ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه16%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168503 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

ابن تيميه المجلّد الثاني

نقد منهجه

حبيب طاهر الشمّريّ

مراجعة: جعفر البياتيّ

١

٢

سبَقُ عليّعليه‌السلام إلى الإسلام

امتدّت يدُ النَّصْب إلى فضيلةٍ - وإن شئت فسمّها خصوصيّة من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام - فأنكَرَتْها، تلك هي سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام!

قال ابن تَيمِيَه: قولُه - أي العلاّمة الحِلّيّ - «وهذه الفضيلة - السَبْق - لم تثبت لغيره من الصحابة» ممنوع، فإنّ الناس متنازعون في أوّل مَن أسلم، فقيل: أبوبكر أوّل مَن اسلم فهو أسبقُ إسلاماً من عليّ، وقيل إنّ عليّاً أسلم قبلَه لكنّ عليّاً كان صغيراً وإسلام الصبيّ فيه نزاعٌ بين العلماء، ولا نزاعَ في أنّ إسلام أبي بكر أكملُ وأنفع؛ فيكون هو أكمل سبقاً وأسبقُ على الإطلاق على القول الآخَر! فكيف يُقال عليّ كان أسبق منه، بلا حجّةٍ تدلّ على ذلك(١) ؟!

جوابنا وبالله التوفيق

إنّ القول بسَبْق أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إلى الإسلام ليس من أقوال العلاّمة

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٤٢.

٣

الحِلّيّ الّذي كان معاصراً لابنِ تَيميَه، وإنّما هو من أقوال علماء القرن الثاني الهجريّ فما بعد، ومنهم تلقّاه الحِلّيّ. وأمّا قوله بشأن صحّة الحديث: ممنوع! فغريب ومضحك، زاد في خروجه عن المألوف منه في هذه الأحاديث، فلم يقل بشأنه: «وهذا كذِبٌ موضوع عند أهل المعرفة بالحديث» أو «هذا كَذِبٌ بإجماع أهل العلم» ولما كان أبو الفرج قبلةَ ابن تَيميَه قد ذكر سَبْق عليّعليه‌السلام ، فقد ضاقت به السُّبُل، فلاذَ بالناس، وبذا جعل الناسَ جميعاً علماءَ وأهلَ معرفة بالحديث، مستثنياً منهم أصحابَ المصنّفات شيوخ البخاريّ ومسلم، وأصحابَ السُّنن والتراجم والسيرة والتاريخ...؛ فهذه الشرائح من الناس قد أجمعت على سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام؛ ولا ندري إن كان ابن تَيميَه يعدّ هؤلاء من الناس أم لا؟! فإن قال: نعم؛ فقد حكم نفسَه! وإن قال: لا؛ فإلى الله المشتكى! ومع كلّ ذلك، هلاّ ذكر بعضاً من أولئك الناس الذين زعم اختلافهم في أوّل مَن أسلم!

وأمّا التعلّل بمسألة السنّ، وأنّ عليّاًعليه‌السلام أسلَمَ صغيراً...؛ فإنّ هذا المزعم لا موقع له؛ إذِ الكلام جارٍ في سَبْق عليّ إلى الإسلام، وأنت زعمتَ أن أبابكر قال الناس فيه: أنّه هو الذي سَبَق، فكان عليك أن تأتيَ بالحجّة على قولك كما طلبت ذلك منّا! ولمّا لم تفعل فقد سقط زعمك، وأمّا نحن فسنوافيك بما لا تستطيع دفعه فضلاً عن منعه!

وأمّا مسألة السنّ، فقد قيل إنّهعليه‌السلام أسلم وعمره ثلاثَ عشرةَ سنة، وقالوا: خمسة عشر...، والذين قالوا بصغر سنّه إنّما أرادوا حطّ فضيلته هذه، فرفعوا من منزلته - كما سنذكر - وحان أن نذكر حجّتنا:

٤

الناس الذين قالوا بسَبْقِ عليّعليه‌السلام

جارَيْنا ابن تَيميَه حتّى في هذا اللّفظ، فلم نقل مثلاً: إنّ العلماء هم الذين ذكروا فضيلة عليّعليه‌السلام ؛ والعلماء ناسٌ، إلاّ أنّ لهم شأناً في المجتمع وكلمةً مسموعة...

يونس بن بُكير، عن ابن إسحاق(١) قال: حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكنديّ، قال: حدّثني إسماعيل بن إياس بن عفيف، عن أبيه عن جدّه عفيف، أنّه قال: كنتُ امرءًا تاجراً فقدِمتُ أيّامَ مِنى، أيّام الحجّ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرءًا تاجراً، فأتيتُه أبتاعُ منه وأبيعه؛ قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خِباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأةٌ فقامت تصلّي معه، وخرج غلام فقام

____________________

(١) محمّد بن إسحاق بن يَسار، شيخ رجال السّيرة، عاش القرنَين الأوّل والثاني، تُوفّي سنة ١٥٠ هـ قال عبّاس الدُّوريّ: سألتُ يحيى - بن مَعين -: أيُّما أحبُّ إليك: موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، أو محمّد بن إسحاق؟ فقال: محمّد بن إسحاق. (تاريخ يحيى بن مَعين ١: ٥٠/٢٢٩). وأيضاً الدوريّ، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل، وسُئل فقيل له: يا أبا عبد الله، ما تقول في موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، وفي محمّد بن إسحاق؟ فقال: أمّا محمّد بن إسحاق فهو رجل تُكتَب عنه هذه الأحاديث - كأنّه يعني المغازي ونحوها -، وأمّا موسى بن عُبيدة فلم يكن به بأس، ولكنّه حدّث بأحاديثَ مناكيرَ عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ يحيى / الرقم ٢٣١). وقال العجليّ: محمّد بن إسحاق مدنيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات: ٤٠٠/١٤٣٣). وذكره ابن حبّان في الثِّقات وقال: قال عليّ بن المدينيّ - وقد سُئل عن محمّد بن إسحاق - فقال: ثقة. (الثقات لابن حبّان ٤: ٢٣٥/٤٠٦٧). وانظره في: تاريخ البخاريّ الكبير ١: ١: ٤٠، والجرح والتعديل ٣/٢/١٩٢، والكامل لابن عَدِيّ ٣٢٣.

