تفسير المراغى الجزء ٣

تفسير المراغى36%

تفسير المراغى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 218

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 218 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79268 / تحميل: 4791
الحجم الحجم الحجم
تفسير المراغى

تفسير المراغى الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

[ ٥٨ ٤٥ ] ٩ - محمّد بن عليّ بن الحسين في( الخصال) بإسناده عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة - قال: تشمير الثياب طهور لها، قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) أي فشمّر.

[ ٥٨ ٤٦ ] ١٠ - الفضل بن الحسن الطبرسي في( مجمع البيان) عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في قوله تعالى( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) قال: معناه ثيابك فقصّر.

[ ٥٨ ٤٧ ] ١١ - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة وتشمير الثياب طهور لها، وقد قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٣) أي فشمّر.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٤) .

٢٣ - باب كراهة اسبال الثوب وتجاوزه الكعبين للرجل وعدم كراهته للمرأة، وتحريم الاختيال والتبختر

[ ٥٨ ٤٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) أنّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أوصى رجلاً من بني تميم فقال له: إيّاك وإسبال الإِزار والقميص، فإنّ ذلك من المخيلة، والله يحب المخيلة.

____________________

٩ - الخصال: ٦٢٢.

(١) المدثر ٧٤: ٤.

١٠ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٢) المدّثر ٧٤: ٤.

١١ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٣) المدّثر ٧٤: ٤.

(٤) يأتي في الحديث ٥ من الباب ٢٣ من هذه الأبواب.

الباب ٢٣

فيه ١٣ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٥، أورده عن المحاسن في الحديث ١٣ من الباب ٥٩ من أبواب جهاد النفس.

٤١

ورواه البرقي في( المحاسن) عن محمّد بن علي، عن الحسن بن محبوب، مثله (١) .

[ ٥٨ ٤٩ ] ٢ - وعن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن أبان، عن أبي حمزة رفعه قال: نظر أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إلى فتى مرخى(٢) إزاره فقال: يا فتى(٣) ارفع إزارك فانّه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك.

[ ٥٨ ٥٠ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال: نظر أبو عبد الله( عليه‌السلام ) إلى رجل قد لبس قميصاً يصيب الأرض فقال: ما هذا ثوب طاهر.

[ ٥٨ ٥١ ] ٤ - وعنهم، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في الرجل يجرّ ثوبه، قال: إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء.

[ ٥٨ ٥٢ ] ٥ - وعنهم، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب(٤) ، عن عبد الله بن هلال قال: أمرني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أن أشتري له إزاراً فقلت: إنّي لست أُصيب إلّا واسعاً، فقال: اقطع منه وكفّه، ثمّ

____________________

(١) المحاسن: ١٢٤ / ١٤٠.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٦.

(٢) أرخى ازاره: أسبله( لسان العرب ١٤: ٣١٥ ).

(٣) في المصدر: يا بنيّ.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١١.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٣.

(٤) في المصدر زيادة: عن عبد الله بن يعقوب.

٤٢

قال: إنّ أبي قال: ما جاوز الكعبين ففي النار.

وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، مثله(١) .

[ ٥٨ ٥٣ ] ٦ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه( عليهم‌السلام ) - في حديث المناهي - قال: ونهى رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أن يختال الرجل في مشيه، وقال: من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم، وكان قرين قارون لأنه أوّل من اختال فخسف الله به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

[ ٥٨ ٥٤ ] ٧ - وفي( معاني الأخبار ): عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن عبد العزيز بن يحيى الجوادي، عن محمّد بن زكريا، عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون وهذا المبتلى.

[ ٥٨ ٥٥ ] ٨ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن محمّد بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: ألا أُخبركم بالمجنون حقّ المجنون ؟ قالوا بلى يا

____________________

(١) الكافي ٦: ٣٥٦ / ذيل حديث ٣.

٦ - الفقيه ٤: ٧ في حديث المناهي.

٧ - معاني الأخبار: ٢٣٧.

٨ - الخصال: ٣٣٢ / ٣١.

٤٣

رسول الله، قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، يتمنّى على الله جنّته وهو يعصيه، الذي لا يؤمن شرّه، ولا يرجى خيره، فذلك المجنون.

[ ٥٨ ٥٦ ] ٩ - وعن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن معروف، عن أبي جميلة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث - قال: ستّة في هذه الأُمة من أخلاق قوم لوط ‎ : الجلاهق(١) وهو البندق(٢) ، والخذف، ومضغ العلك، وإرخاء الإِزار خيلاءاً، وحلّ الأزرار من القباء، والقميص.

[ ٥٨ ٥٧ ] ١٠ - وفي( عقاب الأعمال) بإسناد تقدّم في عيادة المريض عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أنّه قال في آخر خطبة خطبها: ومن لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به(٣) من شفير جهنم يتخلخل(٤) فيها ما دامت السماوات والأرض، وإنّ قارون لبس حلّة فاختال فيها فخسف به فهو يتخلخل(٥) إلى يوم القيامة.

[ ٥٨ ٥٨ ] ١١ - محمّد بن إ ‎ دريس في آخر( السرائر) نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن علي بن الحسن، عن يونس بن رباط، عن أبي

____________________

٩ - الخصال: ٣٣٠ / ٢٩، قطعة منه تأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ من أبواب أحكام العشرة، وقطعة منه تأتي في الحديث ١١ من الباب ١١، وفي الحديث ٦ من الباب ١٤ من أبواب الجماعة.

(١) الجلاهق: بضم الجيم: البندق المعمول من الطين، الواحدة جلاهقة( مجمع البحرين ٥: ١٤٣ ).

(٢) البندقة: وهي طينة مدورة مجففة جمعها بنادق( مجمع البحرين ٥: ١٤١ ).

١٠ - ثواب الأعمال: ٣٣٣.

(٣) في المصدر زيادة: قبره ‎

(٤ و ٥) وفيه: يتجلجل.

١١ - مستطرفات السرائر: ٨٥ / ٣٠، ويأتي بتمامه عن الكافي والتهذيب الحديث ٨ من الباب ٨٦ من أبواب أحكام الأولاد.

٤٤

عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : لا يجد ريح الجنّة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مرخى الإِزار خيلاءاً.

[ ٥٨ ٥٩ ] ١٢ - ومن رواية أبي القاسم ابن قولويه، عن الأصبغ قال: سمعت علياً( عليه‌السلام ) يقول: ستّة من أخلاق قوم لوط: الجلاهق وهو البندق، والخذف، ومضغ العلك، والصفير، وإرخاء الازار خيلاء، وحلّ الأزرار.

[ ٥٨ ٦٠ ] ١٣ - الحسن بن الفضل الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: والإسبال في الأزار والقميص والعمامة [ وقال ](١) من جرّ شيئاً(٢) خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه في أحاديث التجبّر(٤) ، إن شاء الله.

٢٤ - باب كراهة حمل شيء في الكمّ وعدم تحريمه

[ ٥٨ ٦١ ] ١ - محمّد بن علي بن الحسين في( العلل ): عن محمّد بن علي

____________________

١٢ - مستطرفات السرائر: ١٤٥ / ١٧، وللحديث صدر يأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ والحديث ٨ من الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة.

١٣ - مكارم الأخلاق: ١٠٩.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) وفيه: ثوبه.

(٣) تقدم ما يدل على ذلك في الباب ٢١، ٢٢ من هذه الأبواب.

(٤) يأتي ما على ذلك في الحديث ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب، وفي الباب ٥٨ ‎ ، ٥٩ من أبواب جهاد النفس، وفي الباب ٢٥ من أبواب آداب التجارة، وفي الحديث ٢ من الباب ٨٠ من أبواب مقدمات النكاح.

الباب ٢٤

فيه حديث واحد

١ - علل الشرائع: ٥٨٢ / ٢٠ أخرجه عن العلل والكافي والتهذيب في الحديث ٢ من الباب ٥٢ من أبواب آداب التجارة.

