ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 108305
تحميل: 4442


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108305 / تحميل: 4442
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم، ومكانه منهم، ليشتدّ لهم رأيهم فيه، وليحدبوا معه أمرهم، فقال أبوطالب:

إذا اجتمعت قريش لفخرٍ

فعبد مَناف سِرُّها وصميمُها

وإن حصلت أشراف عبد مَنافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوماً فإنّ محمّداً

هو المصطفى من سِرّها وكريمها

تداعت قريش غَثُّها وسَمينُها

علينا فلم تظفر وطاشت حُلومُها

وكنّا قديماً لا نقرّ ظلامةً

إذا ماثنوا صُعر الخدود نُقيمها

ونحمي حماها كل يوم كريهة

ونضربُ عن أحجارها من يرومها(1)

إنّ أبا طالبرضي‌الله‌عنه يحكم لعبد مناف على قريش بالفخر؛ وإذا صار السباق في حلقة الشرف؛ فهاشم عُوده المونق؛ وذروةُ هاشم وسنامُها: محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . هكذا يصنّف أبوطالب مواضع الفخر، فكيف انساقت كتب الحديث والتاريخ خلف العداء الأمويّ وأعرضت عن هذه السيرة العطرة لهذا الرجل النبيل الذي كان سنداً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يفديه بنفسه وبابنه وعشيرته عن إيمانٍ برسالته؛ فصار مشركاً؛ وسيجمع الله بينهم وحينها يخسر المبطلون.

ومن شعر لمؤمن قريش وشيخ البطحاء أبي طالب يُظهر فيه مَنَعتَه وإيمانه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويختمه بالتوحيد لا بالشرك! قال:

ما إن جنينا من قريش عظيمة

سوى أن منعنا خيرَ مَن وطىء التُربا

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 149.

٣٠١

أخائفة للنائبات موراً(1) كريماً

ثناه لا لئيماً ولا ذربا

فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

فإيّاكما أن تسعّرا بيننا حربا

وإن تصبحوا من بعد وُدٍّ وإلفةٍ

أحابيش فيها كلّكم يشتكي النكبا

ألم تعلموا ما كان في حربِ داحسٍ

ورهط أبي يكسوم إذا ملأوا الشعبا

فوالله لو لا الله لا شيء غيره

لأصبحتم لا تملكون لنا سِربا(2)

فهو يبدأ بمدح ابن أخيه الذي ينافح عنه وأنّه خيرُ مَن وطئ التربا ويختمها بالقسم لا باللاّت والعزّى التي يحلف بها أهل الجاهليّة وإنّما بالله تعالى، ثمّ ينزهّه أن يكون شيء غيره، فمثل أبي طالب يقال عنه مشرك؟! والذي يحمل معه الأزلام يوم «تبوك» فإذا ظهرت الروم قال: ويهٍ بني الأصفر مشجّعاً لهم، ذلك هو أبو سفيان.

واسمع أبا طالب كيف يشدّ من عزيمة ابن أخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليواصل مسيرته وأنّه يمنع عنه أعداءه ولن يصلوا إليه بأذى حتّى يهلك دونه، ومصرّحاً بأنّ دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خير الأديان، فماذا بعد الهدى إلاّ الضلال؟! قالرضي‌الله‌عنه :

والله لن يصلوا إليه بجمعهم

حتّى أُوَسّد في التراب دفينا!

إمضِ لأمركِ ما عليك غَضاضةٌ

وابشرْ وقرَّ بذاك منك عيونا

ودعوتني وعلمتُ أنّك ناصحٌ

فلقد صدقتَ وكنتَ قديماً أمينا

____________________

(1) أي: سريع الأجابة.

(2) سيرة ابن إسحاق 150.

٣٠٢

وعرضتَ دينا قد عرفتُ بأنّه

من خير أديان البريّة دينا(1)

وأشعار أبي طالب ومواقفه الجهاديّة وشرحها يطول، نأخذ بعض الشواهد التي تُبطل الدعاية الوضعيّة الأمويّة المعادية لهذا البيت الشريف ولأنّه يُعطي تفسيراً موضوعيّاً للوضع الذي مارسه الأمويّون بحقّ أسباب نزول آيات القرآن الكريم، وموقفهم من السنّة منعاً ووضعاً!! ومن شعره لما كتبت قريش كتابها في بني هاشم:

ألا أبلغا عنّي على ذات نأيها

لؤيّاً وخصّا من لؤيّ بني كعب

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً

نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب

أفيقوا أفيقوا قبل أن تُحفر الثرى

ويُصبح مَن لم يجنِ ذنباً كذي الذنب!