٥

يصلّي معه، فقلتُ: يا عبّاس ن ما هذا الدّين؟! إنّ هذا الدّين ما ندري ما هو؟ فقال العبّاس: هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمَنَت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليُّ بن أبي طالب آمَنَ به؛ قال العفيف: فليتني آمنتُ يومئذ وكنتُ أكون ثانياً(١) !

وكذلك ابنُ إسحاق، عن يونس بن يوسف بن صُهَيب عن عبد الله بن بُرَيدة قال: أوّل الرجال إسلاماً عليّ بن أبي طالب، ثمّ الرَّهَط الثلاثة: أبو ذرّ، وبُرَيدة، وابن عمٍّ لأبي ذرّ(٢) .

هذه واحدة من حُججنا، وقد طلبتَ حجّةً فأتيناك بها من رجلٍ لا تستطيع خدشَه! كيف وأئمّتُك: ابن حنبل، وابن معين، وابن أبي حاتِم، والعجليّ... قد وثّقوه؟! وسنُلقي على مسامعك حُججاً تَترى؛ لأنّها من الناس إلاّ أنّ رجالها ثقات وليس فيهم نكِرة:

فهذا عبد الرزّاق بن هَمّام الصنعانيّ، لم تبعد الشقّة بينه وبين ابن إسحاق مثلما بعدت بينك وبينه، فهي لا تزيد على ١١ سنة، فقد تُوفّي عبد الرزّاق سنة ٢١١ هـ قال: قال مَعْمَر: أخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال: كان أوّلَ مَن آمن به عليُّ بن أبي طالب وهو ابن خمسَ عشرةَ أو ستَّ عشرة(٣) . قال: وأخبرني

____________________

(١) سيرة ابن إسحاق: ١٣٧.

(٢) نفسه: ١٣٨.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٢١٩.

٦

عثمان الجَزريّ عن مِقسم عن ابن عبّاس قال: عليٌّ أوّل مَن أسلم(١) .

فمَن كان عمره ستّ عشرة سنة، لا يقال عنه صبيّ لا يرقى في إسلامه إلى صفّ الشيوخ الذين أمضوا قرابة خمسين سنة في جاهليّة وعبادة أوثان...؛ وهل الذين قادوا الحروب على الإسلام وماتوا أو قُتلوا وهم مشركون إلاّ شيوخ قريش؟!

أمّا الإمام عليّعليه‌السلام فلقد كان ممّا أنعم الله عليه أنّه كان قد نشأ في حِجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الإسلام، ولم يكن يفارق رسول الله، فلقد تكفّل النبيُّ عليّاً - في قصّة معروفة - وكان له مِثْلَ الشيء وظِلّه لا يزايله. وكانعليه‌السلام يسمع صوتَ الوحي ويراه - ذكرنا حديثه في حديث مدينة العلم والخطبة القاصعة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ «فكان عليٌّ أوّلَ مَن آمن برسول الله وصلّى معه، وصدّق بما جاءه من الله تعالى... صلّى النبيّ يومَ الإثنين، وصلّى عليٌّ يومَ الثُّلاثاء»(٢) .

مع التذكير: بأنّ خديجةرضي‌الله‌عنها أوّلُ مَن أسلم هي وعليّ، ثمّ تَبِعهم الرهط الثلاثة - مضى ذِكْرهم. ولا ندري كم هو عمرُ هؤلاء الرهط، صبياناً كانوا حين أسلموا، أم شيوخاً فيكونوا أكمل إسلاماً من عليّعليه‌السلام ؟ إلاّ أنّا ندري أنّ خديجة أسنَّ من عليّ بكثيرٍ حين أسلمت، فماذا نقول عن إسلامها وإسلام أبي بكر؟!

والحكم على إسلام مَن أسلم هو من شأن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا من

____________________

(١) نفسه.

(٢) سيرة ابن إسحاق ١٣٧ - ١٣٨، والسيرة النبويّة، لابن هشام ١: ٢٦٢، وصحيح الترمذيّ ٥: ٦٤٠، وشواهد التنزيل ٢: ١٢٦....

٧

شأن ابن تَيمِيَه وأضرابه.

وقبل الاسترسال في ذكر الحجج التي طلب ابن تيميه في سَبْق عليّعليه‌السلام ، نذكر حديث العشيرة؛ لنعرف مدى ضرورة السنّ لدى النوابغ في التَّلقّي وأهمّيتها في الإعداد الرساليّ في مثل شخص الإمام عليّعليه‌السلام وتهيأته للوصاية والخلافة الكبرى.

