ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 108308
تحميل: 4442


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108308 / تحميل: 4442
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بني حنيفة إلى أبي بكر(1) .

إذن الخليفة يشهد بمظلوميّة مالك وما جرى من فعل شنيع إذ جعل خالد رأس مالك وقوداً يطبخ عليه قدره! ودخل بزوجته ليلة قتله! ومَن قُتل مع مالك مضوا على ما مضى عليه مالك فأين الردّة ولماذا سفك الدماء الذي أنكره ابن تَيمِيه؟! فإذا ذكر الزّكاة؛ فنعم، ذلك أنّ القبائل لم تر مشروعيّة ما جرى في السقيفة، فإذا وجب قتالهم وسفك دمائهم؛ وجب سفك دماء الاثني عشر من الصحابة الذين تصدّوا للخليفة وعارضوه وحاججوه، وقتل بني هاشم وأمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام إذ قاطعوا واعتزلوا ...، وجرت فعلاً فيما بعد أفعال ولكن لا بعنوان الردّة.

وخالد إذ شمل عفوه عُيينة وقومه ولم يسع مالكاً وقومه ونزا على امرأته فإنّ عفوه شمل مُجّاعة وخطب ابنته فتزوّجها ورفع مجالس أعمامها على مجالس الأنصار والمهاجرين، والخليفة قبّح عمله إلاّ أنّه لم ينتزعه من قيادة الجيوش.

بين دستورين

قرأنا دستور الخليفة الذي أصدره إلى خالد بن الوليد في قتاله للممتنعين عن بيعته أشدّ القتال وحرق من يقدر عليه وأن يسبي الذراري والنساء ويأخذ

____________________

(1) تاريخ خليفة 69 - 72، وتاريخ الطبري 2: 504 - 519، والفتوح 1: 23 - 44، وفتوح البلدان، للبلاذريّ 97 - 100.

٦١

الأموال.

دستور عليّ بن أبي طالب في القتال

كان مبدأ أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجَمل أن أمر أصحابه: أن يُصافّوهم ولا يبدأوهم بقتال ولا يرموهم بسهم ولا يضربوهم بسيفٍ ولا يطعنوهم برمح، وأن لا يُجهزوا على جريح ولا يُمثّلوا بقتيل، ولا يدخلوا داراً بغير إذن، ولا يشتموا أحداً ولا يلحقوا مُدبراً ولا يهيجوا امرأة، ولا يأخذوا إلاّ ما في عسكرهم، ولا يكشفوا عورة، ولا يهتكوا ستراً(1) .

وبعد الوقعة نادى أميرالمؤمنينعليه‌السلام : «لا تتّبعوا مُوَلّياً ولا تُجهزوا على جريح ولا تنتهبوا مالاً، ومَن ألقى سلاحه فهو آمِن، ومَن أغلق بابَه فهو آمِن»(2) .

تسيير عائشة إلى المدينة

بعث أميرالمؤمنينعليه‌السلام عبدالله بن عبّاس إلى عائشة يأمرها بالخروج إلى المدينة، فدخل عليها بغير إذنها، واجتذب وسادة فجلس عليها، فقالت له: يا ابن عبّاس: أخطأتَ السنّة المأمورَ بها دخلتَ إلينا بغير إذننا، وجلستَ على رحلنا بغيرِ أمرنا! فقال لها: لو كنتِ في البيت الذي خلّفكِ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما دخلنا إلاّ بإذنك وما جلسنا على رحلك إلاّ بأمرك وإنّ أميرالمؤمنين يأمرك بسرعة الأوبة والتأهّب للخروج إلى المدينة، فقالت: أبيتُ ما قلتَ وخالفتُ ما وصفتَ فمضى

____________________

(1) تاريخ الطبري 3: 545، وأنساب الأشراف 6: 136، ومروج الذهب 2: 332.

(2) نفس المصادر السابقة.

٦٢

إلى أميرالمؤمنين فخبّره بامتناعها، فردّه إليها وقال: إنّ أميرالمؤمنين يعزم عليكِ أن ترجعي، فأنعمتْ وأجابت إلى الخروج.

وجهّزها أميرُالمؤمنين وأتاها في اليوم الثاني ودخل عليها ومعه الحسن والحسين وباقي ولده وفِتيان أهله من بني هاشم وغيرهم من شيعته من همدان، فلمّا بَصُرت به النّسوان صِحنَ في وجهه وقلن: يا قاتلَ الأحبّة! فقال: لو كنتُ قاتل الأحبة لقتلتُ من في هذا البيت، وأشار إلى بيت من تلك البيوت قد اختفى فيه مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عامر بن كُرَيز وغيرهم.

فسألته عائشة أن يؤمّن ابن اختها عبد الله بن الزبير، فأمّنه وأمّن مروان بن الحكم والوليد بن عُقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أُميّة وأمّن النّاس جميعاً. وخرجت عائشة من البصرة وقد بعث معها أميرالمؤمنين أخاها عبدالرحمان بن أبي بكر وثلاثين رجلاً وعشرين امرأةً من ذوات الدين من عبد القيس وهمدان وغيرهما، ألبسهنّ العمائم وقلّدهنّ السيوف وقال لهنّ: لا تُعْلِمن عائشة أنّكنّ نسوة، وتلثَّمنَ كأنّكنّ رجال وكُنّ اللاّتي تَلِين خدمتها وحملها. فلمّا أتت المدينة قيل لها: كيف رأيتِ مسيركِ؟ قالت: كنتُ بخير والله، لقد أعطى عليّ بن أبي طالب فأكثر، ولكنّه بعث معي رجالاً أنكرتُهم، فعرّفها النسوة أمرهنّ فقالت: ما ازددت والله يا ابن أبي طالب إلاّ كرماً(1) !

فأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام لم يُقاتل من أجل الخلافة ولم يسفك دماء المسلمين لأجلها كما زعم الخارجيّ ابن تَيمِيه، إنّما خرج عليه الذين خرجوا

____________________

(1) المصادر السابقة.

٦٣

على عثمان وانضمّ إليهم بنو أُميّة لا قبولاً بزعامتهم وإنّما جمعهم بُغض عليٍّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ وإلاّ فإنّ مروان كان في منزل عثمان وطلحة والزبير من أشدّ المحاصرين لعثمان، وعائشة تكفّر عثمان وتحرّض على قتله؛ فلمّا قُتل عثمان رفعت عقيرتها أنّ عثمان قُتل مظلوماً وأنّ عليَّ بن أبي طالب هو الذي قتله وذهبت إلى مكّة حيث اجتمع إليها عدد من بني أُميّة قد فرّوا بعد مقتل عثمان، منهم مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة و وخرجوا جميعاً والتحق بهم طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير، وفعلوا أفعالاً شنيعةً حين اجتماعهم بالبصرة تذكّرنا بإخوانهم الّذين اقتفوا أثر خوارج الجَمل فخرجوا يوم صِفّين ثمّ توالت راية الخوارج حتّى انتهت إلى ابن تَيمِيه أشدّهم على الرحمان عتيّاً! فتلقّفها من بعده أعراب نَجْد الوهّابيّون.

إنّ الَّذي وقع من هؤلاء الخوارج: أن قتلوا واحداً وسبعين رجلاً لأنّهم حاججوهم فحجّوهم ابتداءً من السقيفة إلى الشورى ثمّ قتل عثمان فبيعة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، ونكثهم البيعة وخروجهم بغير حقّ، فما كان جواب أتباع البعير إلاّ السيف! فقتلوهم(1) . فماذا يقول الخارجيّ ابن تَيمِيه؟!

مفارقة: لمّا سار القوم إلى البصرة تقودهم عائشة، حتّى إذا بلغت بعض مياه بني عامر نَبَحت عليها الكلاب، فقالت: ما اسم هذا الموضع؟ فقال لها السائق لجملِها: الحَوْأب. فتذكّرت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كأنّي بامرأةٍ من نسائي تنبح عليها كلاب الحوأب، فاتّقي الله أن تكوني أنت يا حُميراء» فقالت: رُدّوني ...، فقال

____________________

(1) تاريخ الطبريّ 3: 486، وأنساب الأشراف 3: 28.

٦٤

الزبير: باللهِ ما هذا الحوأب ...، وأقسم طلحة كذلك، وشهد خمسون رجلاً ممّن كان معهم، فكان ذلك أوّل شهادة زور في الإسلام!(1)

نعم يا ابن تيميه: قَتَلةُ عثمان، هم الخارجون على عليّعليه‌السلام يقتلون الأبرياء لا لذنبٍ إلاّ لأنّهم أقاموا عليهم البرهان والبيّنة في خطأهم وهم لا ورع لهم فيحلفون بالله ويشهدوا شهادة الزّور، وهم وأنت معهم بهذه الصفات كيف صرتم خَيْرُ البَرِيّة! ونفيت أن تكون الآية قد نزلت في عليّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؟! وكان من عمل أولئك الخوارج: أن قاتلوا عثمان بن حُنيف والي أميرالمؤمنين على البصرة وكثرت القتلى والجرحى ثمّ تداعوا إلى الصُّلح ...، فلمّا كان في بعض الليالي بَيَّتوا عثمان بن حَنيف وهو يُصلّي بالنّاس العشاء الآخرة، فأسَروه وأمرت عائشة بقتله! ثمّ إنّ القوم استرجعوا وخافوا على مخلَّفيهم بالمدينة من أخيه سهل بن حُنيف وغيره من الأنصار. فاكتفوا بضربه وحلقوا رأسه ونتفوا لحيته وأشفار عينيه، ثمّ حبسوه. وأجهزوا على خزّان بيت المال فقتلوا منهم سبعين رجلاً غير مَن جرح، وخمسون من السبعين ضُربت أعناقهم صبراً من بعد الأسر(2) .

وفي وقعة أخرى قتلوا سبعين آخرين وتدافع الزبير وطلحة الصلاة(3) !

____________________

(1) مروج الذهب 2: 358. وتاريخ الطبريّ 3: 475، والفتوح 2: 288، وأنساب الأشراف 3: 24، والمعيار والموازنة، للإسكافي 55، والمصنّف، لابن أبي شيبة 7: 538/3774.

(2) أنساب الأشراف 3: 26 - 28، وتاريخ الطبريّ 3: 486 - 491، والفتوح 2: 289 - 290 ومروج الذهب 2: 358.

(3) المصادر السابقة.

٦٥

وعن عوف الأعرابيّ قال: جاء رجل فناشد الزبير فقال: أعَهِد إليكما رسولُ الله شيئاً في مسيركما؟ فقال الزبير: لا، ولكن بلَغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها(1) .

