ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168567 / تحميل: 5860
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

المنافق؟ قلنا: في النار؛ قال: فعليّ قسيم النار.(١)

وبكلام أحمد، وما ذكرناه عن الأثبات، تبيّن أنّ صاحب الرؤيا أخطأ في تشخيص قسيم الجنّة؛ فأثبت أحمدُ بن حنبل أنّ قسيم النار والجنّة هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

عن عبد الله بن المثنّى(٢) ، عن عمّه ثُمامة بن عبد الله بن أنس(١) ، عن أبيه عن

____________________

= ومعمر بن راشد... وغيرهم. روى له: البخاريّ، والترمذيّ، وابن ماجة (تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٤: ٣٥٩ و ٢١: ٢٣٢ / ٤١٧٨).

عن أبي سعيد الخدريّ قال: ما كنّا نعرف منافقي هذه الأمّة إلاّ ببغضهم عليّاً (جامع الترمذيّ - المناقب / الرقم ٣٨٠٠، أسد الغابة ٤: ١١٠، تاريخ الإسلام للذهبيّ ٣: ٦٣٤٠).

وأخرج ابن أبي شيبة بسنده عن عاصم - عاصم بن ضَمْرة السّلوليّ من قيس عَيْلان، روى عن عليّ وتوفّي بالكوفة في ولاية بشر بن مروان، وكان ثقةً، وله أحاديث. (الطبقات الكبرى ٦: ٢٤٥ / ٢٢١٧ - ووثّقه العجليّ: ٢٤١ / ٧٣٩) عن زرّ قال: قال عليّ: لا يُحبّنا منافق، ولا يبغضنا مؤمن) (المصنّف لابنِ أبي شيبة ٧: ٥٠٣).

أبو الزبير - واسمه محمّد بن مسلم بن تَدّرُس - عن عطاء قال: كان أبو الزبير أحفظَنا لحديث جابر؛ وكان ثقةً كثير الحديث (الطبقات الكبرى ٦: ٣٠ / ١٥٧٥، الجرح والتعديل ٨: ٨٤) - عن جابر قال: ما كنّا نعرف منافقي هذه الأمّة إلاّ ببغضهم عليّاً) (الاستيعاب ٣: ٤٦ و ٤٧، مختصر تاريخ دمشق ١٨: ١٥، تاريخ الإسلام للذهبيّ ٣: ٦٣٤).

(١) طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى ١: ٣٢٠، كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، للقنجي الشافعيّ: ٧٢. ٢: ١٦٢ / ١٢٦٧، الإصابة ١: ٥٧٧.

(٢) عبد الله بن المثنّى بن عبد الله بن أنس بن مالك، ثقة. تضمينات ابن حجر لتاريخ الثّقات للعجليّ ٢٧٦ / ٨٧٧.

٢٤١

جدّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يومُ القيامة ونُصِب الصراط على شَفير جهنّم، لم يَجُزْ إلاّ من معه كتابُ ولاية عليّ بن أبي طالب».(٢)

الحسن بن أبي الحسن البصريّ، عن أنس بن مالك، عن أبي بكر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إنّ على الصراط لَعَقبةً لا يجوزها أحد إلاّ بجواز من عليّ أبي طالب».(٣)

عليّ قسيم النار والجنّة

الحكمة في كونهعليه‌السلام قسيم النار والجنّة، هي أنّ محبّته وموالاته حبٌّ وولاءٌ لرسول الله - أثبتنا ذلك من الحديث حول آية التصدّق حال الركوع - وما سيأتي من كلام قرآناً وسنّةً.

حبيب بن أبي ثابت(٤) ، عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، قال: قال رسول

____________________

(١) ثمامة بن عبد الله بن أنس، بصريّ، تابعيّ، ثقة (تاريخ الثقات للعجليّ ٩١ / ١٨٨، الثّقات لابن حبّان ٢: ٥٥ / ٣٩٥).

(٢) مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: ٢٤٢، ميزان الاعتدال ١: ٢٨، حلية الأولياء ١: ٢٤١، ينابيع المودّة: ١١٣ - ١١٤.

(٣) تاريخ بغداد للخطيب البغداديّ ١٠: ٣٥٧.

(٤) ذكره البرقيّ في أصحاب عليّ بن الحسين  السجّادعليه‌السلام (رجال البرقيّ: ٩). وقال العجليّ: حبيب ابن أبي ثابت الأسديّ: ثقة، تابعيّ، وكان مفتي الكوفة قبل حمّاد بن أبي سليمان؛ سمع من ابن عمر ومن ابن عبّاس، وكان ثبتاً في الحديث (تاريخ الثقات للعجلي ٨٠٥ / ٢٤٤) قال يحيى بن معين: حبيب بن أبي ثابت، أبو يحيى، يحدّث عن عروة بن عامر (تاريخ ابن معين ١: ٢٤٢ / =

٢٤٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالب: «أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يَعْسُوب المؤمنين».(١) وبذا يكون مَن سلك نهجه فقد نهج الطريق الموصل إلى الجنّة، والحائد عنه ضالّ متردٍّ في جهنّم. وعليّعليه‌السلام هو نفسُ رسول الله، نصّ على ذلك القرآن في آية المباهلة، ولا يكون المتأسّي برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ في أعلى علّيّين.

____________________

= ١٥٨٥، والكنى والأسماء للدولابيّ ٢ / ١٦٦، وتاريخ البخاريّ الكبير ١: ٢ / ٣١٣، والجرح والتعديل ٣ / ٤٩٥).

قال يحيى بن مَعين: عن أبي بكر بن عيّاش: لم يكن بالكوفة إلاّ ثلاثة أنفس: حبيب بن أبي ثابت، وحمّاد بن أبي سليمان، وآخر. قيل ليحيى: حبيبٌ ثبت؟ قال: نعم (تاريخ يحيى ٢: ١٧ / ٢٩٢٥). وذكره خليفة بن خيّاط في (طبقاته - في الطبقة الرابعة من مُضر الكوفة ٢٦٩ / ١١٧٥). وترجم له ابن سعد قال: حبيب بن أبي ثابت الأسديّ، مولى كاهل، ويكنّي «أبا يحيى، واسم أبي ثابت قيس بن دينار».

سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبتُ العلم وما لي فيه نيّة، ثمّ رزق الله النية.

قال: وكان أبو بكر بن عيّاش يقول: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عُتَيبة وحمّاد بن أبي سليمان، وكان هؤلاء أصحاب الفُتْيا وهم المشهورون، وما كان بالكوفة أحد إلاّ يَذِلّ لحبيب. قال الفضل بن دُكين ومحمّد بن عمر: مات حبيب  بن أبي ثابت سنة تسع عشرة ومائة (الطبقات الكبرى ٦: ٣٢٠).

(١) شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ ١: ٧٦.

قال: وكان أبو بكر بن عيّاش يقول: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عيبة وحمّاد بن أبي سليمان، وكان هؤلاء أصحاب الفتيا وهم المشهورون، وما كان بالكوفة أحد إلاّ يذلّ لحبيب. قال الفضل بن دكين ومحمّد بن عمر: مات حبيب بن أبي ثابت سنة: تسع عشرة ومائة (الطبقات الكبرى ٦: ٣٢٠).

٢٤٣

وعن أبي جعفر الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سرّه أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنّة بغير حساب، فليتولّ وليّي ووصيّي وصاحبي وخليفتي على أهلي: عليَّ بن أبي طالب. ومن سرّه أن يلج النار فليترك ولايته، فوعزّة ربّي وجلاله: إنّه لَبابُ الله الذي لا يُؤتى إلاّ منه، وإنّه الصراط المستقيم، وإنّه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة».(١)

عن محمّد بن الحنفيّةرضي‌الله‌عنه ، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: دخلت يوماً منزلي، فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس، والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وفاطمة بين يديه، وهو يقول: «يا حسن يا حسين، أنتما كفّتا الميزان وفاطمة لِسانُه ولا تعدل الكفّتان إلاّ باللّسان، ولا يقوم اللّسان إلاّ على الكفّتَين، أنتما الإمامان، ولأمّكما الشّفاعة. ثمّ التفت إليّ وقال: يا أبا الحسن، أنت توفي أجورهم، وتقسم الجنّة بين أهلها يوم القيامة».(٢)

وذكر ابن حجر أنّ الدار قطنيّ أخرج أن عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الشورى بينهم، كلاماً طويلاً كان من جملته: أنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت قسيمُ الجنّة والنار يوم القيامة، غيري؟

قالوا: لا.

وبمعناه ما رواه عنترةُ عن عليّ الرضا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: «أنت قسيم الجنّة

____________________

(١) شواهد التنزيل للحسكانيّ الحنفيّ (ت ٤٩٠ هـ) ١: ٧٦.

(٢) المناقب الثلاثة لمحمّد بن يوسف الشافعيّ: ١٢٥ - ١٢٦.

