النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين0%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 427

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد فخر الدين
تصنيف: الصفحات: 427
المشاهدات: 82264
تحميل: 3162


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 427 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82264 / تحميل: 3162
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وجاء في تفسير الميزان:

ج ١ ص ٢٧٣، للسيد الطباطبائي، قال: في قوله تعالى:( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) أي مقتدى يقتدي بك ويتّبعونك في أقوالك وأفعالك فالإمام هو الذي يقتدى ويؤتمّ به.... ثمّ قال: وقال تعالى( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (١) فالإمام هو الّذي يسوق الناس إلى الله سبحانه وتعالى يوم تبلى السرائر، كما أنّه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها.

والآية مع ذلك تفيد أنَّ الإمام لا يخلو منه زمان من الأزمنة، وعصر من الأعصار لمكان قوله تعالى( كُلَّ أُنَاسٍ ) ثمّ إنَّ هذا المعنى، أعني الإمامة على شرافته وعظمته، لا يقوم الّا بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الذي ربّما تلبس ذاته بالظلم والشقاء، فإنمّا سعادته بهداية من غيره، وقد قال الله تعالى( أَفَمَن يَهْدِي إلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ) (٢) وقد قوبل في هذه الآية بين الهادي إلى الحقّ وبين غير المهتدي إلاّ بغيره، أعني المهتدي بغيره، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحقّ مهتدياً بنفسه وأنّ المهتدي بغيره لا يكون هادياً إلى الحقّ البتة.

ويستنتج من هنا أمران: أحدهما: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية، وإلاّ كان غير مهتد بنفسه، كما مرّ، كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣) .

فأفعال الإمام خيراتٌ يهتدى إليها، لا بهداية من غيره، بل باهتداء من نفسه بتأييد الهي وتسديد ربّاني.

وجاء في مناقب ابن المغازلي ص ٢٧٧ مرفوعاً، عن ابن مسعود عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الآية عن قول الله لإبراهيم:[من سجد لصنم دوني لا أجعله إماما، قال صلّى الله عليه وآله: وانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي عليّ، ولم يسجد أحدٌ منّا لصنم قطّ].

____________________

(١) سورة الأسراء: الآية ٧١

(٢) سورة يونس: الآية ٣٥

(٣) سورة الأنبياء: الآية ٧٣

١٢١

وجاء في كتاب الكافي(١) ، قال: عن الإمام الصادقعليه‌السلام [إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً، وإنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً، وإنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وانّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء قال: ( قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) قال عليه‌السلام : فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ( قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال: لا يكون السفيه إمام التقيّ].

وعن المفيد عن درست وهشام عن الصادقعليه‌السلام قال:[قد كان إبراهيم نبيّاً وليس بإمام حتّى قال الله تبارك وتعالى: ( إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) فقال تبارك وتعالى: ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) من عبد صنماً أو وثناً أو مثالاً لا يكون إماماً].

وما أورده المظفَّر في كتابه (دلائل الصدق)(٢) ، قال: وأمّا دلالة الآية بضميمة الحديث على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام فلأنّ الحديث قد دلّ على استجابة دعوة إبراهيم في بعض ذريّته، وصيرورتهم أئمّة للناس لكونهم أنبياء أو أوصياء ودلّ على أنّ الدعوة انتهت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّعليه‌السلام فكانت إمامة رسول الله باتخاذ الله له نبيّاً وإمامة على باتّخاذه وصيّاً،... إلى أن قال: ثمّ إنَّ قوله لم يسجد أحدنا لصنم قطّ إشارة إلى انتفاء مانع النبوّة والإمامة عنهما، أعني المعصية والظلم المذكور في تلك الآية، يقول سبحانه:( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) فيكون معنى كلامه انتهت إلي والى علي دعوة إبراهيم لذريته لانتفاء الظلم عنا، الذي جعله الله مانعاً عن نيل الإمامة، فاتخذني نبيّاً وعلياً وصياً.

وإنّما خصَّ السجود للصنم بالذكر، دون سائر الظلم والمعصية، لانّه الفرد الأهم في الانتفاء وابتلاء عامّة قومه به فالمقصود: إنّما هو بيان انتفاء المانع المذكور في الآية عنهما، لابيان أنَّ عدم السجود للصنم علّة تامّة لانتهاء الدعوة اليهما، حتّى تلزم إمامة كل من لم يسجد لصنم، وان كان جاهلا عاصياً، ولا بيان كون عدم السجود للصنم فضيلة مختصّة بهما في دائم الدهر، حتّى يقال بمشاركة كلّ من ولد على الإسلام لهما، ولا بيان أنّ عدم السجود للصنم سبب تام للفضيلة، حتّى يقال: إنّ بعض من تاب من الكفر أفضل ممن ولد على الإسلام.

____________________

(١) الكافي: ج ١ ص ١٧٥، طبعة دار الكتب الإسلامية.

(٢) دلائل الصدق: ج ٢ ص ٩٠.

١٢٢

ثمَّ إنّ المراد انتهاء الدعوة اليهما ووصولها اليهما لا انقطاعها عندهما. لتعديته بإلى، فلا ينفي إمامة الحسن والحسين والتسعة من بعدهماعليهم‌السلام .

