القادحة الدَّهيا في مقتل يحيى ( يحيى بن زكريّا عليهما السلام )

الكتاب: القادحة الدَّهيا في مقتل يحيى ( يحيى بن زكريّا عليهما السلام ).

المؤلّف: الشيخ حسين آل عصفور البحراني ( الشهيد سنة 1216 هجريّة ).

المحقّق: السيّد محمود الغريفي.

الناشر: دار حفظ التراث البحراني ـ البحرين.

الطبعة: الأُولى ـ سنة 1431 هـ.

كأنّما

أراد السيّد المُعِدّ المحقّق الغريفي في جهده هذا أمرين:

الأوّل ـ إحياء الكتاب وإخراجه إلى الطبع بحُلّةٍ جميلة، وعرض مواضيعه المفيدة الشائقة محقَّقةً ومزيّنةً ومؤنسة.

والأمر الثاني ـ هو التعريف بالمؤلّف، ربّما لمغموريّة فضيلته، ومظلوميّته وشهادته، فبعد مقدّمةٍ مختصرة سرّح السيّد الغريفي قلمه في تدوين سيرة المصنّف الشيخ حسين آل عصفور فيما يزيد على أربعين صفحة، استعرض خلالها حياته الشخصيّة والعلميّة، وذلك من خلال عناوين كثيرة ودقيقة، كان اللافت منها: تبرّيه من أعداء الآل والتزامه بمجالس العزاء الحسيني، وذكره الإمام الحسين عليه السلام عند احتضاره... حيث طلب راثياً ينشده في الحسين أشعاراً تُبكيه، فسُئل عن ذلك فقال: لكي ألقى اللهَ ودموعي جارية على أبي عبدالله الحسين عليه السلام.

وكان من تلك العناوين: مؤلّفاته، وقد عدّ له السيّد المحقق أكثر من ( 80 ) مؤلّفاً في: الفقه والإجازات، وسيرة أهل البيت عليهم السلام وشهاداتهم. وأخيراً شهادته رحمه الله على يد خوارج من عُمان، ورثاؤه وقبره.

أمّا المؤلَّف

فيبدأ بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على محمّدٍ وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام، ثمّ ذِكر دواعي تصنيف هذا الكتاب، بعد ذلك يشرع المؤلّف به على تقسيمٍ عبّر عنه أنّه مرتّب على ثلاثة نوادٍ:

الأوّل ـ في وصف ولادة يحيى بن زكريّا عليهما السلام، وما جرى له من علوّ مرتبته وسعادته، وما منحه الله تعالى من إقباله عليه، وعنايته في فطرته، وبدايته في تسميته.

ولعلّ أخصّ خصيصةٍ في بحوث هذا الكتاب ورودَ عناوينَ متعلّقةٍ بالنبيّ وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام، وذِكرَ علاقتها بالشهيد يحيى بن زكريا، ووضع بعض المقارنات المستفادة من الآيات والروايات بينه وبين الإمام أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه... ففي النادي الأوّل هنا نقرأ مثلاً:

ـ وجودُ أهل البيت عليهم السلام قبل وجود الأنبياء عليهم السلام.

ـ النبيّ زكريا عليه السلام وحادثة كربلاء.

ـ زكريّا عليه السلام وأوّل المحرّم.

ـ المشتركات بين النبيّ يحيى عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام.

• النادي الثاني ـ بيان الأخلاق الكاملة، والصفات الشاملة الفاضلة، ليحيى عليه السلام، وزهده في هذه الدنيا القاتلة. وقد استفاد المؤلّف في هذا الباب من أخبار: الكافي للكليني، وقصص الأنبياء للراوندي، عن إبراهيم بن مهزيار راوياً عن الإمام أبي الحسن عليّ الهادي عليه السلام. والممتع في هذا النادي ـ وقبلَه وبعده أيضاً ـ أنّه طُعِّم بقصائد أو مقطوعاتٍ شعريّة صغيرة توافق موضوعاته، وترفع الملل عن القارئ بل تُؤنسه.