حديث العشيرة

لما نزل قوله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) : بسندٍ عن أبي عَوانة، عن عثمان بن المُغيرة، عن أبي صادق، عن رَبيعة بن ناجذ: أنّ رجلاً قال لعليٍّ: يا أمير المؤمنين، لِمَ وَرثْتَ ابن عمِّك دونَ عمِّك؟ قال: جَمعَ رسول الله بني عبد المطّلب، كلُّهم يأكلُ الجَذَعة ويشربُ الفَرق(٢) . قال: فصنع لهم مُدًّا من طعام فأكلوا حتّى شبعوا، وبقيَ الطعامُ كما هو كأنّه لم يُمَسَّ ولم يُشرب. فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي بُعِثتُ إليكم خاصّةً وإلى الناس عامّةً، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيُّكم يُبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقُمْ إليه أحد. قال: فقُمتُ - وكنتُ أصغرَ القوم سِنّاً - فقال: اجلِسْ. قال: ثمّ قال ثلاثَ مرّاتٍ، كلُّ ذلك أقومُ إليه فيقول لي: اجلِسْ، حتّى كانت الثالثة، ضرب يدَه على يدي.

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

(٢) الجذعة: الضّأن لم تتمّ سنة. والفرق: مكيال يسع ستّة عشر رطلاً.

٨

فقال: فلذلك ورثتُ ابن عمّي دونَ عمّي(١) .

فلو كان عليّعليه‌السلام صبيّاً ليس له من صفات الكمال التي هي خاصّة بالشيوخ، لَما اختاره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وارثاً وأخاً وصاحباً وخليفةً دون غيره.

ولقد أنكر ابن تيميه حديث العشيرة، وسنأتي عليه في موضعه، وإنّما ذكرناه هنا للمناسبة.

وذكر ابن سعد (المتوفّى سنة ٢٣٠ هـ) قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ويزيد ابن هارون وعفّان بن مسلم، عن شعبة عن عمرو بن مرّة، عن أبي حمزة مولى الأنصاريّ، عن زيد بن أرقم قال: أوّلُ مَن أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ. قال عفّان بن مسلم: أوّل مَن صلّى(٢) .

____________________

(١) وفي بعض طُرق الحديث يَرِد بلفظ: «أخي وصاحبي وخليفتي...».

مصادر الحديث: تفسير الطبريّ ١٩: ٧٤ - ٧٥، خصائص النَّسائيّ: ٨٦، مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٥٧ / ١٣٧٥، والفضائل له: ٩١، صحيح البخاريّ في كتاب الأشربة: ١٣، دلائل النبوّة، للبيهقيّ: ٤٠١، تفسير الحِبَريّ: ٣٤٧/ ٨٥، تاريخ الطبريّ ٢: ٩٣، صحيح مسلم ١: ١١٨ ح ٣٥٥، التفسير الكبير ١٢: ٢٦، الولاية ن لابن عُقْدة: ١٦١، تفسير البغويّ (معالم التنزيل) ٥: ١٠٥، شواهد التنزيل ١: ٥٤٢، كفاية الطالب: ١٧٧، تفسير الثعلبيّ ٧: ١٨٢، مناقب ابن المغازليّ: ٢٦١، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٣: ٢١٠، تذكرة الخواصّ: ٣٨، الصواعق المحرقة: ١٥٧، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٠، مجمع البيان ٤: ٢٠٦، أمالي الطوسيّ: ٥٨٢، العُمدة، لابن البِطريق ك ٧٦، كنز العمّال ٦: ٣٩٦، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ٣١، مناقب الكوفيّ ١: ٤٢٩ / ٢٩٦، علل الشرائع - الباب ١٣٣ / ح ٢، وغيرها من المصادر.

(٢) طبقات ابن سعد ٣: ٢١.

٩

وعلى القول الثاني، فلا صلاة بلا إسلام! إذ كان الوحي في الدعوة إلى التوحيد، ثمّ جاءت الفرائض والأحكام، فهو أوّل مَن سبق إلى الصلاة، وهو تأويل ما كان يرفع به صوته فيقول: «أنا أوّلُ مَن صلّى مع رسول الله؛ وصلّيت معه سبع سنين...» وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّيت الملائكةُ علَيَّ وعلى عليٍّ سبع سنين... لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيرُه...»(١) .

وابن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا شُعبة عن سلَمة بن كُهَيل، عن حبّة العُرَني قال: سمعتُ عليّ بن أبي طالب يقول: «أنا أوّل مَن صلّى»، قال يزيد: «أو أسلم»(٢) .

وابن أبي شَيْبة (المتوفّى ٢٣٥ هـ): حدّثنا معاوية بن هشام عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي صادق، عن عليم، عن سلمان - الفارسيّ - قال: إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلُها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب(٣) .

عبد الله بن إدريس عن أبي مالك الأشجعيّ عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قلت لابنِ الحنفيّة: أبوبكر أوّل القوم إسلاماً؟ قال: لا(٤) .

وفي نثر الدُّرّ: قيل لابن عبّاس، أو لقُثم بن عبّاس: كيف وَرِث عليٌّ

____________________

(١) نفسه ٣: ٢١.

(٢) نفسه.

(٣) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٣ حديث ٤٩ - من فضائل عليّعليه‌السلام ، و ٨: ٣٥٠ / ٢٢٢ و ٨: ٣٢٩ / ٣٣ - كتاب الأوائل.

(٤) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٨: ٣٣٢ / ٦١.

١٠

النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله دونكم؟ فقال: كان أوّلَنا به لُحوقاً، وأشدَّنا به لُصوقاً(١) .

