تفسير المراغى الجزء ٣

تفسير المراغى27%

تفسير المراغى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 218

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 218 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79267 / تحميل: 4791
الحجم الحجم الحجم
تفسير المراغى

تفسير المراغى الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

[ ٥٨ ٤٥ ] ٩ - محمّد بن عليّ بن الحسين في( الخصال) بإسناده عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة - قال: تشمير الثياب طهور لها، قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) أي فشمّر.

[ ٥٨ ٤٦ ] ١٠ - الفضل بن الحسن الطبرسي في( مجمع البيان) عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في قوله تعالى( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) قال: معناه ثيابك فقصّر.

[ ٥٨ ٤٧ ] ١١ - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة وتشمير الثياب طهور لها، وقد قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٣) أي فشمّر.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٤) .

٢٣ - باب كراهة اسبال الثوب وتجاوزه الكعبين للرجل وعدم كراهته للمرأة، وتحريم الاختيال والتبختر

[ ٥٨ ٤٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) أنّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أوصى رجلاً من بني تميم فقال له: إيّاك وإسبال الإِزار والقميص، فإنّ ذلك من المخيلة، والله يحب المخيلة.

____________________

٩ - الخصال: ٦٢٢.

(١) المدثر ٧٤: ٤.

١٠ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٢) المدّثر ٧٤: ٤.

١١ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٣) المدّثر ٧٤: ٤.

(٤) يأتي في الحديث ٥ من الباب ٢٣ من هذه الأبواب.

الباب ٢٣

فيه ١٣ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٥، أورده عن المحاسن في الحديث ١٣ من الباب ٥٩ من أبواب جهاد النفس.

٤١

ورواه البرقي في( المحاسن) عن محمّد بن علي، عن الحسن بن محبوب، مثله (١) .

[ ٥٨ ٤٩ ] ٢ - وعن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن أبان، عن أبي حمزة رفعه قال: نظر أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إلى فتى مرخى(٢) إزاره فقال: يا فتى(٣) ارفع إزارك فانّه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك.

[ ٥٨ ٥٠ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال: نظر أبو عبد الله( عليه‌السلام ) إلى رجل قد لبس قميصاً يصيب الأرض فقال: ما هذا ثوب طاهر.

[ ٥٨ ٥١ ] ٤ - وعنهم، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في الرجل يجرّ ثوبه، قال: إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء.

[ ٥٨ ٥٢ ] ٥ - وعنهم، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب(٤) ، عن عبد الله بن هلال قال: أمرني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أن أشتري له إزاراً فقلت: إنّي لست أُصيب إلّا واسعاً، فقال: اقطع منه وكفّه، ثمّ

____________________

(١) المحاسن: ١٢٤ / ١٤٠.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٦.

(٢) أرخى ازاره: أسبله( لسان العرب ١٤: ٣١٥ ).

(٣) في المصدر: يا بنيّ.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١١.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٣.

(٤) في المصدر زيادة: عن عبد الله بن يعقوب.

٤٢

قال: إنّ أبي قال: ما جاوز الكعبين ففي النار.

وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، مثله(١) .

[ ٥٨ ٥٣ ] ٦ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه( عليهم‌السلام ) - في حديث المناهي - قال: ونهى رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أن يختال الرجل في مشيه، وقال: من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم، وكان قرين قارون لأنه أوّل من اختال فخسف الله به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

[ ٥٨ ٥٤ ] ٧ - وفي( معاني الأخبار ): عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن عبد العزيز بن يحيى الجوادي، عن محمّد بن زكريا، عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون وهذا المبتلى.

[ ٥٨ ٥٥ ] ٨ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن محمّد بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: ألا أُخبركم بالمجنون حقّ المجنون ؟ قالوا بلى يا

____________________

(١) الكافي ٦: ٣٥٦ / ذيل حديث ٣.

٦ - الفقيه ٤: ٧ في حديث المناهي.

٧ - معاني الأخبار: ٢٣٧.

٨ - الخصال: ٣٣٢ / ٣١.

٤٣

رسول الله، قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، يتمنّى على الله جنّته وهو يعصيه، الذي لا يؤمن شرّه، ولا يرجى خيره، فذلك المجنون.

[ ٥٨ ٥٦ ] ٩ - وعن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن معروف، عن أبي جميلة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث - قال: ستّة في هذه الأُمة من أخلاق قوم لوط ‎ : الجلاهق(١) وهو البندق(٢) ، والخذف، ومضغ العلك، وإرخاء الإِزار خيلاءاً، وحلّ الأزرار من القباء، والقميص.

[ ٥٨ ٥٧ ] ١٠ - وفي( عقاب الأعمال) بإسناد تقدّم في عيادة المريض عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أنّه قال في آخر خطبة خطبها: ومن لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به(٣) من شفير جهنم يتخلخل(٤) فيها ما دامت السماوات والأرض، وإنّ قارون لبس حلّة فاختال فيها فخسف به فهو يتخلخل(٥) إلى يوم القيامة.

[ ٥٨ ٥٨ ] ١١ - محمّد بن إ ‎ دريس في آخر( السرائر) نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن علي بن الحسن، عن يونس بن رباط، عن أبي

____________________

٩ - الخصال: ٣٣٠ / ٢٩، قطعة منه تأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ من أبواب أحكام العشرة، وقطعة منه تأتي في الحديث ١١ من الباب ١١، وفي الحديث ٦ من الباب ١٤ من أبواب الجماعة.

(١) الجلاهق: بضم الجيم: البندق المعمول من الطين، الواحدة جلاهقة( مجمع البحرين ٥: ١٤٣ ).

(٢) البندقة: وهي طينة مدورة مجففة جمعها بنادق( مجمع البحرين ٥: ١٤١ ).

١٠ - ثواب الأعمال: ٣٣٣.

(٣) في المصدر زيادة: قبره ‎

(٤ و ٥) وفيه: يتجلجل.

١١ - مستطرفات السرائر: ٨٥ / ٣٠، ويأتي بتمامه عن الكافي والتهذيب الحديث ٨ من الباب ٨٦ من أبواب أحكام الأولاد.

٤٤

عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : لا يجد ريح الجنّة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مرخى الإِزار خيلاءاً.

[ ٥٨ ٥٩ ] ١٢ - ومن رواية أبي القاسم ابن قولويه، عن الأصبغ قال: سمعت علياً( عليه‌السلام ) يقول: ستّة من أخلاق قوم لوط: الجلاهق وهو البندق، والخذف، ومضغ العلك، والصفير، وإرخاء الازار خيلاء، وحلّ الأزرار.

[ ٥٨ ٦٠ ] ١٣ - الحسن بن الفضل الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: والإسبال في الأزار والقميص والعمامة [ وقال ](١) من جرّ شيئاً(٢) خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه في أحاديث التجبّر(٤) ، إن شاء الله.

٢٤ - باب كراهة حمل شيء في الكمّ وعدم تحريمه

[ ٥٨ ٦١ ] ١ - محمّد بن علي بن الحسين في( العلل ): عن محمّد بن علي

____________________

١٢ - مستطرفات السرائر: ١٤٥ / ١٧، وللحديث صدر يأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ والحديث ٨ من الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة.

١٣ - مكارم الأخلاق: ١٠٩.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) وفيه: ثوبه.

(٣) تقدم ما يدل على ذلك في الباب ٢١، ٢٢ من هذه الأبواب.

(٤) يأتي ما على ذلك في الحديث ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب، وفي الباب ٥٨ ‎ ، ٥٩ من أبواب جهاد النفس، وفي الباب ٢٥ من أبواب آداب التجارة، وفي الحديث ٢ من الباب ٨٠ من أبواب مقدمات النكاح.

الباب ٢٤

فيه حديث واحد

١ - علل الشرائع: ٥٨٢ / ٢٠ أخرجه عن العلل والكافي والتهذيب في الحديث ٢ من الباب ٥٢ من أبواب آداب التجارة.

٤٥

ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمد( عليه‌السلام ) قال: جئت إلى أبي( عليه‌السلام ) بكتاب أعطانيه إنسان فأخرجته من كمّي فقال لي: يا بنيّ، لا تحمل في كمّك شيئاً فإنّ الكمّ مضياع.

