ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168584 / تحميل: 5861
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

ابن تيميه المجلّد الثاني

نقد منهجه

حبيب طاهر الشمّريّ

مراجعة: جعفر البياتيّ

١

٢

سبَقُ عليّعليه‌السلام إلى الإسلام

امتدّت يدُ النَّصْب إلى فضيلةٍ - وإن شئت فسمّها خصوصيّة من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام - فأنكَرَتْها، تلك هي سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام!

قال ابن تَيمِيَه: قولُه - أي العلاّمة الحِلّيّ - «وهذه الفضيلة - السَبْق - لم تثبت لغيره من الصحابة» ممنوع، فإنّ الناس متنازعون في أوّل مَن أسلم، فقيل: أبوبكر أوّل مَن اسلم فهو أسبقُ إسلاماً من عليّ، وقيل إنّ عليّاً أسلم قبلَه لكنّ عليّاً كان صغيراً وإسلام الصبيّ فيه نزاعٌ بين العلماء، ولا نزاعَ في أنّ إسلام أبي بكر أكملُ وأنفع؛ فيكون هو أكمل سبقاً وأسبقُ على الإطلاق على القول الآخَر! فكيف يُقال عليّ كان أسبق منه، بلا حجّةٍ تدلّ على ذلك(١) ؟!

جوابنا وبالله التوفيق

إنّ القول بسَبْق أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إلى الإسلام ليس من أقوال العلاّمة

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٤٢.

٣

الحِلّيّ الّذي كان معاصراً لابنِ تَيميَه، وإنّما هو من أقوال علماء القرن الثاني الهجريّ فما بعد، ومنهم تلقّاه الحِلّيّ. وأمّا قوله بشأن صحّة الحديث: ممنوع! فغريب ومضحك، زاد في خروجه عن المألوف منه في هذه الأحاديث، فلم يقل بشأنه: «وهذا كذِبٌ موضوع عند أهل المعرفة بالحديث» أو «هذا كَذِبٌ بإجماع أهل العلم» ولما كان أبو الفرج قبلةَ ابن تَيميَه قد ذكر سَبْق عليّعليه‌السلام ، فقد ضاقت به السُّبُل، فلاذَ بالناس، وبذا جعل الناسَ جميعاً علماءَ وأهلَ معرفة بالحديث، مستثنياً منهم أصحابَ المصنّفات شيوخ البخاريّ ومسلم، وأصحابَ السُّنن والتراجم والسيرة والتاريخ...؛ فهذه الشرائح من الناس قد أجمعت على سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام؛ ولا ندري إن كان ابن تَيميَه يعدّ هؤلاء من الناس أم لا؟! فإن قال: نعم؛ فقد حكم نفسَه! وإن قال: لا؛ فإلى الله المشتكى! ومع كلّ ذلك، هلاّ ذكر بعضاً من أولئك الناس الذين زعم اختلافهم في أوّل مَن أسلم!

وأمّا التعلّل بمسألة السنّ، وأنّ عليّاًعليه‌السلام أسلَمَ صغيراً...؛ فإنّ هذا المزعم لا موقع له؛ إذِ الكلام جارٍ في سَبْق عليّ إلى الإسلام، وأنت زعمتَ أن أبابكر قال الناس فيه: أنّه هو الذي سَبَق، فكان عليك أن تأتيَ بالحجّة على قولك كما طلبت ذلك منّا! ولمّا لم تفعل فقد سقط زعمك، وأمّا نحن فسنوافيك بما لا تستطيع دفعه فضلاً عن منعه!

وأمّا مسألة السنّ، فقد قيل إنّهعليه‌السلام أسلم وعمره ثلاثَ عشرةَ سنة، وقالوا: خمسة عشر...، والذين قالوا بصغر سنّه إنّما أرادوا حطّ فضيلته هذه، فرفعوا من منزلته - كما سنذكر - وحان أن نذكر حجّتنا:

٤

الناس الذين قالوا بسَبْقِ عليّعليه‌السلام

جارَيْنا ابن تَيميَه حتّى في هذا اللّفظ، فلم نقل مثلاً: إنّ العلماء هم الذين ذكروا فضيلة عليّعليه‌السلام ؛ والعلماء ناسٌ، إلاّ أنّ لهم شأناً في المجتمع وكلمةً مسموعة...

يونس بن بُكير، عن ابن إسحاق(١) قال: حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكنديّ، قال: حدّثني إسماعيل بن إياس بن عفيف، عن أبيه عن جدّه عفيف، أنّه قال: كنتُ امرءًا تاجراً فقدِمتُ أيّامَ مِنى، أيّام الحجّ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرءًا تاجراً، فأتيتُه أبتاعُ منه وأبيعه؛ قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خِباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأةٌ فقامت تصلّي معه، وخرج غلام فقام

____________________

(١) محمّد بن إسحاق بن يَسار، شيخ رجال السّيرة، عاش القرنَين الأوّل والثاني، تُوفّي سنة ١٥٠ هـ قال عبّاس الدُّوريّ: سألتُ يحيى - بن مَعين -: أيُّما أحبُّ إليك: موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، أو محمّد بن إسحاق؟ فقال: محمّد بن إسحاق. (تاريخ يحيى بن مَعين ١: ٥٠/٢٢٩). وأيضاً الدوريّ، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل، وسُئل فقيل له: يا أبا عبد الله، ما تقول في موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، وفي محمّد بن إسحاق؟ فقال: أمّا محمّد بن إسحاق فهو رجل تُكتَب عنه هذه الأحاديث - كأنّه يعني المغازي ونحوها -، وأمّا موسى بن عُبيدة فلم يكن به بأس، ولكنّه حدّث بأحاديثَ مناكيرَ عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ يحيى / الرقم ٢٣١). وقال العجليّ: محمّد بن إسحاق مدنيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات: ٤٠٠/١٤٣٣). وذكره ابن حبّان في الثِّقات وقال: قال عليّ بن المدينيّ - وقد سُئل عن محمّد بن إسحاق - فقال: ثقة. (الثقات لابن حبّان ٤: ٢٣٥/٤٠٦٧). وانظره في: تاريخ البخاريّ الكبير ١: ١: ٤٠، والجرح والتعديل ٣/٢/١٩٢، والكامل لابن عَدِيّ ٣٢٣.

٥

يصلّي معه، فقلتُ: يا عبّاس ن ما هذا الدّين؟! إنّ هذا الدّين ما ندري ما هو؟ فقال العبّاس: هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمَنَت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليُّ بن أبي طالب آمَنَ به؛ قال العفيف: فليتني آمنتُ يومئذ وكنتُ أكون ثانياً(١) !

وكذلك ابنُ إسحاق، عن يونس بن يوسف بن صُهَيب عن عبد الله بن بُرَيدة قال: أوّل الرجال إسلاماً عليّ بن أبي طالب، ثمّ الرَّهَط الثلاثة: أبو ذرّ، وبُرَيدة، وابن عمٍّ لأبي ذرّ(٢) .

هذه واحدة من حُججنا، وقد طلبتَ حجّةً فأتيناك بها من رجلٍ لا تستطيع خدشَه! كيف وأئمّتُك: ابن حنبل، وابن معين، وابن أبي حاتِم، والعجليّ... قد وثّقوه؟! وسنُلقي على مسامعك حُججاً تَترى؛ لأنّها من الناس إلاّ أنّ رجالها ثقات وليس فيهم نكِرة:

فهذا عبد الرزّاق بن هَمّام الصنعانيّ، لم تبعد الشقّة بينه وبين ابن إسحاق مثلما بعدت بينك وبينه، فهي لا تزيد على ١١ سنة، فقد تُوفّي عبد الرزّاق سنة ٢١١ هـ قال: قال مَعْمَر: أخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال: كان أوّلَ مَن آمن به عليُّ بن أبي طالب وهو ابن خمسَ عشرةَ أو ستَّ عشرة(٣) . قال: وأخبرني

____________________

(١) سيرة ابن إسحاق: ١٣٧.

(٢) نفسه: ١٣٨.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٢١٩.

٦

عثمان الجَزريّ عن مِقسم عن ابن عبّاس قال: عليٌّ أوّل مَن أسلم(١) .

فمَن كان عمره ستّ عشرة سنة، لا يقال عنه صبيّ لا يرقى في إسلامه إلى صفّ الشيوخ الذين أمضوا قرابة خمسين سنة في جاهليّة وعبادة أوثان...؛ وهل الذين قادوا الحروب على الإسلام وماتوا أو قُتلوا وهم مشركون إلاّ شيوخ قريش؟!

أمّا الإمام عليّعليه‌السلام فلقد كان ممّا أنعم الله عليه أنّه كان قد نشأ في حِجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الإسلام، ولم يكن يفارق رسول الله، فلقد تكفّل النبيُّ عليّاً - في قصّة معروفة - وكان له مِثْلَ الشيء وظِلّه لا يزايله. وكانعليه‌السلام يسمع صوتَ الوحي ويراه - ذكرنا حديثه في حديث مدينة العلم والخطبة القاصعة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ «فكان عليٌّ أوّلَ مَن آمن برسول الله وصلّى معه، وصدّق بما جاءه من الله تعالى... صلّى النبيّ يومَ الإثنين، وصلّى عليٌّ يومَ الثُّلاثاء»(٢) .

