ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168751 / تحميل: 5864
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وبسر بن أبي أرطاة(١) ؛ يدرأون الموت الأحمر عن أنفسهم بعوراتهم؛ لعلمهم أنّ عليّاًعليه‌السلام رجل مبدأ يمنعه أن يبارز جباناً يستنجد بعورته عن الموت!

عدد قتلى أميرالمؤمنينعليه‌السلام يوم أحد

إنّ حديث أبي رافع في شأن أصحاب الألوية الذين قتلهم أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وقد ذكرنا بعضهم، وهذا عدد آخر منهم: طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة: عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار، قتلَه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام (٢) .

وعثمان بن أبي طلحة بن عبد العزّى؛ ومسافع، وجلاس، وكلاب، والحارث؛ بنو طلحة بن أبي طلحة، هؤلاء من أصحاب الألوية ممّن عجّل بهم سيف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إلى جهنّم(٣) . وأمّا من غير أصحاب الألوية ممّن قتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ قالوا: وقاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار، قتله عليٌّعليه‌السلام ، ومعه اللِّواء(٤) . وأرطاة بن شرحبيل من بني عبد الدار، قتله عليّعليه‌السلام (٥) .

____________________

(١) وقعة صفّين ٤٢٤ و ٤٦٩.

(٢) السّيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١٣٤، المغازي، للواقديّ ١: ٣٠٧، الطبقات الكبرى، لابن سعد ٢: ٤٣، النّسب، لابن سَلام ٢٠٤، المُحبَّر، لابن حبيب ١٧٧، المعارف، لابن قتيبة ١٦٠، الأغاني ١٥: ١٨٨، أنساب الأشراف ١: ٤٠٧، تاريخ خليفة ٣٨، تاريخ الطبريّ ٢: ١٩٤.

(٣) النَّسب ٢٠٤.

(٤) جمهرة النسب ٦٥، النسب ٢٠٤، أنساب الأشراف ١: ٤٠٧.

(٥) المغازي ١: ٣٠٧، طبقات ابن سعد ٢: ٤١، تاريخ خليفة ٣٨، أنساب الأشراف ١: ٤٠٧، الإرشاد للمفيد ٨١.

٨١

وصُؤاب، حبشيّ، غلام أبي يزيد بن عُمَير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار، قتله عليّعليه‌السلام (١) . وأبو سعيد بن أبي طلحة بن عبد العزّى، من بني عبد الدار، قتله عليّعليه‌السلام (٢) . وعبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العُزّى ابن قصيّ، قتله عليّعليه‌السلام (٣) . وأبو الحكم بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثَّقفيّ، قتله عليّعليه‌السلام (٤) . وأبو أميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزوميّ، قتله عليّعليه‌السلام (٥) . وهشام بن أبي أُميّة المخزوميّ، قتله عليٌّعليه‌السلام (٦) .

هذا هو الإمام عليّعليه‌السلام ، الذي كان إيمانه اليقين المطلق؛ فلم يكن للشيطان إليه سبيل؛( إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ) (٧) فالجَمْعان هما جمع المسلمين وجمع الكفّار، واستزلّهم الشيطان: أي استفزّهم بذنوبهم ومعصيتهمُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أهلُ الصّخرةِ والجلْعَب! ولم يكن فيهم

____________________

(١) السيرة، لابن هشام ٣: ١٣٤، الإرشاد ٨١.

(٢) في: جمهرة النسب (أبو سعد)؛ السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١٣٤، النسب ٢٠٤، تاريخ الطبريّ ٢: ٤٣، الإرشاد ٨١.

(٣) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١٣٤، الإرشاد ٨١.

(٤) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١٣٥، المغازي ١: ٣٠٨، طبقات ابن سعد ٢: ٤٣ و ٣: ٤٤٥، المعارف ١٦٠، أنساب الأشراف ١: ٤٠٧، الإرشاد ٨١.

(٥) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١٣٥، المغازي ١: ٣٠٨ - وسمّاه: أُميّة -، المعارف ١٦٠، أنساب الأشراف ١: ٤٠٧، الإرشاد ٨١.

(٦) طبقات ابن سعد ٢: ٤٣، الإرشاد ٨١، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٢١.

(٧) آل عمران: ١٥٥.

٨٢

عليّعليه‌السلام ، فإنّه كرَّ وما فرّ، وقد ذكرنا بعضاً من أخباره يومئذٍ، على أنّا سنبسط البحث عند الحديث عن شجاعته التي أنكرها ابن تيميه! فعليّعليه‌السلام لم يعلِّق إيمانه الذي كان اليقين،على الحياة الدنيويّة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فهو يعلم أنّ النبيّ يموت، إلاّ أنّ الله تعالى حيٌّ لا يموت والشريعةدائمة؛ ولذا لم يكن لإذاعة الشيطان أنّ «محمّداً قد قتِل» أدنى أثرٍ في نفسه إلاّ زيادة اليقين في وجوب مجاهدة العدوّ، والغوص في لهوات الحرب، فعليّعليه‌السلام يستحيل عليه حالة الارتداد التي أصابت القومَ يومئذ:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) (١) .

قال ابن إسحاق: أي لقول الناس: قتل محمّدٌصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوّهم( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) رجعتم عن دينكم كفّاراً كما كنتم، قد بيّن لكم فيما جاءكم به عنّي أنّه ميّت ومفارقكم. ( وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ) أي يرجع عن دينه ( فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً ) أي ليس ينقص ذلك عزَّ الله تعالى ولا ملكه ولا سلطانه ولا قدرته، ( وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ) أي من أطاعه وعمل بأمره (٢) .

إذن: كانت هناك حالة ردّة ونكوص، وأمّا الإمام عليّعليه‌السلام ، فإنّه عنها خليّ، وكان ثابتاً هو ومجموعة من المجاهدين بما فيهم المرأة المجاهدة «نسيبة المازنيّة» وكوكبة الشهداء، رضوان الله عليهم.

تفسير مقاتل: ومثله ذكر مقاتل، قال:( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ

____________________

(١) آل عمران: ١٤٤.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ١١٧ - ١١٨.

٨٣

الرّسُلُ) يقول: وهل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لو قتل إلاّ كمن قتل قبله من الأنبياء،« أَفَإِنْ مَاتَ) محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله « أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ » ، يعني رجعتم إلى دينكم الأوّل الشِّرك. ثمّ قال:« وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ » يقول: ومَن يرجع إلى الشِّرك بعد الإيمان،« فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً » ، بارتداده من الإيمان إلى الشِّرك، إنّما يضرّ بذلك نفسه،« وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » يعني الموحّدين للهِ في الآخرة(١) .

ومن تفسير قَتادة(٢) :« وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ » الآية، قال: ذلك يوم أحد حين أصابهم القرح والقتل، فقال أناس منهم: لو كان نبيّاً ما قتل!، فقال الله تعالى: « وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ

____________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ١: ١٩٤ - ١٩٥.

(٢) قتادة بن دعامة السّدوسيّ. روى عن: أنس، والحسن البصريّ، ورفيع أبي العالية الرّياحيّ، وسعيد ابن المسيّب، وشهر بن حوشب، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وأبي الطّفيل اللّيثيّ...؛ روى عنه: أيوب السّختيانيّ، وحجّاج بن أرطاة، وحماد بن سلمة، وحميد الطّويل، وسليمان الأعمش، وسعيد بن أبي عروبة، واللَّيث بن سعد، ومعمر بن راشد...

ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة. وقال: كان ثقة مأموناً حجّةً في الحديث. (طبقات ابن سعد ٧: ٢٢٩). وقال: توفّي سنة سبع عشرة ومائة (نفس المصدر). قال العجليّ: تابعيّ، ثقة (تاريخ الثِّقات ٣٨٩ / ١٣٨٠). وقال أبو داود الطيالسيّ: كنتُ أعرف حديث قتادة ما سمع ممّا لم يسمع، فغذا جاء ما سمع قال: حدّثنا أنس، وحدّثنا الحسن...؛ وإذا جاء ما لم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة (طبقات ابن سعد ٧: ٢٢٩).

ترجمته في: تاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ٧٢٧، تاريخ الدُّوريّ ٢ / ٤٨٤، تاريخ خليفة ٧٢، ١٠٩، وطبقاته ٣٦٦ / الترجمة ١٧٦٤...

٨٤

عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ » ، يقول: ارتددتم على أعقابكم كفّاراً بعد إيمانكم...(١) .

قال محمّد - بن زمنين -: يقال لمن كان علي شيء ثمّ رجع عنه: انقلب على عقبيه(٢) .

وقد رأيت أنّنا لم ننقل عن رافضيّ - كذا -، بل ولا عن شيعيّ إلاّ مصدرين أو ثلاثة ضممناها إلى مصادر أهل العامّة، وذلك في الحديث عن موقف أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام يومَ أحد. وأمّا عن حالة القوم الذين ألقوا بأيديهم استجابةً لنداء الشيطان! وارتدادهم، فلم نذكرها من مصدر شيعيّ أبداً، وإنّما ذكرناها من مصادر الجمهور، والمتأخّر منها هو: تفسير ابن زمنين (ت ٣٩٩ هـ)، وروايته كانت عن قتادة (ت ١١٧ هـ)؛ وقد سمعت أقوال العلماء فيه - على إيجاز ما ذكرناه - وأمّا مقاتل، وابن إسحاق فهما من أبناء القرنين الأوّل ومنتصف القرن الثاني للهجرة. ولم نذكر تفسير الطبريّ، وغيره؛ لأنّها ذكرت نفس المعنى، فراجع.