٢٤٤

والنار، فيوم القيامة تقول النار: هذا لي، وهذا لك.(١)

ومجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة، أقام الله عزّ وجلّ جبرئيلَ ومحمّداً على الصراط، فلا يجوزه أحد إلاّ مَن كان معه براءة من عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

عن الحسن، عن أبي ليلى الغفاريّ قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزَموا عليّ أبي طالب، فإنّه أول من يراني وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل».(٣)

أحمد يكلّم زائريه!

عن الحربيّ قال: أقبلت على لحده - لحد أحمد - أقبّله، ثمّ قلت: يا سيّدي! ما السّرّ في أنّه لا يقبّل قبرٌ إلاّ قبرك؟ فقال لي: يا بنيّ، ليس هذا كرامةً

____________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر: ٧٥.

(٢) مناقب الإمام علي لابن المغازلي الشافعيّ: ١٣١ / الحديث ١٣٢، ذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ الشافعيّ: ٧١، المناقب للخوارزميّ الحنفيّ: ٣٢٠ / الحديث ٣٢٤، فرائد السمطين للجوينيّ ١: ٢٨٩.

(٣) ترجمة الإمام عليّ من تاريخ دمشق ٣: ١٥٧ / الحديث ١١٧٤، والاستيعاب لابن عبد البرّ المالكيّ ٤: ١٧٠، وزاد فيه: «وهو الصّدّيق الأكبر، وهو فاروق الأمّة يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين». ومثله في أسد الغابة ٦: ٢٧٠ والإصابة ٤: ١٧١. ويعسوب النّحل: مقدّمها وسيّدها، يقول: إنّه يلوذ به المؤمنون كما تلوذ النّحل بيعسوبها.

٢٤٥

لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله؛ لأنّ معي شعراتٍ من شعره. ألا ومَن يحبّني يزورني في شهر رمضان - قال ذلك مرّتين.(١)

لقد حملوا بشدّة على زيارة القبور وجاؤوا بروايات في تحريمها! إلاّ أنّ أبا الفرج قبل رواية الحربيّ ونَسِي ما ذكره في أنّ أحمد قد رُفع إلى الجنّة! وقد توجّه الرحمان، وأنّه على بابها يُدخل الجنّة أهلَها ويمنع آخرين، ويعود أخرى ليذكر أنّه في قبره، يزوره الله جلّ وعزّ، وأنّه يسمع مَن يزوره ويجيبه ويحبّب زيارته..

ونحن نظنّ أنّ أحمد لو سمع بأمثال هذه الأخبار التي أكثرها أحلام، لأنكر على ابن الجوزيّ إيرادها؛ إذ يراها نكرةً مخالفةً للشرع والعقل والواقع، ومن ثمّ إساءةً له وليست كرامة!

الملائكة تقيم العزاء على موت أحمد

قال ابن الجوزيّ: بلغني عن بعض السّلف القدماء، قال: كان عندنا عجوز

____________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل لأبي الفرج ابن الجوزيّ: ٤٥٤.

جاء في ترجمة الحربيّ: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربيّ، ولد سنة (١٩٨ هـ) وتوفّي سنة (٢٨٥ هـ). أصله من مرو. قال: أمّي تغلبيّة! وكان أخوالي نصارى أكثرهم. قال: لي عشر سنين أبصرُ بفردِ عين ما أخبرت به أحداً، وأفنيتُ من عمري ثلاثين سنة برغيفين، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف. قال عنه الدار قطنيّ: كان إماماً يقاس بأحمد بن حنبل في زهده (المنتظم لأبي الفرج ١٢: ٢٨٥ / ١٩١٦، صفة الصفوة له ٢: ٢٢٨، تاريخ الإسلام للذهبيّ: ١٠١ / ١١٠، تاريخ بغداد ٦: ٢٧).

٢٤٦

من المتعبِّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة، فأصبحت ذات يومٍ مذعورةً فقالت: جاءني بعض الجنّ في منامي فقال: إنّي قرينُكِ من الجنِّ(١) ، وإنّ الجنّ استرقت السّمع(٢) بتعزية الملائكة بعضُها بعضاً بموت رجلٍ صالحٍ يقال له أحمد بن حنبل، وتربته في موضع كذا، وإنّ الله يغفر لمن جاوره، فإنّ استطعتِ أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي، فإنّي لك ناصح، وإنّك ميّتةٌ بعده بليلةٍ. فماتت كذلك.(٣)

والمؤاخذة على أبي الفرج: أنّه لم يذكر هذا السّلف القديم لتطمئنّ قلوبنا لروايته كما حصل لنا في السّلف الأقدم من رواة حديث ردّ الشمس! ولا ذكر لنا المرأة العجوز فنتبيّن حالها كما وقفنا على حال أسماء بنت عميس. ثمّ لِمَ هذه المآتم من قِبَل الملائكة الصالحين، وأحمد نازل في ضيافة ربّه الكريم؟!

استجابة دعاء آمنة

قالوا: مرض بِشْر بن الحارث وعادته آمنة الرمليّة، فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد بن حنبل يعوده كذلك، فنظر إلى آمنة وقال لبِشْر: اسألها تدعو لنا فقال لها بِشْر: ادعي الله لنا. فقالت: اللّهمّ إنّ بِشْر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار، فأجرهما يا أرحم الراحمين.

____________________

(١)( وَمَن يَكُنِ الشّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً) النّساء: ٣٨.

(٢)( وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ » ،« إِلّا مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ) الحجر: ١٧ - ١٨.

(٣) مناقب أحمد: ٤٨٣.

٢٤٧

قال الإمام أحمد: فلمّا كان من اللّيل طُرِحَت إليَّ رُقْعَة من الهواء مكتوب فيها: بسم الله الرحمان الرّحيم، قد فعلنا ذلك، ولدينا مزيد.(١)

لم أجد ترجمةً لآمنة ذات الخَطَر الشديد والمنزلة الرفيعة إلى حدّ أنّ الله تعالى يستجيب لها دعاءها خطّيّاً! وما علينا إلاّ أن نشايع أبا الفرج فيما ذكره من هذه الكرامة ولم يذكر من رواته إلاّ آمنة!!

قلمُ العلماء لُقاح

قال أبو طالب عليّ بن أحمد: دخلت يوماً على أبي عبد الله - أحمد بن حنبل - وهو يملي، وأنا أكتب، فاندقّ قلمي، فأخذ قلماً فأعطانيه، فجئت بالقلم إلى أبي عليّ الجعفريّ فقلت: هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه، فقال لغلامه: خذ القلم فضعه في النّخلة عسى تحمل! فوضعه فيها فحملت!(٢)

هذه بركة آثار أحمد، وهو تبَعٌ لرسول الله، فِلَم الإشكال على استجابة دعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

اعتذار الملكَين من أحمد

زعم أنّ عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: جاءك منكرٌ ونكير؟ قال: نعم، قالا لي: من ربّك؟ قلت:

____________________

(١) صفة الصفوة، لأبي الفرج ابن الجوزيّ ٤: ٢٧٨.

(٢) مناقب أحمد لأبي الفرج: ٢٩٦.

٢٤٨

سبحان الله! أما تستحيان منّي؟! فقالا لي: يا أبا عبد الله أعذرنا! بهذا أمرنا.(١)

هل هو تعمّد في الإساءة لأحمد؟ ألا يعلم أنّ حساب القبر حقّ؟ وما ذنب الملكين وقد أمرهما الله تعالى بما لا يُستحى منه! وهل الكنى إلاّ من خصائص الدنيا؟ وعلى نهجه في مثل هذه الأخبار، قال: قال ابو زرعة - الرازيّ -: كان يقال عندنا بخراسان: إنّ الجنّ نَعَتْ أحمدَ بن حنبل قبل موته بأربعين صباحاً!(٢)

والإشكال: كيف علمتِ الجنّ علمَ ما هو آتٍ، وقد اختصّ الله تعالى نفسه بعلم الغيب؟!

عوائد زوّار أحمد

رُوي عن الشيخ ميمون، قال: رأيت رجلاً بجامع الرّصافة، فسألته فقال: قد جئت من ستّمائة فرسخ فقلت: في أيّ حاجة؟ قال: رأيت وأنا في بلدي كأنيّ في صحراء والخلق قيامٌ وأبواب السماء قد فُتحت، وملائكةٌ تنزل من السماء تُلبِس أقواماً ثياباً خُضراً ويطير بهم في الهواء، فقلت: من هؤلاء الذين اختصوا بهذا؟! فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل. فانتبهت وأصلحت أمري، وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات.(٣)

والسؤال: لِمَ لَمْ تشمل الشيخ ميمون هذه المكرمة الحُلُميّة! مع التذكير

____________________

(١) مناقب أحمد، لأبي الفرج: ٤٥٤.

