الإمام الحسين عليه السلام وامتحان الاختيار

والإمام الحسين عليه السلام بطبيعة تكوينه كأي مخلوق إنساني فُطر في خلقه الاختيار كأي إنسان، وقد امتُحِنَ عليه السلام بالتخيير في أوج حياته الرسالية، ويا له من تخيير!
 إنه التخيير بين أمرين، حتى أنه عليه السلام أكَّدَ بنفسه هذه الحقيقة و أشار إليها بقوله: (ألا و إن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، و هيهات له ذلك، هيهات مني الذلة .. أبى الله ذلك و رسوله والمؤمنون و جدود طهرت، و حجور طابت) [1].
 فالحسين عليه السلام قد تم تخييره هنا وكان بإمكانه أن يختار و يسلك المسلك الذي يرتئيه، و هذا الواقع لا يمكن أن يفر منه إنسان، فكل واحد لابد أن يمر بامتحان الاختيار هذا في حياته، و يتعرّض لابتلاءاته وفتنه بدءًا من الرسل والأنبياء عليهم السلام و انتهاءً بمن هم دونهم و دون دونهم، فجميعهم مروا بامتحان التخيير، و عانوا فتنه ومصائبه، فكان عليهم في ذلك الخضم أن يختاروا و يقرروا الاتجاه والمسلك.
 وقد اجتاز الإمام الحسين عليه السلام هذا الامتحان بأعلى درجات التفوق عندما ابتلي بالاختيار، فأطلق ذلك الهتاف الخالد الذي دوى في عمق التاريخ أن (هيهات مني الذلة).
فهذه هي خيرة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، و هذا هو قراره التاريخي الذي بَيَّنه لكل من أراد أن يعيش في الحياة حراً.
و نحن الذين ندّعي حب الحسين و موالاته لابد لنا من الاقتداء به ليكون هذا الاقتداء مصداقاً للحب والموالاة.
والاقتداء هو قرار ذلك الامتحان؛ إمتحان الإختيار الذي لا مفر من التعرض له، فأنا أرى أن من المستحيل أن يولد الإنسان في هذه الدنيا و ينمو و ينضج من دون أن يتعرض لفتن تقرر و ترسم مصيره، فكل إنسان من ذكر وأنثى لابد أن يمر بمواقف و ساعات الاختيار.
كيف نختار و ما هي عوامل الاختيار؟
و هنا يبرز سؤال مهم في هذا الصدد و هو:
كيف لنا أن نختار؟
و ما هي العوامل التي تكون في عوننا ساعة الاختيار، ولحظات إتخاذ القرار التي هي لحظات خطيرة و مصيرية و تمتاز بكونها محدودة و خاطفة؟
 من هذه العوامل عاملاً التربية والوراثة اللذان تؤكدهما تلك الصرخة الثورية التي أطلقها أبو عبدالله الحسين عليه السلام في وجه الإستكبار والانحراف والاستبداد الأموي، و هناك عوامل أخرى يمكن للإنسان الإمساك بزمامها والتحكم بها؛ منها عامل الثقافة، و عامل تاريخ الإنسان و ماضيه.
فالإنسان المنقاد إلى ربه بمواظبته على أداء الفرائض العبادية، والمنشغل ليله و نهاره بذكر الله العظيم، هذا الإنسان متوجه بدمه ولحمه و روحه و نفسه و عقله إلى الله سبحانه، لاهج لسانه بترديد الدعاء الشريف (ربِّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً)[2].
ولذلك فإن يد الرحمة الغيبية ستكون في عونه لإنقاذه في لحظة الاختيار، فتثبت قدمه، و تطمئن قلبه، لا تدعه يتزلزل و ينهار، ولا تهجره ليصبح عرضة لفتن وابتلاءات الزمان.
ولا عجب من أن تمتد يد الرحمة الإلهية لعون هذا العبد، ذلك لأنه قد ذكر ربه في السراء من العيش فأجابه ربه و ذكره حين الضراء والشدة، قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152).
 وعندما نقرأ تاريخ الإمام الحسين عليه السلام قراءة واعية و موضوعية، نجد أنه عليه السلام ولد ثانية في كربلاء ساعة نيله تلك المنزلة الرفيعة التي لم ينلها أحد من قبل، وهي منزلة ربانية أختارها الله تعالى له ليخلد مثالاً وضّاءً في قلب التاريخ لا ينقطع شعاعه، ولا يخمد وهجه رغم كل محاولات الأمويين على امتداد هذا التاريخ.

المصادر:
[1] - بحار الأنوار، ج45، ص83.
[2] -  مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، ص16.