٤٥

ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمد( عليه‌السلام ) قال: جئت إلى أبي( عليه‌السلام ) بكتاب أعطانيه إنسان فأخرجته من كمّي فقال لي: يا بنيّ، لا تحمل في كمّك شيئاً فإنّ الكمّ مضياع.

٢٥ - باب استحباب قطع الرجل ما زاد من الكمّ عن أطراف الأصابع وما جاوز الكعبين من الثوب

[ ٥٨ ٦٢ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إذا لبس القميص مدّ يده، فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه.

[ ٥٨ ٦٣ ] ٢ - محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في( الإرشاد) عن سعيد بن كلثوم، عن الصادق جعفر بن محمّد( عليهما‌السلام ) قال: والله ما أكل علي بن أبي طالب( عليه‌السلام ) من الدنيا حراماً قطّ حتّى مضى لسبيله - إلى أن قال - وإن كان يقوت أهله بالزيت والخلّ والعجوة، وما كان لباسه إلّا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعى بالجلم(١) فقصه، الحديث.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) .

____________________

الباب ٢٥

فيه حديثان

١ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٧.

٢ - الارشاد: ٢٥٥.

(١) الجَلَم: الذي يُجزّ به الشعر والصوف كالمقص( مجمع البحرين ٦: ٣٠ ).

(٢) تقدم في الحديث ١٢ من الباب ٢٠ من أبواب المقدّمة، وفي الحديث ٤ من الباب ٢١ من هذه الأبواب.

٤٦

٢٦ - باب ما يستحبّ أن يعمل عند لبس الثوب الجديد من الصلاة والقراءة

[ ٥٨ ٦٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا كسا الله المؤمن ثوباً جديداً فليتوضّأ وليصلّ ركعتين، يقرأ فيهما:( أُمّ الْكِتَابِ ) و( آية الكرسي) و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (١) ، ثمّ ليحمد الله الذي ستر عورته وزيّنه في الناس وليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلّا بالله، فإنّه لا يعصي الله فيه، وله بكلّ سلك فيه ملك يقدّس له ويستغفر له ويترحّم عليه.

ورواه الصدوق في( الخصال) (٢) بإسناده الآتي(٣) عن عليّ( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة -.

[ ٥٨ ٦٥ ] ٢ - وعن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن غير واحد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ثنتين وثلاثين مرّة في إناء جديد ورشّ(٤) ثوبه الجديد ‎ إذا لبسه لم يزل يأكل في سعةٍ ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٦ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( المجالس ): عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير،

____________________

الباب ٢٦

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٥.

(١) ليس في المصدر.

(٢) الخصال: ٦٢٤.

(٣) يأتي في الفائدة الأولى من الخاتمة برمز( ر ).

٢ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٤.

(٤) في المصدر زيادة: به.

٣ - أمالي الصدوق: ٢٢٠ / ١٠.

٤٧

عن عبد الرحمن السراج يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قطع ثوباً جديداً وقرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ستّاً وثلاثين مرّة فإذا بلغ( تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ ) أخرج شيئاً من الماء ورشّ بعضه(١) على الثوب رشّاً خفيفاً ثمّ صلّى فيه(٢) ركعتين ودعا ربه وقال في دعائه: الحمد لله الذي رزقني ما أتجمّل به في الناس وأُواري به عورتي، وأُصلّي فيه لربّي، وحمد الله، لم يزل يأكل في سعةٍ حتى يبلى ذلك الثوب.

وفي( ثواب الأعمال ): عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عمر السرّاد، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله(٣) .

[ ٥٨ ٦٧ ] ٤ - وفي( عيون الأخبار) عن أبيه وعلي بن عبد الله الورّاق جميعاً، عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن الحسن الخيّاط، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر، عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن العسكري، عن أبيه، عن جدّه الرضا، عن أبيه موسى( عليهم‌السلام ) أنّه كان يلبس ثيابه ممّا يلي يمينه، فإذا لبس ثوباً جديداً دعا بقدح من ماء فقرأ فيه( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) عشر مرّات، و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرّات، و ‎( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) عشر مرّات، ثمّ نضحه على ذلك الثوب، ثمّ قال: من فعل هذا بثوبه قبل أن يلبسه لم يزل في رغد من العيش ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٨ ] ٥ - الحسن بن محمّد الطوسي في( الأمالي) عن أبيه، عن هلال بن محمّد الحفّار، عن إسماعيل بن عليّ الدعبلي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه اشترى قميصاً بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين، ثمّ أتى المسجد فصلّى فيه

____________________

(١ و ٢)( بعضه) و( فيه) ليسا في ثواب الأعمال ‎( هامش المخطوط ).

(٣) ثواب الأعمال: ٤٤ / ١.

٤ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ١: ٣١٥ / ٩١.

٥ - أمالي الطوسي ١: ٣٧٥.

٤٨

ركعتين ثمّ قال: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس وأؤدّي فيه فريضتي وأستر فيه عورتي،( ثم قال) (١) : سمعت رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يقول ذلك عند الكسوة.

ورواه علي بن عيسى في( كشف الغمّة) مرسلاً، إلّا أنّه قال: فساوم شيخاً فقال: يا شيخ، بعني قميصاً بثلاثة دراهم (٢) .

٢٧ - باب استحباب التحميد والدعاء بالمأثور عند لبس الجديد

[ ٥٨ ٦٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس الثوب الجديد ؟ قال: يقول: اللّهم اجعله ثوب يمن وتقى وبركة، اللّهم ارزقني فيه حسن عبادتك، وعملاً بطاعتك، وأداء شكر نعمتك، الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس.

[ ٥٨ ٧٠ ] ٢ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال ‎ : قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : علّمني رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إذا لبست ثوباً جديداً أن أقول: الحمد لله الذي كساني من اللباس(٣) ما أتجمّل به في الناس، اللّهم اجعلها ثياب بركة أسعى فيها

____________________

(١) في المصدر بدل ما بين القوسين هكذا: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا أو شيء سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، قال: بل شيء سمعته من رسول الله

(٢) كشف الغمّة ١: ١٦٤، وتقدم ما يدل على استحباب التسمية عند كل فعل في الحديث ١٢ و ١٣ من الباب ٢٦ من أبواب الوضوء.

الباب ٢٧

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ٢.

(٣) في الأمالي: الرياش( هامش المخطوط ).

٤٩

لمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، وقال: يا عليّ، من قال ذلك لم يتقمّصه حتى يغفر له.

ورواه الصدوق في( المجالس ): عن الحسين بن إبراهيم بن تاتانه، عن علي بن إبراهيم، مثله(١) .

[ ٥٨ ٧١ ] ٣ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن علي الهمداني، عن الحسين بن أبي عثمان، عن خالد الجوّان قال: سمعت أبا الحسن موسى( عليه‌السلام ) يقول: قد ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه ويقول: الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس، وأتزيّن به بينهم.

[ ٥٨ ٧٢ ] ٤ - وعن محمّد يحيى، عن علي بن الحسين النيسابوري، عن عبد الله بن محمّد، عن علي بن الريّان، عن يونس، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه قال: يا عمر، إذا لبست ثوباً جديداً فقل: لا إله إلا الله محمّد رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) تبرأ من الآفة، وإذا أحببت شيئاً فلا تكثر ذكره فإنّ ذلك مما يهدك، وإذا كانت لك إلى رجل حاجة فلا تشتمه من خلفه فإن الله يوقع ذلك في قلبه.

[ ٥٨ ٧٣ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن زريق، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته يقول: إذا لبست ثوباً فقل: اللّهمّ ألبسني لباس الايمان، وزيّني بالتقوى، اللّهم اجعل جديده أُبليه في طاعتك وطاعة رسولك، وأبدلني بخلقه حلل الجنّة، ولا تجعلني أبليه في معصيتك، ولا تبدلني بخلقه مقطعات النيران.

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢١٩ / ٨.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٣.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٦.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ٣١١ باختلاف.