(٢) نفسه: ٤٢١.

(٣) نفسه: ٤٨١.

٢٤٩

بأنّهم يحرّمون زيارة القبور!

وممّا ذكره أيضاً في ذلك قال: رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غُفِر له! قال: فلم يَبْقَ خاصّ ولا عامّ إلاّ زاره.(١)

أليس هذا وأمثاله ظاهراً في الشفاعة التي أنكروها أشدّ الإنكار؟!

وقال: لمّا مات أحمد بن حنبل رأى رجلٌ في منامه كأنّ على كلّ قبرٍ قنديلاً، فقال: ما هذا؟! فقيل له: أما علمت أنّه نور لأهل القبور ينوّرهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، وقد كان فيهم من يُعذَّب فرُحِم.(٢) فهل ردّ الشّمس أعظم من أن يضع الله سبحانه قنديلاً على كلّ قبر ويرحم المذنبين وذلك ببركة نزول أحمد بين أظهرهم؟!

قال: مات رجل مخنّث فرُئي في النوم، فقال قد غُفرلي، دُفن عندنا أحمد ابن حنبل فغُفِر لأهل القبور.(٣)

الخليل يردّ على سِماك بصرَه

ذكر أبو الفرج في حوادث سنة ثلاث وعشرين ومائة: توفّي هذه السنة سِمَاك بن حرب السّدوسيّ، وكان قد ذهب بصَرُه فرأى إبراهيم الخليل فأصبح

____________________

(١) البداية والنهاية، لابن كثير ١٢: ٣٢٣، عن ابي الفرج.

(٢) مناقب أحمد، لأبي الفرج: ٤٨٢.

(٣) نفسه.

٢٥٠

يُبصر.(١)

____________________

(١) المنتظم، لأبي الفرج ابن الجوزيّ ٧: ٢٢٥. وذكره ابن قيّم الجوزيّة تلميذ ابن تيميه في كتابه (الروح: ٥٨).

فإذا كان ردّ البصر زيادةً في إعجاز الخليلعليه‌السلام وكرامةً لسِماك، فنبيُّنا أشرف، وعليّ أعلى رتبةً وأعظم من سِماك، فردّ الشمس أولى من ردّ البصر!

ثمّ كيف عرف سِماك الخليل وهو لم يره من قبل؟! لِنَقُلْ: إنّ صورته ارتسمت في ذهنه فعرفه! بل وكيف عرفه قبل أن يردّ عليه بصره؟!

ترجمة سِماك: سِماك بن حرب بن أوس الذّهليّ. مات سنة ثلاث وعشرين ومائة. رأى المُغيرة ابن شعبة. روى عن: النعمان بن بشير، والضحّاك بن قيس، وعبد الله بن الزبير بن العوّام، وعامر الشعبيّ... وغيرهم.

روى عنه: شعبة بن الحجّاج، وأبو عَوانه، وحمّاد بن سلمة... وغيرهم.

(الطبقات الكبرى ٦: ٣٢٣، طبقات خليفة: ١٦١، التاريخ الكبير للبخاريّ ٤: ١٧٣ / الترجمة ٢٣٨٢، تاريخ بغداد ٩: ٢١٤، الأنساب للسمعانيّ ٦: ٣٠، تهذيب الكمال للمزّيّ ١٢: ١١٥، تهذيب التهذيب ٤: ٢٣٢، تاريخ الإسلام ٥: ٨٤، العبر ١: ٢٣٦).

وأخباره مضطربة... عن حمّاد بن سملة عن سماك قال: أدركت ثمانين من أصحاب النبيّ! (تاريخ بغداد: ٩: ٢١٤، الجرح والتعديل ٤: / الترجمة ١٢٠٣).

قال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث (الجرح والتعديل للرازي ٤ / الترجمة ١٢٠٣، وتاريخ البخاريّ). وقال عبد الرحمان بن يوسف بن خِراش: في حديثه لين (تاريخ بغداد ٩: ٢١٦، وتهذيب الكمال ١٢: ١٢١). وعن ابن المبارك: سِماك ضعيف في الحديث (تهذيب الكمال ١٢: ١٢١). وقال عليّ بن المدينيّ: روايته مضطربة (تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠). وقال صالح بن محمّد البغداديّ: يُضعَّف (تاريخ بغداد ٩: ٢١٦، تهذيب الكمال ١٢: ١٢٠). وسئل يحيى بن معين عن سماك: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيرُه. (الجرح والتعديل، تاريخ بغداد، تهذيب الكمال). وكان شعبة يضعّفه (الجرح والتعديل). =

٢٥١

استجابة دعوة سعد

أخرج أبو الفرج من طريق لبيبة: دعا سعد فقال: يا ربّ إنّ لي بنين صغاراً فأخّر عنّي الموت حتّى يبلغوا؛ فأخر عنه الموت عشرين سنة.(١)

لم نقف على ترجمة لبيبة، صحابيّة مثل أسماء التي روت حديث ردّ الشمس، ام تابعيّة؟ وإنّ استجابة دعاء النبيّ أولى من استجابة دعاء سعد! لعلوّ شأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكان من بركة استجابة دعوة سعد: أن شبّ ولده عمر بن سعد فقاد الجيش الذي قتل ابن رسول الله الحسين!

تبليغ براءة

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنفذ أبا بكر لأداء سورة براءة، ثمّ أنفذ عليّاً وأمَره بردّه وأن يتولّى هو ذلك.

قال: والجواب من وجوهٍ: أنّ هذا كَذبٌ باتّفاق أهل العلم، وبالتواتر العامّ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل أبا بكر على الحجّ سنة تسعٍ ولم يردّه ولا رجع.(٢)

نقض النقض

قولُه: «أنّ هذا كذبٌ باتّفاق أهل العلم، وبالتواتر العامّ»، كذبٌ! وإنّما اتّفاق

____________________

= وفي (تهذيب الكمال ١٢: ١١٨): ذهب بَصَري، فدعوت الله فردّ عَلَيّ بصري!!

فالكرامة هنا في ردّ البصر له، لا للخليلعليه‌السلام !

(١) صفة الصفوة، لأبي الفرج ابن الجوزيّ ١: ١٤٠.

(٢) منهاج السّنّة ٤: ٢٢١.

٢٥٢

أهل العلم على تصديقه، والتواتر منعقد على تأييده من غير قادحٍ.

حديث براءة

لما نزلت آياتٍ من «براءة» على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكّة، ثمّ دعا عليّاً فقال له: «أدراكْ أبا بكر، فحيثما لَقيتَه فخُذ الكتاب منه، فاذهبْ به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم». فلحقَه الجُحْفة، وأخذ الكتاب منه، ورجع أبوبكر فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟! قال: «لا، ولكنّ جبريل جاءني فقال: لن يؤدّيَ عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك». وفي ألفاظٍ أخرى: «ولكن أمرتُ أن لا يُبلِّغها إلاّ أنا أو رجل منّي»، «ولا يذهب بها إلاّ رجلٌ هو منّي وأنا منه».

«ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ»، و«إنّما يؤدّي عنّي أنا أو رجلٌ من أهل بيتي، وإنّ عليّاً رجلٌ من أهل بيتي»...

والحديث ينتهي إلى: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأبي بكر، وأبي ذرّ الغفاريّ، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخُدْريّ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وحُبْشيّ بن جنادة، وزيد بن يُثَيْع.

رواة حديث

إسماعيل السّدّيّ (ت ١٢٨ هـ) مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ)، محمّد بن إسحاق (صاحب السّيرة، ت ١٥٢ هـ)، محمّد بن عمر الواقديّ (صاحب

