ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168801 / تحميل: 5866
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قال: وأمّا رواية «أمير المؤمنين»(١) عن جويرية بنت مسهر قالت! قال: وهذا الإسناد أضعف ممّا تقدّم، وفيه من الرجال المجاهيل... وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة، ولا يعرف حال هذه المرأة(٢) !!

قال: وقد حكى أبو جعفر الطحاويّ، عن عليّ بن عبد الرحمان، عن أحمد بن صالح المصريّ: أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء من ردّ الشّمس؛ لأنّه من علامات النبوّة.

قلت - ابن تيميه - أحمد بن صالح رواه من الطريق الأوّل، ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدلّ من وجوه كثيرة على أنّه كذب. وتلك الطريق راويها مجهول عنده... والطحاويّ ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم، فإنّه لم تكن معرفته بالأسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث عالماً.(٣)

آثرنا أن نورد كلام ابن تيميه بطوله - وإن كان أطول ممّا ذكرناه، لما فيه من حشوٍ وإعادة عبارات، وجعلنا الردّ بعد استيفاء كلامه فنقول، وبالله التوفيق: قوله: هذا الحديث موضوع بلا شكّ، ذكره ابن الجوزيّ في الموضوعات، وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى... قال أبو الفرج: وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه.

الجواب: إنّ حديث أسماء بنت عميس، يرد من أكثر من طريق، ليس فيها

____________________

(١) ما بين القويستين من لفظ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، هو من كلام العلاّمة الحلّيّ.

(٢) منهاج السنّة ٤: ١٩٤.

(٣) منهاج السنة ٤: ١٩٤.

١٤١

فضيل بن مرزوق ولا عبيد الله بن موسى.

كما وإنّ الحديث يرد عن غير أسماء، فهو يرد عن: ابن عبّاس، وأبي هريرة، وجابر، وأبي رافع... وكلّها ناهضة بصحّة الحديث معضّدة له.

ورفضُ ابن تيميه الحديث إنّما مداره على شيخه: ابن الجوزيّ؛ إذ لم أجد في أهل العلم من كذّب الحديث ووهّنه غير هذا الرجل!

وبين وفاة ابن تيميه ووفاة ابن الجوزيّ (١٣١ سنة)، وبين وفاة ابن الجوزيّ ووفاة عبيد الله بن موسى (٣٨٤ سنة)، وبينه وبين وفاة فضيل بن مرزوق (٤٣٧ سنة). فهما أقرب عهداً بالتّابعين وأتباعهم، وقد عاشا وماتا في عصر ازدهار تدوين الحديث ونقده، وجَرْح الرّجال وتقويمهم، فإن فضيلاً مات قبل سنة (١٧٠ هـ)، وعبيد الله مات سنة (٢١٣ هـ) والحكم عليهما لمن عاصرهما أو كان قريباً من ذلك، فإذا عُدِم ذلك وخفي حالهما؛ جاز للمتأخّر التفتيش عن حالهما.

وقبل النظر في الرجلين نذكر رجلاً تشدّد على من توقّف وتخلّف عن حفظ حديث أسماء!

ذلك هو: أحمد بن صالح المصريّ، شيخ البخاريّ، والمتوفّى سنة (٢٤٦ هـ)، وقد روى له البخاريّ في صحيحه، سنقف على كلامه.

حال عبيد الله بن موسى، وفضيل بن مرزوق:

عبيد الله بن موسى بن أبي المختار، باذام، أبو محمّد العبسيّ، مولاهم

١٤٢

الكوفيّ الحافظ المقرئ(١) .

ولد بعد العشرين ومائة، وتوفّي بالكوفة في آخر شوّال سنة ثلاث عشرة ومائتين في خلافة المأمون.

روى عن: الأعمش، وهشام بن عروة، والأوزاعيّ، وابن جريج، وإسماعيل بن أبي خالد، وزكريّاء بن أبي زايدة، وعثمان بن الأسود، ومحمّد ابن عبد الرحمان بن أبي ليلى، وحنظلة بن أبي سفيان المكّيّ وعائذ بن حبيب؛ قال يحيى: حدّث عنه عبيد الله بن موسى، وقد سمعت من عائذ بن حبيب. وكان يقال: إنّه زيديّ وكان مسجده ومسجد عبيد الله بن موسى واحداً. قال: وحدّث عن أسامة بن زيد اللّيثي، وهو ثقة (تاريخ ابن معين ١: ٢٥١ / ١٦٥٤).

وكان من أروى زمانه عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق. قرأ على عيسى بن عمر، وعلى عليّ بن صالح بن حيّ - من قرّاء الكوفة، من السابعة، كلاهما ثقة؛ - انظر: تاريخ الثّقات للعجليّ وغيره - وكان يقرأ القرآن في مسجده.

____________________

(١) الطبقات الكبرى، لابن سعد ٦: ٤٠٠، ٦: ٣٦٨ / ٢٧٤٨؛ التاريخ، لابن مَعين - برواية الدوريّ - ١: ٣٠٩ / ٢٠٦٢، ١: ٣٨١ / ٢٥٨؛ معرفة الرجال، لابن مَعين ١ / الترجمة ٨٨٣؛ طبقات خليفة ٢٩٢ / ١٣٢١؛ تاريخ خليفة: ٥٤؛ التاريخ الكبير، للبخاريّ ٥: ٤٠١؛ المعارف ٥١٩، ٥٣٢ و ٦٢٤؛ المعرفة والتاريخ ١: ١٩٨؛ تاريخ الثقات، للعجليّ ٣١٩ / ١٠٧٠؛ الكامل، لابن عديّ ٣٢٧؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ٢٣٩ / ٩١٠؛ الجرح والتعديل للرازيّ ٤: ١ / ٤٩٦؛ الثّقات لابن حِبّان ٤؛ ٩٢ / ٢٩٦١؛ الكنى والأسماء للدولابيّ ٢: ٢٢١ / ٢٥٠٤؛ تهذيب التهذيب لابن حجر ١٠ / ٤٧٩؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٧: ٥٠؛ الكاشف للذهبيّ ٢: ٢٣٤، تحرير تقريب التهذيب ٢: ٤١٥ / ٤٣٤٥؛ رجال الطوسيّ ١١١ / ٣١١.

١٤٣

روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبّاس الدّوريّ، والدارميّ، ومحمّد بن سليمان الباغنديّ، والحارث بن أسامة، وابن نمير ويعقوب بن سفيان الفسويّ وقد أكثر في الرواية عنه.

(الطبقات الكبرى لابن سعد ٦: ٣٦٨؛ الثقات لابن حبّان ٤: ٩٢؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٥: ٢٨٣...).

أقوال العلماء فيه

ابن سعد: عبيد الله بن موسى، ثقه صدوق حسن الهيئة، وكان يتشيّع ويروي أحاديث في التشيّع، فضُعّف بذلك عند كثير من النّأس؛ وكان صاحب قرآن(١) .

يحيى بن معين: عبيد الله بن موسى، ثقه(٢) . سمعت جامعَ سفيان - الثّوريّ - من عبيد الله بن موسى، قرأه عليّ من صحيفته(٣) .

وقد ذكره في مواضع كثيرة من كتاب «التاريخ» بجزءيه، في من روى عنه، أو من روى عنه عبيد الله بن موسى، ولم يضعّفه في أيّ مورد.

الحافظ العجليّ: عبيد الله بن موسى العبسيّ، يكنّى أبا محمّد: صدوق، كان يتشيّع، وكان صاحب قرآن رأساً فيه، شجيّ القراءة. ما رأيت عبيد الله رافعاً بصره إلى السّماء، وما رُؤيَ ضاحكاً(٤) .

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٦: ٣٦٨ / ٢٧٤٨.

(٢) الجرح والتعديل للرازيّ ٥: ٣٣٤؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ٢٣٩ / ٩١٠.

(٣) تاريخ ابن معين ١: ٣٨١ / ٢٥٨٠.

(٤) تاريخ الثقات للعجليّ: ٣١٩ / ١٠٧٠.

١٤٤

الحافظ ابن حبّان: ذكره في الثّقات من أهل الكوفة. قال: مات سنة ثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائتين، وكان يتشيّع(١) .

الحافظ ابن شاهين: عبيد الله بن موسى: ثقة، قال يحيى.

قال عبيد الله بن موسى، صدوق ثقة(٢) .

خليفة بن خيّاط: ذكره في الطبقة التاسعة. يروي عن عمر بن صُهبان الأسلميّ التابعيّ(٣) .

وحدّث عنه في تاريخه، عن غزوة الطائف؛ عنه عن طلحة بن جبر، عن المطّلب بن عبد الله، عن مصعب بن عبد الرحمان بن عوف، عن أبيه(٤) ...

