ميلاد الإمام الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام)

ميلاد الإمام الحسن بن علي

سيد شباب أهل الجنة  (عليه السلام)

السيد محمد سعيد الخلخالي

 

للإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) تاريخ مشرق ، حافل بأروع صفحات البطولة والجهاد وسيرة ندية تنبض بالعدل والتقوى وتتدفق بالقابليات الفذة والنزعات الخيرة وقد اجمع المترجمون له انه من احلم الناس وأقدرهم على كظم الغيظ ، والصبر على الأذى والمكروه، فما عرف من سيرته انه قابل سيئاً بإساءته ، ولا جازى مذنباً بذنبه، وإنما كان يغدق عليهم بالإحسان ويقابلهم بالمعروف شأنه شأن جده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وسع الناس بأخلاقه وحلمه. وحسبها شهادة تدل على عظيم حلمه أدلى بها ألد خصومه واحقد أعدائه مروان بن الحكم حينما بادر إلى حمل جثمانه الطاهر، فاستغرب منه سيد الشهداء وقال له: (( أتحمل جثمانه وكنت تجرعه الغصص ؟ )) فقال مروان: كنت افعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال .

وكما كان من احلم الناس ، فقد كان من ابرز رجال الفكر في سداد الرأي وصواب التفكير وقد تجلى ذلك في صلحه مع معاوية وتجنبه من فتح باب الحرب.

 

المولود المبارك:

أطل على العالم الإسلامي نور الإمامة في بيوت أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه وانبثق من دوحة النبوة والإمامة فرع طيب زاك رفع الله به كيان الإسلام ، وأشاد به صروح الإيمان ولقد استقبل حفيد الرسول وسبطه الأكبر سيد شباب أهل الجنة الدنيا في شهر هو أفضل الشهور حتى سمي شهر الله وهو شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن وكان ذلك في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة.

ولما أذيع نبأ ولادة الصديقة بالمولود المبارك غمرت موجات من السرور والابتهاج قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسارع إلى بيت ابنته ليهنئها بمولودها الجديد ويبارك به لأخيه أمير المؤمنين (عليه السلام).

 ولما وصل (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت الإمام نادى: (( يا أسماء هاتي ابني )) وقبله ورفع يديه بالدعاء (( اللهم إني اعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم )).

والتفت (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أمير المؤمنين وقال: (( هل سميت الوليد المبارك )) فأجابه الإمام (عليه السلام):(( ما كنت لاسبقك يا رسول الله )) وانطلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: (( ما كنت لأسبق ربي )) وما هي إلا لحظات وإذا بالوحي يناجي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحمل له التسمية من الحق تعالى يقول له جبرائيل: (( سمه , حسناً )) حقاً انه اسم من أحسن الأسماء وكفى به جمالاً إن الخالق الكريم هو الذي اختاره ليدل جمال لفظه على جمال المعنى وحسنه.

وكناه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا محمد ولا كنية له غيرها ولقب بالسبط والزكي والمجتبى والسيد والتقي .

 وملامحه كانت تحاكي ملامح جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد حدث انس بن مالك قال: (( من أحب أن ينظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلينظر إلى هذا الغلام )) ويعني الحسن.

إن طفولة الإمام الحسن (عليه السلام) قد التقت بها جميع العناصر الحية فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تولى تربيته وأفاض عليه بمكرمات نفسه والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) غذاه بحكمه وعلمه وفاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل بنات حواء غرست في نفسه الفضيلة والكمال ولقد ملك الإمام الحسن (عليه السلام) وهو في غضون الصبا من الذكاة وسمو الإدراك ما لا يملكه غيره. فقد حدث الرواة عن نبوغه الباكر ، فقالوا: انه كان لا يمر عليه شيء إلا حفظه وكان يحضر مجلس جده (صلى الله عليه وآله وسلم) فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها وكانت تحدث بذلك أباه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول: (( من أين لكِ هذا ؟ )) . تقول : (( من ابنك الحسن )) .

 ومن شواهد ذكائه انه حفظ الحديث عن جده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عمره الشريف آنذاك أربع سنين مما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (( سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فان الشر ريبة والخير طمأنينة )).

 

مظاهر شخصيته (عليه السلام):

توفرت في الإمام أبي محمد (عليه السلام) الصفات الرفيعة والمثل الكريمة وتجسدت فيه طاقات الإسلام وعناصره ومقوماته ، الإمام (عليه السلام) الذي كان في قمة الأخلاق السامية والرفيعة ولا يمكن للباحث أن يتكلم في جميع جوانب حياته وأخلاقه.

 كان مثالاً سامياً في الكرم والتواضع والحلم وكظم الغيظ . ومن آيات أخلاقه انه مر على صبيان يتناولون الطعام فدعوه لمشاركتهم فأجابهم إلى ذلك ثم حملهم إلى منزله فمنحهم ببره ومعروفه، وقال: (( اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد مما أعطيناهم )) ، واجتاز على الإمام شخص من أهل الشام ممن غذاهم معاوية بالكراهية والحقد على آل البيت (عليهم السلام) فجعل يكيل للإمام السب والشتم والإمام ساكت لم يرد عليه شيئاً من مقالته وبعد فراغه التفت الإمام فخاطبه بناعم القول وقابله ببسمات فياضة بالبشر قائلاً : (( أيها الشيخ أظنك غريباً ؟ لو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، وان كنت طريداً آويناك ...)) ما زال يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه ولم يطق رد الكلام وبقي الشامي حائراً خجلاً كيف يعتذر للإمام (عليه السلام) ورجع يقول الله اعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء والله ما على وجه الأرض احد أحب إلي منه.

وهكذا كان (عليه السلام) مثالاً للإنسانية الكريمة ورمزاً للخلق العظيم لا يثيره الغضب ولا يزعجه المكروه وقد وضع نصب عينيه قوله تعالى: ( ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ ) وقد قابل جميع ما لاقاه من سوء وأذى ومكروه من الحاقدين عليه بالصبر والصفح الجميل وأما كرمه وسخاؤه كان يضرب به المثل وان السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير وبذل الإحسان بداعي الإحسان وقد تجلت هذه الصفة الرفيعة بأحلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد (عليه السلام) حتى لقب بكريم أهل البيت .

 وقد أثر عنه انه ما قال لسائل ( لا ) قط وقيل له لأي شيء لا نراك ترد سائلاً ؟ فأجاب (عليه السلام): (( إني لله سائل وفيه راغب وأنا استحي أن أكون سائلاً وأرد سائلاً , وان الله عودني عادة أن يفيض نعمه عليَّ , وعودته أن أفيض نعمه على الناس , فأخشى أن قطعت العادة أن يمنعني العادة )) .

 

من أقواله وحكمه (عليه السلام):

قال (عليه السلام) : (( ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم )) .

وقال: (( الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود )).

وقال: (( فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها )) .

وقال: (( من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه )) .

وقال: (( لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقاً )).

والسلام عليك يا سيد شباب أهل الجنة يا أبا محمد الحسن المجتبى ورحمة الله وبركاته.