محمّد بن مسلم بن عقيل

آل أبي طالب

قال السيّد عبدالرزّاق الموسوي المقرّم: لقد كان بيتُ أبي طالب مُوَطَّد الأساس بالنُّبوّات، مرفوعاً معالمه بخلافة الله الكبرى، وكانت آصِرة النبوّة ضاربةً فيه.. وكانت له الوصاية في المحافظة على نواميس الأنبياء، وإنّك لا تجد أحداً من عمود النسب الوضّاح الذي يقف عنده الحديثُ النبوي: ( إذا بَلغَ نَسَبي إلى عدنانَ فأمسِكُوا ) إلاّ آخِذاً بأعضاد الشرف والسُّؤدد، حاملاً للحنيفيّة البيضاء، دينِ السلام والوئام، وشِرعةِ الخليلِ إبراهيم عليه السّلام...
وكان أبو طالب، كأبيه « شَيْبةِ الحمد »، عالِماً بما جاء به الأنبياءُ وأخبروا به أُممهم مِن حوادثَ وملاحم؛ لأنّه وصيٌّ من الأوصياء، وأمينٌ على وصايا الأنبياء، حتّى سَلَّمها إلى النبي صلّى الله عليه وآله..(1)
قال الشيخ المجلسيّ: أجمعت الشيعةُ على أنّ أبا طالبٍ لم يَعبُد صنماً قطّ، وأنّه كان من أوصياء إبراهيم الخليل عليه السّلام، وحكى الطبرسيّ إجماعَ أهل العِلم على ذلك، ووافَقَه ابنُ بِطْريق في كتاب الاستدراك(2).
وقال الشيخ الصدوق(3): كان عبدالمطّلب وأبو طالب، مِن أعرَفِ العلماء وأعلمِهم بشأن النبيّ، وكانا يكتمانِ ذلك عن الجُهّال والكفرة(4).
وكان لأبي طالب عليه السّلام أربعة أولاد: الإمام عليّ عليه السّلام، وعقيل، وجعفر الطيّار، وطالب. وقد قال الإمام عليّ عليه السّلام لرسول الله صلّى الله عليه وآله: يا رسولَ الله، إنّك لَتُحِبّ عقيلاً ؟ قال: إي والله، إنّي لأُحبُّه حُبَّين: حبّاً له، وحبّاً لحبِّ أبي طالبٍ له، وإنّ وَلَدَه ( أي مسلم ) لَمقتولٌ في محبّة وَلَدِك ( أي الحسين عليه السّلام )، فتدمعُ عليه عيونُ المؤمنين، وتُصلّي عليه الملائكة المقرّبون. ثمّ بكى رسولُ الله حتّى جَرَتْ دموعُه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تَلقى عِترتي مِن بعدي(5).
وكان لعقيل ثمانية عشر ولداً، قدّم عدّةً منه شهداءَ في ساحةِ طفّ كربلاء، حتّى قال الشاعر:

عَينُ جُودي بعبـرةٍ وعَويلِ   واندُبي إنْ نَدَبتِ آلَ الرسولِ
تِسعةٌ كلُّـهم لصُـلْبِ عليٍّ   قد أُبيدوا، وتِسـعةٌ لعـقيلِ

        

ومن أحفاد عقيل كان عدّةُ شهداء يوم عاشوراء، يذكرهم الشاعر فيقول:

لصُلْبِ عقيلٍ تسـعةٌ يـومَ كربلا   بَنُوهُم ثمـانٍ وُزِّعوا بالصَّـوارمِ
بَكَتْهم عيونُ المـؤمنينَ كمـا بكى   لهم سِبطُ طه بالدموعِ السَّواجمِ(6)

      

وكان لمسلم بن عقيل رضوان الله عليه أربعة بنين وبنتٌ واحدة هي « حميدة »، وكلُّ أولاده رُزِقوا الشهادة. قيل أولاد مسلم الذكور خمسة: عبدُالله ومحمّد استُشهِدا يوم الطفّ، واثنانِ قُتِلا بالكوفة وهما طفلان أُسِرا من عسكر الإمام الحسين عليه السّلام، فجيء بهما إلى ابن زياد، فدفعهما إلى رجلٍ وأوصاه بسجنهما، ولهما قصّة في حبسهما وهربهما وشهادتهما(7).

 

محمّد بن مسلم

أُمُّه أُمّ ولد(8)، وأبوه العَلَم الشامخ مسلم بن عقيل عليه السّلام، ثقةُ الإمام الحسين عليه السّلام ورسولُه إلى أهل الكوفة، والشجاعُ الأبيّ الذي ذكّر الناسَ ببطولة عمّه أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام يومَ جابَهَ جيشَ ابن زياد في الكوفة عند بيت طَوْعَة، حتّى غُدِر به: بالأمان الكاذب، والحَفيرة الخيانيّة.. فكان الشهيدَ السعيد.
ولم يكتفِ مسلمٌ عليه السّلام بذلك، حتّى قدّم جميع أولاده في معركة عاشوراء، كان منهم محمّد، وله من العمر ـ على ما نُقل ـ اثنتا عشرة سنة أو ثلاث عشرة(9).
قيل: خرج بعد شهادة أخيه عبدالله بن مسلم، الذي قتله عمرو بن صبيح الصيداويّ.
وقيل: استُشهِد في حملة آلِ أبي طالب(10).

