تفسير المراغى الجزء ٣

تفسير المراغى27%

تفسير المراغى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 218

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 218 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79266 / تحميل: 4791
الحجم الحجم الحجم
تفسير المراغى

تفسير المراغى الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

[ ٥٨ ٤٥ ] ٩ - محمّد بن عليّ بن الحسين في( الخصال) بإسناده عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة - قال: تشمير الثياب طهور لها، قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) أي فشمّر.

[ ٥٨ ٤٦ ] ١٠ - الفضل بن الحسن الطبرسي في( مجمع البيان) عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في قوله تعالى( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٢) قال: معناه ثيابك فقصّر.

[ ٥٨ ٤٧ ] ١١ - وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : غسل الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة وتشمير الثياب طهور لها، وقد قال الله تعالى:( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (٣) أي فشمّر.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٤) .

٢٣ - باب كراهة اسبال الثوب وتجاوزه الكعبين للرجل وعدم كراهته للمرأة، وتحريم الاختيال والتبختر

[ ٥٨ ٤٨ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) أنّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أوصى رجلاً من بني تميم فقال له: إيّاك وإسبال الإِزار والقميص، فإنّ ذلك من المخيلة، والله يحب المخيلة.

____________________

٩ - الخصال: ٦٢٢.

(١) المدثر ٧٤: ٤.

١٠ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٢) المدّثر ٧٤: ٤.

١١ - مجمع البيان ٥: ٣٨٥.

(٣) المدّثر ٧٤: ٤.

(٤) يأتي في الحديث ٥ من الباب ٢٣ من هذه الأبواب.

الباب ٢٣

فيه ١٣ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٥، أورده عن المحاسن في الحديث ١٣ من الباب ٥٩ من أبواب جهاد النفس.

٤١

ورواه البرقي في( المحاسن) عن محمّد بن علي، عن الحسن بن محبوب، مثله (١) .

[ ٥٨ ٤٩ ] ٢ - وعن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن أبان، عن أبي حمزة رفعه قال: نظر أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إلى فتى مرخى(٢) إزاره فقال: يا فتى(٣) ارفع إزارك فانّه أبقى لثوبك وأنقى لقلبك.

[ ٥٨ ٥٠ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن محمّد بن مسلم قال: نظر أبو عبد الله( عليه‌السلام ) إلى رجل قد لبس قميصاً يصيب الأرض فقال: ما هذا ثوب طاهر.

[ ٥٨ ٥١ ] ٤ - وعنهم، عن أحمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في الرجل يجرّ ثوبه، قال: إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء.

[ ٥٨ ٥٢ ] ٥ - وعنهم، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب(٤) ، عن عبد الله بن هلال قال: أمرني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أن أشتري له إزاراً فقلت: إنّي لست أُصيب إلّا واسعاً، فقال: اقطع منه وكفّه، ثمّ

____________________

(١) المحاسن: ١٢٤ / ١٤٠.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٦.

(٢) أرخى ازاره: أسبله( لسان العرب ١٤: ٣١٥ ).

(٣) في المصدر: يا بنيّ.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١١.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٥٦ / ٣.

(٤) في المصدر زيادة: عن عبد الله بن يعقوب.

٤٢

قال: إنّ أبي قال: ما جاوز الكعبين ففي النار.

وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، مثله(١) .

[ ٥٨ ٥٣ ] ٦ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه( عليهم‌السلام ) - في حديث المناهي - قال: ونهى رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أن يختال الرجل في مشيه، وقال: من لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم، وكان قرين قارون لأنه أوّل من اختال فخسف الله به وبداره الأرض، ومن اختال فقد نازع الله في جبروته.

[ ٥٨ ٥٤ ] ٧ - وفي( معاني الأخبار ): عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن عبد العزيز بن يحيى الجوادي، عن محمّد بن زكريا، عن جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيته، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون وهذا المبتلى.

[ ٥٨ ٥٥ ] ٨ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن سعد، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن محمّد بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) - في حديث - قال: ألا أُخبركم بالمجنون حقّ المجنون ؟ قالوا بلى يا

____________________

(١) الكافي ٦: ٣٥٦ / ذيل حديث ٣.

٦ - الفقيه ٤: ٧ في حديث المناهي.

٧ - معاني الأخبار: ٢٣٧.

٨ - الخصال: ٣٣٢ / ٣١.

٤٣

رسول الله، قال: إنّ المجنون حقّ المجنون المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرّك جنبيه بمنكبيه، يتمنّى على الله جنّته وهو يعصيه، الذي لا يؤمن شرّه، ولا يرجى خيره، فذلك المجنون.

[ ٥٨ ٥٦ ] ٩ - وعن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن العبّاس بن معروف، عن أبي جميلة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن علي( عليه‌السلام ) - في حديث - قال: ستّة في هذه الأُمة من أخلاق قوم لوط ‎ : الجلاهق(١) وهو البندق(٢) ، والخذف، ومضغ العلك، وإرخاء الإِزار خيلاءاً، وحلّ الأزرار من القباء، والقميص.

[ ٥٨ ٥٧ ] ١٠ - وفي( عقاب الأعمال) بإسناد تقدّم في عيادة المريض عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أنّه قال في آخر خطبة خطبها: ومن لبس ثوباً فاختال فيه خسف الله به(٣) من شفير جهنم يتخلخل(٤) فيها ما دامت السماوات والأرض، وإنّ قارون لبس حلّة فاختال فيها فخسف به فهو يتخلخل(٥) إلى يوم القيامة.

[ ٥٨ ٥٨ ] ١١ - محمّد بن إ ‎ دريس في آخر( السرائر) نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن علي بن الحسن، عن يونس بن رباط، عن أبي

____________________

٩ - الخصال: ٣٣٠ / ٢٩، قطعة منه تأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ من أبواب أحكام العشرة، وقطعة منه تأتي في الحديث ١١ من الباب ١١، وفي الحديث ٦ من الباب ١٤ من أبواب الجماعة.

(١) الجلاهق: بضم الجيم: البندق المعمول من الطين، الواحدة جلاهقة( مجمع البحرين ٥: ١٤٣ ).

(٢) البندقة: وهي طينة مدورة مجففة جمعها بنادق( مجمع البحرين ٥: ١٤١ ).

١٠ - ثواب الأعمال: ٣٣٣.

(٣) في المصدر زيادة: قبره ‎

(٤ و ٥) وفيه: يتجلجل.

١١ - مستطرفات السرائر: ٨٥ / ٣٠، ويأتي بتمامه عن الكافي والتهذيب الحديث ٨ من الباب ٨٦ من أبواب أحكام الأولاد.

٤٤

عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : لا يجد ريح الجنّة عاق، ولا قاطع رحم، ولا مرخى الإِزار خيلاءاً.

[ ٥٨ ٥٩ ] ١٢ - ومن رواية أبي القاسم ابن قولويه، عن الأصبغ قال: سمعت علياً( عليه‌السلام ) يقول: ستّة من أخلاق قوم لوط: الجلاهق وهو البندق، والخذف، ومضغ العلك، والصفير، وإرخاء الازار خيلاء، وحلّ الأزرار.

[ ٥٨ ٦٠ ] ١٣ - الحسن بن الفضل الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: والإسبال في الأزار والقميص والعمامة [ وقال ](١) من جرّ شيئاً(٢) خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٣) ، ويأتي ما يدلّ عليه في أحاديث التجبّر(٤) ، إن شاء الله.

٢٤ - باب كراهة حمل شيء في الكمّ وعدم تحريمه

[ ٥٨ ٦١ ] ١ - محمّد بن علي بن الحسين في( العلل ): عن محمّد بن علي

____________________

١٢ - مستطرفات السرائر: ١٤٥ / ١٧، وللحديث صدر يأتي في الحديث ٦ من الباب ٢٨ والحديث ٨ من الباب ٤٩ من أبواب أحكام العشرة.

١٣ - مكارم الأخلاق: ١٠٩.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) وفيه: ثوبه.

(٣) تقدم ما يدل على ذلك في الباب ٢١، ٢٢ من هذه الأبواب.

(٤) يأتي ما على ذلك في الحديث ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب، وفي الباب ٥٨ ‎ ، ٥٩ من أبواب جهاد النفس، وفي الباب ٢٥ من أبواب آداب التجارة، وفي الحديث ٢ من الباب ٨٠ من أبواب مقدمات النكاح.

الباب ٢٤

فيه حديث واحد

١ - علل الشرائع: ٥٨٢ / ٢٠ أخرجه عن العلل والكافي والتهذيب في الحديث ٢ من الباب ٥٢ من أبواب آداب التجارة.

٤٥

ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمد( عليه‌السلام ) قال: جئت إلى أبي( عليه‌السلام ) بكتاب أعطانيه إنسان فأخرجته من كمّي فقال لي: يا بنيّ، لا تحمل في كمّك شيئاً فإنّ الكمّ مضياع.

٢٥ - باب استحباب قطع الرجل ما زاد من الكمّ عن أطراف الأصابع وما جاوز الكعبين من الثوب

[ ٥٨ ٦٢ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) إذا لبس القميص مدّ يده، فإذا طلع على أطراف الأصابع قطعه.