مع التذكير: بأنّ خديجةرضي‌الله‌عنها أوّلُ مَن أسلم هي وعليّ، ثمّ تَبِعهم الرهط الثلاثة - مضى ذِكْرهم. ولا ندري كم هو عمرُ هؤلاء الرهط، صبياناً كانوا حين أسلموا، أم شيوخاً فيكونوا أكمل إسلاماً من عليّعليه‌السلام ؟ إلاّ أنّا ندري أنّ خديجة أسنَّ من عليّ بكثيرٍ حين أسلمت، فماذا نقول عن إسلامها وإسلام أبي بكر؟!

والحكم على إسلام مَن أسلم هو من شأن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا من

____________________

(١) نفسه.

(٢) سيرة ابن إسحاق ١٣٧ - ١٣٨، والسيرة النبويّة، لابن هشام ١: ٢٦٢، وصحيح الترمذيّ ٥: ٦٤٠، وشواهد التنزيل ٢: ١٢٦....

٧

شأن ابن تَيمِيَه وأضرابه.

وقبل الاسترسال في ذكر الحجج التي طلب ابن تيميه في سَبْق عليّعليه‌السلام ، نذكر حديث العشيرة؛ لنعرف مدى ضرورة السنّ لدى النوابغ في التَّلقّي وأهمّيتها في الإعداد الرساليّ في مثل شخص الإمام عليّعليه‌السلام وتهيأته للوصاية والخلافة الكبرى.

حديث العشيرة

لما نزل قوله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) : بسندٍ عن أبي عَوانة، عن عثمان بن المُغيرة، عن أبي صادق، عن رَبيعة بن ناجذ: أنّ رجلاً قال لعليٍّ: يا أمير المؤمنين، لِمَ وَرثْتَ ابن عمِّك دونَ عمِّك؟ قال: جَمعَ رسول الله بني عبد المطّلب، كلُّهم يأكلُ الجَذَعة ويشربُ الفَرق(٢) . قال: فصنع لهم مُدًّا من طعام فأكلوا حتّى شبعوا، وبقيَ الطعامُ كما هو كأنّه لم يُمَسَّ ولم يُشرب. فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي بُعِثتُ إليكم خاصّةً وإلى الناس عامّةً، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيُّكم يُبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقُمْ إليه أحد. قال: فقُمتُ - وكنتُ أصغرَ القوم سِنّاً - فقال: اجلِسْ. قال: ثمّ قال ثلاثَ مرّاتٍ، كلُّ ذلك أقومُ إليه فيقول لي: اجلِسْ، حتّى كانت الثالثة، ضرب يدَه على يدي.

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

(٢) الجذعة: الضّأن لم تتمّ سنة. والفرق: مكيال يسع ستّة عشر رطلاً.

٨

فقال: فلذلك ورثتُ ابن عمّي دونَ عمّي(١) .

فلو كان عليّعليه‌السلام صبيّاً ليس له من صفات الكمال التي هي خاصّة بالشيوخ، لَما اختاره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وارثاً وأخاً وصاحباً وخليفةً دون غيره.

ولقد أنكر ابن تيميه حديث العشيرة، وسنأتي عليه في موضعه، وإنّما ذكرناه هنا للمناسبة.

وذكر ابن سعد (المتوفّى سنة ٢٣٠ هـ) قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ويزيد ابن هارون وعفّان بن مسلم، عن شعبة عن عمرو بن مرّة، عن أبي حمزة مولى الأنصاريّ، عن زيد بن أرقم قال: أوّلُ مَن أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ. قال عفّان بن مسلم: أوّل مَن صلّى(٢) .

____________________

(١) وفي بعض طُرق الحديث يَرِد بلفظ: «أخي وصاحبي وخليفتي...».

مصادر الحديث: تفسير الطبريّ ١٩: ٧٤ - ٧٥، خصائص النَّسائيّ: ٨٦، مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٥٧ / ١٣٧٥، والفضائل له: ٩١، صحيح البخاريّ في كتاب الأشربة: ١٣، دلائل النبوّة، للبيهقيّ: ٤٠١، تفسير الحِبَريّ: ٣٤٧/ ٨٥، تاريخ الطبريّ ٢: ٩٣، صحيح مسلم ١: ١١٨ ح ٣٥٥، التفسير الكبير ١٢: ٢٦، الولاية ن لابن عُقْدة: ١٦١، تفسير البغويّ (معالم التنزيل) ٥: ١٠٥، شواهد التنزيل ١: ٥٤٢، كفاية الطالب: ١٧٧، تفسير الثعلبيّ ٧: ١٨٢، مناقب ابن المغازليّ: ٢٦١، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٣: ٢١٠، تذكرة الخواصّ: ٣٨، الصواعق المحرقة: ١٥٧، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٠، مجمع البيان ٤: ٢٠٦، أمالي الطوسيّ: ٥٨٢، العُمدة، لابن البِطريق ك ٧٦، كنز العمّال ٦: ٣٩٦، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ٣١، مناقب الكوفيّ ١: ٤٢٩ / ٢٩٦، علل الشرائع - الباب ١٣٣ / ح ٢، وغيرها من المصادر.

(٢) طبقات ابن سعد ٣: ٢١.

٩

وعلى القول الثاني، فلا صلاة بلا إسلام! إذ كان الوحي في الدعوة إلى التوحيد، ثمّ جاءت الفرائض والأحكام، فهو أوّل مَن سبق إلى الصلاة، وهو تأويل ما كان يرفع به صوته فيقول: «أنا أوّلُ مَن صلّى مع رسول الله؛ وصلّيت معه سبع سنين...» وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّيت الملائكةُ علَيَّ وعلى عليٍّ سبع سنين... لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيرُه...»(١) .

وابن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا شُعبة عن سلَمة بن كُهَيل، عن حبّة العُرَني قال: سمعتُ عليّ بن أبي طالب يقول: «أنا أوّل مَن صلّى»، قال يزيد: «أو أسلم»(٢) .

وابن أبي شَيْبة (المتوفّى ٢٣٥ هـ): حدّثنا معاوية بن هشام عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي صادق، عن عليم، عن سلمان - الفارسيّ - قال: إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلُها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب(٣) .

عبد الله بن إدريس عن أبي مالك الأشجعيّ عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قلت لابنِ الحنفيّة: أبوبكر أوّل القوم إسلاماً؟ قال: لا(٤) .

وفي نثر الدُّرّ: قيل لابن عبّاس، أو لقُثم بن عبّاس: كيف وَرِث عليٌّ

____________________

(١) نفسه ٣: ٢١.

(٢) نفسه.

(٣) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٣ حديث ٤٩ - من فضائل عليّعليه‌السلام ، و ٨: ٣٥٠ / ٢٢٢ و ٨: ٣٢٩ / ٣٣ - كتاب الأوائل.

(٤) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٨: ٣٣٢ / ٦١.

١٠

النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله دونكم؟ فقال: كان أوّلَنا به لُحوقاً، وأشدَّنا به لُصوقاً(١) .

وتكلّم المسعوديّ فيما قيل بشأن سنّ أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام يوم أسلم، قال: وتُنُوزع في سِنّه يومَ أسلم، فقالت فرقة: كان سنُّه يومَ أسلم خمسَ عشرةَ سنة، وقال آخرون: ثلاثَ عشرةَ سنة، وقيل: إحدى عشرة سنة... قال: وهذا قول مَن قصد إلى إزالة فضائله، ودفع مناقبه؛ ليجعل إسلامه إسلام طفلٍ صغير، وصبيٍّ غرير، لا يُفرِّق بين الفضل والنقصان، ولا يميّز بين الشكّ واليقين، ولا يعرف حقًّا فيطلبَه، ولا باطلاً فيجتنبّه(٢) . ونحن مع المسعوديّ فيما ذكر من سنّ الإمام عليّعليه‌السلام يومَ أسلم، فقد ذكروا بشأن غزوة بدر: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرض أصحابَه وردّ مَن استصغر منهم، فكان ممّن ردّ: عبد الله، ورافع بن خديج...، علماً أنّ غزوة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فلو كان سنُّ عليّعليه‌السلام كما زعموا، لاستصغره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما استصغر غيره، فردّه. وبلاءُ الإمام عليّ يوم بدر أشهرُ من أن يُتحدَّث عنه. حتّى أنّ الوحي هتف يومئذ بشجاعته: لا فتى إلاّ عليّ، لا سيف إلاّ ذو الفَقار، ويُقال إنّ الهتاف كان يومَ أُحد في السنة الثالثة من الهجرة - سنتحدّث عنه في: شجاعة عليّ، وقد أنكرها ابن تيميه أيضاً! -، ويوم الخندق أحجم المسلمون عن عمرو بن عبد وَدّ، الذي اقتحم عليهم الخندق وطلب البراز، فلم يقم إليه إلاّ عليّ فأقعده النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادى عمرو... وهكذا يفعل ثلاث مرّات لا يقوم إلاّ عليّ، فبرز إليه فقَتَله، فأين الشيوخ مكتملو الإسلام عن

____________________

(١) نثر الدُّرّ، للآبيّ (المتوفّى سنة ٤٢١ هـ) ١: ٤١٦.

(٢) التنبيه والإشراف، للمسعوديّ: ١٩٨.

١١

أفعال عليّعليه‌السلام ؟!

ولم يستصغره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ بعثه خلف أبي بكر فأخذ منه سورة براءة فبلّغها، ولم يستصغره إذ أعرضَ عن أبي بكر وعن عمر بن الخطّاب لمّا خطبا بضعته فاطمةعليها‌السلام ، وزوّجها عليّاًعليهما‌السلام .

