ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 108306
تحميل: 4442


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108306 / تحميل: 4442
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والأئمّة الأطهارعليهم‌السلام الذين ورِثوا هذا الكتاب وكان موجوداً عندهم يرجِعون إليه، أفصحوا عنه بشكلٍ أدق، هذه بعضُ رواياته:

1 - قال الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام : إنّ العلم فينا، ونحنُ أهلُه، وهو عندنا، مجموعٌ عندنا كلُّه بحذافيره، وأنّه لا يحدُثُ شيء إلى يوم القيامة حتّى أرْش الخَدْش إلاّ وهو عندنا مكتوبٌ؛ بإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخطّ عليّعليه‌السلام بِيدِه(1) .

وكان الكتاب عند الإمام السجّادعليه‌السلام . فكان إذا أخذ كتاب «عليّعليه‌السلام » قال: «مَن يُطيقُ هذا؟!»(2) . ظاهراً متعجّباً ممّا فيه من قسم العبادات - والله أعلم.

ثمّ كان عند الإمام أبي جعفر، محمد الباقرعليه‌السلام :

2 - قال عذافر الصيرفيّ: كنتُ مع الحَكَم بن عُتَيْبة عند الإمام أبي جعفرعليه‌السلام ، فجعل يسأله، وكان أبو جعفر له مُكْرِماً، فاختلفا في شيءٍ! فقال أبو جعفر: يا بُنيّ: قُم، فأخرج كتاب عليّ. فأخرج كتاباً عظيماً، وفتحه، وجعل ينظرُ، حتّى أخرج المسألةَ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : هذا خطّ عليّعليه‌السلام ، وإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأقبلَ على الحَكَم، وقال: يا أبا محمّد، إذهب أنت وأبو سَلَمة وأبو المِقْدام حيث شئتم يميناً وشمالاً، فو الله لا تجدون العلمـَ، أوْثقَ منه عند قومٍ كان ينزِلُ عليهم جَبرئيلُعليه‌السلام (3) .

والروايات كثيرة للغاية مع كثرة مصادرها في وجود كتاب عليّ أمير

____________________

(1) الاحتجاج155، بحار الأنوار 44/100.

(2) الكافي، الروضة 8/163/172.

(3) رجال النجاشي 360 رقم 966.

٣٤١

المؤمنينعليه‌السلام وأنّه بخطّه وبإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكتفي بما يلي:

- حدّث أبو دعامة، قال: أتيتُ عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى [الإمام الهاديعليه‌السلام ]عائداً في علّته التي كانت وفاته فيها في هذه السنة، فلمّا هممتُ بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة، قد وجبَ حقُّك، أفلا أُحدّثك بحديثٍ تسرّ به؟

فقلتُ له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله!

قال: حدّثني محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن موسى، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد ابن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُكتبْ يا عليُّ.

فقلت: ما أكتبُ؟ قال: اُكتب: بسم الله الرحمان الرحيم، الإيمانُ ما وقرته القلوب، وصدّقته الأعمال؛ والإسلام ما جرى به اللسان، وحلّتْ به المناكحُ.

قال أبو دعامة: فقلتُ يا ابن رسول الله، ما أدري - والله - أيّهما أحسن؟ الحديث أم الإسناد؟!

فقال: إنّها لَصحيفةٌ بخطّ عليّ بن أبي طالب، بإملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نتوارثها صاغراً عن كابر(1) .

وأطلق الرواة على هذا الكتاب أسماء منها: «الصحيفة» و «كتاب عليّعليه‌السلام » و «الجَفْر» و «الجامعة». ونقلوا عنه في كتبهم كما في: الكافي، وتهذيب الأحكام، وبصائر الدرجات، والإرشاد والاستبصار، والوسائل، والذريعة، ومَن

____________________

(1) مروج الذهب 5: 82 - 83/3079.

٣٤٢

لا يحضره الفقيه ...

باب: ما كتبه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عمّاله وغيرهم فيما يتعلّق بأمور الدين:

استدلّ بعضُهم على جواز كتابة الحديث بما وَردَ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من كُتبه تلك.

قال الدكتور عتر: هي كُتب كثيرة، تشتمل على مهمّات أحكام الإسلام وعقائده وخُطوطه العريضة، وبيان الأنصبة والمقادير الشرعيّة للزكاة والدّيات والحدود والمحرّمات وغير ذلك(1) .

من ذلك: كتابه إلى عمرو بن حَزْم الأنصاري، عامله على اليمن(2) .

وكتابه إلى وائل بن حجر الحَضْرمي، وقومه، في حَضْرموت(3) .

وكتاب في الزكاة، والدّيات، كان عند أبي بكر(4) .