وكذلك عن مِشعَر، عن عمرو بن مرّة، عن الحارث بن جمهان الجعفيّ، عن صفة معركة الجَمَل(٥) ...

النسائيّ: ولم يذكره النسائيّ في كتاب: «الضعفاء والمتروكين» وهذا دليل على حسن حال عبيد الله بن موسى عنده.

الطوسيّ: عدّه الطوسيّ في أصحاب الصادقعليه‌السلام (٦) .

____________________

(١) الثقات لابن حبّان ٤: ٩٢: ٢٩٦١.

(٢) تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ٢٣٩ / ٩١٠.

(٣) طبقات خليفة بن خيّاط ٢٩٢ / ١٣٢١.

(٤) تاريخ خليفة بن خيّاط ٥٤.

(٥) نفسه ١٤٣.

(٦) رجال الطوسيّ ١١١ / ٣١١.

١٤٥

الدّولابيّ: ذكره في ترجمة أبيه أبي المختار موسى بن باذام؛ قال: وابنه عبيد الله بن موسى سمع الثّوريّ(١) .

أبو حاتم الرازيّ: قال ابن معين وغيره: ثقة(٢) .

قال أبو حاتم: ثقةٌ صدوق، وأبو نعيم أتقنُ منه، وعبيد الله أثبتُهم في إسرائيل(٣) .

الذهبيّ: هو من كبار شيوخ البخاري. كان صاحب تعبّد وزهادة(٤) .

ابن حجر: عبيد الله بن موسى بن باذام الكوفيّ: ثقة(٥) .

خلاصة الأقوال في عبيد الله بن موسى:

لقد وقفنا على أقوال العلماء ممّن عاصر عبيد الله بن موسى أو جاء بعده بقليل؛ إلاّ ما كان من الطوسيّ - أي من حيث المعاصرة - (توفي ٤٦٠ هـ) وناهيك به في هذا الفنّ، ثمّ الذهبيّ وابن حجر...

وكان الإجماع على توثيق عبيد الله بن موسى وتصديقه وحسن سيرته وعبادته؛ فمَن كان هذا شأنه فهو أحرى أن يؤخذ عنه إذ صار مدار الحديث بزعم ابن الجوزيّ عليه عن فضيل بن مرزوق. وحان الآن أن ننظر في سيرة

____________________

(١) الكنى والأسماء للدّولابيّ ٢: ٢٢١ / ٢٥٠٤.

(٢) الجرح والتعديل للرازيّ ٥: ٣٣٤.

(٣) نفسه ٣٣٥.

(٤) تاريخ الإسلام للذهبيّ ١٥: ٢٨٣ / ٢٨٥.

(٥) تحرير تقريب التهذيب لابن حجر ٢: ٤١٥ / ٤٣٤٥.

١٤٦

الثاني وأقوال العلماء فيه:

فضيل بن مرزوق:

فضيل بن مرزوق الأغرّ الرقاشيّ، ويقال: الرؤاسيّ، أبو عبد الرحمان الكوفيّ مولى بني عنزة(١) .

روى عن: حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، وسليمان الأعمش وعديّ بن ثابت، وعطيّة العوفيّ، وأبي إسحاق السبيعيّ، ومحمّد بن سعيد صاحب عكرمة، وأبي عمر صاحب عكرمة...

روى عنه: أبو أسامة حمّاد بن أسامة، وعبيد الله بن موسى، وسفيان الثوريّ، وعبد الله بن صالح العجليّ، ووكيع بن الجرّاح، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين، ويزيد بن هارون، ويحيى بن آدم، وعليّ بن الجعد، وسعيد بن محمّد الورّاق، وأبو غسّان مالك بن إسماعيل، ومحمّد بن يوسف الفريابيّ، وأبو أحمد الزبيريّ، وعبد الله بن المبارك...

توفّي فضيل بن مرزوق سنة مائة وستّين.

____________________

(١) تاريخ يحيى بن معين ١: ٢٠٠ / ١٢٩٨، ٢٢٦ / ١٤٦٢، ٣٠٦ / ٢٠٤٠؛ تاريخ الثقات للعجلي ٣٨٤ / ١٣٥٩؛ كتاب الثقات لابن حبّان ٤: ١٩٥ / ٣٧٧٨؛ المعرفة والتاريخ للفسويّ ٣: ٢٠٧؛ تاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ٥٤٧؛ الكامل لابن عديّ ٢: ٣٣٨؛ تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ٢٦٣ / ١٠٦٨؛ الجرح التعديل للرازيّ ٧ / الترجمة ٤٢٣؛ سؤالات الآجريّ ٥ / ٤٧؛ رجال صحيح مسلم ١٤٥؛ موضّح أوهام الجمع والتفريق للخطيب ٢ / ٣٢٢؛ تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٣: ٣٠٥؛ الكاشف للذهبيّ ٢: ٤٨٦؛ تهذيب التهذيب ٨: ٢٩٨.

١٤٧

أقوال العلماء فيه

يحيى بن معين: فضيل بن مرزوق ثقة(١) . وحدّث عن وكيع عن فضيل عن عطيّة عن عائشة(٢) . وروى له في غير هذا الموضع ممّا يعني وثاقته عنده.

ابن سعد: روى له ابن سعد، من ذلك حديث المنزلة؛ قال أخبرنا الفضل ابن دُكَيْن قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطيّة، حدّثني أبو سعيد قال: غزا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غزوة تبوك وخلّف عليّاً في أهله، فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به إلاّ أنّه كره صحبته! فبلغ ذلك عليّاً، فذكره للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: أيا ابن أبي طالب، أما ترضى أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسى؟(٣)

وذكر خبرَ مقتل الزبير بن العوّام يوم الجمل؛ قال:أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق قال: حدّثني سفيان بن عقبة، عن قرّة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير بن العوّام يوم الجَمَل وكانوا يسلّمون عليه بالإمرة،... الخبر.(٤)

قال: أخبرنا شبابة بن سوّار الفزاريّ قال: أخبرني الفضيل بن مرزوق قال: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجلٍ ممّن يغلو فيهم: وَيْحكم! أحبّونا لله، فإن

____________________

(١) تاريخ يحيى بن معين ١: ٢٠٠ / ١٢٩٨.

(٢) نفسه: ٢٢٦ / ١٤٦٢.

(٣) الطبقات الكبرى ٣: ٢٤.

(٤) نفسه: ٨٢.

١٤٨

أطعنا الله فأحبّونا، وإن عصينا الله فأبغضونا.(١)

الفسويّ: قال يعقوب بن سفيان الفسويّ: فضيل بن مرزوق: كوفيّ ثقة.(٢)

العجليّ: فضيل بن مرزوق: جائز الحديث، ثقة، وكان فيه تشيّع، وهو كوفيّ.(٣)

ابن حبّان: ذكره في الثّقات وقال: فضيل بن مرزوق الرؤاسيّ، كنيته أبو عبد الرحمان، من أهل الكوفة، يروي عن أبي إسحاق وعطيّة. روى عنه عبد الله بن المبارك. كان ممّن يُخطئ.(٤)

ابن شاهين: فضيل بن مرزوق: وثّقه يحيى مرّةً وضعّفه أخرى.(٥)

سفيان الثّوريّ: قال المثنّى بن معاذ العنبريّ، عن أبيه: سألت سفيان الثوريّ عنه؟ فقال: ثقة.(٦)

أحمد بن حنبل: قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل: لا أعلم إلاّ خيراً.(٧)

____________________

(١) نفسه: ٢٤٥.

(٢) المعرفة والتاريخ ٣: ١٣٣.

(٣) تاريخ الثّقات ٣٨٤: ١٣٥٩.

(٤) كتاب الثّقات ٤: ١٩٥ / ٣٧٧٨. وقوله: يُخطئ؛ فسبحان من لا يخطئ، سيّما وقد ذكره في الثّقات.

(٥) تاريخ أسماء الثّقات ٢٦٣ / ١٠٦٨.

(٦) الجرح والتعديل للرازيّ ٧ / الترجمة ٤٢٣.

(٧) الجرح والتعديل للرازيّ ٧ / الترجمة ٤٢٣.

١٤٩

سفيان بن عيينة: قال الحسن بن عليّ الحلوانيّ، عن الشافعيّ: سمعتُ ابن عيينة يقول: فضيل بن مرزوق ثقة.(١)

ابن عديّ: قال: أرجو أنّه لا بأس به.(٢)

الهيثم بن جميل: قال الحسين بن الحسن المروزيّ: سمعت الهيثم بن جميل يقول: فضيل بن مرزوق: كان من أئمّة الهدى زهداً وفضلاً.(٣)

عبّاس الدّوريّ: فضيل بن مرزوق: ثقة.(٤)

الخطيب: عن عبد الرحمان بن يوسف بن خراش أنّه قال: فضيل بن مرزوق ثقة.(٥)

وقال ابن محرز ك قال يحيى بن أيّوب: حدّثنا حميد الرؤاسيّ قال: حدّثنا فضيل بن مرزوق وكان أصدق من رأينا الناس.(٦) وقال البخاريّ: مُقارب الحديث.(٧) روى له البخاريّ في كتاب «رفع اليدين في الصلاة»، والباقون.(٨)

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزيّ ٢٣: ٣٠٧؛ عن سؤالات الآجريّ ٥: ٤٧، تاريخ ابن معين ٢: ٤٧٦؛ تاريخ الإسلام للذهبي ١: ٣٩٦ / ٣٢١.

