ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه0%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

ابن تيميه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 108303
تحميل: 4442


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108303 / تحميل: 4442
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلى أن يأتي رأي يزيد بن معاوية، ولم يتابعوا ابن الزّبير، ثمّ تناظروا فيها، فقالوا: ندخل إلى هذا الرجل فننظر ما عنده، فإن قدّم أبابكر وعمر وبرأ من عثمان وعليّ، وكفّر أباه وطلحة بايعناه، وإن تكن الأخرى ظهرَ لنا ما عنده فتشاغلنا بما يُجْدِي علينا. فدخلوا على ابن الزبير وهو مُبتذَل(1) وأصحابه متفرّقون عنه، فقالوا له: إنّا جئناك لتُخبرنا رأيَك، فإن كنت على صواب بايعناك، وإن كنت على خلافٍ دعوناك إلى الحقّ؛ ما تقول في الشيخين؟ قال: خيراً، قالوا: فما تقول في عثمان الذي حمى الحِمَى(2) ، وآوى الطريد، وأظهر لأهلِ مصر شيئاً وكتبَ بخلافه , وأوطأ آل بني مُعيط رقابَ الناس وآثرهم بفيء المسلمين؛ وفي الذي بعده الذي حكّم الرجالَ في دين الله وأقام على ذلك غير تائب ولا نادم؛ وفي أبيك وصاحبه وقد بايعا عليّاً، وهو إمام عادلٌ مرضيٌّ لم يظهر منه كفر، نكثا بيعته وأخرجا عائشة تقاتل، وقد أمرها الله وصواحبها أن يَقَرْن(3) في بُيوتهنّ، وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التَوْبة، فإن أنت قبلتَ كلّ ما نقول، لك الزُّلفى عند الله، والنصرُ على أيدينا إن شاء الله، ونسأل الله لك التوفيق، وإن أبيت، خذلك وانتصر منك بأيدينا(4) .

____________________

(1) مبتذَل: غير محتاط ومصون.

(2) حمى الحمى: يريدون أنّه خالف قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا حمى إلاّ لله ورسوله) أي: لا يحمى للخيل التي تُرصد للجهاد والإبل التي يُحمل عليها في سبيل الله.

(3) يَقَرْن: يجلسن في بيوتهنّ ولا يخرجن.

(4) العقد الفريد 2: 235.

٨١

وقبل أن نسمع جواب ابن الزبير أشدّ النّاس بُغضاً لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، تجلّى ذلك أوضح ما تجلّى باستماتته في حرب الجَمَل. أقول: إنّ الخوارج الذين كذب عليهم الخارجيّ الناصبيّ ابن تَيمِيه، في قولهم أنّ الخوارج قد كفّروا عليّاً وعثمان! وجدناهم هنا مثلما استنتجنا وأسعفتنا النّصوص من قبل أنّهم إنّما كفّروا طلحة والزبير؛ وقد نكثا بيعتهما لأميرالمؤمنينعليه‌السلام وأخرجا عائشة تقاتل، وليس هذا شأنها؛ وذكروا مثالب عثمان من غير تكفير مثلما أثبتوا ذلك لطلحة والزبير ولذلك طالبوا ابن الزبير أن يُعلن توبته لأنّه طرف فاعل وهو وأبوه وطلحة وغيرهم ممّن حلفوا بالله لعائشة بشأن ماء الحَوأب كذِباً، فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام، ولذا طالبوه بالتوبة لينصروه. وأمّا بشأن أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام فهو عندهم إمامٌ عادلٌ مرضيّ لم يظهر منه كفر، إلاّ أنّهم بقوا على الشُّبهة الّتي وقع فيها سلفُهم وهي تحكيم الرجال!

[ جواب ابن الزبير ] فقال ابن الزبير: إنّ الله أمر وله العزّة والقدرة في مخاطبة أكفر الكافرين وأعتى العاتين بأرقّ من هذا القول؛ قال لموسى وأخيه صلّى الله عليهما:( اذْهَبَا إِلَى‏ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَى‏ * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَى‏ ) (1) . وقال رسول الله: (لا تؤذوا الأحياء بسبِّ الموتى). فنهى عن سبّ أبي جهل من أجل عِكرمة ابنه، وأبو جهل عدوّ الله ورسوله، والمقيم على الشرك والجادُّ في محاربة رسول الله قبل الهجرة والمحاربُ له بعدها، وكفى بالشرك ذنباً؛ وقد كان يُغنيكم عن هذا القول الذي سمّيتم فيه طلحة وأبي أن تقولوا: أتبرأ من الظالمين؟ فإن

____________________

(1) طه: 43، 44.

٨٢

كانا منهم دخلا في غمار الناس(1) ، وإن لم يكونا منهم لم تحفظوني بسبِّ أبي وصاحبه، وأنتم تعلمون أن الله عزّ وجلّ قال للمؤمن:( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى‏ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً ) (2) وقال:( وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً ) (3) . وهذا الذي دعوتم إليه أمرٌ له ما بعدَه، وليس يقنعكم إلاّ التوقيف والتّصريح، ولعمري إنّ ذلك أحْرَى بقطع الحُجج، وأوضحُ لمنهاج الحقّ، وأولى بأن يعرف كلّ صاحبه من عدوّه. فروحوا إليَّ من عشيِّتكم عذه أكشف لكم ما أنا عليه إن شاء الله تعالى(4) .

