نفحةٌ من تُربة الحسين عليه السلام

نفحةٌ من تُربة الحسين عليه السلام

روى الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قُولَويه ( ت 368 هـ ) في كتاب ( كامل الزيارات:60 / ح 5 ـ الباب 60 ) بإسناده عن أبي بصير أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال:
« بينما الحسينُ بن عليٍّ عليه السلام عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، إذ أتاه جبرئيلُ عليه السلام فقال: يا محمّد، أتُحِبُّه ؟ فقال: نعم، فقال: أمَا إنّ أمّتك ستقتله! قال: فحزن رسول الله صلّى الله عليه وآله حزناً شديداً، فقال له جبرئيل: يا رسول الله، أتريد أن أُريَك التربة التي يُقتَل فيها ؟ فقال: نعم. فخسف ما بين مجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى كربلاء حتّى التقَتِ القطعتان هكذا ( وجمع عليه السلام بين السبّابتين )، ثمّ تناول بجناحه من التربة وناولها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ رجَعَت أسرعَ مِن طَرْفة عين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: طُوبى لكِ مِن تربة، وطُوبى لِمَن يُقتَل فيكِ! ».
وروى أبو القاسم عليّ بن محمّد الخزّاز ( من علماء القرن الرابع الهجري ) في كتابه ( كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر:17 ) بإسناده عن عبدالله بن عبّاس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال له: « يا ابن عبّاس، كأنّي به ( أي بالحسين عليه السلام ) وقد خُضِبَت شيبتُه بدمه... ألا وإنّ الإجابة تحت قُبّتِه، والشفاءَ في تربتِه، والأئمّةَ مِن وُلدِه ».
وفي ( كامل الزيارات:269 / ح 11 ـ الباب 88 ) عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: « مَرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاءَ في أُناسٍ من أصحابه، فلمّا مرّ بها اغرَورَقَت عيناه بالبكاء، ثمّ قال: هذا مُناخُ رِكابِهم، وهذا مُلقى رِحالِهم، وهنا تُهرَق دماؤُهم، طُوبى لكِ مِن تربةٍ عليكِ تُهرَق دماءُ الأحبّة! ».
وروى الشيخ الصدوق ( ت 381 هـ ) في كتابه ( الأمالي:478 / ح 5 ـ المجلس 87 ) بإسناده عن ابن عبّاس أنّه قال: كنتُ مع أمير المؤمنين عليه السلام في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل بِنِينوى ـ وهو شطّ الفراتِ قال:.. هذه أرضُ كربٍ وبلاء، يُدفَن فيها الحسينُ وسبعة عشر رجلاً من وُلدي ووُلدِ فاطمة، وإنّها لَفي السماوات معروفة، تُذكَر أرضَ كربٍ وبلاء كما تُذكَر بقعة الحرمين وبقعة بيت المَقْدِس ».
ثمّ ذكر عليه السلام مرور عيسى عليه السلام مع الحواريّين بها، إلى أن قال عليه السلام: « فجلس عيسى عليه السلام وجلس الحواريّون معه، فبكى وبكى الحواريّون وهم لا يدرون لِمَ جلسَ ولِم بكى! فقالوا: يا رُوحَ الله وكلمتَه، ما يُبكيك ؟! قال: أتعلمون أيَّ أرضٍ هذه ؟ قالوا: لا، قال: هذه أرضٌ يُقتَل فيها فرخ الرسول أحمد، وفرخُ الحُرّةِ الطاهرة البتولِ شبيهةِ أمّي، ويُلحَد فيها، طينةٌ أطيبُ مِن المِسك؛ لأنّها طينة الفرخ المُستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء، وأولاد الأنبياء ».
وروى ابن قولويه في ( كامل الزيارات:268 / ح 5 ـ الباب 88 ) عن أبي الجارود قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: « إتّخذ اللهُ أرضَ كربلاء حَرَماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذَها حرماً بأربعةٍ وعشرين ألفَ عام، وإنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رُفعتَ كما هي بتربتها نورانيّةً صافية، فجُعِلَت في أفضل روضةٍ من رياض الجنّة، وأفضل مسكنٍ في الجنّة، لا يسكنها إلاّ النبيّون والمرسلون ـ أو قال: إلاّ أُولو العزم من الرسُل ـ، وإنّها لَتَزهَر بين رياض الجنّة كما يَزهَر الكوكب الدرّيّ بين الكواكب لأهل الأرض، يغشى نورُها أبصارَ أهل الجنّة جميعاً، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدّسةُ الطيّبة المباركة التي تضمَّنَت سيّدَ الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة ».