٢٥ - باب استحباب قطع الرجل ما زاد من الكمّ عن أطراف الأصابع وما جاوز الكعبين من الثوب

[ ٥٨ ٦٢ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إذا لبس القميص مدّ يده، فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه.

[ ٥٨ ٦٣ ] ٢ - محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في( الإرشاد) عن سعيد بن كلثوم، عن الصادق جعفر بن محمّد( عليهما‌السلام ) قال: والله ما أكل علي بن أبي طالب( عليه‌السلام ) من الدنيا حراماً قطّ حتّى مضى لسبيله - إلى أن قال - وإن كان يقوت أهله بالزيت والخلّ والعجوة، وما كان لباسه إلّا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعى بالجلم(١) فقصه، الحديث.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) .

____________________

الباب ٢٥

فيه حديثان

١ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٧.

٢ - الارشاد: ٢٥٥.

(١) الجَلَم: الذي يُجزّ به الشعر والصوف كالمقص( مجمع البحرين ٦: ٣٠ ).

(٢) تقدم في الحديث ١٢ من الباب ٢٠ من أبواب المقدّمة، وفي الحديث ٤ من الباب ٢١ من هذه الأبواب.

٤٦

٢٦ - باب ما يستحبّ أن يعمل عند لبس الثوب الجديد من الصلاة والقراءة

[ ٥٨ ٦٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا كسا الله المؤمن ثوباً جديداً فليتوضّأ وليصلّ ركعتين، يقرأ فيهما:( أُمّ الْكِتَابِ ) و( آية الكرسي) و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (١) ، ثمّ ليحمد الله الذي ستر عورته وزيّنه في الناس وليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلّا بالله، فإنّه لا يعصي الله فيه، وله بكلّ سلك فيه ملك يقدّس له ويستغفر له ويترحّم عليه.

ورواه الصدوق في( الخصال) (٢) بإسناده الآتي(٣) عن عليّ( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة -.

[ ٥٨ ٦٥ ] ٢ - وعن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن غير واحد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ثنتين وثلاثين مرّة في إناء جديد ورشّ(٤) ثوبه الجديد ‎ إذا لبسه لم يزل يأكل في سعةٍ ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٦ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( المجالس ): عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير،

____________________

الباب ٢٦

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٥.

(١) ليس في المصدر.

(٢) الخصال: ٦٢٤.

(٣) يأتي في الفائدة الأولى من الخاتمة برمز( ر ).

٢ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٤.

(٤) في المصدر زيادة: به.

٣ - أمالي الصدوق: ٢٢٠ / ١٠.

٤٧

عن عبد الرحمن السراج يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قطع ثوباً جديداً وقرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ستّاً وثلاثين مرّة فإذا بلغ( تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ ) أخرج شيئاً من الماء ورشّ بعضه(١) على الثوب رشّاً خفيفاً ثمّ صلّى فيه(٢) ركعتين ودعا ربه وقال في دعائه: الحمد لله الذي رزقني ما أتجمّل به في الناس وأُواري به عورتي، وأُصلّي فيه لربّي، وحمد الله، لم يزل يأكل في سعةٍ حتى يبلى ذلك الثوب.

وفي( ثواب الأعمال ): عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عمر السرّاد، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله(٣) .

[ ٥٨ ٦٧ ] ٤ - وفي( عيون الأخبار) عن أبيه وعلي بن عبد الله الورّاق جميعاً، عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن الحسن الخيّاط، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر، عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن العسكري، عن أبيه، عن جدّه الرضا، عن أبيه موسى( عليهم‌السلام ) أنّه كان يلبس ثيابه ممّا يلي يمينه، فإذا لبس ثوباً جديداً دعا بقدح من ماء فقرأ فيه( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) عشر مرّات، و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرّات، و ‎( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) عشر مرّات، ثمّ نضحه على ذلك الثوب، ثمّ قال: من فعل هذا بثوبه قبل أن يلبسه لم يزل في رغد من العيش ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٨ ] ٥ - الحسن بن محمّد الطوسي في( الأمالي) عن أبيه، عن هلال بن محمّد الحفّار، عن إسماعيل بن عليّ الدعبلي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه اشترى قميصاً بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين، ثمّ أتى المسجد فصلّى فيه

____________________

(١ و ٢)( بعضه) و( فيه) ليسا في ثواب الأعمال ‎( هامش المخطوط ).

(٣) ثواب الأعمال: ٤٤ / ١.

٤ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ١: ٣١٥ / ٩١.

٥ - أمالي الطوسي ١: ٣٧٥.

٤٨

ركعتين ثمّ قال: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس وأؤدّي فيه فريضتي وأستر فيه عورتي،( ثم قال) (١) : سمعت رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يقول ذلك عند الكسوة.

ورواه علي بن عيسى في( كشف الغمّة) مرسلاً، إلّا أنّه قال: فساوم شيخاً فقال: يا شيخ، بعني قميصاً بثلاثة دراهم (٢) .

٢٧ - باب استحباب التحميد والدعاء بالمأثور عند لبس الجديد

[ ٥٨ ٦٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس الثوب الجديد ؟ قال: يقول: اللّهم اجعله ثوب يمن وتقى وبركة، اللّهم ارزقني فيه حسن عبادتك، وعملاً بطاعتك، وأداء شكر نعمتك، الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس.

[ ٥٨ ٧٠ ] ٢ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال ‎ : قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : علّمني رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إذا لبست ثوباً جديداً أن أقول: الحمد لله الذي كساني من اللباس(٣) ما أتجمّل به في الناس، اللّهم اجعلها ثياب بركة أسعى فيها

____________________

(١) في المصدر بدل ما بين القوسين هكذا: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا أو شيء سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، قال: بل شيء سمعته من رسول الله

(٢) كشف الغمّة ١: ١٦٤، وتقدم ما يدل على استحباب التسمية عند كل فعل في الحديث ١٢ و ١٣ من الباب ٢٦ من أبواب الوضوء.

الباب ٢٧

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ٢.

(٣) في الأمالي: الرياش( هامش المخطوط ).

٤٩

لمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، وقال: يا عليّ، من قال ذلك لم يتقمّصه حتى يغفر له.

ورواه الصدوق في( المجالس ): عن الحسين بن إبراهيم بن تاتانه، عن علي بن إبراهيم، مثله(١) .

[ ٥٨ ٧١ ] ٣ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن علي الهمداني، عن الحسين بن أبي عثمان، عن خالد الجوّان قال: سمعت أبا الحسن موسى( عليه‌السلام ) يقول: قد ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه ويقول: الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس، وأتزيّن به بينهم.

[ ٥٨ ٧٢ ] ٤ - وعن محمّد يحيى، عن علي بن الحسين النيسابوري، عن عبد الله بن محمّد، عن علي بن الريّان، عن يونس، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه قال: يا عمر، إذا لبست ثوباً جديداً فقل: لا إله إلا الله محمّد رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) تبرأ من الآفة، وإذا أحببت شيئاً فلا تكثر ذكره فإنّ ذلك مما يهدك، وإذا كانت لك إلى رجل حاجة فلا تشتمه من خلفه فإن الله يوقع ذلك في قلبه.

[ ٥٨ ٧٣ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن زريق، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته يقول: إذا لبست ثوباً فقل: اللّهمّ ألبسني لباس الايمان، وزيّني بالتقوى، اللّهم اجعل جديده أُبليه في طاعتك وطاعة رسولك، وأبدلني بخلقه حلل الجنّة، ولا تجعلني أبليه في معصيتك، ولا تبدلني بخلقه مقطعات النيران.

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢١٩ / ٨.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٣.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٦.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ٣١١ باختلاف.

٥٠

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٢٨ - باب كراهة ابتذال ثوب الصون، وإراقة فضل الإناء، وطرح النوى يميناً وشمالاً، وقطع الدراهم والدنانير

[ ٥٨ ٧٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي، عن علي بن عقبة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أدنى الإِسراف هراقة فضل الإِناء، وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوى.

