عمل المرأة .. وجهات نظر

عمل المرأة .. وجهات نظر

أليس مزاحم

لن أسهب في الحديث عن عمل المرأة في البلدان الغربية ، وما آل إليه خروجها من المنزل إلى معترك الحياة، إيجاباً وسلباً، بل سأشير إلى ذلك بقدر ما يخدم مقالتنا هذه، وقبل الخوض في موضوع عمل المرأة، أستعرض نماذج أربعة من النساء أكثر ما وجدتها تنطبق على دوافع عمل المرأة خارج المنزل أو داخله، وقد تكون هناك أسباب أخرى تدفع المرأة إلى العمل أو البقاء في المنزل، أتركها لمن يريد إبداء رأيه في ذلك دون أن نحمّل الشريعة الإسلامية الغرّاء وزر آرائنا الشخصية.

* تقول منيرة: يتقاضى زوجي ثلاثمائة دولار شهرياً وإيجار منزلنا مئتا دولار, لذلك اضطررت أن أعمل أيضاً، فمصاريف المدارس والطبابة ومتطلبات العيش لأسرة مكونة من خمسة أشخاص هي فوق طاقة زوجي بمفرده.

* كنت موظفة وأتقاضى راتباً يساعدنا على تدبير أمورنا وإدخار قسم منه لمشاريعنا المستقبلية كشراء منزل أو تبديل السيارة.. لكني أضطررت إلى ترك عملي مع ولادة طفلتنا الأولى، حيث لم أتقبل فكرة إبقائها في دور الحضانة من الساعة السابعة والنصف صباحاً حتى الثالثة عصراً، كما أن أهلي يسكنون خارج العاصمة وكذلك أهل زوجي، فلا أحد يستطيع إعانتي على تربيتها في مراحلها الأولى... هذا ما قالته فاطمة مع علمها بإضافة فرص العمل لاحقاً.

* تقول ماجدة: زوجي تاجر ألبسة، ومدخوله المادي جيد، ومع هذا قررت أن أتوظف، لا للحاجة إلى المال، بل لإيماني بأنَّ العمل يبلور شخصية المرأة ويصقلها، وأن اكتفاءها الاقتصادي يهبها الدعم المعنوي ونوعاً من الاستقلالية.

أستعين بخادمة للأعمال المنزلية، وعند عودتي أهتم بإعداد الطعام ورعاية أطفالي وزوجي... أشجع عمل المرأة خارج المنزل.

* لا أحبذ عمل المرأة خارج الأسرة، هذا ما تقول آمنة، إذ تكفيها أعباء الأمومة والتربية وإدارة المنزل.

فلماذا تريد إضافة أعباء أخرى فوق طاقتها... أما إذا كان الوضع الاقتصادي ضاغطاً، ليبحث الرجل عن عمل إضافي (فالشغل للرجال) ولا ضير فيه، فبإمكانه تحمّل المشقات والصعوبات، ولا سيما إذا رفعت المرأة عن كاهله إدارة المنزل...

 

خواطر حول عمل المرأة:

أ ـ موقف الإسلام من عمل المرأة

لابدّ من القول إن الإسلام منح المرأة استقلالها الاقتصادي بمعنى أنه أجاز لها في حدود الأحكام الشرعية أن تدير تجارتها وتستثمر أموالها، وهي حرّة التصرف بمالها، وليس عليها الإنفاق على الأسرة حتى ولو كانت غنية، إذ إن الإنفاق من مسؤولية الرجل، فعليه تأمين المسكن والمطعم والملبس.

ب ـ موقف الغرب من عمل المرأة

شجع الغرب خروج المرأة من المنزل والعمل في المصانع والمعامل، وفي تولي الوظائف الخاصة والعامة، ولهذا أسبابه العديدة، أولها الحاجة إلى الأيدي العاملة التي تقنع برواتب دون رواتب الرجال، فقد أظهرت الدراسات في فرنسا عام 1999 أن 80% من الفرنسيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25 و 55 عاماً هن موظفات، وإنهن يحصلن على رواتب أقل بنسبة 27% من الرجال.

وعلى الرغم من وجود قانون ضد التمييز بين الجنسين منذ العام 1983، فإن الفرنسيات ما زلن متأخرات نسبياً مقارنة بالرجال عندما يتعلق الأمر بفرص العمل والتوظيف والرواتب والترقيات.

ويتعدى هذا الأمر إلى معظم الدول الغربية التي تظهر الدراسات أن الرجال يتقدمون النساء في المجالات المهنية والوظيفية عموماً.

