ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه4%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168613 / تحميل: 5864
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

استدرك الحاكم على الشيخين مسلم والبخاريّ من الأحاديث التي توافق شرطيهما ولم يخرّجاها، وقد وافقه الذهبيّ في أكثر الموارد.

وعلى هذا النهج العلميّ، فإنّ ابن عقدة لو كان رافضيّاً - وهو غير رافضيّ كما مرّ بنا - فلا يردّ حديث أسماء الذي في طريقه ابن عقدة، والذي بينه وبين أبي الفرج «٢٦٥» سنة!

ترجمة ابن عقدة: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمان بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن عجلان؛ يعرف بابن عقدة. وزياد هو مولى عبد الواحد بن عيسى بن موسى الهاشميّ، عَتاقةً، وجدّه عجلان هو مولى عبد الرحمان بن سعيد بن قيس الهمدانيّ.(١)

قدم بغداد فسمع بن: محمّد بن عبيد الله المنادي، وعليّ بن داود القنطريّ، وأحمد بن أبي حيثمة، والحسن بن مُكرِم، وعبد الله بن روح المدائنيّ، ويحيى بن أبي طالب. حدّث عن هؤلاء الشيوخ وعن: إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد المستورد وعبد العزيز بن زبالة المدينيّ، وعبد الله بن أبي ميسرة المكّيّ، والحسن بن عتبة الكنديّ.(٢)

ولادته ووفاته: ولد ابن عقدة سنة تسع وأربعين ومائتين ليلة النّصف من

____________________

(١) تاريخ بغداد ٥: ١٤ / ٢٣٦٥، رجال الطوسيّ: ٤٠٩، الأنساب للسمعانيّ ٤: ٢١٤، رجال ابن داود: ٤٢٢ / ٣٨.

(٢) تاريخ بغداد ٥: ١٤.

١٦١

المحرّم في الكوفة.(١)

وتوفّي لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة(٢) ، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة(٣) ، والأوّل أضبط؛ لأنّه مرويّ عن محمد بن أحمد بن سفيان، وهو أحد تلاميذ ابن عقدة والمُجازين عنه في الرواية، وكذلك مرويّ عن الدار قطنيّ، وهما أقرب زمناً إلى حياة ووفاة ابن عقدة.

عقدة: هو والد أبي العبّاس، وإنّما لقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنحو، وكان يورّق بالكوفة، ويعلّم القرآن والأدب. وكان يؤدّب ابن هشام الخزّاز، فلمّا حذق الصبيّ وتعلّم، وجّه إليه ابن هشام دنانير صالحة فردّها، فظنّ ابن هشام أنّ عقدة استقلّها فأضعفها له، فقال عقدة: ما رددتها استقلالاً، ولكن سألني الصبيّ أن أعلّمه القرآن فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن، فلا أستحلّ أن آخذ منه شيئاً ولو دفع إليّ الدنيا.(٤)

قال ابن النجّار: وكان عقدة زيديّاً، وكان ورعاً ناسكاً، وإنّما سمّي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان ورّاقاً جيّد الخطّ، وكان ابنه أبو العبّاس أحفظَ

____________________

(١) نفسه ٥: ٢٢، الأنساب للسمعانيّ ٤: ٢١٤، تذكرة الحفّاظ ٣: ٨٣٩.

(٢) تاريخ بغداد ٥: ٢٢، المنتظم ١٤: ٣٥، تذكرة الحفّاظ ٣: ٨٣٩، الوافي بالوفيات ٧: ٣٩٥، البداية والنهاية ١١: ٢٣٦.

(٣) فهرست الطوسيّ: ٧٣، رجال النجاشيّ: ٩٤، رجال ابن داود: ٢٢٩، خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّيّ: ٢٠٣.

(٤) تاريخ بغداد ٤: ١٥.

١٦٢

مَن كان في عصرنا للحديث.(١)

قال السمعانيّ: العُقَديّ: بضمّ العين المهملة وفتح القاف، هذه النسبة إلى (عقدة)، وهو لقب والد أبي العبّاس بن عقدة الحافظ، وإنّما لُقّب بذلك لعلمه بالتصريف والنّحو...، وهو من العلماء العاملين وكان قبل الثلاثمائة.(٢)

الرواة عنه: قال الخطيب: كان حافظاً عالماً مكثراً، جمع التراجم والأبواب والمشيخة، وأكثر الرواية، وانتشر حديثه وروى عنه الحفّاظ والأكابر مثل: أبي بكر الجعابي، وعبد الله بن عديّ الجرجانيّ، وأبي القاسم الطبرانيّ وأبي الحسن الدار قطنيّ، وأبي حفص بن شاهين، وعبد الله بن موسى الهاشميّ، ومحمّد بن المظفّر، وعمر بن إبراهيم الكتّانيّ، ومَن في طبقتهم وبعدهم.(٣)