وفي تفسير العيّاشي: ج ١ ص ٥٧ طبعة المكتبة الإسلامية بالاسناد عن صفوان الجّمال قال: كنا بمكّة فجرى الحديث في قول الله:( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ رَ‌بُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) قال: أتمهنّ بمحمّد (صلّى الله عليه وآله) وعليّ (عليه‌السلام ) والأئمّة من ولد علي صلّى الله عليه وآله وسلّم، في قول الله:( ذُرِّ‌يَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

وجاء في كتاب (نقض الصواعق) ص ٢٢٠ للسيد أمير محمّد الكاظمي قال:

إنّ السجود للاصنام الذي كان عليه الخلفاء الثلاثة قبل ظهور الإسلام بمكّة، ينافي منصب الخلافة ولو بعد الإيمان، لأنّ الله تعالى أخبر صريحاً بأنّ عهد الإمامة في قوله:( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) لا تليق بمن تلّبس بالظلم في وقت من الأوقات والكافر لا شكّ في أنّه ظالم، بدليل قوله تعالى:( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة ٢٥٤ ولا شكَّ لأحد في أنّ قريشاً، ومنهم الخلفاء الثلاثة كانوا يعبدون غير الله، ويسجدون للأصنام قبل ظهور الإسلام وعليه إجماع المسلمين.

وقال: وخلاصة القول: أنّ الله قد أخبر نبيّه إبراهيم (عليه‌السلام ) لماّ طلب منه الإمامة لذريّته، بقوله تعالى( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) والظالم وان تاب فلا يخرج من أن تكون الآية تناولته في حال كونه ظالماً، فإذا نفى أن ينال عهده، فقد حكم بأنَّه لا يناله مطلقاً، ولما كانت الآية مطلقة غير مقيّدة بوقت وجب حملها على سائر الأوقات، فلا يناله الظالم وان تاب فيما بعد.

وبعبارة أوضح: إنّ المضارع المنفي بقوله( لَا يَنَالُ عَهْدِي ) ليس للحال فقط، بل يعمّ المستقبل أيضا، وهو يعمّ جميع الأوقات الآتية، ولماّ لم يقيّد الكلام بشيء منها، وجب أن يعمَّ النفي جميعها، فكلّ من اتّصف بالظلم وصدق عليه في وقت ما، كان داخلاً في الظالمين في ذلك الوقت ومشمولاً للآية.

وأورد الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: الباب الرابع والعشرون، في أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يشرك بالله طرفة عين ص ١٢٣.

١٢٣

قال: أخبرنا علي بن أبي عبد الله الأزجي عن المبارك بن الحسن بن أحمد، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا عبد الله بن حمشاد، حدّثنا عبد بن فارس بن محمّد بن علي، حدّثنا إبراهيم بن الفضل بن مالك، حدّثنا الحسن بن عبد الرحمان بن محمّد ين عبد الله بن أبي ليلى، حدّثنا عمرو بن جميع عن محمّد بن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبيه؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم[سبّاق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين، عليّ بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصدّيقون، حبيب النجّار، مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم. ] قلت هذا سند اعتمد عليه الدار قطني واحتج به.

وجاء في الصفحة ١٢٤ من كفاية الطالب للكنجي، قال: أخبرنا أبو طالب عبد اللطيف بن محمّد بن حمزة، وعلي بن السميع الهاشمي قالا: أخبرنا محمّد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي أخبرنا الحافظ أبو الفضل حمد بن أحمد، أخبرنا الحافظ أبو نعيم، أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، حدّثني أبو حصين الحسين بن عبد الرحمان بن أبي ليلى المكفوف حدّثنا عمرو بن جميع البصري، عن محمّد بن أبي ليلى عن عيسى ابن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه أبي ليلى، قال: قال رسول لله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):[الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: (اتّبعوا المرسلين). وحزقيل مؤمن آل فرعون الّذي قال: ( أَتَقْتُلُونَ رَ‌جُلًا أَن يَقُولَ رَ‌بِّيَ اللَّـهُ ) ، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم].

قلت: هكذا رواه أبو نعيم في حلية الأولياء في ترجمة عليّ (عليه‌السلام ).

وورد الحديث في كنز العمّال: ج ٦ ص ١٥٢ وفيه أخرجه الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس. فيض القدير: ج ٤ ص ١٣٥، الصواعق المحرقة: ص ٧٢، ذخائر العقبى: ص ٥٨، الرياض النظرة: ج ٢ ص ١٥٨، وتاريخ بغداد: ج ١٤ ص ١٥٥.

١٢٤

وأخرج الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسيره مجمع البيان المجلد الأوّل ص ٢٠٠ ط دار احياء التراث العربي قال: وروى الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوّة بإسناده مرفوعاً إلى المفضل بن عمر عن الصادق (عليه‌السلام )، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ رَ‌بُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم (عليه‌السلام ) من ربّه فتاب عليه، وهو أنّه قال:[يا ربّ أسالك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم فقلت له يا ابن رسول الله: فما يعني بقوله( فَأَتَمَّهُنَّ ) قال:إلى القائم اثنا عشر إماماً، تسعة من ولد الحسين (عليه‌السلام ) قال المفضّل فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني عن كلمة الله عزّ وجلّ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال:يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة فقلت له يا ابن رسول الله: فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسنعليهما‌السلام وهما جميعاً ولدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة فقال:إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان أخوان فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك وانّ الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ ليس لأحد أن يقول لم جعلها الله من صلب الحسين دون صلب الحسن لأنّ الله عزّ وجلّ هو الحكيم في أفعاله لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون].