٥٠

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٢٨ - باب كراهة ابتذال ثوب الصون، وإراقة فضل الإناء، وطرح النوى يميناً وشمالاً، وقطع الدراهم والدنانير

[ ٥٨ ٧٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي، عن علي بن عقبة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أدنى الإِسراف هراقة فضل الإِناء، وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوى.

[ ٥٨ ٧٥ ] ٢ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : ما أدنى ما يجيء من الاسراف ‎ ؟ قال: ابتذالك ثوب صونك، وإهراق فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك بالنوى ها هنا وها هنا.

[ ٥٨ ٧٦ ] ٣ - وقد تقدّم في حديث إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في المؤمن يكون له ثلاثون قميصاً قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنّما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك.

[ ٥٨ ٧٧ ] ٤ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله( عليه‌السلام ) عن أدنى الإسراف، قال: ثوب صونك تبتذله، وفضل الإناء تهريقه، وقذفك بالنوى هكذا وهكذا.

____________________

(١) تقدم في الأحاديث ١ و ٣ و ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب.

الباب ٢٨

فيه ٧ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

٣ - تقدم في الحديث ٣ من الباب ٩ من هذه الأبواب.

٤ - الفقيه ٣: ١٠٣ / ٤١٣.

٥١

[ ٥٨ ٧٨ ] ٥ - وبإسناده عن أبي هشام البصري، عن الرضا( عليه‌السلام ) قال: من الفساد قطع الدراهم والدينار(١) وطرح النوى.

[ ٥٨ ٧٩ ] ٦ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن علي بن السنديّ، عن محمّد بن عمر (٢) بن سعيد، عن موسى بن أكيل قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول: لا يكون الرجل فقيهاً حتّى لا يبالي أيّ ثوبيه ابتذل وبما سدّ فورة الجوع.

أقول: هذا محمول على الجواز ونفي التحريم، أو على كون الثوبين متساويين، أو ليسا من ثياب الصون.

[ ٥٨ ٨٠ ] ٧ - وعن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن ‎ أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: السرف في ثلاثة ابتذالك ثوب صونك، وإلقائك النوى يميناً وشمالاً، وإهراقك فضلة الماء.

وقال: ليس في الطعام سرف.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٣) .

٢٩ - باب استحباب لبس الثوب الغليظ والخلق في البيت لا بين الناس، ورقع الثوب، وخصف النعل

[ ٥٨ ٨١ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن

____________________

٥ - الفقيه ٣: ١٠٢ / ٤١٢.

(١) في نسخة: الدنانير.

٦ - الخصال: ٤٠ / ٢٧.

(٢) في المصدر: عمرو.

٧ - الخصال: ٩٣ / ٣٧.

(٣) يأتي في الباب ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ من أبواب النفقات ما يدل على حكم الاسراف وحدوده، عموماً.

الباب ٢٩

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٤، يأتي بتمامه في الحديث ٤ من الباب ٩٩ مما تكتسب به.

٥٢

معمر بن خلّاد، عن أبي الحسن الرضا( عليه‌السلام ) قال: خرجت وأنا أريد داود بن عيسى، وعليّ ثوبان غليظان، الحديث.

أقول: هذا محمول على الجواز لما مضى(١) ويأتي(٢) .

[ ٥٨ ٨٢ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الفضل بن كثير المدائني، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصاً ‎ً فيه قُبّ(٣) قد رقعه فجعل ينظر إليه فقال له أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : ما لك تنظر ؟ فقال: قُبّ يلفى في قميصك، قال: فقال لي: اضرب يديك إلى هذا الكتاب فاقرأ ما فيه، وكان بين يديه كتاب أو قريب منه فنظر الرجل فيه فإذا فيه: لا إيمان لمن لا حياء له، ولا مال لمن لا تقدير له، ولا جديد لمن لا خلق له ‎

[ ٥٨ ٨٣ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( عيون الأخبار ): عن الحسين بن أحمد البيهقي، عن محمّد بن يحيى الصولي، عن عون بن محمّد، عن ابن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا( عليه‌السلام ) في الصيف على حصير، وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب، حتّى إذا برز للناس تزيّن لهم.

[ ٥٨ ٨٤ ] ٤ - وفي( ثواب الأعمال) عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من رقع جيبه، وخصف نعله، وحمل سلعته، فقد برئ من الكبر.

____________________

(١) مضى في الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.

(٢) يأتي في الحديث ٥ من هذا الباب.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٣.

(٣) ورد في هامش المخطوط ما نصه: القب: ما يدخل في جيب القميص من الرقاع( القاموس المحيط ١: ١١٧ ).

٣ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ٢: ١٧٨ الباب ٤٤.

٤ - ثواب الأعمال: ٢١٣ أورده في الحديث ٥ من الباب ٥ من هذه الأبواب.

٥٣

ورواه الكليني(١) ، عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة(٢) ، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله.

وفي( الخصال ‎ ) عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، نحوه(٣) .

[ ٥٨ ٨٥ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن أبي ذرّ، عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في وصيّته له: يا أبا ذر، من رقع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر، يا أبا ذر، من كان له قميصان فليلبس أحدهما ويلبس الآخر أخاه، يا أبا ذر، من ترك الجمال وهو يقدر عليه تواضعاً ‎ُ لله كساه الله حلّة الكرامة، يا أبا ذر، البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلاّ يجد الفخر فيك مسلكه.

[ ٥٨ ٨٦ ] ٦ - الحسن بن محمّد الديلمي في( الإرشاد) قال: كان النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل من العبد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار، ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجة من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من غنيّ وفقير وكبير وصغير، ولا يحقّر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشّ من

____________________

(١) الكافي ٨: ٢٣١ / ٣٠٢.

(٢) في المصدر زيادة: إسحاق بن عمّار.

(٣) الخصال: ١٠٩ / ٧٨.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ١٥٢.

٦ - إرشاد القلوب: ١١٥.

٥٤

شبع قطّ، ولم يمدّ يده إلى طمع قطّ.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٣٠ - باب استحباب التعمّم وكيفيّته

[ ٥٨ ٨٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي همام، عن أبي الحسن( عليه‌السلام ) قال في قول الله عزّ وجلّ( مُسَوِّمِينَ ) (٢) قال: العمائم اعتمّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه، واعتم جبرئيل( عليه‌السلام ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه.

[ ٥٨ ٨٨ ] ٢ - وعنه، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

[ ٥٨ ٨٩ ] ٣ - وعن عدّة من أصحبانا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن(٣) بن علي العقيلي، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً( عليه‌السلام ) بيده

____________________

(١) تقدم في الباب ٥٤ من أبواب لباس المصلي، ويأتي ما يدل علىٰ الأخير في الحديث ٢ من الباب ٣٥ من أبواب أحكام العشرة.

الباب ٣٠

فيه ١٢ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

(٢) آل عمران ٣: ١٢٥.

٢ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٤.

(٣) في المصدر: الحسين.

٥٥

فسدلها من بين يديه، وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثمّ قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة.

[ ٥٨ ٩٠ ] ٤ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب.

[ ٥٨ ٩١ ] ٥ - وعنه، عن ياسر الخادم قال: لمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا( عليه‌السلام ) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب، فبعث إليه الرضا( عليه‌السلام ) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فلم يزل يراده الكلام في ذلك وألحّ عليه - الى أن قال - فقال: يا أمير المؤمنين، إن عفيتني من ذلك فهو أحب إليّ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وأمير المؤمنين( عليه‌السلام ) ، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت، وأمر المأمون القوّاد والناس أن يركبوا(١) إلى باب أبي الحسن( عليه‌السلام ) - إلى أن قال - فلمّا طلعت الشمس قام( عليه‌السلام ) فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، وتشمّر ثمّ قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازاً، ثم خرج ونحن بين يديه وهو حافي(٢) قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمّرة، الحديث.

وراوه المفيد في( الإرشاد ): عن علي بن إبراهيم، عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعاً، عن الرضا( عليه‌السلام ) ، نحوه(٣) .