[ ٥٨ ٧٥ ] ٢ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : ما أدنى ما يجيء من الاسراف ‎ ؟ قال: ابتذالك ثوب صونك، وإهراق فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك بالنوى ها هنا وها هنا.

[ ٥٨ ٧٦ ] ٣ - وقد تقدّم في حديث إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في المؤمن يكون له ثلاثون قميصاً قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنّما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك.

[ ٥٨ ٧٧ ] ٤ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله( عليه‌السلام ) عن أدنى الإسراف، قال: ثوب صونك تبتذله، وفضل الإناء تهريقه، وقذفك بالنوى هكذا وهكذا.

____________________

(١) تقدم في الأحاديث ١ و ٣ و ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب.

الباب ٢٨

فيه ٧ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

٣ - تقدم في الحديث ٣ من الباب ٩ من هذه الأبواب.

٤ - الفقيه ٣: ١٠٣ / ٤١٣.

٥١

[ ٥٨ ٧٨ ] ٥ - وبإسناده عن أبي هشام البصري، عن الرضا( عليه‌السلام ) قال: من الفساد قطع الدراهم والدينار(١) وطرح النوى.

[ ٥٨ ٧٩ ] ٦ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن علي بن السنديّ، عن محمّد بن عمر (٢) بن سعيد، عن موسى بن أكيل قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول: لا يكون الرجل فقيهاً حتّى لا يبالي أيّ ثوبيه ابتذل وبما سدّ فورة الجوع.

أقول: هذا محمول على الجواز ونفي التحريم، أو على كون الثوبين متساويين، أو ليسا من ثياب الصون.

[ ٥٨ ٨٠ ] ٧ - وعن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن ‎ أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: السرف في ثلاثة ابتذالك ثوب صونك، وإلقائك النوى يميناً وشمالاً، وإهراقك فضلة الماء.

وقال: ليس في الطعام سرف.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٣) .

٢٩ - باب استحباب لبس الثوب الغليظ والخلق في البيت لا بين الناس، ورقع الثوب، وخصف النعل

[ ٥٨ ٨١ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن

____________________

٥ - الفقيه ٣: ١٠٢ / ٤١٢.

(١) في نسخة: الدنانير.

٦ - الخصال: ٤٠ / ٢٧.

(٢) في المصدر: عمرو.

٧ - الخصال: ٩٣ / ٣٧.

(٣) يأتي في الباب ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ من أبواب النفقات ما يدل على حكم الاسراف وحدوده، عموماً.

الباب ٢٩

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٤، يأتي بتمامه في الحديث ٤ من الباب ٩٩ مما تكتسب به.

٥٢

معمر بن خلّاد، عن أبي الحسن الرضا( عليه‌السلام ) قال: خرجت وأنا أريد داود بن عيسى، وعليّ ثوبان غليظان، الحديث.

أقول: هذا محمول على الجواز لما مضى(١) ويأتي(٢) .

[ ٥٨ ٨٢ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الفضل بن كثير المدائني، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصاً ‎ً فيه قُبّ(٣) قد رقعه فجعل ينظر إليه فقال له أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : ما لك تنظر ؟ فقال: قُبّ يلفى في قميصك، قال: فقال لي: اضرب يديك إلى هذا الكتاب فاقرأ ما فيه، وكان بين يديه كتاب أو قريب منه فنظر الرجل فيه فإذا فيه: لا إيمان لمن لا حياء له، ولا مال لمن لا تقدير له، ولا جديد لمن لا خلق له ‎

[ ٥٨ ٨٣ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( عيون الأخبار ): عن الحسين بن أحمد البيهقي، عن محمّد بن يحيى الصولي، عن عون بن محمّد، عن ابن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا( عليه‌السلام ) في الصيف على حصير، وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب، حتّى إذا برز للناس تزيّن لهم.

[ ٥٨ ٨٤ ] ٤ - وفي( ثواب الأعمال) عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من رقع جيبه، وخصف نعله، وحمل سلعته، فقد برئ من الكبر.

____________________

(١) مضى في الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.

(٢) يأتي في الحديث ٥ من هذا الباب.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٣.

(٣) ورد في هامش المخطوط ما نصه: القب: ما يدخل في جيب القميص من الرقاع( القاموس المحيط ١: ١١٧ ).

٣ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ٢: ١٧٨ الباب ٤٤.

٤ - ثواب الأعمال: ٢١٣ أورده في الحديث ٥ من الباب ٥ من هذه الأبواب.

٥٣

ورواه الكليني(١) ، عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة(٢) ، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله.

وفي( الخصال ‎ ) عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، نحوه(٣) .

[ ٥٨ ٨٥ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن أبي ذرّ، عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في وصيّته له: يا أبا ذر، من رقع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر، يا أبا ذر، من كان له قميصان فليلبس أحدهما ويلبس الآخر أخاه، يا أبا ذر، من ترك الجمال وهو يقدر عليه تواضعاً ‎ُ لله كساه الله حلّة الكرامة، يا أبا ذر، البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلاّ يجد الفخر فيك مسلكه.

[ ٥٨ ٨٦ ] ٦ - الحسن بن محمّد الديلمي في( الإرشاد) قال: كان النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل من العبد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار، ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجة من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من غنيّ وفقير وكبير وصغير، ولا يحقّر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشّ من

____________________

(١) الكافي ٨: ٢٣١ / ٣٠٢.

(٢) في المصدر زيادة: إسحاق بن عمّار.

(٣) الخصال: ١٠٩ / ٧٨.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ١٥٢.

٦ - إرشاد القلوب: ١١٥.

٥٤

شبع قطّ، ولم يمدّ يده إلى طمع قطّ.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٣٠ - باب استحباب التعمّم وكيفيّته

[ ٥٨ ٨٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي همام، عن أبي الحسن( عليه‌السلام ) قال في قول الله عزّ وجلّ( مُسَوِّمِينَ ) (٢) قال: العمائم اعتمّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه، واعتم جبرئيل( عليه‌السلام ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه.

[ ٥٨ ٨٨ ] ٢ - وعنه، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

[ ٥٨ ٨٩ ] ٣ - وعن عدّة من أصحبانا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن(٣) بن علي العقيلي، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً( عليه‌السلام ) بيده

____________________

(١) تقدم في الباب ٥٤ من أبواب لباس المصلي، ويأتي ما يدل علىٰ الأخير في الحديث ٢ من الباب ٣٥ من أبواب أحكام العشرة.

الباب ٣٠

فيه ١٢ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

(٢) آل عمران ٣: ١٢٥.

٢ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٤.

(٣) في المصدر: الحسين.

٥٥

فسدلها من بين يديه، وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثمّ قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة.

[ ٥٨ ٩٠ ] ٤ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب.

[ ٥٨ ٩١ ] ٥ - وعنه، عن ياسر الخادم قال: لمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا( عليه‌السلام ) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب، فبعث إليه الرضا( عليه‌السلام ) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فلم يزل يراده الكلام في ذلك وألحّ عليه - الى أن قال - فقال: يا أمير المؤمنين، إن عفيتني من ذلك فهو أحب إليّ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وأمير المؤمنين( عليه‌السلام ) ، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت، وأمر المأمون القوّاد والناس أن يركبوا(١) إلى باب أبي الحسن( عليه‌السلام ) - إلى أن قال - فلمّا طلعت الشمس قام( عليه‌السلام ) فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، وتشمّر ثمّ قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازاً، ثم خرج ونحن بين يديه وهو حافي(٢) قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمّرة، الحديث.

وراوه المفيد في( الإرشاد ): عن علي بن إبراهيم، عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعاً، عن الرضا( عليه‌السلام ) ، نحوه(٣) .

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٥ ‎

٥ - الكافي ١: ٤٠٨ / ٧ وأورده بتمامه في الحديث ١ من الباب ١٩ من ‎ أبواب صلاة العيدين.

(١) في المصدر: يبكروا.

(٢) كذا في الاصل بالياء، وهو مخالف للقواعد العربية، لكن رأينا سابقاً ان المصنف كتب كلمة( مرائي) بالياء أيضاً، فلاحظ.

(٣) ارشاد المفيد: ٣١٢.

٥٦

[ ٥٨ ٩٢ ] ٦ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب، إذا وضعوا العمائم وضع الله عزّهم.