[ ٥٨ ٦٣ ] ٢ - محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في( الإرشاد) عن سعيد بن كلثوم، عن الصادق جعفر بن محمّد( عليهما‌السلام ) قال: والله ما أكل علي بن أبي طالب( عليه‌السلام ) من الدنيا حراماً قطّ حتّى مضى لسبيله - إلى أن قال - وإن كان يقوت أهله بالزيت والخلّ والعجوة، وما كان لباسه إلّا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعى بالجلم(١) فقصه، الحديث.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(٢) .

____________________

الباب ٢٥

فيه حديثان

١ - الكافي ٦: ٤٥٧ / ٧.

٢ - الارشاد: ٢٥٥.

(١) الجَلَم: الذي يُجزّ به الشعر والصوف كالمقص( مجمع البحرين ٦: ٣٠ ).

(٢) تقدم في الحديث ١٢ من الباب ٢٠ من أبواب المقدّمة، وفي الحديث ٤ من الباب ٢١ من هذه الأبواب.

٤٦

٢٦ - باب ما يستحبّ أن يعمل عند لبس الثوب الجديد من الصلاة والقراءة

[ ٥٨ ٦٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا كسا الله المؤمن ثوباً جديداً فليتوضّأ وليصلّ ركعتين، يقرأ فيهما:( أُمّ الْكِتَابِ ) و( آية الكرسي) و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (١) ، ثمّ ليحمد الله الذي ستر عورته وزيّنه في الناس وليكثر من قول: لا حول ولا قوة إلّا بالله، فإنّه لا يعصي الله فيه، وله بكلّ سلك فيه ملك يقدّس له ويستغفر له ويترحّم عليه.

ورواه الصدوق في( الخصال) (٢) بإسناده الآتي(٣) عن عليّ( عليه‌السلام ) - في حديث الأربعمائة -.

[ ٥٨ ٦٥ ] ٢ - وعن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن غير واحد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ثنتين وثلاثين مرّة في إناء جديد ورشّ(٤) ثوبه الجديد ‎ إذا لبسه لم يزل يأكل في سعةٍ ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٦ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( المجالس ): عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير،

____________________

الباب ٢٦

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٥.

(١) ليس في المصدر.

(٢) الخصال: ٦٢٤.

(٣) يأتي في الفائدة الأولى من الخاتمة برمز( ر ).

٢ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٤.

(٤) في المصدر زيادة: به.

٣ - أمالي الصدوق: ٢٢٠ / ١٠.

٤٧

عن عبد الرحمن السراج يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من قطع ثوباً جديداً وقرأ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ستّاً وثلاثين مرّة فإذا بلغ( تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ ) أخرج شيئاً من الماء ورشّ بعضه(١) على الثوب رشّاً خفيفاً ثمّ صلّى فيه(٢) ركعتين ودعا ربه وقال في دعائه: الحمد لله الذي رزقني ما أتجمّل به في الناس وأُواري به عورتي، وأُصلّي فيه لربّي، وحمد الله، لم يزل يأكل في سعةٍ حتى يبلى ذلك الثوب.

وفي( ثواب الأعمال ): عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عمر السرّاد، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله(٣) .

[ ٥٨ ٦٧ ] ٤ - وفي( عيون الأخبار) عن أبيه وعلي بن عبد الله الورّاق جميعاً، عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن الحسن الخيّاط، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر، عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن العسكري، عن أبيه، عن جدّه الرضا، عن أبيه موسى( عليهم‌السلام ) أنّه كان يلبس ثيابه ممّا يلي يمينه، فإذا لبس ثوباً جديداً دعا بقدح من ماء فقرأ فيه( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) عشر مرّات، و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) عشر مرّات، و ‎( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) عشر مرّات، ثمّ نضحه على ذلك الثوب، ثمّ قال: من فعل هذا بثوبه قبل أن يلبسه لم يزل في رغد من العيش ما بقي منه سلك.

[ ٥٨ ٦٨ ] ٥ - الحسن بن محمّد الطوسي في( الأمالي) عن أبيه، عن هلال بن محمّد الحفّار، عن إسماعيل بن عليّ الدعبلي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه ( عليهم‌السلام ) ، عن أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه اشترى قميصاً بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين، ثمّ أتى المسجد فصلّى فيه

____________________

(١ و ٢)( بعضه) و( فيه) ليسا في ثواب الأعمال ‎( هامش المخطوط ).

(٣) ثواب الأعمال: ٤٤ / ١.

٤ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ١: ٣١٥ / ٩١.

٥ - أمالي الطوسي ١: ٣٧٥.

٤٨

ركعتين ثمّ قال: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس وأؤدّي فيه فريضتي وأستر فيه عورتي،( ثم قال) (١) : سمعت رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يقول ذلك عند الكسوة.

ورواه علي بن عيسى في( كشف الغمّة) مرسلاً، إلّا أنّه قال: فساوم شيخاً فقال: يا شيخ، بعني قميصاً بثلاثة دراهم (٢) .

٢٧ - باب استحباب التحميد والدعاء بالمأثور عند لبس الجديد

[ ٥٨ ٦٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس الثوب الجديد ؟ قال: يقول: اللّهم اجعله ثوب يمن وتقى وبركة، اللّهم ارزقني فيه حسن عبادتك، وعملاً بطاعتك، وأداء شكر نعمتك، الحمد لله الذي كساني ما أُواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس.

[ ٥٨ ٧٠ ] ٢ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال ‎ : قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : علّمني رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إذا لبست ثوباً جديداً أن أقول: الحمد لله الذي كساني من اللباس(٣) ما أتجمّل به في الناس، اللّهم اجعلها ثياب بركة أسعى فيها

____________________

(١) في المصدر بدل ما بين القوسين هكذا: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أعنك نروي هذا أو شيء سمعته من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، قال: بل شيء سمعته من رسول الله

(٢) كشف الغمّة ١: ١٦٤، وتقدم ما يدل على استحباب التسمية عند كل فعل في الحديث ١٢ و ١٣ من الباب ٢٦ من أبواب الوضوء.

الباب ٢٧

فيه ٥ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٥٨ / ٢.

(٣) في الأمالي: الرياش( هامش المخطوط ).

٤٩

لمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، وقال: يا عليّ، من قال ذلك لم يتقمّصه حتى يغفر له.

ورواه الصدوق في( المجالس ): عن الحسين بن إبراهيم بن تاتانه، عن علي بن إبراهيم، مثله(١) .

[ ٥٨ ٧١ ] ٣ - وعن الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن علي الهمداني، عن الحسين بن أبي عثمان، عن خالد الجوّان قال: سمعت أبا الحسن موسى( عليه‌السلام ) يقول: قد ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد أن يمرّ يده عليه ويقول: الحمد لله الّذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس، وأتزيّن به بينهم.

[ ٥٨ ٧٢ ] ٤ - وعن محمّد يحيى، عن علي بن الحسين النيسابوري، عن عبد الله بن محمّد، عن علي بن الريّان، عن يونس، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) - في حديث - أنّه قال: يا عمر، إذا لبست ثوباً جديداً فقل: لا إله إلا الله محمّد رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) تبرأ من الآفة، وإذا أحببت شيئاً فلا تكثر ذكره فإنّ ذلك مما يهدك، وإذا كانت لك إلى رجل حاجة فلا تشتمه من خلفه فإن الله يوقع ذلك في قلبه.

[ ٥٨ ٧٣ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن زريق، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته يقول: إذا لبست ثوباً فقل: اللّهمّ ألبسني لباس الايمان، وزيّني بالتقوى، اللّهم اجعل جديده أُبليه في طاعتك وطاعة رسولك، وأبدلني بخلقه حلل الجنّة، ولا تجعلني أبليه في معصيتك، ولا تبدلني بخلقه مقطعات النيران.

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢١٩ / ٨.

٣ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٣.

٤ - الكافي ٦: ٤٥٩ / ٦.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ٣١١ باختلاف.

٥٠

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٢٨ - باب كراهة ابتذال ثوب الصون، وإراقة فضل الإناء، وطرح النوى يميناً وشمالاً، وقطع الدراهم والدنانير

[ ٥٨ ٧٤ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي، عن علي بن عقبة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أدنى الإِسراف هراقة فضل الإِناء، وابتذال ثوب الصون، وإلقاء النوى.

[ ٥٨ ٧٥ ] ٢ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن سليمان بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) : ما أدنى ما يجيء من الاسراف ‎ ؟ قال: ابتذالك ثوب صونك، وإهراق فضل إنائك، وأكلك التمر ورميك بالنوى ها هنا وها هنا.

[ ٥٨ ٧٦ ] ٣ - وقد تقدّم في حديث إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) في المؤمن يكون له ثلاثون قميصاً قال: نعم، ليس هذا من السرف، إنّما السرف أن تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك.

[ ٥٨ ٧٧ ] ٤ - محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله( عليه‌السلام ) عن أدنى الإسراف، قال: ثوب صونك تبتذله، وفضل الإناء تهريقه، وقذفك بالنوى هكذا وهكذا.