وما استصغره إذ كان يخلو به يناجيه، ولمّا شَكَوُا انتجاءه إيّاه قال لهم: «ما أنا انتجيتُه، ولكنّ الله انتجاه».

كرامة عليّعليه‌السلام

لو سلّمنا أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام أسلم صغيراً؛ فإنّما ذلك زيادةٌ في كرامته، إذ تربّى في حِجْر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يتلوّث بكَدَر الجاهليّة كما حصل لغيره، فقد كرّم الله وجهه عن عبادة الأوثان؛ فالنقيصة فيمَن تنقّصه؛ ولذا فعليّ سلام الله عليه لم ينتقل من كفر إلى إيمان، وإنّما لمّا جاء الوحي بالإسلام وعرضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه، أسلم، فكان أوّل مَن أسلم مع خديجة «سلام الله عليها».

ولادة الحسن

في السنة الثالثة من الهجرة وُلد الحسن بن عليّ بن أبي طالب(١) ، فكيف يكون عمر عليّعليه‌السلام سبعاً أو... يومَ أسلم؟!

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: بايَعَ رسولَ الله: الحسنُ والحسين وعبد

____________________

(١) الثِّقات، لابن حبّان ١: ٨٢.

١٢

الله بن جعفر، وهم صغار، ولم يبايِعْ قطُّ صغيرٌ إلاّ هُم(١) .

قال ابن حبّان: أوّل مَن آمن برسول الله زوجتُه خديجة بنت خويلد، ثمّ آمن عليُّ بن أبي طالب وصَدَّقه بما جاء به(٢) .

وذكر ابن أبي الدنيا إسلامَ عليّعليه‌السلام على النحو الذي ذكره ابن اسحاق مع زيادة واختلاف في بعض الألفاظ؛ قال: عن ابن أبي يحيى بن عفيف قال: قدمتُ مكّةً في الجاهليّة أُريد شراء بَزٍّ وعطر لأهلي، فنزلتُ على العبّاس، فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة، إذ جاء شابٌّ فنظر إلى السماء، فتوجّه إلى الكعبة فصلّى، فجاء غلام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما. فقال: يا عبّاس، ما هذا الذي حدث في بلادكم؟! إنّ هذا لأَمرٌ عظيم! قال: هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب، ابن أخي، وهذا الغلام ابن أخي عليُّ بن أبي طالب، وهذه خديجة بنت خويلد. قال: فصَلّوا، قال: إنّ ابن أخي هذا حدّث حديثاً أنّ ربّه ربُّ السماوات والأرض، ولا واللهِ ما أعلمُ على ظهر الأرض على دِين هؤلاء غيرَ هؤلاء(٣) .

قال أبو عمر بن عبد البَرّ القرطبيّ المالكيّ (المتوفّى سنة ٤٦٣ هـ): رُوي عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وخَبّاب وجابر وأبي سعيد الخُدْريّ وزيد بن أرقمرضي‌الله‌عنهم ، أنّ عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أوّلُ مَن أسلم، وفضّله هؤلاءِ على غيره(٤) .

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ١٣٣.

(٢) الثِّقات، لابن حِبّان ١: ٢٤.

(٣) كتاب الأشراف، لابن أبي الدنيا: ٨٣.

(٤) الاستيعاب، لابن عبد البَرّ ٣: ١١١٠.

١٣

وابن عبد البرّ عالم زمانه وهو مالكيّ؛ فهو غيرُ متّهَم فيما يَروي حول الإمام عليّعليه‌السلام . وقد روى إسلامَ عليّ عن طليعة الصحابة وخيرتهم، فهذه حجة أخرى أقمناها على ابن تَيمِيه.

وروى بإسناده عن عِكْرمة عن ابن عبّاس أنّه قال: لعليّ أربعُ خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربيّ وعَجَميّ صلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبَرَ معه حين فرّ عنه غيرُه، وهو الذي غسّله وأدخله قبره(١) .

وذَكَره المِزّيّ؛ وهو سَلَفيّ العقيدة شافعيّ المذهب، معاصر لابن تيميَه والذهبيّ؛ فقولُنا فيه مثل قولنا في المالكيّ ابن عبد البرّ؛ قال: وروى بإسناده عن أبي عَوَانة، عن أبي بَلْج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس قال: كان عليٌّ أوّلَ مَن آمن مِن الناس بعد خديجة، وقال: هذا إسنادٌ لامَطْعَنَ فيه لأحدٍ؛ لصحّتِه وثقة نَقَلتِه(٢) .

وروى بإسناده عن عبد السلام بن صالح عن الدَّراوَرديّ، عن عمر مولى غَفْرة قال: سُئِل محمّد بن كعب القُرَظيّ عن أوّل مَن أسلم: عليٌّ أو أبوبكر: قال: سبحانَ الله! أوّلُهما إسلاماً عليّ(٣) .

وذكر الذهبيّ، وهو سَلَفيّ وتلميذٌ لابن تيميَه، بسنده عن القُرظيّ: أوّل مَن

____________________

(١) نفسه.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨٠.

(٣) تهذيب الكمال: ٤٨١.

١٤

أسلم عليّ.(١)

حجّة بيّنة

اتّخذ ابنُ تيميَه أبا الفرج حجّةً بينه وبين الله! فإذا أراد أن يُنكر حديثاً ذكَرَتْه الصَحاح والسُّنَن والمصنَّفات... هرع إلى أبي الفَرَج ابنِ الجوزيّ، فإن وجده قد جعل الحديث في الموضوعات، أناخ عنده وكذّب ذلك الحديث بكلّ جرأة؛ ولكنّ العجيب أنّ أبا الفرج قد قال: «عليٌّ أوّل مَن أسلم»(٢) .

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصف عليّاًعليه‌السلام

أخرج عبد الرزّاق عن وكيع بن الجرّاح قال: أخبرني شريك عن أبي إسحاق - السَّبيعيّ -: أنّ عليّاً لمّا تزوّج فاطمة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: «لقد زوّجتُكِهِ وإنّه لأوّلُ أصحابي سِلْماً، وأكثرُهم عِلْماً، وأعظمُهم حِلْماً»(٣) .

وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّت الملائكة علَيّ وعلى عليّ ابن أبي طالب سبع سنين»، قالوا: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟! قال: لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيره، وذلك أنّه لم تُرفَع شهادةُ أن لا إله إلاّ الله إلى السماء إلاّ

____________________

(١) تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٦٢٤.

(٢) المنتظَم، لأبي الفرج ابن الجَوزيّ ٢: ٣٥٩.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٤١ / ٩٨٤٦.

١٥

منّي ومن عليّ»(١) .

خطبة الحسنعليه‌السلام

ومن خطبة الحسن بن عليّعليهما‌السلام ليلةَ شهادة أبيه أميرالمؤمنينعليه‌السلام : عن جابر، عن أبي الطفيل وزيد بن وهب وعبد الله بن نُجيّ وعاصم بن ضَمْرة، عن الحسن بن عليّ قال: لقد قُبِض في هذه اللّيلة رجلٌ لم يَسْبِقه أحد كان قَبلَه، ولم يخلف بعده مثله، وهو عليّ بن أبي طالب حبيبُ رسول الله وأخوه»(٢) .

شهادة أميرالمؤمنين بحقّ نفسه

بسندٍ عن حبّة العرَنيّ قال: قال عليّ: لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عَبَدكَ قَبْلي غيرَ نبيِّك - ثلاث مرّاتٍ -، لقد صلّيتُ قبلَ أن يصلّيَ الناسُ سبعاً(٣) .

ولو أطلقنا للقلم عنانه فسيطول الكلام عن أسبقيّة الإمام عليّعليه‌السلام في كلّ الفضائل، وهو الأوّل فيها لم يتقدّمه أحد، ولكنّنا نختم بحثنا الموجز هذا بقوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ

____________________

(١) شواهد التنزيل ٢: ١٢٥، وفي أسد الغابة ٤: ١٩٤ عن أبي أيّوب الأنصاريّ، وفي مناقب الإمام عليّ: ١٤ (عن أنس)، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٦، والمناقب، للخوارزميّ: ٥٣.

(٢) الذُّرّية الطاهرة: ١٠٩ / ح ١١٤.

(٣) المنتظم، لأبي الفرج ٢: ٣٥٩، ومسند أحمد بن حنبل ١: ١٦٠. ولعلّ شهادة أميرالمؤمنينعليه‌السلام كانت بعد أن تنكّر الناسُ بيعتَهم له في واقعة الغدير العظمى، فأخّروه وقدّموا غيره، وأنكروا فضائله ومنها سبقه إلى الإسلام.

١٦

عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

قالوا: الّذين صَلّوا إلى القبلتين: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعشر نفر من أهل بدر(٢) .

فأنت تراهم قد ذكروا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فيما أجملوا النفر العشر، وعن عبد الرحمان بن عوف في قوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ ...) الآية، قال: «هم عشرة من قريش، كان أوّلهم عليّ بن أبي طالب»(٣) . فالأوّل السابق هو عليّ، والآخَرون لم يُسَمِّهم، وهم بَعدَه!

المؤاخاة

قال ابن تيميَه: «إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة! والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُؤاخِ أحداً»(٤) .