ولسنا وربّ البيت نُسْلم أحمدا

على الحال من عضّ الزمان ولا كرب(2)

والشعر أطول من هذا، يحث على مناصرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبني هاشم مقابل الذين فرضوا عليهم المقاطعة، ويقيم عليهم الحجّة بأنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّ مذكور في التوراة؛ ويحلف بربِّ البيت أنّهم لن يخذلوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أيّ حالٍ من الأحوال.

ولو كان أبو طالب مشركاً - حاشا أن ننطق بها! - للجأ إلى اللاّت والعُزّى وغيرها ممّا كان أبوسفيان ومشايخ قريش عاكفين على عبادتها وتقديسها والنَّحرِ

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 155.

(2) نفسه 157.

٣٠٣

لها، وطلب النّصر منها؟! إلاّ أنّ الموحّد كان يلجأ إلى الواحد الأحد:

«يونس بن بُكير عن ابن إسحاق قال: لمّا سمعت قريش بذلك - أي بشعره وصلابته - ورأوا منه الجدّ وأيسوا منه، فأبدوا لبني عبد المطّلب الجفاء، فانطلق بهم أبو طالب فقاموا بين أستار الكعبة، فدعوا الله على ظُلمِ قومهم لهم، وفي قطيعة أرحامهم واجتماعهم على محاربتهم، وبتأوّلهم سفك دمائهم، فقال أبو طالب: اللّهمّ إنْ أبى قومُنا إلاّ النصر علينا، فعجّل نصرنا، وحل بينهم وبين قتل ابن أخي»(1) .

ثمّ أقبل أبو طالب إلى جمع قريش وهم ينظرون إليه وإلى أصحابه، فقال أبو طالب: ندعو بربّ هذا البيت على القاطع المنتهك للمحارم، والله لتنتهنّ عن الذي تريدون، أو لينزلنّ الله بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون، فأجابوه: إنّكم يا بني عبد المطّلب لا صلح بيننا وبينكم ولا رحم إلاّ قتل هذا الصبيّ السفيه(2) .

هذا النضال الشديد مع تعريضه نفسه وبنيه وعشيرته لكلّ المخاطر هو مجرّد عاطفة؟! ولمّا رأى من القوم إصراراً انتهى بالمقاطعة عاطفة كذلك؟! وتبقى مسألة الإيمان بالله تعالى، فلم يسجّل التاريخ أنّ لأبي طالب صنماً تمسّك به، إنّما وجدنا يُقسم بالله وحده ويتوعّد المشركين بصلابة أنّ ربّه الله سيعاقبهم وقد فعل؛ إذ قُطعت رؤوس العُتاة من آل اُميّة وغيرهم وأكثرهم حصدهم سيف ذي الفَقار بيد الفتى عليّعليه‌السلام ؛ فلا غرو أن يضعوا الأحاديث التي تنال منه ومن أبيه،

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 158.

(2) نفسه 158 - 159.

٣٠٤

مع التشدّد في منع رواية الحديث إلاّ مشروطاً: ما كان على عهد عمر.

المقاطعة ودخول الشِعب

قال ابن إسحاق: ثمّ عمد أبو طالب فأدخل الشِعْبَ ابن أخيه وبني أبيه ومن اتّبعهم من بين مؤمن، دخل لنصرة الله، ونصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بين مشرك يحمي، فدخلوا شعبهم، وهو شعب في ناحية من مكّة ...؛ وكان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلاً أو سرّاً، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أخذ مضجعه أو رقد بعثه أبو طالب عن فراشه وجعله بينه وبين بنيه خشيةَ أن يقتلوه(1) .

وهذا الذي أشرنا إليه سابقاً، وهنا تجد أبا طالب يعرّض نفسه وبنيه لخطر القتل فداءً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فهل فعله هذا إلاّ عن إيمان راسخ بنبوّة محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولذا لا نعجب أن يكون جوابه لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كما مرّ بنا حين مبيته على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هجرته المباركة. ولأبي طالبرضي‌الله‌عنه شعر فيما جرى في الشعب:

ألا من لهَمٍ آخر الليل مُعتم

طواني وأخرى النجم لم يتقحّم

طواني وقد نامت عيون كثيرة

وسائر أخرى ساهر لم يُنوم

لأحلام أقوام أرادوا محمّداً

بسوءٍ ومَن لا يتّقي الظلم يُظلم

سَعَوا سَفَهاً واقتادهم سوء رأ

يهم على قائل من رأيهم غير محكم

رجوا أمور لم ينالوا نظامها

وإن حشدوا في كلّ نفر وموسم

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 159 - 160.