____________________

(١) تقدم في الأحاديث ١ و ٣ و ٥ من الباب ٢٦ من هذه الأبواب.

الباب ٢٨

فيه ٧ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ١.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

٣ - تقدم في الحديث ٣ من الباب ٩ من هذه الأبواب.

٤ - الفقيه ٣: ١٠٣ / ٤١٣.

٥١

[ ٥٨ ٧٨ ] ٥ - وبإسناده عن أبي هشام البصري، عن الرضا( عليه‌السلام ) قال: من الفساد قطع الدراهم والدينار(١) وطرح النوى.

[ ٥٨ ٧٩ ] ٦ - وفي( الخصال) عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن علي بن السنديّ، عن محمّد بن عمر (٢) بن سعيد، عن موسى بن أكيل قال: سمعت أبا عبد الله( عليه‌السلام ) يقول: لا يكون الرجل فقيهاً حتّى لا يبالي أيّ ثوبيه ابتذل وبما سدّ فورة الجوع.

أقول: هذا محمول على الجواز ونفي التحريم، أو على كون الثوبين متساويين، أو ليسا من ثياب الصون.

[ ٥٨ ٨٠ ] ٧ - وعن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن ‎ أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بإسناده يرفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: السرف في ثلاثة ابتذالك ثوب صونك، وإلقائك النوى يميناً وشمالاً، وإهراقك فضلة الماء.

وقال: ليس في الطعام سرف.

أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك(٣) .

٢٩ - باب استحباب لبس الثوب الغليظ والخلق في البيت لا بين الناس، ورقع الثوب، وخصف النعل

[ ٥٨ ٨١ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن

____________________

٥ - الفقيه ٣: ١٠٢ / ٤١٢.

(١) في نسخة: الدنانير.

٦ - الخصال: ٤٠ / ٢٧.

(٢) في المصدر: عمرو.

٧ - الخصال: ٩٣ / ٣٧.

(٣) يأتي في الباب ٢٦ و ٢٧ و ٢٩ من أبواب النفقات ما يدل على حكم الاسراف وحدوده، عموماً.

الباب ٢٩

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٤، يأتي بتمامه في الحديث ٤ من الباب ٩٩ مما تكتسب به.

٥٢

معمر بن خلّاد، عن أبي الحسن الرضا( عليه‌السلام ) قال: خرجت وأنا أريد داود بن عيسى، وعليّ ثوبان غليظان، الحديث.

أقول: هذا محمول على الجواز لما مضى(١) ويأتي(٢) .

[ ٥٨ ٨٢ ] ٢ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الفضل بن كثير المدائني، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: دخل عليه بعض أصحابه فرأى عليه قميصاً ‎ً فيه قُبّ(٣) قد رقعه فجعل ينظر إليه فقال له أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : ما لك تنظر ؟ فقال: قُبّ يلفى في قميصك، قال: فقال لي: اضرب يديك إلى هذا الكتاب فاقرأ ما فيه، وكان بين يديه كتاب أو قريب منه فنظر الرجل فيه فإذا فيه: لا إيمان لمن لا حياء له، ولا مال لمن لا تقدير له، ولا جديد لمن لا خلق له ‎

[ ٥٨ ٨٣ ] ٣ - محمّد بن علي بن الحسين في( عيون الأخبار ): عن الحسين بن أحمد البيهقي، عن محمّد بن يحيى الصولي، عن عون بن محمّد، عن ابن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا( عليه‌السلام ) في الصيف على حصير، وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب، حتّى إذا برز للناس تزيّن لهم.

[ ٥٨ ٨٤ ] ٤ - وفي( ثواب الأعمال) عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: من رقع جيبه، وخصف نعله، وحمل سلعته، فقد برئ من الكبر.

____________________

(١) مضى في الحديث ١ من الباب ٨ من هذه الأبواب.

(٢) يأتي في الحديث ٥ من هذا الباب.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٣.

(٣) ورد في هامش المخطوط ما نصه: القب: ما يدخل في جيب القميص من الرقاع( القاموس المحيط ١: ١١٧ ).

٣ - عيون أخبار الرضا( عليه‌السلام ) ٢: ١٧٨ الباب ٤٤.

٤ - ثواب الأعمال: ٢١٣ أورده في الحديث ٥ من الباب ٥ من هذه الأبواب.

٥٣

ورواه الكليني(١) ، عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة(٢) ، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، مثله.

وفي( الخصال ‎ ) عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، نحوه(٣) .

[ ٥٨ ٨٥ ] ٥ - محمّد بن الحسن في( المجالس والأخبار) بإسناده عن أبي ذرّ، عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في وصيّته له: يا أبا ذر، من رقع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر، يا أبا ذر، من كان له قميصان فليلبس أحدهما ويلبس الآخر أخاه، يا أبا ذر، من ترك الجمال وهو يقدر عليه تواضعاً ‎ُ لله كساه الله حلّة الكرامة، يا أبا ذر، البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلاّ يجد الفخر فيك مسلكه.

[ ٥٨ ٨٦ ] ٦ - الحسن بن محمّد الديلمي في( الإرشاد) قال: كان النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل من العبد، ويجلس على الأرض، ويركب الحمار، ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجة من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، ويسلّم على من استقبله من غنيّ وفقير وكبير وصغير، ولا يحقّر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وكان خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشّ من

____________________

(١) الكافي ٨: ٢٣١ / ٣٠٢.

(٢) في المصدر زيادة: إسحاق بن عمّار.

(٣) الخصال: ١٠٩ / ٧٨.

٥ - أمالي الطوسي ٢: ١٥٢.

٦ - إرشاد القلوب: ١١٥.

٥٤

شبع قطّ، ولم يمدّ يده إلى طمع قطّ.

أقول: وتقدّم ما يدلّ على ذلك(١) .

٣٠ - باب استحباب التعمّم وكيفيّته

[ ٥٨ ٨٧ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي همام، عن أبي الحسن( عليه‌السلام ) قال في قول الله عزّ وجلّ( مُسَوِّمِينَ ) (٢) قال: العمائم اعتمّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه، واعتم جبرئيل( عليه‌السلام ) فسدلها من بين يديه ومن خلفه.

[ ٥٨ ٨٨ ] ٢ - وعنه، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر( عليه‌السلام ) قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

[ ٥٨ ٨٩ ] ٣ - وعن عدّة من أصحبانا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن(٣) بن علي العقيلي، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً( عليه‌السلام ) بيده

____________________

(١) تقدم في الباب ٥٤ من أبواب لباس المصلي، ويأتي ما يدل علىٰ الأخير في الحديث ٢ من الباب ٣٥ من أبواب أحكام العشرة.

الباب ٣٠

فيه ١٢ حديثاً

١ - الكافي ٦: ٤٦٠ / ٢.

(٢) آل عمران ٣: ١٢٥.

٢ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٤.

(٣) في المصدر: الحسين.

٥٥

فسدلها من بين يديه، وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثمّ قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة.

[ ٥٨ ٩٠ ] ٤ - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب.

[ ٥٨ ٩١ ] ٥ - وعنه، عن ياسر الخادم قال: لمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا( عليه‌السلام ) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب، فبعث إليه الرضا( عليه‌السلام ) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فلم يزل يراده الكلام في ذلك وألحّ عليه - الى أن قال - فقال: يا أمير المؤمنين، إن عفيتني من ذلك فهو أحب إليّ، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وأمير المؤمنين( عليه‌السلام ) ، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت، وأمر المأمون القوّاد والناس أن يركبوا(١) إلى باب أبي الحسن( عليه‌السلام ) - إلى أن قال - فلمّا طلعت الشمس قام( عليه‌السلام ) فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً بين كتفيه، وتشمّر ثمّ قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت، ثم أخذ بيده عكازاً، ثم خرج ونحن بين يديه وهو حافي(٢) قد شمّر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمّرة، الحديث.

وراوه المفيد في( الإرشاد ): عن علي بن إبراهيم، عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعاً، عن الرضا( عليه‌السلام ) ، نحوه(٣) .

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٦١ / ٥ ‎

٥ - الكافي ١: ٤٠٨ / ٧ وأورده بتمامه في الحديث ١ من الباب ١٩ من ‎ أبواب صلاة العيدين.

(١) في المصدر: يبكروا.

(٢) كذا في الاصل بالياء، وهو مخالف للقواعد العربية، لكن رأينا سابقاً ان المصنف كتب كلمة( مرائي) بالياء أيضاً، فلاحظ.

(٣) ارشاد المفيد: ٣١٢.

٥٦

[ ٥٨ ٩٢ ] ٦ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق) عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) ، عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : العمائم تيجان العرب، إذا وضعوا العمائم وضع الله عزّهم.

[ ٥٨ ٩٣ ] ٧ - قال: وقال( عليه‌السلام ) : اعتمّوا تزدادوا حلماً.

[ ٥٨ ٩٤ ] ٨ - وعن النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: ركعتان مع العمامة خير من أربع ركعات بغير عمامة.

[ ٥٨ ٩٥ ] ٩ - وعن عبد الله بن سليمان، عن أبيه أن علي بن الحسين( عليه‌السلام ) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه.