عودٌ على خَيْبر

أخرج الطبريّ بسنده، قال: حدّثنا ابن بشّار قال: حدّثنا محمّد بن جعفر قال: حدّثنا عوف عن ميمون، أنّ عبد الله بن بُرَيدة حدّث عن بريدة الأسلميّ قال: لمّا نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحصن أهل خيبر، أعطى رسول الله اللِّواء عمر بن الخطّاب، ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر؛ فانكشف عمر

____________________

(١) تفسير ابن أبي زمنين (ت ٣٩٩ هـ) ١: ١٢٩ - ١٣٠.

(٢) نفسه ١٣٠.

٨٥

وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله يجبّنه أصحابه ويجبّنهم! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لأُعطينَّ اللِّواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فلمّا كان من الغد تطاول لها أبوبكر وعمر، فدعا عليّاًعليه‌السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه اللِّواء، ونهض معه من الناس من نهض، قال: فلقيَ أهلَ خيبر، فإذا مَرحب يرتجز ويقول:

قد علمتْ خيبر أنّي مرحبُ

شاكي السلاحِ بطلٌ مُجرَّبُ

أطعنُ أحياناً وحيناً أضربُ

إذا اللِّيوثُ أقبَلَت تلَهَّبُ

فاختلف هو وعليٌّ ضربتين، فضربه عليٌّ على هامته حتّى عضّ السيف منها بأضراسه، وسمع أهلُ العسكر صوتَ ضرْبته فما تتامَّ آخر الناس مع عليّعليه‌السلام حتّى فتح الله له ولهم(١) .

قال ابن إسحاق: حدّثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: خرجنا مع عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه حين بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برايته، فلمّا دنا من الحصن خرج إليه أهلُه فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده، فتناول عليٌّعليه‌السلام باباً كان عند الحصْنِ فترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّى فتح اللهُ عليه، ثمّ ألقاه من يده، فلقد رأيتُني في نفرٍ سبعة معي، أنا ثامنهم، نَجْهَد على أن نَقْلِب ذلك البابَ فما نقلبُه(٢) !

____________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢: ٣٠٠.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٥٠، وعنه: تاريخ الطبريّ ٢: ٣٠١.

٨٦

شِعرُ حسّان بن ثابت في المناسبة:

هزّت الواقعةُ إعجابَ حسّان بن ثابت، فأنشد بذلك:

وكان عليٌّ أرمدَ العين يبتغي

دَواءً فلمّا لم يُحِسَّ مُداوِيا

شَفاءُ رسولُ الله منه بتفلةٍ

فَبُورِكض مَرقيّاً وبُوركَ راقيا

وقال: سأُعطي الرايةَ اليومَ صارماً

كَمِيّاً مُحبّاً للرّسولِ مُواليا

يُحبُّ إلهي والإلهُ يُحبُّهُ

به يَفْتحُ اللهُ الحُصونَ الأوابيا

فأصفى بها دونَ البريّةِ كلّها

عليّاً، وسمّاهُ الوزيرَ المُؤاخيا(١)

الفرار من التبليغ!

إنّ الأحداث يُشبه بعضها بعضاً، وجميعُها يُفصح عن حقيقة ثابتة، نترك تفسيرها للقارئ وفطنته؛ من ذلك ما كان من حوادث سنة ستُ، وصلح الحُدَيبيّة، فقد: «دعا النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى أهل مكّة فيُبلّغ عنه أشرافَ قريش ما بلّغه الله تعالى، فقال: يا رسول الله، إنّي أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة منبني عديّ بن كعب أحدٌ يمنعني، وقد عرفَت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها! ولكن أدلُّك على رجلٍ هو أعزّ بها منّي: عثمان بن عفّان. فدعا رسولُ الله عثمان فبعثه إلى أبي سفيان...»(٢) الخبر.

____________________

(١) مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ الشافعيّ ١٨٩، وكفاية الطالب، للكنجيّ الشافعيّ ٩٨، والقاري في شرح صحيح البخاريّ ٨٥٥.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٣: ٣٢٩، وتاريخ الطبريّ ٢: ٢٧٨.

٨٧

وما كان ينبغي لعمر أن يردّ أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتنصل عنه ويتهرّب منه، وقد أدّب الله تعالى المسلمين بالطاعة المطلقة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ لا خِيَرة لهم فيما قضى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (١) .

ونختم أخبار الفِرار! بما كان يوم حنين؛ ففي العام الثامن وقعت أمور على شاكلة يوم أحد؛ ففي هذا العام كانت غزوة حُنين، حيث اجتمعت هوازن وثقيف، وانضمّت إليهما قبائل أخرى، يريدون حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعث النبيّ إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ، وأمره أن يدخل في النّاس حتّى يعلم علمهم، ثمّ يأتيه بالخبر. فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم، فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله، ثمّ أقبل فأخبر رسول الله خبرهم، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطّاب فأخبره الخبر، فقال عمر: كذب ابن أبي حدرد! فقال ابن أبي حدرد: إن كذّبتني فربّما كذّبت الحقَّ يا عمر؛ فقد كذّبت من هو خير منّي. فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد كنت ضالاًّ فهداك الله يا عمر»(٢) .

فلمّا كانت الواقعة، وقع للمسلمين ما وقع لهم بأحد من هزيمة. عن جابر

____________________

(١) الأحزاب / ٣٦.

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٤: ٨٢ - ٨٣، والمستدرك، للحاكم ٣: ٥١ / ٤٣٦٩، وقال الذهبيّ في التلخيص: صحيح.

٨٨

ابن عبد الله قال: لمّا استقبلنا وادي حُنين انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة(١) ...، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه(٢) ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيّأوا وأعدّوا، فواللهِ ما راعنا ونحن منحطُّون إلاّ الكتائب قد شدُّوا علينا شدّة رجل واحد، وانشمر الناس(٣) راجعين لا يلوي أحدٌ على أحد، وانحاز رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات اليمين ثمّ قال: أين أيّها الناس؟! هَلمُّوا إليّ، أنا رسول الله، أنا محمّد ابن عبد الله. قال: فلا شيء، حملت الإبلُ بعضُها على بعضٍ فانطلق الناس، إلاّ أنّه بقي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته(٤) .

وعن أبي قتادة قال: وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم، فإذا بعمر بن الخطّاب في الناس! فقلتُ له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله(٥) !

تعقيب: إنّ هذه الهزائم وغيرها ممّا لم نستقصيه يفنّد مقولة ابن تيميه بشأن واقعة خيبر.

الفرار على لسان أميرالمؤمنينعليه‌السلام

أخرج ابن أبي شيبة بسنده عن ابن أبي ليلى قال: قال عليّ: ما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلتُ: بلى والله، لقد كنتُ معكم، قال: فإنّ رسول الله بعث أبابكر،

____________________

(١) تهامة: ما انخفض من الأرض، وهنا المراد منه تهامة الحجاز.

(٢) الشِّعاب: الطّرق الخفيّة. وأحناؤه: جوانبه.

(٣) انشمر الناس: انفضّوا وانهزموا.

(٤) السيرة النبويّة ٤: ٨٥، وتاريخ الطبريّ ٢: ٣٤٧.

(٥) صحيح البخاريّ ٥: ١٠١.

٨٩

فسار بالناس حتّى رجع إليه، وبعث عمر فانهزم بالناس حتّى انتهى إليه؛ فقال رسول الله: «لأعطينّ الراية رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرّار». قال: فأرسل إليَّ فدعاني فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئاً، فدفع إليَّ الراية، فقلتُ: يا رسول الله، كيف وأنا لا أبصر شيئاً؟! قال: فتفل في عيني، ثمّ قال: «اللّهمّ اكفه الحرّ والبرد»، قال: فما آذاني بعد حرٌّ ولا برد(١) .

وقد ذكر الحاكم فرار الشيخين؛ فبسنده عن أبي ليلى، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: يا أبا ليلى، أما كنتَ معنا بخيبر؟ قال: بلى والله، كنت معكم، قال: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتّى رجع.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه(٢) .

وبسنده عن أبي موسى الحنفيّ، عن عليّرضي‌الله‌عنه قال: سار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر، فلمّا أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يُجبّنونه ويُجبّنهم.

قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه(٣) .

ونذكّر مرّةً أخرى: أنّا لم نرو عن رافضيّ ولا شيعيّ، مع جلالة علماء الشّيعة! والأحاديث التي ذكرها الحاكم الشافعيّ في مستدركه على الشيخين: البُخاريّ ومسلم؛ وقد وافقه عليها الذهبيُّ تلميذُ ابن تيميه ومن المتعصّبين له

____________________

(١) المصنَّف، لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٨: ٥١٩ / ١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣: ٣٩ / ١٤٣٣٨ أ. قال الذهبيّ في التلخيص: صحيح.

(٣) نفسه ٤٠ / ٤٣٤٠. ووافقه الذهبيّ في التلخيص وقال: صحيح.