٣٠٥

يرجون أن نسخا بقتلِ محمّد

ولم تختضِب سُمْرُ العوالي من الدم

يرجون منّا خطّة دون نَيْلِها

ضَرابٌ وطعن بالوشيج المقوم

كذبتم وبيت الله لا تقتلونه

جماجم تلقى بالحطيم وزمزم

وتقطع أرحام وتنسى حليلة

حليلها ونغساً محرماً بعد محرم(1)

ومن قصيدة له لمّا أخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الله أعلمه أنّه أرسل الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسم هو لله عزّ وجلّ إلاّ أكلته، وبقي فيها الظُلم والقطيعة والبُهتان، فانطلق أبو طالب حتى دخل المسجد، والمشركون من قريش في ظلّ الكعبة ...، فلمّا انتهى إليهم قالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم! وفي حياته فرقتكم وفسادكم! فقال أبو طالب: قد جئتكم في أمرٍ لعلّه فيه صلاح وجماعة فاقبلوا، هلمّوا صحيفتكم التي فيه تظاهركم علينا، فجاءوا بها ...، فلمّا جاءوا بصحيفتهم قال: صحيفتكم بيني وبينكم، وإنّ ابن أخي خبرني - ولم يكذبني - أنّ الله عزّ وجلّ بعث على صحيفتكم الأرضة، فلم تدع لله فيها إسماً إلاّ أكلته وبقي فيها الظُلم والقطيعة والبهتان، فإن كان كاذباً فلكم عليَّ أن أدفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقاً؛ فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق، وأخذوا عليه، فلمّا نشروها فإذا هي كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا هم بالغدر أولى منهم، واستبشر أو طالب وأصحابه، وقالوا: أيّنا أوْلى بالسحر والقطيعة والبهتان فقال المـُطعم بن

____________________

(1) نفسه.

٣٠٦

عَدي بن نَوْفل بن عبد مَناف، وهشام بن عمرو، أخو عامر بن لُؤيّ بن حارثة، فقالوا: نحن بُراءٌ من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالئ أحداً في فساد أنفسنا وأشرافنا، وتتابع على ذلك ناس من أشراف قريش، فخرج ناس من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد، فقال أبو طالب في ذلك من أمر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما أرادوا من قتله:

تطاول ليلي بهمّ وصبّ

ودمع كسحّ السِقاء السرب

للعب قَصيّ بأحلامها

وهل يرجع الحلم بعد اللعب

وقول لأحمد أنت أمرؤُ

خلوف الحديث ضعيف النسب

وإن كان أحمد قد جاءهم

بحقٍّ ولم يأتهم بالكذب(1)

والشعر أطول من هذا كلّه أدلّه على صدق إيمان أبي طالب وأنّه لن يخذل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مهما كان التحدّي!

وقالرضي‌الله‌عنه بشأن الصحيفة لمّا رأى قومه لا يتناهون وقد رأوا فيها العلم من العلم ما فيها:

وما ذنبُ مَن يدعو إلى البِرّ والتُّقى

ولم يستطع أن يا رب الشعب يَأرب

وقد جرّبوا فيما مضى غبَّ أمرهم

وما عالم أمراً كمن لم يجرب

وقد كان في أمر الصحيفة عِبرةً

متى ما يُخْبَر غائبُ القوم يعجب

محى اللهُ منها كفرَهم وعقوقهم

وما نقموا من باطل الحقّ معرب

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 161 - 163.

٣٠٧

و أمسى ابنُ عبد الله فينا مُصدَّقاً

على سُخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبوا يا مسلمين محمّداً

لذي عربة منّا ولا متغرّب

ستمنعه منّا يدٌ هاشميّة

مركبها في الناس خيرُ مركب(1)

أيّ إيمان هذا، وكيف يُقال عنه مشرك وهو يصف دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالبِرّ والتُّقى، ومذكّراً بصدق نبوّته بأمرِ الصحيفة وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخبر عن الغيب؛ ولذا فهو ماضٍ على نهجه ومعه في ذلك حواسم بني هاشم.