وجاء في الصفحة ٢٠٢، من التفسير - مجمع البيان - قال: وقوله( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال مجاهد العهد الإمامة، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أي لا يكون الظالم إماما للناس فهذا يدّل على أنّه يجوز أن يعطي ذلك بعض ولده إذا لم يكن ظالماً لانّه لو لم يُرِد أن يجعل أحداً منهم إماما للناس لوجب أن يقول في الجواب لا أو لا ينال عهدي ذريّتك وقال الحسن معناه أنّ للظالمين ليس عند الله عهداً يعطيهم به خيراً وان كانو قد يعاهدون في الدنيا فيوفّي لهم وقد كان يجوز في العربيّة أن يقال لا ينال عهد الظالمون لأنّ مانالك فقد نلته وقد روي ذلك في قراء ابن مسعود واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الإمام لا يكون إلّا معصوماً عن القبائح لأنّ الله سبحانه نفى أن ينال عهده الذي هو الإمامة ظالم ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالماً إمّا لنفسه وإمّا لغيره. فإن قيل إنمّا نفى أن يناله ظالم في حال ظلمه فإذا تاب لا يسمّى ظالماً فيصح أن يناله، فالجواب أنّ الظالم وان تاب فلا يخرج من أن تكون الآية قد تناولته في حال كونه ظالماً فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنّه لا ينالها والآية مطلقة غير مقيّدة لوقت دون وقت فيجب أن تكون محمولة على الأوقات كلّها فلا ينالها ظالم وان تاب فيما بعد.

١٢٥

سورة البقرة الآية ١٤٣

( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ... )

أورد الحاكم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل(١) قوله:

أخبرنا محمّد بن عبد الله بن أحمد الصوفي قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد الحافظ قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى بن أحمد، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عمر قال: حدّثني بشر بن المفضل قال: حدّثنا عيسى بن يوسف، عن أبي الحسن علي بن يحيى، عن أبان بن أبي عياّش عن سليم بن قيس عن عليٍّعليه‌السلام قال:[إنّ الله إيّانا عني بقوله تعالى ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ... ) فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه ونحن الذين قال الله جلّ اسمه ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) .]

وجاء في تفسير الميزان للطباطبائي: ج ١ ص ٣٢٤ قال: ومن ذلك قوله (عليه‌السلام ) فالمراد بكون الأمّة شهيدةً، أنَّ هذه الشهادة فيهم. كما أنَّ المراد بكون بني إسرائيل فضّلوا على العالمين أنَّ هذه الفضيلة فيهم، من غير أن يتّصف كل واحد منهم، بل نسب وصف البعض إلى الكلّ لكون البعض فيه ومنه، فكون الأمّة شهيدة هو أنَّ فيهم من يشهد على الناس ويشهد الرسول عليهم.

وأرود السيد الطباطبائي أيضاً في بحثه الروائي من تفسيره لهذه الآية الكريمة ومن طرق أهل السنّة والجماعة في شهادة الأمّة على الناس وشهادة النبيّ عليهم: أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالب الله الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلغوا (وهو أعلم) فيؤتى بأمّة محمّد فيشهدون، فتقول الأمم: من أين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك بأخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيّه الصادق، فيؤتى بمحمّد ويسأل عن حال أمّته، فيزكّهم ويشهد بعدالتهم، وذلك قوله تعالى( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) (٢) ، وكذلك فقد بين الطباطبائي موضحاً بأنّ هناك أخباراً تؤيّد الخبر المذكور قد نقلها السيوطي وغيره، من تزكية الرسول لأمّته وتعديله إيّاهم.

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٣٩ ط ٣ في الحديث المرقم ١٣٠.

(٢) سورة النساء: الآية ٤١.

١٢٦

ثمَّ قال: لعلّه يراد به تعديله لبعضهم دون جميعهم، والّا فهو مدفوع بالضرورة الثابتة من الكتاب والسنّة، وكيف تصحح أو تصوّب هذه الفجائع التي لا تكاد توجد، ولا أنموذجاً منهافي واحدة من الأمم الماضية؟ وكيف يزكّى ويعدّل فراعنة هذه الأمّة وطواغيتها؟ فهل ذلك إلّا طعن في الدين الحنيف؟ ولعب بحقائق هذه الملّة البيضاء.

ومن ثمّ فقد أورد الطباطبائي ما في المناقب من هذه المعاني عن الإمام محمّد الباقر (عليه‌السلام ) أنّه قال:[ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمّة والرسل، وأمّا الأمّة فغير جائز أن يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل].

وقد نقل عن تفسير العيّاشي أيضاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) الآية، فإنْ ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدّين، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة، ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلّا، لم يعن الله مثل هذا من خلقه. يعني الأمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم: كنتم خير أمّة أخرجت للناس وهم الأمّة الوسطى، وهم خير أمّة أخرجت للناس.

وجاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي(١) قال: ثمّ بين سبحانه فضل هذه الأمّة على سائر الأمم فقال سبحانه( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) وقد ذكرنا وجه تعلّق الكاف المضاف إلى ذلك بما تقدّم، أخبر عن اسمه أنّه جعل أمّة نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم عدلاً وواسطة بين الرسول والناس ومتى قيل إذا كان في من ليس هذه صفته فكيف وصف جماعتهم بذلك فالجواب أنّ المراد به من كان بتلك الصفة ولانّ كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم وروى بريد بن معاوية العجلي عن الباقرعليه‌السلام قال:[نحن الأمّة الوسط ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه] وفي رواية أخرى قال:[الينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصّر] وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفضيل بإسناده عن سُليْم بن قيس الهلالي عن عليٍّعليه‌السلام :[أنّ الله تعالى إيّانا عنى بقوله: لتكونوا شهداء على الناس. فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه ونحن الّذين قال الله تعالى ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) وقوله ( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) ] .

