البابية والبهائية

التعريف :

هي إحدى الفرق الباطنية المنحرفة، ظهرت في إيران سنة (1260 هـ / 1844 م)، تهدف إلى هدم الشريعة والقضاء على الدين الإسلامي من خلال تسويق الأفكار الضالة التي تستبطن نسخ الشريعة الإسلامية، وإحلال دينها الجديد، الذي يهدف إلى توحيد جميع الأديان في عقيدة واحدة وهي (البابية)، التي أسسها الميرزا علي محمد رضا الشيرازي الملقب بـ (الباب)، في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

 

عوامل الظهور :

ـ غياب الوعي الديني والسذاجة المفرطة التي كان يعيشها المجتمع الإيراني آنذاك، مهّد إلى بروز دعوة البابية، وانتشارها في أوساط ذلك المجتمع.ـ انتشار الظلم والقهر اللذين كانا يهيمنان على المجتمع الإيراني، تحت وطأة الحكم الكسروي بزعامة الشاه آنذاك، جعل المجتمع الإيراني يتطلع إلى خروج المنقذ، مما سهل ظهور فكرة البابية بزعامة علي محمد الشيرازي الذي غلف دعوته بالمهدوية.

الدعم الكبير الذي لاقته (البابية) من السياسات الاستعمارية ـ كالقيصرية الروسية، والإمبراطورية الانجليزية واليهودية ـ قد شجع على بروز هذه الفرقة في أوساط المجتمع الإيراني.

ـ تأثر الميرزا علي محمد الشيرازي بأفكار بعض الفرق الباطنية كالفرقة الشيخية، وقد كان الميرزا من تلامذة السيد كاظم الرشتي، احد اتباع الشيخ احمد الاحسائي الذي أسس الفرقة الشيخية، مما سهل على الميرزا استقطاب الكثيرين، وذلك من خلال طرحه أفكاره و ادعائه بأنّه الباب إلى الإمام المهدي.

 

النشأة والتطور :

ـ بدأت بذرة البابية الأولى عام 1257 هـ / 1841 م، وذلك عندما التقى الميرزا علي محمد الشيرازي وكان عمره (17) عاماً في مدينة بوشهر الإيرانية بأحد طلبة السيد كاظم الرشتي، فتأثر غاية التأثر بأفكاره، ثُمّ شدّ رحاله إلى كربلاء لطلب العلم على يد السيد كاظم الرشتي، فوجد أفكارهم ملائمة لهواه سيما فكرة الإمام المنتظر، وبعد وفاة السيد كاظم الرشتي سنة 1258 هـ، اختير الميرزا زعيما للشيخية، واستمر على ذلك حتى عام 1260 هـ حيث أعلن أنّه الباب للإمام الغائب (عليه السّلام) فالتفتّ حوله الشيخية.

ـ ادّعى الميرزا علي محمد الشيرازي المهدوية، مستفيداً من التعاليم المبهمة والمتشابهة للصوفية والشيخية، ثُمّ أصبحت فيما بعد نواةً للبهائية. ـ زعم في بداية دعوته بأنّه نائب الإمام المهدي (عليه السّلام)، ثُمّ ادعى بأنّه الإمام المهدي، ثُمّ ادّعى بعدها النبوة، والإتيان بدين جديد.

ـ أعلن توبته بعد ذلك أكثر من مرّة وادّعى البراءة من عقيدته أمام الناس في مسجد شيراز، وذلك بعد مناظرة بينه وبين علماء الشيعة الإمامية.

ـ عاد الميرزا الشيرازي إلى عقيدته مرّة أخرى مما أدّى إلى سجنه في قلعة (جهريت) في مدينة ماكو الإيرانية، لكنه لم يرتدع عن الخرافة، فأخذ يؤلف الكتب، ويبعث الرسائل حتى اضطربت البلاد، ووقعت الفتنة بين المسلمين، فقام الأمير الكبير وزير حاكم البلاد الإيرانية بإعدامه رمياً بالرصاص أمام حشد كبير من الناس في مدينة تبريز الإيرانية سنة 1266 هـ.

ـ بعد إعدام الميرزا علي محمد الشيرازي قامت الحكومة (القاجارية) بتصفية اتباع الفرقة البابية، الذين حاولوا نشر أفكاره من جديد، فلجأ الميرزا حسين علي إلى السفارة الروسية في طهران،التي تعهدت بحمايته من الحكومة الإيرانية، فأبعد إلى بغداد بصحبة ممثل عن السفارة الروسية.

ـ وعندما وصلوا إلى العراق واستقروا فيه أخذوا بإثارة الفتن والفساد، والاعتداء على الناس، فوقف علماء الدين في وجههم.