وتكلّم المسعوديّ فيما قيل بشأن سنّ أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام يوم أسلم، قال: وتُنُوزع في سِنّه يومَ أسلم، فقالت فرقة: كان سنُّه يومَ أسلم خمسَ عشرةَ سنة، وقال آخرون: ثلاثَ عشرةَ سنة، وقيل: إحدى عشرة سنة... قال: وهذا قول مَن قصد إلى إزالة فضائله، ودفع مناقبه؛ ليجعل إسلامه إسلام طفلٍ صغير، وصبيٍّ غرير، لا يُفرِّق بين الفضل والنقصان، ولا يميّز بين الشكّ واليقين، ولا يعرف حقًّا فيطلبَه، ولا باطلاً فيجتنبّه(٢) . ونحن مع المسعوديّ فيما ذكر من سنّ الإمام عليّعليه‌السلام يومَ أسلم، فقد ذكروا بشأن غزوة بدر: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرض أصحابَه وردّ مَن استصغر منهم، فكان ممّن ردّ: عبد الله، ورافع بن خديج...، علماً أنّ غزوة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فلو كان سنُّ عليّعليه‌السلام كما زعموا، لاستصغره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما استصغر غيره، فردّه. وبلاءُ الإمام عليّ يوم بدر أشهرُ من أن يُتحدَّث عنه. حتّى أنّ الوحي هتف يومئذ بشجاعته: لا فتى إلاّ عليّ، لا سيف إلاّ ذو الفَقار، ويُقال إنّ الهتاف كان يومَ أُحد في السنة الثالثة من الهجرة - سنتحدّث عنه في: شجاعة عليّ، وقد أنكرها ابن تيميه أيضاً! -، ويوم الخندق أحجم المسلمون عن عمرو بن عبد وَدّ، الذي اقتحم عليهم الخندق وطلب البراز، فلم يقم إليه إلاّ عليّ فأقعده النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادى عمرو... وهكذا يفعل ثلاث مرّات لا يقوم إلاّ عليّ، فبرز إليه فقَتَله، فأين الشيوخ مكتملو الإسلام عن

____________________

(١) نثر الدُّرّ، للآبيّ (المتوفّى سنة ٤٢١ هـ) ١: ٤١٦.

(٢) التنبيه والإشراف، للمسعوديّ: ١٩٨.

١١

أفعال عليّعليه‌السلام ؟!

ولم يستصغره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ بعثه خلف أبي بكر فأخذ منه سورة براءة فبلّغها، ولم يستصغره إذ أعرضَ عن أبي بكر وعن عمر بن الخطّاب لمّا خطبا بضعته فاطمةعليها‌السلام ، وزوّجها عليّاًعليهما‌السلام .

وما استصغره إذ كان يخلو به يناجيه، ولمّا شَكَوُا انتجاءه إيّاه قال لهم: «ما أنا انتجيتُه، ولكنّ الله انتجاه».

كرامة عليّعليه‌السلام

لو سلّمنا أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام أسلم صغيراً؛ فإنّما ذلك زيادةٌ في كرامته، إذ تربّى في حِجْر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يتلوّث بكَدَر الجاهليّة كما حصل لغيره، فقد كرّم الله وجهه عن عبادة الأوثان؛ فالنقيصة فيمَن تنقّصه؛ ولذا فعليّ سلام الله عليه لم ينتقل من كفر إلى إيمان، وإنّما لمّا جاء الوحي بالإسلام وعرضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه، أسلم، فكان أوّل مَن أسلم مع خديجة «سلام الله عليها».

ولادة الحسن

في السنة الثالثة من الهجرة وُلد الحسن بن عليّ بن أبي طالب(١) ، فكيف يكون عمر عليّعليه‌السلام سبعاً أو... يومَ أسلم؟!

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: بايَعَ رسولَ الله: الحسنُ والحسين وعبد

____________________

(١) الثِّقات، لابن حبّان ١: ٨٢.

١٢

الله بن جعفر، وهم صغار، ولم يبايِعْ قطُّ صغيرٌ إلاّ هُم(١) .

قال ابن حبّان: أوّل مَن آمن برسول الله زوجتُه خديجة بنت خويلد، ثمّ آمن عليُّ بن أبي طالب وصَدَّقه بما جاء به(٢) .

وذكر ابن أبي الدنيا إسلامَ عليّعليه‌السلام على النحو الذي ذكره ابن اسحاق مع زيادة واختلاف في بعض الألفاظ؛ قال: عن ابن أبي يحيى بن عفيف قال: قدمتُ مكّةً في الجاهليّة أُريد شراء بَزٍّ وعطر لأهلي، فنزلتُ على العبّاس، فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة، إذ جاء شابٌّ فنظر إلى السماء، فتوجّه إلى الكعبة فصلّى، فجاء غلام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما. فقال: يا عبّاس، ما هذا الذي حدث في بلادكم؟! إنّ هذا لأَمرٌ عظيم! قال: هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب، ابن أخي، وهذا الغلام ابن أخي عليُّ بن أبي طالب، وهذه خديجة بنت خويلد. قال: فصَلّوا، قال: إنّ ابن أخي هذا حدّث حديثاً أنّ ربّه ربُّ السماوات والأرض، ولا واللهِ ما أعلمُ على ظهر الأرض على دِين هؤلاء غيرَ هؤلاء(٣) .

قال أبو عمر بن عبد البَرّ القرطبيّ المالكيّ (المتوفّى سنة ٤٦٣ هـ): رُوي عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وخَبّاب وجابر وأبي سعيد الخُدْريّ وزيد بن أرقمرضي‌الله‌عنهم ، أنّ عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أوّلُ مَن أسلم، وفضّله هؤلاءِ على غيره(٤) .

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ١٣٣.

(٢) الثِّقات، لابن حِبّان ١: ٢٤.

(٣) كتاب الأشراف، لابن أبي الدنيا: ٨٣.

(٤) الاستيعاب، لابن عبد البَرّ ٣: ١١١٠.