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٥ ‎

٥ - الكافي ١: ٤٠٨ / ٧ وأورده بتمامه في الحديث ١ من الباب ١٩ من ‎ أبواب صلاة العيدين.

(١) في المصدر: يبكروا.

(٢) كذا في الاصل بالياء، وهو مخالف للقواعد العربية، لكن رأينا سابقاً ان المصنف كتب كلمة( مرائي) بالياء أيضاً، فلاحظ.

(٣) ارشاد المفيد: ٣١٢.

٥٦

[ ٥٨ ٩٢ ] ٦ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب، إذا وضعوا العمائم وضع الله عزّهم.

[ ٥٨ ٩٣ ] ٧ - قال: وقال( عليه‌السلام ) : اعتمّوا تزدادوا حلماً.

[ ٥٨ ٩٤ ] ٨ - وعن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: ركعتان مع العمامة خير من أربع ركعات بغير عمامة.

[ ٥٨ ٩٥ ] ٩ - وعن عبد الله بن سليمان، عن أبيه أن علي بن الحسين( عليه‌السلام ) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه.

[ ٥٨ ٩٦ ] ١٠ - وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته وهو يقول: دخل رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح.

[ ٥٨ ٩٧ ] ١١ - علي بن موسى بن طاوس في( أمان الأخطار) نقلاً من كتاب الولاية، تأليف أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة - في حديث نصّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) على علي( عليه‌السلام ) يوم الغدير - بإسناده في ترجمة عبد الله بن بشر صاحب رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: بعث رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم غدير خمّ إلى علي( عليه‌السلام ) فعمّمه وأسدل العمامة بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي يوم حنين بالملائكة معمّمين وقد أسدلوا العمائم، وذلك حجز بين المسلمين وبين المشركين، الحديث.

____________________

٦ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٧ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٨ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

٩ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

١٠ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

١١ - الأمان من الأخطار: ١٠٣، يأتي، ذيله في الحديث ٦ من الباب ٤٣ من أبواب آداب السفر.

٥٧

[ ٥٨ ٩٨ ] ١٢ - قال: وفي حديث آخر - بإسناده - عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً يوم غدير خمّ عمامة سدلها بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي بالملائكة ثم أخذ بيده فقال: يا أيها الناس، من كنت مولاه فهذا مولاه، والى الله من والاه، وعادى الله من عاداه(١) .

٣١ - باب ما يستحبّ من القلانس وما يكره منها

[ ٥٨ ٩٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) أنّه كره لباس البرطلة.

[ ٥٩ ٠٠ ] ٢ - وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، وكان يلبس في الحرب قلنسوة لها أُذنان.

[ ٥٩ ٠١ ] ٣ - وعنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس من القلانس اليمنيّة(٢) والبيضاء والمضربة وذات الأُذنين في الحرب وكانت عمامته السحاب، وكان له برنس يتبرنس به.

____________________

١٢ - الامان من الاخطار: ٩١، تقدم ما يدل على ذلك في الباب ١٩ من أبواب آداب الحمام وعلى استحباب التحنك في الباب ٢٦ من أبواب لباس المصلي.

(١) في الاصل تعليقة طويلة ثم حذفها وبقي منها ما لم يشطب عليه وهو: ذكر ابن طاوس في أمان الأخطار ان التحنك هو ما ذكر في الحديثين المنقولين من كتاب الولاية( منه قده ).

الباب ٣١

فيه ١١ حديثاً،( علماً أنه قد ذكر في الفهرست ١٢ حديثاً )

١ - الكافي ٦: ٤٧٩ / ٥، وأورده في الحديث ١ من الباب ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ١.

(٢) في هامش الاصل عن نسخة:( اليمنة ).

٥٨

[ ٥٩ ٠٢ ] ٤ - وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا ظهرت القلانس المتركة ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٣ ] ٥ - وعن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلانس بيضاء ولا تكسرها فإن السيّد مثلي لا يلبس المكسّر.

[ ٥٩ ٠٤ ] ٦ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يحيى بن ‎ إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اتّخذ لي قلنسوة ولا تجعلها مصبعة(١) ، فإنّ السيد مثلي لا يلبسها - يعني لا تكسرها -.

[ ٥٩ ٠٥ ] ٧ - عبد الله بن جعفر في( قرب الإسناد ): عن هارون بن مسلم ‎ ، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: إذا ظهرت القلانس المتركة(٢) ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٦ ] ٨ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق ): عن محمّد بن علي قال: رأيت على علي بن الحسين(٣) ( عليه‌السلام ) قلنسوة خزّ مبطنة بسمور.

[ ٥٩ ٠٧ ] ٩ - قال: وسئل الرضا( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس البرطلة فقال: قد كان لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) مظلة يستظلّ بها من الشمس.

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٦ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٤.

(١) في نسخة: مصبغة( هامش المخطوط) والمصدر.

٧ - قرب الإِسناد: ٤١.

(٢) في المصدر: المشتركة.

٨ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

(٣) في نسخةٍ: أبي الحسن( هامش المخطوط ).

٩ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

٥٩

[ ٥٩ ٠٨ ] ١٠ - وعن يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة فقال: لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زي اليهود.

[ ٥٩ ٠٩ ] ١١ - وعن الحسن بن المختار قال: قال لي أبو الحسن الأول( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلنسوة ولا تكن مصبعة(١) فإنّ السيد مثلي لا يلبس المصبع(٢) ، والمصبع ) : المكسّر بالظفر.

٣٢ - باب استحباب اتّخاذ النعلين واستجادتهما

[ ٥٩ ١٠ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أوّل من اتخذ النعلين إبراهيم( عليه‌السلام ) .

[ ٥٩ ١١ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : استجادة

____________________

١٠ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

١١ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

(١) في المصدر: مصنعة.

( ٢ و ٣) المصنع، وتقدم ما يدل على ذلك في الحديث ٦ و ١٢ من الباب ١٠ والباب ٢٠ و ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

الباب ٣٢

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وفي ذلك تعيير لهم بالبلادة وجمود القريحة وتوبيخ لهم على العناد وقلة الإنصاف( فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ) أي فإن أسلموا هذا الإسلام الذي هو روح الدين ، فقد فازوا بالحظ الأوفر ونجوا من مهاوى الضلال ، فإن إسلامهم على هذا الوجه يستتبع اتباعك فيما جئت به ، لأن من هذه حاله فهو مستنير القلب متجه إلى طلب الحق ، فهو أقرب الناس إلى قبوله متى لاح له وظهر.

( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ) أي وإن أعرضوا عن الاعتراف بما سألتهم عنه فلن يضيرك ذلك شيئا إذ ما عليك إلا البلاغ ، وقد أديته على أتم وجه وأكمله.

( وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ) فهو أعلم بمن طمس على قلبه وجعل على بصره غشاوة ، فوقع اليأس من اهتدائه ، وبمن يرجى له الهداية والتوفيق بعد البلاغ.

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) )

تفسير المفردات

المراد بالذين يكفرون هم اليهود خاصة ، وقوله بغير حق أي بغير شبهة لديهم ، وحبط العمل بطل ، والبشارة والبشرى الخبر السار تنبسط له بشرة الوجه ، واستعمالها فى الشر جاء على طريق التهكم والسخرية.

المعنى الجملي

بعد أن بين في الآيات السابقة حقيقة الدين الذي يقبله الله ، وأنه الإسلام لوجهه تعالى ، وذكر أن اختلاف أهل الكتاب فيه إنما نشأ من البغي بعد أن جاءهم

١٢١

العلم ، ثم ذكر محاجة أهل الكتاب جميعا ومشركى العرب للنبى صلى الله عليه وسلم ، ثم أردفه ببيان أن إعراضهم عن الحق لا يضيره شيئا ، فما عليه إلا البلاغ.