٩٠

يعني أنّ أحاديث الفرار هي من أحاديث الصحيحين إلاّ أنّ الشيخين - على ما يبدو! - قد غَفَلا عنها، والله العالم.

الفتحُ المـُبين

إنّ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبُ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ليس بفرّارٍ، يفتح الله على يديه»؛ من علامات النُّبوّة؛ ذلك أنّه قد فرّ جحفلان من غير تحقيق أدنى رجاء! وبلغ الأمر بأحد هذين الجحفلين أنّ قائده رجع ينوح باللاّئمة على أصحابه، وهم يلومونه «يحبّنُه أصحابه ويجبّنهم»؛ فلو عجز عليّعليه‌السلام صار للشكِّ بنبوّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسحة، وذلك أنّه فرّ من فرّ قبله، ولم يك فتح على يديه كما أنبأ، إلاّ أنّ عليّاًعليه‌السلام أخذ رايته بحقٍّ وراح يهرول بها إلى خيبر، لا إلى الخلف! حتّى ركزها في أطم من آطام حصون اليهود، وقتل فارسهم «مرحب»، وقلع باب حصن عظيم كان لهم، وكان الفتح على يديه لا على يدي غيره! ولو كانت هذه الملاحم لغير الإمام عليّعليه‌السلام لرأيت الهول من ابن تيميه حتّى ألّف في ذلك مجلّدات.

في قوله تعالى:« إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً » (١) . قال ابن أبي شيبة(٢) : حدّثنا وكيع

____________________

(١) الفتح: ١.

(٢) هو عبد الله بن محمّد بن إبراهيم العبسيّ، مولاهم، أبوبكر بن أبي شيبة.

روى عن: أبي أسامة حمّاد بن أسامة، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن حرب، وأبي داود الطيالسيّ، وشريك بن عبد الله النّخعيّ، وعبد الله بن المبارك، وعبد السلام بن حرب، وعبد العزيز الدّراورديّ، وعفّان بن مسلم، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو معاوية محمّد بن خازم الضَّرير، =

٩١

عن أبي جعفر، عن قتادة، عن أنس:« إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً » ، قال: خيبر(١) .

الصحابة يتمنَّون الراية

بعد الذي حصل يوم خيبر، وفرار مَن فرّ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في إعطائه

____________________

= ويحيى بن سعيد القطّان، وأبوبكر بن عيّاش، وعفّان بن مسلم، وعبد الرحمان بن مهديّ، وأبو غسّان مالك بن إسماعيل النَّهديّ، ومحمّد بن فُضَيْل بن غَزْوان، ومروان بن معاوية، ووكيع بن الجَرّاح... (ذكرنا تراجم كثير منهم، وقد أجمعوا على وثاقتهم).

روى عنه: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، وابنُ ماجة، وإبراهيم بن إسحاق الحربيّ، وأبو يعلى الموصليّ، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازيّ، وعبّاس الدُّوريّ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأحمد بن يحيى البلاذريّ... (وما قيل في من ذكر عنهم، فكذلك الحال في الرُّواة عنه، والفريقان من مشاهير رجالهم وأهل الوثاقة عندهم، فما بقي إلاّ النَّظر في حال ابن أبي شيبة).

ذكره العجليّ، قال: عبد الله بن محمّد بن إبراهيم، وهو ابن أبي شيبة (كوفيّ)، ثقة، وكان حافظاً للحديث. (تاريخ الثِّقات ٢٧٦ / ٨٧٨).

وقال أبو عبد الله محمّد بن عُمر بن العلاء الجرجانيّ: سمعتُ أبابكر بن أبي شيبة، وأنا معه في جبّانة كندة، فقلت له: يا أبا بكر، سمعت من شريك وأنت ابن كم؟ قال: سمعت من شريك وأنا ابن أربع عشرة، وأنا يومئذٍ أحفظُ للحديث منّي اليوم. (تهذيب الكمال للمزّيّ ١٦: ٤٠). قال الذهبيّ تعليقاً على ذلك: صدق والله، واين حفظ المراهق من حفظ من هو في عشر الثمانين. (سير أعلام النبلاء ١١ / ١٢٤).

قال أبو حاتم: ثقة. (الجرح والتعديل ٥ / رقم الترجمة ٧٣٧)، ومثله قال ابن خراش. (تاريخ بغداد ١٠: ٧١)، وذكره ابن سعد في الطبقة التاسعة (طبقات ابن سعد ٦: ٣٧٦ / ٢٨٠١)، وذكره ابن شاهين في ثقاته / الترجمة ٦٨٩. مات ابن أبي شيبة سنة خمس وثلاثين ومائتين (تاريخ البخاريّ الصغير ٢ / ٣٦٥، وتاريخ بغداد ١٠: ٧٢، وتهذيب الكمال ١٦: ٤١).

(١) المصنَّف، لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٨ / ٥١٩ / ١ - من أحاديث خَيْبر -.

٩٢

الرايةَ رجلاً يكون الفتحُ على يديه؛ تطاول أصحابُ رسول الله كلٌّ يرجو أن يكون ذلك الرجل.

ذكر النّسائيّ قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمان، عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يومَ خيبر ك «لأُعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. فلمّا أصبح الناس غَدَوا على رسول الله كلّهم يرجو أن يعطى. فقال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: عليٌّ يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلُوا إليه. فأتي به، فبصق رسول الله في عينيه، ودعا له فبرئ، حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال عليّ: يا رسول الله، أُقاتلُهم حتّى يكونوا مثلنا؟ فقال: أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من الله، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النَّعَم»(١) .

سعد يردع معاوية

قتيبة بن سعيد البلخيّ، وهشام بن عمّار الدمشقيّ، قالا: حدّثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمر معاوية

____________________

(١) صحيح البخاريّ ٠ ٦ / ١١١ - ١٤٤)، وصحيح مسلم (١٥ / ١٧٥ - ١٧٦)، ومسند أحمد (٥ / ٣٣٣)، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنَّسائيّ ٣٩ / ١٦، وحلية الأولياء، لأبي نُعَيم (١ / ٦٢)، وشرح السنّة، للبغويّ (١٤ / ١١١ - ١١٢).

٩٣

سعداً فقال: ما يمنعُك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أنا ذكرتُ ثلاثاً قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلن أسبّه  لأن يكونَ لي واحدةٌ منها أحبُّ إليّ من حُمر النّعم: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له، وخلّفه في بعض مغازيه؛ فقال له عليّ: يا رسول الله، أتُخلّفُني مع النساء والصبيان؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما تَرضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نُبوّةَ بعدي؟!».

وسمعتُه يقول يوم خيبر: «لأُعطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ن ويحبّه اللهُ ورسولُه». فتطاولْنا إليها، فقال: أُدعوا لي عليّاً. فأتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه...، ولما نزلت:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (١) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللّهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي»(٢) .

سعد يقمع مُبغضي عليٍّعليه‌السلام

أخرج النَّسائيّ بسنده عن سعد بن أبي وقّاص قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فقلتُ: لقد سمعتُ رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليّ ثلاثَ خصال، لأن يكون لي واحدةٌ منهنّ أحبُّ إليّ من حُمر النّعم: سمعته يقول: «إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي»، وسمعته يقول: «لأُعطينّ

____________________

(١) الأحزاب: ٣٣.

(٢) مسند أحمد (١ / ١٨٥)، وصحيح مسلم (١٥ / ١٧٥ - ١٧٦)، ومناقب أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، للنَّسائيّ ٣٢ / ٩، والمستدرك على الصحيحين (٣ / ١٠٨).

٩٤

الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله»، وسمعته يقول: «مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه»(١) .

الراية من خصائص عليّعليه‌السلام

كما اختصّ أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بذي الفقار، وهو له أهل، فسطّر ملاحم البطولة والشجاعة والفداء؛ واستحقّ بذلك الهتاف الإلهيّ:

لا سيف إلاّ ذو الفقار

ولا فتى إلاّ عليّ

فقد أختصّ براية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا صارت إلى غيره، لعارضٍ طارئ، كانت الهزيمة والفرا! فإذا عادت إلى أهلها كان النصر المؤزَّر والفتح المبين؛ فحفلت بذكرها كتب التاريخ والحديث والتراجم، وذكرها كثير منهم من طُرق عدّة واعتبرها العلماء من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما فعل النّسائيّ - وقد ذكرنا بعض رواياته - كما وجدنا المصادر الأُخرى ذكرت ذلك مع لفظ «يُفتحُ على يديه» وهو يعني أنّ ذلك من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام كما أنّ ابن أبي شيبة قد ذكر أنّ آية الفتح - في سورة الفتح / ١ - تعني فتح خَيْبر -.

المصادر

نختتم حديثنا حول الواقعة بذكرِ مصادرها:

السيرة النبويّة لابن إسحاق (ت ١٥٠ هـ)، تهذب ابن هشام (ت ٢١٨ هـ)

____________________

(١) خصائص أميرالمؤمنين: ٣٣ / ١٠.