تواضعه للعلماء: مع تقدّم ابن عقدة على أصحابه، فقد عُرف بإجلاله وتواضعه لهم. قال الدار قطنيّ: كنت إذا حضرت أكرمني ورفعني في المجلس.(٤)

قال أبوبكر بن أبي دارم الحافظ: ما رأيت ابن عقدة يتواضع لأحدٍ من الحفّاظ كتواضعه لأبي عليّ النّيسابوريّ.(٥)

____________________

(١) نفسه: ١٦.

(٢) الأنساب ٤: ٢١٤.

(٣) تاريخ بغداد ٥: ١٦.

(٤) نفسه ١٢: ٣٤.

(٥) تذكرة الحفّاظ ٣: ٩٠٢، قال الذهبيّ: أبو عليّ الحافظ، محدّث الإسلام، الحسن بن عليّ بن يزيد النّيسابوريّ، أحد جهابذة الحديث، وقال أبو عبد الله الحاكم: واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف.

١٦٣

حفظه وإتقانه: بلغ ابن عقدة من الحفظ للحديث بمتونه وضبط أسانيده شأواً بعيداً. قال ابن داود: روى جميع كتب أصحابنا وصنّف لهم، وكان حفظة يقول: أحفظُ مائةً وعشرين ألفَ حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاث مائة ألف حديث. وأمره في الجلالة أشهر من أن يذكر.

قال النجاشيّ: هذا رجل جليل القدر في أصحاب الحديث، إلاّ أنّه كان زيديّاً جاروديّاً حتّى مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.(١)

محمّد بن عبد الله بن أحمد النيسابوريّ قال: سمعت أبا عليّ الحافظ يقول: ما رأيت أحداً أحفظ لحديث الكوفيّين ومن أبي العبّاس بن عقدة.(٢)

عليّ بن عمر - وهو الدار قطنيّ - قال: أجمع أهل الكوفة أنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن أبي العبّاس بن عقدة أحفظَ منه!(٣)

قال محمّد بن عمر بن يحيى العلويّ: حضر أبو العبّاس بن عقدة عند أبي في بعض الأيّام، فقال له: يا أبا العبّاس قد أكثر الناس عليّ في حفظك الحديث، فأُحبّ أن تُخبرني بقَدْر ما تحفظ. فامتنع أبو العبّاس أن يخبره وأظهر كراهة ذلك، فأعاد المسألة وقال: عزمت عليك إلاّ أخبرتني.

فقال: أحفظُ مائةَ ألفِ حديث بالإسناد والمتن، وأُذاكر بثلاثمائة ألف

____________________

(١) رجال ابن داود ٤٢٢: ٣٨. وقد تكلّمنا بشأن مذهب ابن عقدة.

(٢) تاريخ بغداد ٥: ١٦.

(٣) نفسه.

١٦٤

حديث.(١)

أبو الحسن الدار قطنيّ قال: كان أبو العبّاس بن عقدة يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده.(٢)

وروى ابن صاعد حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد وارتفعوا إلى الوزير عليّ بن عيسى، وحبس ابن عقدة! فقال الوزير: من يسأل ويرجع إليه؟ فقالوا: ابن أبي حاتِم. فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك، فنظر وتأمّل فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة وارتفع شأنه.(٣)

قال محمّد بن عبد الله النيسابوريّ قلت لأبي عليّ الحافظ: إنّ بعض الناس يقولون في أبي العبّاس! قال: في ماذا؟ قلت في تفرّده بهذه المُقحمات عن هؤلاء المجهولين. فقال: لا تشتغل بمثل هذا، أبو العبّاس إمامٌ حافظ، محلّه محلّ مَن يسأل عن التّابعين وأتباعهم.(٤)

وقد أطراه ابن عديّ، وذكر ذلك ابن حجر قال: قال ابن عَدِي: صاحب معرفة وحفظ وتقدّم في الصنعة، يسبئون الثناء عليه. ثم قوّى ابن عديّ أمره وقال: لو لا أنّي شرطت أن أذكر كلّ من تكلّم فيه، يعني لا أُحابي، لم أذكره

____________________

(١) نفسه: ١٧؛ ميزان الاعتدال ١: ١٣٦؛ سير أعلام النبلاء ١٥: ٣٤٦.

(٢) تاريخ بغداد ٥: ١٦.