خطبة ابن الزبير فيهم

فلمّا كان العَشي راحوا إليه، فخرج إليهم وقد لبس سلاحه، فلمّا رأى ذلك نَجدةُ(5) ، قال: هذا خروج منابذٍ(6) لكم. فجلس على رفع من الأرض فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه، ثمّ ذكر أبا بكر وعمر أحسنَ ذكرٍ، ثمّ ذكر في السنين الأوائل من خلافته؛ ثمّ وصلهنّ بالسّنين التي أنكروا سيرته فيها فجعلها كالماضية، وأخبر أنّه آوى الحكم بن أبي العاص بإذن رسول الله، وذكر الحِمَى

____________________

(1) غُمار الناس: جهلتهم.

(2) لقمان: 15.

(3) البقرة: 83.

(4) العقد الفريد 2: 235 - 236.

(5) نَحْدة بن عاصم الحنفيّ الخارجيّ.

(6) منابذ: مناجز ومعارض ومعدّ لحرب.

٨٣

وما كان فيه من الصلاح! وأنّ القوم استعتبوه من أمورٍ ما كان له أن يفعلها أوّلاً مصيباً ثمّ أعتبهم بعد ذلك محسناً ...، وراح يذكر ما كان من أمور عثمان مثل كتابة الكتاب باسمه في قتل فلان وفلان وقطع يد فلان وفلان ...، ممّا مرّ تفصيله سابقاً؛ ودافع عن أبيه وصاحبه طلحة وعائشة؛ فانصرفوا عنه(1) .

كتاب ابن الأزرق إلى ابن الزبير

وكتب بعد ذلك نافعُ بن الأزرق إلى عبد الله بن الزبير يدعوه إلى أمره: أما بعد، فإنّي أحذّرك من الله: يوم تَجدُ كلُّ نفسٍ ما عمِلت من خيرٍ مُحضراً وما عمِلت من سوء تَودّ لو أنّ بيها وبينه أمداً بعيداً، ويُحذِّرُكم الله نفسه، فاتّق الله ربّك ولا تتولَّ الظالمين، فإنّ الله يقول:( وَمَن يَتَوَلّهُم مِنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ ) (2) وقال:( لاَ يَتّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِيْ شَيْ‏ءٍ ) (3) ، وقد حضرتَ عثمان يوم قتل. فلعمري لئن كان قتل مظلوماً لقد كفر قاتلوه وخاذلوه، ولئن كان قاتلوه مهتدين، وإنّهم لمهتدون، لقد كفر مَن تولاّه ونصره ولقد علمتَ أنّ أباك وطلحة وعليّاً كانوا أشدّ الناس عليه، وكانوا في أمره بين قاتل وخاذلٍ، وأنت تتولّى أباك وطلحة وعثمان، فكيف ولايةُ قاتلٍ متعمّدٍ ومقتول في دين واحد؟ ولقد ولي عليّ فنفى الشُّبهات، وأقام الحدود، وأجرى

____________________

(1) العقد الفريد 237.

(2) المائدة: 51.

(3) آل عمران: 28.

٨٤

الأحكام مجاريها، وأعطى الأمور حقّها فيما عليه وله، فبايعه أبوك وطلحة، ثمّ خلعا بيعته ظالمين له، وإنّ القول فيك وفيهما لكما قال ابن عبّاس (رحمه الله): إن يكن عليٌّ في وقت معصيتكم ومحاربتكم له كان مؤمناً لقد كفرتم بقتال المؤمنين وأئمّة العدل، ولئن كان كافراً كما زعمتم وفي الحكم جائراً لقد بؤتم بغضبٍ من الله لفراركم من الزحف، ولقد كنتَ له عدوّاً، ولسيرته عائباً، فكيف تولّيته بعد موته؟!(1)

عليّعليه‌السلام في وصف الخارجيّ: ابن الأزرق؛ والخارجيّ ابن تَيمِيه

أيُّ كذّاب أشِر، أيّ شانئ أبتر، أيّ ...؟! ظلم الخوارج بما وزر! هلاّ رحم نفسه فكان في الثمانية آلاف خارجيّ ممّن أعلنوا التَوبة فرجعوا إلى أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، هلاّ كان خارجيّاً فلا يقول إلاّ حقّاً ويجتنب الكذب! ولو صدق فهو العجب! دعنا منه وقد ذكرنا كثيراً من منهاج ضلاله وما يصف به أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام ، ولنوازن بين منطقه ومنطق الخارجيّ ابن الأزرق، مرّ بنا:

فكما ذكرنا أنّ طلحة والزبير قتلة عثمان، وذكره ابن الأزرق والخوارج قد قاتلوا عليّاًعليه‌السلام إلاّ أنّهم ينطقون بحقّه:

لقد أقام الحدود التي أبطلها غيره، وطهّر الشريعة من كلّ شبهة طارئة واجتهاد قبال الشرع! وأجرى الأحكام المعطّلة وأنصف الأمور إن كانت له أو عليه فهو ميزانُ عدلٍ لا عَيْق فيه، ولم يذكر في كتابه أنّه سفك الدماء وقتل

____________________

(1) العقد الفريد 238.