 

حملة آل أبي طالب

لمّا استُشهِد عبدُالله بن مسلم بن عقيل.. حمَلَ آلُ أبي طالب حملةً واحدة، فصاح بهم الحسينُ عليه السّلام: صَبراً على الموت يا بني عُمومتي، واللهِ لا رأيتم هَواناً بعد هذا اليوم(11). فوقع منهم:
عَوْن بن عبدالله بن جعفر الطيّار ( وأُمّه زينب العقيلة عليها السّلام ) وأخوه محمّد ( وأُمّه الخَوْصاء )، وعبدالرحمان بن عقيل بن أبي طالب، وأخوه جعفر بن عقيل، ومحمّد بن مسلم بن عقيل(12).
هكذا أكّد السيّد الموسوي المقرّم(13)، والشيخ السماوي(14)، إلاّ أنّ السيّد الميانجي كتب:
في بعض الكتب: ثمّ خرج أخوه مِن غير أُمّه ( أي أخو عبدالله بن مسلم ): محمّدُ بن مسلم يطلب ثأر أخيه، فحمَلَ عليه القومُ وقتلوه(15).
أمّا قاتله.. فيذكر أبو الفَرَج الإصفهاني: قَتَله ـ فيما رَوَيناه عن أبي جعفر محمّدِ بنِ عليّ ـ أبو مَرهم الأَزْدي، ولَقيطُ بن إياس الجُهَني(16).
فكان أحدَ شهداءِ حملة آل أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، قد أقبلوا مع الإمام الحسين عليه السّلام، واستُشهدوا بين يديه.

وجَشَّـمَـها نَجْـدَ العـراقِ تَحـفُّـهُ   مَصاليتُ حَـرْبٍ مِـن ذُؤابةِ هـاشمِ
قَسـاورةٌ يـومَ القِـراعِ رِمـاحُـهم   تَكَـفَّـلْنَ أرزاقَ النُّسـورِ القَـواشـمِ
مُقـلَّـدةً مِـن عـزمِـها بصَـوارمٍ   لدى الرَّوعِ أمضى مِن حُدودِ الصَّوارمِ
أشَـدَّ نِـزالاً مِـن لُيـوثٍ ضَـراغِمِ   وأجرى نَـوالاً مِن بُحـورٍ خَضـارِمِ
وأزهى وجوهـاً مِـن بُدورٍ كـواملٍ   وأمضى جَنـانـاً مِن لُيـوثٍ ضَراغِمِ
لقد صَبَروا صَبرَ الكـرامِ وقد قَضَوا   على رغبـةٍ منهم حُقـوقَ المكـارمِ
إلى أن غَدَتْ أشلاؤُهم فـي عِراصِها   كأشـلاءِ قيسٍ بين تبنى وجاسمِ(17)

-------------

1 ـ مرآة العقول للشيخ المجلسيّ 362:1.
2 ـ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 29:9.
3 ـ في: إكمال الدين وإتمام النعمة 102.
4 ـ الشهيد مسلم بن عقيل للسيّد عبدالرزّاق الموسويّ المقرّم 7 ، 10 ـ 11.
5 ـ أمالي الصدوق / المجلس 27 ـ الرقم 3.
6 ـ سفير الحسين مسلم بن عقيل للشيخ عبدالواحد المظفَّر 30.
7 ـ الشهيد مسلم بن عقيل للسيّد المقرّم 157 ـ 160؛ سفير الحسين مسلم بن عقيل للشيخ عبدالواحد المظفّر 15 ـ 16.
8 ـ مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الإصفهانيّ 62.
9 ـ العيون العبرى في مقتل سيّد الشهدا للسيّد إبراهيم الميانجي 156.
10 ـ ذكره: الخوارزمي في « مقتل الحسين عليه السّلام »، والإصفهاني في « مقاتل الطالبيّين »، والشيخ محمّد السماوي في « إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام ».. وغيرهم.
11 ـ تاريخ الطبريّ 256:6؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 78:2 ؛ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 49 ـ 50.
12 ـ في: سِير أعلام النبلاء للذهبي 217:3 : ـ قُتل مع الحسين: عبدُالله وعبدالرحمان ابنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب. فهناك خلاف في اسم محمّد بن عقيل، هل هو جعفر أم عبدالرحمان ـ يراجع تحقيق ذلك في ( سفير الحسين مسلم بن عقيل ) للشيخ عبدالواحد المظفّر ص 15.
13 ـ في: مقتل الحسين عليه السّلام 362 ـ 363.
14 ـ في: إبصار العين 50 ـ عن أبي جعفر الطبري.
15 ـ العيون العبرى 156.
16 ـ مقاتل الطالبيّين 62.
17 ـ من قصيدة للشيخ صالح التميميّ ـ الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد للسيّد محسن الأمين 303.