ولقد صدقت مقولة عمر بن الخطّاب في الزبير لمعرفته بحالته النفسيّة السيّئة لما سأله ابن عبّاس على ما مرّ بنا في تصيير الأمر بعده فلمّا ذكر الزُّبير، قال ذاك يومٌ إنسان ويوم شيطان، إن كان لَيُكادِح على المِكْيَلة من بُكرةٍ إلى ظهرٍ حتّى تفوته الصلاة! فهم لا دين لهم، قتلوا وخرجوا على خليفتهم بعد اختيار وضيّقوا عليه الحصار وكفّروه ومنعوه الماء لو لا عليّاًعليه‌السلام وبني هاشم وبعضاً من الأنصار، وبعد قتله وجدوا أنفسهم فرادى حيارى فالأقطار جميعاً لعليّ أميرالمؤمنين فأظهروا غير ما يبطنون فحاق بهم ما يمكرون! إذ خرجوا على الإمام المفترض الطّاعة، وكانوا في طريقهم قطّاع طُرق قَتلَة غاصبي دراهم وسالبي بيت أموال المسلمين، ومع كلّ ذلك فإنّهم لم يُكفّروا أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام ولم يُكفّرهم أميرُالمؤمنين عليعليه‌السلام ، وحتّى الخارجة التي خرجت عليه يوم صِفّين واجتمعت بالنهروان إنّما رفضت التحكيم فلم تكفّر أميرالمؤمنينعليه‌السلام ولم يكفّرها أميرالمؤمنين، وقد استأمن إليه منهم ثمانية آلاف بعد أن حاججهم! وبقي الآخرون على شعارهم في رفض التحكيم: لا حكم إلاّ لله! ولو لا أنّهم قد عاثوا في السبيل فقتلوا الصابيّ عبدالله بن خبّاب بن الأرتّ، وبقروا بطن امرأته وهي حامل مُقرِب، فيما عفوا عن نصرانيّ لأنّه في ذمّة نبيّهم كما يزعمون!

____________________

(1) المصنّف، لابن أبي شَيبة 7: 544/3775، وأنساب الأشراف 3: 62، وتاريخ الطبريّ 3: 91.

٦٦

- وأخافوا السبيل، فطالبهم بالقتلة فصاحوا جميعاً: كلّنا قتلناه! كما قتلوا ثلات نسوة، وقتلوا أمّ سنان الصّيداويّة(1) .

مع ذلك كلّه لم يبدأهم بقتالٍ وإنّما ناظرهم كما ذكرنا فحجّهم واستأمن منهم ثمانية آلاف. وطلب من أصحابه أن لا يبدأوهم بقتالٍ حتّى يبدأهم الخوارج، فرماهم الخوارج فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : كُفّوا، فكرّروا عليه القول ثلاثاً وهو يأمرهم بالكفّ، حتّى أتي برجلٍ متشحّطٍ بدمه، فقالعليه‌السلام : الله أكبر، الآن حلّ قتالهم، احملوا على القوم(2) .

إنّ الخوارج الذين خرجوا على عثمان؛ نعم كفّروه، وكان أميرالمؤمنين عليّ وبنوه ومجموعة من بني هاشم وبعض من الأنصار في نُصرة عثمان. وأمّا الخوارج الذين رفضوا التحكيم يوم صفّين، فمضوا على وجههم رافضين تحكيم الرجال - بزعمهم - وهم الذين حملوا أميرالمؤمنينعليه‌السلام على قبول حيلة ابن النّابغة في حمل المصاحف والدعوة إلى التحكيم على ما هو معروف فلمّا جرى التحكيم خرج هؤلاء مطالبين برفضه! ولم يفُهْ أحدٌ منهم بتكفير أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، ولو جرى شيء من ذلك لما رجع منهم (ثمانية آلاف) وهم يصيحون: التوبة! التوبة، يا أميرالمؤمنين. وبذا حقنوا دماءهم وصاروا مع عليٍّ

____________________

(1) الإمامة والسياسة، لابن قُتيبة 1: 122، وأنساب الأشراف 2: 367 - 368، والفتوح 4: 198، والطبريّ 4: 61، وشرح نهج البلاغة 2: 282.

(2) تاريخ خليفة 149، وأنساب الأشراف 3: 149، ومروج الذهب 2: 404 - 406، والفتوح 129 - 133، وتاريخ اليعقوبي 2: 193.

٦٧

وشيعته خير البَرِيّة؛ فيما بقي على حربه شرّ البَرِيّة، الذين أخبر أميرُالمؤمنينعليه‌السلام أنّه لا ينجو منهم إلاّ أقلّ من عشرة(1) ، انتهى أحدُهم إلى قرب حرّان فنسلُه فيها(2) لم ينقطع، وهي المدينة التي وُلد فيها ابن تَيمِيه وترعرع بها.

الخوارج في السّنّة

أخرج ابن ماجة في سننه قال: حدّثنا أبوبكر بن أبي شَيْبه، حدّثنا إسحاق الأزرق عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى؛ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «الخوارجُ كِلابُ النّار»(3) .

وبسنده عن أبي أُمامَةَ: شرُّ قتلى قتلوا تحتَ أديم السماء، وخيرُ قتيلٍ مَن قَتلوا، كلابُ أهل النّار. قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفّاراً. قلتُ: يا أبا أمامةَ! هذا شيءٌ تقولُه؟ قال: بل سمِعتُه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (4) .

وعُبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سُوَيد بن غَفْلة، عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يخرج قوم في آخر الزمان، يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقِيَهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِيّة، قتالُهم حقٌّ على كلّ مسلم»(5) .