٨٥

الألوف من أجل الرياسة كما قال الخارجيّ الثاني ابن تَيمِيه!

وإذا شهدت الخوارج بفضائل أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، وأنكرها الضّال ابن تيميه؛ فإنّ النّواصب الذين ألقوا ما في نفسه على ألسنتهم كما فعل مع الخوارج، ومن أولئك معاوية وبطانته نجدهم يقرّون لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بفضائله وهم القاسطون الذين أخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام يقاتلهم بعد قتاله للنّاكثين ثمّ أخيراً المارقين، صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان الأمر كما قال.

معاوية يدحض دعوى باطلة بحقّ عليّعليه‌السلام

حدّث الزبير بن بكّار، عن رجاله قال: دخل مِحقن بن أبي محقن الضَّبيّ على معاوية فقال: يا أميرالمؤمنين جئتك من عند ألأم العرب، وأبخل العرب وأعيا العرب وأجبن العرب! قال: ومَن هو يا أخا بني تميم؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال معاوية: اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخوكم العراقي، فابتدروه أيّهم ينزل عنده ويُكرمه. فلمّا تصدّع الناس عنه قال: كيف قلت؟ فأعاد عليه فقال له: ويحك يا جاهل، كيف يكون ألأم العرب وأبوه أبو طالب وجدّه عبد المطّلب وامرأته فاطمة بنت رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وآله ](1) .

____________________

(1) هذه هي أعظم عُقَد (ذوي العاهات) بعد الإمامة والولاية والسابقة والمنزلة الخاصّة (حديث المنزلة) ...؛ فإنّ معاوية قد قاتل عليًّا أميرالمؤمنينعليه‌السلام يوم صفّين، وسنّ سنّة لعنه عقب الصلاة، إلاّ أنّه مثل الخوارج مع ترجيح لكفّة هؤلاء عليه! لم يكفّر عليًّا مثلما فعل الخوارج، ونطق بفضائل عليّعليه‌السلام في حين كفّره وفسّقه ونعته بالنفاق ابن تَيمِيه ففاق الأوّلين والآخرين 1 في هذه المعاناة: (عُقْدة النقص) وقد مضى الكلام في عُقدة نسبه من طرفي أمّه وأبيه، مع انغراس صفة =

٨٦

وأنّى يكون أبخل العرب؟ فو الله لو كان بيتان؛ بيتث تبن وبيتُ تِبر، لأنفذَ تِبرَه قبلَ تِبنه.

وأنّى يكون أجبن العرب؟! فو الله ما التَفت فئتان قطّ إلاّ كان فارسَهم غيرَ مُدافَع!

وأنّى يكون أعيا العرب! فو الله ما سَنّ البلاغة لقُريش غيرُه! ولَمَا قامت أمّ مِحقن عنه ألأمث وأبخلُ وأجبن وأعيا لبظَرِ أمّه. فو الله لو لا ما تعلم لضربت الذي فيه عيناك. فإيّاك عليك لعنة الله والعودة إلى مثل ذلك!

قال: والله أنت أظلم منّي، على أيّ شيء قاتلته وهذا محلّه؟!

قال: على خاتمي هذا، حتّى يجوز به أمري.

قال: فحسبُك ذلك عوضاً من سخط الله وأليم عذابه(1) .

____________________

= الحسد فيه وفي عائلته ومحبّيه، وأثر البيئة في حَرّان والشام والرّوح الخارجيّة التي يحملها بين جنبيه، كلّ ذلك وغيره أدخله في معركة وحرب كلاميّة كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً؛ بل صاحبنا من بعد ضعفٍ أنكاثاً!! بدأت حربه الكلاميّة مع (الله عزّوجلّ) فأرداه وأخزاه فطيف به ثلاث مرّات مشهّراً به على بغلةٍ بالمقلوب حاسر الرأس مضروباً بالدرّة ومنادياً عليه أنّ مَن يعتقد عقيدته يُسجن فخاف الحنابلة واختفوا وجرت لهم بسببه مِحَن

(1) كشف الغُمّة، للأربلي، من أعلان القرن السابع 2: 44، وكشف اليقين، للعلاّمة الحلّيّ 474 - 475.

وفي الأخبار الطوال 260 (محقنبن ثعلبة)؛ وفي الطبري 6: 264، والإكمال، لابن ماكولا 7: 164، وتاريخ دمشق 57: 98 - 99: محفز بن ثعلبة - بالفاء - بنقطة واحدة؛ وفي جمهرة نسب قريش، لمصعب 441: محفر - من غير شدّة -.