انتقل هنا إلى الكلام عن اليهود خاصة ، وعيّر الحاضرين منهم بما فعله السالفون من آبائهم ، لأن الأمة في تكافلها ، وجرى لا حقها على أثر سابقها كأنها شخص واحد على ما سلف مثله في سورة البقرة.

وقد يكون هذا كلاما مع اليهود الذين في عصر التنزيل ، فإنهم همّوا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم زمن نزول الآية ، إذ السورة مدنية كما همّ بذلك قومه الأميون بمكة من قبل ، وكان كل من الفريقين حربا له ، وعلى هذا فالآية فيمن سبق ذكرهم من أهل الكتاب والأميين ، فكل منهما قاتله وقاتل الذين يأمرون بالقسط من المؤمنين

الإيضاح

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) أي إن الذين كفروا بآيات الله من اليهود كما تشهد بذلك كتبهم قبل القرآن ، وكان دأبهم قتل الأنبياء كزكريا ويحيى عليهما السلام بغير شبهة لديهم.

وفي ذكر هذا الوصف ما يزيد بشاعته وانقطاع العذر الذي ربما لجئوا إليه ، ويقرر أن العبرة في مدح الشيء وذمه تدور مع الحق وجودا وعدما ، لا مع الأشخاص والأصناف.

أخرج ابن جرير عن أبي عبيدة بن الجراح قال : «قلت يا رسول الله : أىّ الناس أشد عذابا يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبيا أو رجل أمر بمنكر ونهى عن معروف ، ثم قرأ الآية ، ثم قال : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا أول النهار فى ساعة واحدة ، فقام مائة رجل وسبعون رجلا من عباد بنى إسرائيل فأمروا من قتلوهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم».

١٢٢

( وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ) أي ويقتلون الحكماء الذين يرشدون الناس إلى العدل في كل شىء ويجعلونه روح الفضائل وقوامها.

ومرتبة هؤلاء في الإرشاد تلى مرتبة الأنبياء ، وأثرهم في ذلك يلى أثرهم ، لأن جميع الناس ينتفعون بهدي الأنبياء بقدر استعدادهم ، والحكماء ينتفع بهم الخاصة المستعدون لفهم العلوم العالية ، والنظريات العويصة.

انظر إلى الفارق بين دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقد جبّت وثنية العرب في الزمن القليل ، ودعوة فلاسفة اليونان إلى التوحيد وقد عجزت عن مثل ذلك أو ما يقار به ، إذ لم يستجب لهم فيها في الزمن الطويل إلا القليل من طلاب الفلسفة.

وسر هذا أن دعوة النبي يؤيدها الله بروح من عنده ، وتتعدد مظاهرها باعتبار المخاطبين فقد جاء في الحديث «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» وأشارت إلى ذلك الآية الكريمة : «ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ » فالحكمة يدعى بها العقلاء وأرباب الفكر والنظر ، والموعظة يدعى بها العامة وذوو الأحلام الضعيفة ، والجدل بالتي هى أحسن لمن هم فى المرتبة الوسطى ، لم يرتقوا إلى ذروة الحكماء ، ولم ينزلوا إلى الدرجة السفلى ، فلا ينقادون إلى الموعظة كسابقيهم ، فلا بد لهم من الحسنى في الجدل ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم.

والحكماء ليس لديهم إلا طريق واحد في الدعوة إلى الحق والفضيلة ، والمحور الذي تدور عليه هو حب العدل والإنصاف في الأفكار والأخلاق والآداب ، سواء أكان الحكيم الذي يدعو ينتسب إلى دين أم لا ، إذ هو إنما يبنى دعوته على الإقناع من طريق العقل بحسب ما وصل إليه علمه ، مع الإخلاص والصدق.

فالإقدام على قتل مثل هؤلاء جناية على العقل ، ومقت للعدل وكفى بذلك جرما وأعظم به خسرا.

١٢٣

( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) أي أنبئ هؤلاء بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، ومن أحقّ بهذا العذاب من أولئك الطغاة الذين أسرفوا في الشر وقتلوا النبيين أو كانت نفوسهم كنفوس من قتلوا ولم يمنعهم عن القتل إلا العجز؟ كما قال تعالى : «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ـ يحبسوك ـأَوْ يَقْتُلُوكَ ».

( أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) أي إن هؤلاء الذين فعلوا تلك القبائح يبطل الله أعمالهم في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فلأنهم لم ينالوا بها حمدا ولا ثناء من الناس ، إذ هم كانوا على ضلال وباطل ، ولعنهم الله وهتك أستارهم وأبدى ما كانوا يخفون من قبائح أعمالهم على ألسن أنبيائه ورسله ، وذلك هو حبوطها في الدنيا ، وأما في الآخرة فلا ثواب لها ، بل قد أعد لهم العذاب الأليم ، والخلود في الجحيم.

( وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) ينصرونهم من بأس الله وعذابه ، وقد نفى الله عنهم الناصر الذي يدفع العذاب عنهم ، لأنهم لما قتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط وهم ناصرو الحق ، ولم يوجد فيهم ناصر يحول بينهم وبين قتلهم ـ جوزوا بعذاب لا ناصر لهم منه ولا معين.

وقد جعل الله وعيدهم ثلاثة أصناف :

(١) اجتماع أسباب الآلام والمكاره وهو العذاب الأليم.

(٢) زوال أسباب المنافع بحبوط الأعمال في الدنيا والآخرة ؛ ففى الدنيا بإبدال لمدح بالذم والثناء باللعن ، وفي الآخرة بما أشار إليه بقوله : «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ».

(٣) دوام هذا العذاب وهو ما أشار إليه بقوله( وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) .

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ

١٢٤

قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥))

تفسير المفردات

ألم تر : استفهام لتعجيب النبي صلى الله عليه وسلم من حالهم ، والذين أوتوا نصيبا من الكتاب هم اليهود ، والنصيب : الحظ ، والكتاب : التوراة ، ليحكم بينهم : أي ليفصل بين اليهود والداعي لهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، والتولي : الإعراض بالبدن ، والإعراض يكون بالقلب ، والافتراء : الكذب ، واليوم : هو يوم الحساب والجزاء ، ما كسبت : أي ما عملت من خير أو شر.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر مقابح أعمال اليهود من توليهم عند الدعوة ، وقتلهم الأنبياء والآمرين بالقسط ، ليبين لرسوله أن إعراضهم عن دعوته ليس ببدع ولا غريب فيهم ، فذلك ديدنهم ودأبهم مع الأنبياء السالفين ، فلا تذهب نفسه

عليهم حسرات ، ولا يحزنه إعراضهم ـ انتقل إلى خطاب رسوله ذاكرا أعجب شأن من شئونهم في الدين لذلك العهد وهو أنهم لا يقبلون التحاكم إلى كتابهم ، وإذا دعوا إلى ذلك أعرضوا ، ثم أردفه ذكر سبب هذا وهو أنهم اغتروا باتصال نسبهم بالأنبياء ، وظنوا أن ذلك كاف في نجاتهم فأصبحوا لا يبالون بارتكابهم للمعاصى ولا باجتراح الآثام ، ثم رد عليهم بأن الجزاء على الأعمال لا على مقدار الأنساب رفعة وضعة.

أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدارس ـ مدرسة اليهود لدراسة التوراة ـ على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ،

١٢٥

فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أىّ دين أنت يا محمد؟ قال على ملة إبراهيم ودينه ، قالا فإن إبراهيم كان يهوديا ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلمّوا إلى التوراة فهى بيننا وبينكم ، فأنزل الله الآية.

الإيضاح

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) أي ألم تر إلى هؤلاء الذين تستحق أن تعجب لهم من اليهود ـ كيف يعرضون عن العمل بالكتاب الذي يؤمنون به إذا لم يوافق أهواءهم؟ (وهذا دأب أرباب الديانات في طور انحلالها واضمحلالها).

وقد كانوا يتحاكمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم ماضوا العزيمة على قبول حكمه حتى إذا جاء على غير ما أحبوا خالفوه ونكصوا على أعقابهم ، فقد زنى بعض أشرافهم وحكّموه فحكم بينهم بمثل حكم كتابهم فتولّوا وأعرضوا عن قبول حكمه ، إذ هم إنما فزعوا إليه ليخفف عنهم.