ثانياً: في الغرب هناك منظومة فكرية متكاملة تنسحب على أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، وقيمة الإنسان بما يملك... يعمل الزوجان، ينفقان بالتساوي، يتوارثان بالتساوي، ومع هذا فإن النساء يتحملن إلى جانب أعباء العمل الأمومة والواجبات الزوجية، إذ تشير الدراسات إلى أن العاملات في فرنسا يقضين نسبة 3 ساعات إضافية في التسوّق والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال مقابل نسبة ساعة واحدة يقضيها الرجال في ذلك.

ما الذي يدفع المرأة إلى العمل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ 

 

العامل الاقتصادي:

رأينا من خلال بعض النماذج الآنفة الذكر أن العامل الاقتصادي هو سبب أساس لخروج المرأة من المنزل والالتحاق بوظيفة أو بعمل ما.

فحيث أن مردود الرجل المالي لا يكفي، تضطر المرأة إلى خوض غمار العمل، مع ما يتطلبه ذلك منها من مشقات وصعوبات، فتكوينها الجسدي أقل تحمّلاً من الرجل في تحمّل تلك المشتقات.

ومع ما يتحمله الأطفال من عذابات نفسية بسبب ابتعاد الأم عنهم لفترات طويلة، أسهبت الدراسات النفسية والاجتماعية في الحديث عن ذلك.

ولكن ليس بيدها حيلة، فهي مضطرة إلى مساعدة زوجها في تأمين لقمة عيش أسرتها في بلاد لا تحمي الدولة مواطنيها من الفقر والعوز والموت على مداخل المستشفيات.

 فالضمان الاجتماعي لا يشمل الشرائح الاجتماعية كافة، والاستشفاء والتعليم ليسا مجانيين، بالإضافة إلى الغلاء الذي يصيب المواد الغذائية والاستهلاكية على نحو لا يتناسب ودخل الفرد.

 

الاكتفاء المادي:

ليس العوز المادي هو الدافع لدى شريحة نسائية عاملة.

فهؤلاء يلتحقن بالعمل لإيمانهن باستقلال المرأة المادي الذي يستتبعه استقلال في شؤونها وقراراتها.

فالمرأة هنا لا تخاف الفقر إن وجدت نفسها فجأة أرملة أو مطلقة أو عانساً، فوظيفتها أو عملها يؤمن لها مردوداً مالياً يقيها إراقة ماء وجهها أمام الناس، وحيث تسير المجتمعات نحو الفردية وضعف التضامن الأسري والتكافل الاجتماعي، تجد المرأة أن العمل يحميها من غِيَر الزمان وطوارق الحدثان.

 

تحقيق الذات:

تجد بعض النساء العاملات أن العمل خارج المنزل يصقل شخصيتهن، ويفجر طاقاتهن الإبداعية، وإن المرأة منهن بقيت أسيرة المنزل، فهذا يعني أنها امرأة هامشية، وستتقلص اهتماماتها لتنحصر في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال ـ إن كانت متزوجة ـ وستضيع الأوقات الثمينة في الثرثرة مع الجارات أو في الذهاب إلى الأسواق والاهتمام بسفاسف الأمور، أو بإضاعة الوقت أمام التلفاز لمشاهدة العدد الكبير من البرامج والمسلسلات والإعلانات التي تركز على أنوثة المرأة دون إنسانيتها.

 

تقليد الغربيات:

بعض النساء يدفعهن إلى العمل تقليد الغربيات دون دراسة تجربة المرأة الغربية العاملة، وما آل إليه خروج الأم إلى معترك الحياة من تداعيات أصابت الأسرة والمجتمع.

فهؤلاء النسوة مستلبات على مستوى الفكر والثقافة وطرق الحياة, فالمرأة هنا تشعر بأنها عالة على زوجها أو أبيها أو على المجتمع، كذلك تحس الواحدة منهن هذا الشعور.

وبما أن النموذج الغربي تفوّق على المستوى التقني والتكنولوجي، فلابدّ في رأيهن من أن يحذين حذو المجتمعات الغربية في الحياة، غافلات عن الأزمات الاجتماعية الحادة والأزمات النفسية أيضاً التي تعاني منها تلك المجتمعات.

 

هل هناك تعارض بين العمل والأمومة؟

ما زال الجدل قائماً حول عمل المرأة داخل الأسرة وخارجها.

وإذا كانت الدول الغربية قد حسمت خيارها بضرورة إخراج المرأة من المنزل إلى سوق العمل، فإن الوضع مختلف في المجتمعات الشرقية تبعاً لحاجة الأسرة لخروج المرأة إلى ميادين العمل، وتبعاً للتغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها تلك المجتمعات.

