رسائل في الغيبة الجزء ٤

رسائل في الغيبة0%

رسائل في الغيبة مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 16

رسائل في الغيبة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
تصنيف: الصفحات: 16
المشاهدات: 2530
تحميل: 2705


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 16 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 2530 / تحميل: 2705
الحجم الحجم الحجم
رسائل في الغيبة

رسائل في الغيبة الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

«لو اجتمع على الإمام عدّة أهل بدر لوجب عليه الخروج»

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا لم يظهر المهديّ؟ ومتى سيظهر؟

سؤال كثيراً ما يُسمع من المعتقدين بالإمام صاحب الزمان عليه السلام عند ما يمتلئون غيظاً من الأعداء، فيحسبون أن الدنيا ملئت ظلماً وجوراً، وقد عيّن ذلك وقتاً لظهوره عليه السلام كي يملأها عدلاً ورحمةً.

ويبدو أنّ توقيتاً آخر كان معروفاً في زمان الشيخ المفيد، حيث قد روي حديث عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: انه لو اجتمع على الامام عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لوجب عليه الخروج بالسيف.

وقد طرح على الشيخ المفيد سؤال عن هذا الحديث، فأقرّ الشيخ أنه حديث مرويّ.

فحاول صاحب السؤال أن يناقش الشيخ حول الغيبة وشؤونها من خلال هذا الحديث، وقد ضمّهما مجلسٌ في بيت السائل الذي عبّر عنه بـ‍ «رئيس من الرؤساء».

قال السائل : إنا نعلم - يقيناً - أن الشيعة في هذا الوقت أضعاف عدّة أهل

٣

بدر، فكيف تجور للإمام الغيبة مع تلك الرواية؟

أجاب الشيخ : إن الشيعة وإن كانت كثيرةً من حيث العدد والكم، لكن العدد المذكور في الرواية ليس المراد بهم العدد والكم فقط، وإنما هم على كيفية خاصة، وتلك الكيفية لم نعلم حصولها بعد بصفتها وشروطها، حيث أنّه يجب ان يكونوا على حالةٍ مأمونة من الشجاعة، والصبر على اللقاء، والاخلاص في الجهاد، إيثاراً للآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة الأبدان والعقول، وأنهم لا يهنون، ولا يفترون عند اللقاء، ويكون العلم من الله لعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف.

ولم نعلم أن كل الشيعة بهذه الصفات وعلى هذه الشروط.

ولو علم الله أن في جملتهم مَنْ هذه صفته على العدد المذكور، ولم يكن معذوراً عن حمل السيف، لظهر الإمام عليه السلام لا محالة، ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين.

لكن من الواضح عدم حصول مثل هذا الاجتماع، فلذلك استمرت الغيبة.

واعترض السائل : ومن أين عرفت لزوم هذه الصفات والشروط مع خلوّ النصّ المذكور عن شيء منها؟

أجاب الشيخ : إن مسلّمات الإمامة تفرض علينا إثبات هذه الصفات لأصحاب الإمام عليه السلام، فحيث ثبت لنا وجوب الإمامة، وصحت عندنا عصمة الأئمة بحججها القويمة، فلا بدّ أن نشرح الحديث المذكور بما يوافق تلك الثوابت، حتى يصح عندنا معناه.

فتلك الاصول وصحة الخبر المذكور تقتضي أن يكون العدد المذكور موصوفا بتلك الصفات.

٤

وقد مثل الشيخ لما ذكر، بما ثبت من جهاد النبي صلى الله عليه وآله و سلم يوم بدر بـ(313) رجلاً من أصحابه، لكنه يوم الحديبية أعرض عن الحرب، وقعد، مع أن أصحابه يومئذ كانوا أضعاف أهل بدر في العدد.

وبما أنا نعلم عصمة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وأنّه لا يقوم بأمر الّا ما هو الصواب، علمنا أن اصحابه في الحديبية لم يتصفوا بما اتصف به أصحابه يوم بدرو إلّا لما وسعه صلّى الله عليه وآله القعود عن جهاد المشركين، ولوجب عليه كما وجب عليه في بدر، ولو وجب عليه لما تركه لما نعلم من عصمته وصوابه.