ولمّا هاجر المسلمون إلى الحبشة، قال أبو طالب شعراً يحضّ فيه النجاشيّ على حسن جوارهم والدفع عنهم:

تعلم - أبيتَ اللعنَ - أنّك ماجد

كريم فلا يشقى لديك المجانب

تعلم بأنّ الله زادك بسطةً

وأسباب خيرٍ كلّها بك لازب

فإنّك فيض ذو سجال غزيرة

ينال الأعادي نفعها والأقارب(2)

وقال أيضاً:

تعلم خيار الناس أنّ محمّداً

وزيرٌ لموسى والمسيح ابن مريم

أتى بهدى مثل الذي أتيا به

وكلّ بأمر الله يهدي ويعصم

وأنّكم تتلونه في كتابكم

بصدق حديث لا حديث الترجم

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 163 - 164.

(2) نفسه 221 - 222.

٣٠٨

وأنّك ما يأتيك منّا عصابةٌ

لفضلك إلاّ أرجعوا بالتكرّم(1)

فأبو طالب يخاطب النجاشيّ ملك الحبشة وهو نصرانيّ ويذكّره بأنّ نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله موجودة في التوراة والإنجيل وأنّها تصفه بالصادق ...

روى الزهريّ أنّ عروة بن الزبير حدّثه، قال: حدّثتني عائشة، قالت: كنتُ عند رسول الله إذ أقبل العبّاس وعليّ، قال: يا عائشة، إنّ هذين يموتان على غير ملّتي - أو قال: ديني(2) .

وروى عبد الرزّاق عن معمر، قال: كان عند الزهريّ حديثان عن عُروة عن عائشة في عليّعليه‌السلام ، فسألتُه عنهما يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما! الله أعلمـُ؛ إنّي لأتّهمهما في بني هاشم.

قال: فأمّا الحديث الأوّل؛ فقد ذكرناه؛ وأمّا الثاني فهو أنّ عُروة زعم أن عائشة حدّثته قالت: كنتُ عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل العبّاس وعليّ، فقال: «يا عائشة؛ إن سَرّكِ أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا»، فنظرتُ، فإذا العبّاس وعليّ بن أبي طالب(3) !!

وأمّا عمرو بن العاص، فروى عنه الحديث الذي أخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما مسنداً متّصلاً بعمرو بن العاص، قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

____________________

(1) سيرة ابن إسحاق 222.

(2) نفسه 4: 63 - 64.

(3) نفسه 64.

٣٠٩

«إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنّما ولييَّ الله وصالح المؤمنين»(1) .

الإمام الباقرعليه‌السلام يحدّث عن محنة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم.

وقبل ذكر مفتريات صاحب الهرّة! نذكر قول الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام لنقف على محنة أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام ، ومحنة أوليائهم وشيعتهم معهم، بعد شهادة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من تصفياتٍ وقتلٍ ومصادرةِ أموال ومحاربةٍ فكريّة ...

قالعليه‌السلام لبعض أصحابه: ما لقينا من ظلم قريش حتّى أخرجت الأمر عن معْدِنه، واحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا. ثمّ تداولتها قريش، واحدٌ بعد واحد، حتّى رجعت إلينا، فنكثت بيعَتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحبُ الأمر في صعود كئود، حتّى قُتل، فبُويع الحسن ابنُه وعُوهد ثمّ غُدرَ به «ثمّ تكلّم عن محنة الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وكيف كان حال شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، من اقصاءٍ وامتهان وحرمان وقتل، لا يأمنون على دمائهم».

قال: ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وأولياء السوء في كلّ بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، وروَوْا عنّا ما لم نقله وما لم نفعلْه، ليبغّضونا إلى النّاس، وكان عُظْمُ ذلك وكُبره زمنَ معاوية بعد موت الحسنعليه‌السلام ، فقُتِلتْ شيعتُنا بكلّ بلدة، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظِّنّة، وكان مَنْ يُذكر بحبِّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب مالُه، أو هُدِمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد! إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كلّ قِتْلة، وأخذهم

____________________

(1) نفسه.

٣١٠

بكلّ ظِنّة وتهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر، أحبُّ إليه من أن قال له: شيعة عليّ، وحتّى صار الرّجل الذي يُذكر بالخير - ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً - يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سَلَفَ من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منها، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقٌّ لكثرة مَن قد رَواها ممّن لم يُعرف بكذبٍ ولا بقلّة ورع(1) .