٨٧

صحيح أنّ ابن تَيمِيه أثّرت بيئتُه فيه، سواء في حَرَّان أم في دمشق مع مداراته للبيئة التي شبّ فيها وأمضى فيها أطول سنيّ عمره بعد أن فرّت أسرته الحنبليّة النشأة الأُمويّة الهوى من حَرَّان على إثر الغزو المغوليّ، فاستوطنت دمشق واصطبغت بلبوسها وهي مهيّأةً بدأ لذلك؛ وكما ذكرنا فإنّ ابن الأُسرة تلك كتب مؤلّفاته في تلك الأجواء.

فذكر بني أميّة وأشياعهم مفضّلاً إيّاهم على أهل البيتعليهم‌السلام وأشياعهم، متّبعاً منهجاً إسقاطياً حمّل أوزار أولئك على الشجرة المباركة وشيعتهم. والإشكال عليه، وما أكثره! إذ تعاضدت بيئته حَرَّان مع ما نعتقده من إرثه الخارجيّ، ففضّل الخوارج على أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وأهل البيت وشيعتهم، وكذب على الخوارج في عقائدهم وأفكارهم ونسب إليهم ما يريد أن يقوله هو من الشتائم الوقحة التي تبلغ حدّ الكفر بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام ...؛ فكذلك الإشكال عليه في نفسيّته المضطربة التي كان لبيئته حَرَّان، وقد احتملنا أنّ أصحاب تلك السراديب المظلمة من الصابئة كيف يصطادون الأطفال بحيلهم ويفعلون معهم أفاعيل تؤثّر في نفوسهم وتربكهم عقيديّاً، وشيوع العقيدة اليهوديّة هناك تركت آثارها في ذهنه وظهرت فيما بعد في ما كتب في عقيدته في الله تعالى من تشبيه وتجسيم، وغيرها من صفات المخلوقين.

أقول: تعاضدت تلك العوامل ليشحن منهاج ضلاله بتعظيم بني أُميّة وأتباعهم كما ذكرنا على أهل البيت وشيعتهم، وذكرنا ما فعله مع الخوارج، فوجدناهم يعظّمون عليّاً ويقولون بشأنه إمام حقّ عادل مرضيّ لم يظهر منه كفر؛

٨٨

وإنّما خالفوا منهج ابن تَيمِيه! الذي مارس الإسقاط فجعل من الفاعل بريء: عائشة وطلحة والزبير ومروان ...، وبعد أن تمّت صفقتهم الخاسرة في قتل عثمان الذي كان خير ناصر له: أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وبنوه وبنو هاشم وثُلّة من أبناء الصّحابة، فيما كان معاوية منشغلاً ببطنه التي لا تشبع بعد دعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وملاذّه ومترقّباًحصاد الحوادث، فما له ولابنِ عمّه عثمان، فإنْ سلم، فيدُه قد بسطها عثمان أوسع ممّا ولاّه عمر «الشام» وإنّما ضمّ إليه مصر وأقاليم أُخرى، مرّ تفصيل ذلك. وإن قُتل، فأقلّ ما بيده الشام التي عُرف أهلها أنّهم يُعطون الطّاعة من غير جدال ...

بعد تلك الصفقة توجّه القتلة صوب البصرة فكانت وقعة الجمَل، وفيها قُتل أحد أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك هو: طلحة، أوّل مَن بايع عليّاًعليه‌السلام ثمّ نكث، وكان هو والزبير أشدّ الناس على عثمان، فلمّا رأى مروان أنّ الهزيمة حلّت بهم سرّد سهماً نحو طلحة فقتله وقال: لا أطلب ثأري بدم عثمان بعد اليوم أحداً!

هؤلاء هم الصحابة الذين كفّرهم الخوارج على ما مرّ بنا، ووصفوا عليًّاعليه‌السلام بنفيه الشبهات وإقامة الحدود وإعطاء الأُمور حقّها ...

وكما ذكرنا للخوارج أقوالاً ومواقف تنقض مزاعم ابن تَيمِيه وتُظهر ناصبيّته المـُعوِقة النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام أجمعين، وقد ذكرنا نموذجاً من أجوبة معاوية الذي قاتل عليّاً؛ وكيف تصدّى لمـَن جاء يتنقّصه وقد علِمَ أنّما هو منافِقٌ يُصانع؛ فقلب معاوية المعادلة تماماً.

ومن أقوال معاوية في حقّ أبي الحسن عليّعليه‌السلام :

٨٩

ذكر ابن عساكر، قال: قال معاوية: ما رُمِيتُ في مُصَمِّمَةٍ مثل أبي الحسن عليّ بن أبي طالب قطّ(1) .