[ ٥٨ ٩٦ ] ١٠ - وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: سمعته وهو يقول: دخل رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الحرم يوم دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح.

[ ٥٨ ٩٧ ] ١١ - علي بن موسى بن طاوس في( أمان الأخطار) نقلاً من كتاب الولاية، تأليف أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة - في حديث نصّ النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) على علي( عليه‌السلام ) يوم الغدير - بإسناده في ترجمة عبد الله بن بشر صاحب رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: بعث رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم غدير خمّ إلى علي( عليه‌السلام ) فعمّمه وأسدل العمامة بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي يوم حنين بالملائكة معمّمين وقد أسدلوا العمائم، وذلك حجز بين المسلمين وبين المشركين، الحديث.

____________________

٦ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٧ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

٨ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

٩ - مكارم الأخلاق: ١١٩، باختلاف في اللفظ.

١٠ - مكارم الأخلاق: ١١٩.

١١ - الأمان من الأخطار: ١٠٣، يأتي، ذيله في الحديث ٦ من الباب ٤٣ من أبواب آداب السفر.

٥٧

[ ٥٨ ٩٨ ] ١٢ - قال: وفي حديث آخر - بإسناده - عمّم رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) علياً يوم غدير خمّ عمامة سدلها بين كتفيه وقال: هكذا أيّدني ربّي بالملائكة ثم أخذ بيده فقال: يا أيها الناس، من كنت مولاه فهذا مولاه، والى الله من والاه، وعادى الله من عاداه(١) .

٣١ - باب ما يستحبّ من القلانس وما يكره منها

[ ٥٨ ٩٩ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) أنّه كره لباس البرطلة.

[ ٥٩ ٠٠ ] ٢ - وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس قلنسوة بيضاء مضربة، وكان يلبس في الحرب قلنسوة لها أُذنان.

[ ٥٩ ٠١ ] ٣ - وعنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: كان رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يلبس من القلانس اليمنيّة(٢) والبيضاء والمضربة وذات الأُذنين في الحرب وكانت عمامته السحاب، وكان له برنس يتبرنس به.

____________________

١٢ - الامان من الاخطار: ٩١، تقدم ما يدل على ذلك في الباب ١٩ من أبواب آداب الحمام وعلى استحباب التحنك في الباب ٢٦ من أبواب لباس المصلي.

(١) في الاصل تعليقة طويلة ثم حذفها وبقي منها ما لم يشطب عليه وهو: ذكر ابن طاوس في أمان الأخطار ان التحنك هو ما ذكر في الحديثين المنقولين من كتاب الولاية( منه قده ).

الباب ٣١

فيه ١١ حديثاً،( علماً أنه قد ذكر في الفهرست ١٢ حديثاً )

١ - الكافي ٦: ٤٧٩ / ٥، وأورده في الحديث ١ من الباب ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٣ - الكافي ٦: ٤٦١ / ١.

(٢) في هامش الاصل عن نسخة:( اليمنة ).

٥٨

[ ٥٩ ٠٢ ] ٤ - وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : إذا ظهرت القلانس المتركة ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٣ ] ٥ - وعن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلانس بيضاء ولا تكسرها فإن السيّد مثلي لا يلبس المكسّر.

[ ٥٩ ٠٤ ] ٦ - وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يحيى بن ‎ إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن الحسين بن المختار قال: قال أبو عبد الله( عليه‌السلام ) : اتّخذ لي قلنسوة ولا تجعلها مصبعة(١) ، فإنّ السيد مثلي لا يلبسها - يعني لا تكسرها -.

[ ٥٩ ٠٥ ] ٧ - عبد الله بن جعفر في( قرب الإسناد ): عن هارون بن مسلم ‎ ، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال: إذا ظهرت القلانس المتركة(٢) ظهر الزنا.

[ ٥٩ ٠٦ ] ٨ - الحسن الطبرسي في( مكارم الأخلاق ): عن محمّد بن علي قال: رأيت على علي بن الحسين(٣) ( عليه‌السلام ) قلنسوة خزّ مبطنة بسمور.

[ ٥٩ ٠٧ ] ٩ - قال: وسئل الرضا( عليه‌السلام ) عن الرجل يلبس البرطلة فقال: قد كان لأبي عبد الله( عليه‌السلام ) مظلة يستظلّ بها من الشمس.

____________________

٤ - الكافي ٦: ٤٧٨ / ٢.

٥ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٦ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٤.

(١) في نسخة: مصبغة( هامش المخطوط) والمصدر.

٧ - قرب الإِسناد: ٤١.

(٢) في المصدر: المشتركة.

٨ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

(٣) في نسخةٍ: أبي الحسن( هامش المخطوط ).

٩ - مكارم الأخلاق: ١٢٠.

٥٩

[ ٥٩ ٠٨ ] ١٠ - وعن يزيد بن خليفة قال: رآني أبو عبد الله( عليه‌السلام ) أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة فقال: لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زي اليهود.

[ ٥٩ ٠٩ ] ١١ - وعن الحسن بن المختار قال: قال لي أبو الحسن الأول( عليه‌السلام ) : اعمل لي قلنسوة ولا تكن مصبعة(١) فإنّ السيد مثلي لا يلبس المصبع(٢) ، والمصبع ) : المكسّر بالظفر.

٣٢ - باب استحباب اتّخاذ النعلين واستجادتهما

[ ٥٩ ١٠ ] ١ - محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: أوّل من اتخذ النعلين إبراهيم( عليه‌السلام ) .

[ ٥٩ ١١ ] ٣ - وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله( عليه‌السلام ) قال: قال أمير المؤمنين( عليه‌السلام ) : استجادة

____________________

١٠ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

١١ - مكارم الأخلاق: ١٢١.

(١) في المصدر: مصنعة.

( ٢ و ٣) المصنع، وتقدم ما يدل على ذلك في الحديث ٦ و ١٢ من الباب ١٠ والباب ٢٠ و ٤٢ من أبواب لباس المصلي.

الباب ٣٢

فيه ٦ أحاديث

١ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٢.

٢ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ٣.

٣ - الكافي ٦: ٤٦٢ / ١.

٦٠

أما القول بأن العرب قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون إلا بالربا الفاحش الذي يساوى رأس المال أو يزيد عليه ، فإنه لا يصح إلا إذا أغمضنا أعيننا عما لا يحصى من الشواهد التي نقلها أقدم المفسرين وأجدرهم بالثقة.

ولقد كان الشعب العبراني الذي يعيش والشعب العربي في صلة دائمة منذ القدم يفهم من كلمة الربا كل زيادة على رأس المال قلّت أو كثرت ، وهذا هو المعنى الحقيقي والاشتقاقى للكلمة.

أما تخصيصها بالربا الفاحش فهو اصطلاح أوربي حادث ، يعرف ذلك كل مطلع على تاريخ التشريع.

وبعد ، فإنا لا نطيل الوقوف عند هذا النص الانتقالى ، لأن الذي يعنى رجل القانون فى تطبيق الشرائع إنما هو دورها الأخير ، وقد بينا أن الدور الأخير في موضوعنا إنما تمثله الآيات التي تلوناها آنفا من سورة البقرة ، كما رأينا أن الشريعة القرآنية تتجه كلها منذ البداية إلى استنكار كل تعويض يطلب من المقترض أفلا يكون من التناقض أن هذه الشريعة التي تضع الإحسان إلى الفقير في أبرز موضع من قانونها والتي تحث على إنظار المعسر أو على ترك الدين له ـ تعود فتأخذ منه بالشمال ما منعته باليمين ، إذ تأذن للغنىّ بأن يطالبه ببعض الزيادة على الدين؟.

إلى جانب هذه النصوص القرآنية تجد في بيان السنة النبوية ما هو أكثر تفصيلا وأشد صرامة ، فإن الرسول صلوات الله عليه لم يكتف بتحريم الربا على آكله كما ورد فى القرآن الكريم ، ولم يكتف بجعل المعطى والآخذ والكاتب سواء في اللعن والإجرام ، بل إنه أحاط هذه الجريمة بنطاق من الذرائع والملابسات جعلها حمى محرما تحريم الوسائل الممهدة إلى الحرمة الأصلية.

والطريف في أمر هذه الإضافة أنه جعل التحريم فيهما على مراتب متفاوتة

٦١

فى تدرج حكيم يتنقل من الإباحة التامة رويدا رويدا إلى الحظر الكلى ، مارّا بكل المراتب المتوسطة بينهما ا ه ببعض تصرف.

الإيضاح

( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) يقال لمن يتصرف في شىء من مال غيره ، أكله وهضمه أي إنه تصرف فيه تمام التصرف ، فلا سبيل إلى رده كما لا سبيل إلى رد المأكول.