(٢) الكامل لابن عديّ ٢: ٣٣٨.

(٣) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٣: ٣٠٨.

(٤) تاريخ الدّوريّ ٢: ٤٧٦.

(٥) الموضّح للخطيب ٢: ٣٢٣.

(٦) تهذيب الكمال ٢٣: ٣٠٩.

(٧) علل الترمذيّ: ٧٦.

(٨) تهذيب الكمال ٢٣: ٣٠٩.

١٥٠

النّسائيّ: لم يذكره في كتاب «الضعفاء والمتروكين».

الدارميّ: صالح الحديث، لا بأس به.(١)

عبد الرحمان بن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: صدوقٌ صالح الحديث، يَهِمُ كثيراً، يُكتبُ حديثه. قلت: يُحتجّ به؟ قال: لا.(٢)

الذهبيّ: كان معروفاً بالتشيّع من غير سبّ.(٣)

ابن حجر: فضيل بن مرزوق الأغرّ الرّقاشيّ الكوفيّ، أبو عبد الرحمان: صدوق يَهِمُ، ورُمي بالتشيّع، من السابعة مات في حدود سنة ستّين.

قال المحقّق: قوله: «يَهِمُ» لا معنى لها بعد أن أنزله إلى مرتبة الصدوق الحسَن الحديث؛ فقد وثّقه: سفيان الثوريّ، وابن معين في أصحّ الروايات عنه، والعجليّ، ويعقوب بن سفيان، وابن خراش.

وقال البخاريّ: مُقاربُ الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وذكره ابن حبّان في الثّقات، وقال أحمد: لا أعلم إلاّ خيراً.

وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث يَهِمُ، يُكتب حديثه، لا يحتجّ به.

____________________

(١) تاريخ الدارميّ ٦٩٨.

(٢) الجرح والتعديل للرازيّ ٧ / الترجمة ٤٢٣. (وقوله: لا يحتجّ به، غريب بعد أن حكم بصدقه وصلاح حديثه وكتابته!).

(٣) تحرير تقريب التهذيب ٣: ١٦٣ / ٥٤٣٧.

١٥١

خلاصة أقوال العلماء في فضيل بن مرزوق

والكلام في فضيل المتوفّى أوائل النصف الثاني من القرن الثاني الهجريّ هو في عهدة رجال الحديث والجرح وتراجم الرجال المتقدّمين، وقد وجدنا الإجماع على توثيقه ابتداء بابن سعد (١٦٨ - ٢٣٠ هـ) ومروراً بابن معين (ت ٢٣٣ هـ) والذي اعتبره ابن تيميه عمدته في رفض وقبول كثير، فالعجليّ (ت ٢٦١ هـ)... وهكذا رجال القرن الثالث الهجريّ وغيرهم ممّن بَعُدت الشُّقّة بين ابن تيميه وابن الجوزيّ وبينهم. هذا في حال حسن الظنّ! وإلاّ فالقصد العمديّ في إنكار الحديث وتضعيف رواته ورميهم بالكذب أبينُ من أن يقام عليه دليل.

وقد تراوحت أقوال العلماء في فضيل بن مرزوق، بين: ثقة، وأنّه من أئمّة الهدى، وأصدق الناس، وصدوق صالح الحديث، وقول إمام الحنابلة أحمد: لا أعلم إلاّ خيراً. وروى له البخاريُّ ومسلم والباقون، ولم يُذكر في الضعفاء. ولم يكن رافضيّاً كما نصّ عليه الذهبيّ. وقد وقفنا على قول محرّر تقريب التهذيب.

وأما قول ابن تيميه: وإذا روى له مسلم، ما تابعه غيره عليه لم يلزم أن يروي ما انفرد به!

فإذا سلّمنا له أنّ مسلماً صاحب الصحيح ليس بحجّة! فإذا انفرد برواية لا تكون ملزمة؛ فمن باب أولى أن لا يكون قول ابن الجوزيّ ملزماً، بل ويكون مرفوضاً إزاء أقوال أئمّة الحديث والجرح والتعديل المتقدّمين.

وتعلّل ابن تيميه بانفراد مسلم في روايات، ليس أمراً مستهجناً، فقد انفرد هو برواياتٍ لم يخرّجها البخاريّ في صحيحه، كما ذكر البخاريّ روايات لم

١٥٢

يذكرها مسلم، وعللّ بعضهم ذلك أنّ وثاقة رواة ثبتت عند مسلم ولم تثبت عند البخاريّ، وبالعكس، وغير ذلك من الأسباب.

ذكر الحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ في كتابه «المدخل إلى معرفة المستدرك»: عدد من خرّج  لهم البخاريّ في «الجامع الصحيح» ولم يخرّج لهم مسلم أربعمائةٍ وأربعة وثلاثون شيخاً، وعدد من احتجّ بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتجّ بهم البخاريّ في الجامع الصحيح ستّمائة وخمسة وعشرون شيخاً، والله أعلم.(١)

فإذا كان هذا هو عدد من أعرض عنه مسلم ولم يذكر روايته، وكذلك فعل البخاريّ؛ فكم هو عدد الأحاديث التي يجب أن لا يحتجّ بها وفقاً لقاعدة ابن تيميه؟!

وذكرنا من قبل أنّ الحاكم النيسابوريّ قد استدرك على البخاريّ ومسلم أحاديث كثيرة لم يذكراها، وهي على شرطيهما في تخريج الأحاديث، وقد وافقه الذهبي على كثيرٍ منها في كتابه «التلخيص». ونذكر هنا أنّ ما استدركه الحاكم عليهما تجاوز الثمانية آلاف حديثاً ورواية!

قال النّوويّ: ألزم الإمام الدار قطنيّ وغيره البخاريّ ومسلماً إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أنّ أسانيدها أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحيهما بها. وذكر الدار قطنيّ وغيره أنّ جماعة من الصحابة روَوا عن رسول الله؛ رُوِيت

____________________

(١) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم ١: ١٦.

١٥٣

أحاديثهم من وجوه صحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرّجا من أحاديثهم شيئاً فيلزمهما إخراجها على مذهبيهما. وذكر البيهقيّ: أنّهما اتّفقا على أحاديث من صحيفة همّام بن منبّه(١) ، وأنّ كلّ واحدٍ منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها مع أنّ الإسناد واحد.(٢)

قال النوويّ في تعليل ذلك: إنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحّ عنهما تصريحهما بأنّهما لم يستوعباه، وإنّما قصدا جمع جُملٍ من الصحيح.(٣)

وقال ابن الصلاح: ما وقع في صحيحي البخاريّ ومسلم ممّا صورته المنقطع، وهو في كتاب البخاريّ كثير جدّاً وفي كتاب مسلم قليل جدّاً. وكذلك ما روياه عمّن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلاً محتجّين به، وذلك مثل: حدّثني بعض أصحابنا.(٤)

ذكرنا هذه الأقوال؛ لأنّ ابن تيميه إذا أنكر حديثاً لاذ بصاحبَي الصحيحين أو بأحدهما وقال: لو كان الحديث صحيحاً لذكراه، أو لذكره فلان في صحيحه. وحين تنزع نفسه لا يتوقّف عن التوهين بأحدهما محتجّاً أنّه لم يتابعه الآخر عليه، وقد وقفنا على أقوال العلماء فيهما وفي صحيحيهما.

وأمّا تعليقه الحديث على ابن عقدة، وقوله: إنّه كان رافضيّاً.

____________________

(١) هَمّام بن منبّه الصنعانيّ، قال العجليّ: تابعيّ ثقة (تاريخ الثّقات ٤٦١ / ١٧٥٠).

(٢) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم ١:٢٤.

(٣) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم ١: ٢٤.

(٤) مقدّمة النوويّ لصحيح مسلم ١: ١٦.

١٥٤

فقبل الشروع بترجمته وقول العلماء فيه، فقد ذكر أنّه كان زيديّاً جاروديّاً، وعلى هذا مات.(١) وقد روى للسّنّه كما روى للإماميّة، فقد روى الخطيب وتبعه الذهبيّ؛ رويا عن ابن عقدة الحديث: «إنّ أبابكرٍ وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة!»(٢)

ورويا عنه عن سفيان قوله: لا يجتمع حبّ عليّ وعثمان إلاّ في قلوب نبلاء الرجال.(٣)

نقول: فقوله - أبو الفرج -: إنّه كان رافضيّاً يكتب في مثالب الصحابة، ينافي ما ذكرناه.