وبحسب المألوف من منهاجه، فإنّه لم يُقم دليلاً واحداً في تكذيبه كلَّ

____________________

(١) التوبة: ١٠٠.

(٢) تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ٢: ٦٨، وتفسير الطبريّ ١١: ٧، ومعاني القرآن، للأخفش ٢: ٣٣٦، والجامع لأحكام القرآن ٨: ٢٣٥، والكشّاف ٢: ٢١٠، وإعراب القرآن، للعكبريّ ٢: ١١، وتفسير الفخر الرازيّ ١٦: ١٧١، وإعراب القرآن، للنحّاس ٢: ٣٧، والبحر المحيط ٥: ٩٢.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٠٧.

(٤) منهاج السنّة ٤: ٩٦، وكذّبه في الجزء الثالث صفحة ١٧.

١٧

أحاديث المؤاخاة لعليّ. وهو إذ يُنكر مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام ، فإنّه لم يذكر مَن قد آخى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قال ابن إسحاق: وآخى رسولُ الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ باللهِ أنّ نقول عليه ما لم يَقُل(١) -: «تآخَوا في الله أخَوَينِ أخوين»، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطيرٌ ولا نظيرٌ من العباد، وعليُّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أخَوَين(٢) .

ومن طرق عدّة: آخى رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال: آخيتَ بين أصحابك ولم تُؤاخِ بيني وبين أحد، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(٣) .

وعن سعد بن حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان، قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه الأنصار والمهاجرين، فكان يواخي بين الرجل ونظيره، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». قال حذيفة: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المسلمين

____________________

(١) كان ابن إسحاق دقيقاً يقظاً، فأورد هذه العبارة الحذرة ليؤكّد أمراً بالغ الأهمّية، وهو (المؤاخاة).

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ١٥١؛ السيرة النبويّة، لابن كثير ٢: ٣٢٤، السيرة الحلبيّة ١٠١؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ الفتاوى الحديثيّة، لابن حجَر ٤٢.

(٣) جامع الترمذيّ ٢: ٢١٣؛ الاستيعاب ٣: ٣٥؛ مستدرك الصحيحين ٣: ١٥ /٤٢٨٨؛ الرياض النضرة ٢: ١٦٧؛ وقال على صفحة ٢١٢: ومن أدلّ دليل على عِظَم منزلة عليّعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صنيعه في المؤاخاة، فإنّه جعل يضمّ الشكل إلى الشكل يؤلّف بينهما، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر...

١٨

وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعليّ ابن أبي طالب أخَوان(١) .

وطُرق حديث المؤاخاة كثيرة وبألفاظ عديدة، ورواتُه عِلْية الصحابة وأعيان التابعين، هذه طائفة منهم:

أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن والحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، أبوبكر، مُعاذ بن جبل، عثمان بن عفّان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوّام، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، عبد الله بن مسعود، أبوذرّ الغفاريّ، أبو سعيد الخُدْريّ، سلمان الفارسيّ، عبد الله بن عبّاس، أبو رافع، حُذَيفة بن اليمان، أنس بن مالك، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، حسّان بن ثابت، عبد الرحمان بن عابس، أسماء بنت عُمَيس(٢) ، أمّ سلَمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلى الغِفاريّة(٣) ، أبو الطُّفَيل عامر بن واثلة، عبّاد بن عبد الله، زيد بن أبي أوفى(٤) ، عبد الله بن أبي أوفى(١) ،

____________________

(١) أمالي الشيخ الطوسيّ ٢٣؛ مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي ٣٨؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ ينابيع المودّة ٥٧.

(٢) أخت ميمونة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هاجرت الهجرتين وصلّت القبلتين. روى عنها: عمر بن الخطّاب، وأبو موسى الأشعريّ، وعروة بن الزبير... (الاستيعاب ٤: ٢٣٦، الإصابة ٤: ٢٣١، رجال الطوسيّ: ٣٤).

(٣) كانت تَخرج مع النبيّ في غزواته تُداوي الجرحى وتقوم على المرضى (أُسد الغابة ٧: ٢٥٩ / ٧٢٦٥).

(٤) زيد بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى عَلْقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أُسيد بن رفاعة بن ثعلبة ابن هوازن بن أسلم الأسلميّ، له صُحبة، روى عن النبيّ حديثَ المؤاخاة بين الصحابة بالمدينة، =

١٩

عِكْرِمة(٢) ، عمر بن عليّ(٣) ، حذيفة بن أسيد، زيد بن وَهْب(٤) ، عبد الله بن الحارث(١) ،

____________________

= فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان و عبد الرحمان بن عوف، وبين طلحة والزبير... وبين عليّ والنبيّ. (أُسد الغابة ٢: ٢٧٧ / ١٨٢٢).

(١) عبد الله بن أبي أوفى - أخو زيد الماضي - شهد الحديبيّة وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتّى قُبِض رسول الله ثمّ تحوّل إلى الكوفة (وهو آخر من بقي بالكوفة من أصحاب النبيّ. (أُسد الغابة ٣: ١٨٢ / ٢٨٢٨).

(٢) عكرمة مولى ابن عبّاس، كنيته أبو عبد الله. يروي عن: ابن عبّاس وأبي سعيد الخُدْريّ وعائشة وأبي هريرة، روى عنه الشعبيّ. وجابر بن زيد والناس. (الثِّقات لابن حِبّان ٢: ٣٩٧ / ٣٠٤١). قال العجليّ: ثقة، وهو بريء ممّا يرميه الناس به من الحَروريّة، وهو تابعيّ. (تاريخ الثِّقات للعجليّ ٣٣٩ / ١١٦٠). قال ابن حِبّان: كان عِكْرِمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن والفقه، وكان جابر ابن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومَن زعم أنّا كنّا نتّقي حديث عكرمة فلم ينصف... (الثِّقات، لابن حبّان ٢: ٣٩٧).

(٣) عمر بن عليّ بن أبي طالب: تابعيّ، ثقة. (تاريخ الثقات ٣٦٠ / ١٢٤٣).

(٤) حُذيفة بن أسيد الغِفاريّ أبو سُريحة، ثقة. (رجال ابن داود، القسم الأول ١٠١ / ٣٨٤). وذكره البرقيّ في أصحاب الحسن بن عليّعليه‌السلام . (رجال البرقيّ: ٧). وذكره العجليّ في أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثِّقات ١١١ / ٢٦٣). وفي طبقات ابن سعد: حُذيفة بن أسِيد الغفاريّ ويُكنّى أبا سُريحة - بضمّ  أوّله - وأوّل مشهد شهده مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحُدَيبيّة. وقد روى عن أبي بكر، ونزل الكوفة بعد ذلك. (الطبقات الكبرى ٦: ١٠١ / ١٨٥٨). وترجم له خليفة وساق نَسَبه إلى جَروة بن غِفار الغِفاريّ وقال: أبو سَريحة. (طبقات خليفة ٧٢ / ١٩٣؛ و ٢١٦ / ٨٤٢: أبو سُريحة - بالضمّ -). و (زيد بن وَهْب الجُهَنيّ) ذكره ابن داود في خواصّ أمير المؤمنين عليّ وذكره العجليّ في الثِّقات قال: زيد بن وَهْب الجُهَنيّ أبو سليمان من أصحاب عبد الله - بن مسعود - (تاريخ الثِّقات للعجليّ ١٧١ / ٤٩٠). وترجم له ابن سعد: زيد بن وَهب الجُهَنيّ. روى عن عمر وعليّ وعبد الله =

٢٠

محمّد الباقر، جعفر الصادق، عليّ بن موسى الرضا، سعيد بن جُبَير، سعيد بن المسيِّب، الحسن البصريّ، زيد بن عليّ، مجاهد... وهذه طائفة من حديث المؤاخاة بألفاظه المختلفة:

* زيد بن أبي أوفى، قال: لمّا آخى النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، قال عليّ: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتُك فعلتَ بأصحابك ما فعلتَ غيري، فإن كان هذا مِن سخطٍ علَيّ فلكَ العُتبى والكرامة. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي بعثني بالحقّ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي. وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيَّ

____________________

= وحُذيفة، وشهد مع عليّ بن أبي طالب مشاهدَه. تُوفّي زيد في ولاية الحجّاج بعد الجَماجِم، وكان ثقةً كثير الحديث. (الطبقات الكبرى 6: 160 / 1985). وذكره خليفة بن خيّاط في الطبقة الثالثة 267 / 1149، على نحو ما في طبقات ابن سعد. وذكره في تاريخه 222 قال: مات سنة اثنين وثمانين. وفي أسد الغابة 2: 301 / 1879: زيد بن وَهْب الجُهَنيّ. أدرك الجاهليّة، وأسلم في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهاجر إليه، فبلغته وفاته في الطريق. يُكنّى أبا سليمان، وهو معدود في كبار التابعين. سكن الكوفة، وصحب عليَّ بن أبي طالب. وذُكر بسندٍ عن سَلَمة بن كُهَيْل قال: حدّثني زيد بن وَهْب الجُهَنيّ: أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع عليّ، الذين ساروا إلى الخوارج، فقال عليّ: أيّها الناس، إنّي سمعتُ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «يخرجُ قومٌ من أُمّتي يقرأون القرآن، ليس قرآنكم إلى قرآنهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء. (أسد الغابة 2: 301 / 1879). قال الأردبيليّ: له كتاب (خُطَب أميرالمؤمنين على المنابر في الجُمَع والأعياد). روى عنه أبو منصور الجُهَنيّ. (جامع الرُّواة، للأردبيليّ 1: 344 / 2769).