• أمّا النادي الثالث ـ فهو في ذكر مقتل يحيى عليه السلام وشهادته على يد الطغاة البغاة اللئام، وشهادة والده زكريّا عليه السلام، وانتقالهما إلى جوار الملك العلاّم... وقد قُطع رأس يحيى وأُهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، كما صُنع بالإمام الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وقد عرّف المؤلّف رضوان الله عليه هنا بملك زمان يحيى، وعرض وقائع عديدة حول شهاد يحيى سلام الله عليه، وهو في ذلك لم ينسَ الشهادة العظمى لسيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، ولا بعضَ المشابهات بينهما ـ مع الفارق الكبير ـ، فكان لهذه الأمور عناوين:

ـ الإمام الحسين عليه السلام يرثي النبيَّ يحيى عليه السلام... وذلك ما رواه عن ( مثير الأحزان ) لابن نما، و ( الملهوف على قتلى الطفوف ) للسيّد ابن طاووس، حيث ذكرا أنّ عبدالله بن عمر اقترح على الإمام الحسين عليه السلام مصالحة أهل الضلال، فردّ عليه الإمام بقول: « يا أبا عبدالرحمان، أما علمتَ أنّ مِن هوان هذه الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا عليه السلام أُهدِيَ إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل... ».

ثمّ أورد المؤلّف قصيدةً لم يعرّف بشاعرها سوى قوله: وللهِ دَرُّ القائل في رثائه:

فللهِ أمـرٌ فـادحٌ مـا أجَلَّـهُ                    على أنبياءِ اللهِ والرُّسْلِ أجمعا

مصابٌ دها يحيى، ووالدُه غدا             قتيـلاً، فيـاللهِ رُزْءاً مُفَجِّعـا

 

إلى أن قال:

جَزَى اللهُ عنه قومَه شرَّ ما جَـزى                   أُميّةَ عـن سِبـطِ النبـيِّ المشفَّعـا

لقى قتلوا في قتلِهِ الدِّينَ مِثـلَ مـا           أتاه يزيـدٌ فـي الحسيـن وأبدعـا

وغُودِر منه الجسمُ شِلْواً على الثرى                 طريحاً، ومِن مَور الرياح تَبَرقَعـا

وقد شِيل منه الرأسُ مِن فوقِ أسمَرٍ                 كبدرِ الدُّجى يزداد نوراً مُشَعشَعـا

ويُهدى ـ وعينُ اللهِ تنظرُه ـ إلـى           كفورٍ عنيدٍ في البريّـة أكوعـا...

 

وبعد صفحات، يأتي الشيخ المؤلّف رحمه الله بقصيدةٍ أخرى لم يذكر ناظمَها أيضاً، وإنّما اكتفى بالقول: ولله دَرّ مَن رثاه بهذه الأبيات وتفجّع:

فيالكَ رُزءاً هدّمَ الدينَ وقعُهُ                 لِما ناله هذا النبيُّ المطهَّـرُ

 

إلى أن يقول:

فيالك رُزءاً لم يَنَـل قَـطُّ مِثلَـهُ               رسولٌ، ولن يحظى به قَطُّ مُنذِرُ

سوى السيّدِ السبطِ الحسينِ بكربلا                   فذاك لَعَمْري مَن رزايـاه أكبـرُ

فحزني عليه دائمٌ ليس ينقضـي            كوُدّي، وإن لام العَذولُ وأكثروا

 

وتأتي العناوين الفرعيّة بعد ذلك:

ـ لم يكن قبل الحسين ويحيى عليهما السلام سميٌّ لهما بِهذَين الاسمين المباركين.

ـ بكاء السماء لقتل يحيى والإمام الحسين عليهما السلام.

ـ قاتلُ النبيّ يحيى والإمام الحسين عليهما السلام، هو ابن زنا!

ـ ما فعله اللعين يزيد بمولانا الحسين الشهيد.

وكنّا نتوقّع بعد عنوان: انتقام الله تعالى لدم النبيّ يحيى عليه السلام، عنوان: انتقام الله تعالى لدم السبط الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فذلك فصل دوّنه أصحا المقاتل وأصحاب السِّير من جميع المذاهب، ثبّته العلاّمة المجلسي في الجزء ( 45 ) من موسوعته الروائية ( بحار الأنوار )، وعنه روى الكثير من المؤلّفين والمحدّثين.

فكان يَحسُن أن يُشار إلى هذا الأمر، وكذا كان يحسن أن تُدرج الأشعار الواردة في الكتاب مع ملاحظة التقطيع الوزني ومراعاة الجانب النحوي. وإلاّ فالكتاب ـ لا شكّ ـ نافع مُلمّ، وأثرٌ مفيد لطلبة العلم والثقافة والتحقيق.