(٣) نفسه: ١٨.

(٤) نفسه: ١٩.

١٦٥

للفضل الذي كان فيه من الفضل والمعرفة. ثمّ لم يسق له ابن عديّ شيئاً منكراً.(١)

قال ابن حجر: ما علمتُ ابنَ عقدة اتُّهِم بوضع حديث، ولا أظنّه كان يضع في الإسناد.(٢)

وقال في تضعيف البيهقيّ لحديث: «من غسل ميّتاً فليغتسل»: وأبو العبّاس الهمدانيّ هو ابن عقدة حافظ كبير، إنّما تكلّموا فيه بسبب المذهب ولأمور أخرى، ولم يضعّفه بسبب المتون أصلاً فالإسناد حسَن.(٣)

قال النعمانيّ (المتوفّى سنة ٣٨٠ هـ): وهذا الرجل ممّن لا يُطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين عنه.(٤)

وقال الشيخ الطوسيّ: أمره في الثقة والجلالة وعِظَم الحفظ أشهرُ من أن يُذكر.(٥)

وقال ابن شهر آشوب: أحمد بن محمّد بن سعيد، ثقة.(٦)

السيّد ابن طاووس، وقد ذكر المصنّفين في حديث الغدير فقال:

ومن ذلك الذي لم يكن مثله في زمانه: أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن

____________________

(١) لسان الميزان ١: ٢٦٣.

(٢) نفسه ١: ٢٦٤.

(٣) تلخيص الحبير لابن حجر ١: ١٣٦ / ٢٧٦.

(٤) الغيبة لمحمّد بن إبراهيم النعمانيّ: ٢٥.

(٥) الفهرست للشيخ الطوسيّ (المتوفّى سنة ٤٦٠ هـ): ٧٣.

(٦) معالم العلماء لابن شهر آشوب (المتوفّى سنة ٥٨٨ هـ) ١٦ / ٧٧.

١٦٦

سعيد بن عقدة الحافظ.(١)

وقال السيّد إبراهيم بن محمّد الوزير الزيديّ (المتوفّى سنة ٩١٤ هـ): وأمّا سَلفُنا من التابعين ومَن بعدهم من حفّاظ الآثار، ومعدّلي حمَلة العلم النبويّ الذي يُرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف، منهم خلف من تقدّم من أهل مودّة ذوي القربى التي يرونها أفضل القُرَب وأنفع ذخائر القربى، منهم: أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ المعروف بابن عقدة، الإمام الحافظ العلاّمة المُتقِن البحر.(٢)

وفي شأن مكانته العلميّة، ذكر تاج الدين السُّبكيّ (ت ٧٧١ هـ) أهميّة الإسناد فقال: فالحقّ قول ابن المبارك: لو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وطريق حفّاظ هذا الحديث، الذين قال منهم قائل: مثَل الذي يطلب دينه بلا إسناد مثَل الذي يرتقي السطحَ بلا سُلّم، فأنّى يبلغ السماء!

ثمّ عدّد طبقات رجال الإسناد، فذكر ابن عقدة في الطبقة الثامنة. قال: وأبو بكر بن زياد النيسابوريّ، وأبو حامد أحمد بن محمّد بن عمرو العُقَيليّ، وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبو العبّاس بن عقدة.(٣)

____________________

(١) إقبال الأعمال لابن طاووس (ت ٦٦٤ هـ) ٢: ٢٣٩.

(٢) الفلك الدوّار لإبراهيم بن محمّد الوزير ١٠٥ / ٤١.

(٣) طبقات الشافعيّة الكبرى لتاج الدين السُّبكيّ ١: ٣١٤ - ٣١٧.

١٦٧

منزلة في رجال الجرح والتعديل:

عدّ الذهبيّ ابن عقدة في الرجال الذين يُعتمد قولهم في الجرح والتعديل، الذي هو من أهمّ علوم الحديث وأعلاها شأناً.

وقد ذكره الذهبيّ في جملة من يُعتمد قوله في هذا العلم، وذكره في الطبقة الثامنة اعتماداً على طبقات الرجال وأزمانهم، قال: الطبقة الثامنة:

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطّحاويّ، محدّث الحنفيّة وعالمهم، وأبو جعفر محمّد بن عمرو العُقيليّ مؤلّف كتاب (الضعفاء)، وعبد الرحمان بن أبي حاتم صاحب التصانيف، وأبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفيّ الشيعيّ.(١)

وعدّه السخاويّ في المتقدّمين في هذا العلم، فعدّد طبقاتهم: ثمّ طبقة أخرى، منهم: ابن أبي حاتم، وعبد الباقي بن قانع، وابن عقدة.(٢)