التحقيق في مذهبه: إنّ القول في مذهبه وأنّه كان زيديّاً ومات على ذلك، وكذلك كان أبوه زيديّاً؛ يعارضه ما رواه عن زيد بن عليّ، وربّما كان زيديّاً أوّلاً ثم رجع. فقد نقل النعمانيّ - وهو قريب عهد منه (توفّي سنة ٣٨٠ هـ) - عنه روايته عن أبي الصبّاح(٤) ، قال: دخلت على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال لي: ما وراء؟ فقلت: سرورٌ من عمّك زيد، خرج يزعم أنّه ابن سبيّة، وأنّه قائم هذه الأمّة، وأنّه ابن حِيَرة الإماء؛ فقال: كذب! ليس هو كما قال، إن خرج قتل.(٥)

____________________

(١) رجال النجاشيّ: ٩٤، الفهرست: ٧٣.

(٢) تاريخ بغداد ٥ / ١٥، سير أعلام النبلاء ١٥: ٣٤٣.

(٣) نفسه.

(٤) رجال ابن داود: ١٩: إبراهيم بن نعيم، أبو الصبّاح العبديّ. قال له الصادقعليه‌السلام : (أنت ميزان لا عين فيه)، مات بعد السبعين والمائة.

(٥) الغيبة للنعماني: ٢٢٩.

١٥٥

وثمّة أمر مهمّ للغاية؛ فإنّ «الجاروديّ»: مَن كان عقيدته أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على عليّعليه‌السلام بالوصف دون التسمية، والإمام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ، والناس قصّروا؛ حيث لم يتعرّفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف.(١)

وهذا التعريف ينافي ما ذكره الشيخ في الفهرست والنجاشيّ في رجاله في ذكر كتبه، قالا: كتاب الولاية ومن روى غدير خمّ.(٢)

وذكر السيّد ابن طاووس أنّ كتاب الولاية لابن عقدة في حوزته.(٣)

وذكر الكتاب المذكور جمع من مصنّفي السنّة والشيعة، وممّن ذكره ابن تيميه.

ولأجل كتابه المذكور وما نقله من أحاديث في شأن أهل البيتعليهم‌السلام رُمي بالتشيّع! وضعّف عند البعض، كما حصل لغيره. قال الذهبيّ: مُقت لتشيّعه.(٤) وقال ابن عديّ: كان مقدّماً في الشيعة.(٥) وقال ابن حجر: كان يُزَنّ(٦) بالتشيّع، والناس يختلفون في أمانته، فمن راضٍ ومن ساخط به.(٧)

حقيقة الأمر: والواقع أنّ ابن عقدة لم يكن رافضيّاً بالمعنى الذي قاله ابن

____________________

(١) الملل والنحل، للشهرستانيّ ١: ١٥٧.

(٢) الفهرست: ٧٢، رجال النجاشيّ: ٩٤.

(٣) الطرائف لابن طاووس ١: ١١١.

(٤) تذكرة الحفّاظ للذهبيّ ٣: ٨٣٩.

(٥) الكامل، لابن عديّ ١: ٢٠٦، لسان الميزان ١: ٢٦٤.

(٦) يزنّ: يتّهم.

(٧) السان الميزان ١: ٢٦٣.

١٥٦

الجوزيّ، إلاّ أنّه أثبت في كتبه كثيراً من الأحاديث الثابتة عنده بشأن أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قال أبو الحسن عليّ بن عمر - وهو الدار قطنيّ -: سمعت أبا العبّاس بن عقدة يقول: أن أجيب في ثلثمائة ألف حديثٍ من حديث أهل البيت خاصّة.

قال أبو الحسن: وكان أبوه عقدة أنحى الناس.(١)

ذكر ذلك الدار قطنيّ ولم يقع فيه لما يذكره من هذا العدد من الأحاديث الخاصّة بأهل البيت!

وقال أبو الطيّب أحمد بن الحسن بن هرثمة: كنّا بحضرة أبي العبّاس بن عقدة الكوفيّ المحدّث نكتب عنه وفي المجلس رجل هاشميّ إلى جانبه، فجرى حديث حفّاظ الحديث، فقال أبو العبّاس: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث هذا سوى غيرهم. وضرب بيده على الهاشميّ.(٢)

وقال أبو بكر بن أبي دارم الحافظ: سمعت أبا العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد يقول: أحفظ لأهل البيت ثلاثمائة ألف حديث.(٣)

فإذا تقرّرت شيعيّة ابن عقدة بسبب ذكره فضائل أهل البيت، فهل تُترك روايته حتّى لو ورد لها شاهد من غيره؟

إنّ الجرح على المذهب باطل لا يُعتدّ به، وإلاّ لقال الشيعيّ: فلان عامّيّ

____________________

(١) تاريخ بغداد ٥: ١٦.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

١٥٧

فروايته باطلة، وقال الآخر: فلان شيعيّ فروايته باطلة؛ فترك لذلك أكثر الأحاديث والروايات، وعُطّلت كثير من الأحكام الشرعيّة.

إذ الأخبار تأتي في تحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب...

وقد قال مسلم: وإنّما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سئلوا، لما فيه من عظيم الخطر...، فإذا كان الرّواي لها ليس بمعدنٍ للصدق والأمانة، ثمّ أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبيّن ما فيه لغيره، ممّن جهل معرفته، كان آثماً بمفعله ذلك، غاشّاً لعوامّ المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلّها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أنّ الأخبار الصّحاح من رواية الثّقات أكثر من أن يضطرّ إلى نقل من ليس بثقة(١) .

فمسلم لم يعلّق الرّواية على المذهب، وإنّما جعل مدار ذلك هو صدق وأمانة ووثاقة الرّاوي. ولذلك نجدهم حين يُسألون عن رجل يقولون: ثقة؛ صدوق؛ محلّه الصدق؛ ليس بثقة...؛ وقد يقولون: ثقة صدوق، يُحتجّ به وفيه تشيّع.  فتراهم ناظرين إلى عدالته ووثاقته، لا إلى مذهبه.

وعلى هذا، فإنّ الأصل في صحّة الحديث هو الضبط والعدالة؛ والضبط هو حفظ الرواي ويتقّظه، والعدالة: هي صدق الراوي في نفسه وأمانته في النقل.

قال الخطيب: ذهب جماعة من أهل الحديث والمتكلّمين إلى أنّ أخبار

____________________

(١) صحيح مسلم ١: ١٤.

١٥٨

أهل الأهواء كلّها مقبولة، وإن كانوا كفّاراً أو فساقاً بالتأويل.(١)

قال ابن القيّم الحنبليّ: الفاسق باعتقاده إذا كان متحفّظاً في دينه، فإنّ شهادته مقبولة وإن حكَمنا بفسقه، كأهل البدع والأهواء الذين لا نكفّرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمّة، ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم.(٢)

وقال الذهبيّ: فلو ردّ حديث الشيعة لذهب جملة من الآثار النبويّة وهذه مفسدة بيّنة.(٣)

وليس بدعةً أن يطعن على ابن عقدة! وقد تعرّض جهابذة علم الحديث والرجال للجرح والتعديل من علماء زمانهم أو ما هو قريب من ذلك، فهذا يحيى ابن مَعين وهو هو في هذا الميدان، قال أبو زرعة فيه: ولم يُنتفع به - أي بيحيى -؛ لأنّه كان يتكلّم في الناس، ويُروى هذا عن عليّ - ابن المدينيّ - من وجوه.(٤)

وقال أبو زرعة: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التّمّار ولا عن يحيى بن مَعين ولا عن أحدٍ ممّن امتُحن فأجاب.(٥)

وقال إبراهيم بن هانئ: رأيت أبا داود يقع في يحيى بن معين، فقلت: تقع

____________________

(١) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغداديّ: ٣٣٥.

(٢) الطرق الحكميّة، ابن القيّم: ١٧٣.

(٣) ميزان الاعتدال ١: ٥ (ترجمة أبان بن تغلب).

(٤) تاريخ يحيى بن معين ١: ٨.

(٥) تهذيب الكمال ٣١: ٥٦٤.

١٥٩

في مثل يحيى بن مَعين؟! فقال: من جرّ ذيول الناس جرّوا ذيله.(١)

وقد تحدّث يحيى عن نفسه وجرحه لأناسٍ يبدو أنّه تعجّل الحكم عليهم.

قال محمّد بن الفضل البلخيّ: سمعت محمّد بن مهرويه يقول: سمعت عليّ بن الجنيد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: إنّا لنطعن على أقوامٍ لعلّهم قد حطّوا رحالهم في الجنّة من أكثر من مئتي سنة!