____________________

(١) مجمع البيان للطبرسي: المجلد الأول ص ٢٢٤ ط دار إحياء التراث العربي بيروت.

١٢٧

سورة البقرة الآية ١٤٣

( وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ )

أورد الحافظ الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل(١) قوله:

أخبرنا أبو نصر المفسِّر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: حدّثنا أبو إسحاق المفسّر قال: حدّثنا محمّد بن حميد الرازي قال: حدّثنا حكام قال: حدّثنا أبو درهم قال: سمعت الحسن يقول: كان عليّ بن أبي طالب من المهتدين ثمّ تلا:( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ) الآية فكان عليّ أوّل من هداه الله مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأوّل من لحق بالنبي (صلّى الله عليه وآله). فقال له الحجّاج: ترابي عراقي.

قال: فقال الحسن: هو ما أقول لك.

وأورد كذلك تفصيل هذه الرواية لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري المتوفّى ٣٩٥ في الباب الرابع من كتاب الأوائل ص ٩٣ ط دار الكتب العلمية قال:

وأخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا الجوهري، عن أبي زيد، عن يوسف بن موسى القطان، عن حكام بن سلم، عن أبي درهم، عن الحجاج، بعث إلى الحسن فلمّا حضر قال له يزيد بن أبي مسلم: إنّ الأمير يريد أن يدفع إلى التجار ألف درهم على أن يردوها إليه عند الحول «ده، دوازده» فما ترى؟ قال: قال(الحسن): ذلكم محض الربى قال: لا تفسد على الأمير عمله. فقال: إنّ الله لم يجعل هذا الدّين هوى الملوك وأتباعهم. قال: فاستوى الحجّاج وقال: ما تقول في أبي تراب؟ قال: من أبو تراب؟ قال: ابن أبي طالب. قال: أقول إنّ الله جعله من المهتدين. قال: هات برهاناً؟ قال: قال الله تعالى( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا ) إلى قوله تعالى( إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) وكان عليّ أوّل من هدى الله مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قال: رأي عراقيٌّ. قال: هو ما تسمع. ثمّ خرج وقال: لماّ عوفيت من الفاسق ذكرت عفو الله عن العباد، في كلام هذا معناه.

وانظر شواهده في ترجمة أبي محمّد العجمي حبيب بن محمّد من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج ٤ من الطبعة الأردنية ص ١٧٠، وفي ط دار الفكر: ج ١٢ ص ٤٨، وترجمة الحجّاج بن يوسف الثقفي: ج ٤ ص ٢٥٥ وفي ط دار الفكر: ج ١٢ ص ١٧٥ - ١٧٦.

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٤٠ ط ٣.

١٢٨

ورواه أيضاً أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللا لكائي المتوفى ٤١٨ في أواخر فضائل أمير المؤمنين من شرح أصول الاعتقاد: ج ٧ ص ١٣٨١، قال: أنبانا علي بن عمر، أنبانا إسماعيل بن محمّد، قال: أنبانا أبو يحي الرازي، قال: أنبانا محمّد - يعني ابن حميد - قال: عفان قال: أنبانا أبو درهم قال: سمعت الحسن البصري يقول وقال له الحجّاج بن يوسف: ما تقول في أبي تراب؟ قال: ومن أبو تراب؟ قال: عليّ بن أبي طالب: قال: أقول: إنّ الله جعله من المهتدين، فقال: هات لما تقول برهاناً قال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) فكان عليّ بن أبي طالب أوّل من هدى الله مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأوّل من لحق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. قال: يقول الحجاج: رأي عراقي؟ قال الحسن: هو ما أقول لك؟!

وبعده أيضاً ما دار بين الحسن والحجّاج من المفاضلة بين عليّ وعثمان.

وأورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(١) ، قال: حدّثني السيد الزكي أبو منصور ظفر بن محمّد الحسيني رحمه الله قال: أخبرنا أبو أحمد محمّد بن علي العبدكي قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن داود الاصفهاني قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن جعفر الهاشمي قال: حدّثنا أبو معمر المنقري قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد قال: حدّثنا محمّد بن ذكوان، قال: حدّثني مجالد بن سعيد أنّ الشعبى حدّثهم قال: قدمنا على الحجّاج بن يوسف البصرة وكان الحسن آخر من دخل، ثمّ جعل الحجاج يذاكرنا وينتقص عليّاً وينال منه، فنلنا منه مقاربة له وفرقاً من شرّه والحسن ساكت عاض على إبهامه، فقال له الحجّاج: يا أبا سعيد، مالي أراك ساكتاً؟ فقال الحسن: ما عسيت أن أقول؟ قال الحجّاج: أخبرني برأيك في أبي تراب. فقال الحسن: سمعت الله يقول:( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) فعليٌّ ممن هداه الله ومن أهل الإيمان، وعليّ ابن عمّ الرسول وختنه على ابنته أحبّ الناس إليه. وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله، لا تستطيع ردّها ولا أحد من الناس أن يحصرها عليه. وذكر الحديث.

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٤١ ط ٣ في الحديث المرقم ١٣٢.

١٢٩

وأورد البلاذري بقية للحديث، في الحديث المرقم: ١٤٨ من ترجمه أمير المؤمنينعليه‌السلام من كتاب أنساب الأشراف(١) ، قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة الآية ١٥٣.

جاء في كتاب نظم در السمطين ص ٨٩: ما أنزل الله تعالى آية فيها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا وعليّ رأسها وأميرها.