ونقول: الاستدلال بهذه الكتب، بلحاظ أنّه كان للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إشرافٌ تامٌّ على كتابتها، وإن لم يكن هو المباشر لذلك، لكنّ امتناعه عن الكتابة - لسببٍ؟ - لا يُنافي أن يُنسب ذلك إلى فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، باعتبار تعلّق إرادته بالفعل، وإشرافه عليه، ووقوعه لديه، وتعلّق غرضه به.

____________________

(1) منهج النقد في علوم الحديث 47.

(2) الفقيه والمتفقّه 1/120 و 135، الأموال، لأبي عبيدة 357، تنوير الحوالك، للسيوطي 1/7 - 159.

(3) طبقات ابن سعد 1/278 و 349 و 351.

(4) فتح الباري 3/318، صحيح البخاري، كتاب الزكاة 2/146، السنن الكبرى للبيهقي 4/88، الفقيه والمتفقّه 1/120، السنّة قبل التدوين 345، سنن أبي داود 2/97، سنن النَّسائي 5/18.

٣٤٣

وهذا، كما يَكتب الكُتّابُ الرسائل والخطابات لمـَنْ يأمرهم بذلك، فإنّها تُنسب إلى الآمرين، دون الكاتبين، وإن كان هؤلاء هم المباشرين. مع وضوح اختلاف هذه السنّة عن التقرير لما فَعَله الغير، وكذلك عن الأمر بمُطْلق التدوين والكتابة، فلا يكون إلاّ من السنّة العمليّة الفعليّة.

وأخيراً

وفي نهاية المطاف، والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجًّى على فراش المرض ينتظر الموت الحقّ، إذ طلب ممّن عندَه «قِرطاساً ودواةً» ليكتب لهم «كتاباً» لا يضِلّوا بعدَه أبداً.

وكان طلبُه جِدّيّاً، ومهمّاً، إذ علّق عليه أمراً مهمّاً وهو هداية الأمّة وعدم ضلالتهم إلى الأبد.

فقال عمر: إنّ النبيّ غلبه الوجع! وعندنا كتابُ الله حَسْبُنا. ولا نطيل في الأمر فقد تكلّمنا فيما مضى عنه بما فيه كفاية، وتحدّثنا عنه كدليل على كتابة السنّة من لدنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

السنّة القوليّة

والمراد بها الأحاديثُ القوليّة، المرفوعة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي تدلّ على إباحته لكتابة الحديث خاصّة، أو ترغيبه وحثّه على مُطْلق الكتابة، وكذلك ما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذكر الخَطّ، والقَلَم، والدواة، والكتاب، من أدوات الكتابة، ممّا يدلّ على رغبته التامّة في ذلك، وهي كثيرة جدّاً، وتكفي للدلالة على جواز كتابة

٣٤٤

الحديث بطريق أولى.

فإذا كانصلى‌الله‌عليه‌وآله مُبيحاً للكتابة، ومرغِّباً فيها فالحديثُ أوْلى بأن يُكتَب ويُقَيَّد.

والأحاديثُ الواردةُ مرفوعة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا المجال كثيرة.

قال القاضي عياض. قد روي كتابة العلم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أحاديث كثيرة(1) .

وقد ذكرنا من قبل بعض الأحاديث في هذا الشأن؛ ونذكر بعضاً آخر هنا:

- عن أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اكتبوا هذا العلم»(2) .

وأنت جدّ خبير بقصد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم الذي ندب إلى كتابته وهو حديثُهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير!

- عن رافع بن خديج، قال: مرّ علينا رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً ونحن نتحدّثُ، فقال: ما تُحدِّثون؟

فقلنا: ما سَمِعنا منك يا رسول الله.

قال: تحدّثوا، وليتبوّأ مقعدَه - من كذِب عليَّ - من جهنّم. ومضى لحاجته، وسكتَ القومُ، فقال: ما شأنهم لا يتحدّثون؟

قالوا: الذي سمعناه منك يا رسولَ الله!

قال: إنّي لم اُرِدْ ذلك، إنّما أردتُ مَن تعمّدَ ذلك، فتحدّثنا قال: قلتُ: يا رسول الله، إنّا نسمع منك أشياء، أفنكتبُها؟!

قال: «اكتُبوا، ولا حَرَج»(1) .

____________________

(1) الإلماع في اُصول السماع 147.

(2) كنز العمّال 10/262 رقم 29389.