والمراد أن حال المرابين في الدنيا كالمتخبطين في أعمالهم بسبب الصرع والجنون ، إذ أنهم لما فتنوا بحب المال واستعبدتهم زينته ، ضريت نفوسهم بجمعه ، وجعلوه مقصودا لذاته ، وتركوا لأجله جميع موارد الكسب الأخرى ، فخرجت نفوسهم عن حدّ الاعتدال الذي عليه أكثر الناس ، وترى أكثر ذلك ظاهرا في حركاتهم وتقلبهم فى أعمالهم ؛ فالمولعون بأعمال (البورصة) والمغرمون بالقمار يزداد فيهم النشاط والانهماك فى الأعمال ، وترى فيهم خفة تعقبها حركات غير منتظمة. والعرب تقول لمن يسرع ويأتي بحركات مختلفة على غير نظام قد جنّ.

وجمهور المفسرين على أن المراد بالقيام القيام من القبور حين البعث ، وأن الله جعل من علامة المرابين يوم القيامة أنهم يبعثون كالمصروعين ، ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود.

وروى الطبراني حديث عوف بن مالك مرفوعا : «إياك والذنوب التي لا تغفر ، الغلول ـ الخيانة في مغنم وغيره ـ فمن غلّ شيئا أتي به يوم القيامة ، والربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنونا يتخبط».

وتخبط الشيطان للإنسان من زعمات العرب ، إذ يزعمون أنه يخبط الإنسان فيصرع ، فورد القرآن على ما يعتقدون ، وكذلك يعتقدون أن الجنى يمسّ الإنسان

٦٢

فيختلط عقله ، ويقولون رجل ممسوس : أي مسه الجن ، ورجل مجنون : إذا ضربته الجن ، ولهم في ذلك قصص وأخبار وعجائب ، وإنكار ذلك عندهم كإنكار المحسوسات.

فجاءت الآية وفق ما يعتقدون ، ولا تفيد صحة هذا ولا نفيه ، كما جاء قوله تعالى فى وصف ثمر شجرة الزقوم التي تكون يوم القيامة في النار «طلعها كأنّه رءوس الشّياطين» وما رأى أحد رءوس الشياطين ، لكنها جاءت بحسب ما يتخيلون ويزعمون.

( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) أي ذلك الأكل للربا مرتب على استحلالهم له وجعله كالبيع ، فكما يجوز أن يبيع الإنسان السلعة التي ثمنها عشرة دراهم نقدا بعشرين درهما بأجل ، يجوز أن يعطى المحتاج عشرة دراهم على أن يردّ عليه بعد سنة عشرين درهما ، والسبب في كل من الزيادتين واحد وهو الأجل.

تلك حجتهم وهم واهمون فيما قالوا ، فقياسهم فاسد ، ومن ثم قال :

«وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ».

إذ في البيع ما يقتضى حله ، وفي الربا من المفسدة ما يقتضى تحريمه ـ ذاك أن البيع يلاحظ فيه دائما انتفاع المشترى بالسلعة انتفاعا حقيقيا ، فمن يشترى قمحا فإنما يشتريه ليأكله أو ليبذره في الأرض أو ليبيعه ، والثمن مقابل للمبيع مقابلة مرضية للبائع والمشترى باختيارهما ، أما الربا فهو إعطاء الدراهم والمثليات وأخذها مضاعفة في وقت آخر ، فما يؤخذ من المدين زيادة في رأس المال لا مقابل له من عين ولا عمل ، ولا يؤخذ بالرضا والاختيار بل بالكره والاضطرار.

( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ) أي فمن بلغه تحريم الله للربا ونهيه عنه فتركه فورا بلا تراخ ولا تردد اتباعا لنهى الله ـ فله ما كان أخذه فيما سلف من الربا لا يكلف رده إلى من أخذه منهم ، ويكتفى منه بألا يأخذ ربا بعد ذلك.

٦٣

( وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ) يحكم فيه بعدله ، ومن العدل ألا يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم ، وبلوغه الموعظة من ربه ، وفي هذا إيماء إلى أن تلك الإباحة لما سلف رخصة للضرورة ، وترشد إلى أن ردّ ما أخذه من قبل النهى إلى أربابه من أفضل العزائم.

( وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) أي ومن عادوا إلى ما كانوا يأكلون من الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك الذين لم يتعظوا بموعظة من ربهم ، وهو لا ينهاهم إلا عما يضرهم ، فهم أهل النار خالدين فيها.

والخلود هنا المكث الطويل ، وقد عبر به تغليظا كما جاء مثله في آيات أخرى.

ويرى بعضهم أنّ الإقدام على كبائر الإثم والفواحش عمدا ـ إيثار لحب المال أو اللذة به ، فلا يجتمع مع الإيمان الحق الذي يملأ النفوس خوفا ورهبة من عقاب الله بفعل ما نهى عنه ، وأما الإيمان الصوري فلا وزن له عند الله ، لأنه تعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال ، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال كما يرشد إلى ذلك الحديث «لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».

فالذى يرتكب الفواحش على هذه الطريقة يعدّ من الكافرين المستحلين ، وإن أنكر ذلك بلسانه ، فيكون خالدا مخلدا في النار أبدا.

( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) أي يذهب الله بركة الربا ويهلك المال الذي يدخل فيه ، فلا ينتفع به أحد من بعده ، ويضاعف ثواب الصدقات ، ويزيد المال الذي أخرجت منه.

أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يقبل الله تعالى إلا طيبا ، فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل».

وقال العلماء : المراد بالمحق ما يلاقى المرابى من عداوة المحتاجين ، وبغض المعوزين وقد تفضى هذه العداوة والبغضاء إلى مفاسد ومضارّ كالاعتداء على الأموال والأنفس والثمرات ، كما ظهر أثر ذلك في الأمم التي فشا فيها الربا ، فقد قام الفقراء يعادون

٦٤

الأغنياء ويتألبون عليهم حتى صارت هذه مسألة اجتماعية شائكة لديهم ، وكذلك ما يصابون به في أنفسهم من الوساوس والأوهام ، يعرف ذلك من راقب عبّاد المال وبلا أخبارهم. فمنهم من شغله المال عن طعامه وشرابه ، بل عن أهله وولده ، حتى لقد يقصّر في حق نفسه تقصيرا يفضى إلى الخسران والذل والمهانة.

وقصارى ذلك ـ إن الربا يمحق ما يطلب الناس بزيادة المال من اللذة وبسطة العيش والجاه والمكانة ، ويصل بصاحبه إلى عكس هذه النتيجة من الهموم والأحزان ، والحب الشديد للمال ، ومقت الناس له ، وكراهتهم إياه ، وبذا لم يصل إلى ثمرة المال المقصودة في هذه الحياة ، وهى أن يكون ناعم البال عزيزا شريفا عند الناس ، لكونه مصدر الخير لهم ، كما يكون محروما في الآخرة من ثواب المال ، فهو حينئذ قد فقد الانتفاع بماله هذا الضرب من الانتفاع ، فكان كمن محق ماله وهلك.

وقد قضت سنة الله في المتصدق أن يكون انتفاعه بماله أكبر من ماله ، وقد تقدم إيضاح هذا.

( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) الكفّار هنا هو المتمادى في كفر ما أنعم الله به عليه من المال ، لأنه لا ينفق منه في سبيله ، ولا يواسى به المحتاجين من عباده ، والأثيم هو المنهمك في ارتكاب الآثام ، فهو قد جعل المال آله لجذب ما في أيدى الناس إلى يده فاستغلّ إعسارهم ، وأخذ أقواتهم ، وامتص دماءهم.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ، لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) أي إن الذين صدّقوا بما جاءهم من ربهم من الأوامر والنواهي ، وعملوا ما تصلح به نفوسهم كمواساة المحتاجين ، والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين ـ وهذا من مستتبعات الإيمان الحقيقي المقرون بالإذعان ـ وأقاموا الصلاة التي تذكّر المؤمن بالله فتزيد إيمانه ، وحبه لربه ومراقبته له ، فتسهل عليه طاعته في كل شىء ، وآتوا الزكاة التي تطهر النفوس من رذيلة البخل وتمرنها على أعمال البر ـ وخص هذين بالذكر مع شمول الأعمال الصالحة لهما لأنهما أعظم أركان العبادات

٦٥

النفسية والبدنية ـ لهم ثواب مدخر عند ربهم يوم الجزاء ، ولا يحزنون على ما فات ، ولا يخافون مما هو آت.

وفي هذا تعريض بآكلى الربا وأنهم لو كانوا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات لكفوا عن ذلك.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) أي يا أيها المؤمنون المصدقون الله فيما به أمر وعنه نهي ، قوا أنفسكم عقابه باتباع أوامره ونواهيه واتركوا ما بقي لكم من الربا عند الناس إن كنتم مؤمنين حقا بكل ما جاء به الدين من أوامر ونواه.

وقد عهد في كلام العرب أن يقال : إن كنت متصفا بما تقول فافعل كذا ويذكرون أمرا من شأنه أن يكون أثرا لهذا الوصف.

وفي هذا إيماء إلى أن من لم يترك ما بقي من الربا بعد أن نهى الله عنه وتوعد عليه ، لا يعدّ من أهل الإيمان الذي له السلطان على الإرادة فهو مخلد في النار ، وإيمانه ببعض ما جاء في الدين ، وكفره ببعضه بعدم الإذعان له والعمل به ، لا يعد إيمانا حقا وإن أقر بلسانه ، إذ مثل هذا لا يعتدّ به كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن».

( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ) أي فإن لم تتركوا ما بقي من الربا كما أمرتكم ، فاعلموا أنكم محاربون لله ورسوله ، إذ خرجتم عن شريعته ولم تخضعوا لحكمها ونبذتم ما جاء به رسوله عنه.

وفي هذا رمز إلى أن عدم الخضوع لأوامر الشريعة خروج منها وامتهان لأحكامها.

وحرب الله غضبه وانتقامه ممن يأكل الربا ، والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا فكثيرا ما رأينا آكلى الربا أصبحوا بعد الغنى يتكففون الناس.

وحرب رسوله مقاومته لهم في زمنه ، واعتبارهم خارجين من الإسلام يحل قتالهم ، وعداوته لهم بعد وفاته إذا لم يخلفه أحد يقيم شريعته.

٦٦

( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) أي وإن رجعتم عن الربا خضوعا لأوامر الدين ، فلكم رءوس الأموال لا تأخذون عليها شيئا من الغرماء ، ولا تنقصون منها شيئا ، بل تأخذونها كاملة.

روى ابن جرير أن هاتين الآيتين نزلتا في العباس بن عبد المطلب ، ورجل من بنى المغيرة كانا شريكين في الجاهلية ، سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بنى عمرو وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله( وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا ) .

وأخرج عن ابن جريج قال : كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن مالهم من ربا على الناس وما لهم من ربا عليهم فهو موضوع ، فلما كان فتح مكة استعمل عتاب بن أسيد عليها ، وكان بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من المغيرة ، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كبير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبي بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال : «إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب».

( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) أي وإن وجد مدين معسر ممن لكم عليهم دين فأنظروه وأمهلوه إلى حين اليسار حتى يتمكن من أداء الدين.

روى أن بنى المغيرة قالوا لبنى عمرو بن عمير في القصة السالفة : نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا فنزلت الآية في قصتهم كالآيتين قبلها.

( وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) أصل نصدقوا تتصدقوا أي وتصدقكم على المعسرين من المدينين بإبرائهم من الدين كلّا أو بعضا ، خير لكم من إنظارهم وأكثر ثوابا عند الله منه.

وفي هذا حث على الصدقة ، والسماح للمدين المعسر ، لما فيه من التعاطف

٦٧

والتراحم وبر الناس بعضهم ببعض ، وذلك مما يوجد حسن الصلة بين الأفراد ويتم ارتباط الأمة وتضامن بنيها في المصالح العامة ، كما يرشد إلى ذلك الحديث : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا».

( إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم فاعملوا وفق ما تعلمون ، وسامحوا إخوانكم ، وأشعروا قلوبهم الشفقة والحدب عليهم.

وفي الآية دليل على وجوب إنظار المعسر إلى حين اليسار ، وأفضل منه الإبراء والتصدق عليه بقيمة الدين.

ثم ختم سبحانه آيات الربا بتلك العظة البالغة التي إذا وعاها المؤمن هوّنت عليه السماح بالمال والنفس وكل ما يملك مما طلعت عليه الشمس فقال :

( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) أي واحذروا ذلك اليوم العظيم الذي تتفرغون فيه من شواغلكم الجسدية الدنيوية التي كانت تصرفكم عن ربكم في هذه الحياة ، إذ كنتم ترون أن لكم حاجات وضرورات يجب عليكم أن تستعدوا لها بتكثير المال وجمعه.

والخلاصة ـ إنكم إذا تذكرتم ذلك اليوم وفكرتم فيما أعدّ الله لعباده من الجزاء على قدر أعمالهم ، خفف ذلك من غلوائكم واطمأنت نفوسكم إلى ملاقاة ربكم ، فتجدون بردا وسلاما لطيب هذه المعاملة.

( ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) أي ثم يجازى كل امرئ بما عمل من خير أو شر.

( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) أي لا ينقصون من ثوابهم ولا يزدادون على عقابهم.

عن ابن عباس أن هذه الآية آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام وقال : ضعها فى رأس المائتين والثمانين من البقرة ، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها أحدا وعشرين يوما ، وقيل أحدا وثمانين يوما.

٦٨

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) )

تفسير المفردات

تداينتم : داين بعضكم بعضا ، إلى أجل مسمى : أي موعد محدود بالأيام والشهور والسنة ونحوها مما يفيد العلم ، لا بالحصاد وقدوم الحاج مما فيه جهالة ، بالعدل

٦٩

أي بالسوية من غير ميل إلى أحد الجانبين ، ولا يأب أي لا يمتنع ، كما علمه الله أي على الطريق التي علمه الله إياها من كتابة الوثائق ، وليملل أي وليلق على الكاتب ما يكتبه والإملال والإملاء بمعنى ، يقال أملّ على الكاتب وأملى عليه ، ولا يبخس أي ولا ينقص ، سفيها أي ضعيف الرأي لا يحسن التصرف في المال لضعف عقله ، أو ضعيفا أي صبيا أو شيخا هرما ، أو لا يستطيع أن يملّ أي بأن كان جاهلا أو ألكن أو أخرس ، واستشهدوا شهيدين أي اطلبوا أن يشهد رجلان ، ترضون أي ترضون دينهم وعدالتهم ، أن تضل أي تخطىء لعدم ضبطها وقلة عنايتها ، ولا تسأموا أي لا تملوا ولا تضجروا ، أقسط أي أعدل ، وأقوم أي وأعون على إقامتها على وجهها ، وأدنى أي أقرب ، ألا ترتابوا أي إلى انتفاء الريب في جنس الدين وقدره وأجله ، تديرونها أي تتعاطونها بالتعامل يدا بيد ، الجناح الإثم والذنب ولا يضارّ أي ولا يفعل الضرر بالمتعاملين بالامتناع عن الكتابة أو الشهادة أو بالتحريف أو الزيادة أو النقص ، فسوق أي خروج عن الطاعة ، والرهان واحدها رهن بمعنى مرهون.

المعنى الجملي

بعد أن رغب سبحانه في الصدقات والإنفاق في سبيله ، لما فيهما من الرحمة ثم أعقب ذلك بالنهى عن الربا لما فيه من القسوة ـ ذكر هنا ما يحفظ المال الحلال بكتابة الدين والإشهاد عليه وعلى غيره من المعاوضات ، وأخذ الرهن إذا لم يتيسر الاستيثاق بالكتابة والإشهاد عليه ، إذ من يؤمر بالإنفاق والصدقة ، وينهى عن ترك الربا لا بدّ له من كسب ينّمى ماله ويحفظه من الضياع ، ليتسنى له القيام بما طلب الله وحث عليه.

وفي هذا دليل على أن المال ليس مبغوضا عند الله ، ولا مذموما في دين الله ، كيف وقد شرع الله لنا الكسب الحلال وهدانا إلى حفظ المال وعدم تضييعه ،

٧٠

وإلى اختيار الطرق النافعة في إنفاقه باستعمال عقولنا ، وتوجيه إرادتنا إلى العمل بخير ما نعرفه منها.

وكأنّ هذه الآية جاءت احتراسا مما عسى أن يقع في الأذهان من الكلام السابق ، إذ ربما فهم من المبالغة في الترغيب في الإنفاق في سبيل الله ، والتشديد في تحريم الربا ، أن جمع المال وحفظه مذموم على الإطلاق كما يظهر من نصوص بعض الأديان السابقة وكأنه يقول : إنا لا نأمركم بإضاعة المال ولا بترك تثميره ، وإنما نأمركم أن تكسبوه من الطريق الحلال ، وتنفقوا منه في وجوه البر والخير ، يرشد إلى هذا أن الله نهانا عن إيتاء المال للسفهاء خوفا من ضياعه بقوله : «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً » أي تقوم بها مصالحكم ومعايشكم.

روى أحمد والطبراني حديث عمرو بن العاص «نعمّا المال الصالح للمرء الصالح» وإنما يذم المال إذا استعبد صاحبه ، فبخل في إنفاقه ، واشتط في جمعه من الحلال والحرام ، روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم».

الإيضاح

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) طلب الله إلى المؤمنين حفظا لديونهم التي تشمل القرض والسلم [ما فيه المبيع مؤجل والثمن عاجل] ويسميه العامة (الغاروقة) وبيع الأعيان إلى أجل معين ـ أن يكتبوها حتى إذا حل الأجل سهل عليهم أن يطلبوها ويقاضوا المدين للحصول عليها.

وقد تبين الله تعالى كيفية الكتابة ، ومن يتولاها فقال :

( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ) أي وليكن الكاتب الذي يكتب لكم الديون عادلا يساوى بين المتعاملين ، لا يميل إلى أحدهما فيزيده على حقه ، ولا يميل عن الآخر فيبخسه من حقه.

٧١

( وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ) بعد أن شرط الله في الكاتب العدالة شرط فيه العلم بالأحكام والفقه في كتابة الدين ، إذ الكتابة لا تكون ضمانا تاما إلا إذا كان الكاتب عالما بالأحكام الشرعية والشروط المرعية عرفا وقانونا ، وكان عادلا حسن السيرة ، لا غرض له إلا بيان الحق بلا محاباة.