[ ٥٨ ٩٣ ] ٧ - قال: وقال( عليه‌السلام ) : اعتمّوا تزدادوا حلماً.

[ ٥٨ ٩٤ ] ٨ - وعن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: ركعتان مع العمامة خير من أربع ركعات بغير عمامة.

[ ٥٨ ٩٥ ] ٩ - وعن عبد الله بن سليمان، عن أبيه أن علي بن الحسين( عليه‌السلام ) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه.

[ ٥٨ ٩٦ ] ١٠ - وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته وهو يقول: دخل رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح.

[ ٥٨ ٩٧ ] ١١ - علي بن موسى بن طاوس في( أمان الأخطار) نقلاً من كتاب الولاية، تأليف أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة - في حديث نصّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) على علي( عليه‌السلام ) يوم الغدير - بإسناده في ترجمة عبد الله بن بشر صاحب رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: بعث رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم غدير خمّ إلى علي( عليه‌السلام ) فعمّمه وأسدل العمامة بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي يوم حنين بالملائكة معمّمين وقد أسدلوا العمائم، وذلك حجز بين المسلمين وبين المشركين، الحديث.

____________________

٦ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٧ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٨ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

٩ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

١٠ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

١١ - الأمان من الأخطار: ١٠٣، يأتي، ذيله في الحديث ٦ من الباب ٤٣ من أبواب آداب السفر.

٥٧

[ ٥٨ ٩٨ ] ١٢ - قال: وفي حديث آخر - بإسناده - عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً يوم غدير خمّ عمامة سدلها بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي بالملائكة ثم أخذ بيده فقال: يا أيها الناس، من كنت مولاه فهذا مولاه، والى الله من والاه، وعادى الله من عاداه(١) .

٣١ - باب ما يستحبّ من القلانس وما يكره منها

[ ٥٨ ٩٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) أنّه كره لباس البرطلة.

[ ٥٩ ٠٠ ] ٢ - وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، وكان يلبس في الحرب قلنسوة لها أُذنان.

[ ٥٩ ٠١ ] ٣ - وعنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس من القلانس اليمنيّة(٢) والبيضاء والمضربة وذات الأُذنين في الحرب وكانت عمامته السحاب، وكان له برنس يتبرنس به.

____________________

١٢ - الامان من الاخطار: ٩١، تقدم ما يدل على ذلك في الباب ١٩ من أبواب آداب الحمام وعلى استحباب التحنك في الباب ٢٦ من أبواب لباس المصلي.

(١) في الاصل تعليقة طويلة ثم حذفها وبقي منها ما لم يشطب عليه وهو: ذكر ابن طاوس في أمان الأخطار ان التحنك هو ما ذكر في الحديثين المنقولين من كتاب الولاية( منه قده ).

الباب ٣١

فيه ١١ حديثاً،( علماً أنه قد ذكر في الفهرست ١٢ حديثاً )

١ - الكافي ٦: ٤٧٩ / ٥، وأورده في الحديث ١ من الباب ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ١.

(٢) في هامش الاصل عن نسخة:( اليمنة ).

٥٨

[ ٥٩ ٠٢ ] ٤ - وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا ظهرت القلانس المتركة ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٣ ] ٥ - وعن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلانس بيضاء ولا تكسرها فإن السيّد مثلي لا يلبس المكسّر.

[ ٥٩ ٠٤ ] ٦ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يحيى بن ‎ إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اتّخذ لي قلنسوة ولا تجعلها مصبعة(١) ، فإنّ السيد مثلي لا يلبسها - يعني لا تكسرها -.

[ ٥٩ ٠٥ ] ٧ - عبد الله بن جعفر في( قرب الإسناد ): عن هارون بن مسلم ‎ ، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: إذا ظهرت القلانس المتركة(٢) ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٦ ] ٨ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق ): عن محمّد بن علي قال: رأيت على علي بن الحسين(٣) ( عليه‌السلام ) قلنسوة خزّ مبطنة بسمور.

[ ٥٩ ٠٧ ] ٩ - قال: وسئل الرضا( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس البرطلة فقال: قد كان لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) مظلة يستظلّ بها من الشمس.

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٦ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٤.

(١) في نسخة: مصبغة( هامش المخطوط) والمصدر.

٧ - قرب الإِسناد: ٤١.

(٢) في المصدر: المشتركة.

٨ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

(٣) في نسخةٍ: أبي الحسن( هامش المخطوط ).

٩ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

٥٩

[ ٥٩ ٠٨ ] ١٠ - وعن يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة فقال: لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زي اليهود.

[ ٥٩ ٠٩ ] ١١ - وعن الحسن بن المختار قال: قال لي أبو الحسن الأول( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلنسوة ولا تكن مصبعة(١) فإنّ السيد مثلي لا يلبس المصبع(٢) ، والمصبع ) : المكسّر بالظفر.

٣٢ - باب استحباب اتّخاذ النعلين واستجادتهما

[ ٥٩ ١٠ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أوّل من اتخذ النعلين إبراهيم( عليه‌السلام ) .

[ ٥٩ ١١ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : استجادة

____________________

١٠ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

١١ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

(١) في المصدر: مصنعة.

( ٢ و ٣) المصنع، وتقدم ما يدل على ذلك في الحديث ٦ و ١٢ من الباب ١٠ والباب ٢٠ و ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

الباب ٣٢

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

أن جعل في الدين مجالا لبحث العقل بما أودع فيه من المتشابه ، إذ بحثه يستلزم النظر فى الأدلة الكونية ، والبراهين العقلية ، ووجوه الدلالة ليصل إلى فهمه ويهتدى إلى تأويله.

(٣) إن الأنبياء بعثوا إلى الناس كافة وفيهم العالم والجاهل والذكي والبليد ، وكان من المعاني الحكم الدقيقة التي لا يمكن التعبير عنها بعبارة تكشف عن حقيتها ، فجعل فهم هذا من حظ الخاصة ، وأمر العامة بتفويض الأمر فيه إلى الله ، والوقوف عند فهم المحكم ، ليكون لكلّ نصيبه على قدر استعداده ، فإطلاق كلمة الله وروح من الله على عيسى يفهم منه الخاصة ما لا يفهمه العامة ، ومن ثم فتن النصارى بمثل هذا التعبير إذ لم يقفوا عند حد المحكم وهو التنزيه واستحالة أن يكون لله أم أو ولد بمثل ما دل عليه قوله :إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ ».

( وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ) أي وما يعقل ذلك ويفقه حكمته إلا ذوو البصائر المستنيرة ، والعقول الراجحة التي امتازت بالتدبر والتفكر في جميع الآيات المحكمة التي هى الأصول ، حتى إذا عرض لهم المتشابه بعد ذلك سهل عليهم أن يتذكروها ويردّوا المتشابه إليها ، ويقولوا في المتشابه الذي هو نبأ عالم الغيب : إن قياس الغائب على الشاهد قياس مع الفارق لا ينبغى للعقلاء أن يعتبروه.

ثم ذكر ما يدعون به ليهبهم الثبات على فهم المتشابه فقال :

( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) أي إن أولئك الراسخين في العلم مع اعترافهم بالإيمان بالمتشابه يطلبون إلى الله أن يحفظهم من الزيغ بعد الهداية ، ويهبهم الثبات على معرفة الحقيقة والاستقامة على الطريقة فهم يعرفون ضعف البشر ، وكونهم عرضة للتقلب والنسيان والذهول ، فيخافون أن يقعوا فى الخطأ ، والخطأ قرين الخطر.

وقد روى عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو «يا مقلّب القلوب ثبت قلبى على دينك» قلت : يا رسول الله

١٠١

ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء فقال : «ليس من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرّحمن ، إن شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه».

( رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ) أي ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك فيه وإنا موقنون به ، لأنك أخبرت به وقولك الحق ، ووعدت وأوعدت بالجزاء فيه ، وأنت لا تخلف وعدك.

وقد جاءوا بهذا الدعاء بعد الإيمان بالمتشابه ، ليستشعروا أنفسهم الخوف من تسرّب الزيغ الذي يسلبهم الرحمة في ذلك اليوم ، وهذا الخوف هو مبعث الحذر والتوقي منه.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) )

تفسير المفردات

تغنى : أي تنفع ، وقود (بفتح الواو) أي حطب ونحوه ، والدأب : العادة ؛ من دأب على العمل إذا جدّ فيه وتعب ، ثم غلب في العادة ، والمهاد : الفراش ، يقال مهدّ الرجل المهاد إذا بسطه ، والآية : العلامة على صدق ما يقول الرسول.

١٠٢

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه الدين الحق وقرر التوحيد ، وذكر الكتب الناطقة به ، وألمع إلى شأن القرآن الكريم وإيمان العلماء الراسخين به ـ شرع يذكر حال أهل الكفر والجحود ، ويبين أسباب اغترارهم بالباطل واستغنائهم عن الحق أو اشتغالهم عنه ، ومن أهم ذلك الأموال والأولاد ، وأرشد إلى أنها لا تغنى عنهم شيئا في ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الناس ليحاسبهم على ما عملوا ، والكافرون في أشد الحاجة إلى مثل هذه العظة ، لأن الجحود إنما يقع لغرور الناس بأنفسهم وأموالهم ، فيتوهمون الاستغناء عن الحق ، ويتبعون الهوى.

وقد ضرب الله مثلا لهؤلاء الكافرين الذين استغنوا بما أوتوا في الدنيا عن الحق ، فعارضوه وناصبوا أهله العداء حتى ظفروا بهم مثل آل فرعون ومن قبله ممن كذبوا الرسل ؛ فقد أهلكهم الله ونصر موسى على آل فرعون ، ونصر الرسل ومن آمن معهم على أممهم لصلاحهم وإصلاحهم ، فالله لا يحابى ولا يظلم وهو شديد العقاب.

الإيضاح

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ) أي إن الذين جحدوا ما قد عرفوه من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم سواء كانوا من بنى إسرائيل أم من كفار العرب ـ لن تنجيهم أموالهم التي يبذلونها في جلب المنافع ودفع المضار ، ولا أولادهم الذين يتناصرون بهم في مهامّ أمورهم ويعوّلون عليهم فى الخطوب النازلة من عذاب الله شيئا ، وقد كانوا يقولون نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ، فردّ الله عليهم بقوله : «وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » وسيكونون يوم القيامة حطبا لجهنم التي تسعر بهم.

١٠٣

ثم ضرب لهم مثلا لينبههم إلى ما حلّ بمن قبلهم من الأمم التي كانت أقوى منهم جندا وأكثر عددا لعلهم يتعظون فقال :

( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ) أي إن صنيع هؤلاء في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بشريعته ، كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام ، ودأب من قبلهم من الأمم ، كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ، فأهلكهم ونصر الرسل ومن آمن معهم ، ولم يجدوا من بأس الله محيصا ولا مهربا ، إذ عقابه أثر طبيعي لاجتراح الذنوب وارتكاب الموبقات.

ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة فقال :

( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ ) المراد بالكافرين هنا اليهود لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن يهود المدينة لما شاهدوا غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين يوم بدر قالوا والله إنه النبي الأمى الذي بشرنا به موسى ، وفي التوراة نعته وهمّوا باتباعه ، فقال بعضهم : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى ، فلما كان يوم أحد شكّوا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة فنقضوه ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصاب قريشا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بنى قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش ، فقالوا له : لا يغرنّك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، لئن قاتلتنا لعلمت أنّا نحن الناس فنزلت.

أي قل لأولئك اليهود إنكم ستغلبون في الدنيا وسينفذ فيكم وعيدي ، وتساقون فى الآخرة إلى جهنم سوقا ، وبئس المهاد ما مهدتموه لأنفسكم.

وقد صدق الله وعده فقتل المسلمون بنى قريظة الخائنين ، وأجلوا بنى النّضير المنافقين ، وفتحوا خيبر وضربوا الجزية على من عداهم.

١٠٤

ثم حذرهم وأنذرهم بألا يغتروا بكثرة العدد والعدد فلهم مما يشاهدون عبرة فقال :

( قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ) أي قل لأولئك اليهود الذين غرتهم أموالهم واعتروا بأولادهم وأنصارهم : لا تغرنكم كثرة العدد ، ولا المال والولد ، فليس هذا سبيل النصر والغلب ، فالحوادث التي تجرى في الكون أعظم دليل على تفنيد ما تدّعون.

انظروا إلى الفئتين اللتين التقتا يوم بدر ، فئة قليلة من المؤمنين تقاتل في سبيل الله كتب لها الفوز والغلب على الفئة الكثيرة من المشركين.

وفي هذا عبرة أيّما عبرة لذوى البصائر السليمة التي استعملت العقول فيما خلقت لأجله من التأمل في الأمور والاستفادة منها ، لا لمثل من نعتهم الله بقوله : «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ».

ووجه العبرة في هذا أن هناك قوة فوق جميع القوى قد تؤيد الفئة القليلة فتغلب الفئة الكثيرة بإذنه تعالى ، وقوله( تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ترشد إلى السر في هذا الفوز ، لأنه متى كان القتال في هذا السبيل أي لحماية الحق والدفاع عن الدين وأهله ، فإن النفس تقبل عليه بكل ما أوتيت من قوة ، وما أمكنها من تدبير واستعداد ، علما منها بأن وراء قوتها معونة الله وتأييده ، يرشد إلى هذا قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ » فها أنت ذا ترى أن الله أمر المؤمنين بالثبات وبكثرة ذكره لشدّ العزائم والنهوض بالهمم ، وبالطاعة لرسوله ، وكان هو القائد في تلك الواقعة ـ واقعة بدر ـ وطاعة القائد من أهم أسباب الظفر والنجاح في ميدان القتال.

وقد امتثل المؤمنون ما أوصاهم به ربهم بقدر طاقتهم ، فوجد لديهم الاستعداد والعزيمة الصادقة ، فقاتلوا ثابتين واثقين بنصر الله ، فنصرهم وفاء بوعده «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ».

١٠٥

وغزوات الرسول وأصحابه تفسر ما ورد في هذه الآيات ، ولما خالفوا ما أمروا به غزوة أحد نزل بهم ما نزل ، وفي هذا أكبر عبرة لمن تذكر واعتبر.

وقد روى أرباب السير أن جيش المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة وعشرين رجلا ، سبعة وسبعون منهم من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين على بن أبي طالب ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان في العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو ، والآخر لمرثد بن أبي مرثد ، وكان معهم ست دروع وثمانية سيوف ، وجميع من قتل منهم يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

وأن جيش المشركين كان تسعمائة وخمسين مقاتلا ، رأسهم عقبة بن ربيعة ، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل ، وكان في معسكرهم من الخيل مائة فرس وسبعمائة بعير ، ومن الأسلحة ما لا يحصى عدّا.

ومعنى قوله( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ) أن المشركين رأوا المسلمين مثلى عدد المشركين أي قريبا من ألفين ـ وكانوا نحو ثلاثمائة ـ أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم ، وكان ذلك مددا لهم من الله كما أمدهم الله بالملائكة ، بعد ما قللهم في أعينهم حتى اجترءوا عليهم وتوجهوا إليهم كما جاء في خطاب أهل بدر «وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ».

ومعنى قوله (رأى العين) أنها رؤية مكشوفة لا لبس معها ولا خفاء كسائر المرئيات والمشاهدات.

( وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ ) أي والله يقوّى بمعونته من يشاء كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في عين العدو.

( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ ) أي إن في هذا النصر مع قلة عددهم وكثرة عدوهم عظة لمن عقل وتدبر فعرف الحق وثلج قلبه ببرد اليقين.

١٠٦

( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) )

تفسير المفردات

الشهوات : واحدة شهوة وهى رغبة النفس في الحصول ، والمراد بها المشتهيات كما يقال هذا الطعام شهوة فلان أي ما يشتهيه ، والأنعام واحدها نعم وهى الإبل والبقر والغنم ولا تطلق النعم إلا على الإبل خاصة ، والمسوّمة : هى التي ترعى في الأودية والقيعان ، والحرث : الزرع والنبات.

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه قبل هذا اشتغال الكافرين بالأموال والأولاد وإعراضهم عن الحق وانهماكهم في اللذات ، ذكر هنا وجه غرورهم بذلك تحذيرا لهم من جعلها مطية لشهواتهم ، وتذكيرا لهم بأنه لا ينبغى أن تجعل هى غاية الحياة ، فتشغلهم عن أعمال الآخرة التي جعلت الدنيا مزرعتها ، والوسيلة لكسب السعادة فيها.

الإيضاح

( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ) معنى تزيين حب الشهوات للناس ، أن حبها مستحسن لديهم لا يرون فيه قبحا ولا غضاضة ، ومن ثم لا يكادون يرجعون عنه ، وهذا أقصى مراتب الحب ، وصاحبه قلما يفطن لقبحه أو ضرره إن كان قبيحا أو ضارّا ، ولا يحب أن يرجع عنه وإن تأذى به ، وقد يحب الإنسان شيئا وهو يراه شيئا لا زينا ، وضارّا لا نافعا ، ويود لذلك لو لم يحبه كما يحب بعض الناس شرب الدخان على تأذيهم منه ، ومن أحب شيئا ولم يزيّن له يوشك أن يرجع عنه يوما ما ، ومن زين له حبه فلا يكاد يرجع عنه.

١٠٧

المعنى ـ إن الله فطر الناس على حب هذه الشهوات المبينة بعد كما قال : «إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » وقال : «كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ».

وقد يسند التزيين إلى الشيطان بالوسوسة في قبيح الأعمال كما قال تعالى : «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ».

ثم فصل هذه المشتهيات الستة التي ملأت قلوب الناس حبا فقال :

( مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ) .

(فأولها) النساء وهن موضع الرغبة ومطمح الأنظار ، وإليهن تسكن النفوس كما قال تعالى «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً » وعليهن ينفق أكثر ما يكسب الرجال بكدّهم وجدّهم ، فهم القوامون عليهن لقوتهم وقدرتهم على حمايتهن ، فإسرافهم في حبهنّ له الأثر العظيم فى شئون الأمة وفي إضاعة الحقوق أو حفظها.

وقدم حب النساء على حب الأولاد مع أن حبهنّ قد يزول وحب الأولاد لا يزول لأن حب الولد لا يعظم فيه الغلوّ والإسراف كحب المرأة ، فكم من رجل جنى حبه للمرأة على أولاده ، فكثير ممن تزوجوا بما فوق الواحدة وأفرطوا في حب واحدة وملّوا أخرى أهملوا تربية أولاد المبغوضة وحرموهم سعة الرزق وقد وسعوه على أولاد المحبوبة ، وكم من غنىّ عزيز يعيش أولاده عيشة الذل والفقر ، وليس لهذا من سبب إلا حب والدهم لغير أمهم ، فهو يفعل ذلك للتقرب وابتغاء الزلفى إليها.

(وثانيها) البنون والمراد بهم الأولاد مطلقا كما قال تعالى : «أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » وفي الحديث «الولد مجبنة مبخلة».

والعلة في حب الزوجة وحب الولد واحدة وهى تسلسل النسل وبقاء النوع ، وهى حكمة مطردة في غير الإنسان من الحيوانات الأخرى.

١٠٨

وحب البنين أقوى من حب البنات لأسباب كثيرة منها :

(١) أنهم عمود النسب الذي به تتصل سلسلة النسل ، وبه يبقى ما يحرص عليه الإنسان من بقاء الذكر وحسن الأحدوثة بين الناس.

(٢) أمل الوالد في كفالتهم له حين الحاجة إليه لضعف أو كبر.

(٣) أنه يرجى بهم من الشرف ما لا يرجى من الإناث كنبوغ في علم أو عمل أو رياسة أو قيادة جيش للدفاع عن الوطن وحفظ كيان الأمة.

(٤) الشعور بأن الأنثى حين الكبر تنفصل من عشيرتها وتتصل بعشيرة أخرى.

(وثالثها) القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، والعرب تريد بالقنطار المال الكثير والمقنطرة مأخوذة منه على سبيل التوكيد ، وقد جرت عادتهم بأن يصفوا الشيء بما يشتق منه مبالغة كما قالوا ألوف مؤلفة وظل ظليل ، وقيل المقنطرة المضروبة من دنانير ودراهم ، وقيل هى المنضدة في وضعها.

وهذا التعبير يشعر بالكثرة التي تكون مظنة الافتتان ، والتي تشغل القلب للتمتع بها ، وتستغرق في تدبيرها الوقت الكثير حتى لا يبقى بعد ذلك منفذ للشعور بالحاجة إلى نصرة الحق والاستعداد لأعمال الآخرة.

ومن ثم كان الأغنياء في كل الأمم لدى بعثة الرسل أول الكافرين بهم المستكبرين عن تلبية دعوتهم ، وإن أجابوها وآمنوا فهم أقل الناس عملا وأكثرهم بعدا عن هدى الدين ، انظر إلى قوله تعالى : «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا ».

وحب المال مما أودع في غرائز البشر واختلط بلحمهم ودمهم ، وسر هذا أنه وسيلة إلى جلب الرغائب ، وسبيل إلى نيل اللذات والشهوات ، ورغبات الإنسان غير محدودة ، ولذاته لا عدّ لها ولا حصر ، وكلما حصل على لذة طلب المزيد منها ، وما وصل إلى غاية فى جمع المال إلا تاقت نفسه إلى ما فوقها ، حتى لقد يبلغ به النهم في جمعه أن ينسى أن

١٠٩

المال وسيلة لا مقصد فيفتنّ في الوصول إليه الفنون المختلفة ، والطرق التي تعنّ له ، ولا يبالى أمن حلال كسب أم من حرام؟

روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون لهما ثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب».

ولقد أعمت فتنة المال كثيرا من الناس فشغلتهم عن حقوق الله وحقوق الأمة والوطن ، بل عن حقوق من يعاملهم ، بل عن حقوق بيوتهم وعيالهم ، بل عن أنفسهم ، ومنهم من يقصر في النفقة على نفسه وعياله بالقدر الذي يزرى بمروءته ، فيظهر بمظهر المسترذل بين الناس في مأكله ومشربه وملبسه ، ومنهم من يثلم شرفه ويفتح ثغرة للطاعنين والقائلين فيه بالحق وبالباطل لأجل المال. ومن ثم قالوا : المال ميّال.

(ورابعها) الخيل المسوّمة التي ترعى في الأودية ، يقال سام الدابة : رعاها ، وأسامها : أخرجها إلى المرعى ، كما قال تعالى : «وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ».

وقال ابن جرير : المسوّمة : المعلّمة من السّومة وهى العلامة. قال النابغة :

بسمر كالقداح مسوّمات

عليها معشر أشباه جنّ

وكل من الخيل الراعية التي تقتنى للتجارة ، والمعلمة المطهّمة التي يقتنيها العظماء والأغنياء ـ من المتاع الذي يتنافس فيه الناس ويتفاخرون ، حتى لقد يتغالى بعضهم فى ذلك إلى حد هو أشبه بالجنون.

(وخامسها) الأنعام وهى مال أهل البادية ومنها تكون ثروتهم ومعايشهم ومرافقهم ، وبها تفاخرهم وتكاثرهم ، وقد امتنّ الله بها على عباده بقوله : «وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ ».

١١٠

(وسادسها) الحرث وعليه قوام حياة الإنسان والحيوان في البدو والحضر ، والحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الأنواع السالفة ، والانتفاع به أتمّ منها لكنه أخر عنها ، لأنه لما عمّ الارتفاق به كانت زينته في القلوب أقل ، وقلما يكون الانتفاع به صادّا عن الاستعداد لأعمال الآخرة أو مانعا من نصرة الحق.

وهناك ما هو أعم نفعا وأعظم فائدة في الحياة وهو الضوء والهواء ، فلا يستغنى عنهما حىّ من الأحياء ، ومع ذلك قلما يلتفت الإنسان إليهما ولا يفكر في غبطته بهما.

( ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) المتاع ما يتمتع به ، والمآب المرجع من آب يئوب إذا رجع ، أي هذا الذي ذكر من الأصناف الستة المتقدمة هو ما يتمتع به الناس قليلا في هذه الحياة الفانية ، ويجعلونه وسيلة في معايشهم ، وسببا لقضاء شهواتهم وقد زيّن لهم حبها في عاجل دنياهم ، والله عنده حسن المآب في الحياة الآخرة التي تكون بعد موتهم وبعثهم فلا ينبغى لهم أن يجعلوا كل همهم في هذا المتاع القريب العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الآجل.

فعلى المؤمن ألا يفتن بهذه الشهوات ويجعلها أكبر همه ، والشغل الشاغل له عن آخرته ، فإذا استمتع بها بالقصد والاعتدال ووقف عند حدود الله سعد في الدارين ووفق لخير الحياتين كما قال : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ».

( قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا

١١١

وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))

تفسير المفردات

النبأ والإنباء لم يردا في القرآن إلا لما له شأن عظيم كما قاله أبو البقاء في الكليات ، والتقوى : هى الإخبات إلى الله والإعراض عما سواه ، والمطهرة : الخالية من الشوائب الجسمية والنفسية والرضوان (بضم الراء وكسرها) الرضا ، والصبر : حبس النفس عند كل مكروه يشقّ عليها احتماله ، والصدق يكون في القول والعمل والوصف ؛ يقال فلان صادق في قوله ، وصادق في عمله ، وصادق في حبه ، والقانتين : أي المداومين على الطاعة والعبادة ، والمستغفرين بالأسحار : أي المصلّين وقت السحر.

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه زخارف الدنيا وزينتها ، وذكر ما عنده من حسن المآب إجمالا ـ أمر رسوله بتفصيل ذلك المجمل للناس مبالغة في الترغيب والحث على فعل الخيرات.

الإيضاح

( قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ) أي قل لقومك وغيرهم : أأخبركم بخير من جميع ما تقدم ذكره من النساء والبنين إلى آخره ، وجىء بالكلام على صورة الاستفهام لتوجيه النفوس إلى الجواب وتشويقها إليه.

وقوله خير يشعر بأن تلك الشهوات خير في ذاتها ، ولا شك في ذلك إذ هى من أجلّ النعم التي أنعم الله بها على الناس ، وإنما يعرض الشر فيها كما يعرض في سائر نعم الله على عباده كالحواس والعقول وغيرها ، فما مثل المسرف في حب النساء حتى

١١٢

يعطى امرأته حق غيرها ، أو يهمل لأجلها تربية ولده إلا مثل من يستعمل عقله فى استنباط الحيل ليبتز حقوق الناس ويؤذيهم ، فسلوك الناس في الانتفاع بالنعم لا يدل على أنها هى في ذاتها شر ولا كون حبها شرا مع القصد والاعتدال والوقوف عند حدود الشريعة.

ثم أجاب عن هذا الاستفهام على طريق قولك هل أدلك على تاجر عظيم في السوق يصدق في المعاملة ، ويرخص السعر ويفى بالوعد؟ هو فلان فقال :

( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ ) أي للذين أخبتوا إلى ربهم وأنابوا إليه نوعان من الجزاء.

أحدهما جسمانى وهو الجنات وما فيها من النعيم والخيرات ، والأزواج المبرأة من العيوب التي في نساء الدنيا خلقا وخلقا.

وثانيهما روحاني عقلى وهو رضوان الله الذي لا يشوبه سخط ولا يعقبه غضب ، وهو أعظم اللذات كلها في الآخرة عند المتقين.

وفي الآية إيماء إلى أن أهل الجنة مراتب وطبقات كما نرى ذلك في الدنيا.

فمنهم من لا يفقه لرضوان الله معنى ولا يكون ذلك باعثا له على فعل الخير وترك الشر ، وإنما يفقه اللذات الحسية التي جرّ بها في الدنيا ، ففى مثلها يرغب.

ومنهم من ارتقى إدراكه ، وعظم قربه من ربه ، فيتمنى رضاه ويجعله الغاية القصوى والسعادة التي ليس وراءها سعادة.

وجاء في معنى هذه الآية قوله تعالى : «وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » وقوله : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ (الزراع)نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ».

١١٣

( وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ) أي إنه تعالى هو البصير بعباده ، الخبير بقرارة نفوسهم ودخائل أحوالهم ، العليم بسرهم ونجواهم ، فلا تخفى عليه خافية من أمرهم ، وهو المجازى كل نفس بما كسبت من خير أو شر.

وقد ختم سبحانه هذه الآية بتلك الجملة ليحاسب الإنسان نفسه على التقوى ، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعدّ متقيا ، وإنما المتقى من يعلم منه ربه التقوى.

ثم وصف المتقين الذين تتأثر قلوبهم بثمرات إيمانهم ، فتفيض ألسنتهم بالاعتراف بهذا الإيمان حين الدعاء والابتهال فقال :

( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) أي إن الذين اتقوا معاصى الله وتضرعوا إليه خاشعين يقولون مبتهلين متبتلين : ربنا إننا آمنا بما أنزلته على رسلك إيمانا يقينيا راسخا في القلب مهيمنا على العقل له السلطان على أعمالنا البدنية التي لا تتحول عن طاعتك إلا لنسيان أو جهالة كغلبة انفعال يعرض ثم لا يلبث أن يزول ، ثم تقفو التوبة إثره لتمحوه كما أرشدت إلى ذلك بقولك : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ » وقولك «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » فاستر اللهم ذنوبنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها ، وادفع عنا عذاب النار إنك أنت الغفور الرّحيم.

وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة ، لأن من زحزح يومئذ عن النار فقد فاز بالنجاة وحسن المآب.

والخلاصة ـ إن مرادهم بالإيمان الذي أقروا به ـ هو الإيمان الصحيح الذي تصدر عنه آثاره من ترك المعاصي وفعل الصالحات ، إذ الإيمان اعتقاد وقول وعمل كما أجمع على ذلك السلف ، ويرشد إليه العقل والعلم بطبيعة البشر.

١١٤

ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به من غيرهم ، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال :

( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) أي إن المتقين جمعوا هذه الصفات التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة وبها نالوا هذا الوعد وهى :

(١) الصبر وأكمل أنواعه : الصبر على أداء الطاعات وترك المحرمات ، فإذا هبت أعاصير الشهوات وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي فلا سبيل لردعها إلا بالصبر ، فهو الذي يثبّت الإيمان ويقف بها عند الحدود المشروعة ، وهو الحافظ لشرف الإنسان فى الدنيا عند المكاره ، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدى المطامع.

وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.

(٢) الصدق وهو منتهى الكمال ، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى : «وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ ».

(٣) القنوت وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبّ العبادة وروحها ، وبدونه تكون العبادة بلا روح وشجرة بلا ثمرة.

(٤) الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين ، سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة ، فالإنفاق في أعمال البر جميعا مما حث عليه الشارع وندب إليه.

(٥) الاستغفار بالأسحار : أي التهجد في آخر الليل وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم ويشقّ القيام ، وتكون النفس فيه أصفى ، والقلب أفرغ من الشواغل.

والاستغفار المطلوب ما يقرن بالتوبة النصوح ، والعمل وفق حدود الدين ، ولا يكفى الاستغفار باللسان مع الإدمان على فعل المنكر ، فإن المستغفر من الذنب وهو مصرّ عليه كالمستهزئ بربه ، ولا يغتر بمثل هذا الاستغفار إلا جاهل بدينه ، أو غرّ في معاملته لربه ، ومن ثم أثر عن بعض الصوفية قوله : إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار.