____________________

(1) الفتوح 4: 120، والكامل، للمبرّد 543.

(2) الفتوح 4: 269 - 275.

(3) سنن ابن ماجة 1: 61/173.

(4) نفسه 1: 62/176.

(5) مسند أحمد 1: 156، وخصائص أميرالمؤمنين علي، للنَّسائيّ 145/178.

٦٨

ونظير الذي قبله، عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، إلاّ أنّ آخره: «فأينما أدركتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمـَن قتلهم عند الله يوم القيامة»(1) .

وبسندٍ عالٍ عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ بعدي من أمّتي قومٌ يقرأون القرآن لا يُجاوزُ حَلاقِيَهم يَخرُجون من الدين كما يخرج السهم من الرَّمِيَّة ثمّ لا يعودون فيه، هُمْ شرُّ الخَلقِ والخَليقة»(2) .

وكلّ ذلك منفيّ عن شيعة عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام ومتحقّق في الخوارج الأُوَل، فابن تَيمِيه، فنابتة عصرنا، والحَكَمُ عَدْلٌ.

وأخرج النَّسائي، قال: أخبرنا عليّ بن المنذر قال: أخبرنا عاصم بن كُليب عن أبيه، قال: كنتُ عند عليّرضي‌الله‌عنه جالساً، إذ دخل رجل عليه ثياب السفر، وعليّ يكلّم الناس ويكلّمونه، فقال: يا أميرالمؤمنين أتأذن لي أن أتكلّم؟ فلم يلتفت إليه وشغله ما فيه، فجلس إلى رجل قال له: ما عندك؟ قال: كنتث معتمراً، فلقيتُ عائشة فقالت: هؤلاء القوم الذين خرجوا في أرضكم يُسمّون حَروريّة؟ قلتُ: خرجوا في موضع يُسمّى حروراء، فقالت: طُوبى لِمَن شَهِد منكم، لو شاء ابن أبي طالب لأخبركم خبرهم، فجئت أسأله عن خبرهم، فلمّا فرغ عليّعليه‌السلام ، قال: أين المستأذن؟ فقصّ عليه كما قصّت عليه؛ قال: إنّي دخلتُ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) صحيح البخاري (3611، 5057، 6930)، وصحيح مسلم (7: 167 - 168)، ومسند أحمد (1/81، 113، 131)، والفضائل، له/1198، وسنن أبي داود/4767، ومسند أبي يعلى (1/226).

(2) صحيح مسلم 7: 174.

٦٩

وليس عنده غيرُ عائشة، فقال لي: كيف أنت يا عليّ وقوٌ كذا وكذا؟ قلتُ: الله ورسولُه أعلم. قال: ثمّ أشار بيده، فقال: قومٌ يخرجون من المشرق يقرأون القرآن، لا يُجاوز تراقِيَهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السَّهمُ من الرَّميّة، فيهم رجل مخدّج(1) ، كأنّ يده ثدي حبشيّة، أنشدكم بالله أخبرتكم أنّه فيهم؟ قالوا: نعم. فجئتوني وأخبرتوني أنّه ليس فيهم، فحلفتُ لكم بالله أنّه فيهم، ثمّ أتيتموني به كما نعتُّ لكم؟ قالوا: نعم، صدق الله ورسوله(2) .

وبسندٍ عن أبي سعيد الخُدريّ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه ذكر أناساً يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّميّة، هم شرُّ الخَلْق، تقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ، وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق(3) .

نكتفي بهذا القدر ممّا جاء في السُّنّة الشريفة بشأن ابن تيميه وسلفه الخوارج، فهم كلابُ النّار، وهم شرُّ قتلى، ومن الكفر هربوا وفيه وقعوا، وقتالهم حقّ واجب على كلّ مسلم، لا حظّ لهم من الدّين وإن علت أصواتهم بقراءة القرآن كما هو حال الوهّابيّين لأنّهم قطّاعُ طُرق قتلة سفّاكوا دماء المسلمين فهم شرّ الخلق والخليقة، فمعاذ الله تركُ الإسلام ومتابعة الخوارج!

____________________

(1) مُخَدَّج: أي ناقص اليَد.

(2) خصائص أميرالمؤمنين عليّ، للنَّسائيّ 145/178.

(3) صحيح مسلم 7: 169، والخصائص، للنَّسائيّ (140/168).

٧٠

إمام الخوارج وشيخها

حق لأتباع ابن تَيمِيه إطلاق تسميات (الإمام المـُطلَق) و (شيخ الإسلام) على قائد مسيرتهم الذي سوّغ لهم كلّ منكر، ولمّا كانوا نواصباً فقد وجدوا ضالّتهم فيه، فهو أكذب من مسيلمة وإن كان كلّ واحد منهما في أمر. ولعلّنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا أنّ مسيلمة أقلّ خطراً فهو ادّعى النبوّة من غير معجزة وهذا كافٍ في إنهاء أمره! ثمّ قتله الله تعالى على أيدي جند الإسلام وانمحى أثره.

أمّا ابن تَيمِيه ففتنته قد امتدّت على مدى سبعة قرون، سيق كما ذكرنا ونذكر مفصّلاً في موضعه مرّات ثلاث الى المحاكم ثمّ إلى السجون بقلعة دمشق يرافقه تلميذه ابن قيّم الجوزيّة، وتهمته: فاسق، زنديق، كافر؛ أمضاه القاضي المالكيّ والشّافعيّ والحنفيّ وأخيراً الحنبليّ. وتاب كاذباً! إذ أفرج عنه فعاد إلى السجن وهكذا حتّى خرج في الثالثة جسداً بلا روح!