هذا وهو معاوية! فهو إذ يُقرّ لأميرالمؤمنين بالشدّة في الأمور والشجاعة ويصفه بالأسد؛ فإنّه كنّاه أوّلاً ثمّ سمّاه باسمه الصريح. فهلاّ التفت ابنُ تَيمِيه إلى غلواء نفسه وقرينه هذا الذي لا يفارقه ثَمّة لحظة يزيده سوءً إلى سوء وبغيضةً إلى بغيضةٍ في حقّ عليّ وأهل البيت وشيعتهم ويجعلهم معدن كلّ مفسدة ورذيلة. والملتقى عند حكيم عدل وحينها يخسر المبطلون.

وذكر ابن عساكر أنّ أبا مسلم الخولانيّ جاء ومعه ناس إلى معاوية فقالوا له: أنت تُنازع عليّاً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله، إنّي لأعلمـُ أنّ عليّاً أفضل منّي، وإنّه لأحقّ بالأمر منّي، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قُتل مظلوماً وأنا ابنُ عمّه؟ وإنّما أطلبُ بدم عثمان فقولوا له فليدفع إليَّ قتلة عثمان، وأسلّم له(2) .

من نافلة القول كما يقولون ومن غير الاستغراق: فإن معاوية أقرّ أنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل منه مثلما أقرّت الخوارج بفضلهعليه‌السلام ؛ وسلّم بأنّ عليّاً أحقّ بالأمر منه؛ وبذا بطلت مقولة الجاني على نفسه المنتصر لغيرِه وغيرُه يرفضه: ابن تيميه: بأنّ عليّاً قاتل على الرئاسة وأراق الدماء من أجلها ...، وتجاهلَ إصرارَ القوم على بيعته ورفضهعليه‌السلام لذلك حتّى بُويع إجماعاً طواعيةً لا سقيفيّةً ولا شَهراً لسيف ولا قتلاً عامّاً للقبائل الممتنعة عن البيعة فحبست زكاتها فسُمِّيت رِدّة عن الإسلام

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 25: 40.

(2) مختصر تاريخ دمشق 132.

٩٠

وجرى ما ذكرناه؛ وكما بُويع طواعيةً وبإلحاح من أولئك النّفر الذين أخذ عليهم عهد الله وميثاقه! لمعرفته بدخائل نفوسهم وكانوا أوّل مَن بايعه البيعة العامّة في المسجد ...؛ فإنّ الأقاليم قد بايعت له من غير سيف ولا مبعوث منهعليه‌السلام إليهم إلاّ معاوية فقد أظهر التمرّد وشقّ عصا الطّاعة وخرج على الجماعة ...، ونكث أولئك النّفر فكان الذي كان يوم الجمل، ثمّ صفّين من قِبل معاوية، فالخوارج فأمّا الخوارج فقد مضوا على شبهتهم في مسألة التحكيم مع إقرارٍ لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بالفضل والعدل وإنّه مع الحقّ! وأمّا معاوية فقد ذكرنا مثلين له وسنذكر أكثر وقد وجدناه رغم ناصبيّته، وحسد أُميّة الموروث لبني هاشم، فإنّ ذلك كلّه لم يمنعه أن يقرّ أنّ عليًّاعليه‌السلام أفضل منه وأحقّ بالأمر منه. إلاّ أنّه تلمّس لنفسه المعاذير مثلما فعلت الخوارج!

وكانت عائشة كلّما ذكرت مسيرها في وقعة الجمل بكت حتّى تَبِلّ خمارها(1) .

وكانت إذا قرأت الآية:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ ) (2) ، تبكي نادمةً على مسيرها يوم الجمل حتّى تبلّ خمارها(3) .

وسُئلت عائشة عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقالت: وما

____________________

(1) طبقات ابن سعد 8: 81، تفسير القرطبي 14: 180، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 9: 200.

(2) الأحزاب ك 33.

(3) تاريخ بغداد 9: 184، تاريخ دمشق 34: 220، المناقب، للخوارزمي 182، سير أعلام النبلاء، للذهبي 2: 177.

٩١

عَسَيتُ أن أقول فيه، وهو أحبُّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ لقد رأيتُ رسول الله قد جمعَ شَمْلَتَه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين وقال: «هؤلاء أهل بيتي اللّهمّ أذهِبْ عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً». قيل لها: فكيف سِرتِ إليه؟ قالت: أنا نادمة! وكان ذلك قَدراً مقدوراً(1) .

عائشة تبكي قتالها عليّاً

ومن جنس كلامها السالف لما سألها جميع بن عُمير، قال: قلت لعائشة: حدِّثيني عن عليّ. فقالت: تسألني عن رجلٍ سالت نفسُ رسول الله في يده، ووَلِيَ غسْلَه وتغميضَه وإدخالَه قبرَه(2) ! قلت: فما حملكِ على ما كان منكِ؟ فأرسلَتْ خِمارَها على وجهها وبكت، وقالت: أمرٌ كان قُضي عليَّ.(3)

إنّ عائشة قد قاتلت عليّاًعليه‌السلام إلاّ أنّ الحقّ نطق بفضائل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وخصائصه حالها حال الخوارج ومعاوية وكلٌّ يلتمس لنفسه عذراً؛ فعُذر عائشة أنّ قتالها لأميرالمؤمنينعليه‌السلام كان بتقدير من الله تعالى عليها وقضاء، حاشا لله عزّ وجلّ من ذلك.