٢٥٣

المغازي، ت ٢٠٧) عبد الرزّاق بن همّام الصنعانيّ (ت ٢١١ هـ)، عبد الملك بن هشام (ت ٢١٨ هـ وهو الذي رتّب سيرة ابن إسحاق فصارت تُعرَف باسمه»، محمّد بن سعد الزّهريّ (ت ٢٣٠ هـ وله الطبقات الكبرى)، أبو بكر ابن أبي شيبة العَبْسي (ت ٢٣٥ هـ)، أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ)، عبد الله بن عبد الرّحمان الدّارميّ (ت ٢٥٥ هـ)، محمّد بن إسماعيل البخاريّ (صاحب الصحيح، والتاريخ الكبير، ت ٢٥٦ هـ)، محمّد بن يزيد القزوينيّ «ابن ماجة» (ت ٢٧٣ هـ)، محمّد بن عيسى التّرمذيّ (ت ٢٧٩ هـ)، أحمد بن يحيى البلاذريّ (ت ٢٧٩ هـ)، أحمد بن أبي عاصم (ت ٢٨٧ هـ)، الحسين بن الحكم الحبريّ (ت ٢٨٦ هـ)، محمّد بن مسعود العيّاشيّ (القرن الثالث الهجريّ)، أحمد بن عليّ النّسائيّ (ت ٣٠٣ هـ)، محمّد بن جرير الطّبريّ (ت ٣١٠ هـ)، يعقوب بن إسحاق الأسفرائنيّ «صاحب المسند» (ت ٣١٦ هـ)، ابن حبّان التميميّ (ت ٣٥٤ هـ)، سليمان بن أحمد الطّبرانيّ (ت ٣٦٠ هـ)، الدّار قطنيّ (ت ٣٨٥ هـ)، فرات بن إبراهيم الكوفيّ (ت القرن الرابع)، الحاكم النيسابوريّ (ت ٤٠٥ هـ)، ابن مَرْدَوَيه (ت ٤١٦ هـ) الثعلبيّ أحمد بن محمّد (ت ٤٢٦ هـ)، أبو نعيم الأصبهانيّ (ت ٤٣٠ هـ)، أبو الحسن عليّ بن محمّد الماوَرْديّ (ت ٤٥٠ هـ)، أحمد بن الحسين البيهقيّ (ت ٤٥٨ هـ) ابن المغازليّ الشافعيّ (ت ٤٨٣ هـ)، عبيد الله بن عبد الله الحسكانيّ الحنفيّ (ت ٤٧١ هـ)، نجم الدين النّسفيّ (ت ٥٣٧ هـ)، محمود بن عمر الزّمخشريّ (ت ٥٣٨ هـ)، محمّد بن أحمد القرطبيّ (ت ٥٦٧ هـ)، أخطب خوارزم الحنفيّ (ت ٥٦٨ هـ)، ابن عساكر الدّمشقيّ الشافعيّ (ت ٥٧١ هـ)، عبد

٢٥٤

الرحمان الخَثْعميّ السّهيليّ (ت ٥٨١ هـ)، فخر الدين الرازيّ الشافعيّ (ت ٦٠٦ هـ)، عليّ بن محمّد الجزريّ (ت ٦٣٠ هـ)، سبط ابن الجوزيّ الحنفيّ (ت ٦٥٤ هـ)، ابن أبي الحديد المعتزليّ (ت ٦٥٥ هـ)، محمّد بن يوسف الگنجيّ الشافعيّ (المقتول سنة ٦٥٨ هـ)، القاضي البيضاويّ الشافعيّ (ت ٦٨٥ هـ)، محبّ الدّين الطبريّ الشافعيّ (ت ٦٩٤ هـ)، محمّد بن مكرّم بن منظور (صاحب مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، ت ٧١١ هـ)، إبراهيم بن محمّد الجوينيّ (ت ٧٣٠ هـ)، محمّد بن عبد الواحد الحنفيّ (ت ٦٨١ هـ)، عليّ بن محمّد الخازن (ت ٧٤١ هـ)، محمّد بن أحمد الذهبيّ الحنبليّ (ت ٧٤٨ هـ)، ابن كثير الدّمشقيّ الحنبليّ (ت ٧٧٤ هـ)، تقيّ الدين المقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ)، ابن حَجر العسقلانيّ الشافعيّ (ت ٨٥٢ هـ)، ابن الصبّاعْ المالكيّ (ت ٨٥٥ هـ)، محمّد بن أحمد العينيّ الحنفيّ (ت ٨٥٥ هـ)، جلال الدين السيوطيّ الشافعيّ (ت ٩١١ هـ)، أحمد بن محمّد القسطلانيّ الشافعيّ (ت ٩٢٣ هـ)، ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ (ت ٩٧٤ هـ)، المتّقيّ الهنديّ (ت ٩٧٥ هـ)، محمّد الزّرقانيّ المالكيّ (ت ١١٢٢ هـ)، الشوكانيّ (ت ١٢٥٠ هـ)، القندوزيّ الحنفيّ (ت ١٢٩٣ هـ).

فائدة:

هؤلاء العلماء من أقدم العصور الإسلاميّة من غير انقطاع بين قرن وآخر، ولا بين عقدٍ والذي يليه، سواء علماء السّيرة والتاريخ والرجال، وعلماء الفقه والحديث والتفسير، اتفقت كلمتهم على صحّة تبليغ عليّعليه‌السلام براءة، وأكثروا من

٢٥٥

روايتها بألفاظها المختلفة وطرقها المتعدّدة، وعدوّا ذلك من خصائصهعليه‌السلام .

وقد رأينا في هذا الكمّ الذي توفّرلنا: من هو مالكيّ وآخر حنفيّ وثالث حنبليّ ورابع شافعيّ! وضمّ هذا الحقل من الرّواة: أحمد بن حنبل الذي ينسب ابن تيميه نفسه إليه تارةً! فيدّعي أنّه حنبليّ، وتارة أخرى يدّعي لنفسه الإمامة وأنّه مستقلّ في مذهبه، حتّى أطلق أتباعه عليه لقب: الإمام المطلق؛ أي استقلّ بمذهبه عن المذاهب الإسلاميّة المعروفة. وأيضاً سمّوه لذلك: شيخ الإسلام!

ولذا خالف أتباعه المذاهب الإسلاميّة في العقيدة، ونهجوا مسلك شيخهم التضليليّ والحُكم بالبدعة على من خالفوه وأباحوا دمه ومارسوا ذلك عمليّاً حتّى يومنا هذا.

أقول: إنّ حديث تبليغ أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام سورة براءة، لم يتكلّم أحدٌ في تكذيبه أو تضعيفه، بل الذين ذكروه، وخصوصاً أهل العلم بالحديث، قد ذكروه من طرقه المتعدّدة، وهذا هو الاتّفاق الذي نفاه شيخ الإرهاب! وأمّا التواتر العامّ، ففي ما ذكرنا كفاية. ونذكّر هنا بأمرٍ مهمٍّ، ذلك أنّ ابن تيميه إذا ذكر حديثاً في فضائل الإمام عليّعليه‌السلام أنكره أو حطّ من علوّ شأنه، حتّى وإن ذكره مسلم صاحب أحد الصحيحين، ثمّ لاذ بالبخاريّ إذا لم يكن قد ذكره!

فما باله هنا قد أنكره وقد ذكره البخاريّ وشيوخ البخاريّ ومن هم أقدم منهم؟!

« قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) .(١)

____________________

(١) الأعراف: ٥٣.

٢٥٦

المصادر

١ - تفسير مقاتل بن سليمان، ت ١٥٠ هـ(١)

٢ - المغازيّ للواقديّ، ت ٢٠٧ هـ، ٣: ١٠٧٧.

٣ - تفسير عبد الرزّاق بن همّام الصّنعانيّ، ت ٢١١ هـ.

٤ - السيرة النّبويّة لابن هشام، ت ٢١٨ هـ، ٤: ١٩٠.

٥ - الطبقات الكبرى لابن سعد، ت ٢٣٠ هـ، ٢: ١٦٩.

٦ - المصنّف لابن أبي شَيبة، ت ٢٣٥ هـ، ٧: ٥٠٦ / ٧٢.

٧ - مسند أحمد بن حنبل، ت ٢٤١ هـ، ١: ٧٩، ١٥٠ - ١٥١، ٣٣١؛ ٣: ٢١٢، ٢٨٣.

٨ - سنن الدّارميّ عبد الله بن عبد الرحمان التميميّ الدارميّ، ت ٢٥٥ هـ، ٢: ٦٧ - ٦٨، ٢٣٧.

٩ - صحيح البخاريّ محمّد بن إسماعيل الجعفيّ البخاريّ، ت ٢٥٦ هـ، ١: ١٠٣، ٦: ٨١.

١٠ - سنن ابن ماجة محمّد بن يزيد القزوينيّ، ت ٢٧٣ هـ، ١: ٤٤.

١١ - سنن الترمذيّ الجامع الصحيح، محمّد بن عيسى الترمذيّ، ت ٢٧٩ هـ،

____________________

(١) لم أذكر الجزء والصفحة في كتب التفسير اعتماداً على معرفة القارئ الكريم أنّ المطلب في سورة «براءة - التوبة».

٢٥٧

٢: ١٧٩ - ١٨٠، ٤: ٣٣٩ - ٣٤٠، ٥: ٣٠٠.

١٢ - أنساب الأشراف للبلاذريّ أحمد بن يحيى، ت ٢٧٩ هـ، ٢: ٣٥٥، ٣٨٤.

١٣ - تفسير الحِبَريّ: الحسين بن الحكم بن مسلم الحبريّ، ت ٢٨٦ هـ.

١٤ - تفسير العيّاشيّ «التنزيل» لمحمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش، من علماء القرن الثالث الهجريّ.

١٥، ١٦ - السّنن لأحمد بن عليّ النّسائيّ، ت ٣٠٣ هـ، ٥: ٢٣٤. وكتاب خصائص أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، له، ٨٢ - ٨٣ / ح ٧٢ - ٧٤.

١٧، ١٨ - تفسير الطبريّ محمد بن جرير، ت ٣١٠ هـ، وبهامشه تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدّين الحسن بن محمّد النّيسابوريّ.