١٣

وابن عبد البرّ عالم زمانه وهو مالكيّ؛ فهو غيرُ متّهَم فيما يَروي حول الإمام عليّعليه‌السلام . وقد روى إسلامَ عليّ عن طليعة الصحابة وخيرتهم، فهذه حجة أخرى أقمناها على ابن تَيمِيه.

وروى بإسناده عن عِكْرمة عن ابن عبّاس أنّه قال: لعليّ أربعُ خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربيّ وعَجَميّ صلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبَرَ معه حين فرّ عنه غيرُه، وهو الذي غسّله وأدخله قبره(١) .

وذَكَره المِزّيّ؛ وهو سَلَفيّ العقيدة شافعيّ المذهب، معاصر لابن تيميَه والذهبيّ؛ فقولُنا فيه مثل قولنا في المالكيّ ابن عبد البرّ؛ قال: وروى بإسناده عن أبي عَوَانة، عن أبي بَلْج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس قال: كان عليٌّ أوّلَ مَن آمن مِن الناس بعد خديجة، وقال: هذا إسنادٌ لامَطْعَنَ فيه لأحدٍ؛ لصحّتِه وثقة نَقَلتِه(٢) .

وروى بإسناده عن عبد السلام بن صالح عن الدَّراوَرديّ، عن عمر مولى غَفْرة قال: سُئِل محمّد بن كعب القُرَظيّ عن أوّل مَن أسلم: عليٌّ أو أبوبكر: قال: سبحانَ الله! أوّلُهما إسلاماً عليّ(٣) .

وذكر الذهبيّ، وهو سَلَفيّ وتلميذٌ لابن تيميَه، بسنده عن القُرظيّ: أوّل مَن

____________________

(١) نفسه.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨٠.

(٣) تهذيب الكمال: ٤٨١.

١٤

أسلم عليّ.(١)

حجّة بيّنة

اتّخذ ابنُ تيميَه أبا الفرج حجّةً بينه وبين الله! فإذا أراد أن يُنكر حديثاً ذكَرَتْه الصَحاح والسُّنَن والمصنَّفات... هرع إلى أبي الفَرَج ابنِ الجوزيّ، فإن وجده قد جعل الحديث في الموضوعات، أناخ عنده وكذّب ذلك الحديث بكلّ جرأة؛ ولكنّ العجيب أنّ أبا الفرج قد قال: «عليٌّ أوّل مَن أسلم»(٢) .

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصف عليّاًعليه‌السلام

أخرج عبد الرزّاق عن وكيع بن الجرّاح قال: أخبرني شريك عن أبي إسحاق - السَّبيعيّ -: أنّ عليّاً لمّا تزوّج فاطمة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: «لقد زوّجتُكِهِ وإنّه لأوّلُ أصحابي سِلْماً، وأكثرُهم عِلْماً، وأعظمُهم حِلْماً»(٣) .

وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّت الملائكة علَيّ وعلى عليّ ابن أبي طالب سبع سنين»، قالوا: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟! قال: لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيره، وذلك أنّه لم تُرفَع شهادةُ أن لا إله إلاّ الله إلى السماء إلاّ

____________________

(١) تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٦٢٤.

(٢) المنتظَم، لأبي الفرج ابن الجَوزيّ ٢: ٣٥٩.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٤١ / ٩٨٤٦.

١٥

منّي ومن عليّ»(١) .

خطبة الحسنعليه‌السلام

ومن خطبة الحسن بن عليّعليهما‌السلام ليلةَ شهادة أبيه أميرالمؤمنينعليه‌السلام : عن جابر، عن أبي الطفيل وزيد بن وهب وعبد الله بن نُجيّ وعاصم بن ضَمْرة، عن الحسن بن عليّ قال: لقد قُبِض في هذه اللّيلة رجلٌ لم يَسْبِقه أحد كان قَبلَه، ولم يخلف بعده مثله، وهو عليّ بن أبي طالب حبيبُ رسول الله وأخوه»(٢) .

شهادة أميرالمؤمنين بحقّ نفسه

بسندٍ عن حبّة العرَنيّ قال: قال عليّ: لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عَبَدكَ قَبْلي غيرَ نبيِّك - ثلاث مرّاتٍ -، لقد صلّيتُ قبلَ أن يصلّيَ الناسُ سبعاً(٣) .

ولو أطلقنا للقلم عنانه فسيطول الكلام عن أسبقيّة الإمام عليّعليه‌السلام في كلّ الفضائل، وهو الأوّل فيها لم يتقدّمه أحد، ولكنّنا نختم بحثنا الموجز هذا بقوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ

____________________

(١) شواهد التنزيل ٢: ١٢٥، وفي أسد الغابة ٤: ١٩٤ عن أبي أيّوب الأنصاريّ، وفي مناقب الإمام عليّ: ١٤ (عن أنس)، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٦، والمناقب، للخوارزميّ: ٥٣.

(٢) الذُّرّية الطاهرة: ١٠٩ / ح ١١٤.

(٣) المنتظم، لأبي الفرج ٢: ٣٥٩، ومسند أحمد بن حنبل ١: ١٦٠. ولعلّ شهادة أميرالمؤمنينعليه‌السلام كانت بعد أن تنكّر الناسُ بيعتَهم له في واقعة الغدير العظمى، فأخّروه وقدّموا غيره، وأنكروا فضائله ومنها سبقه إلى الإسلام.

١٦

عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

قالوا: الّذين صَلّوا إلى القبلتين: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعشر نفر من أهل بدر(٢) .

فأنت تراهم قد ذكروا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فيما أجملوا النفر العشر، وعن عبد الرحمان بن عوف في قوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ ...) الآية، قال: «هم عشرة من قريش، كان أوّلهم عليّ بن أبي طالب»(٣) . فالأوّل السابق هو عليّ، والآخَرون لم يُسَمِّهم، وهم بَعدَه!

المؤاخاة

قال ابن تيميَه: «إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة! والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُؤاخِ أحداً»(٤) .

وبحسب المألوف من منهاجه، فإنّه لم يُقم دليلاً واحداً في تكذيبه كلَّ

____________________

(١) التوبة: ١٠٠.

(٢) تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ٢: ٦٨، وتفسير الطبريّ ١١: ٧، ومعاني القرآن، للأخفش ٢: ٣٣٦، والجامع لأحكام القرآن ٨: ٢٣٥، والكشّاف ٢: ٢١٠، وإعراب القرآن، للعكبريّ ٢: ١١، وتفسير الفخر الرازيّ ١٦: ١٧١، وإعراب القرآن، للنحّاس ٢: ٣٧، والبحر المحيط ٥: ٩٢.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٠٧.

(٤) منهاج السنّة ٤: ٩٦، وكذّبه في الجزء الثالث صفحة ١٧.

١٧

أحاديث المؤاخاة لعليّ. وهو إذ يُنكر مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام ، فإنّه لم يذكر مَن قد آخى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قال ابن إسحاق: وآخى رسولُ الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ باللهِ أنّ نقول عليه ما لم يَقُل(١) -: «تآخَوا في الله أخَوَينِ أخوين»، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطيرٌ ولا نظيرٌ من العباد، وعليُّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أخَوَين(٢) .

ومن طرق عدّة: آخى رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال: آخيتَ بين أصحابك ولم تُؤاخِ بيني وبين أحد، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(٣) .

وعن سعد بن حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان، قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه الأنصار والمهاجرين، فكان يواخي بين الرجل ونظيره، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». قال حذيفة: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المسلمين

____________________

(١) كان ابن إسحاق دقيقاً يقظاً، فأورد هذه العبارة الحذرة ليؤكّد أمراً بالغ الأهمّية، وهو (المؤاخاة).

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ١٥١؛ السيرة النبويّة، لابن كثير ٢: ٣٢٤، السيرة الحلبيّة ١٠١؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ الفتاوى الحديثيّة، لابن حجَر ٤٢.

(٣) جامع الترمذيّ ٢: ٢١٣؛ الاستيعاب ٣: ٣٥؛ مستدرك الصحيحين ٣: ١٥ /٤٢٨٨؛ الرياض النضرة ٢: ١٦٧؛ وقال على صفحة ٢١٢: ومن أدلّ دليل على عِظَم منزلة عليّعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صنيعه في المؤاخاة، فإنّه جعل يضمّ الشكل إلى الشكل يؤلّف بينهما، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر...

١٨

وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعليّ ابن أبي طالب أخَوان(١) .

وطُرق حديث المؤاخاة كثيرة وبألفاظ عديدة، ورواتُه عِلْية الصحابة وأعيان التابعين، هذه طائفة منهم:

أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن والحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، أبوبكر، مُعاذ بن جبل، عثمان بن عفّان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوّام، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، عبد الله بن مسعود، أبوذرّ الغفاريّ، أبو سعيد الخُدْريّ، سلمان الفارسيّ، عبد الله بن عبّاس، أبو رافع، حُذَيفة بن اليمان، أنس بن مالك، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، حسّان بن ثابت، عبد الرحمان بن عابس، أسماء بنت عُمَيس(٢) ، أمّ سلَمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلى الغِفاريّة(٣) ، أبو الطُّفَيل عامر بن واثلة، عبّاد بن عبد الله، زيد بن أبي أوفى(٤) ، عبد الله بن أبي أوفى(١) ،

____________________

(١) أمالي الشيخ الطوسيّ ٢٣؛ مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي ٣٨؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ ينابيع المودّة ٥٧.

(٢) أخت ميمونة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هاجرت الهجرتين وصلّت القبلتين. روى عنها: عمر بن الخطّاب، وأبو موسى الأشعريّ، وعروة بن الزبير... (الاستيعاب ٤: ٢٣٦، الإصابة ٤: ٢٣١، رجال الطوسيّ: ٣٤).

(٣) كانت تَخرج مع النبيّ في غزواته تُداوي الجرحى وتقوم على المرضى (أُسد الغابة ٧: ٢٥٩ / ٧٢٦٥).

(٤) زيد بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى عَلْقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أُسيد بن رفاعة بن ثعلبة ابن هوازن بن أسلم الأسلميّ، له صُحبة، روى عن النبيّ حديثَ المؤاخاة بين الصحابة بالمدينة، =

١٩

عِكْرِمة(٢) ، عمر بن عليّ(٣) ، حذيفة بن أسيد، زيد بن وَهْب(٤) ، عبد الله بن الحارث(١) ،

____________________

= فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان و عبد الرحمان بن عوف، وبين طلحة والزبير... وبين عليّ والنبيّ. (أُسد الغابة ٢: ٢٧٧ / ١٨٢٢).

(١) عبد الله بن أبي أوفى - أخو زيد الماضي - شهد الحديبيّة وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتّى قُبِض رسول الله ثمّ تحوّل إلى الكوفة (وهو آخر من بقي بالكوفة من أصحاب النبيّ. (أُسد الغابة ٣: ١٨٢ / ٢٨٢٨).