وحاول السائل : أن يفرّق بين النبي صلّى الله عليه وآله، وبين الإمام عليه السلام، بأن النبي يوحى إليه، ويعرف وجه المصلحة في الاُمور من خلال الوحي، ولكن ما طريق الإمام إلى معرفة ذلك؟

أجاب الشيخ : إن الامام - عند الشيعة - معهود إليه، واقف على ما يأتي و ما يذكر، منصوبة له أمارات تدلّه على العواقب في التدبيرات والمصالح في الأفعال، بعهد من النبي صلّى الله عليه وآله الذى يوحى إليه ويطلع على علم السماء.

ولو كان الإمام عليه السلام كسائر العقلاء معتبراً ذلك بغلبة الظن والحدس، وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى، وقام مقام التحقيق بلا ارتياب، لاسيّما على مذهب المخالفين في جواز الاجتهاد حتى للنبي صلّى الله عليه وآله. وإن كنّا لا نرى ذلك.

واعترض السائل : لِمَ لم يظهر الإمام عليه السلام وان كان ظهوره يؤدي إلى قتله، فيكون البرهان له، والحجة في إمامته أوضح، ويزول الشك في وجوده

٥

والارتياب؟

أجاب الشيخ : لم يجب ذلك على الإمام عليه السلام بعد أن كان الناس هم سبب الغيبة والمسؤولين عن عواقبها، كما أن الله تعالى لا يجب عليه تعجيل النقمة على العصاة والمفسدين، مع أن في ذلك توضيحا لقدرته، وتاكيداً في حجته، وزجراً للناس عن معاصيه.

مع أن العلم بترتب الفساد على ظهوره يمنع من ايجاب ذلك عليه، وهو الدليل على كون اقتراحه عليه خطأً، وإنما يكون صواباً إذا ترتب عليه الصلاح والإصلاح، والإمام عليه السلام لو علم في ظهوره مصلحة لما بقي في الغيبة طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة إلى الظهور.

والدليل على عصمته، مع عدم ظهوره، هو الدليل على معرفته لعدم المصلحة في الظهور في هذا الزمان.

والحاصل ان الالتزام بمسلّمات الإمامة واُصولها الثابتة، يؤدي إلى الالتزام بالواقع حقّا لا ريب فيه.

ولا بدّ أن يجعل هذا أساساً لما يدور من بحوث حول الغيبة، وإلّا فالبحث عن الغيبة بدون ذلك لغوٌ غير منتجٍ.

أقول : وقد اتبع هذا النهج من الاستدلال السيد الشريف المرتضى في كتاب (المقنع في الغيبة) تماماً.

ثم إن الشيخ المفيد عارض المعتزلة :

حيث أنّهم من المتصلّبين في التشنيع على الإماميّة بالقول في الغيبة، و مرور الزمان بغير ظهور الإمام؟!

مع أنهم يوافقون على الاصول المسلمة للامامة: فهم يقولون بوجوب

٦

الامامة، ويقولون بالحاجة إلى الامام في كل زمان، وهم يقطعون على خطأ مَنْ يقول بالاستغناء عن الامام!

ومع هذا فهم يعترفون بانهم لا إمام لهم بعد أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى هذا الزمان! بل، لا يرجون إقامة إمامٍ لهم في هذا الأوان.

فلو صحّت تلك الاصول التي نقول بها نحن وهم، فنحن أعذر منهم بقولنا بإمامٍ - ولو في الغيبة - والقول بوجوده ومعرفتنا له، وهذا موافق لاُصول الامامة وللخبر المجمع عليه: «من مات...»

ولكن المعتزلة لا عذر لهم في الاعراض عن اصول الإمامة التي وافقوا عليها وسلّموا بها.

ودافع بعض الحاضرين عنهم : بأنهم معذورون من جهة اُخرى، في عدم إقامة الاحكام والحدود، لكن الشيعة - مع ظهور أئمتهم من وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى زمان الغيبة، فما عذرهم في ترك إقامة الأحكام: في تعطيل الحدود؟

فأجاب الشيخ : إن عدم وجود إمامٍ لهم، ليس عذراً لهؤلاء في تعطيل الحدود وترك الأحكام، لأن من مذهبهم أن في كل زمان طائفة من أهل الحلّ والعقد تكون إقامة الامام إليهم، فبامكانهم - في كل وقت - نصب الإمام، ولا يعذرون في كفّهم عن نصبه، وهم موجودون - في زمان الشيخ - معروفون ظاهرون، فإذا تركوا ذلك كانوا عاصين ضالّين.

أفهل يعترفون بالعصيان والضلال؟ كلا طبعاً.