١٩ - تاريخ الطبري محمّد بن جرير، ت ٣١٠ هـ، ٢: ٢٨٣.

٢٠ - المستدرك على الصحيحين للحاكم النّيسابوريّ، ت ٤٠٥ هـ، ٢: ٣٣١، ٣: ٥١ - ٥٢.

٢١ - تفسير ابن أبي زمنين، ت ٣٩٩ هـ، ١: ٣٠٤.

٢٢، ٢٣ - قصص الأنبياء المسمّى «عرائس المجالس» لأحمد بن محمّد الثعلبيّ، ت ٤٢٦ هـ، وبهامشه كتاب روض الرياحين لليافعيّ.

٢٤ - تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ، من أعلام القرن الرابع الهجريّ.

٢٥ - تفسير الماورديّ «النُّكتُ والعيون» أبو الحسن عليّ بن محمّد الماورديّ البصريّ، ت ٤٥٠ هـ.

٢٥٨

٢٦ - السنن الكبرى للبيهقيّ أحمد بن الحسين، ت ٤٥٨ هـ، ٩: ٢٢٤.

٢٧ - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، لعبيد الله بن عبد الله الحسكانيّ الحنفيّ، ت ٧٤١ هـ.

٢٨ - مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب، للفقيه ابن المغازليّ عليّ بن محمّد الشافعيّ، ت ٤٨٣ هـ: ١١٦.

٢٩ - مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مَرْدَويه، ت ٤١٠ هـ: ٢٥١ - ٢٥٢ / ح ٣٦٧ - ٣٧٠.

٣٠، ٣١ - تفسير البغويّ «معالم التنزيل»، للحسين بن مسعود الفرّاء البغويّ الشافعيّ، ت ٥١٦ هـ، ومصابيح السّنّة النبويّة، له ٢: ٢٧٥.

٣٢ - الكشّاف، لمحمود بن عمر الزمخشريّ، ت ٥٢٨ هـ.

٣٣ - المناقب، للموفّق بن أحمد المكّيّ الخوارزميّ الحنفيّ، ت ٥٦٨ هـ، ١٢٦، ١٦٤، ١٦٥.

٣٤ - التفسير الكبير، لفخر الدّين الرازيّ الشافعيّ، ت ٦٠٦ هـ.

٣٥ - الجامع لأحكام القرآن: محمّد بن أحمد القرطبيّ ت ٦٧١ هـ.

٣٦ - تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ الحنبليّ ثمّ الحنفيّ، ت ٦٥٤ هـ، ٤٢ - ٤٣.

٣٧ - كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، لمحمّد بن يوسف الگنجيّ الشافعيّ، المقتول ٦٥٨ هـ، ٢٥٤ - ٢٥٥.

٣٨ - الرياض النَّضِرة، لأحمد بن عبد الله الطّبريّ الشافعيّ، ت ٦٩٤ هـ، ٢:

٢٥٩

٧٤، ١٧٣، ١٧٤.

٣٩ - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى - له، ٦٩ - ٨٧.

٤٠ - مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعيّ، ت ٥٧٣ هـ، اختصار ابن منظور، ت ٧١١ هـ، ١٨: ٥ - ٧.

٤١ - تفسير الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، لعليّ بن محمّد المعروف بالخازن، ت ٧٢٥ هـ، وبهامشه «مدارك التنزيل وحقائق التأويل» لعبد الله بن محمود النّسفيّ، ت ٧١٠ هـ.

٤٢ - الرّوض الأنف في تفسير السيرة النبويّة لابن هشام، لعبد الرحمان ابن عبد الله السّهيليّ، ت ٥٨١ هـ، ٢: ٣٢٨.

٤٣ - فرائد السمطين، لعبد الله بن عليّ الجوينيّ، ت ٧٣٠ هـ، ١: ٥٨ - ٥٩، ٦١.

٤٤ - تهذيب الكمال في أسماء الرجال: ليوسف المِزّيّ السلفيّ، ت ٧٤٢ هـ، ٥: ٣٤٩.

٤٥ - التسهيل لعلوم التنزيل، لمحمّد بن أحمد بن جزّيّ الكلبيّ.

٤٦ - تفسير البيضاويّ، وعليه حاشية محيي الدّين زاده.

٤٧ - البداية والنهاية، لابن كثير الدّمشقيّ الحنبليّ، ت ٧٧٤ هـ، ٥: ٣٣ - ٣٥.

٤٨ - المختصر في تاريخ البشر، لعماد الدين إسماعيل أبو الفداء، ت ٧٣٢ هـ، ١: ١٥٠.

٢٦٠

49 - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدّمشقيّ الحنبليّ، ت 774 هـ.

50 - تفسير الثعالبيّ عبد الرحمان أبو زيد، ت 857 هـ «جواهر الحسان في تفسير القرآن».

51 - التلخيص، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبيّ الحنبليّ، ت 848 هـ، بذيل المستدرك على الصحيحين للحاكم 2: 331.

52 - فتح الباري شرح صحيح البخاريّ، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ، ت 852 هـ، 8: 104، 404 - 409.

53 - الصواعق المحرقة، لابن حجر العسقلانيّ، 19، 73.

54 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطيّ الشافعيّ، ت 911 هـ.

55 - كنز العمّال، لعليّ المتّقي بن حسام الدين الهنديّ، ت 975 هـ، في مواضع كثيرة منها ج 2: 379، 417، 420، 422 - 424، 431.

56 - ينابيع المودّة لذي القربى، لسليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ، ت 1294 هـ، 88 - 89.

٢٦١

لفظ الحديث

ذكرنا في صدر البحث بعض ألفاظ الحديث إجمالاً، ويحسن أن نختمه بما ذكر النّسائيّ وغيره، قال:

أخبرنا محمّد بن بشّار «محمّد بن بشّار بندار، بصريّ ثقة كثير الحديث يكنّى أبا بكر - تاريخ الثقات للعجليّ 401 / 1435»، حدّثنا عفّان «عفّان بن مسلم الصفّار، أبو عثمان، بصريّ ثقة ثَبْت، صاحب سنّة - تاريخ الثقات 336 / 1145»، وعبد الصّمد «عبد الصّمد بن عبد الوارث التّميميّ، بصريّ ثقة - تاريخ الثقات 303 / 1003» قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة «بصريّ، ثقة رجل صالح حسن الحديث - تاريخ الثقات 131 / 330»، عن سماك بن حرب، عن أنس، قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله براءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: «لا ينبغي أن يبلّغ هذا إلاّ رجلٌ من أهلي، فدعا عليّاً فأعطاه إيّاها.(1)

وقال: أخبرنا العبّاس بن محمّد الدّوريّ قال: حدّثنا أبو نوحٍ قُراد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيْعٍ، عن عليّرضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعليٍّ فقال له: خذ الكتاب فامضِ به إلى أهل مكّة.

قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه؛ فانصرف أبوبكر وهو كئيب فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنَزَل فِيَّ شيء؟ قال لا، إلاّ أنّي أُمرتُ أن، أُبلّغه أنا أو رجلٌ من أهل

____________________

(1) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ 82 / 72.

٢٦٢

بيتي».(1)

أخبرنا زكريّا بن يحيى قال: حدّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدّثنا أسباط - بن محمّد -، عن فطر - بن خليفة -، عن عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن الرقيم، عن سعد قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ببراءة، حتّى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليّاًرضي‌الله‌عنه ، فأخذها منه، ثمّ سار بها؛ فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله «لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي».(2)

فائدة

نستفيد ممّا أوردناه بشأن حديث تبليغ براءة، أمرين: الأوّل: أنّ ابن تيميه قد رمى: الحنابلة والمالكيّة، والحنفيّة، والشافعيّة بالكذب! لما حلّ بساحته، إذ حكَمَه قُضاتُهم بالفسق والنفاق والزندقة...

فبذريعة ردّ الرافضيّ - كذا - كذّب أئمّة هذه المذاهب. ولمّا كان البخاريّ وشيوخه المتقدّمون قد ذكروا الحديث وأنّه من خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، لم يمكنه أن يفصلهم عن حكمه هذا، أي تكذيبهم!

الثاني: أنّه قد أظهر ناصبيّته بشكلٍ جليّ في تكذيبه هذا الحديث، كما هو شأنه في الأحاديث الثابتة من فضائل وخصائص أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام .

____________________

(1) نفسه 83 / 73.

(2) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ 83 / 74.

٢٦٣

آية النجوى

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » (1) .

قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : «لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الأمّة أمْرَ هذه الآية».