إنّ مسيلمة لم يتكلّم في ذات الله، فيما خاض ابن تَيمِيه في هذا الأمر ممّا سنعرض له في عقيدته، ولذا حُوقق واُلزم في ذلك. وهذه المسألة من الإرث الجاهليّ لأعراب جزيرة العرب عكف عليها ابن عبد الوهّاب وتابعه أعراب نَجْد يقتلون ويذبحون مَن خالفهم.

والمسألة الأخرى التي تصدّر بها هذا الخارجيّ: ابن تَيمِيه، وست النَّعَم! فصار إمام الخوارج المـُطلَق وشيخ الإسلام بُغضه الذي لم يُعرف في تاريخ الخوارج! فما من فضيلة لأهل البيتعليهم‌السلام إلاّ وأنكرها أشدّ الإنكار ودليله دائماً إنّ هذا كذب بالإجماع، أو موضوع باتّفاق أهل المعرفة بالمنقولات من غير أن

٧١

يذكر شيئاً من ذلك. ثمّ يفرّع على ذلك فيجعل تلك الفضيلة خاصّة بالنواصب والخوارج! ونذكر مثالاً من ذلك، ثمّ نذكر بعض الموارد إدراجاً - وهي كثيرة للغاية - التي يذكر فيها الخوارج ليتيقّن القارئ على صحّة ما وصلنا إليه من خارجيّة ابن تيميه: قال ابن تيميه: قال الرافضي: البرهان الثالث والثلاثون (أي في إمامة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ) قوله تعالى:( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (1) . روى الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى ابن عبّاس لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله لعليّ: تأتي أنت وشيعتّك يوم القيامة راضين مرضيّين ويأتي خصماؤك غضاباً مُقحمين(2) .

قال الخارجيّ ابن تَيمِيه: إنّ هذا معارض بمَن يقول: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النّواصب كالخوارج، ويقولون: إنّ مَن تولاّه فهو كافر مرتدّ فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات(3) .

تعليق: لا يسعني أن أنتقل إلى بقيّة أقواله في الخوارج من تعليق سريع: مَن هذا الذي نسب إليه ابن اليتيمة القول؟ هل هو من أهل العلم بالمنقولات والمعرفة والحديث على عادته المنتظمة إذا أنكر حديثاً؟! أم أنّه تركه لبديهة البلهاء من أتباعه الذين يستبطنون دواخل كلامه ويتّبعون منكَره؟! وأمّا نحن فقد تيقّنّا أنّه في كلّ موطن يقول فيه هذه الأقوال فإنما يقصد نفسه لا غير! ثمّ متى

____________________

(1) البيّنة: 7.

(2) منهاج السنّة 4: 70.

(3) منهاج السنّة 4: 127.

٧٢

صار كلابُ النار، الذين هربوا من الكفر وفيه وقعوا، كما أخرج ابن ماجة عن أبي أمَامة، وقوله قد ذكرناه «قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفّاراً».

ويوم النهروان، تقدّم إلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام حبيب بن عاصم الأزدي فقال: يا أميرالمؤمنين، هؤلاء الذين نقاتلهم أكفّارٌ هم، فقالعليه‌السلام : من الكفر هربوا وفيه وقعوا(1) .

إنّ الحكم على الخوارج بالكفر إنّما لأنّهم كانوا يكفّرون أهل الإيمان مثل الصحابيّ عبد الله بن خبّاب والنسوة اللاّتي ذكرناهنّ وقتلهم في وقت كانوا يعفون عن الذمِّيّ ...

هؤلاء الذين قتالهم حقٌّ على كلّ مسلم فهم شرّ الخلق والخليقة خرجوا من الدّين ثمّ لا يعودون فيه ...، وأنّ أولى الطّائفتين بالحقّ وهم أهل العراق مع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، يتولّون قتلهم كما أنبأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان كما قال. وبعد ذلك كلّه وغيره: يكون ابن تَيمِيه وأسلافه الخوارج هم خيرُ البريّة، وأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام مرتدّاً! وشيعته شرّ البريّة!

ابنُ تَيمِيه يُصرّح بخارجيّته

ذكرنا شيئاً من البراهين على خارجيّة ابن تَيمِيه، من ذلك بعض أقواله التي يمجّد أسلافه الخوارج، ويذمّ أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام ويكفّره، ونذكر هنا بعض أقواله التي تقطع وتجزم بخارجيّته أخذناها من منهاج ضلاله «منهاج السُّنّة» من

____________________

(1) الفتوح 4: 127.

٧٣

غير أن نعلّق عليها وإنّما اكتفينا بوضع خطّ على ما لزم ووجب: قال الخارجيّ ابن تيميه: إنّ عليّاً لم ينزهّه المخالفون، بل القادحون في عليّ طوائف متعدّدة وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه فإنّ الخوارج متّفقون على كفره وهم عند المسلمين كلهم خيرٌ من الغلاة الذين يعتقدون إلهيّته أو نبوّته، بل هم والذين قاتلوه من الصّحابة (طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير ومروان ومعاوية والضحّاك ...) والتابعين خيرٌ عند جماهير المسلمين من الرافضة الاثني عشريّة الذين اعتقدوه إماماً معصوماً.

