الجزع على الحسين (علیه السلام)

تنويه :المراد من الجزع في لغة العرب هو نقيض الصبر فكل فعل يعبر عن التأثر الشديد و عدم التحمل هو مصداق من مصاديق الجزع فحقيقة الجزع هو الحزن بلا حدود ،و للجزع مراتب و درجات اقلها العويل و الضجيج و البكاء الشديد و لطم الوجه و ضرب الرأس  و اما المراتب الاعلى و الأشد هي ما يكون فيها هلاك النفس و الموت جزعا و هذا واضح من حديث الإمام السجاد صلوات الله وسلامه عليه مع زائِدة :
إنه لمَّا أصابنا بالطفِّ ما أصابنا، وقُتل أبي(عليه السلام) وقُتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يُواروا، فعظم ذلك في صدري، واشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبيَّنت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت علي فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقيَّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع؟ وقد أرى سيِّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرَّجين بدمائهم، مرمَّلين بالعراء، مسلَّبين لا يُكفَّنون ولا يوارون، لا يُعرِّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر ...
(عن كامل الزيارات ب 88 ص 274)

موطن الشاهد هنا:
العقيلةُ"صلوات الله وسلامه عليها" تقول له:
((ما لـي أراكَ تـجودُ بنفسك- والإمام يقول: فكادت نفسي تـخرج …))

وأمَّا بيانُ إمام زماننا "صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه" فهو أوضحُ مِن الشَّمْس.. إذ يقول "صلوات الله عليه" في زيارة النّاحية المُقدّسة:
(فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً ، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً ، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً ، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً ، حَسْرَةً عَلَيكَ ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً ، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَاب)
.
الإمام الحُجّة "صلوات الله عليه" يُصرّح ويقول: حتَّى أموتَ بلوعةِ المُصاب، وغُصّـةِ الاكتئاب..
يعني أجزع وأجزع وأجزع حتَّى أموت حُزناً وتأسّفاً على ما دهاك يا حُسين..
.
.
جزع آل محمد على الحسين صلوات الله عليهم
.
فقد روي عن الباقر (عليه السّلام) , أنّ زين العابدين (عليه السّلام) كان مع علمه وصبره , شديد الجزع والشّكوى لهذه المصيبة والبلوى ، وأنّه بكى على أبيه أربعين سنة بدمع مسفوح وقلب مقروح, يقطع نهاره بصيامه وليله بقيامه، فإذا حضر الطّعام لإفطاره , ذكر قتلاه ونادى: (( وا أباه ! )) .  ثمّ يقول : (( قُتل ابن رسول الله جائعاً , قُتل ابن رسول الله عطشاناً ، وأنا آكل طيباً وأشرب بارداً ))
(منتخب الطريحي)
.
.
- قيل للإمام السجاد (عليه السلام): إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ؟ فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي.
( مناقب آل أبي طالب ج4)
.
- قال الإمام الرضا (عليه السلام) : إن يوم قتل الحسين (عليه السلام) أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء !
(أمالي الصدوق)
.
.
- مقطع من رواية السيدة زينب عليها السلام عندما ادمت رأسها الشريف :
فالتفتت زينب عليها السلام فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول :
يا هلالا لما استتم كما لا *** غالهُ خسفهُ فأبدا غروبا
.
- قالت السيدة سكينة بنت الحسين (صلوات الله وسلامه عليها): لما قتل الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، اعتنقته فاغمي علي، فسمعته يقول:
شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني... أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
فقامت مرعوبة قد قرحت مآقيها، وهي تلطم على خديها، وإذا بهاتف يقول:
بكت الأرض والسماء عليه... بدموع غزيرة ودماء
تبكيان المقتول في كربلاء... بين غوغاء امة أدعياء
منع الماء وهو عنه قريب... عين ابكي الممنوع شرب الماء
(اللهوف ص 78)
.
.
- عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في زيارة الإمام الحسين (ع):
« ما أعظم مصيبتك عند أبيك رسول الله، وما أعظم مصيبتك عند من عرف الله عز وجل، وأجل مصيبتك عند الملأ الأعلى ، وعند أنبياء الله وعند رسل الله .... بأبي أنت وأمي يا سيدي، بكيتك يا خيرة الله وابن خيرته، وحق لي أن أبكيك، وقد بكتك السماوات والأرضون والجبال والبحار، فما عذري إن لم أبكك، وقد بكاك حبيب ربي، وبكتك الأئمة صلوات الله عليهم، وبكاك من دون سدرة المنتهى إلى الثرى جزعا عليك». (كامل الزيارات)
.
  ملاحظة : لا يوجد قياس بين حزن وجزع أهل البيت عليهم السلام وبين حزن وجزع شيعتهم على الحسين عليه السلام .
وأهل البيت عليهم السلام هم يطالبون الشيعة بالجزع وإظهار الجزع بالاضرار من أجل الحسين عليه السلام ، بالرغم من انه لا يوجد قادة في العالم يحافظون على أتباعهم مثل الائمة عليهم السلام، وخير دليل على ذلك التقية : من لا تقية له لا دين له، ولكن مع الحسين عليه السلام نراهم يدفعون شيعتهم حتى بالقتل من أجل الحسين عليه السلام ، وذلك من خلال ما نراه في تصرفاتهم ورواياتهم ، مثلا : السيدة رباب حزنت حتى الموت وهي على مرأى ومشاهدة الامام المعصوم السجاد عليه السلام ولم ينهى عن ذلك .
.
.
الجزع على الحسين و ندبته من أفضل العبادات التي نتقرب بها إلى إمام زماننا الحجة ابن الحسن
.
- عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنّه فيه مأجور.
(عن كامل الزيارات ب 32 ص 107 ح 2)
.
.
- عن الباقر عليه السلام : من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام في يوم عاشوراء ... قال : قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها .. ؟ قال : اذا كان كذلك برز الى الصّحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ اليه بالسّلام ... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه ويقم في داره المُصيبة باظهار الجزع عليه .
.
.
- عن أبي عبد الله الصادق (ع) :و قد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي، وعلى مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب.
(التهذيب ج ٨ ص ٣٢٥)
.
.
- مقطع من دعاء يقرأ بعد زيارة الأنصار الشهداء :
(اللّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري ، وَارْحَمْ مَسِيري إلَيْكَ وَإلى ابْنِ حَبِيبِكَ ، وَاقْلِبْني مُفْلِحاً مُنْجِحاً قَدْ قَبِلْتَ مَعْذِرَتي وَخُضوعي وَخُشُوعي عِنْدَ إمامي وَسَيِّدي وَمَولايَ ، وَارْحَمْ صَرْخَتي وَبُكائي وَهَمِّي وَجَزَعي وَخُشُوعِي وَحُزْني ، وَما قَدْ باشَرَ قَلْبي مِنَ الجَزَع عَلَيْ)
(كامل الزّيارات )
.
.
- مقاطع من دعاء الندبة الشريف :
(فَعَلَى الأطائِبِ مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وَآلِهِما فَلْيَبْكِ الْباكُونَ، وَإيّاهُمْ فَلْيَنْدُبِ النّادِبُونَ، وَلِمِثْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ الدُّمُوعُ، وَلْيَصْرُخِ الصّارِخُونَ، وَيَضِجَّ الضّاجُّونَ، وَيَعِـجَّ الْعاجُّوَن)
.
( أيْنَ الطّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاءَ .... عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ أبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ أنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى، هَلْ مِنْ مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ إذا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى)
.
.
- يقولُ مُعاويةُ بنُ وهب :
استأذنتُ على أبي عبْدِ اللهِ"عليهِ السَّلام"فقِيلَ لي:
أدخلْ فدخلتُ فوجدتهُ في مُصلاهُ في بيتهِ، فجلستُ حتَّى قضى صلاتهُ فسمعْتهُ وهو يُناجي ربَّهُ ويقــول:
( يا من خصَّنا بالكَرامةِ وخصَّنا بالوصيَّةِ ووعدنا الشَّفاعة، وأعطانا عِلْمَ ما مَضى وما بقِيَ، وجَعَل أفئدةً من النَّاسِ تهوي إلينا، اغفرْ لي ولإخواني ولِزُوَّارِ قبْرِ أبي [عبْدِ اللهِ] الحُسينِ"عليهِ السَّلام"
الذينَ أنفقوا أموالهم وأشْخَصوا أبدانهم؛ رغبةً في بِرّنا ورجاءً لِما عِنْدكَ في صِلَتِنا، وسُروراً أدخلوهُ على نبيّك صَلواتُكَ عليهِ وآلهِ،
وإجابةً منْهم لأمْرِنا وغَيظاً أدخَلُوهُ على عدوّنا ....