قال ابن تيميه: «والجواب» أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجباً على المسلمين حتّى يكونوا عصاةً بتركه، وإنّما اُمر به من أراد النّجوى، واتّفق أنّه لم يُرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّ؛ فتصدّق لأجل المناجاة...، فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة ولا من خصائص عليّ، ولا يقال أنّ غير عليّ ترك النّجوى بُخلاً بالصدقة.(2)

جوابنا، وبالله التوفيق:

قوله: إنّما أمر به من أراد النّجوى، فصحيح. وأمّا قوله: واتُّفق أنّه لم يرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّعليه‌السلام ، فلا دليل عليه، ولو كان موجوداً لَذَكَره، بل وفرّع عليه أموراً في تكذيب من قال بأنّ الآية من خصائص عليّعليه‌السلام سواءً كان من قال بذلك هو: مقاتل بن سليمان، أو عبد الرزّاق الصنعانيّ، أو ابن أبي شيبة، أو

____________________

(1) المجادلة: 12.

(2) منهاج السنّة، لابن تيميه 3: 5.

٢٦٤

الطبريّ أو النّسائيّ...

ولقد وجدنا ابن تيميه في ردّه وإنكاره لما نزل في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، حينما يكون الخطاب بلفظ الجمع، يقول: هذا في عموم المؤمنين ولو كان في عليّ لكان بلفظ المفرد.

والخطاب في آية النّجوى جاء بلفظ الجمع، فكيف يوفّق بين هذا وبين تصدّق عليّعليه‌السلام وحده في المناجاة؟!

وإذا عُدم الدليل عنده على ما ذهب إليه، فالدليل عندنا إضافة لما ذكرناه - قائم على أنّ الخطاب للمؤمنين بوجوب التصدّق، فلم يفعله إلاّ عليّ، فالآية خاصّة به.

واختصاص الآية بعليّعليه‌السلام ، أنّ الخطاب موجّه لمن يناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أرادوا مناجاته إذ كانوا يكثرون مناجاته فيشقّ ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية امتنعوا عن المناجاة فيما مضى عليّعليه‌السلام في المناجاة مع تقديم الصدقة طاعةً لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت الآية خاصةً به.

والآية بعدها تؤيّد ذلك، قال تعالى:« ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا... » .(1)

يقول: أشَقَّ عليكم يا أهل الميسرة أن تقدّموا الصدقة ولم تفعلوا ما اُمرتم به؟! فتاب الله عليكم؛ فنسخت هذه الآية حكم الآية التي قبلها.

____________________

(1) المجادلة: 13.

٢٦٥

ولذلك قال أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام : لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الاُمّة أمر هذه الآية.

والحكم لمن كان أقرب عهداً من عصر الرسالة، خاصّةً وأنّ ابن تيميه لم يذكر لنا أحداً من المتأخّرين يعتصم به.

ذكر مقاتل بن سليمان(1) في تفسيره، قال: «و ذلك أنّ الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويغلبون الفقراء على مجالس النبيّ، وكان النبيّ يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلمّا أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبيّ ومجالسته، ولم يقدّم أحد من أهل الميسرة صدقةً غير عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قدّم ديناراً وكلّم النبيّ عشر كلمات، فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتّى أنزل الله تعالى:« أَأَشْفَقْتُمْ » يقول أشقّ عليكم« أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ

____________________

(1) ذكرنا ترجمته في الحديث عن آية الولاية «تصدُّق أميرالمؤمنين حال الركوع». ونذكر هنا شيئاً ممّا قيل فيه: عن عبد المجيد من أهل مرو: سألت مقاتل بن حيّان، فقلت: يا أبا بسطام، أنت أعلم أو مقاتل بن سليمان؟ قال: ما وجدت علمَ مقاتل في علم الناس إلاّ كالبحر الأخضر في سائر البحور. تهذيب الكمال 28: 436.

وللشافعيّ أقوال في تفسير مقاتل، منها: الناس كلّهم عيالٌ على مقاتل في التفسير. (المصدر نفسه). والشافعيّ أيضاً قال: من أراد أن يتبحَّر في المغازي، فهو عيالٌ على محمّد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحَّر في الشّعر فهو عيال على زهير بن أبي سُلمى، ومن أراد أن يتبحّر في النّحو فهو عيال على الكسائيّ، ومن أراد أن يتبحّر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان. (المصدر نفسه).

٢٦٦

نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيراً لكم.(1)

إنّ مقاتل بن سليمان لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبين وفاة النبيّ ووفاة مقاتل (140) سنة؛ وابن تيميه كذلك لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّ الفاصلة الزمنيّة بين وفاة النبيّ ووفاة ابن تيميه (718) سنة!

وممّن هم أقرب عهداً بمقاتل، وأبعد عهداً من ابن تيميه:

عبد الرزّاق الصنعانيّ (126 - 211 هـ)، فبينه وبين ابن تيميه (657) سنة.

ذكر عبد الرزّاق بسنده عن ابن عُيُيْنة(2) ، عن سليمان الأحْول(3) ، عن مجاهد في قوله تعالى:« فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » ، قال: أمروا أن لا يناجيَ أحدٌ النبيَّ حتّى يتصدّق بين يدي ذلك، فكان أوّل من تصدّق بين يدي ذلك عليّ بن أبي طالب فناجاه، فلم يناجه أحدٌ غيره، ثمّ نزلت الرخصة:« أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا

____________________

(1) تفسير مقاتل بن سليمان 3: 334.

(2) مضت ترجمته في حديث ردّ الشّمس بما فيه الكفاية، توفّي سفيان بن عينية سنة 198 هـ.

(3) سليمان بن أبي مسلم المكّيّ الأحْوَل.

روى عن: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وأبي معبد مولى ابن عبّاس، وطارق بن شهاب...

روى عنه: سفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة بن الحجّاج...

قال فيه سفيان، أحمد بن حنبل، يحيى بن معين، والجليّ، وأبو حاتم، وأبو داود، والنّسائيّ: ثقة.

الجرح والتعديل للرازيّ 4 / الترجمة 620، وتاريخ الدارميّ، الرقم 362، وتاريخ الثقات للعجليّ 203 / 617، وتاريخ أسماء الثقات / الترجمة 454، وثقات ابن حبّان 3: 176، وابن سعد في طبقاته 5: 483.

٢٦٧

بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ » (1) .(2)

وأخرج الحبريّ (ت 286 هـ) في تفسيره (صفحه 220 / الحديث 65) قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد السلام، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال عليّعليه‌السلام : آيةٌ من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: أُنزلتْ آية النجوى فكان عندي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا أردت أن أناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تصدّقت بدرهم حتّى فَنِيَت، ثمّ نَسخَتْها الآية التي بعدها:« فَإِن لّمْ تَجِدُوا... » الآية.

وبنفس السند والمتن ذكره الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل 2: 313 / الرقم 952).

سند الحديث

الحبريّ، الحسين بن الحكم بن مسلم أبو عبد الله القُوشيّ الكوفيّ الوشّاء. روى عن مالك بن إسماعيل - وهو في سند الحديث - وإسماعيل بن أبان الورّاق، وحسن بن حسين العرنيّ...

قال ابن ماكولا، والذهبيّ: توفّي سنة إحدى ثمانين ومائتين. (الإكمال، لابن ماكولا 3: 31، وتاريخ الإسلام للذهبيّ).

مالك بن إسماعيل أبو غسّان النّهديّ الكوفيّ.(1)

____________________

(1) المجادلة: 13.

(2) تفسير عبد الرزّاق الصنعانيّ 2: 225 / 3177.

٢٦٨

روى عن: جويرية بن أسماء - ترجمنا له في حديث ردّ الشّمس، ثقة -، وعبد السلام بن حرب - وعنه روى مالك بن إسماعيل الحديث كما ذكر الحبريّ -، وحبّان بن عليّ العَنَزيّ، والحسن بن صالح بن حيّ، وحمّاد بن زيد، وسفيان بن عُيَيْنة، وفضيل بن مرزوق، وزهير بن معاوية، وأبي معشر وأبي إسرائيل الملائيّ... «وكلّ هؤلاء مذكورون في الثّقات، انظرهم في كتب الرجال».

روى عنه: البخاريّ، وأبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، وعبّاس الدّوريّ، وأبو حاتم الرازيّ، وأبو زُرْعة الرازيّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، ومحمّد بن إسحاق البكّائيّ، وأبو بكر بن أبي شيبة... (والقول فيهم مثل من روى عنهم).

قال أبو حاتم: قال يحيى بن معين: ليس بالكوفة أتقن منه.(2)

وقال محمّد بن عليّ بن داود البغداديّ: سمعت يحيى بن معَين يقول لأحمد بن حنبل: إن سَرك أن تكتب عن رجلٍ ليس في قلبك منه شيء - أي شكّ - فاكتب عن أبي غسّان.(3)

وقال عبّاس الدوريّ: قلت ليحيى بن معين: كان أبو غسّان أثبت من أبي نعيم في زهير؟ قال: في زهير وغيره. فراجعته في أبي غسّان وأبي نعيم، فثبت

____________________

(1) طبقات ابن سعد 6: 404، وتاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 1342، العجليّ 417 / 1519، تاريخ الدوريّ 2: 543، تاريخ خليفة 476، وطبقاته 172، والجرح والتعديل 8 / الترجمة 905، وثقات ابن شاهين / الترجمة 1328، ورجال صحيح مسلم 166.