فإن كانوا معذورين في إقامة الاحكام وتنفيذ الحدود، مع إمكانهم نصب الإمام القائم بذلك، فكذلك أئمة الشيعة معذورون من إقامتها وتنفيذها مع

٧

الظهور.

على أن لأئمتنا عليهم السلام عذرٌ أوضح في ترك إقامة الحدود والأحكام وأظهر، وهو ما لا يعذر المعتزلة به في ترك نصبهم لإمام عليه السلام، وهو: أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا دائماً مطاردين من قبل السلطان يعيشون الخوف والفزع لاحتمال الظالمين أنّهم يرون الخروج بالسيف، وأنّهم ممن يعتقد جماعة فيهم الإمامة، وأنّهم مراجع لإقامة الاحكام وتنفيذ الحدود.

وهذا أمر واضح لا يشك فيه أحد.

لكن المعتزلة وغيرهم من المعتزلة لم يتعرض واحد منهم لسفك دمه ولا للتشريد والتعذيب والمطاردة، ولا خيف ولم يؤخذ على التهمة، ولا على التحقّق، مع أن المعتزلة يصارحون بآرائهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرو وجوبهما، ويتظاهرون بأنهم أصحاب الحق في الولاية والحكم والاختيار، وأن منهم أهل الحلّ والعقد، وينكرون طاعة الخلفاء، وهم مع ذلك آمنون من السلطان غير خائفين من سطوته.

فلا عذر لهم في ترك ما يجب عليهم من نصب الإمام لاقامة الأحكام و تنفيذ الحدود.

وأما أئمتنا فهم في تلك الاحوال معذورون بلا ريب.

والله الموفق للصواب.

وكتب            

السيّد محمّد رضا الحسيني

الجلالي                   

٨

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلاته على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

وبعد:

سأل بعض المخالفين فقال: ما السبب الموجب لأستتار امام الزمان عليه السلام وغيبته التي قد طالت مدتها وامتدت بها الايام، ثم قال: فان قلتم: ان سبب ذلك صعوبة الزمان عليه بكثرة اعدائه وخوفه منهم على نفسه، قيل لكم: فقد كان الزمان الأول على آبائه عليهم السلام اصعب، واعداؤهم فيما مضى اكثر، وخوفهم على نفسهم اشد واكثر، ولم يستتروا مع ذلك ولاغابوا عن اشياعهم، بل كانوا ظاهرين حتى أتاهم اليقين، وهذا يبطل اعتلالكم في غيبة صاحب الزمان عنكم واستتاره فيما ذكرتموه، وسألتك ادام الله عزك.

الجواب عن ذلك:

الجواب وبالله التوفيق: ان اختلاف حالتي صاحب الزمان وآبائه عليه وعليهم السلام فيما يقتضيه استتاره اليوم وظهوره، إذ ذاك يقضي بطلان ما

١١

توهمه الخصم وادعاه من سهولة هذا الزمان على صاحب الأمر عليه السلام وصعوبته على آبائه عليهم السلام فيما سلف، وقلة خوفه اليوم وكثرة خوف آبائه فيما سلف، وذلك انه لم يكن احد من آبائه عليهم السلام كلّف القيام بالسيف مع ظهوره، ولا الزم بترك التقية، ولا الزم الدعاء إلى نفسه حسبما كلّفه امام زماننا، هذا بشرط ظهوره عليه السلام، وكان من مضى من آبائه صلوات الله عليهم قد ابيحوا التقية من اعدائهم، والمخالطة لهم، والحضور في مجالسهم، واذاعو ا تحريم اشهار السيوف على انفسهم، وخطر الدعوة إليها. واشاروا إلى منتظر يكون في اخر الزمان منهم يكشف الله به الغمة، ويحيي ويهدي به الاُمة، لاتسعه التقية، عند ظهوره ينادي باسمه في السماء الملائكة الكرام، ويدعوا إلى بيعته جبرئيل وميكائيل في الانام، وتظهر قبله امارات القيامة في الارض والسماء، ويحيا عند ظهوره اموات، وتروع ايات قيامه ونهوضه بالأمر الابصار.

فلما ظهر ذلك عن السلف الصالح من آبائه عليهم السلام، وتحقق ذلك عند سلطان كل زمان وملك كل اوان، وعلموا انهم لا يتدينون بالقيام بالسيف، ولا يرون الدعاء إلى مثله على احد من اهل الخلاف، وان دينهم الذى يتقربون به إلى الله عزوجل التقية، وكف اليد، وحفظ اللسان، والتوفر على العبادات، والأنقطاع إلى الله عزوجل بالاعمال الصالحات، امنوهم على انفسهم مطمئنين بذلك إلى ما يدبرونه من شأنهم، ويحققونه من دياناتهم، وكفوا بذلك عن الظهور والانتشار، واستغنوا به عن التغيّب والاستتار.