ـ بعد هذه الأحداث أبعد البابيون إلى (الآستانة) في بادئ الأمر، ومن ثُمّ إلى (أدرنة)، وفيها ادّعى الميرزا حسين علي بعد تزويره لمجموعة من الوثائق بأنّه ممثل (الباب) ثُمّ ابعد إلى (عكّا) في فلسطين، فادّعى هناك بأنّ الميرزا علي محمد الشيرازي كان ممهداً لمجيئه، ولقب نفسه ببهاء الله، ثُمّ ادّعى النبوة وبعدها (الإلوهية).

ـ سيطر الميرزا حسين علي على اتباع البابية وأسس فرقة البهائية.

 

الأفكار والمعتقدات :

ـ زعموا أنّ الحقيقة الروحانية المنبعثة من الله سبحانه قد حلّت في شخص الباب حلولاً مادياً وجسدياً، وأنّ كُلّ الأنبياء من آدم (عليه السّلام) إلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد حلّوا وتجسدوا في شخصه (الميرزا علي محمد الشيرازي) وأنّه هو الممثل الحقيقي لهؤلاء الأنبياء ورسالاتهم.

ـ ادّعى (الباب) أنّه المهدي المنتظر.

ـ أنكروا المعاد الذي قال به الإسلام، ويعتبرون ظهور الباب هو المعاد، وهو القيامة وهو الجنة وهو النار المذكورة في القرآن.

ـ قاموا بإلغاء جميع الشرائع السماوية، ومنها شرائع القرآن الكريم، وقالوا بنسخ الأديان كلها بدينهم الجديد المسمـى بـ (البابية).

ـ أبدلوا جميع الأحكام العبادية، والشرعية بأحكام جديدة مغايرة لها :

أ ـ أجازوا الوضوء بماء الورد،وأنّ كُلّ النجاسات والخبائث هي طاهرة عندهم، وإن لمسوها باليد لأنهم يعتقدون أنّ كُلّ من اعتنق البابية تطهر من النجاسات والخبائث.

ب ـ الأذان عندهم خمس مرات في اليوم والليلة، وهي أذكار خاصة عندهم غير ما عليه الإسلام.

ج ـ الصلاة عندهم ركعتان عند الصبح فقط، وهيئتها خاصة وأذكارها كذلك، ولا تجوز الجماعة إلاّ على الجنائز.

د ـ أمّا الزكاة فيلزم على كُلّ بابي أن يؤدي أمواله إلى المجلس الأعلى البابي في رأس كُلّ سنة.

هـ ـ الصوم عندهم هو كفّ النفس عن كُلّ ما لا يرضاه (الباب)، ووقته من الطلوع إلى بعد الغروب، ويكون تكليف الصوم من سنّ الحادية عشر إلى سنّ الثانية والأربعين، وبعدها يعفى من الصوم.

و ـ الحجّ عندهم هو زيارة البيت الذي ولد فيه (الباب) أو اعتقل فيه، وكذلك بيوت الصحابة الثمانية عشر، ويجب على الرجال دون النساء ولا يحدد بزمن معين.

ز ـ أمّا الزواج فيكون واجباً بعد الحادية عشرة، والطلاق مكروه، ويعطى للزوجين مهلة سنة واحدة حتى يتصالحا، وإذا تفارقا فيمكنهم الرجوع بعد شهر واحد.

ح ـ أمّا الميت منهم فيبقى تسعة عشر يوماً وليلة، ويكفن بخمسة أثواب من الحرير والقطن، ويدفن في قبر من البلور المصقول، والتغسيل عندهم خمس مرات.

ط ـ الغوا الجهاد، ومصادرة أموال الكفرة.

ي : أحلّوا الربا حيث يقول الباب: ( أُذن للتجار في البيع والشراء، إذا تحقق الرضا بينهما بأيّ نحو كان ).

ك : قالوا بطهارة المني.

ل ـ حرّموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

م ـ حرّموا الزواج بأكثر من اثنتين من النساء، بل إنّ البهاء قد طور هذا الحكم فجعله مقتصراً على الزواج من واحدة بعد أن أوّل حكم الباب.

 

أبرز الشخصيات :

1 ـ الميرزا علي محمد الشيرازي الملقب بـ (الباب).

2 ـ الميرزا حسين علي (بهاء الله).

3 ـ الميرزا يحيى النوري الملقب بـ (صبح الأزل).

4 ـ الملا حسين البشروني الملقب بـ (باب الباب).

5 ـ (زرين تاج) أو (أمّ سلمه) أو (قرّة العين).

6 ـ عباس أفندي الملقب بـ (الغصن الأعظم وعبد البهاء)

7 ـ شوقي أفندي ابن بنت عباس أفندي.

 

الانتشار ومواقع النفوذ :

ـ أهم مراكز هذه الفرقة هو إيران، وقليل منهم في العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين المحتلة.