(1) عبد الله بن الحارث بن نَوْفل بن الحرث بن عبد المطّلب بن هاشم الهاشميّ، وهو الذي يُلقّب بَبَّة، وكنيته أبو إسحاق. روى عن النبيّ وروايته مرسلة. (أسد الغابة 3: 20 / 2866. وطبقات خليفة 327 / 1511 و 347 / 1630). قال العجلي: تابعيّ ثقة. (2530 / 790).

٢١

بعدي وأنت أخي ووارثي». قال: وما أرِث منك يا رسولَ الله؟ قال: «ما وَرِث الأنبياءُ مِن قبلي». قال: وما ورث الأنبياء من قبلك؟ قال: «كتابَ ربّهم وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابْنتي، وأنت أخي ورفيقي». ثمّ تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِخْوَاناً عَلَى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (1) »(2) .

* عبد الله بن أبي أوفى، ولفظه مثل لفظ أخيه زيد بن أبي أوفى إلاّ أنّ فيه «... وإنّك وابنَيك معي في قصري في الجنّة»(3) .

* عبد الله بن عمر: عثمان بن أبي شَيبة بسنده عن جميع بن عُمَير التَّيميّ، عن عبد الله بن عمر قال: آخى رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه: آخى بين أبي بكر وعمر، وبين عبد الرحمان بن عوف وعثمان بن عفّان، وبين طلحة والزبير. قال: فقال عليّ: يا رسول الله، قد آخيتَ بين أصحابك، فمَن أخي؟ قال: يا عليّ، أما تَرضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة(4) .

- عن الحسن البصريّ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليٌّ أخي،

____________________

(1) الحِجْر: 47.

(2) الرياض النضرة 2: 209؛ كنز العمّال 6: 390؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 312 وسمّاه زيد بن أوفى.

(3) مناقب أمير المؤمنين، لمحمّد بن سليمان الكوفيّ 1: 373 / 239؛ تفسير فرات الحديث 304.

(4) مناقب الكوفيّ 1: 365 / 228؛ والترمذيّ في الحديث 9 من مناقب عليّ من كتاب المناقب من سننه ج 5: 300.

٢٢

عليٌّ أخي»(1) .

- عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: بينا أنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في نخلٍ بالمدينة وهو يطلب عليّاً، إذِ انتهى إلى حائط فاطلع فيه فنظر إلى عليّ وهو يعمل في الأرض وقد اغبرّ، فقال: ما ألومُ الناس أن يُكنّوك بأبي تراب. قال ابن عمر: فلقد رأيت عليّاً تمعّر وجهه وتغيّر لونه واشتدّ ذلك عليه، فقال النبيّ: ألا أُرضيك يا عليّ؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، تقضي دَيني وتُبرئ ذمّتي. مَن أحبّك في حياةٍ منّي فقد قضى نحبه، ومَن أحبّك في حياةٍ منك بعدي فقد ختم الله له بالأمنِ والإيمان وآمنه يومَ الفزع الأكبر. ومَن مات وهو يبغضك يا عليّ ماتِ ميتةً جاهليّةً، يهوديّاً أو نصرانيّاً، ويحاسبه الله بما عَمِل في الإسلام.

ثمّ قال ابن عمر: لقد سمّاه الله في أكثر من ثلاثين آيةً، سمّاه فيها كلّها مؤمناً(2) .

- وله شاهد من حديث أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: طلبني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجدني في جدول نائماً، فقال: قُم، ما ألومُ الناسَ يُسمّونك «أبا تراب». قال: فرآني كأنّي وجدتُ في نفسي من ذلك، فقال: قُم، واللهِ لأُرضيَنَّك، أنت أخي وأبو

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 388 / 258.

(2) مناقب الكوفيّ 1: 377 / 245. ومثله متناً وسنداً رواه الطبرانيّ في المعجم الكبير 12: 321 / 13549؛ ومجمع الزوائد 9: 121. وقريب منه في فضائل عليّ، من فضائل أحمد، الطبعة الأولى ص 170 / الحديث 240؛ ومسند أبي يعلى الموصليّ 1: 402 / 268.

٢٣

وُلدي، تقاتلُ عن سُنّتي وتُبرئ ذمّتي، من مات في عهدي فهو كنزُ الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يُحبّك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعتْ شمس أو غربت، ومن مات يُبغضك مات ميتةً جاهليّةً وحُوسِب بما عَمشل في الإسلام.

- وبسند عن ابن عمر قال: حين آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه جاء عليّ تدمع عيناه فقال: ما لي لم تُؤاخِ بيني وبين أحد من إخواني؟! فقال: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(1) .

وعن ابن عمر أيضاً قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فجاء عليّعليه‌السلام تدمع عيناه فقال: يا رسول الله، آخيتَ بين أصحابك ولم تُؤاخِ بيني وبين أحد، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(2) .

- عن عبد الله بن عمر قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه: أُدعوا لي

____________________

(1) سنن الترمذيّ 2: 299، مستدرك الصحيحين 3: 14؛ مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن المغازليّ 37؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 312.

(2) كفاية الطالب 194. وقال: هذا حديث حسَنٌ عالٍ صحيح. فإذا أردتَ أن تعلم قُرب منزلته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تأمّل صُنعَه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضمّ الشكلَ إلى الشكل، والمِثْل إلى المِثل، فيؤلّف بينهم، إلى أنْ آخى بين أبي بكر وعمر، وادّخر عليّاًعليه‌السلام لنفسه واختصّه بأُخوّته، وناهيك بها من فضيلة وشرف!

والحديث في مصابيح السنّة، للبغويّ 4: 173 / 4769 وذكره في باب الصحاح؛ والترمذيّ في السنن 5: 336 / 3721 واللّفظ له؛ والحاكم في المستدرك 3: 130؛ وابن عَدِيّ في الكامل 2: 588؛ وكنز العمّال 13: 167 / 36507.

٢٤

أخي. فدّعيَ له عثمان، فأعرض عنه، ثمّ قال: أُدعوا لي أخي، فدُعيَ له عليُّ بن أبي طالب، فسَترَه بثوبٍ وانكبّ عليه، فلمّا خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علّمني ألفَ باب، يَفتح كلُّ باب ألفَ باب(1) .

وله شاهد من حديث أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

عن الحسين بن عليّ، عن أبيه قال: لمّا كان يومُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قُبِض فيه، كَشَف الكساء عن رأسه عند النسوة فقال: أُدعوا لي أخي. فأرسَلَت عائشة إلى أبي بكر فجاء، فلمّا سمع النبيُّ الخشْفَ - أي الحركة والصوت - كشف عن رأسه، فلمّا رأى أبا بكر أعاد الكساء على نفسه، فقال أبوبكر: كأنّ رسول الله لم يدْعُني! فانصرف. فكشف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكساء فقال: أُدعوا لي أخي. فأرسلت حفصة إلى عمر، فلمّا سمع رسول الله الخشْف كشَفَ الكساء عن رأسه، فلمّا رأى عمر أعاد الكساء، فقال عمر: كأنّ رسول الله لم يدْعُني! وانصرف. فكشف رسول الله الكساء عن رأسه فقال: أُدعوا لي أخي، فأرسلت فاطمة إلى عليّ، فلمّا سمع النبيُّ الخَشْف كشف الكساء عن رأسه، فلمّا رأى عليّاً أدناه إليه. قال عليّ: فأعاد رسول الله الكساء علينا، ثمّ اتّكى على يده، ثمّ التقم أذُني، فما زال يناجيني ويُوصيني حتّى وجدتُ بَردَ شفتَيه، حتّى قُبِض.

قال: وكان فيما أوصى إليّ: أن لا يغسلني أحدٌ غيرك، فإنّه إن رآني أحد غيرك عَمِيَ بصرُه. فقلت: يا رسول الله، كيف أقوى عليك؟ قال: بلى، إنّك سَتُعان

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 18: 18؛ البداية والنهاية 8: 360.

٢٥

علَيّ.

قال: فقال عليّ: ما أردتُ أن أقلّب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عضواً إلاّ قُلِّب لي، قال: فأردت أن أنزع قميصه، فنُودِيت أن دَعِ القميص.

فلمّا خرج عليّ قال له عمر: أنشدك بالذي ولاّك منه ما لم يُوَلِّ أحداً، هلِ استخلَفَك رسولُ الله؟ قال: نعم(1) .

- «عن جميع بن عُمَير، عن عبد الله بن عمر وكان في مسجد المدينة فقلت له: أصلحك الله، حدِّثْني عن عليّ. فأراني مسكنه بين مساكن رسول الله. قال: ثمّ قال: أيَسُرّك أن أُحدّثك عن عليّ؟ قال: قلت: نعم أصلحك الله. قال:... والحديث طويل ذكر فيه حديث الراية، وتبليغ براءة»، ثمّ قال: وأُحدّثك عن عليّ؟ قال: قلت: نعم أصلحك الله. قال: فإنّ رسول الله آخى بين أصحابه، بين أبي بكر وعمر، وبين فلان وفلان، حتّى بقيَ عليُّ بن أبي طالب. قال: وكان عليّ رجلاً شجاعاً، ماضياً على أمره إذا أراد شيئاً مضى له، فقال: يا رسول الله، فبقيتُ أنا! فقال رسول الله: أما ترضى أن أكون أنا أخاك؟! قال: بلى يا رسول الله، قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة.