وقدم صفة العدالة على صفة العلم ، لأن العادل يسهل عليه أن يتعلم ما ينبغى أن يعلمه لكتابة الوثائق ، ولكن من كان عالما غير عادل فالعلم بهذا وحده لا يهديه للعدالة ، وقلما رأينا فسادا من عدل ناقص العلم ، ولكن أكثر الفساد من العلماء الذين فقدوا ملكة العدالة.

وفي ذكر هذه الشروط في الكاتب إرشاد من الله للمسلمين أن يكون فيهم هذا الصّنف من الكتاب القادرين على كتابة العقود الرسمية ، كما أن في ذكرها إيماء إلى أنه ينبغى أن يكون الكاتب غير المتعاقدين وإن كانا يحسنان الكتابة خيفة أن يغالط أحدهما الآخر أو يغشّه.

وفي التعبير بقوله (ولا يأب) رمز إلى أن العالم بما فيه مصلحة الناس ، إذا دعى إلى القيام بعمل وجب عليه أن يلبّى الدعوة ، ومن ثم أمره الله بذلك أمرا صريحا فقال :

(فليكتب) وهذا الأمر بعد النهى عن الإباء كالتأكيد ، لأن الموضوع هامّ لتعلقه بحفظ الحقوق ، ولا سيما لدى الأميين الذين خوطبوا به أولا.

( وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ) أي وليلق على الكاتب ما يكتبه المدين ليكون إملاله حجة عليه تحفظها الكتابة.

( وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) أي وليتق الذي عليه الحق الله في الإملال ، بأن يذكر ما عليه كاملا ، وفي هذا مبالغة في الحث على التقوى بالتذكير بجلائل النعم والترهيب من العقاب.

ثم نهاه أن يبخس من الحق شيئا تأكيدا لهذا فقال :

( وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ) إذ الإنسان مجبول على دفع الضرر عنه ، وعرضة

٧٢

للطمع ، وربما يستخفه طمعه إلى نقص شىء من الحق ، أو الإبهام في الإقرار الذي يملى على الكاتب تمهيدا للمجادلة والمماطلة.

( فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) أي فإن كان المدين ضعيف العقل أو صبيا أو هرما أو جاهلا أو ألكن أو أخرس ، فعلى من يتولى أموره ويقوم مقامه من قيّم أو وكيل أو مترجم أن يمل بالعدل بلا زيادة ولا نقص.

( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ) أي واطلبوا أن يشهد على المداينة رجلان من المؤمنين ممن حضرها ، وفي قوله من رجالكم دليل على اشتراط الإسلام في الشهادة كما اشترطوا العدالة بدليل قوله : «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ».

قال ابن القيم في إعلام الموقعين : البيّنة في الشرع أعم من الشهادة ، فكل ما يتبين به الحق كالقرائن القطعية يسمى بينة ، فلا مانع أن تدخل شهادة غير المسلم في البينة بذلك المعنى إذا تبين للحاكم الحق بها.

( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ ) أي فإن لم يكونا أي من تستشهدونهما رجلين ، فليستشهد رجل وامرأتان.

( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ) أي ممن ترضون دينهم وعدالتهم من الشهداء ، وإنما جىء بهذا الوصف لضعف شهادة النساء وقلة ثقة الناس بها ، ومن ثم فوّض الأمر فيها إلى رضى المستشهدين.

( أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) أي حذر أن تضل إحداهما وتخطىء لعدم ضبطها وقلة عنايتها ، فتذكر كل منهما الأخرى بما كان فتكون شهادتها متممة لشهادة الأخرى.

وخلاصة هذا ـ أنه لما كان كل منهما عرضة للخطأ والضلال : أي الضياع وعدم الاهتداء إلى ما كان قد وقع بالضبط ، احتيج إلى إقامة الثنتين مقام الرجل الواحد حتى إذا تركت إحداهما شيئا من الشهادة ، كأن نسيته أو ضل عنها تذكرها الأخرى

٧٣

وتتم شهادتها ، وعلى القاضي أن يسأل إحداهما بحضور الأخرى ، ويعتدّ بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى ، وكثير من القضاة لا يعلمون بهذا جهلا منهم بما ينبغى أن يتبع في نحو هذا.

أما الرجلان فيفرق بينهما ، فإن قصر أحدهما أو نسى شيئا مما يبين الحق لا يعتد بشهادته ، وتكون شهادة الآخر وحده غير كافية ولا يعول عليها إن بينت الحق.

وهذه العبارة لبيان سر تشريع الحكم في اشتراط العدد في النساء ، إذ قد جرت العادة أن المرأة لا تشتغل بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فتكون ذاكرتها ضعيفة فيها ، بخلاف الأمور المنزلية فإن ذاكرتها فيها أقوى من ذاكرة الرجل فقد جبل الإنسان على أن يقوى تذكره لما يهتم به ويعنى بشأنه ، واشتغال النساء في هذا العصر بالمسائل المالية لا يغير هذا الحكم. لأن الأحكام إنما تكون للأعم الأكثر ، وعدد هؤلاء قليل في كل أمة وجيل.

( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) أي ولا ينبغى للشهود أن يمتنعوا عن تحمل الشهادة ليؤدوها حين الحاجة.

روى الربيع أن الآية نزلت حين كان الرجل يطوف في القوم الكثير فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم ، وقيل إن المراد لا يأبوا عن تحمل الشهادة ولا أدائها ، فالامتناع عن كل منهما محرم ، وهو فرض كفاية لا يجب على من دعى إليه إلا إذا لم يوجد غيره يقوم مقامه.

( وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ) أي ولا تتكاسلوا عن كتابة الدين ، قليلا كان أو كثيرا ، مبينين بذلك أجله المسمى.

وفي هذا دليل على أن الكتابة من الأدلة التي تعتبر عند استيفاء شروطها ، وعلى أنها واجبة في القليل والكثير ، وعلى أنه لا ينبغى التهاون في الحقوق حتى لا يضيع شىء منها ، وهذا قاعدة من قواعدة الاقتصاد في العصر الحديث ، فكل المعاملات والمعاوضات لها دفاتر خاصة تذكر فيها مواقيتها ، والمحاكم تجعلها أدلة في الإثبات

٧٤

ثم بين الحكمة في الأوامر والنواهي المتقدمة بعد ذكرها ، وتلك سنة القرآن يذكر الأحكام ، ثم يذكر أسرارها وفوائدها لتكون أثبت في النفس ، وأثلج للقلب قال :

( ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ) أي ذلك الحكم أحرى بإقامة العدل بين المتعاملين ، وأعون على إقامة الشهادة على وجهها.

وفي هذا إيماء إلى أن للشاهد أن يطلب وثيقة العقد المكتوب ليتذكر ما كان من الأحوال حين كتابتها وإملائها.

وقوله : أدنى ألا ترتابوا ؛ أي إنه أقرب إلى نفى ارتياب بعضكم من بعض ، إذ هذا الاحتياط في كتابة الحقوق والإشهاد عليها ، ومراعاة العدل من المتعاملين والكتّاب والشهداء يدفع الارتياب وما ينشأ منه من مفاسد كالعداوات والمخاصمات ـ وهذه ميزة ثالثة تؤكد الأخذ بها والاعتماد عليها وجعلها مذكرة للشهود.

( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ) أي إن الكتابة مطلوبة إلا أن توجد تجارة حاضرة تدار بين المتعاملين بالتعاطى بأن يأخذ المشترى المبيع والبائع الثمن ، فلا حرج حينئذ في ترك الكتابة ولا إثم في ذلك ، إذ لا يترتب عليه شىء من التنازع والتخاصم.

وفي هذا إشارة إلى ما يجب على المرء في ضبط أمواله وإحصاء ما يرد إليه وما يصدر عنه ، وهذا منتهى الرقى المدني ، هدى إليه الإسلام قبل أن يعرفه الغربيون ذوو الحضارة والمدنية بعدة قرون ، ولم يجعل ذلك أمرا محتوما لما فيه من المشقة على غير الأمم ذات التقدم والحضارة.

( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) أي وأشهدوا في التبايع في التجارة الحاضرة ، إذ قد يحصل التنازع والخلاف في بعض العقود الحاضرة بعد تمام العقد ، فاكتفى بالإشهاد.

أما الديون المؤجلة فربما يقع التنازع فيها بعد موت الشهود ، إذ هى مما يطول زمنها ومن ثم وجبت كتابتها.

٧٥

( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) أصل يضارّ يضارر (بكسر الراء) وهذا نهى للكاتب أن يضر أحد المتعاملين بالتحريف أو التغيير بزيادة أو نقص ، وللشاهدين أن يحرفا أو يتركا الإجابة عما يطلب منهما ، ويؤيده قوله بعد( وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) إذ التحريف في الكتابة والشهادة فسق وإثم.

( وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ) أي وإن تفعلوا ما نهيتم عنه من الضرار ، فإن هذا الفعل خروج من طاعة الله إلى معصيته.

( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أي واتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه ، وهو سبحانه يعلمكم ما فيه صلاح حالكم في الدارين وحفظ أموالكم ، ولو لا هديه لكم لم تعلموا شيئا ، وهو العليم بكل شىء ، فإذا شرع شيئا من الأحكام فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح لمن اتبع شرعه وهداه.