ولما كان امام هذا الزمان عليه السلام هو المشار إليه بسل السيف من اول الدهر في تقادم الايام المذكورة، والجهاد لاعداء الله عند ظهوره، ورفع التقية عن

١٢

اوليائه، والزامه لهم بالجهاد، وانه المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم انه لا يقوم بالسيف الا مع وجود الأنصار واجتماع الحفدة والأعوان، ولم يكن انصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين إلى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجمعين، ولاكان في الأرض من شيعته طراً من يصلح للجهاد وان كانوا يصلحون لنقل الآثار وحفظ الاحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك إلى الله عزوجل، لزمته التقية، ووجب فرضها عليه كما فرضت على آبائه عليهم السلام، لأنه لو ظهر بغير اعوان لألقى بيده إلى التهلكة، ولو ابدى شخصه للأعداء لم يألوا جهداً في ايقاع الضرر به، واستئصال شيعته، واراقة دمائهم على الاستحلال، فيكون في ذلك اعظم الفساد في الدين والدنيا، ويخرج به عليه السلام عن احكام الدين وتدبير الحكماء.

ولما ثبت عصمته، وجب استتاره حتى يعلم يقيناً - لاشك فيه - حضور الأعوان له، واجتماع الانصار، وتكون المصلحة العامة في ظهوره بالسيف، ويعلم تمكنه من اقامة الحدود، وتنفيذ الاحكام، وإذا كان الامر على ما بيناه سقط ما ظنه المخالف من مناقضة اصحابنا الامامية فيما يعتقدونه من علة ظهور السلف من ائمة الهدى عليهم السلام وغيبة صاحب زماننا هذا عليه التحية والرضوان وافضل الرحمة والسلام والصلاة.

وبان مما ذكرناه فرق ما بين حاله واحوالهم فيما جوّز لهم الظهور، واوجب حليه الاستتار.

(فصل)

ثم يقال لهذا الخصم: اليس النبي صلّى الله عليه وآله قد اقام بمكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس إلى الله تعالى ولايرى سل السيف ولا الجهاد، ويصبر

١٣

على التكذيب له والشتم والضرب وصنوف الاذى، حتى انتهى امره الي ان القوا على ظهره صلى الله عليه وآله وهو راكع السلى(1) وكانوا يرضخون قدميه بالأحجار، ويلقاه السفيه من اهل مكه فيشتمه في وجهه ويحثو فيه التراب، ويضيّق عليه احيانا، ويبلغ اعداؤه في الاذى بضروب النكال، وعذّبوا اصحابه انواع العذاب، وفتنوا(2) كثيراً منهم حتى رجعوا عن الاسلام، وكان المسلمون يسألونه الاذن لهم في سل السيف ومباينة الاعداء فيمنعهم عن ذلك، ويكفهم، ويأمرهم بالصبر على الأذى.

وروي : ان عمر بن الخطاب لما اظهر الاسلام سل سيفه بمكة وقال: لا يعبد الله سراً، فزجره رسول الله صلّى الله عليه وآله عن ذلك. وقال له عبد الرحمن بن عوف الزهري: لو تركنا رسول الله صلّى الله عليه وآله لأخذ كل رجل بيده رجلين إلى جنب رجل منهم فقتله. فنهاه النبي صلّى الله عليه وآله عما قال(3) .

____________________

1 - السلى: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن امه ملفوفاً فيه، وقيل: هو في الماشية السلى، وفي الناس المشيمة.

لسان العرب 14: 396.

2 - في نسخة «ق»: ونفوا.