____________________

(1) المحاسن والمساوئ، للبيهقي 298. ويبدو أنّ أمّ المؤمنين قَدَريّة! فهي تظهر الندم على ما فعلته يوم الجمل ثمّ تردّ الفعل إلى الله تعالى عن ذلك!

(2) وهذا ما يُبطل ما نُسب إليها: متى أوصى رسول الله وقد مات بين سَحْري ونحري؟ والغرض منه إبطال الوصيّة للوصيّ عليّعليه‌السلام . فعليّ مشغول بأمر رسول الله ورسول الله يناجيه حتّى مات بين سحره ونحره بعيداً عن السقيفة.

(3) المحاسن والمساوئ، للبيهقي 298.

٩٢

إلاّ أنّ ذلك لم يمنعها من النطق بفضائله، بل وكلّما ذكرت مسيرها المشؤوم يوم الجمل أو قرأت الآية القرآنيّة التي تأمر نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يَقرْنَ في بيوتهنّ، حتّى تبكي ندماً ...

عطا، قال: سألت عائشة عن عليّ فقالت: ذاك خيرُ البشر لا يشكّ فيه إلاّ كافر(1) .

هذه الفِرق الثلاث التي قاتلت أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام كلّها تنطق بفضله وعدله وأنّه خيرُ البشر ...

ومع كلّ هذا فإنّ ابنُ تَيمِيه لم تُطاوعه نفسه إلاّ أن يُنافق ويكذب على الآخرين فيلقي على ألسنتهم ما هم منه أبرياء كبراءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب، ويتجاوز الحدّ هذا! فيكيل السُّباب لأمير المؤمنينعليه‌السلام .

فلا كان مع الخوارج، وإن كان خارجيّاً أصالةً، ولا كان مع النواصب القاسطين وإن كان قاسطاً وللنّواصب إماماً يُحتذى منذ نعق وحتّى الساعة ولا ندري متى تمتدّ يد المشيئة الإلهيّة المقتدرة لتطهّر الأرض من الصُمّ البُكم العُمي مخالفي القرآن؛ وأحمد ومالك والشافعيّ والحنفيّ؛ عاكفين على سليل «تَيمِيه، وسِتّ النَّعم» مجسّمين مشبّهين لذات الله تعالى، قد استحوذوا على الحرمين الشريفين: بيت الله الحرام، ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعاقبون من يقترب من مرقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للتبرّك ويرفعون أصواتهم النّكرة: لا تشرك؛ مقتدين بإمامهم الذي علّمهم ذلك وأفتى بحرمة زيارة قبر الرسول وجعله بِدعة وشركاً، فتلقّفها البدوي النَجْديّ

____________________

(1) كفاية الطّالب 246.

٩٣

الأعرابيّ ابن عبد الوهّاب الذي ظهر مع ظهور الإنجليز في الجزيرة العربيّة وعمل بتلك البِدعة والفتوى ونشر عقائد ابن تَيمِيه وهاجم أتباعه المراقد الشريفة في العراق وما زالوا يفعلون وسنأتي على ذكر فتاوى متأخّريهم وأفعالهم الشنيعة في هذا الحقل.

أقول: ولا كان مع أُمّ المؤمنين عائشة التي قادت النّاكثين فلمّا وضعت الحربُ أوزارَها، جهّزها أميرُالمؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا وصلت المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك؟ قالت: لقد أعطى عليّ بن أبي طالب فأكثر، ولكنّه بعث معي رجالاً أنكرتُهم، فعرّفها النسوة أمرهنّ فقالت: ما ازددت والله يا ابن أبي طالب إلاّ كرماً.(1)

وللسنّة الذين حاول فاشلاً أن يُثيرهم على إخوانهم شيعة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففضحه الله تعالى وحكمه قُضاة المذاهب السنّيّة بالأحكام التي ذكرناها: فاسق، زنديق، منافق، كافر، وشهّروا به وسجنوه ثلاث مرّات مات في الثالثة في السجن ...

إنّ الذين حكموا على ابن تَيمِيه هذه الأحكام قد شغفهم حُبّ آل البيت، وكان هذا الحبّ ديناً يدينون الله عزّوجلّ به ويتقرّبون به إليه سبحانه ويعتقدون أنّ الصلاة عليهم من الواجبات التي لا تتمّ صلاتهم إلاّ بها.

ذكر الفخر الرازيّ في تفسيره، قال: إنّ الدعاء للآل منصِب عظيم، ولذلك جُعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة وهو قوله: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد. وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير

____________________

(1) أنساب الأشراف 3: 51، تاريخ الطبري 3: 548، الأخبار الطوال 152، مروج الذهب 2: 372.

٩٤

الآل؛ فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حب آل محمّدعليهم‌السلام واجب. وقال: إنّ أهل بيته ساوَوْه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي السلام ...»(1) .