٣٤٥

- وحديث كتاب أبي شاه من الشهرة في أهميّة كتابة الحديث، ومن شأنه ما رواه أبو هريرة، قال: لما فتح الله على رسوله مكّة، قام في الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال: «إنّ الله تبارك وتعالى حبسَ عن مكّةَ الفيل، وسلّط عليها رسولَه والمؤمنين، وإنّها لم تَحِلَّ لأحدٍ كان قبلي، وإنّما اُحِلّتْ لي ساعةً من نهارٍ، وإنّها لن تَحِلَّ لأحدٍ بعدي فلا يُنَفَّرُ صيدُها ولا يختلي شوكُها، ولا تحِلُّ ساقِطُتها إلاّ لمنشدّ، ومَن قُتِل له قتيلٌ فهو بخيرِ النَظيرين: إمّا أن يفدي، وإمّا أن يَقتُلَ».

فقام أبوشاه - رجلٌ من أهل اليمن - فقال: اكتبوا لي، يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اكتبوا لأبي شاه»(2) .

وقد اتّفقوا على صحّة هذا الحديث، كما أذعنوا لدلالته على الجواز: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ليس يُروى في كتابه الحديث شيء أصحّ من هذا الحديث، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «اكتبوا لأبي شاه»(3) .

وقال ابن الصلاح: ومن صحيح حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدالّ على جواز ذلك حديث أبي شاه اليمني(4) .

____________________

(1) تقييد العلم 2/73، الكامل، لابن عَدِيّ 1/36، محاسن الاصطلاح 300.

(2) تقييد العلم 86، البخاري 1/40 - 41؛ الباب 36، إرشاد الساري 1/168، عمدة القاري 1/567، فتح الباري 1/184، صحيح الترمذي 5/39 رقم 2667، معالم السُنَن، للخطابي 4/184، الفقيه والمتفقّه 1/91، تيسير الوصول 3/176، جامع بيان العلم 1/70، المحدّث الفاصل 363 رقم 314، الاستيعاب 4/106، أسد الغابة 5/224، منهج النقد 48.

(3) مسند أحمد - ط شاكر - 12/235.

(4) مقدّمة ابن الصلاح 300.

٣٤٦

وعن عبد الله بن عَمرو، قال: كنتُ أكتب كلّ شيءٍ أسمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُريدُ حِفْظُه، فنهتني قريش، وقالوا: تكتبُ كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله، ورسولُ الله بشَرٌ يتكلّمُ في الرضا والغضب؟!

قال: فأمسكتُ، فذكرتُ ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال: «اكتُبْ، فوالذي نفسي بيده ما خرجَ منه إلاّ حقّ» وأشار بيده إلى فيه(1) .

ومن ذلك ما دلّ على الأمر بالكتابة بألفاظ أخرى:

روى الترمذيّ، في صحيحه: كتاب العلم، باب «12» الرخصة في كتابة العلم، سنده عن أبي هريرة، قال: كان رجلٌ من الأنصار يجلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسمع من النبيّ الحديث، فيُعجبُه، ولا يحفظُه، فشكا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول الله، إنّي لَأسمعُ منك الحديث فيُعجبُني ولا أحفظُه؟!

فقال رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «استعِنْ بيمينك» و أشار بيده إلى الخطّ(2) .

ولقد جعلصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة؛ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حقّ الوَلَد على الوالد أنْ يُعلِّمَهث الكتابة، وأنْ يُحْسِن اسمه، وأن يُزوّجه إذا بلَغَ»(3) .

وحثّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقرن الكتابة بالصلاة عليه، ولا غرابة بعد أن ذكره الله تعالى في

____________________

(1) تقييد العلم 69، المحدّث الفاصل 365/318، محاسن الاصطلاح 298، تحف العقول 36، المستدرك على الصحيحين 1/5/106، مسند أحمد 2/162.

(2) سنن الترمذي 5/39 رقم 2666، الكامل، لابن عدي 1/36، تقييد العلم 66 - 68، محاسن الاصطلاح 301، العقد الفريد 2/419، فيض القدير، للمناوي 1/491، الفتح الكبير، للسيوطي 1/179.

(3) تاريخ الخطّ، للكرديّ 9، نشأة وتطوّر الكتابة، لفوزي سالم 83.

٣٤٧

كتابه المجيد مصرّحاً أنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ! ثم عقّب بأمر المؤمنين أن يُصلّوا عليه ويسلّموا تسليماً.

وعن أبي بكر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كتبَ عنّي عِلْماً، وكتبَ معه صلاةً عليَّ، لم يزَلْ في أجْرٍ ما قُرِئَ ذلك الكتاب»(1) .

وروى الخوارزميّ مسنداً عن الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله تعالى جعلَ لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يُحصى عدَدَها غيرُه.

فمَن ذكَرَ فضيلةً من فضائله، مُقرّاً بها، غَفَر اللهُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّرَ.

ومَن كتب فضيلةً من فضائل عليّ بن أبي طالب لم تزل الملائكة تستغفرُ له ما بقيَ لتلك الكتابة رسمٌ.