قال ابن مهرويه: فدخلت على عبدالرحمان بن أبي حاتم وهو يُقرئ الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدّثته بهذه الحكاية، فبكى، وارتعدت يداه حتّى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية.(٢)

هذا بعض شأن يحيى، وهو قدوة ابن تيميه، يأتمّ به ولا يتعدّى حكمه وقوله. ورأينا حكمه على نفسه، وقول الإمام أحمد فيه. وهذا البخاريّ أخرج لجماعةٍ رمَوهم بالقدَر، مثل هشام بن عبد الله الدستوائيّ، والقدريّة ممّن يحمل عليهم ابن تيميه ويكفّرهم! كما أخرج لعمران بن حطّان الخارجيّ. ولمّا سُئل مالك: كيف رويتَ عن داود بن الحصين وثور بن يزيد، ولقد كانوا يَرون القدَر؟!

قال: كانوا لإن يخرّوا من السماء على الأرض أسهلُ من أن يكذبوا.(٣)

فالقاعدة عندهم، بعد تحقّق الإيمان: صدق الراوي، وضبط روايته. وكم

____________________

(١) نفسه.

(٢) تهذيب الكمال ٣١: ٥٦٤. [ ويحيى ولد سنة ١٥٨ هـ ومات سنة ٢٣٣ هـ؛ فالرجال الذين حطّوا رحالهم في الجنّة كما يقول وطعن بهم يحيى هم مَن عاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ].

(٣) إرشاد النقّاد لمحمد بن إسماعيل الصنعانيّ: ١٩.

١٦٠

استدرك الحاكم على الشيخين مسلم والبخاريّ من الأحاديث التي توافق شرطيهما ولم يخرّجاها، وقد وافقه الذهبيّ في أكثر الموارد.

وعلى هذا النهج العلميّ، فإنّ ابن عقدة لو كان رافضيّاً - وهو غير رافضيّ كما مرّ بنا - فلا يردّ حديث أسماء الذي في طريقه ابن عقدة، والذي بينه وبين أبي الفرج «265» سنة!

ترجمة ابن عقدة: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمان بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عجلان؛ يعرف بابن عقدة. وزياد هو مولى عبد الواحد بن عيسى بن موسى الهاشميّ، عَتاقةً، وجدّه عجلان هو مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس الهمدانيّ.(1)

قدم بغداد فسمع بن: محمّد بن عبيد الله المنادي، وعليّ بن داود القنطريّ، وأحمد بن أبي حيثمة، والحسن بن مُكرِم، وعبد الله بن روح المدائنيّ، ويحيى بن أبي طالب. حدّث عن هؤلاء الشيوخ وعن: إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد المستورد وعبد العزيز بن زبالة المدينيّ، وعبد الله بن أبي ميسرة المكّيّ، والحسن بن عتبة الكنديّ.(2)

ولادته ووفاته: ولد ابن عقدة سنة تسع وأربعين ومائتين ليلة النّصف من

____________________

(1) تاريخ بغداد 5: 14 / 2365، رجال الطوسيّ: 409، الأنساب للسمعانيّ 4: 214، رجال ابن داود: 422 / 38.

(2) تاريخ بغداد 5: 14.

١٦١

المحرّم في الكوفة.(1)

وتوفّي لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة(2) ، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة(3) ، والأوّل أضبط؛ لأنّه مرويّ عن محمد بن أحمد بن سفيان، وهو أحد تلاميذ ابن عقدة والمُجازين عنه في الرواية، وكذلك مرويّ عن الدار قطنيّ، وهما أقرب زمناً إلى حياة ووفاة ابن عقدة.

عقدة: هو والد أبي العبّاس، وإنّما لقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنحو، وكان يورّق بالكوفة، ويعلّم القرآن والأدب. وكان يؤدّب ابن هشام الخزّاز، فلمّا حذق الصبيّ وتعلّم، وجّه إليه ابن هشام دنانير صالحة فردّها، فظنّ ابن هشام أنّ عقدة استقلّها فأضعفها له، فقال عقدة: ما رددتها استقلالاً، ولكن سألني الصبيّ أن أعلّمه القرآن فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن، فلا أستحلّ أن آخذ منه شيئاً ولو دفع إليّ الدنيا.(4)

قال ابن النجّار: وكان عقدة زيديّاً، وكان ورعاً ناسكاً، وإنّما سمّي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان ورّاقاً جيّد الخطّ، وكان ابنه أبو العبّاس أحفظَ

____________________

(1) نفسه 5: 22، الأنساب للسمعانيّ 4: 214، تذكرة الحفّاظ 3: 839.

(2) تاريخ بغداد 5: 22، المنتظم 14: 35، تذكرة الحفّاظ 3: 839، الوافي بالوفيات 7: 395، البداية والنهاية 11: 236.

(3) فهرست الطوسيّ: 73، رجال النجاشيّ: 94، رجال ابن داود: 229، خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّيّ: 203.

(4) تاريخ بغداد 4: 15.

١٦٢

مَن كان في عصرنا للحديث.(1)

قال السمعانيّ: العُقَديّ: بضمّ العين المهملة وفتح القاف، هذه النسبة إلى (عقدة)، وهو لقب والد أبي العبّاس بن عقدة الحافظ، وإنّما لُقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنّحو...، وهو من العلماء العاملين وكان قبل الثلاثمائة.(2)

الرواة عنه: قال الخطيب: كان حافظاً عالماً مكثراً، جمع التراجم والأبواب والمشيخة، وأكثر الرواية، وانتشر حديثه وروى عنه الحفّاظ والأكابر مثل: أبي بكر الجعابي، وعبد الله بن عديّ الجرجانيّ، وأبي القاسم الطبرانيّ وأبي الحسن الدار قطنيّ، وأبي حفص بن شاهين، وعبد الله بن موسى الهاشميّ، ومحمّد بن المظفّر، وعمر بن إبراهيم الكتّانيّ، ومَن في طبقتهم وبعدهم.(3)

تواضعه للعلماء: مع تقدّم ابن عقدة على أصحابه، فقد عُرف بإجلاله وتواضعه لهم. قال الدار قطنيّ: كنت إذا حضرت أكرمني ورفعني في المجلس.(4)

قال أبوبكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحدٍ من الحفّاظ كتواضعه لأبي عليّ النّيسابوريّ.(5)

____________________

(1) نفسه: 16.

(2) الأنساب 4: 214.

(3) تاريخ بغداد 5: 16.

(4) نفسه 12: 34.

(5) تذكرة الحفّاظ 3: 902، قال الذهبيّ: أبو عليّ الحافظ، محدّث الإسلام، الحسن بن عليّ بن يزيد النّيسابوريّ، أحد جهابذة الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم: واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف.

١٦٣

حفظه وإتقانه: بلغ ابن عقدة من الحفظ للحديث بمتونه وضبط أسانيده شأواً بعيداً. قال ابن داود: روى جميع كتب أصحابنا وصنّف لهم، وكان حفظة يقول: أحفظُ مائةً وعشرين ألفَ حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاث مائة ألف حديث. وأمره في الجلالة أشهر من أن يذكر.

قال النجاشيّ: هذا رجل جليل القدر في أصحاب الحديث، إلاّ أنّه كان زيديّاً جاروديّاً حتّى مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.(1)

محمّد بن عبد الله بن أحمد النيسابوريّ قال: سمعت أبا عليّ الحافظ يقول: ما رأيت أحداً أحفظ لحديث الكوفيّين ومن أبي العبّاس بن عقدة.(2)

عليّ بن عمر - وهو الدار قطنيّ - قال: أجمع أهل الكوفة أنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العبّاس بن عقدة أحفظَ منه!(3)

قال محمّد بن عمر بن يحيى العلويّ: حضر أبو العبّاس بن عقدة عند أبي في بعض الأيّام، فقال له: يا أبا العبّاس قد أكثر الناس عليّ في حفظك الحديث، فأُحبّ أن تُخبرني بقَدْر ما تحفظ. فامتنع أبو العبّاس أن يخبره وأظهر كراهة ذلك، فأعاد المسألة وقال: عزمت عليك إلاّ أخبرتني.

فقال: أحفظُ مائةَ ألفِ حديث بالإسناد والمتن، وأُذاكر بثلاثمائة ألف

____________________

(1) رجال ابن داود 422: 38. وقد تكلّمنا بشأن مذهب ابن عقدة.

(2) تاريخ بغداد 5: 16.

(3) نفسه.