وجاء ختم الآية بهذه الموعظة الحسنة ليكون معينا على الامتثال لجميع ما تضمنته من الأحكام ـ وهذه الآية أطول آية في القرآن وأبسطها شرحا وأبينها أحكاما ، وفيها مبالغة في التوصية بحفظ المال وصونه من الضياع ، ليتمكن المرء من الإنفاق في سبيل الله ، والإعراض عما يوجب سخطه من التعامل بالربا وغيره ، ومن المواظبة على تقواه التي هى الوسيلة لكل فوز وفلاح.

ثم ذكر ما هو كالاستثناء من الأحكام السابقة فقال :

( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) أي وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبا يحسن كتابة المداينة ، أولم تجدوا صحيفة ولا دواة ولا قرطاسا ، فاستوثقوا برهن تقبضونه.

وذكر السفر وعدم وجود الكاتب الذي يكتب وثيقة الدين ، بيان للعذر الذي رخص ترك الكتابة ووضع الرهن محله في التوثق لصاحب الدين لا لمنع أخذ الرهن فى غير ذلك ، فقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه في المدينة ليهودى بعشرين صاعا من شعير أخذها لأهله رواه البخاري ومسلم.

٧٦

وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغى أن يكون عدم وجود الكاتب مقيدا بحال السفر ، لا في مواطن الإقامة ، لأن الكتابة مفروضة على المؤمنين ، والإيمان لا يتحقق إلا بالإذعان والعمل ، ولا سيما في فريضة أكدت كالكتابة.

( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ) أي فإن أمن بعض الدائنين بعض المدينين لحسن ظنه به ، وثقته بأنه لا يجحد الحق ولا ينكره ، فليؤدّ المدين دينه وليكن عند ظن الدائن به ، وليتق الله ربه فلا يتخوّن من الأمانة شيئا ، فقد يوسوس له الشيطان بأن لا حجة عليه ولا شهيد ، فالله خير الشاهدين وهو أولى أن يتقى ، وسمى الدين أمانة لائتمان المدين عليه بترك الارتهان به.

والآيات السالفة الدالة على وجوب الكتابة والإشهاد وأخذ الرهن هى الأصل ، والعزيمة للاحتياط في الديون ـ وهذه الآية رخصة أباحها الله لناحين الضرورة كالأوقات التي لا يوجد فيها كاتب ولا شهيد ، فإذا احتاج امرؤ إلى الاقتراض من أخيه فى مثل هذه الحال ، فالله لا يحرم عليه قضاء حاجته وسد خلّته إذا هو ائتمنه.

ثم أكد وجوب الشهادة الذي استفيد من قوله :( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) بقوله :

( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) أي ولا تمتنعوا عن أداء الشهادة إذا دعا إليها الأمر ، ومن يفعل ذلك يكن مجترحا للإثم مرتكبا للذنب.

وسرّ هذا التأكيد أن الكتّاب والشهود هم الذين يعينون الناس على حفظ أموالهم ، فعليهم ألا يقصروا في ذلك ، كما على أرباب الأموال ألا يضاروهم ، فإن المصلحة مشتركة بين الجميع.

ونسب الإثم إلى القلب ، لأنه هو الذي يعى الوقائع ويدركها ويشهد بها ، فهو آلة الشعور والعقل ، فكتمان الشهادة عبارة عن حبس ذلك فيه ، والإثم كما يكون بعمل الجوارح وحركات الأعضاء يكون بعمل القلب واللب ، كما يرشد إلى ذلك قوله تعالى : «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً »

٧٧

فأسند إلى الفؤاد : أي القلب أو النفس أعمالا خاصة به ، كما أسند الباقي إلى السمع والبصر.

ومن آثام القلب سوء القصد وفساد النية والحسد.

والآية ترشد إلى أن الإنسان يعاقب على ترك المعروف كما يعاقب على فعل المنكر ، لأن الترك في الشهادة بكتمانها فعل للنفس تترتب عليه آثار تضرّ غيرها.

وكل من الكتابة والاستشهاد شرع للاستيثاق بين الدائن والمدين ، والكتابة أقوى من الشهادة ، والشهادة عون لها ، فالدائن يستوثق لماله فيأمن من إنكاره كله أو بعضه ، والمدين يستوثق لما عليه فلا يخاف أن يزاد فيه ، والشاهد يستوثق بشهادته فإذا شك أو نسى رجع إلى الكتاب فتذكّر واطمأن قلبه كما قال : «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا ».

للكتابة الفضل الأكبر في حفظ الحقوق حين موت الشهيدين أو أحدهما ، لأنه لا حافظ لها حينئذ إلا هى ، فهى التي يرجع إليها ويعمل بها.

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) )

المعنى الجملي

جاءت هذه الآية متممة لقوله : «وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » ودليل عليه ، لأن كل شىء هوله ، وهو خالقه فهو العليم به ، ونحو الآية قوله : «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ».

وإذا كان كل شىء في السموات والأرض له ، فهو يعاقب من كتم الشهادة ، لأنه قد أتى إثما وارتكب جرما ، ثم زاد هذا المعنى توكيدا بما يعده من قوله :

٧٨

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) إلى آخر الآية ، إذ كتمان الشهادة داخل في عموم ما في النفس فالله يحاسب عليه ، فإن شاء عفا عمن أجرم ، وإن شاء عاقبه وهو القدير دون سواه على ذلك.

الإيضاح

( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) أي كل ما فيها خلقا وملكا وتصرفا له لا شركة لغيره في شىء منهما فلا يعبد فيهما سواه ، ولا يعصى فيما يأمر وينهى ، وله أن يلزم من شاء بما شاء من التكاليف.

( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) أي وإن تظهروا ما في قلوبكم من السوء والعزم عليه بالقول أو بالفعل ، أو تكتموه عن الناس ولا تظهروه يجازكم الله به يوم القيامة ، لأن الإبداء والإخفاء عنده سيان ؛ لأنه «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » فالمعوّل عليه في مرضاته تزكية النفوس وتطهير السرائر لا لوك اللسان ، وحركات الأبدان.

والمراد بقوله( ما فِي أَنْفُسِكُمْ ) الأشياء التي لها قرار في أنفسكم ، وعنها تصدر أعمالكم كالحقد والحسد ونحوهما ـ ذاك أن الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان ولا يكون لها أثر في نفسه ولا ينتج منها فعل يكون مترتبا عليها ، لكنه إذا استرسل معها حسبت عليه عملا يجازى به ، لأنه مشى معها قدما باختياره ، وقد كان يستطيع مطاردتها وجهادها ، فالمظلوم يذكر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه ، وربما استرسل مع خواطره إلى أن تجره إلى تدبير الحيل للإيقاع به ، ومقابلة ظلمه بما هو شر منه ، فيكون مؤاخذا عليه أبداه أو أخفاه.

وصفة الحسد تبعث في نفس الحاسد خواطر الانتقام من المحسود والسعى في إزالة نعمته ، وهذه الخواطر مما يحاسب الحاسد عليها أبداها أو أخفاها ـ وهكذا يقال في كل أعمال القلب التي أمرنا الشارع بجهادها ومقاومتها ، مما هو أثر لأخلاق وملكات وعزائم قوية تنشأ عنها أعمال هى آثار لها ، إذا انتفت الموانع وتركت المجاهدة.

٧٩

أخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب ، فقالوا : أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق ـ الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ـ وقد أنزل الله هذه الآية ولا نطيقها ، فقال رسول الله : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم : سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير؟ فلما قرأها القوم وذلّت (لانت) بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ » الآية ، قال فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها » إلى آخرها.

وقوله نسخها الله : أي أزال ما أخافهم من الآية الأولى وحوّله إلى وجه آخر.

وقد قال الصحابة ما قالوا لأنهم قد دخلوا في الإسلام وكثير منهم تربّوا في حجر الجاهلية وانطبعت في نفوسهم أخلاقها ، وأثرت في قلوبهم عاداتها ، وكانوا يتطهرون منها بالتدريج بهدى الرسول ونور القرآن ، فلما نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان باقيا في أنفسهم من العادات الأولى ، وكانوا يحاسبون أنفسهم لاعتقادهم النقص وخوفهم من الله عز وجل ، حتى أثر عن عمر بن الخطاب أنه كان يسأل حذيفة بن اليمان هل يجد فيه شيئا من علامات النفاق؟ فأخبرهم الله تعالى بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا يؤاخذها إلا على ما كلفها ، وهم مكلفون بتزكية أنفسهم ومجاهدتها بقدر الطاقة ، وطلب العفو عما لا طاقة لهم به.

وقد يكون بعضهم خاف أن تدخل الوسوسة والشبهة قبل التمكن من دفعها فيما تشمله الآية ، فكان ما بعدها مبينا لغلطهم في ذلك.

( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) أي فهو يغفر بفضله لمن يشاء أن يغفر له ، وبعذب بعدله من يشاء أن يعذبه ، والله إنما يشاء ما فيه الرحمة والعدل ، ومن العدل

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218