وقد أكثروا من آراء ابن عقدة في الجرح والتعديل، وكانت عباراته تنمّ عن علم ودقّة وورع. وإذا أردت الوقوف على ذلك فانظر: الكامل لابن عديّ بأجزائه، وتهذيب الكمال بمختلف أجزائه، وتاريخ أسماء الثقات لابن شاهين، وتاريخ بغداد بأجزائه، وتذكرة الحفّاظ للذهبيّ بأجزائه، ولسان الميزان بأجزائه ح تجد فيها الكثير الكثير من آرائه في الرجال، وقد تلقّوها منه بالقبول والاعتماد ز ولا يمكن لهذا البحث استيفاء ذلك؛ لأنّه خروج عن المقصود، وإنّما أردنا

____________________

(١) ذِكْرُ مَن يُعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبيّ ١٧١ - ٢٠٧.

(٢) المتكلّمون في الرجال لمحمّد بن عبد الرحمان السخاويّ: ٩٣ - ١٤٥.

١٦٨

بالمستطاع النظر في دعوى ابن الجوزيّ في تضعيف ابن عقدة، والتي عوّل عليها ابن تيميه، مرتّباً أثراً في ردّ حديث ردّ الشمس لعليّعليه‌السلام بدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

رأي النّسائي: لا بأس بالتذكير هنا بقول النّسائي:

لا يترك الرجل عندي حتّى يجتمع الجميع على تركه.(١)

ولم نجد إجماعاً على ترك ابن عقدة، لا من الذين عاصروه ولا من الذين جاؤوا بعده، وإنّما خلاصة الأقوال فيه كانت: أحفظ مَن كان في عصره، وحافظ عالم روى عنه الحفّاظ والأكابر، وأمرُه في الجلالة أشهر من أن، يُذكر، ورجلٌ جليل القدر في أصحاب الحديث، وأنّه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مسعود إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه، وأنّه يعلم ما عند الناس ولا يعلم الناس ما عنده، وأنّه إمام حافظ محلّه محلّ من يسأل عن التابعين وأتباعهم، وأنّه ثقة لم يُضعَّف بسبب المتون والإسناد، وعَدُّوه في الطبقة الثامنة من رجال الإسناد، وكذلك في طبقات رجال الجرح والتعديل، وأكثروا في كتبهم ذكره في تعديل الرجال أو جرحهم معتمدين قوله. فهو أولى أن يجري حكمه على من جاء بعده بقرون، وليس العكس!

حكم العلماء على مَن لبّس على ابن عقدة حديث ردّ الشمس

تبيّن لنا علوّ سند حديث ردّ الشمس، فتيسّر البحث في متنه إن لم نجزم بصحّته!

____________________

(١) مقدمة كتاب الضعفاء والمتروكين: ١١.

١٦٩

قال سبط ابن الجوزيّ في ردّه على جدّه ابن الجوزيّ: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع بلا شكّ» دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر؛ لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثقات الذين لا مغمز فيهم، وليس في إسناده أحد ممّن ضعّفه.

وكذا قول جدّي: «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة» من باب الظنّ والشكّ لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرّض للصحابة بمدحٍ ولا بذمّ، فنسبوه إلى الرفض.(١)

وقال الإمام محمّد الصالحيّ: فإن كان يتّهمه بأصل الحديث، فالحديث معروف قبل وجود ابن عقدة، وقال الذهبيّ في (مختصر منهاج الاعتدال) لشيخه ابن تيميه: لا ريب أنّ ابن شَريك حدّث به، وجاء من وجهٍ آخر قويّ عنه، انتهى.

أراد الطريق الذي رواه ابن شاهين منه، فابن عقدة لم ينفرد به، بل تابعه غيره.(٢)

وقال الحافظ محمّد طاهر الفتنيّ الهنديّ: قولُ ابن الجوزيّ: «وحديث أسماء في ردّ الشمس فيه فُضَيل بن مرزوق ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضيّ رُمِي بالكذب ورافضيّ كاذب».

وفضيل بن مرزوق صدوق احتجّ به مسلم والأربعة، وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس وما ضعّفه إلاّ عصريّ متعصّب، والحديث صرّح جماعة

____________________

(١) تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: ٥٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد لمحمّد بن يوسف الصالحيّ ٩: ٤٣٨.

١٧٠

بتصحيحه، منهم القاضي عياض.(١)

وقال القاري: قال ابن الجوزيّ في الموضوعات: «حديث ردّ الشمس في قصّة عليّ، موضوع بلا شكّ... وأنا لا أتّهم به إلاّ ابنَ عقدة، لأنّه كان رافضيّاً يسبّ الصحابة».