 

أحداث ووقائع :

ـ اجتمع قادة البابية في سنة (1261 هـ)، (1848 م) في مدينة (رشت) الإيرانية، وكان من الحاضرين حسين علي النوري، وأخوه يحيى، فقرروا فيه نسخ الشريعة المحمدية بشريعة علي محمد الشيرازي، وقامت (زرين تاج) الملقبة بـ (قرّة العين)، أحد الرموز الفاعلة في هذه الفرقة، متبرجة فخطبت خطبة في ذلك المؤتمر كانت سبباً في تقاطر الناس على هذا المذهب الجديد، ومما جاء في خطبتها :

( ... ومزقوا هذا الحجاب الحاضر بينكم وبين نسائكم، بأنّ تشاركوهن بالأعمال، وتقاسموهن في الأفعال واصلوهن بعد السلوة، وأخرجوهن من الخلوة، إلى الجلوة، فماهنّ إلاّ زهرة الحياة الدنيا، وأنّ الزهرة لابد من قطفها وشمّها، لأنّها خلقت للشم، ولا ينبغي أن يعدّ ولا يحدّ شاموها بالكيف والكم، فالزهرة تجنى وتقطف، وللأحباب تهدى وتتحف).

ـ كان هناك مشهد مرعب في سوق طهران، حيث رأى الناس أسراباً من الرجال والنساء والأطفال من البابية مقودين بالحبال، أجسادهم مجروحة وقد وضع الجلادون في كُلّ جرح فتيلة ملتهبة، وهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، والجنود خلفهم يضربون من يتأخر أو من يقع منهم بالسياط، فإذا مات طفل في الطريق القوه تحت أرجل أبويه، فكانا يمرّان عليه غير ملتـفـتـين إليه، ثُمّ لاح لأحد الجلادين أن يأتي بطفلين لأحدهم فيذبحهما على صدره، ثُمّ رميت الجثث بالأرض، تسيل دماؤها والكلاب تنهشها وتأكل من أشلائها.

 

من ذاكرة التاريخ :

ـ شيد الميرزا حسين علي حصناً منيعاً في جبال مازندران الإيرانية وغاباتها، واجتمع حوله خلق كثير من اجل نصرة هذا الدين الجديد، فهال هذا الحال حكومة الفرس، فأرسلت بعثة عسكرية لقتالهم، ففشلت في دحرهم، وعادت تجرّ أذيال الخيبة والهزيمة، فكررت الحكومة هجماتها المتلاحقة وعززت قواتها بالمدافع والمدمرات من كُلّ نوع، فقاومها البابيون مقاومة عنيفة، مدّة أربعة أشهر حتى فني رجالهم، ونفدت ذخائرهم، فدخل جنود الشاه إلى حصنهم فاسروا (214) شخصاً من البابيين بين رجال و نساء وأطفال، ثُمّ فتك فيهم الجنود فتكاً مروعاً فبقروا بطونهم وسلوا ألسنتهم، ومثلوا بهم أقبح تمثيل.

 

خلاصة البحث :

ـ البابية والبهائية : فرقة باطنية منحرفة ظهرت في إيران سنة (1260 هـ / 1844 م) تهدف إلى نسخ الشريعة الإسلامية، وإحلال دينها الجديد الذي أسسه الميرزا علي محمد رضا الشيرازي الملقب بـ (الباب)، في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

ـ ساعد على نشوئها غلبة الجهل والسذاجة، وغياب الوعي وكثرة الخرافات، حيث لاقت ترحيباً بين البسطاء والسذج، وكذلك دعم الدول الاستعمارية لها خصوصاً روسية القيصرية، و بريطانية.

ـ كان للظلم والقهر اللذين كانا يهمينان على المجتمع الإيراني، في عصر الحكم الكسروي بزعامة الشاه دور كبير على تقبل الناس هذا الدين الجديد، الذي بشرهم بالإنقاذ والخلاص.

ـ بدأت بذور البابية عام 1257 هـ حين التقى الميرزا علي محمد الشيرازي وكان عمره 17 عاماً في مدينة بوشهر الإيرانية بأحد طلبة السيد كاظم الرشتي، فوجد أفكاره منسجمة مع طموحاته، فأعلن أنّه الباب للإمام المهدي (عليه السّلام) فالتفّ حوله الشيخية.

ـ أنكرت هذه الفرقة الكثير من ضروريات الدين كالمعاد، وأحلّوا الربا.

ـ كُلّ النجاسات والخبائث عندهم طاهرة، بما فيها المني.

ـ الحجّ عندهم زيارة البيت الذي ولد فيه (الباب) أو اعتقل فيه.

ـ أهمّ مراكز انتشارهم هو إيران، وقليل منهم في العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين.