الحَجّاج بن مَسْروق الجُعفيّ

هؤلاءِ ذكروه

ذكره الطبريّ في ( تاريخه 440:5 )، والشيخ المجلسيّ في (بحار الأنوار 72:45 / ح 3 ـ في ضمن الزيارة التي خرجت من الناحية المقدّسة الشريفة )، كذلك ذكره الخوارزميّ الحنفيّ في ( مقتل الحسين عليه السلام 20:2 )، وجاء اسمه أيضاً في الزيارة الرجبيّة الشريفة التي رواها الشيخ المفيد في ( المزار ) والسيّد ابن طاووس في ( مصباح الزائر )، وعنهما أوردها المجلسيّ في ( بحار الأنوار 336:101 ـ 341 ).
وفي ( مناقب آل أبي طالب 12:4 ) ذكره ابن شهرآشوب، وفي ( رجاله:73 ) وعَدّه الشيخ الطوسيّ من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّه أورد اسمه هكذا: الحجّاج بن مرزوق. ولعلّه تصحيف، فيما قال السيّد الخوئيّ في ( معجم رجال الحديث 239:4 ): عُدّ من المستَشهَدين بين يَدَي الحسين عليه السلام، وقد وقع التسليم عليه في زيارتَي: الناحية، والرجبيّة.
والرجل رضوانُ الله عليه كوفيّ، أمّا لقبه فنسبةً إلى جُعفى بن سعد العشيرة، من مَذْحِج، من القحطانيّة التي كانت في اليمن من عرب الجنوب.

 

ولاؤه لأهل البيت عليهم السلام

كان الحجّاج بن مسروق من الشيعة، صَحِب أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، ولمّا خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى مكّة خرج من الكوفة إلى مكّة لملاقاته، فصَحِبَه منها إلى العراق. وكان مؤذّناً للحسين عليه السلام(1).
• كتب الشيخ المفيد: كان مجيء الحرّ بن يزيد ( الرياحيّ ) من القادسيّة، وكان عبيد الله بن زيادٍ بعث الحُصَين بن نُمَيرٍ وأمَرَه أن ينزل القادسيّة، وتقدّم الحرّ بين يديه في ألف فارسٍ يستقبل بهم حسيناً، فلم يزل الحرّ موافقاً للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر، وأمر الحسينُ عليه السلام الحجّاجَ بن مسروقٍ أن يُؤذّن(2)، وكان معه، فأذّن، وحضرت الإقامة فخرج الحسين...(3)
وقيل: إنّه كان يُمسِك للحسين الزمامَ إذا ركب(4).
• ورُوي أنّ أبا عبدالله الحسين سلام الله عليه لمّا نزل قصرَ بني مُقاتل(5) وهو في طريقه إلى كربلاء، رأى فسطاطاً(6) مضروباً، ورمحاً مركوزاً وفَرَساً واقفاً، فسأل عنه فقيل: هو لعبيدالله بن الحرّ الجُعفيّ. فبعث عليه السلام إليه الحجّاجَ بن مسروق الجعفيّ، فسأله ابنُ الحرّ عمّا وراءه، فأجابه الحجّاج:
ـ هديّةٌ إليك وكرامة إن قَبِلتَها! هذا الحسينُ يدعوك إلى نُصرته، فإن قاتلتَ بين يَدَيه أُجِرت، وإن قُتِلتَ استُشهِدت.
فقال ابن الحرّ: واللهِ ما خرجتُ من الكوفة إلاّ لكثرة ما رأيت خارجاً لمحاربة الحسين وخذلان شيعته، فعلمتُ أنّه مقتول، ولا أقْدِر على نصره، ولستُ أُحبّ أن يراني وأراه(7).
فأعاد الحجّاج بن مسروق كلامه على الحسين، فقام صلوات الله عليه ومشى إليه في جماعةٍ من أهل بيته وصحبه، فدخل عليه الفسطاط، فوسّع له عن صدر المجلس. يقول ابن الحرّ: ما رأيتُ أحداً قطُّ أحسنَ من الحسين، ولا أملأَ للعين منه،...(8).

 

وكان ذلك اليوم

يوم عاشوراء، وعلى أرض كربلاء، وقد وقف الحجّاج بن مسروق إلى جنب الحسين عليه السلام ولم يكن فارَقَه من مكّة إلى أرض الطفّ، فاستأذَنَ إمامَه ومولاه وسيّده أبا عبدالله صلوات الله عليه، وكان رحمه الله ينتظر الفرصة حتّى تحين ساعة شهادته، وتوفيق سعادته.. فأذن له الحسين، فبرز الحجّاج إلى حومة الميدان(9)، برز وهو يرتجز قائلاً في خطابه للحسين عليه السلام.

أقدِمْ حسينـاً هاديـاً مَهْديّـا   اليـومَ تلقـى جَـدَّك النبيّـا
ثـمّ أبـاك ذا النـدى عَلِيّـا   ذاك الـذي نعرفُـه وَصِيّـا
والحسنَ الخيرَ الرِّضى الوليّا   وأسـدَ اللهِ الشهيـدَ الحَيّـا
وذا الجَناحَينِ الفتـى الكَمِيّـا   وفاطمـاً والطاهـر الزكيّـا
ومَن مضى مِن قَبلِـه تقيّـا   فـاللهُ قـد صَيَّرنـي وَلِيّـا

 

وقيل: إنّ الحجّاج بعد قتالٍ له عاد إلى الحسين عليه السلام وهو مخضَّبٌ بدمائه، فخاطبه قائلاً:

فَدَتْك نفسي هادياً مهديّا   اليومَ ألقى جَدَّك النبيّا
ثمّ أباك ذا الندى عليّـا   ذاك الذي نعرفه وصيّا

 

فأجابه الإمام الحسين عليه السلام: « نعم، وأنا ألقاهُما على أثرك ». فرجع الحجّاج يقاتل(11)... حتّى قتل (25) رجلاً ـ كما ذكر ابن شهرآشوب(12)، وقيل: قتل من القوم في مرّتين قرابة الخمسين رجلاً ـ كما ذكر المامقاني(13). وفي ( شرح الشافية ) لمحمد بن أمير الحاجّ الحسيني أنّ الحجّاج بن مسروق وغلامه ( مباركاً ) قتلا ( 150) ثمّ قُتِلا(14).

• ونُسبت إلى الحجّاج هذه الأرجوزة حين خرج إلى القوم ذابّاً عن إمامه الحسين عليه السلام، يُخاطبهم فيقول:

أتاكمُ الداعي أجيبُوا الداعي   بصارمٍ ماضي الشَّبا قَطّاعِ
فأبرزُوا نَحْوي بَني الرِّقاعِ   نحوَ غلامٍ بَطلٍ مُطاعِ(15)

 

فعبّر عن شجاعته أمامَ القوم، وعن دعوته لقتال أعداء الله، وعن استعداده للتضحية والفداء والشهادة. قيل: وخرج في أثره مولىً له يقال له ( مبارك )، فحملا على القوم، والتقيا بجماعةٍ من أصحاب عمر بن سعد لعنه الله، فتفرّقوا عنهما وجفلوا من بين أيديهما، ثمّ اجتمع عليهم الأعداء من كلّ جانب!(16)

 

أيُّ شرفٍ ذلك!

أن يَحفَظ المرءُ إيمانَه، ويَثبُتَ على الحقّ، وينصر إمامَ زمانه بروحه حتّى يُستشَهَد بين يديه، فيُؤبّنه الإمام ويحزن عليه قلبُه القدسيّ.. ثمّ يُدفن ذلك الشهيد إلى ما يشاء الله تعالى إلى جنب إمامه مَرْضيّاً مكرَّما، مَزُوراً في مَثواه مع جملة شهداء يوم عاشوراء في جميع المناسبات وعلى انفرادٍ في بعض الزيارات:
فنقول في الزيارة الرجبيّة الشريف: « اَلسَّلامُ على حَجّاجِ بنِ مَسروقِ الجُعفيّ »(17). ونزوره بزيارة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف يومَ عاشوراء للشهداء قائلين أيضاً: « اَلسَّلامُ عَلَى الحجّاجِ بن مَسروقِ الجُعفيّ »(18).
فأيُّ شَرَف ذاك الذي ناله الشهداء في كربلاء وقد حَظَوا بزيارة الأئمّة عليهم السلام إلى ما يشاء ربُّ العالمين. فهنيئاً لهم ولزائريهم ومحبّيهم، ولكلِّ مَن نادى بقلبه ولسانه:
« يا ليتَنا كنّا معكم، فنفوزَ فَوزاً عظيما ».

------------------
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 20:2، إبصار العين للسماويّ:151.
2 ـ الإرشاد للشيخ المفيد:224 ـ عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 376:44.
3 ـ تاريخ الطبريّ 307:3.
4 ـ ناسخ التواريخ لمحمّد تقي سپهر 399:2.
5 ـ منطقة يُنسب قصرها إلى مقاتل بن حسّان بن ثعلبة، يقع ذلك القصر بين عين التمر والقطقطانيّة والقُريّات.
6 ـ الفسطاط: الخيمة.
7 ـ الأخبار الطوال للدينوريّ:246.
8 ـ خزانة الأدب للبغدادي 298:1 ـ ط بولاق، أنساب الأشراف للبلاذريّ 291:5، الأخبار الطوال:250، الإرشاد:226.
9 ـ ناسخ التواريخ 399:2.
10 ـ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 20:2، وسيلة الدارين لإبراهيم بن ساجد الزنجانيّ:123، مناقب آل طالب لابن شهرآشوب 103:4، بحار الأنوار 25:24، الفتوح لابن أعثم الكوفيّ 199:5. وأسد الله: هو حمزة بن عبدالمطّلب رضوان الله عليه، وذو الجَناحَين: هو جعفر بن أبي طالب الطيّار رضوان الله عليه، والدعيّ: المُتّهم في نسبه ومَن يَدّعي غير أبيه، وهنا أراد به زياد ابن أبيه. ( يراجع: موسوعة دائرة المعارف الحسينيّة لمحمّد صادق محمّد الكرباسيّ ج 125 ـ ديوان القرن الأوّل ـ القسم الثاني:274 ـ 276 / القطعة 310 ).
11 ـ بحار الأنوار 25:45 ـ عن: مقتل الحسين عليه السلام للحائريّ العيون العبرى للميانجيّ:146.
12 ـ في: مناقب آل أبي طالب 12:4.
13 ـ في: تنقيح المقال ـ عند ترجمة الشهيد الحجّاج بن مسروق ـ عنه: العيون العبرى:146.
14 ـ عنه: ناسخ التواريخ 399:2. قال الخوارزميّ الحنفيّ في ( مقتل الحسين عليه السلام 20:2 ): ثمّ حمَلَ فقاتل حتّى قُتل.
15 ـ أسرار الشهادة للفاضل الدربنديّ 238:2 ـ المجلس السابع. والصارم: السيف، والماضي: السيف القاطع، والشَّبا: حدّ السيف.
16 ـ أسرار الشهادة 238:2.
17 ـ بحار الأنوار 340:101 / ح 1 ـ عن: الشيخ المفيد في ( المزار ) والسيّد ابن طاووس في ( مصباح الزائر ).
18 ـ بحار الأنوار 72:45 / ح 3.