١٦٤

حديث.(1)

أبو الحسن الدار قطنيّ قال: كان أبو العبّاس بن عقدة يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده.(2)

وروى ابن صاعد حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير عليّ بن عيسى، وحبس ابن عقدة! فقال الوزير: من يسأل ويرجع إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتِم. فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك، فنظر وتأمّل فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.(3)

قال محمّد بن عبد الله النيسابوريّ قلت لأبي عليّ الحافظ: إنّ بعض الناس يقولون في أبي العبّاس! قال: في ماذا؟ قلت في تفرّده بهذه المُقحمات عن هؤلاء المجهولين. فقال: لا تشتغل بمثل هذا، أبو العبّاس إمامٌ حافظ، محلّه محلّ مَن يسأل عن التّابعين وأتباعهم.(4)

وقد أطراه ابن عديّ، وذكر ذلك ابن حجر قال: قال ابن عَدِي: صاحب معرفة وحفظ وتقدّم في الصنعة، يسبئون الثناء عليه. ثم قوّى ابن عديّ أمره وقال: لو لا أنّي شرطت أن أذكر كلّ من تكلّم فيه، يعني لا أُحابي، لم أذكره

____________________

(1) نفسه: 17؛ ميزان الاعتدال 1: 136؛ سير أعلام النبلاء 15: 346.

(2) تاريخ بغداد 5: 16.

(3) نفسه: 18.

(4) نفسه: 19.

١٦٥

للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة. ثمّ لم يسق له ابن عديّ شيئاً منكراً.(1)

قال ابن حجر: ما علمتُ ابنَ عقدة اتُّهِم بوضع حديث، ولا أظنّه كان يضع في الإسناد.(2)

وقال في تضعيف البيهقيّ لحديث: «من غسل ميّتاً فليغتسل»: وأبو العبّاس الهمدانيّ هو ابن عقدة حافظ كبير، إنّما تكلّموا فيه بسبب المذهب ولأمور أخرى، ولم يضعّفه بسبب المتون أصلاً فالإسناد حسَن.(3)

قال النعمانيّ (المتوفّى سنة 380 هـ): وهذا الرجل ممّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين عنه.(4)

وقال الشيخ الطوسيّ: أمره في الثقة والجلالة وعِظَم الحفظ أشهرُ من أن يُذكر.(5)

وقال ابن شهر آشوب: أحمد بن محمّد بن سعيد، ثقة.(6)

السيّد ابن طاووس، وقد ذكر المصنّفين في حديث الغدير فقال:

ومن ذلك الذي لم يكن مثله في زمانه: أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن

____________________

(1) لسان الميزان 1: 263.

(2) نفسه 1: 264.

(3) تلخيص الحبير لابن حجر 1: 136 / 276.

(4) الغيبة لمحمّد بن إبراهيم النعمانيّ: 25.

(5) الفهرست للشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة 460 هـ): 73.

(6) معالم العلماء لابن شهر آشوب (المتوفّى سنة 588 هـ) 16 / 77.

١٦٦

سعيد بن عقدة الحافظ.(1)

وقال السيّد إبراهيم بن محمّد الوزير الزيديّ (المتوفّى سنة 914 هـ): وأمّا سَلفُنا من التابعين ومَن بعدهم من حفّاظ الآثار، ومعدّلي حمَلة العلم النبويّ الذي يُرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف، منهم خلف من تقدّم من أهل مودّة ذوي القربى التي يرونها أفضل القُرَب وأنفع ذخائر القربى، منهم: أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ المعروف بابن عقدة، الإمام الحافظ العلاّمة المُتقِن البحر.(2)

وفي شأن مكانته العلميّة، ذكر تاج الدين السُّبكيّ (ت 771 هـ) أهميّة الإسناد فقال: فالحقّ قول ابن المبارك: لو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وطريق حفّاظ هذا الحديث، الذين قال منهم قائل: مثَل الذي يطلب دينه بلا إسناد مثَل الذي يرتقي السطحَ بلا سُلّم، فأنّى يبلغ السماء!

ثمّ عدّد طبقات رجال الإسناد، فذكر ابن عقدة في الطبقة الثامنة. قال: وأبو بكر بن زياد النيسابوريّ، وأبو حامد أحمد بن محمّد بن عمرو العُقَيليّ، وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبو العبّاس بن عقدة.(3)

____________________

(1) إقبال الأعمال لابن طاووس (ت 664 هـ) 2: 239.

(2) الفلك الدوّار لإبراهيم بن محمّد الوزير 105 / 41.

(3) طبقات الشافعيّة الكبرى لتاج الدين السُّبكيّ 1: 314 - 317.

١٦٧

منزلة في رجال الجرح والتعديل:

عدّ الذهبيّ ابن عقدة في الرجال الذين يُعتمد قولهم في الجرح والتعديل، الذي هو من أهمّ علوم الحديث وأعلاها شأناً.

وقد ذكره الذهبيّ في جملة من يُعتمد قوله في هذا العلم، وذكره في الطبقة الثامنة اعتماداً على طبقات الرجال وأزمانهم، قال: الطبقة الثامنة:

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطّحاويّ، محدّث الحنفيّة وعالمهم، وأبو جعفر محمّد بن عمرو العُقيليّ مؤلّف كتاب (الضعفاء)، وعبد الرحمان بن أبي حاتم صاحب التصانيف، وأبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفيّ الشيعيّ.(1)

وعدّه السخاويّ في المتقدّمين في هذا العلم، فعدّد طبقاتهم: ثمّ طبقة أخرى، منهم: ابن أبي حاتم، وعبد الباقي بن قانع، وابن عقدة.(2)

وقد أكثروا من آراء ابن عقدة في الجرح والتعديل، وكانت عباراته تنمّ عن علم ودقّة وورع. وإذا أردت الوقوف على ذلك فانظر: الكامل لابن عديّ بأجزائه، وتهذيب الكمال بمختلف أجزائه، وتاريخ أسماء الثقات لابن شاهين، وتاريخ بغداد بأجزائه، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ بأجزائه، ولسان الميزان بأجزائه ح تجد فيها الكثير الكثير من آرائه في الرجال، وقد تلقّوها منه بالقبول والاعتماد ز ولا يمكن لهذا البحث استيفاء ذلك؛ لأنّه خروج عن المقصود، وإنّما أردنا

____________________

(1) ذِكْرُ مَن يُعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبيّ 171 - 207.

(2) المتكلّمون في الرجال لمحمّد بن عبد الرحمان السخاويّ: 93 - 145.

١٦٨

بالمستطاع النظر في دعوى ابن الجوزيّ في تضعيف ابن عقدة، والتي عوّل عليها ابن تيميه، مرتّباً أثراً في ردّ حديث ردّ الشمس لعليّعليه‌السلام بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

رأي النّسائي: لا بأس بالتذكير هنا بقول النّسائي:

لا يترك الرجل عندي حتّى يجتمع الجميع على تركه.(1)

ولم نجد إجماعاً على ترك ابن عقدة، لا من الذين عاصروه ولا من الذين جاؤوا بعده، وإنّما خلاصة الأقوال فيه كانت: أحفظ مَن كان في عصره، وحافظ عالم روى عنه الحفّاظ والأكابر، وأمرُه في الجلالة أشهر من أن، يُذكر، ورجلٌ جليل القدر في أصحاب الحديث، وأنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه، وأنّه يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده، وأنّه إمام حافظ محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم، وأنّه ثقة لم يُضعَّف بسبب المتون والإسناد، وعَدُّوه في الطبقة الثامنة من رجال الإسناد، وكذلك في طبقات رجال الجرح والتعديل، وأكثروا في كتبهم ذكره في تعديل الرجال أو جرحهم معتمدين قوله. فهو أولى أن يجري حكمه على من جاء بعده بقرون، وليس العكس!

حكم العلماء على مَن لبّس على ابن عقدة حديث ردّ الشمس

تبيّن لنا علوّ سند حديث ردّ الشمس، فتيسّر البحث في متنه إن لم نجزم بصحّته!

____________________

(1) مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين: 11.

١٦٩

قال سبط ابن الجوزيّ في ردّه على جدّه ابن الجوزيّ: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع بلا شكّ» دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر؛ لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثقات الذين لا مغمز فيهم، وليس في إسناده أحد ممّن ضعّفه.

وكذا قول جدّي: «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة» من باب الظنّ والشكّ لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرّض للصحابة بمدحٍ ولا بذمّ، فنسبوه إلى الرفض.(1)

وقال الإمام محمّد الصالحيّ: فإن كان يتّهمه بأصل الحديث، فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة، وقال الذهبيّ في (مختصر منهاج الاعتدال) لشيخه ابن تيميه: لا ريب أنّ ابن شَريك حدّث به، وجاء من وجهٍ آخر قويّ عنه، انتهى.

أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه، فابن عقدة لم ينفرد به، بل تابعه غيره.(2)

وقال الحافظ محمّد طاهر الفتنيّ الهنديّ: قولُ ابن الجوزيّ: «وحديث أسماء في ردّ الشمس فيه فُضَيل بن مرزوق ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضيّ رُمِي بالكذب ورافضيّ كاذب».