لقد ورد في القرآن الكريم في عدّة آيات - الّذين آمنوا - وقد ذكر في روايات المحدّثين والكثير من المفسِّرين، وحسب الروايات الواردة في ما نقلت من كونها نزلت في الإمام عليعليه‌السلام ، ونحن نوردها حسب ما وردت في المصادر التي أثبتت فيها.

حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدّثنا عبد الله بن عمرو المنقري، حدّثنا عبد الوارث، عن محمّد بن ذكوان، عن مجالد بن سعيد: عن عامر الشعبي قال: قدمنا على الحجاج البصرة، وقدم عليه قراء أهل المدينة، فدخلنا عليه في يوم صائف شديد الحر، فقال للحسن: مرحبا بابي سعيد؛ إليّ - وذكر كلاماً -، قال: ثمّ ذكر الحجّاج عليّاً فنال منه، وقلنا قولاً مقارباً له فرقا من شرّه، والحسن ساكت عاضّ على إبهامه، فقال: يا أبا سعيد مالي أراك ساكتاً؟ فقال: ما عسيت أن أقول؟ قال: أخبرني برأيك في أبي تراب قال: أفي عليّ؟ (قال: نعم. قال: ).

سمعت الله يقول( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) . فعليٌّ ممن هدى الله، ومن أهل الإيمان، وأقول: إنّه ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وختنه على ابنته، وأحبّ الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات سبقت من الله لا تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحصرها عنه، ونقول: إن كانت لعليّ ذنوب فالله حسيبه، والله ما أجد قولاً أعدل فيه من هذا القول. (قال الشعبي: ) فعبس الحجّاج وجهه وقام عن السرير مغضباً قال: وخرجنا.

وأورد الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(٢) وقال:

____________________

(١) أنساب الأشراف: ج ٢ ص ١٤٧ ط ١ وفي ط ٢ ص ٥٦.

(٢) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٤٣ ط ٣، الحديث المرقم ١٣٣.

١٣٠

قال: وحدّثنا الغلاني قال: حدّثنا عبد الله بن الضحّاك قال: حدّثني عبد الله بن عمرو الهدادي قال: قال الحجاج للحسن: ما تقول في أبي تراب؟ قال: ومن أبو تراب؟ قال: عليّ بن أبي طالب: قال: أقول إنّ الله جعله من المهتدين. قال: هات على ما تقول برهانا ً. قال الله تعالى في كتابه:( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) . فكان عليّ أوّل من هداه الله مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم(وآله) وسلم.

قال الحجاج: ترابي عراقي.

قال الحسن: هو ما أقول لك: فأمر بإخراجه قال الحسن: فلمّا سلّمني الله تعالى منه وخرجت ذكرت عفو الله عن العباد.

وورد الحديث في تاريخ الطبري، كما في عنوان: ذكر من هلك سنة ١٠٥من المنتخب من كتاب ذيل المذيل من تاريخ الطبري(١) قال: وقال: علي بن محمّد، عن أبي إسحاق، عن الحسن قال:

دخلت على الحجاج فقال: يا حسن ما جرّأك عليَّ ثمّ قعدت تفتي في مسجدنا؟ قلت الميثاق الذي أخذه الله عزّ وجلّ على بني آدم!! قال: فما تقول في أبي تراب؟ يعني عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قلت: وماحسنٌ أن أقول إلّا ما قاله الله عزّ وجلّ؟ قال: وما قال الله؟ قلت: قال الله عزّ وجلّ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ ) وكان عليٌّعليه‌السلام ممن هدى الله.

فغضب (الحجّاج) ثمّ أكبّ ينكت الأرض، وخرجت (و) لم يعرض لي أحد فتواريت حتّى مات. توارى تسع سنين.

وروى أبو القاسم اللا لكائي هبة الله بن الحسن المتوفّى سنة ٤١٨ في أواخر فضائل عليٍّعليه‌السلام من كتاب شرح أصول الاعتقاد(٢) قال:

أنبأنا محمّد بن عبد الرحمن، قال: أنبانا عبيد الله بن عبد الرحمن، أنبأنا زكريا بن يحيى قال: أنبانا خالج بن يزيد العلوي من بني سوك؟ قال:

____________________

(١) تاريخ الطبري: ص ٦٣٨.

(٢) شرح أصول الاعتقاد: ج ٧ ص ٣٨٢ ط ١.

١٣١

لما دخل الحسن على الحجّاج فقال له: ما تقول في عليٍّ وعثمان؟ قال(الحسن) أقول فيهما كما قال من هو خير منّي بين يدي من هو شرّ منك! ومن ذاك الذي هو خير منك وشرّ منّي؟ قال: موسى وفرعون حين قال له:( مَا بَالُ الْقُرُ‌ونِ الْأُولَىٰ ﴿٥١﴾ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَ‌بِّي ) .

وأشار إلى هذا الخبر السمعاني من ترجمة خالد بن يزيد العلوي من الأنساب.

سورة البقرة الآيات ١٥٥-١٥٧

( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) .

ورد في كتاب شمسيّة الأفكار -من كتب العامّة- ص ٥٦ في قوله تعالى:( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) : أنّها نزلت في عليٍّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، لما وصل إليه قتل حمزة سيّد الشهداء.

سورة البقرة الآية ١٥٩

( أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) .