وقوله نصيبا من الكتاب هو ما يحفظونه من الكتاب الذي أوحاه الله إليهم وقد فقدوا سائره ، وهم لا يحسنون فهمه ولا يلتزمون العمل به.

فهذه الكتب الخمسة التي تسمى بالتوراة وتنسب إلى موسى عليه السلام ، لا يوجد دليل على أنه هو الذي كتبها ، إذ ليست محفوظة حتى يمكن الحكم عليها ، بل قام الدليل لدى بعض الباحثين من الأوربيين على أنها كتبت بعده بخمسمائة سنة ، كما لا تعرف اللغة التي كتبت بها أول مرة ، ولا دليل على أن موسى كان يعرف اللغة العبرية ، وإنما كانت لغته المصرية ، فأين التوراة التي كتبها بتلك اللغة ، ومن ترجمها؟

( ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) أي إنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب تتولى طائفة منهم بعد تردد وجذب ودفع ، وقد كان من دواعى الإيمان به ألا يترددوا في إجابة الدعوة إليه ، إذ هو أصل دينهم ، وعليه بنيت عقيدتهم.

١٢٦

وفي هذا إيماء إلى أن هذا التولي لم يكن عارضا يرجى زواله ، بل ذلك دأبهم فى عامة أحوالهم.

وإنما جىء بكلمة (فريق) للإشارة إلى أن هذا التولي لم يكن وصفهم جميعا فقد كان منهم طائفة يهدون بالحق ، ومنهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر أسباب هذا التولي فقال :

( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ) أي إن ذلك الإعراض والتولي إنما حدث لهم بسبب هذا القول الذي رسخ اعتقادهم له ، فلم يبالوا معه بارتكاب المعاصي والذنوب.

وخلاصة ذلك ـ إنهم استخفوا بالعقوبة واستسهلوها اتكالا على اتصال نسبهم بالأنبياء ، واعتمادا على مجرد الانتساب إلى هذا الدين ، واعتقدوا أن هذا كاف في نجاتهم.

ومن استخفّ بوعيد الله زعما منه أنه غير نازل حتما بمن يستحقه ـ تزول من نفسه حرمة الأوامر والنواهي ، فيقدم بلا مبالاة على انتهاك حرمات الدين ، ويتهاون فى أداء الطاعات ، وهكذا شأن الأمم حين تفسق عن دينها ولا تبالي باجتراح السيئات ، وقد ظهر ذلك في اليهود ثم في النصارى ثم في المسلمين ، فإن كثيرا من المسلمين اليوم يعتقدون أن المسلم المرتكب لكبائر الإثم والفواحش إما أن تدركه الشفاعات أو تنجيه الكفارات ، وإما أن يمنح العفو والمغفرة إحسانا من الله وفضلا ، فإن فاته ذلك عذب على قدر خطيئته ثم يخرج من النار ويدخل الجنة ، وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار مهما كانت أعمالهم.

والقرآن قد ناط أمر الفوز والنجاة من النار بالإيمان الذي ذكر الله علاماته وصفات أهله ، وبالعمل الصالح والخلق الفاضل ، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن كما جعل المغفرة لمن لم تحط به خطيئته.

أما الذين صار همهم إرضاء شهواتهم ، ولم يبق للدين سلطان على نفوسهم فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

١٢٧

والمراد بالأيام المعدودات هى أربعون يوما وهى مدة عبادتهم للعجل ، وقال الأستاذ الإمام : إنه لم يثبت في عدد هذه الأيام شىء.

( وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) أي وقد أطمعهم وخدعهم ما كانوا يفترون على الله من نحو قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقولهم : إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا وإن الله وعد يعقوب ألا يعذب أبناءه إلا تحلّة القسم (مدة قصيرة).

والخلاصة ـ إن مثل هذا التحديد للعقوبة من الافتراء الذي كان منشأ غرورهم إذ هو مما لا يعرف بالرأى ولا بالفكر ، بل بالوحى من الله ، والعهد منه كما قال في سورة البقرة «وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟ ».

( فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ ) أي فكيف يصنعون إذا جمعناهم للجزاء فى يوم لا ريب فيه؟

وفي هذا الاستفهام تهويل لما سيكون ، واستعظام لما أعدّ لهم ، وأنهم سيقعون فيما لا حيلة في دفعه والخلاص منه ، وأن ما حدّثوا به أنفسهم وسهلوه عليها بتعللاتهم وأباطيلهم تطمّع بما لا يكون.

( وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) أي ورأت كل نفس ما عملت من خير أو شر محضرا لا نقص فيه ، ثم جوزيت عليه وكان منشأ سعادتها أو شقائها ، ولا يفيدهم الانتماء إلى دين معين أو مذهب خاصّ ، إذ لا امتياز لشعب على شعب وإن تسمى بعضهم بشعب الله ، ولا بين الأشخاص وإن لقبوا أنفسهم بأبناء الله ، فإن الجزاء يومئذ إنما يكون بما في داخل الصدور لا بما في خارجها ، وبما أحدثته الأعمال فيها من صفات حسنة أو قبيحة.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) فهناك العدل الكامل ، فلا ينقص أحد من جزاء ما كسب ولا يزاد في عذابه شىء ، والعبرة حينئذ بتأثير العمل في النفس ، فإذا كان أثره السيئ قد أحاط بها ، واستغرق وجدانها ، كانت خالدة في النار ، لأن عملها لم يدع للإيمان

١٢٨

أثرا صالحا يعدّها لدار الكرامة ، وإن لم يبلغ هذا القدر بأن غلب عليها العمل الصالح ، أو استوى الأمران ، جوزيت على كل بحسب درجته ومقداره.

( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧) )

تفسير المفردات

الملك : السلطة والتصرف في الأمر بيدك الخير : أي بقدرتك التي لا يقدر قدرها ، الخير كلّه تتصرف فيه أنت وحدك ، الولوج : الدخول ، والإيلاج : الإدخال ، ويراد به زيادة زمان النهار في الليل والعكس بالعكس بحسب المطالع والمغارب فى أكثر البلدان.

المعنى الجملي

كان الكلام في حال النبي صلى الله عليه وسلم مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب ؛ فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام ، ويمشى فى الأسواق ، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل ، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبىّ من غير آل إسرائيل ، فجاءت هذه الآية تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم في مقام عناد المنكرين ، ومكابرة الجاحدين ، وتذكيرا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه ، وكأنه يقول له : إذا تولى هؤلاء الجاحدون عنك ولم يقنعهم

١٢٩

البرهان ، فظل المشركون على جهلهم وأهل الكتاب في غرورهم ، فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء ، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.

روى الواحدي عن ابن عباس وأنس بن مالك أنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم ، فقال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم ، هم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

الإيضاح

( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ) أي أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى والتصرف التام في تدبير الأمور وإقامة ميزان النظام العام فى الكائنات ، فأنت تؤتي الملك من تشاء من عبادك ، إما تبعا للنبوة كما وقع لآل إبراهيم وإما بالاستقلال بحسب السنن الحكيمة الموصلة إلى ذلك واتباع الأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب ، وتنزع الملك ممن تشاء بانحراف الناس عن الطريق السوىّ الحافظ للملك من العدل وحسن السياسة وإعداد القوة بقدر المستطاع ، كما نزعه من بنى إسرائيل وغيرهم بظلمهم وفسادهم.

( وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ ) للعزة آثار وللذل مثلها ، فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكا للقلوب بجاهه أو علمه النافع للناس ، مع بسطة في الرزق وإحسان إلى الخلق.

والذليل يرضى بالضيم والمهانة ، ويضعف عن حماية الحريم ، ومقاومة العدو المهاجم ، ولا عز أعظم من عز الاجتماع والتعاون على نشر دعوة الحق ومقاومة الباطل إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده ، فأعدّوا لكل أمر عدته ، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة ، فقد كان المشركون في مكة واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ،

١٣٠

ولكن ذلك لم يغن عنهم شيئا كما قال تعالى : «يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ».

والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا ، انظر إلى الشعوب الشرقية على كثرة عدد كل شعب منها ، كيف سادها وتحكم فيها ملوك الغرب على قلة عددهم ، وما ذاك إلا لفشوّ الجهل وتفرق الكلمة والتخاذل في مقاومة الغاصب ، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته ، والسعى في إزالة طغيانه ، وتحكمه في الرقاب والبلاد.

( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) أي بقدرتك الخير كله تتصرف فيه أنت وحدك بحسب مشيئتك ، ولا يملكه أحد سواك ، وخص الخير بالذكر مع أن كلا من الخير والشر بيده وقدرته كما يدل على ذلك قوله :

( إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) لأن المناسب للمقام ذكر الخير فقط ، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي وضعف أتباعه وقلة عددهم ، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز ، وأن يذكّره بأن الخير كله بيده ، فلا يعجزه أن يعطى نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطان ما وعدهم ، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم كما قال «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ».

( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) أي إنك تدخل طائفة من الليل فى النهار فيقصر الليل من حيث يطول النهار ، وتدخل طائفة من النهار في الليل فيطول هذا من حيث يقصر ذاك.

والخلاصة ـ إنك بحكمتك في خلق الأرض مكورة ، وجعل الشمس بنظام خاص تزيد في أحد الموين (الليل والنهار) ما يكون سببا في نقص الآخر.

١٣١

فليس بالمنكر بعد هذا أن تؤتى النبوة والملك من تشاء كمحمد وأمته من العرب وتنزعهما ممن تشاء كبنى إسرائيل ، فما مثل تصرفك في شئون الناس إلا مثل تصرفك فى الليل والنهار.

( وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) كالعالم من الجاهل والمؤمن من الكافر (والحياة والموت معنويان) والنخلة من النواة والإنسان من النطفة ، والطائر من البيضة (والحياة والموت حسيان).

( وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) كالجاهل من العالم ، والكافر من المؤمن ، والنواة من النخلة ، والبيضة من الطائر.

وقد أثبت علماء الطب أن في النطفة والبيضة والنواة حياة ، ولكن هذه حياة اصطلاحية لأهل هذا الفن ، لا في العرف العام الذي جاء به التنزيل.

قال الدكتور المرحوم عبد العزيز باشا إسماعيل في كتابه الإسلام والطب الحديث : قيل في تفسير ذلك : كإنشاء الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان ؛ ولكن النطفة هى حيوانات حية ، وكذلك خلق الحيوان من النطفة فهو خلق حى من حى فلا تنطبق عليه الآية الكريمة على هذا التفسير والله أعلم ، فإذا قيل : إن معنى الآية خلق آدم من طين أي خلق حىّ من ميت فهذا صحيح ، ولكنه ليس المقصود من الآية والله أعلم ، لأنها تشير إلى أن الخلق شىء عادى يحصل يوميا بدليل ورودها بعد( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ) بالتعاقب وهذا شىء اعتيادى ، فالله يضرب لنا مثلا نشاهده يوميا.

والتفسير الحقيقي هو (إخراج الحي من الميت) كما يحصل يوميا من أن الحي ينمو بأكل أشياء ميتة ، فالصغير يكبر جسمه بتغذية اللبن أو غيره ، والغذاء شىء ميت ، ولا شك في أن القدرة على تحويل الشيء الميت الذي يأكله إلى عناصر ومواد من نوع جسمه بحيث ينمو جسمه ، هو أهم علامة تفصل الجسم الحي من الجسم الميت ، وقد كتب علماء الحيوان فقالوا : إن النعجة مثلا تتغذى بالنبات وتحوله إلى

١٣٢

لحمها ، وهذه أهم علامة على أنها حية ، وكذا الطفل يتغدى باللبن الميت ويحوله إلى جسمه الحي.

وأما إخراج الميت من الحي ، فهو الإفرازات مثل اللبن (وإن شئت فلحوم الحيوانات أيضا والنبات) فإن اللبن سائل ليس فيه شىء حي ، بخلاف النطفة فإن فيها حيوانات حية ، وهذه تخرج من الحيوان الحي ، وهكذا ينمو الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، والله أعلم بمراده ا ه.

وقد استعمل القرآن لفظ الحياة فيما يقابل الموت ، سواء أكانت الحياة حسية أم معنوية وسواء أكان لفظ الميت مما يعيش ويحيا مثله أم لا.

وهذه العبارة ـ يخرج الحي من الميت ـ إلى آخره مثال ظاهر لكونه تعالى مالك الملك يؤتى الملك من يشاء ، فقد أخرج من العرب الأميين سيد المرسلين ، إذ أعدهم بارتقاء الفكر واستقلاله وبقوة الإرادة لأن يكونوا أقوى الأمم استعدادا لقبول هذا الدين الجديد الذي هدم بناء الاستعباد ، وأقام على أنقاضه صرح الاستقلال حين كان بنو إسرائيل وغيرهم يرسفون في قيود التقليد ، وأغلال الاستبداد من الملوك والحكام.

وما الإعطاء لمن أعطى ونزع ما نزع إلا بإقامة السنن التي عليها مدار النظام ، وبها الإبداع والإحكام.

( وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) أي إن الأمر كله بيدك وليس أحد فوقك يحاسبك ؛ فأنت القادر على أن تنزع الملك من العجم وتذلهم ، وتؤتيه العرب وتعزهم وذلك أهون شىء عليك.

وقد ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه.

(١) بمعنى التعب كما في هذه الآية.

(٢) بمعنى العدد كما في قوله «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».

(٣) بمعنى المطالبة كما في قوله «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ».

١٣٣

( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) )

تفسير المفردات

الأولياء واحدهم ولىّ وهو النصير ، تقاة : أي اتقاء وخوفا ، ويحذركم : أي يخوفكم ، والأمد : المدة لها حد محدود ، محضرا : أي حاضرا لديها.

المعنى الجملي

بعد أن نبّه الله نبيه والمؤمنين إلى الالتجاء إليه ، مع الاعتراف بأن بيده الملك والعز والسلطان المطلق في تصريف الكون فيعطى من يشاء ويمنع من يشاء ـ أرشدهم في هذه الآيات إلى أن من الغرور أن يعتز أحد بغير الله ، وأن يلتجىء إلى غير جنابه.

وقد روى أرباب السير أن بعض الذين كانوا يدخلون في الإسلام يغترون بعزة الكافرين وقوتهم فيوالونهم ويركنون إليهم ، وليس هذا بالمستغرب بل هو أمر طبيعى فى البشر.

وروى عن ابن عباس أنه قال : كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس ابن زيد من اليهود يباطنون (يلازمون) نفرا من الأنصار يفتنونهم عن دينهم ، فقال

١٣٤

رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر ، اجتنبوا هؤلاء اليهود فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم فأنزل الله الآية.

الإيضاح

( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) أي لا يصطف المؤمنون الكافرين فيكاشفوهم بالأسرار الخاصة بالشئون الدينية ويقدموا مصلحتهم على مصلحة المؤمنين ، إذ في هذا تفضيل لهم عليهم وإعانة للكفر على الإيمان.

وخلاصة هذا ـ نهى المؤمنين عن موالاة الكافرين لقرابة أو صداقة جاهلية أو جوار أو نحو ذلك من أسباب المصادقة والمعاشرة ، بل ينبغى أن يراعوا ما هم عليه مما يقتضيه الإسلام من الحب والبغض لمصلحة الدين فحسب ، ومن ثم تكون موالاة المؤمنين أجدى لهم في دينهم من موالاة الكافرين.

فإن كانت الموالاة والمحالفة لمصلحة المسلمين فلا مانع منها ، فقد حالف النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة وهم على شركهم ، كما لا مانع من ثقة المسلم بغيره وحسن معاملته فى أمور الدنيا.

( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) أي ومن يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فيما يضر مصلحة الدين فليس من ولاية الله في شىء ، أي فليس بمطيع له ولا ناصر لدينه ، وصلة الإيمان بينه وبين ربه تكون منقطعة ، ويكون من الكافرين كما جاء في الآية الأخرى «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ».

( إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) أي إنّ ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم فى كل حال إلا في حال الخوف من شىء تتقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتّقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية «أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذا فلا مانع

١٣٥

من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إما بدفع ضرر أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شىء يضر بالمسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف ، بل هى جائزة في كل وقت.

وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التّقيّة بأن يقول الإنسان أو يفعل ما يخالف الحق لأجل توقى ضرر من الأعداء يعود إلى النفس أو العرض أو المال.

فمن نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان لا يكون كافرا بل يعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرها وقلبه ملىء بالإيمان وفيه نزلت الآية «مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ، وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ».

وكما عذر الصحابي الذي قال له مسيلمة : أتشهد أنى رسول الله؟ قال نعم فتركه وقتل رفيقه الذي سأله هذا السؤال فقال إنى أصمّ (ثلاثا) فقدّمه وقتله ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له ، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه.

وهى من الرخص لأجل الضرورات العارضة ، لا من أصول الدين المتبعة دائما ، ومن ثم وجب على المسلم الهجرة من المكان الذي يخاف فيه من إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية ، ومن كمال الإيمان ألا يخاف في الله لومة لائم كما قال تعالى «فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » وقال : «فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ».

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحملون الأذى في سبيل دعوة الدين ويصبرون عليه.

ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة وإلانة الكلام لهم والتبسم فى وجوههم وبذل المال لهم لكف أذاهم وصيانة العرض منهم ، ولا يعد هذا من الموالاة المنهي عنها بل هو مشروع ؛ فقد أخرج الطبراني قوله صلى الله عليه وسلم

١٣٦

«ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة» وعن عائشة قالت : استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة» ثم أذن له فألان له القول ، فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول ، فقال يا عائشة : «إن من شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه» رواه البخاري.

وروى قوله صلى الله عليه وسلم «إنا لنكشر (نبتسم) فى وجوه قوم وإن قلوبنا لتقليهم» (تبغضهم).

( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) أي عقاب نفسه ، وفائدة ذكر (نفسه) الإيماء إلى أن الوعيد صادر منه تعالى وهو القادر على إنفاذه ولا يعجزه شىء عنه.

وفي ذلك تهديد عظيم لمن تعرض لسخطه بموالاة أعدائه ، لأن شدة العقاب بحسب قوة المعاقب وقدرته.

( وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) أي وإلى الله مرجع الخلق وجزاؤهم ، فيجزى كلا بما عمل( قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) أي إنه سبحانه يعلم ما تنطوى عليه نفوسكم إذ توالون الكافرين أو توادّونهم أو تتقون منهم ما تتقون ، فإن كان ذلك يميل بكم إلى الكفر جازاكم عليه ، وإن كانت قلوبكم مطمئنة بالإيمان غفر لكم ولم يؤاخذكم على عمل لا جريمة فيه على الدين ولا على أهله ، وهو إنما يجازيكم بحسب علمه المحيط بما في السموات والأرض ، لأنه الخالق لها كما قال : «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ».

( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فهو يقدر على عقوبتكم فلا تجسروا على عصيانه وموالاة أعدائه ، إذ ما من معصية خفيّة كانت أو ظاهرة إلا وهو مطلع عليها قادر على عقاب فاعلها( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) أي احذروا يوم تجد كل نفس عملها من الخير حاضرا لديها ،

١٣٧

فيكون ذلك غبطة وسرورا لها ، وتنعم بما أحسنت ، وتبتئس المسيئة وتغتم بما أساءت وتود أن ما عملت من السوء كان بعيدا عنها لم تره حتى لا تؤاخذ بجريرته.

ومعنى كونه محضرا أن فائدته ومنفعته تكون حاضرة لها.

( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) أي احذروا من سخط الله بترجيح جانب الخير وعمله على ما يزينه لكم الشيطان من عمل السوء «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون».

( وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) قال الحسن البصري : ومن رأفته أن حذرهم نفسه ، وعرفهم كمال علمه وقدرته ، لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه ا ه.

ومن رأفته أيضا أن جعل الفطرة الإنسانية ميالة بطبعها إلى الخير ، مبغضة لما يعرض لها من الشر ، وأن جعل أثر الشر في النفس قابلا للمحو بالتوبة والعمل الصالح.

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢) )

تفسير المفردات

المحبة : ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه ، فيدعوها ذلك إلى التقرب إليه ، يغفر لكم : أي يتجاوز عما فرط منكم من الأعمال السيئة والاعتقادات الباطلة ، فإن تولوا : أي فإن أعرضوا ولم يجيبوا دعوتك.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر قبل هذا جلال سلطانه وعظيم كماله ، ثم نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأكد ذلك بالوعيد الشديد ـ ذكر هنا أن طريق محبته متابعة رسوله وامتثال

١٣٨

أوامره التي جاء بها واجتناب ما نهى عنه ، وبذا يكون المرء أهلا لمحبته ، مستحقا لغفران ذنوبه.

روى أن هذه الآية نزلت حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب ابن الأشرف ومن تابعه من اليهود إلى الإيمان فقالوا «نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ » فأمر الله نبيه أن يقول لهم : إنى رسول الله إليكم أدعوكم إليه ، فإن كنتم تحبونه فاتبعونى وامتثلوا أمرى يحببكم الله ويرض عنكم.

الإيضاح

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) أي قل لهم : إن كنتم تريدون طاعة الله وترغبون في العمل بما يقرب إليه طلبا للثواب فيما عنده ، فاتبعونى بامتثال ما نزل به الوحى منه إلىّ ، يرض الله عنكم ويتجاوز عما فرط منكم من الأعمال السيئة ، والاعتقادات الباطلة ، ويبوئكم في جوار قدسه ، إذ في هذا الاتباع اعتقاد الحق والعمل الصالح ، وهما يزيلان من النفس آثار المعاصي والرذائل ، ويمحوان منها ظلمة الباطل ، وأثر ذلك المغفرة ورضوان الله.

وهذا حجة على من يدعى محبة الله في كل زمان وأعماله تكذب ما يقول ، إذ كيف يجتمع حب مع الجهل بالمحبوب ، وعدم العناية بأوامره ونواهيه ، فهو كما قال الورّاق :

تعصى الإله وأنت تظهر حبّه

هذا لعمرى في القياس بديع

لو كان حبّك صادقا لأطعته

إن المحب لمن يحبّ مطيع

( وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) لمن تحبب إليه بطاعته ، وتقرب إليه باتباع نبيه ، إذ في هذا تزكية للنفس بصالح العمل ، فيغفر لها ما فرط من زلاتها ، ويتجاوز عن سيئاتها.

روى أنه لما نزل قوله( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ ... ) قال عبد الله بن أبيّ : إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله تعالى ، ويأمرنا أن نحبه كما أحب النصارى عيسى فنزل قوله :

١٣٩

( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ) أي قل لهم : أطيعوا الله باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وأطيعوا رسوله باتباع سنته والاهتداء بهديه.

وفي هذا إرشاد إلى أن الله إنما أوجب عليكم متابعته لأنه رسوله ، لا كما يقول النصارى في عيسى.

( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ) أي فإن أعرضوا ولم يجيبوا دعوتك غرورا بدعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ـ فإن الله لا يحب الكافرين ، الذين تصرفهم أهواؤهم عن النظر الصحيح في آياته ، وعما أنزله على رسوله فلا يرضى عنهم ، بل يبعدهم عن جوار قدسه وحظيرة عزته ، ويسخط عليهم يوم يرضى عن المؤمنين به المطيعين لنبيه ، المتبعين لما جاء به من عند ربه.

( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧) )

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218