(2) الجرح والتعديل 8 / الترجمة 905.

(3) تهذيب الكمال 27: 89.

٢٦٩

على أبي غسّان أثبت من أبي نعيم، قال: هو أجود كتاباً وأثبت.(1)

قال ابن سعد: كان أبو غسّان ثقةً صدوقاً متشيّعاً شديد التشيّع.(2)

وقال العجليّ: ثقة، وكان متعبّداً، وكان صحيح الكتاب.(3)

وقال محمّد بن عبد الله بن نُمير: أبو غسّان أحبُّ إليَّ من محمّد بن الصّلت، أبو غسّان من أئمّة المحدّثين.(4)

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صحيح الكتاب، وكان من العابدين.(5)

وقال: كان ثقةً متثبّتاً.(6)

وقال النّسائيّ: ثقة.(7)

مات مالك بن إسماعيل سنة تسع عشرة ومئتين.(8)

____________________

(1) تاريخ الدّوريّ 2: 543.

(2) طبقات ابن سعد 6: 404.

(3) تاريخ الثقات 7: 417 / 1519.

(4) الجرح والتعديل 8 / الترجمة 905.

(5) تهذيب الكمال 27: 90.

(6) نفسه.

(7) نفسه.

(8) طبقات ابن سعد 6: 404، وطبقات خليفة 294.

٢٧٠

عبد السلام بن حرب(1) :

عبد السلام بن حرب بن سلم النّهديّ الملائيّ الكوفيّ.

روى عن: ليث بن أبي سليم، وسليمان الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وخُصَيف بن عبد الرحمان الجزَريّ...

روى عنه: أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ومحمّد بن إسحاق بن يسار (صاحب السيرة) وهو أكبر منه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعين، وأبو الصّلت عبد السلام بن صالح الهرويّ، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعثمان بن محمّد بن أبي شيبة، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وأبو أسامة حمّأد بن أُسامة...

قال أبو حاتم: ثقةٌ صدوقٌ.(2)

وقال عثمان بن سعيد الدارميّ، عن يحيى بن معين: صدوق.(3)

قال الترمذيّ: ثقة حافظ.(4)

مات عبد السلام بن حرب سنة 187، وقيل غير ذلك.(1)

____________________

(1) طبقات ابن سعد 6: 386، وتاريخ خليفة 458، وطبقاته 170، وتاريخ البخاريّ الكبير 6 / الترجمة 1729، والجرح والتعديل 6: 246، والمعرفة والتاريخ 3: 219، وتهذيب الكمال 18: 66.

(2) الجرح والتعديل 6 / الترجمة 246.

(3) تاريخ الدارميّ 550 / الترجمة 252.

(4) سنن الترمذيّ / بعد الحديث 622.

٢٧١

ليث بن أبي سُلَيم بن زُنَيم القُرشيّ الكوفيّ، مولى عُتبة بن أبي سُفيان، ويقال: مولى معاوية بن أبي سفيان.(2)

روى عن: مجاهد بن جَبْر المكّيّ، والمنهال بن عمرو، ونافع مولى ابن عمر، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وعِكْرِمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وعامر الشّعبيّ، وشهر بن حوشب، وطاووس بن كيسان، وزيد بن أرطاة... وغيرهم ممّن ذكر في الثقات. انظرهم في المصادر.

روى عنه: عبد السلام بن حرب، وسفيان الثّوريّ، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجّاج، وزهير بن معاوية، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن عُلَيّة، وإسماعيل بن عيّاش، والحسن بن صالح بن حَيّ، وزائدة بن قُدامة، وأبو معاوية محمّد بن خازم الضّرير، ومحمّد بن فضيل بن غزوان، ومعتمر بن سليمان...

عبد الرحمان بن مهديّ: ليث بن أبي سُلَيم، وعطاء بن السائب، ويزيد ابن أبي زياد؛ ليث أحسنهم حالاً عندي.(3)

عن فضيل بن عياض: كان ليث بن أبي سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك.(4)

وقال الدار قطنيّ: ليث بن أبي سليم صاحب سنّة، يُخَرَّج حديثُه.(1)

____________________

(1) طبقات ابن سعد 6: 386، وتاريخ خليفة 458، وانظر: تهذيب الكمال 18: 67.

(2) طبقات ابن سعد 6: 349، ثقات ابن شاهين 275، الجرح والتعديل 7 / الترجمة 1014، وسنن الدار قطنيّ 1: 68، 331 و 3: 269، وتاريخ الدوريّ 2: 501، وتاريخ الدارميّ، ترجمة 560، 720، وتاريخ خليفة 274، وطبقاته 166، وتاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 1051...

(3) الجرح والتعديل 7 / الترجمة 1014.

(4) الجرح والتعديل 7 / الترجمة 1014.

٢٧٢

وذكره ابن شاهين، عن عثمان، فقال: ليث بن أبي سليم: ثقة، صدوق، وليس بحجّة.(2)

قال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثّوريّ، وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضّعف الذي فيه يكتب حديثه.(3)

استشهد به البخاريّ في «الصحيح»، وروى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشّيبانيّ، وروى له الباقون.(4)

مات سنة ثمان وثلاثين ومئة، وفي قول: مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.(5)

مجاهد(6) : وهو آخر من في سند الحديث الذي رواه عنه ليث. جاء في ترجمته: مجاهد بن جبر المكّيّ.

روى عن: جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وعبد الله بن عبّاس، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن جبير - وهو من أقرانه -، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وأبي

____________________

(1) تهذيب الكمال للمزّيّ 24: 287.

(2) تاريخ أسماء الثّقات 275 / الرقم 1135.

(3) الكامل لابن عديّ 3: 20.

(4) تهذيب الكمال للمزّيّ 24: 288.

(5) رجال صحيح مسلم 151.

(6) طبقات ابن سعد 5: 466، وتاريخ الدوريّ 2: 549، وتاريخ خليفة 258، وطبقاته 491، وتاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 1805، والجرح والتعديل للرازيّ 8 / الترجمة 1469، ورجال صحيح مسلم 171، وجمهرة أنساب العرب 142، والثّقات لابن حبّان 3: 51 / 4896، وتهذيب الكمال للمزّيّ 27: 228 / 5783.

٢٧٣

سعيد الخدريّ، وأبي هريرة، وجويرية أُمّ المؤمنين، وأُمّ سلمة، وعائشة، وأُمّ هاني بنت أبي طالب، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وإبراهيم بن الأشتر النَّخعيّ... وخلق كثير.

وقد وجدناه يروي عن صحابة وتابعين، وأُمّهات المؤمنين.

روى عنه: ليث بن أبي سليم - الذي روى عن مجاهد الحديث -، وسلمة ابن كُهيل، وسعيد بن مسروق الثّوريّ، وسليمان الأعمش، وسليمان الأحول، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وفطر بن خليفة، ومنصور بن المعتمر، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وأبو الزبير المكّيّ...

ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مكّة، وقال: كان فقيهاً عالماً ثقة كثير الحديث.(1)

وعن أبي الليث الفضل بن ميمون: سمعت مجاهداً يقول: عرضتُ القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة.(2)

وقال عبد السلام بن حرب، عن خُصَيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد، وبالحجّ عطاء.(3)

وقال يحيى القطّان: مُرسَلات مجاهد أحبّ إليّ من مرسلات عطاء بكثير.(4)

____________________

(1) طبقات ابن سعد 5: 466 - 467.

(2) الجرح والتعديل للرازيّ 8 / الترجمة 1469، وانظر ابن سعد.

(3) الجرح والتعديل للرازي 8 / الترجمة 1469، وتاريخ البخاريّ الكبير 7 / الترجمة 1805.

(4) نفسه.

٢٧٤

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأبو زرعة: ثقة.(1)

وقال سفيان الثّوريّ عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجهَ الله إلاّ عطاء، وطاووس، ومجاهداً.(2)

وروي عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: وددتُ أنّ نافعاً - نافع مولى ابن عمر - يحفظ حفظك وأنّ علَيّ دِرهماً زائفاً! قلت: هلاّ كان جيّداً! قال: هكذا كان في نفسي.(3)

قيل: مات مجاهد بمكّة سنة مائة. وقيل غير ذلك.(4)

وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ » الآية، قال: نزلت في عليّعليه‌السلام خاصّةً، وكان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلّما ناجاه قدّم درهماً حتّى ناجاه عشرَ مرّاتٍ، ثمّ نُسِخَت، فلم يعمل بها أحدٌ قبله ولا بعده.(5)

ويردُ الحديث بألفاظٍ أُخرى وطرق عدّة، كلّها تنصّ على عليّعليه‌السلام ، منها: أسباب النزول للواحديّ 276، والأوائل للعسكريّ 167؛ عن أبي أيّوب الأنصاريّ. والدرّ المنثور للسيوطيّ 6: 186 عن سلمة بن كهيل عن عبد ابن

____________________

(1) الجرح والتعديل للرازي 8 / الترجمة 1469.