ولا يخفى أنّ مجرّد كون راوٍ من الرواة رافضيّاً أو خارجيّاً، لا يوجب الجزم بوضع حديثه إذا كان ثقة من جهة دينه، فالأصل هو العدالة حتّى يثبت الجرح المُبطل للرواية.(٢)

وسيأتي ذكر جمع من علماء المسلمين ممّن تكلّم في حديث ردّ الشمس ونالوا من ابن الجوزيّ، وذلك في حديثنا عن متن الحديث وطُرقه.

عبد الرحمان بن شريك: أمّا تضعيفه لعبد الرحمان بن شريك، الذي روى حديثه ابن شاهين من حديث فاطمة بنت عليّ، ومن ثمّ عودته إلى ابن عقدة وأنّه المتّهم الأوّل فيه! ولم يزد في تضعيف الرجل إلاّ قول رجل هو ابن أبي حاتم، وقوله فيه ليس إجماعاً! وكما قلنا في ابن عقدة فكذلك نقول في ابن شريك وغيره، وأنّ للحديث طرقاً أخرى.

جاء فيه: عبد الرحمان بن شريك بن عبد الله النّخعيّ الكوفيّ.

روى عن أبيه شريك بن عبد الله. روى عنه: البخاريّ في كتاب «الأدب» وأبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن عثمان بن حكيم الأوديّ،

____________________

(١) تذكرة الموضوعات لمحمّد بن طاهر الهنديّ: ٩٦.

(٢) شرح الشّفا لعليّ بن سلطان القاري ١: ٥٩٠.

١٧١

وأحمد بن يحيى الصوفيّ، ومحمّد بن عبيد بن عتبة. ذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات» وقال: ربّما أخطأ.

قال أبو العبّاس بن عقدة: مات سنة سبع وعشرين ومئتين.(١)

ورواية البخاريّ عنه شفيع له عند ابن تيميه، فما باله أعرض عنه وتمسّك بجرح ابن الجوزيّ له؟!

وقد ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» وقال: عبد الرحمان بن شريك، من أهل الكوفة، يروي عن أبيه، روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة والكوفيّون، ربّما أخطأ.(٢)

وقوله: ربّما أخطأ، لا أثر له في جرح الرجل بعد أن أنزله منزلة الثِّقات، إذ سبحان مَن لا يخطأ! وقد استعمل لفظ ربّما التي تفيد التقليل غالباً.

داود بن فراهيج: ذكره ابن حبّان في كتابه «الثّقات» قال: داود بن فراهيج، مولى قيس بن الحارث بن فِهْر، أصله من المدينة، قدم البصرة وحدّثهم بها. يروي عن أبي هريرة، وأبي سعيد؛ روى عنه شعبة والناس.(٣)

وكذلك ذكره ابن شاهين في الثّقات، قال: داود بن فراهيج: روى عنه شعبة،

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزّيّ ١٧: ١٧٠.

(٢) الثّقات لابن حبّان ٥: ٢٤٦ / ١٩٣٥. وقال ابن حجر: صدوق يخطئ. تقريب التهذيب ٢: ٣٢٥ / ٣٨٩٣. وينظر في: التاريخ الكبير للبخاريّ ٥: ٢٩٦ / ٩٦٧.

(٣) كتاب الثّقات ٢: ١٢٧ / ٩٨٥.

١٧٢

ليس به بأس، قاله يحيى.(١)

وقال ابن أبي حاتم: صدوق.(٢)

عمرو بن ثابت: وقد قال ابن تيميه بشأنه: كان معروفاً بالكذب!

قال الفسويّ: أبو عمرو ثابت بن أبي المقدام، روى عنه الحَكم والأعمش وشعبة؛ ثقة كوفيّ.(٣)

وذكره في مواضع كثيرة من كتابه ممّا يشير إلى وثاقته عنده.

قال أبو يوسف: سمعت أبا الوليد هشام بن عبد الملك يقول: قد كتبنا عنه نحدّث عنه. فقال له قائل: ابن المبارك تكلّم فيه. قال أبو الوليد: كان يذهب مذهب الزيديّة، ولم يكن به بأس.(٤)

ومتى كانت المذاهب مقياساً في وثاقة الرجال وجرحهم؟! وقد روى عنه الحكَم والأعمش وشعبة، ووثّقه الفسويّ.

و وثّقه النجاشيّ، قال: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هُرمز الحدّاد، مولى بني عجل. روى عن: عليّ بن الحسين - زين العابدين - وأبي جعفر - الباقر - وأبي عبد الله -الصادقعليهم‌السلام -.