٩٥

٣: ٣٤٩، ومسند أبي داود الطيالسيّ (ت ٢٠٤ هـ) / ٣٢٠، والمغازي للواقديّ (ت ٢٠٧ هـ) ٢ / ٦٥٤، والمُصنَّف لعبد الرزّاق (ت ٢١١ هـ) ٢ / ٣٣٧ - ٤٩٩، وصحيح البخاريّ (ت ٢١٠ هـ) ذكره في المغازي ٥: ٧٦، والطبقات الكبرى لابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) ٢: ١١١، والمصنّف لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٨ / ٥١٩ / ١، و ٥٢٠ / ٢ و ٥٢٢ / ٧ و ٥٢٥ / ٢٣، ومسند أحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) ١ / ٢١٥ / ١١٢٠ و ١ / ١٦٠ / ٧٨٠ و ٥٤٤ / ٣٠٥٢، وصحيح مسلم (ت ٢٦١ هـ) ٧ / ١١٩، وسنن ابن ماجة (ت ٢٧٥ هـ) ١: ٤٣ - المقدّمة / ١١٧ -، والجامع الصحيح للترمذيّ (ت ٢٧٩ هـ) ١٣ / ١٧١، وأنساب الأشراف للبلاذريّ (ت ٢٧٩ هـ) ٢ / ٣٤٧، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنَّسائيّ ٣٢ / ٩، و ٣٣ / ١٠، ٣٤ / ١١ و ٣٦ / ١٣ و ٣٧ / ١٤ و ٣٨ / ١٥ و ٣٩ / ١٦ و ٤١ / ١٧ و ١٨ و ١٩ و ٤٢ / ٢٠  و ٢١، و ٤٣ / ٢٢، و ٤٤ / ٢٣. وتاريخ الطبريّ (ت ٣١٠ هـ) ٢ / ٣٠٠ - ٣٠١، وكتاب الولاية لابن عقدة (ت ٣٣٢ هـ) / ١٦٩، والثقات لابن حبّان (ت ٣٥٤ هـ) ١ / ١١٧، والمعجم الكبير للطبرانيّ (ت ٣٦٠ هـ) ٦ / ٥٨١٨، والمستدرك على الصحيحين للحاكم (ت ٤٠٥ هـ) ٣ / ٣٩، و ١٠٨ و ١٣٠ - ١٣١، ودلائل النّبوّة للبيهقيّ (ت ٤٥٨ هـ) ٤ / ٢١٠ و ٢٠٥ و ٢٠٧ - ٢٠٨، ومسند أبي يعلى الموصليّ (ت ٣٠٧ هـ) / ٢٩١ - ٢٩٢ / ١، والاستيعاب لابن عبد البر المالكيّ (ت ٤٦٣ هـ) ٣ / ٣٦، وتاريخ بغداد للخطيب البغداديّ (ت ٤٦٣ هـ) ٨ / ٥، وحلية الأولياء لأبي نُعَيم (ت ٤٣٠ هـ) ١ / ٦٢، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ الشافعيّ (ت ٤٨٣ هـ) ١٧٦ - ١٨٩ - وشرح السُّنّة للبغويّ الشافعيّ (ت ٥١٦ هـ)، ١٤ / ١١١ - ١١٢، والمناقب

٩٦

للخوارزميّ الموفّق الحنفيّ، (ت ٥٦٨ هـ) / ١٢٥، والروض الأنف للسهيليّ / ٥٨١ وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ الحنفيّ (ت ٦٥٤ هـ) / ٣٢، وكفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ (المقتول سنة ٦٥٨ هـ) / ٩٨، وأسد الغابة لابن الأثير الشافعيّ (ت ٦٣٠ هـ)، ٤ / ٩٨، وتهذيب الكمال للمزّيّ السَّلفيّ (ت ٧٤٢ هـ) ٢٠ / ٤٨٥، وتاريخ الإسلام للذهبيّ الحنبليّ (ت ٧٤٨ هـ)، وميزان الاعتدال له ١: ٢٦٣، والإحسان يترتيب صحيح ابن حبّان، عليّ بن بلبان الفارسيّ (ت ٧٣٩ هـ) ٩ / ٤٣، ومختصر تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعيّ / اختصار ابن منظور (ت ٧١١ هـ) ١٧: ٣٤٤، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقيّ الحنبليّ (ت ٧٧٤ هـ) ٤ / ١٨٨، ومجمع الزوائد للهيتميّ (ت ٨٠٧ هـ) ٩: ١٢٤، وتهذيب التهذيب لابن حجر الشافعيّ ٧ / ٤٨ و ٣ / ٢٣٧، ولسان الميزان، له ٢ / ٣٢٤، وصُبْح الأعشى للقلقشنديّ (ت ٨٢٠ هـ) ١٠ / ١٧٤.

إنّ احتفاء المصارد من منتصف القرن الثاني الهجريّ وحتّى القرن التاسع بحديث الراية، ولم نذكر مصدراً شيعيّاً! واحداً، يُعرِب عن أهمّية الحديث وعُلوّ شأنه. ولذا لا معنى لتفريعات شيخ الإسلام ابن تيميه، إذ قال:

الثاني: إنّ إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله حقّ، لكنّ الرافضة الذين يقولون أنّ الصحابة ارتدُّوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا.

الجواب: لم يجر فيما اقتبسه ابن تيميه من كلام العلاّمه الحلّيّ ذكر ردّة الصحابة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لكنّه ذكر الفرار وقد أثبتناه. وهو كما صرف

٩٧

الكلام عن يوم خيبر بما كان قبله! فقد أدخل في الكلام ما ليس فيه، وهو الردّة بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وقد تكلّم القرآن الكريم عن حالة بعض الصحابة ما قبل خيبر، وقد استوفيناه.

وعقّب في تفريعه الثاني قائلاً: لأنّ الخوارج تقول لهم: هو - أي عليّعليه‌السلام - ممّن ارتدّ أيضاً.

وكلامه هذا فيه، أمور: منها: لقد وجدنا ابن تيميه في منهجه يرفع من شان الخوارج! ويذبّ عنهم، ليس في هذا الموضع فقط وانّما في مواضع أُخرى ويصفهم بأنّهم أهل عبادة، وغير ذلك، كما وجدناه يمدح الأُمويّين وعلى الأخصّ معاوية ويزيد، وهو أمر يسترعي الانتباه، مما يلزمنا دراسة بيئته الجغرافيّة والاجتماعيّة ومنحدره القبليّ ونسبه وسيرة حياته، وسنأتي على ذلك إن شاء الله تعالى.

وقوله هذا فيه تنصيصٌ على ما اختلقه من القول بردّة الصحابة؛ ذلك أنّ الخوارج تقول بأنّ عليّاًعليه‌السلام أيضاً ارتدّ؛ فالصحابة إذن قد أرتدُّوا وفيهم عليّعليه‌السلام ، على ما نسبه إلى الخوارج.

أضاف: والرافضة لا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على أنّ عليّاً مات مؤمناً! وهذا نظير قوله: «الرافضة تعجز عن إثبات إيمان عليّ وعدالته...، فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أميّة وبني العبّاس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم»(١) .

____________________

(١) منهاج السنّة ١: ١٦٢.

٩٨

وقبل الكلام عن إيمان أميرالمؤمنينعليه‌السلام نذكّر بأنّ حكم قضاة المذاهب الأربع على ابن تيميه بالنفاق لتنقّصه أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام وقوله فيه أنّه أسلم صبيّاً لا يدري ما يقول! وحكمه بالفسق والزندقة لسوء عقيدته بذات الله تعالى والأمر الذي آل إليه من تعزير وتشمير به في شوارع دمشق مضروباً بالدّرة، فالسجن ثلاث مرّات، فكتب في المرّة الأولى والثانية توبته ورجوعه عن عقيدته، فإذا خرج عاد إلى ما كان عليه، وفي المرّة الثالثة لم تقبل له توبة، فمات في قلعة دمشق!

فالردّة التي تكلّم عنها ليس هو منها ببعيد! وأمّا ما نسبه إلى العلاّمة الحلّيّ، فقد ذكرنا أنّها لم تكن في النصّ الذي من كلام الحلّيّ، وإنّما هو من كلام الله تعالى في الذين استجابوا لصراخ الشيطان يوم أحد: «ألا إنّ محمّداً قد قُتل!» فمنهم من فرّ إلى الجلعب وبقي ثلاثة أيّام، ثمّ عاد مع رفقته بعد أن اطمأنّوا بانتهاء الوقعة، وسلامة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . ومنهم: أصحاب الصخرة الذين بلغ بهم الأمر أنّهم قالوا: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبَيّ؛ فيأخذ لنا أمنةً من أبي سفيان! فأنزل الله تعالى فيهم توبيخاً لهم:!( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ ) (١) .

وقد ذكرنا أقوال ثلاثةٍ من العلماء، المتأخّر منهم هو: ابن زَمْنين (ت ٣٩٩ هـ)

____________________

(١) آل عمران: ١٤٤.