(٢) عكرمة مولى ابن عبّاس، كنيته أبو عبد الله. يروي عن: ابن عبّاس وأبي سعيد الخُدْريّ وعائشة وأبي هريرة، روى عنه الشعبيّ. وجابر بن زيد والناس. (الثِّقات لابن حِبّان ٢: ٣٩٧ / ٣٠٤١). قال العجليّ: ثقة، وهو بريء ممّا يرميه الناس به من الحَروريّة، وهو تابعيّ. (تاريخ الثِّقات للعجليّ ٣٣٩ / ١١٦٠). قال ابن حِبّان: كان عِكْرِمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن والفقه، وكان جابر ابن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومَن زعم أنّا كنّا نتّقي حديث عكرمة فلم ينصف... (الثِّقات، لابن حبّان ٢: ٣٩٧).

(٣) عمر بن عليّ بن أبي طالب: تابعيّ، ثقة. (تاريخ الثقات ٣٦٠ / ١٢٤٣).

(٤) حُذيفة بن أسيد الغِفاريّ أبو سُريحة، ثقة. (رجال ابن داود، القسم الأول ١٠١ / ٣٨٤). وذكره البرقيّ في أصحاب الحسن بن عليّعليه‌السلام . (رجال البرقيّ: ٧). وذكره العجليّ في أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثِّقات ١١١ / ٢٦٣). وفي طبقات ابن سعد: حُذيفة بن أسِيد الغفاريّ ويُكنّى أبا سُريحة - بضمّ  أوّله - وأوّل مشهد شهده مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحُدَيبيّة. وقد روى عن أبي بكر، ونزل الكوفة بعد ذلك. (الطبقات الكبرى ٦: ١٠١ / ١٨٥٨). وترجم له خليفة وساق نَسَبه إلى جَروة بن غِفار الغِفاريّ وقال: أبو سَريحة. (طبقات خليفة ٧٢ / ١٩٣؛ و ٢١٦ / ٨٤٢: أبو سُريحة - بالضمّ -). و (زيد بن وَهْب الجُهَنيّ) ذكره ابن داود في خواصّ أمير المؤمنين عليّ وذكره العجليّ في الثِّقات قال: زيد بن وَهْب الجُهَنيّ أبو سليمان من أصحاب عبد الله - بن مسعود - (تاريخ الثِّقات للعجليّ ١٧١ / ٤٩٠). وترجم له ابن سعد: زيد بن وَهب الجُهَنيّ. روى عن عمر وعليّ وعبد الله =

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أو : جراب فيه تمر ، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام بين الإقرار بالشي‌ء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى الـمُقرّ في المظروف.

ولو قال : غصبتُه فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

ولو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.

أمّا لو قال : غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال : هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة : هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ، وإنّما تثبت من جهة العبد(١) .

وعامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما(٢) .

ولو قال : له عندي دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال : بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.

وكذا لو قال : له عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.

ولو قال : سفينة فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً‌

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

٣٤١

بالطعام في الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.

ولو قال : له عندي ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

وقال بعضهم : إن رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان(١) .

مسألة ٩٢٠ : لو قال : له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.

ولو قال : خاتم فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لجواز أن يريد : فيه فَصٌّ لي ، فصار(٣) كالصورة السابقة.

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك الصورة(٤) .

واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو : فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة ، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس - أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني : عدم الدخول(٥) .

ولو اقتصر على قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ - ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فصار ».

(٥) المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

٣٤٢

الفَصّ ، فالأقوى عن دي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل(١) الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ، فتفسيره رجوع عن بعض الـمُقرّ به(٢) .

ولو قال : له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

وكذا لو قال : نعل في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.

ولو قال : جارية في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم الدخول.

وللشافعيّة وجهان ، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ(٣) .

ويترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ، وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : نعم ، كما في البيع.

وأظهرهما : لا ، وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً(٤) .

وسلّم القفّال أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلّا حملها ، يجوز ،

____________________

(١) في « ج ، ر » : « ويدخل ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٣

بخلاف البيع (١) .

فإ ن قلنا : الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل(٢) .

وعندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.

مسألة ٩٢١ : لو قال : له ثمرة على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.

ولو قال : شجرة عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع(٣) .

وفي فتاوى القفّال أنّها تدخل(٤) .

وهو بعيد.

وأمّا قبل التأبير فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل على المعتاد(٥) .

والمعتمد عندنا : إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

وضبط القفّال فقال : كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلّا الثمار المؤبَّرة(٦) .

وقال آخَرون : ما لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ، وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان(٧) .

مسألة ٩٢٢ : لو قال : له علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه‌ ، سواء كان‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧.

(٣ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٤

فيه شي‌ء أو لم يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.

وإن كان فيه دون الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شي‌ء يلزمه الألف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر ؛ لحصر الـمُقرّ به فيه(١) .

ولو قال : [ له ] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر ؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه الإتمام(٢) .

وهو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟

والأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

ولو لم يكن في الكيس شي‌ء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟(٣) .

والوجه عندي : لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة ٩٢٣ : لو قال : له في هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال : أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٩ - ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٥

وإن قال : أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه الـمُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وإن قال : أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.

وإن قال : نقد في ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له(٢) .

وإن قال : وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال : كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا القياس.

والقول قوله في ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٢ ، الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٦

ألفين ووزن الـمُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(١) .

والشافعي(٢) وافقنا على ما قلناه.

وإن قال : اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً ، وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

وإن قال : أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.

وإن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلّا برضا الـمُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلّا أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.

وإن قال : أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٧

والخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(١) .

ولو قال : له من هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.

ولو قال : من ثمن هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٢) .

ولو قال : له علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.

وإن أراد بـ « في » « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة ٩٢٤ : لو قال : له في ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

وكذا لو قال : له من ميراث أبي.