وفضيل بن مرزوق صدوق احتجّ به مسلم والأربعة، وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس وما ضعّفه إلاّ عصريّ متعصّب، والحديث صرّح جماعة

____________________

(1) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 54.

(2) سبل الهدى والرشاد لمحمّد بن يوسف الصالحيّ 9: 438.

١٧٠

بتصحيحه، منهم القاضي عياض.(1)

وقال القاري: قال ابن الجوزيّ في الموضوعات: «حديث ردّ الشمس في قصّة عليّ، موضوع بلا شكّ... وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، لأنّه كان رافضيّاً يسبّ الصحابة».

ولا يخفى أنّ مجرّد كون راوٍ من الرواة رافضيّاً أو خارجيّاً، لا يوجب الجزم بوضع حديثه إذا كان ثقة من جهة دينه، فالأصل هو العدالة حتّى يثبت الجرح المُبطل للرواية.(2)

وسيأتي ذكر جمع من علماء المسلمين ممّن تكلّم في حديث ردّ الشمس ونالوا من ابن الجوزيّ، وذلك في حديثنا عن متن الحديث وطُرقه.

عبد الرحمان بن شريك: أمّا تضعيفه لعبد الرحمان بن شريك، الذي روى حديثه ابن شاهين من حديث فاطمة بنت عليّ، ومن ثمّ عودته إلى ابن عقدة وأنّه المتّهم الأوّل فيه! ولم يزد في تضعيف الرجل إلاّ قول رجل هو ابن أبي حاتم، وقوله فيه ليس إجماعاً! وكما قلنا في ابن عقدة فكذلك نقول في ابن شريك وغيره، وأنّ للحديث طرقاً أخرى.

جاء فيه: عبد الرحمان بن شريك بن عبد الله النّخعيّ الكوفيّ.

روى عن أبيه شريك بن عبد الله. روى عنه: البخاريّ في كتاب «الأدب» وأبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأوديّ،

____________________

(1) تذكرة الموضوعات لمحمّد بن طاهر الهنديّ: 96.

(2) شرح الشّفا لعليّ بن سلطان القاري 1: 590.

١٧١

وأحمد بن يحيى الصوفيّ، ومحمّد بن عبيد بن عتبة. ذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات» وقال: ربّما أخطأ.

قال أبو العبّاس بن عقدة: مات سنة سبع وعشرين ومئتين.(1)

ورواية البخاريّ عنه شفيع له عند ابن تيميه، فما باله أعرض عنه وتمسّك بجرح ابن الجوزيّ له؟!

وقد ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» وقال: عبد الرحمان بن شريك، من أهل الكوفة، يروي عن أبيه، روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة والكوفيّون، ربّما أخطأ.(2)

وقوله: ربّما أخطأ، لا أثر له في جرح الرجل بعد أن أنزله منزلة الثِّقات، إذ سبحان مَن لا يخطأ! وقد استعمل لفظ ربّما التي تفيد التقليل غالباً.

داود بن فراهيج: ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» قال: داود بن فراهيج، مولى قيس بن الحارث بن فِهْر، أصله من المدينة، قدم البصرة وحدّثهم بها. يروي عن أبي هريرة، وأبي سعيد؛ روى عنه شعبة والناس.(3)

وكذلك ذكره ابن شاهين في الثّقات، قال: داود بن فراهيج: روى عنه شعبة،

____________________

(1) تهذيب الكمال للمزّيّ 17: 170.

(2) الثّقات لابن حبّان 5: 246 / 1935. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ. تقريب التهذيب 2: 325 / 3893. وينظر في: التاريخ الكبير للبخاريّ 5: 296 / 967.

(3) كتاب الثّقات 2: 127 / 985.

١٧٢

ليس به بأس، قاله يحيى.(1)

وقال ابن أبي حاتم: صدوق.(2)

عمرو بن ثابت: وقد قال ابن تيميه بشأنه: كان معروفاً بالكذب!

قال الفسويّ: أبو عمرو ثابت بن أبي المقدام، روى عنه الحَكم والأعمش وشعبة؛ ثقة كوفيّ.(3)

وذكره في مواضع كثيرة من كتابه ممّا يشير إلى وثاقته عنده.

قال أبو يوسف: سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك يقول: قد كتبنا عنه نحدّث عنه. فقال له قائل: ابن المبارك تكلّم فيه. قال أبو الوليد: كان يذهب مذهب الزيديّة، ولم يكن به بأس.(4)

ومتى كانت المذاهب مقياساً في وثاقة الرجال وجرحهم؟! وقد روى عنه الحكَم والأعمش وشعبة، ووثّقه الفسويّ.

و وثّقه النجاشيّ، قال: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هُرمز الحدّاد، مولى بني عجل. روى عن: عليّ بن الحسين - زين العابدين - وأبي جعفر - الباقر - وأبي عبد الله -الصادقعليهم‌السلام -.

له كتاب لطيف. أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن أبي الحسين بن تمام، عن

____________________

(1) تاريخ أسماء الثِّقات 123 / 335.

(2) الجرح والتعديل 1: 2 / 422.

(3) المعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 180.

(4) المعرفة والتاريخ 3: 23.

١٧٣

محمّد بن القاسم بن زكريّا المحاربيّ، عن عبّاد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت به.(1)

قال ابن داود: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحذّاء، مولى بني عجل، ممدوح. وروي أنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام شهد له بأنّه أمير الحُجّاج.(2)

وذكره في موضع آخر فقال: طعنوا عليه من جهةٍ، وليس عندي كما زعموا، وهو عندي ثقة.(3)

وذكره البرقيّ في أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام .(4)

جُوَيرية بنت مُسْهِر!

قال: وهذا اَلإسناد أضعف ممّا تقدّم... وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة، ولا يُعرَف حال هذه المرأة!

وإن صدق في شيء ممّا قال؛ فقد صدق في مجهوليّة هذه المرأة! فنحن مثله لا نعلم من حالها شيئاً، ولا ندري خُلِقت أم لم تُخلق بعد؟!

إلاّ أنّنا نعلم ما غاب عنه - في أحسن أحوال الظنّ - وهو أنّ جُوَيرية المذكور في هذا الموضع رجلٌ لا امرأةٌ!

ذكره الشريف الرضيّ فقال: «جويرة - من غير ياء بين الراء والتاء».(1)

____________________

(1) رجال النجاشيّ 206.

(2) رجال ابن داود 256 / 1089.

(3) نفسه 478 / 350. وقوله طعنوا عليه من جهة، إشارة لما قيل أنّه زيديّ.

(4) رجال البرقيّ: 11.

١٧٤

وذكره الكشّيّ في رجاله، قال: حدّثنا جعفر بن معروف، قال: أخبرني الحسن بن عليّ بن النعمان، قال: حدّثني أبي عليّ بن النعمان، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن جويرية بن مسهر العبديّ، قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: أحِبَّ مُحبَّ آلِ محمّدٍ ما أحبَّهم، فإذا أبغضهم فأبغِضْه؛ وابغَضْ مُبغضَ آل محمّد ما أبغضهم، فإذا أحبّهم فأحِبَّه. وأنا أُبشِّرك، وأنا أبشّرك ثلاث مرّاتٍ.(2)

وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .(3)

وقال البرقيّ: ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من ربيعة جويرية بن مسهر العبديّ، شهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام .(4)

وقال ابن داود: جويرية بن مسهر العبديّ، ممدوح.(5)

وذكره الفضل بن شاذان، في خبر ردّ الشمس ببابل - سنذكره في محلّه - أحمد بن صالح: قال ابن تيميه: وقد حكى أبو جعفر الطحاويّ عن عليّ بن عبد الرحمان عن أحمد بن صالح المصريّ، أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم، التخلّفُ عن حفظ حديث أسماء من ردّ الشمس؛ لأنّه من علامات النبوّة. قلت - أي ابن تيميه -: أحمد بن صالح رواه من الطريق الأوّل، ولم يجمع

____________________

(1) خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ: 24.

(2) اختيار معرفة الرجال 106 / 169.

(3) رجال الطوسيّ 37 / 4.

(4) رجال البرقيّ 37 / 4.

(5) رجال ابن داود 93 / 347.

١٧٥

طرقه وألفاظه التي تدلّ من جوهٍ كثيرة على أنّه كذب، وتلك الطريق راويها مجهول عنده!(1)

وقوله في أحمد بن صالح كان على نحو المداراة، لمنزلته عند العلماء وهو من شيوخ البخاريّ. ومع ذلك فقد غمزه بجهالة طريقه إلى الحديث!