له كتاب لطيف. أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن أبي الحسين بن تمام، عن

____________________

(١) تاريخ أسماء الثِّقات ١٢٣ / ٣٣٥.

(٢) الجرح والتعديل ١: ٢ / ٤٢٢.

(٣) المعرفة والتاريخ للفسويّ ٣: ١٨٠.

(٤) المعرفة والتاريخ ٣: ٢٣.

١٧٣

محمّد بن القاسم بن زكريّا المحاربيّ، عن عبّاد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت به.(١)

قال ابن داود: عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز الحذّاء، مولى بني عجل، ممدوح. وروي أنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام شهد له بأنّه أمير الحُجّاج.(٢)

وذكره في موضع آخر فقال: طعنوا عليه من جهةٍ، وليس عندي كما زعموا، وهو عندي ثقة.(٣)

وذكره البرقيّ في أصحاب الإمام الباقر والإمام الصادقعليهما‌السلام .(٤)

جُوَيرية بنت مُسْهِر!

قال: وهذا اَلإسناد أضعف ممّا تقدّم... وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة، ولا يُعرَف حال هذه المرأة!

وإن صدق في شيء ممّا قال؛ فقد صدق في مجهوليّة هذه المرأة! فنحن مثله لا نعلم من حالها شيئاً، ولا ندري خُلِقت أم لم تُخلق بعد؟!

إلاّ أنّنا نعلم ما غاب عنه - في أحسن أحوال الظنّ - وهو أنّ جُوَيرية المذكور في هذا الموضع رجلٌ لا امرأةٌ!

ذكره الشريف الرضيّ فقال: «جويرة - من غير ياء بين الراء والتاء».(١)

____________________

(١) رجال النجاشيّ ٢٠٦.

(٢) رجال ابن داود ٢٥٦ / ١٠٨٩.

(٣) نفسه ٤٧٨ / ٣٥٠. وقوله طعنوا عليه من جهة، إشارة لما قيل أنّه زيديّ.

(٤) رجال البرقيّ: ١١.

١٧٤

وذكره الكشّيّ في رجاله، قال: حدّثنا جعفر بن معروف، قال: أخبرني الحسن بن عليّ بن النعمان، قال: حدّثني أبي عليّ بن النعمان، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن جويرية بن مسهر العبديّ، قال: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: أحِبَّ مُحبَّ آلِ محمّدٍ ما أحبَّهم، فإذا أبغضهم فأبغِضْه؛ وابغَضْ مُبغضَ آل محمّد ما أبغضهم، فإذا أحبّهم فأحِبَّه. وأنا أُبشِّرك، وأنا أبشّرك ثلاث مرّاتٍ.(٢)

وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .(٣)

وقال البرقيّ: ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من ربيعة جويرية بن مسهر العبديّ، شهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام .(٤)

وقال ابن داود: جويرية بن مسهر العبديّ، ممدوح.(٥)

وذكره الفضل بن شاذان، في خبر ردّ الشمس ببابل - سنذكره في محلّه - أحمد بن صالح: قال ابن تيميه: وقد حكى أبو جعفر الطحاويّ عن عليّ بن عبد الرحمان عن أحمد بن صالح المصريّ، أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم، التخلّفُ عن حفظ حديث أسماء من ردّ الشمس؛ لأنّه من علامات النبوّة. قلت - أي ابن تيميه -: أحمد بن صالح رواه من الطريق الأوّل، ولم يجمع

____________________

(١) خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ: ٢٤.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١٠٦ / ١٦٩.

(٣) رجال الطوسيّ ٣٧ / ٤.

(٤) رجال البرقيّ ٣٧ / ٤.

(٥) رجال ابن داود ٩٣ / ٣٤٧.

١٧٥

طرقه وألفاظه التي تدلّ من جوهٍ كثيرة على أنّه كذب، وتلك الطريق راويها مجهول عنده!(١)

وقوله في أحمد بن صالح كان على نحو المداراة، لمنزلته عند العلماء وهو من شيوخ البخاريّ. ومع ذلك فقد غمزه بجهالة طريقه إلى الحديث!

وقوله: لم يجمع طُرقَه وألفاظه؛ فليس من شأنه ذلك، وإنّما شأنه أن يذكر الحديث الذي وقع له وصحّ عنده سندُه، وكفاه عن غيره ممّا هو في معناه.

وقد تكلّمنا على الطريق الأوّل الذي أشار إليه بما فيه كفاية، وهو الطريق الذي أخذ عنه أحمد بن صالح.

