظن فيهم أمرا وواعده نفسه فصدقه، وقيل التقدير: صدق في ظنه، فما حذف الحرف وصل الفعل، ويقرأ بالتشديد على هذا المعنى، ويقرأ إبليس بالنصب على أنه مفعول، وظنه فاعل كقول الشاعر: * فإن يك ظنى صادقا وهو صادقى * ويقرأ برفعهما بجعل الثانى بدل الاشتمال.

قوله تعالى (من يؤمن) يجوز أن يكون بمعنى الذى فينتصب بتعلم، وأن يكون استفهاما موضع رفع بالابتداء، و (منها) إما على التبيين: أى لشك منها أى بسببها، ويجوز أن يكون حالا من شك، وقيل " من " بمعنى في.

قوله تعالى (إلا لمن أذن) يجوز أن تتعلق اللام بالشفاعة لانك تقول: شفعت له وأن تتعلق بتنفع (فزع) بالتشديد على مالم يسم فاعله والقائم مقام الفاعل (عن قلوبهم) والمعنى أزيل عن قلوبهم، وقيل المسند إليه الفعل مضمر دل عليه الكلام أى نحى الخوف، ويقرأ بالفتح على التسمية: أى فزع الله، أى كشف عنها، ويقرأ فرغ: أى أخلى، وقرئ شاذا " افرنقع " أى تفرق ولاتجوز القراء‌ة بها.

قوله تعالى (أو إياكم) معطوف على اسم إن، وأما الخبر فيجب أن يكون مكررا كقولك: إن زيدا وعمرا قائم.

التقدير: إن زيدا قائم وإن عمرا قائم، واختلفوا في الخبر المذكور فقال بعضهم: هو للاول، وقال بعضهم: هو للثانى، فعلى هذا يكون (لعلى هدى) خبر الاول، و (أو في ضلال) معطوف عليه، وخبر المعطوف محذوف لدلالة المذكور عليه، وعكسه آخرون، والكلام على المعنى غير الاعراب، لان المعنى إنا على هدى من غير شك، وأنتم على ضلال من غير شك، ولكن خلطه في اللفظ على عادتهم في نظائره كقولهم: أخزى الله الكاذب منى ومنك.

قوله تعالى (إلا كافة) هو حال من المفعول في أرسلناك، والهاء زائدة للمبالغة، و (للناس) متعلق به: أى وما أرسلناك إلا كافة للناس عن الكفر والمعاصى وقيل

هو حال من الناس إلا أنه ضعيف عند الاكثرين لان صاحب الحال مجرور ويضعف هنا من وجه آخر، وذاك أن اللام على هذا تكون بمعنى إلى، إذ المعنى أرسلناك إلى الناس، ويجوز أن يكون التقدير: من أجل الناس.

١٩٩

قوله تعالى (ميعاد يوم) هو مصدر مضاف إلى الظرف، والهاء في (عنه) يجوز أن تعود على الميعاد وعلى اليوم، وإلى أيهما أعدتها كانت الجملة نعتا له.

قوله تعالى (بل مكر الليل) مثل ميعاد يوم، ويقرأ بفتح الكاف وتشديد الراء، والتقدير: بل صدنا كرور الليل والنهار علينا، ويقرأ كذلك إلا أنه بالنصب على تقدير مدة كرورهما.

قوله تعالى (زلفى) مصدر على المعنى: أى يقربكم قربى (إلا من آمن) يجوز أن يكون في موضع نصب استثناء منقطعا، وأن يكون متصلا مستثنى من المفعول في يقربكم، وأن يكون مرفوعا بالابتداء ومابعده الخبر.

قوله تعالى (وماأنفقتم من شئ فهو يخلفه) في " ما " وجهان: أحدهما شرطية في موضع نصب، والفاء جواب الشرط، ومن شئ تبيين. والثانى هو بمعنى الذى في موضع رفع بالابتداء ومابعد الفاء الخبر.

قوله تعالى (أهؤلاء) مبتدأ، و (إياكم) في موضع نصب ب‍ (يعبدون) ويعبدون خبر كان، وفيه دلالة على جواز تقديم خبر كان عليها لان معمول الخبر بمنزلته.

قوله تعالى (أن تقوموا) هو في موضع جر بدلا من واحدة، أو رفع على تقدير: هى أن تقوموا، أو نصب على تقدير أعنى، و (تتفكروا) معطوف على تقوموا، و (مابصاحبكم) نفى، (بين يدى) ظرف لنذير، ويجوز أن يكون نعتا لنذير، ويجوز أن يكون لكم صفة لنذير، فيكون بين ظرفا للاستقرار، أو حالا من الضمير في الجار، أو صفة أخرى.

قوله تعالى (علام الغيوب) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو خبر ثان أو بدل من الضمير في يقذف، أو صفة على الموضع، وبالنصب صفة لاسم " إن " أو على إضمار أعنى.

قوله تعالى (فلا فوت) أى فلا فوت لهم، و (التناوش) بغير همز من ناش

ينوش أذا تناول، والمعنى: من أين لهم تناول السلامة، ويقرأ بالهمز من أجل ضم الواو، وقيل هى أصل من ناشه يناشه إذا خلصه والله أعلم.

سورة فاطر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (فاطر السموات) الاضافة محضة لانه للماضى لاغير، فأما (جاعل الملائكة)

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232