أخرج العلّامة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي المكّي في كتابه - المناقب ص ٢٤ قال: أنباني مهذّب الأئمّة أبو المظفّر عبد الملك بن علي بن محمّد الهمداني اجازة عن ثوير بن أبي فاختة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه:[الرقائق الضغائن الّتي لك في الصدور من لا يظهرها إلّا بعد موتي ثمّ قرأ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) ثمّ بكى صلّى الله عليه وآله وسلّم فقيل ممَّ بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: صلّى الله عليه وآله وسلّم أخبرني جبرائيل أنّهم يظلمونه ويمنعونه حقّه ويقاتلونه، ويقتلون ولده ويظلمونهم بعدي].

وأخرج العلّامة الهندي بسمل عن أبي سعد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث:[هذا عليّ بن أبي طالب، هذا شيخ المهاجرين والانصار...

إلى أن قال: صلّى الله عليه وآله وسلّمفعلى مبغضيه لعنة الله ولعنة اللاعنين] (١) .

____________________

(١) أرجح المطالب: ص ٢٩.

١٣٢

أخرج أحمد بن حنبل في كتاب فضائل الصحابة - في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام في الحديث ٢٣٤ ص ١٦٠ قال: القطيعي: حدّثنا عبد الله (بن محمّد البغوي)، حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا حرمي بن عمارة، حدّثنا الفضل بن عميرة أبو قتيبة القيسي حدّثنا ميمون الكردي أبو بصير، عن أبي عثمان النهدي. عن عليٍّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال:[كنت أمشي مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض طرق المدينة فأتينا على حديقة فقلت يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال: ما أحسنها ولك في الجنّة أحسن منها، ثمّ أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة. فقال: لك في الجنّة أحسن منها، حتّى أتينا على سبع حدائق أقول: يا رسول الله ما أحسنها ويقول: لك في الجنّة أحسن منها فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلّا من بعدي، فقلت: في سلامة من ديني؟ قال في سلامة من دينك].

وأخرج ابن حنبل في فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة، في الحديث ٢٣٥ ص ١٦٠ قال: القطيعي: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز، حدّثنا أحمد بن منصور وعلي بن مسلم وغيرهما قالو: حدّثنا عمرو بن طلحة القناد، حدّثنا اسباط عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ عليّاً كان يقول في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الله عزّ وجلّ يقول:[ ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) .والله لا نتقلّب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، ولئن مات أو قتل لأ قاتلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووراثه، ومن أحقّ به منّي].

سورة البقرة الآية ١٦٦

( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ )

روى الحافظ محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص ٦٥ عن جابر بن عبد الله قال: كان لآل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خادمة تخدمهم يقال لها -بريرة- فلقيها رجل وقال لها: يا بريرة غطّي شعيفاتك فإنّ محمّدا لن يغني عنك من الله شيئا.

١٣٣

قال: فأخبرت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج يجرّ رداءه محمرّة وجنتاه. وكنّا معشر الأنصار نعرف غضبه بجرّ رداءه وحمرة وجنتيه. فأخذنا السلاح ثمّ أتيناه فقلنا يا رسول الله، مرنا بما شئت والذي بعثك بالحقّ نبيّاً لو أمرتنا بآبائنا وأمّهاتنا، و أولادنا لمضينا لقولك فيهم.

ثم صعد صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبر فحمد الله وأثنى عليه - إلى أن قال:[ما بال قوم يزعمون أنّ رحمي لا تنفع، بل تنفع حتّى تبلغ حَكَمَ و حَاءَ (١) إنّي لأشفّع فأشفع، حتّى أنّ من أشفع له ليشفِّع فيشفع، حتّى أنّ إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة]. وروى العلّامة المناوى في فيض القدير، عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال:[كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببى ونسبى].

وجاء في الدرّ الثمين للحافظ البرسي ص ٥٤ قال: ثمّ جعل من تولّى عنه مقطوعا من الرحمة فقال: (وتقطّعت بهم الأسباب) قال الرضاعليه‌السلام :[اتّبعوا باختيارهم أئمّة الضلال ومن اتّبع الضلال فهو مقطوع من الرّحمة. ]

سورة البقرة الآية ١٧٢

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )

أخرج الحافظ محمّد بن إدريس الحنظل المعروف بـ[ابن أبي حاتم] من كتابه الجرح والتعديل: ج ٣ القسم الأول ص ٢٧٥ بإسناده عن عكرمة(٢) - أبو عبد الله البربري الهاشمي، مولى عبد الله بن عباس، عن عبد الله بن عباس (رضي‌الله‌عنهما ) قال: ما نزلت آية فيها( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا عليّ رأسها وأميرها وشريفها (علي) ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمّد (صلّى الله عليه وآله) في غير آية من القرآن وما ذكر عليّاً إلّا بخير.

____________________

(١) حكم وحاء: قبيلتان من اليمن.

(٢) عكرمة: هو من كبار التابعين ومن أئمّة المحدّثين، فقد روى عن الكثير من الصحابة كما روى عنه الكثير من التابعين وأصحاب الصحاح الستّة، كما روى عنه آخرين وعدّ من الخوارج، فهو لا يروي القليل من فضائل أهل البيت وبالخصوص فضائل الإمام عليعليه‌السلام ، مات سنة ١٠٥ للهجرة وكان خادماً لعبد الله بن عباس.

١٣٤

سورة البقرة الآية ١٧٧

( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابن السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )

أورد الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(١) ما يلي قوله: حدّثونا عن أبي بكر السبيعي قال: حدّثنا علي بن العباس بن الوليد البجلي قال: حدّثنا محمّد بن مروان الغزال قال: حدّثنا إبراهيم بن الحكم بن ظهير، قال: حدّثنا أبي عن السُدّي قال:

نزلت في عليٍّ في ناسخ القرآن ومنسوخة.