فارْحم تلكَ الوُجوه الَّتي قد غيَّرتْها حرارةُ الشَّمس، وارْحَم تلكَ الخُدود الَّتي تقلَّبتْ على حُفْرةِ أبي عبد الله"عليهِ السَّلام"
وارحمْ تِلكَ الأعين الَّتي جَرَتْ دُموعُها رحمةً لنا، وارحمْ تلكَ القُلوب الَّتي جزعتْ واحترقتْ لنا،
وارحمْ تلكَ الصَّرخة الَّتي كانتْ لنا، الَّلهُمَّ إنّي أستودعكَ تلكَ الأنفس، وتلك الأبدان حتَّى نوافيهم على الحَوض يومَ العَطَش...)
[كامل الزّيارات]
.
.
- يقولُ الصَّادقُ الأطهرُ"عليهِ السَّلام":
(يا مسْمَع !.. أنتَ من أهل العراق ، أما تأتي قبْرَ الحُسين ؟.. قلتُ :
لا ، أنا رجلٌ مشهور من أهْل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وأعداؤنا كثيرةٌ من أهل القبائل من النُّصّاب وغيرهم ، ولستُ آمنهم أن يرفعوا عليَّ حالي عند ولد سليمان فيمثّلون عليّ .
قال لي:
أفما تذكر ما صُنِعَ به ؟.. قلتُ : بلى ، قالَ : فتجزع ؟.. قلتُ :
إي والله !.. وأستعبِرُ لذلك ، حتَّى يرى أهلي أثَرَ ذلكَ عليّ ، فأمتنعُ من الطَّعام حتَّى يستبينَ ذلكَ في وجهي ، قال :
رحِمَ اللهُ دمعتكَ !.. أما إنّكَ من الَّذين يُعَدُّون في أهْل الجَزَع لنا والَّذين يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ، ويأمنون إذا أمِنّا .
أما إنّما سترى عند موتك وحضورَ آبائي لكَ ووصيتهم ملكَ الموت بك ، وما يلقّونك به من البشارة ما تقرّ به عينكَ قبل الموت ، فمَلَكُ الموتِ أرقُّ عليكَ وأشدُّ رحمةً لك من الأم الشفيقة على ولدها .
ثم استعبر واستعبرتُ معه .. فقال :
الحمدُ لله الَّذي فضّلنا على خلقهِ بالرَّحمة ، وخصّنا أهْل البيت بالرَّحمة.
يا مسمع !.. إنَّ الأرض والسَّماء لتبكي منذُ قتُل أميرُ المُؤمنين رحمةً لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأتْ دُموع الملائكة مُنذ قُتلنا ، وما بكى أحدٌ رحمةً لنا ولما لقينا ، إلا رَحِمَه الله قبل أن تخرجَ الدَّمعة من عينه ، فإذا سالَت دُموعهُ على خده فلو أن قطرةً من دموعهِ سقطتْ في جهنم ، لأطفأت حرّها حتَّى لا يوجد لها حرّ .
وإنَّ المُوجِعَ قلبهُ لنا ليفرح يوم يرانا عِندَ موته ، فرحةً لا تزالُ تلكَ الفرحة في قلبه حتى يَرِدَ علينا الحوض ، وإنَّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتَّى أنه ليُذيقه من ضُروب الطَّعام ما لا يشتهي أن يصدُرَ عنه).
[كامل الزيارات]
.
.
  ملاحظة : وليس خفياً فإنّ الحزن والجزع على مراتب يختلف التعبير عنها من إنسان لآخر بحسب انفعاله وتأثره، فقد يكون التعبير عن الحزن بالتحسر والتوجّع، أو بالإكثار من الإسترجاع والحوقلة، أو بالسكوت والإنطواء، أو بترك الملّذات والمسرّات، أو بلبس ثياب الاحزان والظهور بمظهر أهل المصاب، أو بالبكاء والنحيب، أو بالصراخ والعويل، أو بلطم الوجه ولطم الصدر، أو بضرب الرأس أو الجسد باليد أو بالحجر أو غيره، أو بضرب نفسه بالأرض، أو بحثو التراب والرماد على الرأس والوجه والبدن، أو بالإنقطاع عن الطعام والشراب، أو بهجر النوم والفراش، أو بأي فعل آخر يكون بحسب العرف أو بحسب ذوق أهل المصاب وبحسب ما يستشعره صاحب المصيبة بأنه قد فعل شيئاً يُعبِّرُ فيه عن عظم مصابه ورزيته (مصيبةً ما أعظمها وأعظمَ رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات
والارض).