فقول الفخر: «وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل» يعني لو دخل فيها ذكرُ غيرهم - أيّاً كان - بطلت الصلاة، وكان ذكر غيرهم حاله حال أيٍّ من المبطلات! ولا تستقيم الصلاة إلاّ بالشهادة لله تعالى بالوحدانيّة، ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبوديّة لله سبحانه وأنّه نبي الله، ثمّ تعظيمه بالصلاة عليه وعلى آله.

وفي الصواعق المحرقة، قال ابن حَجَر: قوله تعالى:( إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (2) ، إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قرَنَ الصلاة على آله بالصلاة عليه؛ لما سُئل عن كيفيّة الصلاة والسلام عليه. وقال: وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقيّة آله مُراد من هذه الآية، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزول هذه الآية ولم يُجابُوا بما ذكر، فلمّا أجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه؛ لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيدُ تعظيمه ومنه تعظيمهم، ومن ثمّ لمّا دخل مَن مرّ في الكِساء قال: «اللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم» وقضيّة استجابة هذا الدّعاء: إنّ الله صلّى عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتَهم عليهم معه. ويُروى: «لا تُصَلُّوا عليَّ الصلاة البتراء» فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللّهمّ صلِّ

____________________

(1) التفسير الكبير، للفخر الرازي 27: 166.

(2) الأحزاب: 56.

٩٥

على محمّد، وتُمسكون! بل قولوا: اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد». وقد نُقل عن الإمام الشافعيّ قوله:

يا أهلَ بيتِ رسول الله حبُّكُم

فرضٌ من الله في القرآن أنْزَله

كَفاكُمُ من عظيم القَدْر أنّكم

مَن لم يُصلِّ عليكم لا صلاةَ له

قال: فيُحتمل لا صلاة له صحيحةً، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصّلاة على الآل، ويُحتمل لا صلاة كاملةً، فيُوافق أظهرَ قولَيْه(1) .

قال أخرج الدار قطني والبيهقي حديث «من صلّى صلاةً ولم يُصلِّ فيها عليَّ وعلى أهل بيتي لم تُقبل منه». وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشافعيرضي‌الله‌عنه : إنّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(2)

وفي الشّفا للقاضي عياض المالكيّ، عن ابن مسعود، عينُ الحديث السابق الذي ذكره ابن حجر في الصواعق صفحة 139.(3)

وفي شرح الشفا للقاضي الخفاجيّ الحنفيّ، [ عن أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ]: «الدّعاء والصلاة معلّق بين السّماء والأرض، لا يصعد منه إلى الله شيء حتّى يُصلّى عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى آل محمّد».(4)

وقيل للإمام الشافعيّ إنّ أُناساً لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة تُذكر

____________________

(1) الصواعق المحرقة 87.

(2) نفسه 139.

(3) الشفا، للقاضي عياض 3: 505.

(4) شرح الشفا، للقاضي الخفاجيّ 3: 506.

٩٦

لأهل البيت؛ فإذا رأوا أحداً يذكر شيئاً من ذلك قالوا: تجاوزوا عن هذا فهو رافضيّ! فأنشأ الشافعيّ رحمه الله تعالى يقول:

إذا في مجلسٍ نذكر عليّاً

وسبْطَيه وفاطمةَ الزكيّة

يُقال: تجاوزوا يا قومُ هذا

فهذا من حديث الرافضيّة!

برِئتُ إلى المهيمن من أناسٍ

يَرَون الرّفضَ حبَّ الاطميّه(1)

فالشافعيّ لا يجد حرجاً أن يُرمى بتهمة الرفض ومشايعة أهل البيتعليهم‌السلام ويبرأ من أعدائهم وشانئيهم. وله أيضاً:

قالوا: ترفّضتَ؟ قلت: كلاّ

ما الرّفضُ دِيني ولا اعتقادي

لكن تولّيتُ - غيرَ شكٍّ

خيرَ إمامٍ وخيرَ هادي

إن كان حبُّ الوليِّ رفضاً

فإنّني أرْفَضُ العِبادِ(2)

وله أيضاً شعر يفيض حبّاً لهمعليهم‌السلام ومكابدة من أولئك الذين يقفون مَعاثِر في صراطهم المستقيم، ويهتف معلناً بأنّه رافضيّ:

يا راكباً قِفْ بالمـُحَصَّبِ من مِنى

واهتُف بساكنِ خِيفها والناهضِ

سَحَراً إذ فاضَ الحجيجُ إلى مِنى

فَيْضاً كمُلْتطِم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حبُّ آل محمّدٍ

فَلْيَشْهَد الثَّقَلان أنّي رافضيّ!(3)

____________________

(1) نور الأبصار، للشبلنجي 232.

(2) نور الأبصار، للشبلنجي 232.

(3) نفسه 232.