ومَن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر»(2) .

وقد أكّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على سند الحديث وبيّن علّته، فإنّ فيه صدق الحديث من كذبه، ونجاة الراوي من المساءلة!

أسند الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كتبتُم الحديث فاكتبوه فإسنادِه، فإنْ يكُ حقّاً كنتم شركاءَ في الأجر، وإن يكُ

____________________

(1) شرف أصحاب الحديث 35 ح 64، الكامل، لابن عَديّ 3/1100، محاسن الاصطلاح 307، تاريخ الخلفاء 73 ح 89، النصّ والاجتهاد 146 - المورد 14 -.

(2) المناقب، للخوارزميّ 2، أمالي الصدوق 119 ح 9، المجلس 28.

٣٤٨

باطلاً كان وِرْرُهُ عليه»(1) .

وعن عطاء بن يَسَار، كتب رجل عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له: كتبتَ؟ قال: نعم.

قال: لم تكتُبْ، حتّى تعرض فيصحَّ(2) .

وأمّا ما في القرآن الكريم من ذِكر للصُّحفِ، والكتاب، والكتب فكثير للغاية، فنقتصر على:

السمعاني بسنده عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أوّلُ ما خلق اللهُ القلم، ثمّ خلق النُونَ، وهي الدواةُ، قال: وذلك قول الله عزّ وجلّ:( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (3) .

ثمّ قال: اكتُبْ، قال: وما أكتُبُ؟

قال: اكتبْ مقاديرَ كلّ شيء من عمل، أو أجَل، أو أثَرٍ، أو رِزق.

قال: فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.

قال: ثمّ ختَمَ على في القلم، فلم يَنْطِقْ، ولا ينطقُ إلى يوم القيامة»(4) .

نكتفي بهذا والأحاديث كثيرة في منزلة العلماء حملة الحديث وأنّ مدادهم يرجح دماء الشهداء وغير ذلك ...، لنتحوّل ونوصل الكلام بإجماع أهل

____________________

(1) أدب الإملاء والاستملاء، للسمعاني 4 - 5، ميزان الاعتدال 4/98، محاسن الاصطلاح 301.

(2) محاسن الاصطلاح 310.

(3) القلم: 1.

(4) الكامل، لابن عديّ 6/2273، تاريخ بغداد 12/40، أدب الإملاء والاستملاء 158.

٣٤٩

البيتعليهم‌السلام على التدوين، لوحدة الموضوع.

إجماع أهل البيتعليهم‌السلام على التدوين

أجمع أهلُ البيتعليهم‌السلام على إباحة تدوين العلم، ومنه الحديث الشريف، ولم يُعْهَد من أحدٍ منهم منْعٌ عنه، على طول الخَطّ.

ومن المعلوم لدى كافّة المسلمين أنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام حُجّةٌ شرعيّةٌ يجبُ اتّباعها.

أمّا ثبوت الإجماع منهمعليهم‌السلام : فمعَ أنّه محسوسٌ بالعَيان، حيث إنّا لم نجد قولاً لأحدٍ منهمعليهم‌السلام بالمنع، على كثرة تتبّعنا في المصادر، ومتابعتنا لأقوالهم. فهو ثابت بالنقل والبيان - أيضاً - حيثُ إنّ رواياتهم وأقوالهم متضافرةٌ بالإباحة، وأعمالهم ومؤلّفاتهم متكثّرةٌ مشتهرةٌ.

وأمّا أنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام حُجّةٌ شرعيّةٌ: فلتواترِ الأحاديث المرفوعة الناصّة على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نصَبَهم مراجع للأُمّة تلجأ إليهم للخروج من الشُبُهات، وتتمسّك بحبلهم للنجاةِ من الضلال، وقَرَنَهم بالقرآن، وجعلهم وإيّاه، سببين للهداية، وجعل التخلُّفَ عنهما هو الرَدى والغواية.

مثل حديث «الثقلين» عند الشيعة والعامّة، وقد رواه بضع وعشرون صحابيّاً ونذكر بعض الروايات من غير سند، ثمّ نذكر مجموع المصادر المتحصّلة لنا؛ إذ أفضنا في ذكر ذلك في موضوع آخر من بحثنا هذا.

في رواية مسلم في صحيحه: «ألا أيّها الناسُ، فإنّما أنا بشرٌ يُوشَك أن

٣٥٠

أُدعى فأُجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثَّقلين وهما كتاب الله فيه الهدى والنور ...، وأهل بيتي أُذكّركم اللهَ في أهل بيتي، قالها ثلاث مرّات».

وفي رواية أحمد، والطبراني: «إنّي تاركٌ فيكم خليفتَيْن: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يَرِدا عليَّ الحوض، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما». وفي رواية اُخرى للطبرانيّ: «فلا تقدموهما فتهلِكُوا، ولا تُقصِّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلمـُ منكم».