و أورد الطبرسي في تفسيره مجمع البيان(٢) قال: وروي عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال:[كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول الله، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه]، يريد إذا اشتدّ الحرب( أُولَٰئِكَ ) إشارة إلى من تقدّم ذكرهم( الَّذِينَ صَدَقُوا ) أي صدقوا الله فيما قبلوا منه والتزموه علما وتمسّكوا به عملاً، عن ابن عباس و الحسن، وقيل صدقت نيّاتهم لأعمالهم على الحقيقة( وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) أي اتّقوا بفعل هذه الخصال نار جهنّم، واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنَّ المعنيُّ بها أمير المؤمنينعليه‌السلام لانّه لا خلاف بين الأمّة أنّه كان جامعاً لهذه الخصال فهو مراد بها قطعاً ولا قطع على كون غيره جامعاً لها ولهذا قال: الزجّاج والفرّاء أنّها مخصوصة بالأنبياء المعصومين لأن هذه الأشياء لا يؤدّيها بكليتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبياء.

سورة البقرة الآية ١٧٨

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ )

أخرج العلّامة عبيد الله بسمل أمرتسري الهندي من كتاب مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن عبد البر أحمد والطبراني وابن أبي حاتم وابن عبد البر وابن حجر عن ابن عباس (رضي‌الله‌عنه ) قال:[ ما أنزل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا عليّ أميرها وشريفها ولقد عاتب الله أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. وما ذكر عليّاً إلّا بخير ] (٣) .

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٥٥ ط ٣، في الحديث المرقم ١٤٤.

(٢) مجمع البيان: المجلد الأوّل ص ٢٦٤ ط دار إحياء التراث العربي بيروت.

(٣) كتاب أرجح المطالب: ص ٥١.

١٣٥

سورة البقرة الآية ٢٠٧

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )

عندما بات الإمام عليعليه‌السلام على فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نزلت هذه الآية الكريمة، التي أبانت فضيلة كبيره ومن أعظم مناقب الإمام عليعليه‌السلام .

ولقد جمع الكثير من الاعلام والمحدّثين، خبر مبيت الإمام عليعليه‌السلام على فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وان كانت الالفاظ التي أوردوها متباينة أو مختلفة لكنّها متقاربة في المضمون والمعنى واحد، وما ورد في كتاب (ينابيع المودّة) للشيخ سليمان الحنفي القندوزي، وكما ينقله، كما مدرج أدناه، قال: الحافظ سليمان القندوزي: عن الثعلبي من تفسيره، وابن عقبة من ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العتره الطاهرة والغزالي في إحياء العلوم، بأسانيدهم، عن ابن عباس، وعن أبي رافع وعن هند بن أبي هاله ربيب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم - أمّة خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين، أنّهم قالوا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم[أوحى الله إلى جبرائيل و ميكائيل إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيّكما يؤثر آخاه عمره، فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: إنّي آخيت بين عليّ وليي وبين محمّد نبيي، فآثر عليّ حياته للنبيّ، فرقد على فراش النبيّ يقيه بمهجته. إهبطا إلى الأرض و أحفظاه من عدوّه. فهبطا، فجلس جبرائيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل يقول (: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، والله عزّ وجلّ يباهى بك الملائكة فأنزل الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي... ) ] .

١٣٦

ولقد أورد هذا الخبر وبألفاظ متقاربة وبمعنى واحد أعلام من كبار السنّة، منهم: ابن سبع المغربي في كتابه: شفاء الصدور والطبراني في الجامع الأوسط والكبير، وابن الأثير في أسد الغابة ٤/٢٥، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ٣٣، والفاضل النيسابوري، و الإمام الفخر الرازي، وجلال الدين السيوطي في تفاسيرهم لهذه الآية الكريمة، كما وأورد الحافظ أبو نعيم في كتاب: ما نزل من القرآن في عليٍّ، والخطيب الخوارزمي من المناقب، وشيخ الإسلام الحمويني في الفرائد، والعلامة الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب، الباب الثاني والستّون، و الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ومحمّد بن جرير بطرق عديدة، وابن هشام في السيرة النبويّة، والحافظ محدث الشام في الأربعين الطوال، و الإمام الغزالي في إحياء العلوم: ٣/ ٢٢٣ وأبو السعادات في (فضائل العترة الطاهرة)، وسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص: ص ٢١ كما ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ١٣/٢٦٢ ط دار إحياء التراث العربي - قول الشيخ أبي جعفر الإسكافي، قال: وقد روى المفسّرون كلّهم أنَّ قول الله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) أنزلت في عليٍّعليه‌السلام ليلة المبيت على الفراش.

وروى الحاكم أيضاً ما يدل على ذلك في مستدركه: ج ٣: ٤ وصححه الذهبي في تلخيصه من طريق أبي بكر أحمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألبسه برده وكانت قريش تريد أن تقتل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فجعلوا يرمون عليّا، ويرونه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد لبس برده، وجعل عليرضي‌الله‌عنه يتضوّر، فإذا هو عليٌّ.!! فقالوا: إنّك للئيم.!! إنّك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ولقد إستنكرناه منك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.