والخوارج المكفّرون لعليّ يوالون أبابكر وعمر ويترضّون عنهما، والمروانيّة الذين ينسبون عليّاً إلى الظلم ويقولون إنّه لم يكن خليفة، يوالون ابا بكر و عمر ...، فكيف يقال: إنّ عليّاً نزّهه الموافق والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة؟ ومن المعلوم أن المنزّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل وأنّ القادحين في عليّ حتّى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة وهم أعلم من الرافضة وأدين والرافضة عاجزون معهم عِلماً ويداً فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجّة تقطعهم بها ولا كانوا منصورين عليهم في القتال (في الجمل، وصفّين، والنهروان؟!)، والذين قدحوا في عليّ وجعلوه كافراً وظالماً، ليس فيهم طائفة معروفة بالردّة عن الإسلام ...، فمن يُكفّر عليّاً ويلعنه من الخوارج (ليس فيهم مَن لعنه وإنّما برأوا منه وبرأ منهم!) وممّن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم فإنّ هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان ويحجّون البيت العتيق ويحرّمون ما حرّم الله ورسوله ...،

٧٤

فالمنزّهون لعثمان القادحون في عليّ أعظم وأدين وأفضل من المنزّهين لعليّ القادحين في عثمان(1) .

قال: إنّ الرافضيّ لا يمكنه أن يثبت إيمان عليّ وعدالته وأنّه من أهل الجنّة فضلاً عن إمامته إن لم يُثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان وإلاّ فمتى أراد إثبات ذلك لعليّ وحده لم تساعده الأدلّة. فإذا قالت الخوارج الذين يكفّرون عليّاً(2) أو النواصب الذين يفسّقونه أنّه كان ظالماً للدنيا وأنّه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتّى عجز عن انفراده بالأمر فهذا الكلام إن كان فاسداً، ففساد كلام الرّافضيّ في أبي بكر وعمر أعظم(3) ...

قال: إذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممّن تُكفّره أو تُفسّقه لا نُسلِّم أنّه كان مؤمناً بل كان كافراً ...، لم يكن لهم دليل على إيمانه! وعدله إلاّ وذاك الدليل على أبي بكر وعمر وعثمان أدلّ. فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء بل تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفّار. فإن ادّعوا في واحد من هؤلاء النّفاق أمكن الخارجيّ أن يدّعي النّفاق (أي في عليّعليه‌السلام )، وأنّه سعى في قتل

____________________

(1) منهاج السُّنّة 3: 3.

(2) نعتذر من القارئ الكريم أن نذكّره بما تقدّم من القول أنّ الخوارج لم تكفّر عليّاًعليه‌السلام ، وإنّما الكلمات القارصة هذه هي لابن تَيمِيه وإلاّ لذكر اسم واحد من أولئك!

(3) منهاج السُّنّة 1: 162.

٧٥

الخليفة الثالث! وأوقد الفتنة حتّى غلا في قتل أصحاب محمّد وأمّته (أصحاب الجمل الذي خرجوا عليه) بُغضاً له - أي للنبيّ! - وعداوةً وأنّه كان مباطناً للمنافقين الذين ادّعوا فيه الإلهيّة والنبوّة؛ وكان يُظهر خلاف ما يُبطن لأنّ دينه التقيّة! فلمّا أحرقهم بالنّار أظهر إنكار ذلك وإلاّ فكان في الباطن معهم، ولهذا كانت الباطنيّة من أتباعه وعندهم سرّه وهم ينقلون عنه الباطن الذي ينتحلونه(1) ...

قال: إنّ إخباره (أي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّ عليًّا يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله حقّ وفيه ردّ على النّواصب! لكن الرافضة الذين يقولون أنّ الصّحابة ارتدّوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا لأنّ الخوارج تقول لهم هو ممّن ارتدّ أيضاً(2) .

قال: والخوارج أعقلُ وأصدق وأتبع للحقّ من الرّافضة، فإنّهم صادقون لا يكذبون أهل دين ظاهراً وباطناً، وأمّا الرّافضة فالجهلُ والهوى والكذب غالب عليهم وكثير من أئمّتهم وعامّتهم زنادقة ملاحدة(3) ...

قال: لم تكفّر الصّحابة الخوارج مع تكفيرهم - أي تكفير الخوارج - لعثمان

____________________

(1) منهاج السُّنّة 1: 163.

ما جاء به الأفّاك الأشِر، سنتكلّم عليه في موضعه، ولكن: متى كفر عليّ لينتقل إلى إيمان؟! كلّ سجد لصم وباشر رذيلة، وعليّ من رحم فاطمة بنت أسد إلى رحم الكعبة ومن ثَمَّ إلى حضن النبي ليُطعمه ريقه؛ وما قيل كرّم الله وجهه إلاّ لعليّعليه‌السلام لتكريم وجهه عن السجود للأصنام.

(2) نفسه 4: 98.

(3) نفسه 70.

٧٦

وعليّ ومَن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم(1) .

قال: وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأعطينّ الرّاية رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله» قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليًّا فأتاه وبه رمَد فبصق في عينيه ودفع الرّاية إليه ففتح الله على يديه «أنكر مسألة الفتح أشد الإنكار في كلامه عن فتح خيبر وقد تكلّمنا عنه في محلّه» هذا الحديث أصحّ ما يُحتجّ به على النّواصب الذين يتبرّأون منه ولا يتولّونه ولا يُحبّونه بل قد يكفّرونه أو يفسّقونه كالخوارج؛ فإنّ النبيّ شهد له بأنّه يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسولُه، لكن هذا الاحتجاج لا يتمّ على قول الرّافضة الذين يجعلون النّصوص الدّالّة على فضائل الصّحابة كانت قبل رِدّتهم فإنّ الخوارج تقول في عليّ مثل ذلك.(2)

نكتفي بهذا المقدار من أقوال ابن تَيمِيه التي دافع باطلاً بها عن الخوارج تارةً، وأخرى، وهي الأكثر: شنّ غارة النَّصب على لسان الخوارج وهم أطهر منه وأفضل! كلمة إنصاف بحقّ الخوارج: إنّ الخوارج على ما هم عليه وما جاء فيهم من النكير ونعتهم بكلاب النّار، ووجوب قتلهم ...؛ إلاّ أنّنا وجدناهم لمّا ناظرهم أميرُالمؤمنين عليّعليه‌السلام فإنّ ثمانية آلاف من خوارج الكوفة قد أقرّوا بخطيئتهم وأعلنوا التوبة واعتزلوا أصحابهم ...

وأمّا الذين ظهروا فيما بعد فقد اقتدوا بآثار سَلَفهم: فهم يرون أنّ عثمان قد أثار الفتنة باستيلائه على أموال بيت المسلمين وإيوائه الطريد «الحَكَم» وتسليطه

____________________

(1) نفسه 3: 23.

(2) منهاج السّنة 3: 11.

٧٧

آل بني مُعيط رقابَ المسلمين، وأمّا أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ فكلامهم فيه كلام سلفهم أيضاً من تحكيم الرجال من غير أن يرجع عن ذلك إلاّ أنّه إمام عدل مرضيّ لم يظهر منه كفر - كما زعم ابن تَيمِيه وألقاه على ألسنتهم -، وإن طلحة والزبير بايعا عليّاًعليه‌السلام ثمّ نكثا البيعة وأخرجا عائشة تقاتل؛ وهما «طلحة والزبير» كانوا أشدّ النّاس على عثمان. هذا هو رأي الخوارج.

ولنسمع ابن عبد ربّه الأندلسيّ ماذا يذكر في الذي ذكرناه وفي الذي قال: هم - أي الخوارج - وابن الزبير: فبلغهم خروجُ مسلم بن عُقبة إلى المدينة وقتلُه أهل حَرّة، وأنّه مُقبل إلى مكّة(1) ، فقالوا: علينا أن نمنع حَرَم الله ونمتحن ابن الزبير،

____________________

(1) إنّ الخوارج الذين أكثر النّاصبيّ الخارجيّ الشّاذّ عنهم! ابن تيميه، ووصفهم بالصدق؛ فهم كذلك، على خلاف ابن تيميه إلاّ في مسألة البراءة ممّن لم يتبهم على رأيهم؛ ولذا لم يكونوا مثل الخارجيّ الناصبيّ الذي غلبت عليه بيئة تمور بعقائد الصابئة واليهود والنّصارى وأمويّة لم تنزع ثياب الجاهليّة ولها أحقادها على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والوصيّعليه‌السلام وأهل بيتهعليهم‌السلام ولذا جاؤوا يمنعون حَرَم الله من أوباش أهل الشام الذين بعثهم الناقص ابن معاوية بعد أن أوقع بأهل المدينة وتوجّه جيشه صوب البيت الحرام إذ عاذَ به عبد الله بن الزبير.

أمّا ابن تَيميه فهو ينتصر لبني أميّة قاطبة: أبوسفيان الذي يقول عنه سيّد قريش في الجاهليّة وقائد حروبها ضدّ رسول الله! ويتكلّم عن إيمان معاوية ويزيد وصلاتهم وصيامهم وجهادهم وحجّهم، على ما ذكرنا، ويتنقّص أميرالمؤمنين عليًّاعليه‌السلام ويثلب إيمانه ويصفه بالنّفاق؛ ويفضّل أتباع بني أميّة على أتباع أهل البيت؛ إلاّ أنّ الخوارج على نقيضه تماماً! ولذلك حمّل الحسينعليه‌السلام سبب مقتله وبرّأ يزيد من ذلك؛ وكذلك حمّل أهل المدينة سبب ما حدث في وقعة الحرّة، وحمّل ابن الزبير ما وقع للحرم المكّي! وليس هنا محلّ إعطاء الأمور المذكورة حقّها وسنفرد لها باباً نتكلّم فيه عن بني أميّة في ضوء منهج ابن تَيمِيه وما خَلَف. إلاّ أنّ من المناسب =

٧٨

____________________

= القول موجزاً: أنّ يزيد حكم ثلاث سنين وستّة أشهر، اشتُهر عنه معاقرة الخمور والفجور والجمع بين الأختين واللّهو مع القيان حتّى تفوته الصلوات! والظلم واتّخذ قِرداً سمّاه: قُبيس ألبسه الذهب كان يجلسه معه على منبر المسلمين يلاعبه ...