3 - تروي كتب التأريخ ان عمر بن الخطاب عندما اعلن عن اسلامه شهر سيفه وقاتل قريشاً رغم تأكيد النبي صلّى الله عليه وآله له ولاصحابه بضرورة التكتم في اسلامهم وعلم الاصطدام مع قريش، والغريب في الامر ان عمر اعرض عن ذلك الامر صفحاً وكانه يريد ان يظهر للناس وللمسلمين بانه اجرأ المسلمين، واعزهم شأناً، والاغرب من ذلك انه امتنع عن مراجعة قريش بعد ذلك عند توجه رسول الله صلّى الله عليه وآله نحو مكة عام الحديبية زائراً لا يريد =

١٤

ولم يزل ذلك حاله الي ان طلب من النجاشي - وهو ملك الحبشة - ان يخفر اصحابه من قريش ثم اخرجهم إليه واستتر عليه وآله السلام خائفا على دمه في الشعب ثلاث سنين، ثم هرب من مكة بعد موت عمه ابي طالب مستخفياً بهربه، واقام في الغار ثلاثة ايام ثم هاجر عليه وآله والسلام إلى المدينة ورأى النهي منه للقيام واستنفر اصحابه وهم يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر، ولقى بهم الف رجل من اهل بدر، ورفع التقية عن نفسه إذ ذاك.

ثم حضر المدينة متوجها إلى العمرة، فبايع تحت الشجرة بيعة الرضوان على الموت، ثم بدا له عليه وآله السلام فصالح قريشاً و رجع عن العمرة ونحر هديه في مكانه، وبدا له من القتال، وكتب بينه وبين قريش كتاباً سألوه فيه محو (بسم الله الرحمن الرحيم) فأجابهم إلى ذلك، و دعوا إلى محو اسمه من النبوة في الكتاب لاطلاعهم إلى ذلك، فاقترحوا عليه ان يرد رجلاً مسلماً إليهم حتى يرجع إلى الكفر أو يتركوه فأجابهم إلى ذلك، هذا وقد ظهر عليهم في الحرب(4)

____________________

= قتالاً واراد ان يبعث من يبلّغ اشراف قريش ذلك، حيث قال (وكما ذكرته المصادر المتعددة): يا رسول الله اني اخاف قريشاً على نفسي...

انظر: السيرة النبوية (لابن كثير) 2: 32 و 3: 318، السيرة النبوية (لابن هشام) 1: 374، الكامل في التأريخ (لابن الاثير) 2: 86، تفسير القرآن العظيم (لابن كثير) 4: 200، التفسير الكبير (للرازي) 26: 54

4 - خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في ذي القعدة من عام ست هجرية معتمراً لا يريد حرباً، وقد استنفر العرب ومن حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وساق معه الهدي واحرم بالعمرة ليعلم الجميع انه انما خرج زائراً لهذا البيت.

وعندما بلغ عسفان لقيه بسر (أو بشر) بن سفيان الكعبي واخبره بخروج قريش =

١٥

فإذا قال الخصم : بلى ولابد من ذلك ان كان من اهل العلم والمعرفة بالأخبار.

قيل له : فلم لم يقاتل بمكة وما باله صبر على الاذى، ولمَ منع اصحابه عن الجهاد وقد بذلوا انفسهم في نصرة الاسلام، وما الذي اضطره إلى الاستجارة بالنجاشي واخراج اصحابه من مكة إلى بلاد الحبشة خوفا على دمائهم من الاعداء، وما الذي دعاه إلى القتال حين خذله اصحابه وتثاقلوا عليه فقاتل بهم مع قلة عددهم، وكيف لم يقاتل بالحديبية مع كثرة انصاره وبيعتهم له على الموت، وما وجه اختلاف افعاله في هذه الاحوال؟ فما كان في ذلك جوابكم فهو جوابنا في ظهور السلف من آباء صاحب الزمان واستتاره وغيبته فلا تجدون من ذلك مهرباً.

والحمد لله المستعان، وصلّى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً.

____________________

= واستعدادهم لمنازلة المسلمين ومنعهم من دخول مكة، فاضطر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تغيير مسيره نحو الحديبية، فلما رأت قريش تحول مسير المسلمين ركضوا راجعين نحو مكة.

وبعد ذلك ارسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله رسلهم لترى لاي امر قدم وما هي بغيته، واراد صلى الله عليه وآله ان يوضح الامر لسادات قريش في مكة فطلب من عمر الذهاب لكنه امتنع من ذلك خوفاً من قريش، فأرسل بدله عثمان بن ابي عفان إلى ابي سفيان، فاحتبسته قريش عن العودة، وشاع ان قريش قتلته، عندها دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى قتال القوم، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فأنزل الله فيها قرآناً.

الا ان قريش بعثت سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في طلب الصلع فصالحهم.

انظر: تأريخ الطبري 2: 620، السيرة النبوية (لابن كثير) 3: 312، السيرة النبوية (لابن هشام) 3: 321، التفسير العظيم (لابن كثير) 4: 200

١٦