قال جميع: فقلت لابن عمر: بهذا أشهد عليك؟! قال: نعم، اشْهَدْ علَيّ بهذا - ثلاث مرّات - بالله الذي لا إله الاّ هو لَسمعتُ رسولَ الله يقول ذلك(2) .

* عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن أبي أمامة قال: لمّا آخى رسول الله

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 393 / 266؛ مختصر تاريخ دمشق 18: 18.

(2) مناقب الكوفيّ 1: 404 / 275.

٢٦

بين الناس، آخى بينه وبين عليّ(1) .

- عن أبي رافع قال: كنت قاعداً بعد ما بايع الناسُ أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعبّاس: أيّدك الله، هل تعلم أنّ رسول الله جمع بني عبد المطّلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: يا بَني عبد المطّلب، إنّه لم يَبعث اللهُ نبيّاً إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفة في أهله، فمَن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري وخليفتي في أهلي؟ فلم يَقُم منكم أحد، فقال: يا بني عبد المطّلب، كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، واللهِ لَيقومَنّ قائمُكم، أو ليكوننّ في غيركم، ثمّ لَتندمُنّ! فقام عليّ من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله؟ قال العبّاس: نعم(2) .

- عن أبي رافع قال: لما خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى غزوة تبوك، خلّف عليّاً، وكثرت فيه الأقاويل من الناس فقالوا: لم يخلّفه إلاّ بغضاً له وكراهيةً أن يتبعه! فبلغ ذلك عليّاً، فلَحِقَه على مرحلة أو مرحلتين يحادثه، وهما على بعيرين لهما والناس ينظرون إليهما وأنا قريب منهما، فجاءت عائشة فأدخلت بعيرها بينهما، فالتفت إليها رسول الله ثمّ قال: أما والله، ما يومُه منكِ بواحد! ثمّ قال: أما ترضى يا عليُّ أنّك أخي في الدنيا والآخرة، وأنّ ابنَيك سيّدا شباب أهل الجنّة من أمّتي في الدنيا والآخرة، وأنّك أخي ووزيري ووارثي، انصرفْ، فلا يُصلح ما هناك إلاّ

____________________

(1) كنز العمّال 13: 144 / 36450.

(2) مختصر تاريخ دمشق 17: 312. (وهذا تقرير من أبي بكر في أُخوّة عليّ للنبيّ وخلافته له).

٢٧

أنا أو أنت(1) .

- عن أبي رافع قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المسلمين ذات يوم فقال: يؤاخي كلُّ واحد منكم أخاه، فإن تقفْ دابّتُه في سفره أو عقرت أردفه، وأعان بعضهم بعضاً، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحُذَيفة، وبين المِقداد وعمّار، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وضرب بيده إلى عليّ وقال: أنا أخوك وأنت أخي. فكان عليّ إذا أعجبه شيء قال: أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يَدّعيها إلاّ كاذب(2) .

وله شواهد من أحاديث أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، سنذكرها.

* عبد الرحمان بن عابس(3) ، عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير إخوتي عليّ»(4) .

* ابن عبّاس. الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبّاس قال: قلت لأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكِ لَتُكثرين من القول الطيّب في عليّ بن أبي طالب دون نساء النبيّ! فهل سمعتِ من رسول الله في عليّ شيئاً لم

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 391 / 263.

(2) نفسه 1: 391 / 264.

(3) عابس بن ربيعة الغُطَيفي، والد عبد الرحمان بن عابس، له صحبة. (أسد الغابة 3: 109 / 2657، وطبقات خليفة 249 / 1063، وطبقات ابن سعد 6 / 122). وذكر العجليّ عبد الرحمان بن عابس في الثقات. (تاريخ الثقات 294 / 961) وقال: تابعيّ ثقة.

(4) مناقب الكوفيّ 1: 385 / 254. وفي أسد الغابة، ومناقب ابن المغازلي الحديث 58: (خير إخوتي عليّ، وخير أعمامي حمزة).

٢٨

يسمعه غيرُكِ؟

قالت: يا ابن عبّاس، أمّا ما سمعتُ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أكثر ممّا أقْدِر أن أُخبرك به! ولكنّي أُخبِرك من ذلك بما يكفيك ويشفيك؛ سمعته يقول في عليّ قبل موته بجمعة وهو يقول في بيتي، فدخل عليّ بن أبي طالب فسلّم حفيّاً(1) ؛ توقيراً لرسول الله، وردّ عليه مُعنّاً(2) كالمسرور بأخيه المحبّ له، ثمّ قَبضَ على يده فقال: أعليّ؟! قال: نعم يا رسول الله، قال: يا عليّ، أنت أخي في الدنيا والآخرة. وبكى عليّ ولا يرفع بصره تعظيماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قالت أمّ سلمة: فقلت: يا رسول الله، إلى مَن تَكِلنا وإلى مَن تُوصي بأمرنا؟ قال: أكِلُكُم إلى العزيز الغفّار كما دعوتكم إليه، وأُوصي بكم إلى هذا. يا أمّ سلمة، هذا هو الوصيّ علىالأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأحياء في الدنيا، وهو قريني في الجنّة كما هو أخي في الدنيا، وهو معي في الدرجة العليا.

اسمعي يا أمّ سلمة قولي، واحفظي وصيّتي، واشهَدي وأبِلغي أنّ عليّاً هذا أخي في الدنيا والآخرة، نيط لحمُه بلحمي، ودمه بدمي، منّي ابنتي فاطمة، ومنه ومنها وَلَداي الحسنُ والحسين، وعليٌّ أخي وابن عمّي ورفيقي في الجنّة، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى غيرَ أنّه لا نبيَّ بعدي.

يا أمّ سلمة،عليّ سيّد كلّ مسلم إذْ كان أوّلهم إسلاماً، ووليُّ كلّ مسلم، إذ كان أسبقَهم إلى الإيمان.

____________________

(1) أي: مبالغاً في السلام.

(2) أي: مهتمّاً.

٢٩

يا أمّ سلمة، عليٌّ مَعدِن كلّ علم، إذ لم يتلوّث بالشِّرك منذ كان.

يا أمّ سلمة، عليٌّ يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي.

يا أمّ سلمة، قال لي جبرئيل يوم عرفة بعرفات: يا محمّد، إنّ الله باهى بكم في هذا اليوم فغفر لكم عامّةً، وباهى بعليّ خاصّةً وعامّة.

يا أمّ سلمة، عليٌّ إمامُكم فاقتدوا به، وأحِبّوه بعدي كحبّي، وأكرموه لكرامتي. ما قلت هذا لكم مِن قِبَلي، ولكن أُمِرت أن أقوله.

ثمّ قالت أمّ سلمة: يكفيك هذا يا ابن عبّاس؟ فقلت: بلى يكفيني(1) .

- أخرج ابن أبي شيبة، قال: حدّثنا عبد الله بن نمير، عن حجّاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ: «أنتَ أخي وصاحبي»(2) .

- عبد الله بن مسعود: عبد الرزّاق بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا دعوة أبي إبراهيم»، قلنا: يا رسول الله، وكيف صِرتَ دعوةَ أبيك إبراهيم؟ قال: «أوحى الله عزّ وجلّ إلى إبراهيم( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (3) ، فاستخفّ إبراهيمَ الفرحُ فقال: يا ربّ، ومِن ذرّيتي أئمّة مثلي؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: أن يا إبراهيم، إنّي لا أُعطيك عهداً لا أفي لك به. قال: يا ربّ ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أُعطيك لظالمٍ من ذرّيّتك. قال: وما الظالم من ولدي

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 414 / 284 - وهو في الأصل أطول - وبزيادة كما في الحديث 343 ص 172 من فضائل عليّ من كتاب الفضائل لأحمد ط 1.

(2) المصنَّف، لابن أبي شَيبة 7: 507.

(3) البقرة: 124.

٣٠

الذي لا يناله عهدُك؟ قال: مَن سجد لصنمٍ من دوني لا أجعله إماماً أبداً، ولا يصلح أن يكون إماماً. قال إبراهيم:( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأَصْنَامَ) (1) .

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي عليّ، لم يسجد أحدُنا لصنمٍ قطّ، فاتّخذَني نبيّاً، وعليّاً وصيّاً(2) .

* جابر بن عبد الله الأنصاريّ: عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنّا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليّ بن أبي طالب، فأقبل النبيّ علينا وقال: قد جاءكم أخي. ثمّ التفت إلى عليٍّ فضربه بيده - في بعض المصادر: التفَتَ إلى الكعبة فضربها - وقال: والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يومَ القيامة. ثمّ قال: إنّه أوّلُكم إيماناً، وأوفاكم بعهدِ اللهن وأقْومُكُم بأمرِ الله، وأعدلُكم في الرعيّة، وأقسمُكم بالسَّوِيّة، وأعظمُكم عند الله مَزِيّةً. فنزل قوله تعالى:( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (3) .

قال: فكان أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جاء عليّ قالوا: قد جاءكم خيرُ البريّة(4) .

- وبسند عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مكتوب على باب الجنّة:

____________________

(1) إبراهيم: 35.

(2) شواهد التنزيل 1: 315 / 435؛ أمالي الطوسيّ 388؛ مناقب ابن المغازليّ / الحديث 325.