١٣٧

وفيه أيضاً عن عليٍّ بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال:[إنَّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله، عليّ بن أبي طالب]. وقال عليّ عند مبيته على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجّاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار أمنا

موقّى وفي حفظ الإله وفي ستر

وبت أراعيهم ولم يتهمونني

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وقد أخرجه القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودّة: ص ٩٢ وقال: أخرجه الحمّوئي بعينه، وأبو نعيم الحافظ بسنده عن ابن عباس قال: بات عليّ على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة خروجه من مكّة، ونزلت:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .(١)

(نقلا من شواهد التنزيل - لابن رويش) ولقد ذكر حسين الراضي صاحب كتاب تتمّة المراجعات: أنّ العلماء على اختلاف مذاهبهم قد أوردوا، مبيت الإمام عليّ على فراش النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عند هجرته للمدينة المنوّرة، منهم الحسكاني الحنفي في تفسيره: ج ١ الصفحات ٩٦، ١٣٣ إلى ١٤٢، والكنجي الشافعي في كفايته: ص ٢٣٩ والغزالي في إحياء علوم الدين: ج ٣ ص ٢٣٨، والشيخ الأميني في كتاب الغدير: ج ٢ ص ٤٧، وابن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمّة: ص ٣١ ط الحيدرية، ص ١١٤ ط الغري، وسبط ابن الجوزي من تذكرة الخواص: ص ٣٥ وص ٢٠ ط الحيدريّة، الرازي في تفسيره: ج ٥، ص ٢٢٣ ط، البهيّة و ج ٢ ص ٢٨٣ الطباعة بمصر، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: ط مصر بتحقيق محمّد أبو الفضل، و زينى دحلان في السيرة النبويّة بهامش السيرة الحلبيّة: ج ١ ص ٣٠٦ وفي نور الأبصار: ص ٩٦. دار الفكر.

____________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٠٧.

١٣٨

وقد أورد الغزالي الحديث الآنف ذكره في كتابه: إحياء علوم الدين، في عنوان (الإيثار وفضيلته) وأردفه بقوله: فأنزل الله عزّ وجلّ:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشـْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) وقال أبو جعفر الإسكافي كما ورد في شرح نهج البلاغة:(١) حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلّا مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة.

وقد روى المفسّرون كلّهم أنّ قول الله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) نزلت في عليٍّ ليلة المبيت على الفراش.

وقد قال البعض من أنّ الآية قد نزلت في الزبير والمقداد، لما بعثهما النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لإنزال خبيب بن عدي عن خشبته التي صلب عليها في مكّة، فهو دسٌّ وكذب محض وافتراء صريح، حيث لم يتعرض الرازي، لهذا القول في تفسيره الكبير الجامع لأقوالهم وكذلك الزمخشري، كما لم يذكره السيوطي الذي جمع في تفسيره: الدرّ المنثور عامّة أخبارهم، وللبيان والاطلاع نقول: إنّ هذا الإدعاء مخالف لما ورد في ترجمة خبيب بن عدي، الذي ذكرت ترجمته في كتاب الاستيعاب لابن عبد الله: أنّ الذي أمره النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بإنزال خبيب، هو عمرو بن أميّةالضمري. ولم يذكر فيه الزبير. (نقلا عن كتاب شواهد التنزيل).

سورة البقرة الآية ٢٠٧

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )

أورد الحافظ الحاكم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل(٢) مبينا فيه نزولها بالإمام عليّعليه‌السلام قال:

أخبرنا أبو سعد السعدي - بقراءتي عليه من أصل سماعه بخطّ السلّمي - قال: حدّثنا أبو الفتح محمّد بن أحمد بن زكريّا الطحان ببغداد قال: حدّثنا إبراهيم بن أحمد البذوري قال: حدّثنا أبو أيّوب سليمان بن أحمد الملطي قال: حدّثنا سعيد بن الرفاء قال: حدّثنا علي بن حكام(٣) الرازي، عن شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال:

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن الحديد: ج ٣ ص ٢٧٠.

(٢) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٤٥ ط ٣ الحديث المرقم ١٣٤.

(٣) كذا في النسخ، ولعلّ الصواب: (علي بن بحر، عن حكام الرازي..... )

١٣٩

لما أُسري بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يريد الغار بات عليّ بن أبي طالب على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأوحى الله إلى جبرئيل و ميكائيل:[إنِّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، وأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبّا الحياة، فأوحى الله إليهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي محمّد فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فا حفظاه من عدوّه) فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي: بخٍ بخٍ، من مثلك يا ابن أبي طالب؟ الله - عزّ وجلّ - يباهي بك الملائكة! فأنزل الله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشـْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ] .

وأورد الشيخ سليمان الحنفى القندوزي في كتابه (ينابيع المودّة).

قال الحافظ القندوزي: عن الثعلبي في تفسيره، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العتره الطاهرة، والغزالي في إحياء العلوم، وبأسانيدهم عن ابن عباس، وعن أبي رافع، وعن هند بن أبي هالة ربيب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم - أمّه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، انهم قالوا: قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم [أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: إنِّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيّكما يؤثر آخاه عمره، فكلاهما كرها الموت، فأوصى الله إليهما: إنّي آخيت بين عليّ ولييّ وبين محمّد نبييّ، فآثر عليٌّ حياته للنبيّ، فرقد في فراش النبيّ يقيه بمهجته، اهبطا إلى الأرض و أحفظاه من عدوّه.

فهبطا، فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل يقول: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب عليه‌السلام والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْـرِي ) ]، وكذلك قد ذكر القندوزي في كتابه: ينابيع المودّة ص ٩٥.

وقال: أخرجه الحموئى بعينه، وأبو نعيم الحافظ بسنده عن أبي عباس قال: بات عليّ على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة خروجه من مكّة، ونزلت:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشـْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .

١٤٠