(2) تهذيب الكمال للمزّيّ 27: 233.

(3) تهذيب الكمال للمزّيّ 223: 27.

(4) طبقات ابن سعد 5: 467، وتاريخ البخاريّ الكبير 7 ترجمة 1805.

(5) تفسير الحبريّ 368 رقم 96.

٢٧٥

حميد. ورواية ابن جرير وعطاء والكلبيّ عن ابن عبّاس، في تفسيره الفخر الرازيّ 29: 271، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ 21. وعن عبدالرحمان بن أبي ليلى في المستدرك على الصحيحين 2: 481. وعن ابن عمر في تذكرة الخواصّ 22، وكفاية الطالب الگنجيّ الشافعيّ 136، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ 17: 302، وتفسير البغويّ 28: 347.

وعن مجاهد مرفوعاً عن عليّعليه‌السلام ، تفسير الطبريّ 28: 14، وأحكام القرآن للجصّاص 3: 526، وتفسير ابن كثير 4: 326، ومناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ 326 ؛ كلٌّ عن ليث، عن مجاهد.

وأخرجه النّسائي بالإسناد إلى سفيان بن سعيد في خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام 39، والذهبيّ عن العقيليّ في ميزان الاعتدال 3: 146.

وأخرجه الترمذيّ في الجامع الصحيح 5: 80 الحديث 3355، وجامع الأُصول لابن الأثير الجزريّ 2: 452.

وذكره ابن أبي شيبة (ت 235 هـ) في كتابه (المصنّف 7: 505 / ح 62 و 63)، ثم قال: إنّها في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وذكره كلّ من: ابن عقدة (ت 332 هـ) في المناشدة يوم الشورى ت الفقرة 7 - وأحمد بن حنبل في المسند 3: 307 / ح 1788، والطبرانيّ (ت 360 هـ) في المعجم الكبير 12: 81 / ح 82604، والكوفيّ (القرن الرابع الهجريّ) في مناقب أميرالمؤمنينعليه‌السلام 1: 138 / ح 68 و 216 / ح 111 و 217 / ح 112 و 113 و 114 ؛ وتفسير الثعلبيّ 2: 140، ودلائل النبوّة للبيهقيّ 1: 170، والمعرفة

٢٧٦

والتاريخ للفسويّ 1: 498، ومسند أبي يعلى 1: 322، وصحيح ابن حبّان 15: 391، والكامل لابن عديّ 5: 204.

خاتمة البحث

ثبت أنّ تقديم الصدقة حال النجوى لم يعمل به غير عليّعليه‌السلام وبطل قول ابن تيميه: أنّ الصدقة لم تكن واجبة! فقد أوجبها الله تعالى على المسلمين المستطيعين لها، كما أوجب سبحانه الواجبات الأُخرى المشروطة، فامتنع المستطيعون عن أدائها، وأدّاها عليّعليه‌السلام وحده، فصارت من خصائصه في التفويض والطاعة لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بقي قوله: «فِمْثلُ هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة».

فهذا صحيح إن كان يعني بهم المسلمين والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم، فهو إمامهم وإليه يرجعون وهم لم يُخصّوا بها من دون المسلمين إلاّ عليّاً على ما ذكرنا، علماً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينصّ على إمامته - على ما سنذكر في مواضعه - وما مرّ بنا من حديث الولاية «آية التصدّق حال الرّكوع»، وتنصيب الإمام عليّ وليّاً وإماماً في آخر حجّةٍ «عيد غدير خمّ»، وحديث المنزلة...

ولذا كان عبد الله بن عمر يقول: لعليّ ثلاث لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ اليّ من حُمْر النّعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النجوى، والزهيد قليل. وهنالك قول مشابه لسعد بن أبي وقّاص (تذكرة الخواصّ

٢٧٧

27).

واختيار ابن عمر هذه الفضائل من بين فضائل وخصائص عليّعليه‌السلام هو: المنع لغير عليّ والإيجاب لهعليه‌السلام ، ففاطمةعليها‌السلام هي بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد انتهى نسل رسول الله إلاّ فاطمة ومنها كانت ذرّيّته وهي سيّدة نساء العالمين، معصومة بحكم القرآن الكريم، وأبوها سيّد البشر بما فيهم الأنبياء والرسل ؛ فهي أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي أُمّ الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدي شباب أهل الجنّة، ولم يكن الإمام عليّعليه‌السلام دونها في الفضل، فهو ابن عمّ النبيّ وزوج ابنته فاطمة، زوّجه إيّاها بعد أن خطبها أبوبكر وعمر وابن عوف فردّهم! والإمام عليّعليه‌السلام سيّد العرب كما في حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - نأتي عليه - وهو أبو سيّدي شباب أهل الجنّة، وعصمته وعصمة الحسنين مقرّرة في القرآن. وعليّ أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والقول الذي ذكرناه لم يكن لابن عمر فقط، فقد ذكره أكثر من صحابي. وابن عمر يرى الزواجَ من فاطمة أعظمَ وأحبّ من حُمْر النّعم لا ليكون معصوماً مثل عليّعليه‌السلام ولا إماماً، وإنّما ليقال له صهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيفخر بذلك، ويكون أبا عترته، وأحبّ الرجال إليه.

وذَكَر الراية، وذلك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية يوم خيبر إلى أبي بكر فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنونه، ثمّ أرسل عمر بن الخطّاب فكان منه ما كان من أبي بكر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سأعطي الرّاية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه اللهُ ورسولهُ، كرّار غير فرّار، يفتح الله عليه».(1)

____________________

(1) مصادره في حديث الراية.

٢٧٨

وكان الإمام عليّعليه‌السلام كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكلّ ما ذكرنا من خصائص عليّعليه‌السلام ؛ فآية النّجوى من خصائصه لم يشركه فيها أحد.

ولا نتعب أنفسنا في سؤال ابن تيميه: لم هذا النضال في دفع هذه الفضيلة وإنكار كونها من خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام ، فلنا وقفات وحوار يطول معه!

آية الأُذُن الواعية

قوله تعالى:« لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » (1) .

الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، فهو الأُذن الأولى التي سمعت الوحي الكريم، وهو يُشافه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلو عليه القرآن الكريم، فوعاه قلبه وآمن بما جاء به، مع طهارة نفسه وما آتاه الله تعالى من مواهب الحفظ والذكاء والفهم. فهي واحدة من الأدلّة على أعلميّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تلك الفضيلة التي أنكرها ابن تيميه. وقد تحدّثنا فيما مضى عن حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، والذي أنكره ابن تيميه أشدّ الإنكار، وثبتت لنا صحّته.

أنساب الأشراف: أخرج البلاذريّ بسنده عن هشام بن عمّار، عن الوليد ابن مسلم، عن عليّ بن حَوْشب، قال: سمعتُ مكحولاً يقول: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » فقال: «يا عليّ سألتُ اللهَ أن يجعلها أذُنَك».

____________________

(1) الحاقّة: 12.

٢٧٩

قال عليّ: فما نسيتُ حديثاً أو شيئاً سمعتُه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(1)

سند الحديث

هشام بن عمّار: هشام بن عمّار بن نُصَير بن مَيْسَرة بن أبان السُّلَميّ الدمشقيّ.

روى عن: الوليد بن مسلم ؛ أحد سلسلة الحديث وسنده.

ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم المحاربيّ، وبقيّة بن الوليد، وعبد العزيز الدّراورديّ، ومروان بن معاوية الفزاريّ، وصدقة بن خالد...، وخلقٍ كثير.

روى عنه: البخاريّ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجة، والوليد بن مسلم - وهو من شيوخه ؛ وأبو عبيد القاسم بن سلاّم - صاحب كتاب النّسب وغيره ومات قبله، وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازيّ، ومحمّد بن سعد - كاتب الواقديّ ومات قبله، ويعقوب بن سفيان الفَسَويّ، وأبو زُرعة الدمشقيّ، وأبو زرعة الرازيّ، وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ الكاتب...

لفتُ نظر: إنّ الذين ذكرناهم فيمن روى عنهم هشم بن عمّار، أو فيمن روى عن هشام، قد وردت تراجمهم في الثّقات. انظرهم في: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتاريخ الثّقات للعجليّ، والثّقات لابن حِبّان، وطبقات ابن سعد،

____________________

(1) أنساب الأشراف للبلاذريّ (ت 279 هـ) 2: 362.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492