١١٥

( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) )

تفسير المفردات

يقال شهد الشيء وشاهذه إذا حضره كما قال : «ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ » وقال «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ » والشهادة بالشيء الإخبار به عن علم إما بالمشاهدة الحسية ، وإما بالمشاهدة المعنوية وهى الحجة والبرهان ، وأولو العلم هم أهل البرهان القادرون على الإقناع ، وهم يوجدون في هذه الأمة وفي جميع الأمم السالفة ، بالقسط : أي بالعدل في الدين والشريعة وفي الكون والطبيعة. والدين له في اللغة عدة معان : منها الجزاء ، والطاعة والخضوع ، ومجموعة التكاليف التي بها يدين العباد لله ـ وما يكلف به العباد يسمى شرعا باعتبار وضعه وبيانه للناس ، ودينا باعتبار الخضوع وطاعة الشارع ، وملة باعتبار أنها أملّت وكتبت ـ والإسلام يأتي بمعنى الخضوع والاستسلام ، وبمعنى الأداء تقول أسلمت الشيء إلى فلان إذا أديته إليه ، وبمعنى الدخول في السلم أي الصلح والسلامة ، وتسمية الدين الحق إسلاما يناسب كل هذه المعاني وأولها أوفقها بالتسمية ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى : «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ

١١٦

أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً » وحاجوك : جادلوك ، وأسلمت : أي أخلصت ، والأميون مشركو العرب واحدهم أمي نسبوا إلى الأم لجهلهم كأنهم على الفطرة ، البلاغ : أي التبليغ للناس.

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه جزاء المتقين ، وشرح أوصافهم التي استحقوا بها هذا الجزاء ـ ذكر هنا أصول الإيمان وأسسه.

الإيضاح

( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ ) أي بيّن سبحانه وحدانيته بنصب الدلائل التكوينية في الآفاق والأنفس ، وإنزال الآيات التشريعية الناطقة بذلك ، والملائكة أخبروا الرسل بهذا وشهدوا شهادة مؤيدة بعلم ضرورى وهو عند الأنبياء أقوى من جميع اليقينيات ، وأولو العلم أخبروا بذلك وبيّنوه وشهدوا به شهادة مقرونة بالدلائل والحجج ، لأن العالم بالشيء لا تعوزه الحجة عليه.

وقوله بالقسط أي بالعدل في الاعتقاد ، فالتوحيد هو الوسط بين إنكار الإله والشرك به ، والعدل في العبادات والآداب والأعمال ، فعدل بين القوى الروحية والبدنية ، فأمر بشكره في الصلاة وغيرها لترقية الروح وتزكية النفس ، وأباح كثيرا من الطيبات لحفظ البدن وتربيته ، ونهى عن الغلوّ في الدين والإسراف في حب الدنيا وبالعدل في الأحكام في نحو قوله : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ » وقوله «وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ».

كما جعل سنن الخليقة قائمة على أساس العدل ، فمن نظر في هذه السنن ونظمها الدقيقة تجلى له عدل الله فيها على أتم ما يكون وأوضحه.

١١٧

فقيامه تعالى بالقسط في كل هذا برهان على صدق شهادته تعالى ، فإن وحدة النظام في هذا العالم تدل على وحدة واضعه.

ثم أكد كونه منفردا بالألوهية وقائما بالعدل بقوله :

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فإن العزة إشارة إلى كمال القدرة ، والحكمة إيماء إلى كمال العلم ، والقدرة لا تتم إلا بالتفرد والاستقلال ، والعدالة لا تكمل إلا بالاطلاع على المصالح والأحوال ، ومن كان كذلك فلا يغلبه أحد على ما قام به من سنن القسط ، ولا يخرج من الخليقة شىء عن حكمته البالغة.

ثم ذكر الدستور العام الذي عليه المعوّل في كل دين فقال :

( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) أي إن جميع الملل والشرائع التي جاء بها الأنبياء روحها الإسلام والانقياد والخضوع ، وإن اختلفت في بعض التكاليف وصور الأعمال ، وبه كان الأنبياء يوصون. فالمسلم الحقيقي من كان خالصا من شوائب الشرك ، مخلصا فى أعماله مع الإيمان من أىّ ملة كان ، وفي أي زمان وجد ، وهذا هو المراد بقوله عز اسمه «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ».

ذاك أن الله شرع الدين لأمرين :

(١) تصفية الأرواح وتخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبية للمخلوقات بها تستطيع التصرف في الكائنات لتسلم من الخضوع والعبودية لمن هم من أمثالها.

(٢) إصلاح القلوب بحسن العمل وإخلاص النية لله وللناس.

وأما العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الخلقي ليسهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الدينية.

أخرج ابن جرير عن قتادة قال : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله ، وهو دين الله تعالى الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودلّ عليه أولياءه لا يقبل غيره ، ولا يجزى إلا به.

١١٨

وخطب على كرم الله وجهه قال : الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل ، ثم قال : إن المؤمن أخذ دينه عن ربه ، ولم يأخذه عن رأيه ، إن المؤمن يعرف إيمانه في عمله ، والكافر يعرف كفره بإنكاره ، أيها الناس دينكم دينكم ، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره ، إن السيئة فيه تغفر ، وإن الحسنة في غيره لا تقبل.

( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) أي وما خرج أهل الكتاب من الإسلام الذي جاء به أنبياؤهم على نحو ما فصلناه آنفا ، وصاروا مذاهب وشيعا يقتتلون في الدين ـ والدين واحد لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحدود من الرؤساء ، ولو لا بغيهم ونصرهم مذهبا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأى والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه لما حدث هذا الاختلاف.

والتاريخ شهيد بأن الملوك والأحبار هم الذين جعلوا الدين المسيحي مذاهب ينقض بعضها بعضا ، وجعلوا أهله شيعا يفتك بعضهم ببعض. فآريوس وأتباعه الذين دعوا إلى التوحيد بعد فشوّ الشرك ، قد حكم عليهم المجمع الذي ألفه الملك قسطنطين سنة ٣٢٥ م بالإلحاد وإحراق كتبهم وتحريم اقتنائها ، ولما انتشرت تعاليمه فيما بعد حكم تيودوسيوس الثاني بإبادة الآريوسية بقانون رومانى صدر سنة ٦٢٨ م ، وبقيت مذاهب التثليث تتطاحن ويغالب بعضها بعضا.

والعبرة من هذا القصص أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب كما فعل من قبلنا ، ولكن وا أسفا وقعنا فيما وقع فيه السالفون ، وتفرقنا طرائق قددا ، وأصابنا من الخذلان والذل بسبب هذا التفرق ما لا نزال نئنّ منه ، ونرجو أن يشملنا الله بعفوه ورحمته ، ويمدنا بروح من عنده ؛ فيسعى أهل الإيمان الصادق في نبذ الاختلاف والشقاق ، والعودة إلى الوحدة والاتفاق ، حتى يعود

١١٩

المسلمون إلى سيرتهم الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، ومن تبعهم بإحسان.

( وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) أي ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين ووحدته وحرمة الاختلاف والتفرق فيه ، ويترك الإذعان لها ـ فالله يجازيه ويعاقبه على ما اجترح من السيئات ، والله سريع الحساب.

والمراد بآيات الله هنا هى آياته التكوينية في الأنفس والآفاق ، ويدخل في ترك الإذعان لها صرفها عن وجهها لتوافق مذاهب أهل الزيغ والإلحاد وآياته التشريعية التي أنزلها على رسله.

( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ) أي فإن جادلك أهل الكتاب أو غيرهم ـ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو اليهود في المدينة إلى ترك ما أحدثوه فى دينهم وتعودوه من التحريف والتأويل والرجوع إلى حقيقة الدين وإسلام الوجه لله والإخلاص له ـ بعد أن أقمت لهم البراهين والبينات ، وجئتهم بالحق ـ فقل لهم : أقبلت بعبادتي على ربى مخلصا له ، معرضا عما سواه ، أنا ومن اتبعنى من المؤمنين.

والخلاصة ـ إنه لا فائدة من الجدل مع مثل هؤلاء لأنه لا يكون إلا فيما فيه خفاء أما وقد قامت الأدلة ، وبطلت شبهات الضالين فهو مكابرة وعناد ، ولا يستحق منك إلا الإعراض وعدم إضاعة الوقت سدى.

( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ؟ ) أي وقل لليهود والنصارى ومشركى العرب ـ وخص هؤلاء بالذكر مع أن البعثة عامة ، لأنهم هم الذين خوطبوا أولا بالدعوة ـ أأسلمتم كما أسلمت بعد أن وضحت لكم الحجة ، وجاءكم من البينات ما يوجبه ويقتضيه ، أم تصرّون على كفركم وعدم ترككم للعناد؟

ومثل هذا مثل من يلخص مسألة لسائل ، ولا يدع طريقا من طرق البيان إلا سلكه ، ثم يقول له : أفهمتها؟

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218