ارتكب يزيد خلال سنوات حُكمه الثلاث، ثلاث جرائم عظمى، برأ منه أعتى العتاة أن يعينه في بعضها على ما سترى، وسارع الخوارج لدفعه عن الجريمة الثالثة، وأطبق المؤرّخون: سَلَفيّون وغيرُهم بما فيهم تلامذة ابن تَيمِيه، مثل: ابن الورديّ الذي بقي ملازماً له حتّى هلك الأُستاذ في حبسه؛ والسَلَفيّ المِزّيّ الذي فارق أستاذه لمّا ظهرت له حقيقته وفساد عقيدته حتّى أنّه لم يترجم له في موسوعته (تهذيب الكمال) حتّى ضمن المجهولين والمهملين ومنهم تلميذه الذهبيّ الحنبليّ وقد فارقه كذلك، وأيضاً ابن كثير الحنبليّ. ذكرنا هؤلاء لأنّهم من أئمّة السَلَف وتلامذة مباشرة لابن تَيمِيه الذي برّأ ساحة يزيد من جرائمه الثلاث! ففي السنة الأولى من حكمه المشؤوم قتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليعليهما‌السلام وأهل بيته وأصحابه الكرام وجرى لعياله من الأسر ما هو معلوم ...؛ وفي السنة الثانية أوقع بأهل المدينة المنوّرة هتك حرمة مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوكل المهمّه إلى الطّاغية ابن مرجانة (عبيد الله ابن الدعيّ زياد بن سُميّة) فقد كتب إليه: أن أغزُ ابن الزبير، فقال: لا أجمعهما للفاسقِ أبداً! أقتلُ ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه [و آله] وأغزو البيت. (تاريخ الطبري 4: 371).

تباينت كلمة الأبناء وتناقضت! فالأوّل الذي حطّ رحال نسبه عند تيميه، قد توفّي سنة (728 هـ). وأما ابن زياد ثمّ ابن سُميّة، فهوابن القرن الهجريّ الأوّل وهو الذي أوكل إليه ابن ميسون قتل الحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام وصحابته الكرام؛ فهو أعرفُ بحاله ولذا رفض أوامره مع اعترافه بجريمته في قتل ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصف يزيد بالفسق، وكلّ ذلك ينفيه ابن تيميه وخلَفه. ولنا ردّ على أحد متأخّريهم إذ كتب (حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية) ونشرته وزارة المعارف بالمملكة العربيّة السعوديّة، نفي فيه ما أثبته التاريخ من القرون الأولى، وأقرّها أئمّة السَلَف منهم مَن ذكرنا آنفاً للوشيجة بينهم وبين ابن تَيمِيه. =

٧٩

فإن كان على رأينا تابعناه، فلمّا صاروا إلى ابن الزبير عرّفوه أنفسهم وما قدِمُوا له، فأظهر لهم أنّه على رأيهم، حتّى أتاهم أهل الشام ومسلم بن عُقبة، فدافعوه

____________________

= ولما رفض قاتل الحسينعليه‌السلام طاعة الناقص كتب هذا إلى عمرو بن سعيد يأمره فرفض ...، عند ذلك بعث إلى مسلم بن عُقبة فقبل المهمّة وقد أجمع المؤرّخون على تسميته: مُسرف، ومجرم، والشيخ الضال ...، فقال: وجّهني إليهم، فو اللهِ لأدعنّ أسفلها أعلاها، يعني مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ اليعقوبي 2: 250) وكان دستور يزيد لمسلم وأهل الشام هو إباحة المدينة ثلاثة أيّام وكان مسرف يسمّي مدينة رسول الله (نتنة) وقد سمّاها رسول الله: (طَيْبة). (مروج الذهب 3: 69).

حرق الكعبة: توجّه الجيش الشاميّ صوب البيت الحرام وطال حصار ابن الزبير حتّى السنة الثالثة من حكم الطّاغية يزيد، وكان ابن الزبير يسمّي نفسه العائذَ بالبيت. وقبل وصول أهل الشام إلى بيت الله وهم الذين سمّتهم الرعاية الأُمويّة: الأبدال؛ أي يُبدل الله بهم و يختارهم من دون غيرهم لينتصر بهم لدينه على طول التاريخ فلا يخرج إلى غيرهم! ولذا حبُلت ألف امرأة من غير زوج وافتُضّت ألف بِكْر لمّا دخلوا حرَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (البداية والنهاية 8: 220 - 221، تاريخ الخلفاء 233)؛ وغير ذلك من الفضائح التي سوّدت وجه بني أميّة وابن تَيمِيه.

هلاك الطاغية: قبل وصول الأبدال مكّة احتُضر مُسرف، وامتثالاً لأوامر مولاه ولّى على الجيش الحُصين بن نمير السُكوني وقال له: يا برذعة الحمار! إذا قدِمت مكّة فلا يكون عملُك إلاّ الوقاف ثمّ الثقاف ثمّ الانصراف، وهلك (تاريخ اليعقوبي). وتوجّه أهل الشام نحو مكّة، وجاء نَجْدة الحنفيّ في أناس من الخوارج يمنعون البيت الحرام (من الأبدال!). حاصر الحصين البيت الحرام أربعاً وستّين يوماً ورموا البيت بالمنجنيق بالأحجار والنفط فاحترق وانهدمت أركان الكعبة والأبدال يرتجزون جذلين نرمي بها أعواد هذا المسجد! (الإمامة والسياسة 2: 9، تاريخ الطبري 3: 383، تاريخ اليعقوبي 252، مروج الذهب 3: 72، البداية والنهاية 8: 225؛ وخالفهم ابن تَيمِيه).

إذ برّأ يزيد من تلك الشنائع، ودأب على منهج ضلاله خارجة عصرنا!!!).

٨٠