ففي اليابان مثلاً أجري مسحٌ في العام 1987 بيّن أن 50% من الرجال و38% من النساء قالوا بوجوب مكوث المرأة في المنزل، لكن بحلول العام 1990 تحوّلت هذه الأرقام إلى 36% و24% بالتتالي.

وفي فيتنام يعود للمرأة الفضل في نسبة 60 إلى 70% من إجمالي الإنتاج الزراعي.

وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشغل النساء 31% من المناصب التشريعية والتنفيذية والإدارية في البلاد، أما في باقي البلاد العربية والإسلامية فإن النسب متفاوتة تبعاً للتقاليد والأعراف، وتبعاً للحاجة الاقتصادية للأسرة.

ومما لا شك فيه فإن لعمل المرأة خارج الأسرة تأثيراً سلبياً على الأطفال، وهذا ما تؤكده الدراسات، الاجتماعية والنفسية الكثيرة، فعلى سبيل المثال، بيّنت دراسة أجريت لحساب (المعهد الوطني لصحة الطفل والنمو البشري) في أميركا أن 17% من الأطفال الذين يمضون في مراكز الحضانة أكثر من ثلاثين ساعة في الأسبوع، يعتبرون أشد عدائية من الأطفال الآخرين.

هذا بالإضافة إلى الأعباء التي تضاف إلى كاهل الزوجة، والإجهاد الذي تصاب به كذلك وعدم الراحة الجسدية والنفسية بسبب التوتر والضغوطات في العمل.

 

إذا كان لابد من العمل:

أكثر ما يحتاج الأبناء إلى أمهاتهم في مرحلة الطفولة.

فالطفل يحتاج إلى الاهتمام والحب والحنان على نحو مكثّف، والأم مصدر هذا الحب وهذا الحنان.

وإذا اضطرّت إلى العمل، من المستحسن إبقاء الطفل ـ الذي لم يلتحق بالمدرسة لصغر سنه ـ في منزل ذويها أو ذوي أبيه، وإذا تعذّر ذلك، فمن المستحسن اختيار دار حضانة (مرتفع النوعية) حيث يلقى الطفل هناك عناية جسدية ونفسية سليمة.

وعندما يكون الأطفال حديثي السن، فلا ضير أن تعمل الأمهات بدوام جزئي، فالمرأة ليست مسؤولة عن تأمين لقمة عيش أسرتها، فتضطر أن تعمل طوال النهار فهذه مسؤولية الرجل، والمردود المالي الذي تجنيه من عملها يغطي جزءاً من حاجيات الأسرة ـ إن أرادت ذلك ـ فكثير من الأمهات يرهقن أنفسهن بدوام عمل كامل خارج المنزل من أجل راتب أكبر، مع ما يتطلب ذلك منهن من مشقة وجهد ومع ما يسببه من إرهاق وتعب وتوتر ينعكس كله على جو الأسرة.

وكلما زاد المدخول زاد الإنفاق، بما فيه الإنفاق على أنواع عديدة من الكماليات، ولا سيما في زمن يُمجّد فيه المال وتُحدّد السعادة بما يمتلكه الإنسان من الثروة والأشياء المادية من لباس وأثاث وسيارات وهواتف محمولة وغير ذلك.

وكما قلنا فإن كثيراً من النساء المتزوجات يضطررن للعمل بسبب الضائقة الاقتصادية، وفي هذه الحال فإن الأطفال بحاجة إلى تعويض غياب الوالدين عنهم فترة طويلة، وباستطاعة الزوجين أن يتقاسما هموم المنزل والعناية بالأطفال، كأن يتكفّل الزوج بالتسوّق وشراء الحاجيات وحملها إلى المنزل وإراحة الزوجة من ذلك، وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما يمر في أسواق الكوفة ويرى النساء فيها يرفع صوته قائلاً:

((ويحكم يا رجال الكوفة! نساؤكم تنزل إلى الأسواق؟!)), فقد كان يرى (عليه السلام) ذلك معيباً بحق الرجال، ومهانة للنساء.

وإذا كانت الأم هي المسؤولة المباشرة عن الاهتمام بالأولاد فلا يعني ذلك أن يتخلى الآباء عن رعايتهم، كالتواصل معهم والاهتمام بتنمية مواهبهم الفكرية والنفسية ومصاحبتهم في بعض النزهات والرحلات.

وقبل أن تشرع الأم بتسلم وظيفة أو العمل في أي حقل خارج المنزل، حبذا لو وضعت الإيجابيات والسلبيات في الميزان، ورأت أين تكمن مصلحة أسرتها.