٩٩

وقد نقل ابن زمنين تفسير قتادة (ت ١١٧ هـ) للآية، فبين ابن زمنين وابن تيميه «٣٢٩ سنة» وبين قتادة وابن تيميه «٦١١ سنة». قال قتادة: قال أُناس منهم: لو كان نبيّاً ما قُتل! وفي تفسير الانقلاب، على الأعقاب قال: يقول ارتددتم على أعقابكم كفّاراً؟! وذكرنا قول ابن إسحاق، ومقاتل، وكلاهما توفّيا سنة ١٥٠ هـ فليس بينهما وبين ابن تيميه إلاّ «٥٧٨ سنة»! وكلامهما قريب من قول قتادة؛ فابن إسحاق قال رجعتم عن دينكم كفّاراً كما كنتم؟! ومقاتل قال: رجعتم إلى دينكم الأوّل الشِّرك؟! ومثله ذكر الطبريّ في تفسيره وللمشابهة أحلنا القارئ إلى مراجعته.

وكما قلنا: إنّ العلاّمة الحلّيّ ليس من أبناء تلك العصور، إنّما هو من أبناء عصر ابن تيميه، ولم يكن في النصّ الذي اقتبسه ابن تيميه ردّة كما قلنا أكثر من مرّة - من كتاب الحلّيّ؛ فبات: أنّ القائل بردّة الصحابة هو ابن تيميه! فإذا أراد أن يقول: إنّما قال الرافضيّ! في موضع آخر؛ فجوابنا قد مضى وفيه أنّ النصّ الذي ذكره الابن تعود إلى ابن تيميه ولذلك يقال الأبناء ويقصد ابن تيميه وابن كثير وابن قيّم... ليس فيه إشارة إلى ردّة. فإذا قيل: إنّ ابن تيميه إنّما ذكر أن الرافضة تقول بردّة الصحابة، والحلّيّ منهم؛ فهو ممّن يقول ذلك.

فجوابنا: كان عليه أن لا يُحمَّل الكلام ممّا ليس منه؛ فقد ذكر العلاّمة الحلّيّ واقعة خيبر، والفرار، وإعطاء الراية عليّاًعليه‌السلام والفتح على يديه. والردّة - التي هي الفرار بتفاصيله - مضى ذكرها.

١٠٠

جملة عارضة:

لقد بدأ ابن تيميه كلامه بنفي الثابت، وإثبات المنفي، ومحاولة النيل من شخص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وتفضيل الخوارج وبني أميّة على شيعة عليّ وأهل بيت النبوّة الطاهر؛ إلاّ أنّه، ولدفع دَخَلٍ، قد ذكر في تفريعه الثاني «أنّ إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسوله حقّ»، وعقّب بعدها بشتم الشيعة والتشكيك بإيمان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام !

نقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا بعث من بعث، لم يقل بشأن أحدٍ منهم، ما قاله بحقّ عليّعليه‌السلام ، فماذا يعني ذلك؟ ولقد قرنصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الحبّ الخاصّ بتحقيق النّصر والفتح على يَدي عليّعليه‌السلام ؛ ولذا لسنا - بعد هذا - بحاجة إلى شهادة ابن تيميه وأضرابه!

الخوارج

أفصح ابن تيميه عمّا في نفسه فألقاه على لسان الخوارج ليقول بردّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وموته على الكفر!

وقبل الحديث حول الخوارج وما جاء فيهم من أحاديث توجب قتلهم، وأنّ لقاتلهم من الأجر الجزيل، نذكر طرفاً من أخبارهم تُظهر جهالتهم وأنّهم رجال سوء؛ ومع ذلك لم نجدهم قد كفّروا أميرالمؤمنينعليه‌السلام . فمِن خبرِهم: بعد أن فرغ أميرالمؤمنينعليه‌السلام من قتال (الناكثين) أهل الجَمَل، بدأت فتنة (القاسطين) في الشام، فقد أعلن معاوية تمرّده وخروجه على أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ فكانت

١٠١

وقعة صفّين، وكانت أشدّ أيذامها هي الواقعة الخميسيّة، نسبةً إلى اليوم الذي حصلت فيه وهو: يوم الخميس؛ وتسمّى أيضاً «ليلة الهرير»؛ سمّيت بذلك لشدّتها، حيث جعل بعضهم يهرّ على بعض، ويعتنق بعضهم بعضاً، وجعل عليّعليه‌السلام يقف ساعةً بعد ساعةٍ ويرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: «اللّهمّ إليك نُقِلَت الأقدام، وأفضت القلوب، ورُفعت الأيدي، وامتدّت الأعناق، وشخصت الأبصار، وطُلبت الحوائج...»« رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (1) .

ثمّ إنّه حمل في سواد اللّيل وحملت مع الناس، فكلّما قتل بيده رجلاً من أهل الشام كبّر تكبيرة، حتّى أحصي له ما يزيد على خمسمائة تكبيرة، في كلّ تكبيرة له قتيل(2) .

رفعُ المصاحف

صبيحة تلك اللّيلة، كاد أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يحسم المعركة بالنصر المؤزّر ويُنهيَ الفتنة، وقد أشرف مالك الأشتر على دخول عسكر معاوية. وهنا وقعت الفتنة، إذ قال معاوية لعمرو بن العاص: ويحك أبا عبدالله! أين حيَلُك التي كنتُ أعرفها منك؟ فقال عمرو: تريد ماذا؟ قال: أُريد أن تسكّن هذه الحروب؛ فقد أُبيد أهل الشام. فقال عمرو: إن أحببتَ فأمر بالمصاحف أن تُرفع على رؤوس الرماح، ثمّ ادعهم إليها. فأمر معاوية بالمصاحف فرفعت على رؤوس

____________________

(1) الأعراف: 89.

(2) وقعة صفين لنصر بن مزاحم (ت 212 هـ) 477، وفي الفتوح لابن أعثم (ت 314 هـ) قال: خمسمائة تكبيرة وثلاثٌ وعشرون تكبيرة (الفتوح 2: 178).

١٠٢

الرماح، وصاح أهل الشام: يا عليّ اتّق الله أنت وأصحابك في هذه البقيّة، هذا كتاب الله بيننا وبينكم(1) .

الفتنة

في هذه المرحلة الحاسمة، وقع اللّجاج في صفوف جيش أميرالمؤمنينعليه‌السلام في شأن المصاحف المرفوعة؛ فالذين ملّوا الحرب وفي نفوسهم مرض تداعوا مطالبين أميرالمؤمنينعليه‌السلام بوقف الحرب والإجابة إلى حُكم القرآن! فقال لهم: «ويحكم! أنا أوّلُ من دعا إلى كتاب الله وأوّل من أجاب إليه، وليس يحلّ لي ولا يسعُني في ديني أن أُدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إني إنّما قاتلتهم ليدينوا بحُكم القرآن، فإنّهم قد عصَوُا الله فيما أمرهم فيه، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه، ولكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، وأنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون»(2) .

إلاّ أنّ الفرقة المارقة أصرّت على موقفها وحملته على أن يبعث إلى الأشتر وبذلك انقلب الموقف ونجا معاوية الذي كان يمنّي نفسه الفرار، فلقد كان بعد ذلك يقول: «واللهِ رجع عنّي الأشتر يوم رفع المصاحف، وأنا أُريد أن أسأله أن يأخذ لي الأمان من عليّ، وقد هممتُ بالهرب»(3) .

____________________

(1) الفتوح 2: 179، وفي وقعة صفّين بتوسّع واختلاف في بعض الألفاظ.

(2) وقعة صفّين 489 - 490، الفتوح 2: 183، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 217.

(3) الفتوح 2: 185.

١٠٣

الهُدنة

بعد الذي كان من المارقين، توقّف الناس عن القتال وجرت مكاتبات طويلة انتهت بالاتّفاق على عقد هدنة مدّتها سنة، وكتبوا بذلك كتاباً وموثقاً وتقرّر أن يعيّن كلُّ فريق حكماً يرضون حكمه. فاختار أهل الشام: عمرو بن العاص، واختار الأشعث والذين صاروا خوارج بعد ذلك أبا موسى الأشعريّ، رغم رفض أمير المؤمنينعليه‌السلام له!

رفض التحكيم

بعد كتابة الكتاب وشهادة الشهود؛ خرج الأشعث بنسخةٍ منه يقرؤها على الناس، فتعالت أصوات المخالفين لأمير المؤمنينعليه‌السلام : لا حُكم إلا لله، الحُكم لله يا عليّ لا لك! لا نرضى أن يُحكِّم الرّجال في دين الله، وقد كنّا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين، وقد بان لنا خطأنا وزللُنا فرجعنا إلى الله وتبنا! فارجع أنت يا عليّ كما رجعنا، وتُبت إلى الله كما تُبنا، وإلاّ برئنا منك!

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ويحكم! أبعدَ الرّضى والميثاق والعهد نرجع؟!

أليس الله تعالى قد قال:« أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) ، وقال:« وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » (2) . فأبى عليّعليه‌السلام أن يرجع، وأبت الخوارج إلاّ تضليل التحكيم والطعن فيه، فبرِئتْ من

____________________

(1) وقعة صفّين 408 - 552، الفتوح 3: 318 - 325 و 4: 89 - 90، وشرح نهج البلاغة 2: 29.

١٠٤

عليّعليه‌السلام ، برئ عليّ منهم.

فلمّا رجع أهل العراق لعراقهم، وأهل الشام لشامهم، انحاز مخالفوا أمير المؤمنينعليه‌السلام وساروا حتّى نزلوا بحروراء، وأمّروا عليهم عبد الله بن الكوّاء(1) .