ترجمة أحمد بن صالح

نرى من الوفاء للرجل أوّلاً، وللوقوف على دعوى ابن تيميه في عدم تحرّي أحمد للحديث وجهالته بطريقه، أن نتعرّف على شخصه ومنزلته عند علماء الرجال والجرح والحديث:

أبو جعفر أحمد بن صالح المقرئ المصريّ. طبريّ الأصل. وُلِدَ سنة سبعين ومائة، وتوفّي سنة ثمان وأربعين ومائتين للهجرة.

سمع: عبد الله بن وَهْب، وعنسبة بن خالد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله ابن نافع، وابن أبي فُدَيك، وعبد الرّزاق الصنعانيّ.

حدّث عنه: سفيان بن عُيينة، ومحمّد بن إسماعيل البخاريّ، ويعقوب بن

____________________

(١) الفضائل لابن شاذان: ٨٨ - ٨٩.

١٧٦

سفيان الفسويّ، وأبو إسماعيل التّرمذيّ، وعثمان الدارميّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، وأبو داود السجستانيّ، ومحمّد بن يحيى الذهليّ، وصالح جَزَرة. ومن الشيوخ المتقدّمين: محمّد بن عبد الله بن نُمَير، ومحمّد بن غيلان، وغيرهما.(١)

وكما سلف القول في عبيد الله بن موسى وفضيل بن مرزوق، وأنّ الحكم عليهما إنّما من طبقتهما أو ما كان أقرب إلى عصرهما؛ فكذلك الحال بالنسبة إلى أحمد بن صالح، فالفاصلة الزمنيّة بينه وبين ابن تيميه (٤٦٠) سنة! ولو لم نعرف من سيرة الرجل والطبقة التي أخذ عنها والطبقة التي أخذت عنه، لسلّمنا وقلنا بالذي قاله ابن تيميه من جهالة أحمد بن صالح فيما رواه، وقد رواه عنه الطحاويّ المتوفّى سنة (٣٢١ هـ)، أي بعد وفاة أحمد بـ (٧٣) سنة.

منزلته العلميّة:

قال ابن حبّان: كان أحمد هذا في الحديث وحفظه ومعرفة التاريخ وأسباب المحدّثين عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أصحابنا بالعراق.

وهو مقارن يحيى بن معين في الحفظ والإتقان، وكان أحفظ من يحيى ابن معين بحديث المصريّين والحجازيّين.(٢)

____________________

(١) التاريخ الكبير للبخاريّ ٢: ٦ / ١٥١٠، الثّقات لابن حبّان ٥: ١٧ / ٨٠، مروج الذهب ٤: ٨٢، تاريخ الثّقات للعجليّ ٤٨ / ٥، الجرح والتعديل ٢ / ٥٦ / ٧٣، تاريخ بغداد ٤: ١٩٥ / ١٨٨٦، المعرفة والتاريخ ٣: ٣٦١، تهذيب الكمال ١: ٣٤٠ / ٤٩، سير أعلام النبلاء ١٢: ١٦٠ / ٥٩، ميزان الاعتدال ١: ١٠٣ / ٤٠٦.

(٢) الثّقات لابن حبّان ٥: ١٧.

١٧٧

ومَن هذا شأنه في الحفظ والإتقان، لا يمكن أن تطاله يدُ رجل انبعث بعده بخمسة قرون لتجرحه وتَسِمه بأنّه يأخذ من المجاهيل!

وقال الفسويّ: كتبت عن ألف شيخ وكسر، ما أحدٌ منهم أتّخِذُه عند الله حجّة إلاّ أحمدَ بن حنبل وأحمد بن صالح.(١)

وقال العجليّ: ثقة، صاحب سُنّة.(٢)

قال أبوزرعة: سألني أحمد بن حنبل: مَن بمصر؟ قلت: أحمد بن صالح. فسرّ بذلك ودعا له.(٣)

وقال الفضل بن دُكَين: ما قَدِم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى - يعني أحمد بن صالح -.(٤)

وسُئل عنه أبو حاتم فقال: ثقة، كتبتُ عنه بمصر ودمشق وأنطاكية.(٥)

قال البخاريّ صاحب الصحيح: أحمد بن صالح، أبو جعفر المصريّ، ثقة صدوق، ما رأيت أحداً يتكلّم فيه بحجّة، كان أحمد بن حنبل وعليّ - المدينيّ - وابن نمير وغيرهم يُثبِتون أحمد بن صالح، كان يحيى يقول: سَلُوا أحمد، فإنّه أثبت.(٦) قال محمّد بن عبد الرحمان الغَزّال: أحمد بن صالح من حُفّاظ الحديث،

____________________

(١) المعرفة والتاريخ للفسويّ ٣: ٣٦١.