وفي ( أماليه 324:1 ) روى الشيخ الطوسي بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال: سمعتُ أبا جعفر الباق وجعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام يقولان: « إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام مِن قتله أن جعل الإمامة في ذريّته، والشفاءَ في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعَدّ أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره ».
وروى الطوسي أيضاً في ( الأمالي 326:1 ) بإسناده عن زيد أبي أسامة قال: كنت في جماعة بحضرة سيّدنا الصادق عليه السلام، فأقبل علينا فقال: « إنّ الله تعالى جعل تربة جَدّيَ الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف، فإذا تناولها أحدُكم فَلْيُقبِّلْها ولْيَضَعْها على عينيه، وليُمِرَّها على سائر جسده، ولْيَقل:
« اللهمَّ بحقِّ هذه التربة، وبحقّ مَن حَلَّ بها وثوى فيها، وبحقِّ أبيه، وأُمِّه وأخيه، والأئمّةِ مِن وُلده، وبحقِّ الملائكة الحافّين به، إلاّ جعلتَها شفاءً من كلّ داء، وبُرْءاً من كلِّ مرض، ونجاةً مِن كلِّ آفة، وحِرزاً ممّا أخاف وأحذر »، ثمّ يستعملها.
قال أبو إسامة: فإنّي استعملتُها من دهريَ الأطول كما قال ووصف أبو عبدالله عليه السلام، فما رأيتُ ـ بحمد الله ـ مكروهاً.
وروى الشيخ الطوسي في ( مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد:733 ) عن معاوية بن عمّار قال: كان لأبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام خريطةُ ديباجٍ صفراء فيها تربة أبي عبدالله ( الحسين ) عليه السلام، فكان إذا حضَرَته الصلاة صَبَّه على سجّادته وسجد عليه، ثمّ قال عليه السلام: « السجودُ على تربة أبي عبدالله عليه السلام يخرق الحُجبَ السبع ».
ويروي الطوسي أيضاً في كتاب ( تهذيب الأحكام 75:6 / ح 16 ) بإسناده عن الحسن بن علي بن شعيب الصائغ المعروف بأبي صالح، يرفعه إلى بعض أصحاب أبي الحسن موسى ابن جعفر ( الكاظم ) عليهما السلام، قال: دخلت إليه فقال: « لا تستغني شيعتنا عن أربع: خُمْرةٍ يصلّي عليها ( أي سجّادة صغيرة تُعمَل من سعف النخل وتُزمَّل بالخيوط )، وخاتَمٍ يَتختّم به، وسِواكٍ يَستاك به، وسُبحةٍ من طين قبر أبي عبدالله عليه السلام فيها ثلاثٌ وثلاثون حبّة، متى قلّبها ذاكراً لله كُتب له بكلّ حبّةٍ أربعون حسنة، وإذا قلّبها ساهياً يعبث بها كُتب له عشرون حسنة ».
وفي ( كامل الزيارات:283 / ح 11 ـ الباب 93 ) روى ابن قولويه بإسناده عن أبي بكّار قال: أخذتُ من التربة التي عند رأس قبر الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإنّها طينةٌ حمراء، فدخلتُ على الرضا عليه السلام فعرضتُها عليه، فأخذها في كفّه ثمّ شمّها، ثمّ بكى حتّى جرت دموعه، ثمّ قال: « هذه تربة جدّي ».
أجَل.. تلك هي التربة القُدسيّة التي تشرّفت على كلّ تربة، إذ وَطِئها الحسين عليه السلام ليعرج منها في أرقى حالات الشهادة إلى ربّه مخاطَباً: يا أيّتُها النَّفسُ المُطْمئنّةُ * آرجِعي إلى ربِّكِ راضيةً مَرْضيّة * فادخُلي في عبادي * وادخُلي جنّتي [ سورة الفجر:27 ـ 30 ].

نقلاً من موقع شبكة الإمام الرضا عليه السلام