وقفة تأمّل

إن الخوارج الذين أقامهم ابن تيميه بيّنةً على تضليل الشيعة وتكفير أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ قد وجدناهم غارقين في وحل جهل مظلم وأعرابيّة غليظة أوردتهم المهالك! فهم الذين حملوا أميرالمؤمنينعليه‌السلام على قبول التحكيم عملاً منهم بخديعة ابن العاص، ورفضوا عبد الله بن عبّاس الذي اختاره عليٌّ حكماً له، وأصرّوا على أبي موسى الأشعريّ ولم يكن موضع رضى أميرالمؤمنين لأسبابٍ بيّنها لهم، فإذا صار التحكيم والاتّفاق على عقد هدنة أمدها سنة؛ رفضوا التحكيم! وحجّتهم أنّه لا يجوز تحكيم الرجال في دين الله! إلاّ أنّهم كانوا أصدق من ابن تيميه إذ ردّوا الخطأ إلى أنفسهم، ولكنّهم انتقلوا إلى مفارقة أُخرى.

فقد طلبوا من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يتوب من ذنب ارتكبوه هُم! فينقض العهد والميثاق بعد توكيده، فأبىعليه‌السلام مستدلاًّ عليهم بكتاب الله؛ فلمّا انتهوا إلى الحدّ هذا؛ فارقوا أميرالمؤمنينعليه‌السلام وعاثوا فساداً؛ والمرء مع من أحبّ!

١٠٥

مناظرة ابن عبّاس للخوارج

بعد انحياز الخوارج إلى حروراء، قرية قرب الكوفة، بعث أمير المؤمنين إليهم ابن عبّاس ليناظرهم، فأقبل عليهم ابن عبّاس وطلب أن يخرج إليه رجل منهم ليكلّمه، فخرج إليه: عتاب بن الأعور الثعلبيّ، فحاججه ابنُ عبّاس حتّى ألزمه الحجّة، وحمله على أن يقول: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، ويحك يا ابن عباس! احتلتَ واللهِ حتّى أوقعتني في أمر، وألزمتني الحجّة حتّى جعلتني ممّن أُخرّب دار الله. لكن ويحك يا ابن عبّاس! فكيف التخليص ممّا أنا فيه؟ قال ابن عبّاس: الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما أخْربته الأمّة من دار الإسلام. قال: فدُلّنيعلى السّعي في ذلك. قال ابن عبّاس: إنّ اوّل ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديَه، وتعلم من يريد عمارتها فتُواليَه. قال: صدقت يا ابن عبّاس، واللهِ ما أعرفُ أحداً في هذا الوقت يحبّ عمارة دار الإسلام غير ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، لو لا أنّه حكّم عبد الله بن قيس(1) في حقٍّ هو لَهُ!...؛ فصاحت الخوارج: هيهات يا ابن عبّاس! نحن لا نتولّى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه حتّى نحتجّ عليه ويسمع من كلامنا.

فخرج عبد الله بن عبّاس إلى عليّعليه‌السلام ، فخبّره بذلك، فركب إلى القوم في مائة رجل من أصحابه حتّى وافاهم بحروراء، فلمّا بلغ ذلك الخوارج ركب عبد

____________________

(1) هو أبو موسى الأشعريّ.

١٠٦

الله بن الكوّاء في مائة رجل من أصحابه حتّى واقفه، فقال له أمير المؤمنين: يا ابن الكوّاء، إنّ الكلام كثير، ابرزْ إليّ من أصحابك حتّى أُكلّمك؛ قال ابن الكوّاء: وأنا آمنٌ من سيفك؟ قالعليه‌السلام نعم، وأنت آمنٌ من سيفي. فخرج ابن الكوّاء في عشرةٍ من أصحابه، ودنوا من عليّعليه‌السلام فذكر عليّعليه‌السلام الحرب الذي كان بينه وبين معاوية، وذكر اليوم الذي رُفعت فيه المصاحف وكيف اتّفقوا على الحكمين...، ومخالفة الخوارج له، فانحاز ابن الكوّاء مع العشرة الذين معه إلى صفّ أمير المؤمنين، وقد رجعوا عن رأي الخوارج، ومضى الباقون وهم يقولون: لا حُكمَ إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله(1) .

وقفة تأمّل أخرى

لقد وجدنا فيما ذكرنا أنّ عتاب بن الأعور الثعلبيّ الخارجيّ قد أقرّ لابن عبّاس أنّه قد ألزمه الحجّة، وأنّ سعي الخوارج فسادٌ في الأرض، وأنّ الحقّ مع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فأين هذا ممّا ادّعاه ابن تيميه؟!

وقد وجدنا ابن الكوّاء، وهو رأس الخوارج، بعد مناظرة أمير المؤمنينعليه‌السلام له، قد رجع هو والعشرةُ الذين كانوا معه عن رأي الخوارج وصاروا إلى صفّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّا بقيّة الخوارج فإنّهم قد استزلّهم الشيطان وركبتهم الحميّة الجاهليّة، ومضوا ينادون:لا حُكمَ إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله؛ أي أنّهم لم يكفّروا عليّاًعليه‌السلام كما زعم ابن تيميه.

____________________

(1) الفتوح 4: 90 -97.

١٠٧

مقتل عبد الله بن خَبّاب بن الأَرَتّ

إنّ الخوارج الذين تشدّق ابن تيميه بهم وجعلهم حجّةً على الإمام عليّعليه‌السلام وشيعته، عاثوا في الأرض فساداً؛ فبعد انحياز رئيسهم ابن الكوّاء وعشرةٍ منهم إلى صفّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ تدارسوا أمرهم فأمّروا عليهم عبد الله بن وهب التّميميّ الراسبيّ، وحرقوص بن زهير البَجَليّ. وعقدوا العزم على أن يعسكروا بالنَّهروان والتحق بهم أصحابٌ لهم من البصرة مع مِسعَر بن فدكيّ التميميّ، فاستعرض هؤلاء الناس في طريقهم، فإذا هم برجلٍ يسوق بامرأتِه على حمارٍ له، فدعوه وانتهروه ورعّبوه، وقالوا له: من أنت؟ فقال: رجلٌ مؤمن. قالوا: فما اسمُك؟ قال: أنا عبد الله بن خبّات بن الأرتّ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفّوا عنه، قالوا له: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول: إنّه أمير المؤمنين وإمام المسلمين وحدّثني أبي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل، فيُصبح مؤمناً ويُمسي كافراً؛ ويُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً». فقالوا: والله لنقتلنّك قتلةً ما قُتِلَها أحد! وأخذوه فكتّفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حُبلى مُتمّ حتّى نزلوا تحت نخل فسقطت رطبة منها، فقذفها بعضهم في فيه، فقال له رجل منهم: أبغير حِلّها ولا ثمن لها؟! فألقاها من فيه واخترط سيفه فمرّ به خنزير لذمّيّ فقتله، فقال له بعض أصحابه: إنّ هذا لمن الفاسد في الأرض! فطلب صاحب الخنزير حتّى أرضاه، فقال ابن خبّاب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع؛ إنّي لآمنٌ من شرّكم. فجاءوا به وألقوا به على الخنزير فذبحوه، وبقروا بطن امرأته وهي تقول: أما تتّقون الله؟! وقتلوا ثلاث نسوةٍ كُنّ معها.

١٠٨

وقد قال الخوارج لعبد الله بن خبّاب ساعة ذبحه: إنّ هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك! وكان في عنقه مصحف. وساوموا رجلاً نصرانيّاً بنخلةٍ له، فقال: هي لكم، فقالوا: ما كنّا لنأخذها إلاّ بثمن، فقال: واعجباه! أتقتلون مثل عبد الله بن خبّاب ولا تقبلون جَنا خلة إلاّ بثمن؟!

وبلغ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام ما اجترأه الخوارج من ترويع الناس بالاستعراض، وقتلهم عبد الله بن خبّاب وتلكُم النّسوة، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبديّ ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم، فخرجوا إليه فقتلوه(1) .

سؤال

قومٌ يقتلون صحابيّاً ولم يكن رافضيّاً! لأنّه صدقهم القول في معتقده في عليّعليه‌السلام ، ويبقرون بطن امرأته الحامل فيقتلونها مع ثلاث نسوة! والإسلام يأبى قتل النساء والذّريّة، وهذا هو مبدأ الإمام عليّعليه‌السلام في حروبه كلّها، وهم إذ يقتلون المؤمنين من غير ذنب، فإنّهم يرون للخنزير حرمةً لا يجوز هتكها، وحمل سلوكهم رجلاً نصرانيّاً أن قال لهم: «واعجباه! أتقتلون مثل عبد الله بن خبّاب ولا تقبلون جنا نخلةٍ إلاّ بثمن؟!»؛ وإنّ من مبادئ الإسلام حرمة قتل الرّسل، فما بالُهم عَدَوا على رسول الإمام عليّعليه‌السلام فقتلوه؟!

كلّ هذه المفاسد العظيمة، وما سبقها من إقرارٍ على أنفسهم وانحياز أميرهم

____________________

(1) الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 122، وأنساب الأشراف للبلاذريّ 3: 141، وتاريخ الطبري 4: 61، والفتوح 4: 198.