وفيما أورده ابن حجر: «أيّها الناس يوشَك أن أقبضَ قبضاً سريعاً، وقد قدّمتُ إليكم القول معذرةً إليكم، ألا إنّي مخلّفٌ فيكم الثَّقلين كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: هذا عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يرِدا عليَّ الحوض فأسألُهما: ما أخلفتُم فيهما؟!».

مصادر الحديث - بألفاظه وطُرقه المتعدّدة -: الإسكافي في المعيار والموازنة 35، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/194، مسند أحمد بن حنبل 3/14 و 17 و 26 و 59 و 4/366 - 367، و 5/182 و 189 - 190، وفي الفضائل، له بالأرقام 170، 968، و 990 و 1032 و 1382 و 1383 و 1403 والمعجم الكبير، للطبراني 3/62 و 63 و 201، وصحيح مسلم 4/1873/2408، والمعجم الصغير، للطبراني 1: 131 و 135 و 255، وخصائص الإمام عليّ، للنَّسائيّ 96 والمستدرك على الصحيحين 3: 124 و 109 و 148 و 307، والسنن الكبرى؛ للبيهقيّ 2/148

٣٥١

و 7/30 و 10/114، والترمذيّ في صحيحه 5/663/3788، وسنن الدارميّ 2/310، ومشكل الآثار، للطحاوي 2/307، وحلية الأولياء 1/355، وتاريخ بغداد 8/448، وكفاية الطالب ب 1/11، ومجمع الزوائد 9/163، والصواعق المحرقة /75، ومناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي /236، وأسد الغابة 4/279، وفرائد السمطين 1: 76

وأمّا الحديث عند الشيعة من الإماميّة والزيديّة والإسماعيليّة فهو من المسلّمات، إنْ لم تبلغ أسانيدُه الكثيرة حدَّ التواتر، مع أنّه قد صرّحَ بتواتُره كثير.

وتوضيح دلالة الحديث على حُجّيّة إجماع أهل البيتعليهم‌السلام يتوقّف على ما يلي:

الأوّل: إنّ الخطاب في الحديث موجّه إلى جميع الأُمّة.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: «أيّها الناس ...» وقوله: «فيكم» ويعمُّ من كان في عصر النبوّة من المـُشافَهين، ومن يأتي بعدهم، وذلك:

1 - لأنّ الخطابات الشرعيّة والأحكام الدينيّة تعمّهم جميعاً، وذلك ثابت في علم اُصول الفقه.

2 - لأنّ الشريعة الإسلاميّة هي ناسخة الشرائع السماويّة، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء، فالناس إلى يوم القيامة مكلّفون بما كُلِّف به المـُخاطَبون في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا ثَبَتَ في موضعه من علم الكلام.

3 - تصريح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في متن الحديث بعدم افتراق العِتْرة عن الكتاب إلى يوم القيامة، فجميع الناس في هذه المدّة داخلون في تعلُّق غرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله من

٣٥٢

كلامه.

الثاني: إنّ الحكم المذكور في الحديث، والمسؤوليّة الملقاة على عاتق الأمّة تجاه الكتاب والعِتْرة أهل البيتعليه‌السلام ، إنّما هو حكم إلزاميٌّ واجبٌ، لا يجوز التخلّف عنه، والتقصير فيه، ويحرُم تركُه، وذلك:

1 - وذلك لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد رتّب الهداية على اتّباع الكتاب والعِتْرة، ورتّب الضَّلالة والهلاك على مخالفتهما  ومفارقتهما. ومن الواضح أنّ طلب الهداية واجبٌ عينيّ على كلّ مسلم، كما إنّ اجتناب الضلالة والابتعاد عنها أمرٌ واجب عينيّ على المسلمين، والمسلمون يطلبون الهدايةَ والابتعادَ عن الضَلالة في كلّ يوم عشر مرّات على أقلّ تقدير - في صلواتهم الخَمْس، في قراءة سورة الفاتحة - وهذا الطلب ليس استحباباً أو تخييراً، بل هو لزوميّ واجب؛ بحكم العقل وضرورة الشرع.

وإذا تمّ ذلك، كان اتّباع أهل البيتعليهم‌السلام المؤدّي إلى الهداية والمـُبعد عن الضلالة، بنصّ الحديث الشريف، واجباً إلزاميّاً على الأُمّة، وجوباً عقليّاً، شرعيّاً، كما هو مسلّمٌ عندهم من اتّباع القرآن.

2 - لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جَهدَ في إبلاغ هذا الحديث في ظروف حسّاسة - مكانيّة وزمانيّة - تكشفُ بلا ريب عن أهميّة ما تضمّنه كلامُه، بالإضافة إلى تكرّر ذكره.