من هنا تعرف عظم السوء الذي ألحقه الأوائل من أصحاب «الأريكة» بالسيرة، ثمّ عَدوا على القرآن الكريم فهتكوا حرمته، ممهّدين لبني أُميّة وعظيمهم معاوية، فينهجوا منهج السَّلَف في شأن السيرة ويزيدوا عليها بالتصريح ما أبطنه السَّلَف من دواعي محاربة الحديث؛ فيعلنوا صراحةً أنّه بُغض أهل البيتعليهم‌السلام وحسدهم ومحاولة طمس حقّهم، وقد مرّ بنا كتاب معاوية إلى عمّاله يدعوهم إلى الرواية واختلاق الفضائل في حقّ الثلاثة! مع اختلاق أحاديث ذمّ شديدة بشأن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام تصل حدّ كفره وأنّه رجل من أهل النّار!! ثمّ سيرة معاوية وبني أُميّة في إعلان البراءة من نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب، عقب كلّ صلاة، وتتبّعه وعمّاله لشيعة أهل البيت قتلاً ونهباً وعلى ذلك سار الحاكمون من بني أُميّة وولاتهم، إلاّ ما كان من «عمر بن عبد العزيز» لما أراد الله تعالى به من خير، إذ أبطلَ سنّة الكفر التي سنّها معاوية في لعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام والبراءة منه؛ وأحسن السيرة مع بني هاشم؛ ولذلك قصّة:

قال عمر بن عبد العزيز: كنتُ غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عُتبة بن

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 11: 43 - 44.

٣١١

مسعود، فمرّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان، ونحنُ نلعنُ عليّاً! فكرِه ذلك ودخل المسجد، فتركتُ الصبيان ودخلتُ المسجد لأدرس عليه ورْدي، فلمّا رآني قام فصلّى وأطالَ في الصلاة، شِبه المعرِض عنّي، حتّى أحسستُ ذلك منه، فلمّا انفتل من صلاته كَلَح في وجهي، فقلتُ له: ما بالُ الشيخ؟ فقال لي: يا بنيّ، أنت اللاعن عليّاً منذ اليوم! قلت: نعم، قال: فمنذ متى علمتَ أنّ الله سخِطَ على أهل بَدْر بعد أن رضِيَ عنهم! فقلتُ: يا أنتِ، وهل كان عليّ من أهل بَدْر؟ فقال: ويحك! وهل كانت بَدْر كلّها إلاّ له؟! فقلت: لا أعود، فقال: الله أنّك لا تعود! قلت ك نعم. فلم ألعنه بعدها. ثمّ كنتُ أحضر تحت مِنْبر المدينة، وأبي يخطب يوم الجمعة، وهو حينئذ أمير المدينة، فكنت أسمع أبي يمرّ في خُطَبِه تهدرُ شقاشقه، حتّى يأتي إلى لعن عليّعليه‌السلام فيجمْجِمُ(1) ، ويعرض له من الفَهاهة(2) والحَصَر(3) ما الله عالم به، فكنتُ أعجبُ من ذلك، فقلتُ له يوماً: يا أبتِ، أنت أفصحُ الناس وأخطبهم، فما بالي أراك أفْصحَ خطيب يوم حَفْلِك، حتّى إذا مررت بلعْنِ هذا الرجل، صِرتَ ألكن عَيِيّاً(4) ؟! فقال: يا بنيّ، إنّ مَن ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم أحد. فوَقَرتْ(5) كلمتُه في

____________________

(1) تجمجم الكلام: لم يبيّنه، وتجمجم عن الأمر، أي لم يُقدِم عليه.

(2) الفهاهة: الوهن والنسيان والغفلة والسقطة.

(3) الحَصَر: الضيق والعيي في المنطق.

(4) ألكن: ثقيل اللسان، ومن في لسانه عُجمة. وعَييا: عاجزاً.

(5) وقرت: استقرّت وثبتت.

٣١٢

صدري، مع ما كان لي معلّمي أيّام صِغَري، فأعطيتُ الله عهداً، لئن كان في هذا الأمر نصيب لأغيِّرنّه، فلمّا منّ الله عليَّ بالخلافة أسقطتُ ذلك، وجعلتُ مكانه:( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏ وَيَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ ) (1) ، وكتبتُ به إلى الآفاق فصار سنّة(2) .

وقال كثِّير بن عبد الرحمان يمدح عمر بن عبد العزيز ويذكر قطعه السبّ:

وَلِيتَ فلم تشتمْ عليّاً ولم تُخِفْ

بَرِيّاً ولم تقبلْ إساءَةَ مُجرِم(3)

وكفَّرت بالعفو الذنوب مع الذي

أتيتَ فأضحى راضياً كلّ مسلم

ألاَ إنّما يكفي الفتى بعد زيغه

من الأَوَدِ الباقي ثِقَافُ المـُقَوِّم

وما زلتَ تَوّاقاً إلى كلِّ غايةٍ

بلغت بها أعْلى العَلاء المـُقَدَّمِ(4)

فلمّا أتاك الأمرُ عَفْواً ولم يكنْ

لطالبِ دنيا بَعْدَهُ مِنْ تَكَلُّمِ

تركتَ الذي يَفْنَى لَأَنْ كانض بائداً

وآثرتَ ما يَبْقى برأيٍ مصمّمٍ(5) ،(6)

وفيها أبيات يتكلّم فيها عن إقبال الدنيا على عمر بن عبد العزيز من خلال المـُلك؛ إلاّ إنّه زهد بها ولم ينخدع، من ذلك:

____________________

(1) النحل: 90.

(2) شرح نهج البلاغة 4: 58 - 59.

(3) في الأغاني 9: 258: ولم تتبع مقالة مجرم.

(4) في الأغاني: وما زلت سَبّاقاً إلى غايةٍ صَعِدتَ بها أعلى البناء المقدَّم.

(5) في الأغاني: تركتَ الذي يَفْنَى وإن كان مُونِقاً وآثرتَ ما يَبْقى برأىٍ مصمّمٍ.

(6) شرح نهج البلاغة 4: 59 - 60، الأغاني 9: 258.

٣١٣

فأعرضتَ عنها مشمئزّاً كأنّما

سقتك مَدُوفاً من سِمامٍ وعَلْقَمِ

وقد كنتَ من أجبالها في مُمَنَّعِ

ومن بحرها في مُزْبِد الموج مُفْعَمِ(1)

والشعر أطول ممّا ذكرنا، اكتفينا بما أوردناه حجّة على الخصم.

أبو هريرة

واحدٌ من زمرة معاوية ممّن أوكل إليهم وظيفة تقليب الحديث ووضعه مقابل ما جعلَ لهم من عطاءٍ اشترى به بقيّة دينهم!

فقد ذكر الإسكافي رواية عن الأعمش، قال: لمّا قدم أبو هريرة مع معاوية عامَ الجماعة - بعد الصلح بين معاوية والإمام الحسنعليه‌السلام -، جاء إلى المسجد الكوفة، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جَثَا على ركبتيه، ثمّ ضربَ صَلْعته مراراً، وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أنّي أكذي على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار! والله لقد سمعتُ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول: «إنّ لكلّ نبيٍّ حَرَماً، وإنّ حَرَمي بالمدينة، ما بين عَيْر إلى ثور، فمَن أحدثَ فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها، فلمّا بلغ معاويةَ قولُه أجازه وأكرمه وولاّه إمارة المدينة.

قلت - والقول لابن أبي الحديد -: أمّا قوله «ما بين عَيْر إلى ثَوْر» فالظاهر أنّه غلط من الراوي، لأنّ ثوراً بمكّة وهو جبل يقال له: ثَوْر أطحل، وفيه الغار

____________________

(1) الأغاني.

٣١٤

الذي دخله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبو بكر؛ وإنّما قيل أطحل لأنّ أطحل بن عبد مناف بن أدّ بن عدنان كان يسكنه، وقيل اسم الجبل أطْحَل، فأضيف «ثور» إليه والصواب: «ما ين عَيْر إلى أحد»(1) .

وزاد في معجم البلدان في القول: إلى - التي ذكرها أبو هريرة عير إلى ثور - بمعنى مع، كأنّه جعل المدينة مضافة إلى مكّة في التحريم(2) .

فأمّا قول أبي هريرة: «إنّ عليّاًعليه‌السلام أحدثَ في المدينة» فحاشَ لله! كانعليه‌السلام أتقى لله من ذلك؛ والله لقد نصر عثمان نصراً لو كان المحصورُ جعفر بن أبي طالب لم يبذُلْ إلاّ مثله(3) .

قال أبو جعفر - الإسكافيّ -: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضيّ الرواية، ضربه عمر بالدِّرة، وقال: قد أكثرتَ من الرواية وأحْر بك أن تكون كاذباً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (4) .

وروى سفيان الثوريّ، عن منصور، عن إبراهيم التيميّ، قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلاّ ما كان من ذِكْر جنّة أو نار(5) .

وروى أبو أسامة عن الأعمش، قال: كان إبراهيمُ صحيحَ الحديث، فكنتُ

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 4: 67، معجم البلدان 2: 86 - 87.