١٠٩

وعشرة آخرين منهم إلى صفّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ وما سنذكره من رجوع ألوف منهم، ومع كلّ ذاك يبقى الخوارج حجّة عند ابن تيميه فيما ذكر!!

مناظرة أمير المؤمنينعليه‌السلام للخوارج

بعد الذي كان من الخوارج، سار إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بأصحابه، حتّى إذا صار قريباً من النهروان جاء رجلٌ يعدو، فسأله أمير المؤمنين: ما وراءك؟ فقال: إنّ القوم لمّا علموا أنّك تقاربت منهم عبروا النهروان هاربين، فقالعليه‌السلام : أنت رأيتهم حين عبروا؟ قال نعم؛ فقال له: كلاّ والذي بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ نبيّاً، لا يعبرون حتّى يَقتُلَ اللهُ مقاتلتهم على يدي، فلا يبقى منهم إلاّ أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلاّ أقلّ من عشرة، ذلك عهدٌ معهود وقضاءٌ مقضيّ(1) .

ولمّا صار قبالة القوم مدّوا الرماح في وجهه وهم يقولون: لا حكم إلاّ للهِ، فقال أميرالمؤمنين: لا أنتظر فيكم إلا حُكم الله(2) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام دخل معهم في مناظرة طويلة، فكانوا كلّما أشكلوا عليه أمراً أجابهم بدليلٍ من القرآن أو السنّة، حتّى قطع جميع حججهم، وجعل بعضُهم يقول لبعض: صدق فيما قال، ولقد دحَضَ جميع ما احتججنا عليه؛ ثمّ صاح القوم من كلّ ناحية وقالوا: التوبةَ التوبة يا أمير المؤمنين!

فاستأمن إليه منهم ثمانية آلاف، وبقي على حربه أربعة آلاف، وأقبلعليه‌السلام

____________________

(1) الفتوح 4: 120، والكامل للمبرد 543.

(2) الفتوح 4: 268.

١١٠

إلى هؤلاء المستأمنين إليه فقال: اعتزلوا عنّي في وقتكم هذا وذروني والقوم.

ثمّ اشتبك العسكران في معركة عدم نظيرها؛ فلم يُقتَل من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام إلاّ ثمانية، وقيل: تسعة رجال، ولم يفلت من الأربعة آلاف خارجيّ إلاّ تسعة رجال، انتهى أحدُهم إلى قرب حرّان؛ ونسله فيها(1) ، وهي المدينة التي ولد فيها ابن تيميه وترعرع بها.

تعقيب

إنّ الخوارج، لمّا فنّد أميرالمؤمنينعليه‌السلام آراءهم وأبطل حججهم فأعلنوا توبتهم، نادوا عليّاًعليه‌السلام بأمرة المؤمنين، ممّا يعني أنّهم كانوا يعتقدون ذلك ولكن استحوذ عليهم الشيطان ثمّ ثابوا إلى رُشْدهم، ولم يبق إلاّ مَن حقّ عليه العذاب فما الدنيا أصابوا وهم في الآخرة من الخاسرين.

وقبل ذكر ما ورد فيهم من الأحاديث نقول لابن تيميه: هلاّ كنت مع الثمانية آلاف، وأحد عشر ممّن سبقهم إلى التوبة - ابن الكوّاء وجماعته - فكنت معهم في صفّ عليّ وشيعته، لا مع أهل اللّجاجة ممّن أخبر الإمام عليّعليه‌السلام أنّه لن ينجو منهم إلاّ دون العشرة؛ فكان كما قال؟!

الأخبار والآثار الواردة في الخوارج

ذو الخُوَيصرة التّميميّ: وهو الخارجيّ الأوّل، ومن قصّته: حينما كان رسول

____________________

(1) الفتوح 4: 269 - 275.

١١١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعطي الناس من أموال حنين، جاء ذو الخويصرة التّميميّ فقال: يا محمّد، قد رأيتُ ما صنعتَ في هذا اليوم، فقال رسول الله أجل، فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلتَ؛ فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: ويحك! إذا لم يكن العدلُ عندي فعند من يكون؟! فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله، ألا أقتله؟ فقال: «لا، دَعهُ، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السّهم من الرّميّة، يُنظَر في النَّصل فلا يوجد شيء، ثمّ في القِدْح فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدمّ»(1) .

رواية جابر: مسلم صاحب الصحيح: حدّثنا محمّد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا اللّيث عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجلٌ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضّة، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمّد! أعدل! قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟! لقد خِبتَ وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي إنّ هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم

____________________

(1) السيرة النبويّة، لابن هشام 4: 139.

«يتعمّقون في الدّين» أي يتتبّعون أقصاه، «والنّصل»: حديد السهم. و «القدح»: السّهم.

والفوق: طرف السهم الذي يباشر الوتر. و«الفرث»: ما يوجد في الكرش. والمعنى: أنّهم ليس لهم من الدّين شيء، كالسهم يخترق البدن ويخرج من غير أن يعلق به أثر من دم وغيره.

١١٢

من الرَّمِيّة.(1)

كلمة مع ابن تيميه: ذو الخويصرة هو الخارجيّ الأوّل، له أصحاب؛ فخرج هو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج أصحابه على عليّعليه‌السلام الذي هو نفس رسول الله كما في آية المباهلة، وأخوه يوم المؤاخاة، وقد أنكرته يا ابن تيميه وأثبتناه، وبحديث المنزلة إذ هارون أخو موسىعليهما‌السلام ...؛ وأنت تتولّى الخوارج من غير

____________________

(1) صحيح مسلم، بشرح النوويّ 7: 159.

ذكر النوويّ هامش المصدر: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: إنّ من سبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كُفِّر وقتل، وهذا الرجل قال: اعدل يا محمّد واتّق الله يا محمّد، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتّى استأذن وخالد في قتله؛ فقال: معاذ الله أن يتحدّث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه! فهذه هي العلّة. وسلك معه مسلكه مع المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنّه صبر استبقاءً لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم، لئلاّ يتحدّث الناس أنّه يقتل أصحابه فينفروا. وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم، وعدوّه من جملتهم. قوله 9: «ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرتَ»، روي بفتح التاء في خبتَ وخسرت، وبضمّهما فيهما، ومعنى الضّم ظاهرٌ؛ وتقدير الفتح: خبت أنت أيّها التابع إذا كنتُ لا أعدل لكونك تابعاً ومقتدياً بمن لا يعدل، والفتح أشهر والله أعلم. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم» قال القاضي - عياض -: فيه تأويلان، أحدهما معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظّ فيه سوى تلاوة الفم: الحنجرة والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف. والثاني: معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «يمرقون منه كما يمرق السهم من الرميّة»، وفي الرواية الأُخرى يمرقون من الإسلام، معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى ولم يتعلّق به شيء منه.

وقال الخطابيّ: هو هنا الطاعة، أي من طاعة الإمام، وفي هذه الأحاديث دليل لمن يُكفّر الخوارج.

١١٣

تمييز، فبالضرورة أنّك تتولّى الخارجيّ الأوّل، فهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عادل عندك؟!

رواية أبي ذرّ: مسلم: حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا سليمان بن المُغيرة، حدّثنا حُميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ بعدي من أمّتي قومٌ يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقِيَهم، يخرجون من الدّين كما يخرج السهم من الرّميّة ثم لا يعودون فيه، هم شرُّ الخلق والخليقة».

فقال ابن الصامت: لقيت رافع بن عمرو الغفاريّ أخا الحكم الغفاريّ فقلت له: ما حديث سمعته من أبي ذرّ كذا وكذا؛ فقال وأنا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

فالخوارج شرّ خلق الله، وفسّر ذلك بخروجهم من الدين، ومن طاعة الإمام، وكلُّ ذلك متحقّق في الخوارج منفيّ عن شيعة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ذكرنا شيئاً من أخبارهم وفساد معتقدهم وفساد سلوكهم، ونعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم بسنده عن أبي سعيد الخُدريّ؛ من حديث توزيع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مغنماً بعثه إليه الإمام عليّعليه‌السلام ، وفيه: فجاء رجلٌ كثُّ اللّحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس(2) ؛ فقال: اتّق الله يا محمّد، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فمن يطع الله إن عصيتُه، أيأمَنُني على أهل الأرض ولا تأمنونني؟! قال: ثمّ أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله؛ فقال رسول الله: «إنّ من ضِئْضِىء هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان! يمرقون

____________________

(1) صحيح مسلم 7: 174.

(2) كثّ اللّحية: كثير اللّحية. والوجنة: لحم الخدّ. غائر العينين: صغيرهما كأنّهما مطموستان. ناتئ الجبين: بارز الجبين وهو جانب الجبهة. محلوق الرأس: واضح، وكانت حلاقة الرأس علامة لهم.

١١٤

من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد»(1) .

وأورده بسندٍ آخر عن أبي سعيد الخدريّ، وفيه «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمُود»(2) .

فهنيئاً لمن يوالى قوماً يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان! ولذلك توعّدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لو أدركهم لاستأصلهم وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الصادق المصدّق؛ فلقد وجدناهم يقتلون الصحابيّ عبد الله بن خبّاب بن الأرتّ، ويبقرون بطن امرأته الحامل، ويقتلون النّسوة الثلاث؛ إلاّ أنّهم أشكلوا على صاحبهم إذ قتل خنزيراً لذمّيّ معاهد! وأخبارهم في استعراض الناس بالقتل مشهور.