(3) البيّنة: 7.

(4) تفسير الحِبَريّ 539 / الحديث 3؛ تفسير الطبريّ 30: 146؛ حلية الأولياء 1: 66؛ مناقب الخوارزميّ 111 - 112؛ الصواعق المحرقة 96؛ كفاية الطالب 244 - 245؛ الدرّ المنثور 6: 379.

٣١

محمّدٌ رسول الله، عليٌّ أخو رسول الله، قبل أن تُخلَق السماوات والأرض»(1) .

فالذي آخى بين عليّعليه‌السلام ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو الله تعالى، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض، ثمّ آخى النبيّ عليّاً بأمر الله سبحانه، وجعل من المؤاخاة منزلةً عظيمة وخطيرة لعليّعليه‌السلام ، يواجه بها كلَّ ناصبيّ! يؤيده بحديث المنزلة: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» وهارون أخو موسى ووصيّه في قومه، وتَوَّجَهُ بحديث الغدير الذي أطى عليّاً ولاية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

- عن جابر بن عبد الله و سعيد بن المسيّب، قالا: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه، فبقيَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوبكر وعمر وعليّ، فآحى بين أبي بكر وعمر، وقال لعليّ: «أنت أخي وأنا أخوك، فإنْ ناكَرَك أحدٌ فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يدّعيها بعدَك إلاّ كذّاب»(2) .

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 415 / 285؛ موضّح أوهام الجمع والتفريق، للخطيب البغداديّ 1: 441؛ تاريخ بغداد 7: 387؛ الرياض النضرة؛ مناقب الخوارزميّ 87؛ تذكرة الخواصّ 14؛ مجمع الزوائد 9: 111؛ كنز العمّال 6: 399؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 315؛ حلية الأولياء 7: 256؛ الفضائل لأحمد 262 من زيادة القطيعيّ؛ شواهد التنزيل 1: 226 / 302؛ مقتل الحسين، للخوارزميّ 1: 38؛ المعجم الأوسط 6: 234 / 5494؛ المناقب، لابن المغازليّ: 91 / 134؛ أمالي الصدوق / الحديث 1 من المجلس 18، والخصال له 638 / الحديث 11.

(2) مختصر تاريخ دمشق 18: 20؛ الرياض النضرة 2: 209؛ كنز العمّال 6: 390.

٣٢

ولهذه الحقيقة الخطيرة شواهد، منها ما ذكره يَعلى بن مُرّة الثقفيّ(1) قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين الناس، فترك عليّاً في آخرهم لا يَرى أنّ له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيتَ بين الناس وتركتني؟! قال: ولِمَ تركتُك؟! إنّما تركتُك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، فإن حاجّك أحدٌ فقل: إنّي عبد الله وأخو رسوله، لا يدّعيها أحد بعدك إلاّ كذّاب!(2)

ولابن عبد البرّ كلام في هذا الحديث، قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين المهاجرين ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كلّ واحدة منهما لعليّ: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»، وآخى بينه وبين نفسه، ولذلك قال عليّ: «أنا عبد الله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب»(3) .

وبذلك احتجّعليه‌السلام على عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف وسعد، وذلك حينما جعلها عمر شورى، فقال لهم: أنشدكم الله، هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيري؟! قالوا: اللّهمّ لا(4) .

إنّ احتجاج أميرالمؤمنينعليه‌السلام بأخوّته لرسول الله صلّى الله عليه على

____________________

(1) يَعلى بن مُرّة بن وَهْب بن جابر، أبو الـمَرازِم الثقفيّ. أسلم وشهد مع النبيّ الحديبيّة، وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر والفتح وهوازن والطائف. وكان من أفاضل أصحاب رسول الله، وكان يَعلى ابن مُرّة من أصحاب عليّ. سكن الكوفة، وقيل: سكن البصرة. (مختصر تاريخ دمشق 28: 60 / 44، أسد الغابة 5: 524 / 5643).

(2) مختصر تاريخ دمشق 17: 1316.

(3) الاستيعاب 3: 35، أسد الغابة 4: 91.

(4) الاستيعاب 3: 35.

٣٣

أصحاب الشورى، يعني الكثيرَ الكثير! وإنّ تأخير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ في المؤاخاة، لأمرٍ هو أن يثير انتباه المسلمين، أنّ عليّاً بقيَ من غير أخٍ! فلمّا سأله عليّ عن ذلك، وامتدّت الأعناق لمعرفة جواب النبيّ، فكان جواب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه مزيد من الإثارة: «ولِمَ تركتُك؟!» وحقيقة السؤال لهم لا لعليّ، ليتساءلوا عن سرّ ترك عليّ بلا أخٍ! فكان الجواب: «إنّما تركتُك لنفسي» أي اختَصَصتُك بها، فلا أحدَ يَرقى إلى نفسي إلاّ أنت.

وهذا المعنى ورد في آية المباهلة، حيث كان عليٌّ فيها نفسَ رسول الله، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله له: «أنت أخي وأنا أخوك... لا يَدّعيها بعدك إلاّ كذّاب»، فكانعليه‌السلام يمدّ بها صوته، فجَحَده ناصبةُ زمانه فأُصيبوا - نذكرها فيما بعد -.

ثمّ مضت قرون وفضيلة المؤاخاة ثابتة لعليّعليه‌السلام ، حتّى كان القرن الثامن الهجريّ، حيث ظهر ابن تيميه ليرفع عقيرته بإنكار فضائل عليّ وخصائصه، ويُنكرَ - ضمن ذلك - أحاديثَ المؤاخاة!!

وقد ذكرنا طائفةً من رواة أحاديث المؤاخاة، وهذا بعض آخر:

* عِكْرِمة: عبد الرزّاق عن أبيه، عن عكرمة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه، وجعل عليّاً أخاه(1) .

- عبد الرزّاق عن مَعْمَر، عن أيّوب، عن عكرمة وأبي يزيد المدينيّ أو أحدهما - الشكّ من عبد الرزّاق -: أنّ أسماء بنت عميس قالت: لمّا أُهدِيَت فاطمة إلى عليّ، لم نجد في بيته إلاّ رملاً مبسوطاً ووسادة حشوُها ليف وجرّةً

____________________

(1) مناقب الكوفيّ 1: 417 / 287.

٣٤

وكُوزاً، فأرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ: «لا تُحْدثن حدَثاً - أو قال: لا تقربنّ أهلك - حتّى آتيك». فجاء النبيّ فقال: «أثَمَّ أخي؟». فقالت أمّ أيمن: يا نبيَّ الله، هو أخوك وزوّجْتَه ابنتك؟! - وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه وآخى بين عليّ ونفسه -، فقال: «إنّ ذلك يكون يا أمّ أيمن»(1) .

وله شاهد من حديث أميرالمؤمنينعليه‌السلام :

محمّد بن راشد، عن عيسى بن عبد الله بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه عمر بن عليّ، عن عليّ قال: جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ ليلة يطلبني، فقال: يا أمّ أيمن أين أخي؟ فقالت له: مَن أخوك؟ قال: عليّ، قالت: أخوك وتزوّجُه ابنتَك؟! قال: نعم، أما واللهِ لقد زوّجتُها كُفْواً شريفاً في الدنيا والآخرة، ومِن المقرّبين(2) .

- قال جابر بن عبد الله الأنصاريّ: سمعتُ عليّاً ينشد ورسولُ الله يسمع شِعرَه:

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نَسَبي

مَعْه زُبِيتُ وسِبطاهُ هما وَلَدي

جَدّي وجَدُّ رسولِ الله مُتّحدٌ

وفاطمٌ زوجتي لا قولَ ذي فَنَدِ

صَدّقتُه وجميعُ الناس في بُهَمٍ

من الضَّلالةِ والإشراكِ والنَّكَدِ

فالحمدُ للهِ شكراً لا شريكَ لَهُ

اَلبَرّ بالعبدِ والباقي بلا أمَدِ

____________________

(1) المصنّف، لعبد الرزّاق 5: 337 / 9844؛ أنساب الأشراف 2: 378.

(2) مناقب الكوفيّ 1: 368 / 231.

٣٥

فتبسّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: صدقتَ يا عليّ(1) .

- عن أبان بن أبي عيّاش، عن سعيد بن جبير قال: كان عبد الله بن عبّاس على شفير زمزم يحدّث الناس في عليّ، فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في بيت أمّ سلمة، فأتى عليٌّ فدقّ الباب دقّاً خفيفاً، فعرف رسول الله دقّه وأنكرته أمُّ سلمة، فقال لها رسول الله: يا أمّ سلمة، قُومي فافتحي الباب، فإنّ في الباب رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه. فقامت وهي تقول: بَخٍ بَخٍ لرجلٍ يُحبّ اللهَ ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله! ففتحتُ الباب، ودخل عليّ فسلّم على النبيّ فردّ عليه ثمّ قال: يا أُمّ سلَمة، هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا ابن عمّك عليُّ بن أبي طالب، قال: فاشهَدي أنّه أخي في الدنيا والآخرة، ورفيقي في الجنّة(2) .