وقوله: لم يجمع طُرقَه وألفاظه؛ فليس من شأنه ذلك، وإنّما شأنه أن يذكر الحديث الذي وقع له وصحّ عنده سندُه، وكفاه عن غيره ممّا هو في معناه.

وقد تكلّمنا على الطريق الأوّل الذي أشار إليه بما فيه كفاية، وهو الطريق الذي أخذ عنه أحمد بن صالح.

ترجمة أحمد بن صالح

نرى من الوفاء للرجل أوّلاً، وللوقوف على دعوى ابن تيميه في عدم تحرّي أحمد للحديث وجهالته بطريقه، أن نتعرّف على شخصه ومنزلته عند علماء الرجال والجرح والحديث:

أبو جعفر أحمد بن صالح المقرئ المصريّ. طبريّ الأصل. وُلِدَ سنة سبعين ومائة، وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومائتين للهجرة.

سمع: عبد الله بن وَهْب، وعنسبة بن خالد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله ابن نافع، وابن أبي فُدَيك، وعبد الرّزاق الصنعانيّ.

حدّث عنه: سفيان بن عُيينة، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويعقوب بن

____________________

(1) الفضائل لابن شاذان: 88 - 89.

١٧٦

سفيان الفسويّ، وأبو إسماعيل التّرمذيّ، وعثمان الدارميّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، وأبو داود السجستانيّ، ومحمّد بن يحيى الذهليّ، وصالح جَزَرة. ومن الشيوخ المتقدّمين: محمّد بن عبد الله بن نُمَير، ومحمّد بن غيلان، وغيرهما.(1)

وكما سلف القول في عبيد الله بن موسى وفضيل بن مرزوق، وأنّ الحكم عليهما إنّما من طبقتهما أو ما كان أقرب إلى عصرهما؛ فكذلك الحال بالنسبة إلى أحمد بن صالح، فالفاصلة الزمنيّة بينه وبين ابن تيميه (460) سنة! ولو لم نعرف من سيرة الرجل والطبقة التي أخذ عنها والطبقة التي أخذت عنه، لسلّمنا وقلنا بالذي قاله ابن تيميه من جهالة أحمد بن صالح فيما رواه، وقد رواه عنه الطحاويّ المتوفّى سنة (321 هـ)، أي بعد وفاة أحمد بـ (73) سنة.

منزلته العلميّة:

قال ابن حبّان: كان أحمد هذا في الحديث وحفظه ومعرفة التاريخ وأسباب المحدّثين عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أصحابنا بالعراق.

وهو مقارن يحيى بن معين في الحفظ والإتقان، وكان أحفظ من يحيى ابن معين بحديث المصريّين والحجازيّين.(2)

____________________

(1) التاريخ الكبير للبخاريّ 2: 6 / 1510، الثّقات لابن حبّان 5: 17 / 80، مروج الذهب 4: 82، تاريخ الثّقات للعجليّ 48 / 5، الجرح والتعديل 2 / 56 / 73، تاريخ بغداد 4: 195 / 1886، المعرفة والتاريخ 3: 361، تهذيب الكمال 1: 340 / 49، سير أعلام النبلاء 12: 160 / 59، ميزان الاعتدال 1: 103 / 406.

(2) الثّقات لابن حبّان 5: 17.

١٧٧

ومَن هذا شأنه في الحفظ والإتقان، لا يمكن أن تطاله يدُ رجل انبعث بعده بخمسة قرون لتجرحه وتَسِمه بأنّه يأخذ من المجاهيل!

وقال الفسويّ: كتبت عن ألف شيخ وكسر، ما أحدٌ منهم أتّخِذُه عند الله حجّة إلاّ أحمدَ بن حنبل وأحمد بن صالح.(1)

وقال العجليّ: ثقة، صاحب سُنّة.(2)

قال أبوزرعة: سألني أحمد بن حنبل: مَن بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح. فسرّ بذلك ودعا له.(3)

وقال الفضل بن دُكَين: ما قَدِم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى - يعني أحمد بن صالح -.(4)

وسُئل عنه أبو حاتم فقال: ثقة، كتبتُ عنه بمصر ودمشق وأنطاكية.(5)

قال البخاريّ صاحب الصحيح: أحمد بن صالح، أبو جعفر المصريّ، ثقة صدوق، ما رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة، كان أحمد بن حنبل وعليّ - المدينيّ - وابن نمير وغيرهم يُثبِتون أحمد بن صالح، كان يحيى يقول: سَلُوا أحمد، فإنّه أثبت.(6) قال محمّد بن عبد الرحمان الغَزّال: أحمد بن صالح من حُفّاظ الحديث،

____________________

(1) المعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 361.

(2) تاريخ الثقات للعجليّ 48.

(3) الكامل لابن عدِيّ 1: 184، تاريخ بغداد 4: 196.

(4) تاريخ بغداد 4: 199، الكامل لابن عدِيّ 1: 184.

(5) الجرح والتعديل 2: 56.

(6) تاريخ بغداد 4: 201.

١٧٨

واعياً، رأساً في علم الحديث وعِلَله، وكان يصلّي بالشافعيّ، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أعلمَ منه بالآثار.(1)

خلاصة الأقوال في أحمد

أجمعت كلمة العلماء الذين يأتمّ ابن تيميه بهم ويقتدي: أنّ أحمد بن صالح حافظٌ متقن حجّةٌ ثقة، صدوقٌ صاحب سنّة، واعٍ رأسٌ في علم الحديث وعِلله بصيرٌ باختلافه، يأتمّ الشافعيّ به، وهو وأحمد بن حنبل سواء، مُقارن ليحيى بن معين في الحفظ والإتقان، ومتقدّم عليه في معرفة حديث المصريّين والحجازيّين، عارف بالتاريخ وأسباب المحدّثين؛ وهو شيخ البخاريّ وعلماء السّلف. حكم البخاريّ بثقته وصدقه وأن لا حجّة لِمَن يتكلّم فيه. إذن: بأيّ حجّة تكلّم فيه ابن تيميه، وحكم عليه بأنّه أخذ حديث ردّ الشّمس من مجهول؟!

أبو جعفر الطحاويّ: لم يبق في قائمة مَن نال منهم ابن تيميه في سند حديث أسماء في ردّ الشمس، إلاّ الطحاويّ: أحمد بن محمّد بن سلامة بن سلمة الأزديّ المصريّ الحنفيّ، المتوفّى سنة 321 هـ؛ وكان بين وفاته ووفاة أحمد بن صالح «73» سنة، وليس بينه وبين وفاة ابن تيميه إلاّ «407» سنوات!

قال بشأنه: والطّحاويّ ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم! فإنّه لم تكن معرفته بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً.

ولا نريد أن نقف كثيراً عند دعوى جهل الطحاوي بطريقة نقد أهل العلم

____________________

(1) تهذيب الكمال 1: 345، تاريخ بغداد 4: 199.

١٧٩

للحديث، وعدم معرفته بالإسناد كمعرفة ابن تيميه! ولكن نحيل القارئ الكريم على مؤلّفات الطحاويّ، منها: «مشكل الآثار» بأربعة أجزاء في مجلّدين، ليقف بنفسه على سعة أفق هذا العالم وتضلّعه بما جهّله فيه ابن تيميه!

وكما صنع أبو الفرج وابن تيميه بجعل مدار الحديث على عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق! كذلك نحن نصنع فنقول: ومدار الحديث على الطحاويّ عن أحمد بن صالح، فإن سلم أحمد بن صالح من الجرح وثبت الحديث الذي ألزم العلماء عدم تجاوز حديث أسماء في ردّ الشمس، فليس على الطحاوي شيء؛ لأنّه أخذه عن عالم جهبذ.

ثمّ: ما ذنب العلاّمة الحلّي يُرمى بالكذب! وقد أخذ الحديثَ من رجالٍ ثبتت وثاقتهم وعدالتهم وصدقهم وحُجّيتهم فيما يروون؟!

الكلام في الحديث

ثبتت لنا وثاقة السّند وقوّته؛ فثبتت صحّة الحديث ويحسن أن نتكلّم موجزاً في الحديث ونورد طرقه وقول العلماء فيه، فنقول: من يتوقّف فيه، فإمّا أن يكون توقّفه من حيث الإمكان، أو من حيث الواقع. والأوّل باعتبار أنّه خروج على النظام وسنّة الله تعالى في مخلوقاته؛ وهذا مردود إذ هو جارٍ وفق إرادة الله سبحانه وحكمته، وتحقيقاً للمصالح الواقعة في مشيئته عزّوجلّ. وقد جرت أمور خارقة لطبائع الأشياء لأنبياء وغير أنبياء، تبدو في ظاهرها أنّها خروج عن سنن الله سبحانه، ولكنّها كانت بمشيّته وإرادته، بما في ذلك توقّف الشمس عن سيرها

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492