وإذا فات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدركهم فيقتلهم قتلاً عامّاً؛ فقد أدركهم أمير المؤمنينعليه‌السلام فكانت له فضيلة قتالهم كما ذكر النوويّ، ولم يسلم من مجموع أربعة آلاف خارجيّ إلاّ تسعة انتهى أحدهم إلى قرب حرّان، وتناسل هناك؛ ولا ندري جزماً لِمَ احتجّ ابن تيميه الحرّانيّ بالخوارج على عليّ أميرالمؤمنين وشيعته؟!

____________________

(1) صحيح مسلم 7: 162. وفي شرح النوويّ: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ من ضِئضِي هذا» هو الأصل، والسنخ، والعنصر، والأرومة. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد» أي قتلاً عامّاً مستأصلاً كما قال تعالى:( فَهَلْ تَرَى‏ لَهُم مِن بَاقِيَةٍ ) (الحاقّة: 8) وفيه الحثّ على قتالهم، وفضيلة لعليّرضي‌الله‌عنه في قتالهم.

(2) نفسه / 163.

١١٥

الحثّ على قتل الخوارج؛ واختصاص أميرالمؤمنين بذلك

أخرج النّسائيّ، قال: أخبرنا عليّ بن المنذر قال: أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه، قال: كنت عند عليّرضي‌الله‌عنه جالساً إذ دخل رجلٌ عليه ثياب السفر، وعليّ يكلّم الناس ويكلّمونه، فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلّم؟ فلم يلتفت إليه وشغله ما فيه، فجلس إلى رجل قال له: ما عندك؟ قال: كنت معتمراً فلقيت إليه وشغله ما فيه، فجلس إلى رجل قال له: ما عندك؟ قال: كنت معتمراً فلقيت عائشة فقالت: هؤلاء القوم الذين خرجوا في أرضكم يسمّون حروريّة؟ قلت: خرجوا في موضع يسمّى حروراء؛ فقالت: طوبى لمن شهد منكم، لو شاء ابن أبي طالب لأخبركم خبرهم! فجئت أسأله عن خبرهم، فلمّا فرغ عليّعليه‌السلام قال: أين المستأذن؟ فقصّ عليه كما قصّت عليه؛ قال: إنّي دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس عنده غير عائشة، فقال لي كيف أنت يا عليّ وقومٌ كذا وكذا؟

قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: ثم أشار بيده فقال: قوم يخرجون من المشرق، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقِيَهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فيهم رجلٌ مُخَدَّج(1) ، كأنّ يده ثدْيُ حبشيّة، أنشدكم باللهِ أخبرتكم أنّه فيهم؟ قالوا: نعم؛ فجئتموني وأخبرتموني أنّه ليس فيهم، فحلفت لكم باللهِ أنّه فيهم، ثمّ أتيتموني به كما نعتّ لكم؟ قالوا: نعم؛ صدق اللهُ ورسوله(2) .

وعبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي اسحاق، عن سويد بن غفلة، عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يخرج قوم في آخر الزمان، يقرأون

____________________

(1) مُخَدَّج: أي ناقص اليد.

(2) خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام للنّسائيّ 145 - 146 / ح 178.

١١٦

القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّميّة، قتالهم حقّ على كلّ مسلم»(1) .

والروايات كثيرة في أنّ الخوارج هم شرّ الخلق، يقتلهم أولى الناس بالحقّ، وقد قتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعه أهل العراق.

عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، عن عليّعليه‌السلام قال: والحديث نظير الذي قبله، إلاّ أنّ آخره: «فأينما أدركتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة»(2) .

وبسندٍ عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ذكر أناساً يخرجون في فرقةٍ من الناس سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرّميّة، هم شرّ الخلق، تقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ، وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق(3) .

التفريع الثالث

افترض ابن تيميه أمراً بلا دليل! وذلك: إن كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أفضل من غيره في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فلا يدلُّ ذلك على أفضليّته بعد!

____________________

(1) مسند أحمد 1: 156، وخصائص أمير المؤمنين 144 / ح 174، ومسند أبي يعلى 1: 273.

(2) صحيح البخاريّ 3611، 5057، 6930 باب علامات النبوّة، وصحيح مسلم 7: 167 - 168، ومسند أحمد 1 / 81، 113، 131، والفضائل لأحمد / 1198، وسنن أبي داود / 4767، ومسند أبي يعلى 1 / 226، والخصائص للنّسائيّ 143 / 173.

(3) صحيح مسلم 7: 169، والخصائص للنّسائيّ 140 / 168.

١١٧

ولو كان عنده ثمّة ما يعضّد ما ذهب إليه لذكره؛ فعليه: إنّ عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حياته وبعد مماته.

التفريع الرابع

وفرّع رابعاً، ذلك قوله: لو قدّرنا أفضليّته، لم يدلّ ذلك على أنّه إمام معصوم منصوصٌ عليه.

وجوابنا: لقد جارينا ابن تيميه، بغية إمامة الحجّة على من وقع في حبائل فتنته من غير تدبّر؛ وإلاّ فأمير المؤمنين قد نطق القرآن الكريم بأفضليّته إذ اختاره الله تعالى وليّاً للمسلمين؛ وذلك قوله تعالى:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (1) ، وقد تكلّمنا حول الآية فيما مضى، وأنّها نزلت في أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، فقرن الله سبحانه ولاية عليّعليه‌السلام بولايته وولاية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يجوز على الله عزّ وجلّ أن يختار إلاّ من هو أفضل.

ولم ينزل سبحانه بياناً ينسخ ذلك، فالآية محكمة، وعليّعليه‌السلام ولايته دائمة، خالدة مع خلود القرآن؛ فهو الأفضل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر الدهر.

____________________

(1) المائدة: 55.

ولا بأس بذكر بعض مصادر نزول الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام : تفسير مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) 1: 485 - 487، والذرّيّة الطّاهرة للدولابيّ (ت 310 هـ) 109 / 114، وتفسير الطبريّ 6: 156، وتفسير الحبريّ (ت 289 هـ) 261، وأنساب الأشراف (ت 279 هـ) 2: 381، وشواهد التنزيل 1: 181، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ 3: 431، وتفسير ابن كثير 2: 71.

١١٨

وهذا دليل على عصمة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ فإنّ الله تعالى اختار محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّاً، والنبيّ معصومٌ بالضرورة، فكذلك وليُّ الله.

ومن أدلّة عصمتهعليه‌السلام : آية التطهير؛ وذلك قوله تعالى« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1) .

والآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين:.

روى ذلك: أم سلمة، وعائشة، وأبو سعيد الخدريّ، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس عن عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن أبي يسار، عن أمّ سلمة أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » . قالت: فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»، قالت أمّ سلمة، يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنّك أهلي، وهؤلاء أهل بيتي»(2) .

وعن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ عن أمّ سلمة أنّها قالت: نزلت هذه الآية في عليّ:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » . وقالت: قلت: يا رسول الله، ألست من أهل

____________________

(1) الأحزاب: 33.

(2) المستدرك على الصحيحين 2: 416 و 3: 146 وبذيله التلخيص للذهبيّ. وفي سنن الترمذيّ 5: 328 عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّ النبيّ قال: «أنت على مكانك وأنت إلى خير». وفي الباب عن أمّ سلمة، ومعقل بن يسار، وأبي الحمراء، وأنس بن مالك.

١١٩

البيت؟ قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النّبيّ». وكان في البيت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين:(1) .

ومثله عن عائشة: قال جُمَيع بن عُمَير: دخلت مع أمّي على عائشة فقالت: أخبريني كيف كان حبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ؟ فقالت عائشة: كان أحبّ الناس إلى رسول الله، لقد رأيته يوماً أدخله تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً؛ فقال: «اللّهمّ اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قال: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولستُ من أهلك؟ قال «إنّك على خير»(2) .

منزلة دعوان

قال أبو الفرج: كتب إليّ عبد الله الجبائيّ قال: رأيت دعوان بن عليّ بعد موته وكأنّ عليه ثياباً بيضاً وعمامةً بيضاء وهو يمضي إلى الجامع لصلاة الجمعة، فأخذت يده اليسرى ومضينا، فلمّا بلغنا إلى حائط الجامع قلت له: يا سيّدي، إيش لقيت؟ فقال: عُرِضتُ على الله خمسين مرّة وقال لي: إيش عملت؟ فقلت: قرأتُ القرآن وأقرأته، فقال لي: أنا أتولاّك، أنا أتولاك. قال عبد الله: فأصابني الوجد وصحت: آه، وضربتُ بيدي حائط الجامع ثلاث مرّات أتأوّه وأضرب الحائط بكتفي، ثمّ استيقظت.(3)

____________________

(1) مشكل الآثار للطحاويّ 1: 334، وتفسير الحبريّ 298، والمعجم الكبير للطبرانيّ 1: 127، وشواهد التنزيل الرقم 712 - 713، وتفسير ابن كثير 3: 485.

(2) مختصر تاريخ دمشق 17: 365.

(3) المنتظم لأبي الفرج ابن الجوزيّ 18: 58 / 4137.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492