عن ابن عبّاس قال: لمّا خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة، خرج عليّ بابنةِ حمزة، فاختصم فيها عليّ وجعفر وزيد إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقال عليّ: ابنةُ عمّي وأنا أخرجتُها، وقال جعفر: ابنةُ عمّي وخالتُها عندي، وقال زيد: ابنةُ أخي - وكان زيد مُؤاخياً لحمزة، آخى بينهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لزيد: أنت مولاي ومولاها، وقال لعليّ: أنت أخي وصاحبي، وقال لجعفر: أشبَهتَ خُلقي وخَلْقي،

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 18: 77 - 78؛ فرائدِ السمطين الباب 44؛ مناقب الخوارزميّ 95؛ كنز العمّال 6: 398. وذكره الكنجيّ في كفاية الطالب 196 عن الزهريّ، عن عبد الرحمان بن مالك، عن جابر بن عبد الله.

(2) مناقب الكوفيّ 1: 395 / 267؛ ترجمة عليّعليه‌السلام من تاريخ دمشق 3: 205.

٣٦

وهي إلى خالتها»(1) .

- عن عمرو بن طلحة، عن أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاس: أنّ عليّاً قال في حياة النبيّ: إنّ الله عزّ وجلّ يقول:( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ) (2) ، واللهِ لا ننقلبُ على أعقابنا أبداً بعد أن هدانا الله، واللهِ لَئِن مات أو قُتِل لأُقاتِلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت، واللهِ إنّي لأَخوه ووليُّه وابنُ عمّه ووارثُه، فمَن أحقُّ به منّي(3) ؟!

عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما في القيامة راكب غيرُنا، نحن أربعة». فقام إليه عمّه العبّاس بن عبد المطّلب، فقال: ومَن هم يا رسول الله؟ فما زال رسول الله يعدّ له نفسه الزكيّة، وصالحَ النبيّ، وعمَّه حمزة؛ كلّ ذلك والعبّاس ويقول: ومَن يا رسول الله؟ حتّى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأخي عليٌّ على ناقةٍ من نُوقِ الجنّة... فينادي منادٍ من بُطنان العرش: ليس هذا ملَك مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل، ولا حامل عرش، هذا عليّ بن أبي طالب وصيُّ رسولِ ربِّ العالمين، وإمام المتّقين، وقائد

____________________

(1) مسند أحمد 1: 381 / 2041 - مسند ابن عبّاس -.

(2) آل عمران: 144.

(3) مناقب الكوفيّ 1: 396 / 268؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 314؛ خصائص النَّسائيّ 130 / الحديث 65؛ مستدرك الحاكم 3: 126؛ المعجم الكبير، للطبرانيّ 1: 107 / 176، وعنه أبو نُعَيم في معرفة الصحابة 1: 23؛ فرائد السمطَين 1: 244 / الباب 44؛ الفضائل، لأحمد / الحديث 232، أمالي الطوسيّ / الحديث 1099. ومرسلاً: تفسير فرات / الحديث 80، الرياض النضرة 2: 300، بشارة المصطفى 7: 208.

٣٧

الغُرّ المحجَّلين»(1) .

- ابن نمير، عن حجّاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاس: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ: «أنت أخي وصاحبي»(2) .

- أبو سعيد الخُدْريّ: يحيى بن مَعين، بسنده عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا أُسري بِي، أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة وأجلسني، فخرَجَت حوراء فقلتُ: من أنتِ رَحِمَكِ الله؟ قالت: أنا الراضية المرضيّة، خُلِقت لأخيكَ وابنِ عمّك عليِّ بن أبي طالب»(3) .

- أبو ذرّ الغفاريّ: عن كديرة بن صالح، عن أبي ذرّ الغِفاريّ قال: سمعت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ: اللّهم أعِنْهُ وانصره؛ فإنّه عبدُك وأخو نبيّك(4) .

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق 17: 381 - 382.

(2) مناقب الكوفيّ 1: 372 / 236؛ مختصر تاريخ دمشق 17: 313 وفيه: «يا عليّ، أنت منّي وأنا منك، وأنت أخي وصاحبي».

(3) مناقب الكوفيّ 1: 403 / 274؛ مناقب ابن المغازليّ 401 / الحديث 456؛ فرائد السمطين 1: 88.

(4) مناقب الكوفيّ 1: 388 / 259؛ التاريخ الكبير 4: 241 / الرقم 1032؛ ميزان الاعتدال 4: 198؛ أمالي الصدوق - المجلس 12 / الحديث 3؛ المؤتلف والمختلف 4: 1960؛ فرائد السمطين 1: 68، الباب العاشر من السمط الأوّل. وفي مختصر تاريخ دمشق 17: 313: عن جعفر قال: سمعت أبا ذرّ وهو مستند إلى الكعبة وهو يقول: أيّها الناس، استَوُوا أحدّثْكم ممّا سَمِعتُ مِن رسول الله يقول لعليّ كلماتٍ، لو يكون لي إحداهنّ أحبَّ إليّ من الدنيا وما فيها؛ سمعت رسول الله وهو يقول: «اللّهمّ أعِنْه واستعنْ به، اللّهمّ انصره وانتصر له، فإنّه عبدُك وأخو رسولك».

٣٨

زيد بن أرقم

المدائنيّ بسندِه عن أبي حَرْب بن أبي الأسوَد(1) ، عن أبيه، عن زيد بن أرقم قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه فقال عليّ: يا رسول الله، آخيتَ بين أصحابك وتركتَني؟! فقال: أنت أخي، أما ترضى أن تُدعى إذا دُعيتُ، وتُكسى إذا

____________________

(1) أبو حَرْب بن أبي الأسود الدُّؤَلي، كان معروفاً قليلَ الحديث. (الطبقات الكبرى، لابن سعد 7: 169، التقريب لابن حجَر 2: 410). وذكره خليفة على نحو ما ذكرناه، قال: أبو حَرْب، هو اسمه، ثمّ ساق نسبه. (طبقات خليفة 354 / 1676).

وفي (رجال البرقيّ 8): أصحاب الحسينعليه‌السلام : ومن أصحاب أبي محمّد - الحسنعليه‌السلام -: ابن ابي الأسْود الدِّئَليّ. وأبو الأسود اختُلِف في اسمه، ففي الاشتقاق 175، 325: أبو الأسود وهو ظالم بن عمرو، من بني كنانة بن خزيمة، من الدُّئل بن بكر.

وفي جهرة النّسب 152، وقد ذكر نسبه فقال: أبو الأسود، وهو ظالم بن عمرو بن سُفيان... بن الديل. ويقال: اسم أبي الأسود: عثمان. وكان عبد الله بن عبّاس ولّى أبا الأسود البصرة حين خرج إلى صفّين. ومثله ذكر ابن سعد مع تقديم وتأخير واختلاف في بعض أنساب أجداده، قال: ابن الدّئل. وفي النسبة: أبو الأسود الدُّؤليّ استخلفه ابن عبّاس على البصرة فأقرّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكان ثقةً في الحديث. عن قتادة قال: قال أبو الأسود الدّؤليّ: إنّ أبغضَ الناسِ إليَّ أن أسابّ كلّ أهوج ذَرب اللّسان. (الطبقات الكبرى 7: 69 / 2979). وذكره العجليّ في الثِّقات قال: ظالم بن عمرو من كبار التابعين من أصحاب عليّ، وهو أوّل مَن وضع النحو، ثقة. (تاريخ الثقات 338 / 733). وذكره الطوسيّ فيمَن روى عن أمير المؤمنين، وعدّه في أصحاب الحسنين والسجّادعليهم‌السلام وسمّاه: ظالم بن ظالم أبو الأسود. (رجال الطوسيّ 46، 69، 75، 95. وانظر: رجال ابن داود 191، 392).

٣٩

كُسِيتُ، وتدخل الجنّة إذا دخلتُ؟!» قال: بلى يا رسول الله(1) .

أنس بن مالك

- عن يونس بن بُكَيْر(2) ، عن مَطر بن ميمون(3) ، عن أنس بن مالك قال: آخى رسول الله بين المسلمين، وقال لعليّ: أنا أخوك وأنت أخي(4) .

- عن مطير بن ثعلبة(5) ، عن أنس قال: كنّا لا نجترئ أن نسأل النبيّ: إلى مَن يسند أمرَنا ممّن بقي بعده، فلمّا نزلت( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ) (6) قلنا لسلمان: سَل النبيّ غلى من تسند أمرنا بعدك؟ فسأله فسكت عنه أيّاماً ثمّ قال: يا سلمان ألا أُخبرك عمّا سألتني؟ قال: بلى فداك أبي وأمّي. قال: إنّ عليّاً أخي ووزيري، وخيرُ مَن أترك مِن بعدي، يُنجِز موعودي ويقضي دَيْني(7) .

- عن عبيد الله بن موسى العَبْسيّ، عن مطر، عن أنس بن مالك: إنّ

____________________

(1) أنساب الأشراف 2: 378.

(2) ذكره ابن حبّان في الثِّقات (5: 608 / 4472)، وقال ابن معين: ثقة. (تاريخ ابن معين 1: 201 / 1306).

(3) لم أقف على حاله.

(4) مناقب الكوفيّ 1: 372 / 238.

(5) لم أقف على حاله.

(6) الفتح: 1.

(7) مناقب الكوفيّ 1: 399 / 270، شواهد التنزيل 1: 373 / 515، مسند سلمان الفارسيّ من المعجم الكبير 6: 271؛ الفضائل، لأحمد 118 / الحديث 174، المؤتلف والمختلف 103، مختصر تاريخ دمشق 17: 314، الكامل، لابن عَدِيّ 6: 397.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492