٩٧

ومن شعر ابن العربيّ في أهل البيتعليهم‌السلام :

رأيتُ ولائي آل طه فريضةً

على رغم أهل البُعدِ يورثني القُرْبا

فما طلبَ المبعوث أجراً على الهدى

بتبليغِه، «إلاّ المودّة في القربى»(1)

وله أيضاً:

فلا تَعدِلْ بأهلِ البيت خَلْقاً

فأهلُ البيت هم أهلُ السِّيادَه

فبُغْضُهمُ من الإنسانِ خُسْرٌ

حقيقيٌّ، وحُبّهُم عبادُه(2)

هذه هي أقوال لعلماء المذاهب التي يلوذ بها ابن تَيمِيه، وسِتّ النَّعم نفاقاً منه في حال شنّ الغارة على خُصومه: ابتداءً من الله تعالى علوّاً كبيراً، ومروراً بالرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته بيت العصمةعليهم‌السلام ؛ وحجّته التي يصول بها ويجول هو قوله: هذا قول أهل السنّة والجماعة ...، فإذا رجعنا إليهم وجدناهم على خلافه تماماً ولذا نجد أنفسنا مضطرّين إلى إعادة القول والتذكير بأنّهم شدّدوا عليه النكير وعاقبوه وبدّعوه وطافوا به سكك دمشق على بغلة بالمقلوب مضروباً بالدرّة وحبسوه ثلاث مرّات بالأحكام التي مرّ ذكرها: النّفاق والزندقة والفسق والكفر؛ فماذا أبقى لإبليس؟! وفي كلّ نوبة يُعلن التوبة فيخرج ثمّ يرجع لأنّ الذي فيه لا يفارقه فيحرّكه ويثير الفتنة من جديد ليرجع إلى مستراحه «السجن» وهكذا حتّى هلك في الثالثة في سجنه.

وزيادةً في إغاضة التيماويّين نذكر ما جاء في الإصابة، قال: إنّ كُدَيْر

____________________

(1) الصواعق المحرقة 101.

(2) نفسه.

٩٨

الضّبّيّ كان يُصلّي ويقول: اللّهمّ صلِّ على النّبيّ والوصيّ.(1) وذكر الهيتمي نقلاً عن الطبرانيّ، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : «كلّ دعاء محجوب حتّى يُصلّى على محمّد وآل محمّد»(2) .

وفي ذخائر العُقبى، عن جابررضي‌الله‌عنه أنّه كان يقول: لو صلّيتُ صلاةً لم أُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيتُ أنّها تُقبل»(3) . وفي تفسير قوله تعالى:( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) (4) .

قال نظام الدّين الحسن بن محمّد النيسابوريّ في تفسيره غرائب القرآن ورغائب الفرقان، بهامش تفسير الطبريّ في آية المودّة: كفى شرفاً لآلِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفخراً ختم التشهّد بذكرهم، والصلاة عليهم في كلّ صلاة.(5)

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : معرفةُ آل محمّد براءةٌ من النّار، وحبّ آل محمّد جوازٌ على الصراط، والولاية لآل محمّد أمانٌ من العذاب»(6) .

قال القاضي عياض: قال بعض العلماء: معرفتُهم هي معرفة مكانتهم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا عَرَفَهم بذلك عَرفَ وجوبَ حقّهم وحُرمتهم بسببه(7) .

____________________

(1) الإصابة 3: 289/7386.

(2) مجمع الزوائد 3: 289.

(3) ذخائر العُقبى 19.

(4) الشورى: 23.

(5) غرائب القرآن ورغائب الفرقان 5: 519.

(6) الشفا 31.

(7) نفسه.

٩٩

بعد كلّ هذا: أيُقبل من ابن تَيمِيه صلاة، إن كان من المصلّين! وهل لا يَحجب دعاءَه بُغضُه وناصبيّتُه لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وأهل بيته الطّاهرين وشيعتهم، وكذلك حال يتاماه في كلّ قرن حتّى عصرنا، فما قُطع قرن حتّى ظهر آخر؛ فهل معه ومع أيتامه الذين أضلّهم جوازٌ على الصراط وبراءة من النّار وأمانٌ من العذاب؟!

كلام أحمد بن حنبل في قوله أميرالمؤمنينعليه‌السلام : «أنا قسيمُ النار»: قال القاضي ابن أبي يعلى الحنفيّ: سمعت محمّد بن منصور يقول: كنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبدالله ما تقول في هذا الحديث الّذي يروى أنّ عليّاً قال: أنا قسيمُ النّار؟ فقال أحمد: وما تنكرون من ذا؟ أليس قد روَينا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ: «لا يُحبّك إلاّ مؤمن ولا يُبغضك إلاّ منافق»؟ قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة، قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليّ قسيمُ النّار.(1)

فأحزموا أنفسكم بالأحزمة الناسفة وأمامَكم إمامُكم ابن تَيمِيه لعلّكم تنسفون أنفسكم قبل أن يأخذ أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه عليٌّ بأيديكم إلى النّار.

وأخرج الحاكم عن شريك، عن قيس بن مسلم، عن أبي عبد الله الجدليّ، عن أبي ذرّ قال: «ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلّف عند

____________________

(1) طبقات الحنابلة، للقاضي ابن أبي يعلى 1: 320.

١٠٠