(٢) تاريخ الثقات للعجليّ ٤٨.

(٣) الكامل لابن عدِيّ ١: ١٨٤، تاريخ بغداد ٤: ١٩٦.

(٤) تاريخ بغداد ٤: ١٩٩، الكامل لابن عدِيّ ١: ١٨٤.

(٥) الجرح والتعديل ٢: ٥٦.

(٦) تاريخ بغداد ٤: ٢٠١.

١٧٨

واعياً، رأساً في علم الحديث وعِلَله، وكان يصلّي بالشافعيّ، ولم يكن في أصحاب ابن وهب أعلمَ منه بالآثار.(١)

خلاصة الأقوال في أحمد

أجمعت كلمة العلماء الذين يأتمّ ابن تيميه بهم ويقتدي: أنّ أحمد بن صالح حافظٌ متقن حجّةٌ ثقة، صدوقٌ صاحب سنّة، واعٍ رأسٌ في علم الحديث وعِلله بصيرٌ باختلافه، يأتمّ الشافعيّ به، وهو وأحمد بن حنبل سواء، مُقارن ليحيى بن معين في الحفظ والإتقان، ومتقدّم عليه في معرفة حديث المصريّين والحجازيّين، عارف بالتاريخ وأسباب المحدّثين؛ وهو شيخ البخاريّ وعلماء السّلف. حكم البخاريّ بثقته وصدقه وأن لا حجّة لِمَن يتكلّم فيه. إذن: بأيّ حجّة تكلّم فيه ابن تيميه، وحكم عليه بأنّه أخذ حديث ردّ الشّمس من مجهول؟!

أبو جعفر الطحاويّ: لم يبق في قائمة مَن نال منهم ابن تيميه في سند حديث أسماء في ردّ الشمس، إلاّ الطحاويّ: أحمد بن محمّد بن سلامة بن سلمة الأزديّ المصريّ الحنفيّ، المتوفّى سنة ٣٢١ هـ؛ وكان بين وفاته ووفاة أحمد بن صالح «٧٣» سنة، وليس بينه وبين وفاة ابن تيميه إلاّ «٤٠٧» سنوات!

قال بشأنه: والطّحاويّ ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم! فإنّه لم تكن معرفته بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً.

ولا نريد أن نقف كثيراً عند دعوى جهل الطحاوي بطريقة نقد أهل العلم

____________________

(١) تهذيب الكمال ١: ٣٤٥، تاريخ بغداد ٤: ١٩٩.

١٧٩

للحديث، وعدم معرفته بالإسناد كمعرفة ابن تيميه! ولكن نحيل القارئ الكريم على مؤلّفات الطحاويّ، منها: «مشكل الآثار» بأربعة أجزاء في مجلّدين، ليقف بنفسه على سعة أفق هذا العالم وتضلّعه بما جهّله فيه ابن تيميه!

وكما صنع أبو الفرج وابن تيميه بجعل مدار الحديث على عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق! كذلك نحن نصنع فنقول: ومدار الحديث على الطحاويّ عن أحمد بن صالح، فإن سلم أحمد بن صالح من الجرح وثبت الحديث الذي ألزم العلماء عدم تجاوز حديث أسماء في ردّ الشمس، فليس على الطحاوي شيء؛ لأنّه أخذه عن عالم جهبذ.

ثمّ: ما ذنب العلاّمة الحلّي يُرمى بالكذب! وقد أخذ الحديثَ من رجالٍ ثبتت وثاقتهم وعدالتهم وصدقهم وحُجّيتهم فيما يروون؟!

الكلام في الحديث

ثبتت لنا وثاقة السّند وقوّته؛ فثبتت صحّة الحديث ويحسن أن نتكلّم موجزاً في الحديث ونورد طرقه وقول العلماء فيه، فنقول: من يتوقّف فيه، فإمّا أن يكون توقّفه من حيث الإمكان، أو من حيث الواقع. والأوّل باعتبار أنّه خروج على النظام وسنّة الله تعالى في مخلوقاته؛ وهذا مردود إذ هو جارٍ وفق إرادة الله سبحانه وحكمته، وتحقيقاً للمصالح الواقعة في مشيئته عزّوجلّ. وقد جرت أمور خارقة لطبائع الأشياء لأنبياء وغير أنبياء، تبدو في ظاهرها أنّها خروج عن سنن الله سبحانه، ولكنّها كانت بمشيّته وإرادته، بما في ذلك توقّف الشمس عن سيرها

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492