(2) معجم البلدان 2: 87.

(3) شرح نهج البلاغة 4: 67.

(4) نفسه 68.

(5) شرح نهج البلاغة 4: 67.

٣١٥

إذا سمعتُ الحديث أتيتُه فعرضتُه عليه، فأتيتُه يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة، إنّهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه(1) .

وقد روي عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: ألاَ أنّ أكذبَ الناس على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو هريرة الدَّوْسيّ(2) .

وروى أبو يوسف، قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجيء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ يخالف قياسنا ما نصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقاتُ عمِلنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك بهما! فقلت: عليّ و عثمان؟ قال: كذلك، فلمّا رآني أعُدّ الصحابة قال: والصحابة كلّهم عدول ما عدا رجالاً، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك(3) .

وروى سفيان الثوريّ، عن عبد الرحمان بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفار، أنّ أبا هريرة لمّا قدِم الكوفة مع معاوية، كان يجلس العشِيّات بباب كِنْدة، ويجلس الناس إليه، فجاء شابٌّ من الكوفة، فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة، أنشُدُك الله، أسمعتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ بن أبي طالب: «اللّهمّ والِ مَن والاه وعادِ من عاداه»؟! فقال: اللّهمّ نعم؛ قال: فأشهد بالله ن لقد واليتَ عدوّه، وعاديت

____________________

(1) نفسه.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

٣١٦

وليّه! ثمّ قام عنه(1) .

وروى أنّ عمرو بن ثابت، كان عثمانيّاً، من أعداء أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ومبغضيه.

روى أنّه كان يركب ويدور القرى بالشام ويجمع أهلها، ويقول: أيّها الناس، إنّ عليّاً كان رجلاً منافقاً؛ أراد أن يبْخس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة، فالعنوه، فيلعنه أهلُ تلك القرية؛ ثمّ يسير إلى القرية الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك. وكان في أيّام معاوية(2) . فما أحرى هؤلاء أن يكونوا مصداق قول أميرالمؤمنينعليه‌السلام : روى حمّاد بن صالح، عن أيّوب، عن كهمس؛ أنّ عليّاًعليه‌السلام قال: يهلِك فيَّ ثلاثة: اللاعن والمستمع المقرّ ن وحامل الوِزْر، وهو الملك المـُترَف، الذي يُتَقَرَّب إليه بلعنتي، ويُبرأ عنده من ديني، ويُنتقص عنده حسبي؛ وإنمّا حَسَبي حَسَبُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وديني دينه. وينجو فيَّ ثلاثة: مَن أحبّني، ومَن أحبّ محبّي، ومَن عادى عدوّي؛ فمَنْ أُشرِب قلبُه بُغضي أو ألّب على بُغضي؛ أو انتقصني؛ فليعلم أنّ الله عدوّه وخصمه؛ واللهُ عدوٌّ للكافرين(3) .

فأين مستقرّ كلّ مَن عادى وألّب وحارب وزَوي حقّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام وكذب على الله ورسوله بوضع الحديث واختلاقه، وأيّ حديث مفترى؟! إنّه تنقيص وسبّ لنفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصريح القرآن الذي هو عِدْلُه وليّ أمير

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 4: 67.

(2) نفسه 23.

(3) نفسه 105.

٣١٧

المسلمين بعد الله تعالى ورسوله بنصّ القرآن وبيعة الغدير وغير ذلك سيّد العرب وأبو سبطي سيّد البشر اللّذين هما سيّدا شباب أهل الجنّة، وزوج سيّدة نساء العالمين التي ردّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجالات كانوا يعدّون أنفسهم سادة فقال لهم: إنّ زواجها بيد الله؛ فزوّجها عليّاًعليه‌السلام صاحب الفتوحات حتّى هتف ملك السماء باسمه مرّتين: يوم بدر، وأُحد ...

ومن ثَمَّ هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شجرة واحدة والناس من أشجار شتّى؛ فهما في الذروة إذ عُدّ النسب؛ فبأيّ وجهٍ يُقدح أبو الحسنين؟!

أيّهم أولى بالنقيصة وعذاب الخُلد؟؛ روى صاحب كتاب «الغارات» عن الأعمش، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «سيظهر على الناس رجل من أُمّتي، عظيم السُّرم، واسع البُلعوم، يأكل ولا يشبع، يحمل وِزْر الثَّقَلين، يطلب الإمارة يوماً، فإذا أدركتموه فابقروا بطنَه، قال: وكان في يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قضيب، قد وضع طرفه في بطن معاويه»(1) .

عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبد الله بن سلمة، عن عليّعليه‌السلام ، قال: رأيتُ الليلة رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكوت إليه، فقال: هذه جهنّم فانظر مَن فيها، فإذا معاوية وعمرو بن العاص معلّقين بأرجلهما منكّسين، تُرْضَخ رؤوسهما بالحجارة(2) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة 4: 108.

(2) نفسه 109.

٣١٨

سَمُرة بن جُنْدَب

لم أجد له ذكراً حميداً في كتب الرجال، بل إنّ بعضها أهملت ذكره فلم تُترجم له بشيء مثل: تاريخ الثقات للعجليّ، وتاريخ ابن معين ومَن ذكره؛ فقد ذكره بسوء.

وكان سَمُرة من شرطة زياد بن أبيه؛ روى عبد الملك بن حكيم عن الحسن، قال: جاء رجلٌ من أهل خُراسان إلى البصرة، فترك مالاً كان معه في بيت المال، وأخذ براءة، ثمّ دخل المسجد فصلّى ركعتين، فأخذه سَمُرة بن جُنْدَب، واتّهمه برأي الخوارج، فقدّمه فضرب عنقه! وهو يومئذٍ على شُرْطة زياد، فنظروا فيما معه فإذا البراءة بخطّ بيت المال، فقال أبو بَكْرة: يا سَمُرة، أما سمِعتَ الله تعالى يقول:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى ) (1) ! فقال: أخوك أمرني بذلك(2) .

بئس الأمير والمأمور! ولكن النصّ يدلّ على أنّ سَمُرة قد أخذ الرجل واتّهمه برأي الخوارج، من غير ذكر لزياد! فلعلّ الطمع بمالِ الرجل المسكين هو سبب ذلك؟!

وروى الأعمش، عن أبي صالح، قال: قيل لنا: قد قدِم رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتيناه فإذا هو سَمُرة بن جُنْدَب، وإذا عند إحدى رجليه خَمْر، وعند الأخرى ثَلْج! فقلنا: ما هذا؟ قالوا: به النِّقْرس؛ وإذا قومٌ أتوه فقالوا: يا

____________________

(1) الأعلى: 14، 15.

(2) شرح نهج البلاغة 4: 77.

٣١٩

سَمُرة: ما تقول لربِّك غداً؟ تُؤتى بالرجل فيُقال لك: هو من الخوارج فتأمر بقتلِه، ثمّ تُؤْتى بآخر فيقال لك: ليسَ الذي قتلته بخارجيّ، ذاك فتى وجدناه ماضياً في حاجته، فشبّه علينا، وإنّما الخارجيّ هذا، فتأمر بقتل الثاني! فقال سَمُرة: وأي بأس في ذلك؟! إن كان من أهل الجنّة مضى إلى الجنّة؛ وإن كان من أهل النار مضى إلى النار(1) !

وروى واصل مولى أبي عيينة، عن جعفر بن محمّد بن عليّعليه‌السلام عن آبائه، قال: كان لسمُرة بن جُنْدَب نخلٌ في بستان رجل من الأنصار، فكان يؤذيه، فشكا ذلك الأنصاريّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعث إلى سَمُرة، فدعاه فقال له: بع نخلك من هذا وخذ ثمنه، قال: لا أفعل؛ قال: فخذ نخلاً مكان نخلك، قال: لا أفعل؛ قال فاشترِ منه بستانه، قال لا أفعل؛ قال: فاترك لي هذا النخل ولك الجنّة، قال: لا أفعل؛ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاريّ: «اذهب فاقطع نخله، فإنّه لا حقّ له فيه»(2) .

وروى شريك قال: أخبرنا عبد الله بن سعد عن حُجْر بن عَديّ، قال: قدمتُ المدينة فجلستُ إلى أبي هريرة، فقال: ممَن أنت؟ قلتُ: من أهل البصرة، قال: ما فعل سَمُرة بن جُنْدب؟ قلت: هو حيّ، قال: ما أحدٌ أحبُّ إليَّ طول حياة منه. قلت: ولم ذاك؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: «آخركم موتاً في النّار»، فسبَقَنا حذيفة؛ وأنا الآن أتمنّى أن أسبِقَه؛ قال: فبقى سَمُرة بن

____________________

(1) نفسه 77 - 78.

(2) شرح نهج البلاغة 4: 78.

٣٢٠