فمن حيث المكان، قال ابن حجر: إنّ لحديث التمسّك طُرُقاً كثيرة وردت عن نَيْفٍ وعشرين صحابيّاً، وفي بعض تلك الطُرُق أنّه قال ذلك بعرفة، وفي آخر:

٣٥٣

أنّه قال ذلك بغدير خُمّ، وفي آخر: أنّه قال ذلك في المدينة في مرضه وقد امتلأت الحُجرة بأصابه، وفي آخر: أنّه قال لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.

وأضاف ابن حجر: ولا تنافيَ، إذ لا مانعَ أنّه كرّر عليهم في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بالكتاب العزيز والعِتْرة الطاهرة(1) .

فهل يمكن أن يتصوّر أنّ كلّ ذلك كان لأمر غير ضروريّ ولا واجب على الأُمّة؟!

الثالث: الحديثُ يدلُّ على وجود أهل البيتعليهم‌السلام إلى يوم القيامة، مع القرآن، حتّى يرِدا عليه الحوض:

لإخباره بعدم إفتراقهما.

الرابع: يدلّ الحديث على عِصْمة الثقلين المذكورين فيه: أمّا القرآن، فعصمتُه واضحةٌ لأنّه الوحيُ الإلهي الذي( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) (2) .

وأمّا العِتْرة، أهل البيت، فلِمَا يأتي:

1 - لأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أرجع الأُمّة إليها لِلبُعدِ عن الضلالة والنجاة من الهلاك، ومن الواضح أنّ غير المعصوم لا يُؤمَن على مثل هذه المهمّة.

2 - لأنّه جعلهم في الحديث عدلاً للقرآن، ومُؤدِّينَ دَوْرَه، وقائمين بأمره، والقرآن كما قلنا معصوم، فهم كذلك، وإلاّ لم يصحّ أن يجعلهم والقرآن بمنزلةٍ

____________________

(1) الصواعق المحرقة 89.

(2) فُصِّلت: 42.

٣٥٤

واحدةٍ.

الخامس: والحديثُ يدلّ على أعلميّة الثقلين من جميع الأمّة: أمّا القرآن، فواضح كذلك، لأنّه الكتاب الذي نزل( تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (1) وأمّا أهل البيتعليهم‌السلام ، فلِما يأتي:

1 - لتصريح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في متن الحديث:

بقوله: «ولا تُعَلّموهم فإِنّهم أعلمُ منكم».

2 - لاقترانهم بالقرآن، الذي عرفنا كونَه الأعلم من الجميع، وكونُهم بديلاً عنه في مهمّة الهداية والبُعْد عن الضلالة.

3 - لإرجاع الأُمّة إليهم، مطلقاً، ولو كانفي الأُمّة مَن هو أعلم من أهلِ البيتعليهم‌السلام لَقَبُحَ إرجاعه إليهم.

4 - لقولِهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في الحديث «ولا تقدموهم فتهلكوا» حيث رتّبَ الهلاكَ على التقدُّم عليهم.

وليس المراد بالتقدُّم عليهم في المكان والمسير، وإنّما المراد بالتقدّم عليهم بالحُكم والرأي والإفتاء والتكلّم في اُمور الدين والشريعة.

وهذا النهي مُطْلَقٌ، وعامٌّ لجميع أفراد الأُمّة، ولو لم يكن أهلُ البيتعليهم‌السلام أعلم من غيرهم لم يستحقّوا مثلَ هذا المقام، ولم يحرُم على غيرهم التقدُّم عليهم.

السادس: وأخيراً، مَن هم أهلُ البيتعليهم‌السلام ؟

إنّ المراد من أهل البيت المذكورين في الحديث لا بدّ أن يكون معيّناً

____________________

(1) النحل: 89.

٣٥٥

ومُشخّصاً، بلا ترديد، وذلك:

1 - لأنّ إرجاع الأُمّة - في أمرٍ مهمٍّ كالهداية - إلى أشخاصٍ غير معيّنين، هو من التكليف بما لا يُطاق، وتعليقٌ على المجهول، وهو أشبهُ بالإغراء بالجَهْل، وذلك كلّه خلاف الحكمة المعهودة في أحكم الناس وأعقل البَشَر، هادي الأُمّة المبعوث رحمة لها، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

2 - أنّ الجَهْل بالمراد من أهل البيت، يؤدّي إلى قُصور الحديث عن أداء الغرض المنشود منه، وهو منافٍ لأهميّة الغرض المذكور الذي أثبتنا أنّه هو السبب في بذل أكبر الجهود لإبلاغ الحديث، وبالتالي فيكون ذلك كلّه لغواً وعَبَثاً، نَرْبأ بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتصدّى له. فالغرضُ المقصودُ للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من جعل الثقلين خليفتين له في الأمّة، هي الهداية والابتعاد عن الضلالة، ومثلُ هذا المقام لا يقبلُ التسامح، والتفريط فيه، فلو وردَ فيه نصٌّ فلابدّ أن يكون واضحاً مضبوطاً، ودقيقاً، لا يدخلُه شكٌّ أو ريبٌ، وإلاّ لانتقض الغَرَض.

