مدرستان في التعامل مع عاشوراء

لا أحد من المسلمين يجهل قدر الإمام الحسين(عليه السلام)، أو لا يحزنه قتله، أو يرضى عمّا حصل له ، فهذا أمر نقطع به، ولكن درجة الاهتمام تتفاوت، و هذا التفاوت في التعامل مع هذه الحادثة ولّد وجود مدرستين:

المدرسة الأولى:

تقوم على أساس التغاضي عن هذه الحادثة، فنجدها عند البحث التاريخي تدين قتل الحسين (عليه السلام)، و تبدي التأسف لمقتله، ولا تقبل بذلك، ولكنّ أتباع هذه المدرسة يرون أنه لا داعي للوقوف عند هذه الحادثة طويلاً، و أحيانًا يحاولون تعويم المسؤول عنها، فيبرئون يزيد بن معاوية من تحمّل المسۆولية، كقول ابن تيمية: «يزيد لم يأمر بقتل الحسين(عليه السلام) باتفاق أهل النقل»، أو يشيعون أن ذلك تصرّفٌ فردي من ابن زياد، والبعض يبرئ ساحة عبيدالله بن زياد، و يلقي باللائمة على عمر بن سعد، و أخيرًا نجد من يبرئ عمر بن سعد، و منهم من يتّهم أهل الكوفة و أهل العراق، الذين هم من الشيعة، فيروّجون بأن الشيعة يبكون على الحسين (عليه السلام) تكفيرًا عن ذنبهم بقتله و خذلانه.
هذه المدرسة يمكن عَدُّها امتدادًا لما كانت تشيعه السلطات الأموية و بعد ذلك العبّاسية.
حيث كانت هذه السلطات تريد التغطية على هذه الجريمة النكراء والتعتيم عليها، لأنه ليس في مصلحتهم إثارة حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) و إشهارها، بل حولوا هذا اليوم كما ينقل التاريخ إلى يوم عيد و فرح، و خاصّة في زمن عبد الملك بن مروان.
وفي الزيارة الواردة عن الإمام الباقر(عليه السلام) ما يشير إلى هذا المعنى: «اللهمّ إن هذا يوم تبرّكت به بنو أمية و ابن آكلة الأكباد».
يقول الشيخ القرضاوي: «رأينا أكثر بلاد المسلمين يحتفلون بيوم عاشوراء يذبحون الذبائح و يعتبرونه عيدًا أو موسمًا يوسعون فيه على الأهل والعيال اعتمادًا على حديث ضعيف، بل موضوع في رأي ابن تيمية و غيره، و هو الحديث المشهور على الألسنة: «من أوسع على عياله و أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته».
ثم يقول القرضاوي: «والذي يترجح لي أن الحديث مما وضعه بعض الجهال من أهل السنة في الرد على مبالغات الشيعة في جعل يوم عاشوراء يوم حزن وحداد فجعله هؤلاء يوم اكتحال و اغتسال و توسعة على العيال».
هذه الحالة الاحتفالية بيوم عاشوراء كعيد انتهت ولكن آثارها بقيت، فهناك بعض المسلمين في بلدان مختلفة لديهم عادات يوم عاشوراء، واهتمامات معيّنة، فيولمون في هذا اليوم و يصنعون بعض الحلويات الخاصّة به ولا يعلمون الخلفية التاريخية لذلك.

المدرسة الثانية:

في مقابل هذه المدرسة هناك مدرسة أخرى تعطي هذه الحادثة حقّها من الاهتمام، وتصرّ على إحيائها، والاهتمام والاحتفاء بها، و ترفض هذه المدرسة أن يكون هناك تناسٍ لقضية الإمام الحسين(عليه السلام)، وهي مدرسة أهل البيت .
فأئمة أهل البيت(عليهم السلام) بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بدءًا من الإمام زين العابدين كانوا يحرصون و يؤكدون على إحياء هذه المناسبة و هذه الذكرى.
فعن الإمام الرضا عليه السلام: «من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه جعل الله يوم القيامة يوم فرحه و سروره و قرت بنا في الجنة عينه».
وجاء عنه : «كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكًا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه»، ويقول: «هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(عليه السلام) ».
و هذا ما تشهده المجتمعات الموالية لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث يهتمّون بهذه الذكرى و يعظّمونها، و ذلك التزامًا منهم بتوجيهات أهل البيت .
فبالنسبة لنا هذه سنّة حسنة وليست بدعة، لأنّنا نعدها تجسيدًا لعناوين إسلامية، و تجسيدُ العنوان الإسلامي ليس بدعة، فنحن نعد ذلك تجسيدًا لأمر الله تعالى في تعظيم الشعائر: ذَلِكَ وَ مَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ، كما أننا نجد ذلك تجسيدًا للتذكير بأيّام الله: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ، و نجده مصداقًا لإظهار المودّة لقربى رسول الله: قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.
كما أنّنا نعد كلام أئمة أهل البيت(عليهم السلام) شرعًا متبعًا، لأنهم ينقلون عن جدّهم رسول الله .
و إذا كان هناك من له رأي آخر فهو حرّ في رأيه،ولا يصح أن يصادر طرفٌ رأي و حرّية الطرف الآخر، ولا داعي للإنكار عند اختلاف الاجتهاد.