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلّا أن يريد إقراراً.

والفرق : إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ، فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان ذلك‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٨

هبةً منه ، لا إقرار اً.

ومَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها(١) .

وقال أكثرهم : إنّ الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ الـمُقرّ له في التركة ، وذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

والمشهور : الفرق(٤) .

ومثله لو قال : له في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.

ولو قال : في داري نصفها ، فهو وعد بهبةٍ(٥) .

واشتهر عن الشافعي أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.

ولو قال : من مالي ، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً(٦) .

والبحث هنا في موضعين :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في « ث » : « هبة ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

٣٤٩

أحدهما : إنّ هذا ال قول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في داري ».

والثاني : لِمَ فرّق بين « في » و« من »؟

أمّا الأوّل : فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال : فيه قولان :

أحدهما : إنّه وعد هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك(١) .

ومنهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً(٢) .

وإذا أثبتنا الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي(٣) .

وقال آخَرون : إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال والدار(٤) .

وأمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و(٥)

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في المصدر : « أو » بدل « و ».

٣٥٠

أوّله (١) .

ومنهم مَنْ فرّق بأنّ « في » تقتضي كون مال الـمُقرّ ظرفاً لمال الـمُقرّ له ، وقوله : « من مالي » يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة(٢) .

والظاهر عندهم عدم الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي »(٣) .

واستبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن الـمُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم(٤) .

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(٥) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ، أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا‌ العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح ، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « التزام ».

٣٥١

« علَيَّ » فيكون(١) إقراراً بكلّ حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ الـمُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.

واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو : في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

وربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال : في هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ، فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن يضيف غير ماله(٢) إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٣) وقال تعالى :( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٤) وقال تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : « مال غيره » بدل « غير ماله ».

(٣) النساء : ٥.

(٤) الطلاق : ١.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٢

ولو قال : أردتُ هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ الهبة فيها(١) لا تلزم قبل القبض(٢) .

وكذا لو قال : لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها(٣) .

وعن أحمد روايتان :

ففي إحداهما : في مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلّا أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.

والثانية : إذا قال : فرسي هذه(٤) لفلان ، فإقراره جائز(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من مالي ، كان هبةً(٦) .

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّه سهو.

وفرّق بعضهم بين « في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي‌

____________________

(١) كلمة « فيها » لم ترد في « ث ، خ ، ر ».

(٢) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٣) في « ج » بدل « نصفها » : « بعضها ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في شي‌ء هذا » يدل « فرسي هذه ». وذلك تصحيف ، والمثبت من المصدر.

(٥) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٨ ، الهامش (٦)

٣٥٣

بعد الألف مالاً (١) .

وبعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو : من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.

مسألة ٩٢٥ : لو قال : له في هذا العبد شركة ، صحّ إقراره‌ ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ قدر شاء.

وقال أبو يوسف : يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى :( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

وكذا الحكم إذا قال : هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.

مسألة ٩٢٦ : لو قال : له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٣٤٩ ، والهامش (٢) من ص ٣٥٠.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٤٨ / ٥٠٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٦ ، المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٧.

٣٥٤

وكذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشي‌ء على نفسه.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.

وأمّا الثالث فإن أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

وإن قال : أردتُ به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.

ولو قال : أردتُ به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل(١) .

وكذا الحكم عندهم فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار طريقان(٢) .

وقال ابن خيران من الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٥

وقطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله على العدد(١) .

والحقّ : الأوّل ، وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.

وكذا لو قال : له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.

ولو قال : درهم ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة ٩٢٧ : لو قال : له علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد « مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة الرداءة ، وبه قال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٦ - ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٦

أكثر الشافعيّة (١) .

ولهم مذهبان آخَران :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان.

واختلف هؤلاء ، منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ](٢) قول الشافعي.

ومنهم مَنْ قال : إنّه مُخرَّج.

فقيل : من الطلاق ، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.

وقيل : مُخرَّج ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

وفرّقوا بينه وبين الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد(٣) .

الثاني : قال بعض الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه(٤) .

ولو قال : درهم عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.

ولو قال : علَيَّ درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٧

السابقة. والفرق : إ نّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلّا الوجوب عليه(١) .

وفيه قولٌ آخَر للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلّا درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب(٢) بأن يريد :

درهم مضروب قبل درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب(٣) ، لكن يجوز أن يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(٤) .

وفيه نظر ؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

وفي المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو بعد درهم » لم يلزمه إلّا درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد درهمٍ كان لازماً »(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ « فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢ و ٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجوب » بدل « الواجب ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) حلية العلماء ٨ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٨

« تحت » يقتضي [ أنّ ] ذلك درهم(١) .

وكذا البحث لو قال : له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا قولٌ آخَر للشافعيّة(٣) .

واختلفوا ، فمنهم مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله » و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

ومنهم مَنْ قال : يلزمه درهم واحد.

ومنهم مَنْ قال : إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد » لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ](٤) « مع درهمٍ لي »(٥) .

وأمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(٦) .

مسألة ٩٢٨ : إذا قال : له علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، المغني ٥ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٦.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، وانظر المغني ٥ : ٢٩٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

٣٥٩

العطف لزمه درهمان ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد ، وبه قال الشافعي(١) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان(٢) .

ونقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».

والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا واحد ، ولا تقع إلّا طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين(٣) .

وذهب الأكثر إلى تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :

أحدهما : إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

والثاني : إنّ الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلّا درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً ، وقعت طلقتان(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ - ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492