3 - جعل أهل البيت، قريناً للقرآن، في نَسَق واحد، بعنوان الثقلين، يدلُّ على أنّهما سواءٌ في المعروفيّة والمحدوديّة بالتعيين، فكما أنّ القرآن كتاب الله، نصّ محدود، مكتوبٌ، معروفٌ؛ فكذلك المراد من أهل البيت.

4 - لم يُنْقَل من أحدٍ أن عدّ حديث الثقلين من الأحاديث المـُجْملة إذ ليس فيه من المفردات ما يُعَدُّ من الغريب المـُشْكل، ولا يحتوي كذلك على جُملة معقّدة غامضة، فلا بُدّ أن يكون المراد من «أهل البيت» الوارد في الحديث بعنوان «الثقل الثاني» القرين للقرآن، واضحاً معيّناً عند السامعين، والرواة الناقلين الأوائل

٣٥٦

على الأقل.

فمَن هم أهلُ البيت؟

1 - قد حصر رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إطلاق اسم «أهل البيت» على الخمسة الطيّبة: نفسه المقدّسة، وابنته الزهراء فاطمة، وصنوه عليّ أميرالمؤمنين، وسبطيه الحسن والحسينعليهم‌السلام ، حينما أدخلهم تحت الكساء معه؛ وهبط الأمين جبريل بآية التطهير:( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهِب عهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً».

فكانت الآية خاصّة بهم، فهم أهلُ البيت المعصومونعليهم‌السلام .

وقد تكلّمنا عن طُرُق نزول الآية فيهمعليهم‌السلام مع مصادر ذلك في موضع آخر.

وقد نصّ الإمام الحسينعليه‌السلام على وَلَده عليّ أنّه الإمام من بعده، وكلُّ إمام نصّ على الذي يليه، إلى الإمام المهديّ الثاني عشرعليهم‌السلام .

والنصوص على الأئمّةعليهم‌السلام في مصادرنا الحديثيّة متضافرة بما لم يبق معها مجالٌ للريب(2) .

وجَهْلُ غير الشيعة بتلك النصوص لا يضُرُّ بحجّيّتها، وذلك:

أوّلاً: لو كان جَهْلُ كلّ طائفةٍ بما عند الأخرى من تاريخٍ وحديثٍ وغير ذلك، دليلاً، واستندوا إلى هذا الجهل، لما كان لأحدٍ الاعتماد على ما عنده، إنّما

____________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) أجمع مصدر لذلك كتاب (إثبات الهُداة)، للشيخ الحرّ العامليّ.

٣٥٧

الحجّةُ تتمُّ بما يُعرَضُ من الأدلّة حسب الموازين المقرّرة للاستدلال، وإقامة الحجّة، وعِلمـُ الشيعة بتلك النصوص ثابت، والجاهلُ لا بدّ له أن يرجع إلى العالم.

وثانياً: إنّ تلك النصوص إنّما ثبتت بطرق الرواة الثقات المعترف بوثاقتهم وحجيّتهم عند العامّة أيضاً؛ وإنْ قدحوا فيهم فإنّما هو للتطرّف المذهبي، والعصبيّة الطائفيّة، ومن المعلوم أنّ الملاك في حُجيّة الرواية هي الوثاقة والاطمئنان بالصُدور، لا سوء الظنّ والتهم. والحاصل: أنّ ضمّ المقدّمة الأولى، وهي قطعيّة صدق أهل البيت عليّ أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، إلى المقدّمة الثانية وهي نصّ كلّ إمام من الأئمّة الاثني عشر على الإمام الذي يليه، تثبتُ النتيجةُ التالية: أنّ أهل البيت الذين نصبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلَفاً له من بعده، وقُرَناء للكتابِ إلى يوم القيامة، إنّما هم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام .

2 - النصوص النبويّة الدالّة على أنّ الأئمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هم اثنا عشر خليفة:

ومن تلك: أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يزالُ الدينُ قائماً حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلُّهم من قريش. وقد أخرجه العامّة عن عبد الله ابن مسعود، وعبد الله بن عمر، وأكثرُ طُرُقه عن جابر بن سَمُرة.

ورواه من الأعلام:

أحمد، والبُخاري، ومسلم، والترمذيّ، وأبو داود، والحاكم النيسابوريّ والخطيب البغداديّ وغيرهم(1) .

____________________

(1) مصادر حديث (اثنا عشر خليفة): =

٣٥٨

وقد اختلف أهلُ المذاهب المختلفة في تفسير المراد بالاثني عشر، وطبّقه كلٌّ على مَن يراه للخلافة من الخلفاء، وسكتَ بعضُهم عن تفسيره، لكنّ أحداً لم يوفَّق إلى تفسيره بما لا يَرِدُ عليه شيء.

وأمّا القولُ بأنّ هذا الحديث مُجْمَلٌ غيرُ مبَيّن، فباطلٌ، وذلك:

1 - لأنّ موضوع الحديث وهو الإمامة والخلافة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منصبٌ مهمٌّ جدّاً، لا يتحمّل التسامُح فيه بإيرادِ نصٍّ مُجمَل لا يُفْهَمُ منه شيءٌ، وإلاّ، فمن الممكن أن يُقال: ما فائدة هذا الكلام، ولماذا يتصدّى الرسولُ الكريم إلى إلقائه إذا لم يكن له معنًى مفهوم، أو ثمرة بيّنة.

2 - لأنّ هذا الحديث لا يحتوي على مفردة غريبة توجبُ الإجمال في معنى الكلام، وليست الجملة بكاملها معقّدةٌ حتّى يُتَوقّفُ في فهم المراد منها.

بل - على العكس - فإنّ المراد والمدلول واضحٌ جدّاً، يقول: إنّ الخلفاء الذين يَلوْنَ أمر إمامة الإسلام هم اثنا عشر، في الفترة بين وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحتّى يوم القيامة.

وإذا لم ينطبق هذا المدلولُ، الثابتُ الحقُّ، إلاّ على ما يقوله الشيعة الإماميّة،

____________________

= صحيح البخاري 9/101، كتاب 23 - الأحكام، باب 51 - الاستخلاف، صحيح مسلم 3/1451 - كتاب الإمارة، باب (1) الناس تبع لقريش. صحيح الترمذي 2/45 ط الهند 1342، باب ما جاء في الخلفاء، دلائل النبوة، للبيهقي 6/519، المستدرك على الصحيحين 3/618 كتاب معرفة الصحابة، مسند أحمد 1/398 و 5/86 و 89 و 90 و 92 و 93 - 101 و 106 - 108 في مسند جابر بن سمرة. وتيسير الوصول 2/34، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 5/312، تاريخ الخلفاء 7، تاريخ بغداد 2/126، كشف الظنون (1548).

٣٥٩

وكان الأئمّة الاثنا عَشَر من أهل البيت هم الذين يصدُق فيهم حديث الثقلين، فأيُّ مانع من الالتزام بأنّهم المقصودون بحديث الأئمّة الاثني عشر من قريش؛ ما دام هذا الالتزامُ يؤدّي إلى العمل بكلّ ما قاله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم نسبة الإجمال إليه؟! مُضافاً إلى أنّ أيّاً من المذاهب لم يُقدّم اعتقاد في اُناسٍ تنطبق عليهم الصفاتُ المذكورة في حديث الثقلين، وينطبق عليهم العددُ المذكورُ في حديث الخلفاء الاثني عشر.

3 - معَ أنّ هؤلاء الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام قد جمعوا إلى كَرمِ النَّسَب شَرفَ الحَسَب، وحازوا قَصَبَ السَّبْق في كلّ فضيلة، وجمعوا طارِفَ المجد وأثيله.

فهم بين الأُمّة كالنُجوم السواطع، قد اعترف بفضلهم كلُّ عدوٍّ وصديق، وأذعن لعلمِهم كلُّ عالم ضَليع، وأقرّ بمجدهم وسُؤدَدهم الأوّلون والآخرون.

وأجمعت كتب الرجال للعامّة في تراجمهم على القول في نعت آحادهم: ثقة ثقة ثبت صدوق لا يُسْأَل عن مثله، قد أنهكته العبادة، سيّد عصره في العلم، إمام ابن إمام ابن إمام وحقّ لمثله أن يكون خليفة ...

وهذا الذهبيّ الحنبليّ - وهو من كبار مؤرّخي الإسلام، ومترجمي الأعلام - نراه يترجمُ للإمام المنتظر المهديّعليه‌السلام ، فيقول: خاتمة الاثني عشر سيّداً. الذي تدّعي الإماميّة عصمتهم ومحمّد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخَلَفُ الحُجّة، وأنّه صاحبُ الزمان، وأنّه حيٌّ لا يموت حتّى يخرُجَ فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلِئت ظُلماً وجَوْراً.

فوددنا ذلكَ، والله ...

٣٦٠